العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة آل عمران

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 07:48 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة آل عمران[من الآية (10) إلى الآية (13) ]

تفسير سورة آل عمران
[من الآية (10) إلى الآية (13) ]

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 09:16 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئًا وأولئك هم وقود النّار}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {إنّ الّذين كفروا} إنّ الّذين جحدوا الحقّ الّذي قد عرفوه من نبوّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من يهود بني إسرائيل ومنافقيهم، ومنافقي العرب وكفّارهم الّذين في قلوبهم زيغٌ، فهم يتّبعون من كتاب اللّه المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله {لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئًا} يعني بذلك أنّ أموالهم وأولادهم لن تنجيهم من عقوبة اللّه إن أحلّها بهم عاجلاً في الدّنيا على تكذيبهم بالحقّ بعد تبيّنهم، واتّباعهم المتشابه طلب اللّبس فتدفعها عنهم، ولا يغني ذلك عنهم منها شيئًا، {وأولئك هم وقود النّار} يعني بذلك حطبها). [جامع البيان: 5/234]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ الّذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئًا وأولئك هم وقود النّار (10) كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كذّبوا بآياتنا فأخذهم اللّه بذنوبهم واللّه شديد العقاب (11)
قوله تعالى: إنّ الّذين كفروا
- حدّثنا المنذر بن شاذان، ثنا هوذة، ثنا عوفٌ، عن عبد اللّه بن الحارث بن نوفلٍ قال: سمعت كعبًا يقول: الّذين كفروا قال: هؤلاء أهل النّار.
قوله تعالى: لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم مّن اللّه شيئا وأولئك هم وقود النار
- حدّثنا أبي ثنا ابن أبي مريم، أنبأ ابن لهيعة، أخبرني ابن الهاد، عن هند بنت الحارث، عن أمّ الفضل أمّ عبد اللّه بن عبّاسٍ قالت: بينما نحن بمكّة، قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من اللّيل فنادى: اللّهمّ هل بلّغت، اللّهمّ هل بلّغت، ثلاثًا، فقام عمر بن الخطّاب فقال: نعم، ثمّ أصبح، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ليظهرنّ الإسلام حتّى يردّ الكفر إلى موطنه، وليخوضنّ البحار بالإسلام، وليأتينّ على النّاس زمانٌ يتعلّمون القرآن ويقرءونه ثمّ يقولون: قد قرأنا القرآن، وعلمنا فمن هذا الّذي هو خيرٌ منّا، فهل في أولئك من خيرٍ؟ قالوا:
يا رسول اللّه: فمن أولئك؟. قال أولئك منكم ، وأولئك هم وقود النّار). [تفسير القرآن العظيم: 2/603-604]

تفسير قوله تعالى: (كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كذّبوا بآياتنا فأخذهم اللّه بذنوبهم واللّه شديد العقاب}
يعني بذلك جلّ ثناؤه أنّ الّذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئًا عند حلول عقوبتنا بهم، كسنّة آل فرعون وعادتهم، والّذين من قبلهم من الأمم الّذين كذّبوا بآياتنا، فأخذناهم بذنوبهم فأهلكناهم حين كذّبوا بآياتنا، فلم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئًا حين جاءهم بأسنا كالّذي عوجلوا بالعقوبة على تكذيبهم ربّهم من قبل آل فرعون من قوم نوحٍ وقوم هودٍ وقوم لوطٍ وأمثالهم.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {كدأب آل فرعون} فقال بعضهم: معناه: كسنّتهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق بن الحجّاج، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {كدأب آل فرعون} يقول: كسنّتهم
وقال بعضهم: معناه: كعملهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، جميعًا، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {كدأب آل فرعون} قال: كعمل آل فرعون.
- حدّثنا يحيى بن أبي طالبٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: {كدأب آل فرعون} قال: كعمل آل فرعون.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {كدأب آل فرعون} قال:كاعمالهم كفعلهم كتكذيبهم حين كذّبوا الرّسل، وقرأ قول اللّه: {مثل دأب قوم نوحٍ} أن يصيبكم مثل الّذي أصابهم عليه من عذاب اللّه، قال: الدّأب: العمل.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو تميلة يحيى بن واضحٍ، عن أبي حمزة، عن جابرٍ، عن عكرمة، ومجاهدٍ، في قوله: {كدأب آل فرعون} قال: كفعل آل فرعون، كشأن آل فرعون.
- حدّثت عن المنجاب، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {كدأب آل فرعون} قال: كصنع آل فرعون
وقال آخرون: معنى ذلك: كتكذيب آل فرعون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كذّبوا بآياتنا فأخذهم اللّه بذنوبهم} ذكر الّذين كفروا فقال تكذيبهم كمثل تكذيب الّذين من قبلهم في الجحود والتّكذيب وأصل الدّأب من دأبت في الأمر دأبًا: إذا أدمنت العمل والتّعب فيه. ثمّ إنّ العرب نقلت معناه إلى الشّأن والأمر والعادة كما قال امرؤ القيس بن حجرٍ:
وإنّ شفائي عبرةٌ مهراقةٌ = فهل عند رسمٍ دارسٍ من معوّل.
كدأبك من أمّ الحويرث قبلها...وجارتها أمّ الرّباب بمأسل
يعني بقوله كدأبك: كشأنك وأمرك وفعلك، يقال منه: هذا دأبي ودأبك أبدًا، يعني به فعلي وفعلك وأمري وأمرك، وشأني وشأنك، يقال منه: دأبت دؤوبًا ودأبًا، وحكي عن العرب سماعًا: دأبت دأبًا مثقّلةً محرّكة الهمزة، كما قيل: هذا شعرٌ ونهرٌ، فتحرّك ثانيه؛ لأنّه حرفٌ من الحروف السّتّة، فألحق الدّأب إذ كان ثانيه من الحروف السّتّة، كما قال الشّاعر:
له نعلٌ لا يطّبي الكلب ريحها = وإن وضعت بين المجالس شمّت
وأمّا قوله {واللّه شديد العقاب} فإنّه يعني به: واللّه شديدٌ عقابه لمن كفر به وكذّب رسله بعد قيام الحجّة عليه). [جامع البيان: 5/234-237]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: كدأب آل فرعون
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، أنبأ بشرٌ بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: كدأب آل فرعون قال: كصنيع آل فرعون.
قال أبو محمّدٍ: وروي عن أبي مالكٍ والضّحّاك ومجاهدٍ وعكرمة نحو ذلك وروي عن الرّبيع بن أنسٍ أنّه قال: كشبيه آل فرعون.
قوله تعالى: والّذين من قبلهم كذّبوا بآياتنا فأخذهم اللّه بذنوبهم
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسياط، عن السّدّيّ كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كذّبوا بآياتنا ذكر الّذين كفروا فقال بتكذيبهم كمثل الّذين من قبلهم في الجحود والتكذيب.
قوله تعالى: واللّه شديد العقاب
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبدة، ثنا حمّاد بن زيدٍ، عن عليّ بن زيدٍ قال:
تلا مطرّفٌ هذه الآية شديد العقاب قال: لو يعلم النّاس قدر عقوبة اللّه، ونقمة اللّه وبأس اللّه، ونكال اللّه، لما رقأ لهم دمعٌ وما قرّت أعينهم بشيءٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/603-604]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {كدأب آل فرعون} قال: كصنيع آل فرعون.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {كدأب آل فرعون} قال: كفعل
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد، مثله.
وأخرج ابن جرير عن الربيع {كدأب آل فرعون} يقول: كسنتهم). [الدر المنثور: 3/473-474]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) )
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {وبئس المهاد} قال: بئس ما مهدوه لأنفسهم). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 72]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد}
اختلفت القرّاء في ذلك فقرأه بعضهم: {قل للّذين كفروا سغلبون وتحشرون} بالتّاء على وجه الخطاب للّذين كفروا بأنّهم سيغلبون واحتجّوا لاختيارهم قراءة ذلك بالتّاء بقوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين} قالوا: ففي ذلك دليلٌ على أنّ قوله: {ستغلبون} كذلك الخطّاب لهم وذلك هو قراءة عامّة قرّاء الحجاز والبصرة وبعض الكوفيّين وقد يجوز لمن كانت نيّته في هذه الآية أنّ الموعودين بأن يغلبوا هم الّذين أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بأن يقول ذلك لهم أن يقرأه بالياء والتّاء؛ لأنّ الخطاب الوحي حين نزل لغيرهم، فيكون نظير قول القائل في الكلام: قلت للقوم: إنّكم مغلوبون، وقلت لهم: إنّهم مغلوبون.
وقد ذكر أنّ في قراءة عبد اللّه: قل للّذين كفروا إن تنتهوا يغفر لكم وهي في قراءتنا: {إن ينتهوا يغفر لهم}
وقرأت ذلك جماعةٌ من قرّاء أهل الكوفة: (سيغلبون ويحشرون) على معنى: قل لليهود: سيغلب مشركو العرب ويحشرون إلى جهنّم، ومن قرأ ذلك كذلك على هذا التّأويل لم يجز في قراءته غير الياء.
والّذي نختار من القراءة في ذلك قراءة من قرأه بالتّاء، بمعنى: قل يا محمّد للّذين كفروا من يهود بني إسرائيل الّذين يتّبعون ما تشابه من آي الكتاب الّذي أنزلته إليك ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد.
وإنّما اخترنا قراءة ذلك كذلك على قراءته بالياء لدلالة قوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين} على أنّهم بقوله {ستغلبون} مخاطبون خطابهم بقوله: قد كان لكم، فكان إلحاق الخطّاب بمثله من الخطاب أولى من الخطاب بخلافه من الخبر عن غائبٍ،
وأخرى أنّ:أبا كريبٍ
- حدّثنا قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا أصاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قريشًا يوم بدرٍ فقدم المدينة جمع يهود في سوق بني قينقاعٍ فقال: يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشًا، فقالوا: يا محمّد لا تغرّنّك نفسك أنّك قتلت نفرًا من قريشٍ كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال، إنّك واللّه لو قاتلتنا لعرفت أنّا نحن النّاس، وأنّك لم تأت مثلنا، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قولهم: {قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد} إلى قوله: {لأولي الأبصار}
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: لمّا أصاب اللّه قريشًا يوم بدرٍ، جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يهود في سوق بني قينقاعٍ حين قدم المدينة، ثمّ ذكر نحو حديث أبي كريبٍ، عن يونس.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان من أمر بني قينقاعٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جمعهم بسوق بني قينقاعٍ، ثمّ قال: يا معشر اليهود احذروا من اللّه مثل ما أنزل بقريشٍ من النّقمة، وأسلموا فإنّكم قد عرفتم أنّي نبيٌّ مرسلٌ تجدون ذلك في كتابكم، وعهد اللّه إليكم فقالوا: يا محمّد، إنّك ترى أنّا كقومك، لا يغرّنّك أنّك لقيت قومًا لا علم لهم بالحرب فأصبت فيهم فرصةً، إنّا واللّه لئن حاربناك لتعلمن أنّا نحن النّاس.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى آل زيد بن ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: ما نزلت هؤلاء الآيات إلاّ فيهم: {قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد} إلى: {لأولي الأبصار}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، في قوله: {قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد} قال فنحاص اليهوديّ في يوم بدرٍ: لا يغرّنّ محمّدًا أن غلب قريشًا وقتلهم، إنّ قريشًا لا تحسن القتال، فنزلت هذه الآية: {قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد}
قال أبو جعفرٍ: فكلّ هذه الأخبار تنبئ عن أنّ المخاطبين بقوله: {ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد} هم اليهود المقول لهم: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين} الآية، وتدلّ على أنّ قراءة ذلك بالتّاء أولى من قراءته بالياء.
ومعنى قوله: {وتحشرون} وتجمعون فتجلبون إلى جهنّم.
وأمّا قوله: {وبئس المهاد} وبئس الفراش جهنّم الّتي تحشرون إليها،
- وكان مجاهدٌ يقول كالّذي:حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وبئس المهاد} قال: بئسما مهدوا لأنفسهم
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله). [جامع البيان: 5/238-241]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد (12) قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ يرونهم مثليهم رأي العين واللّه يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار (13)
قوله تعالى: قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن المقدام أبو الأشعث، ثنا محمّد بن بكرٍ البرسانيّ، ثنا سليم بن نفيعٍ القرشيّ، عن خلفٍ أبي الفضل القرشيّ عن كتاب عمر بن عبد العزيز قال: قول اللّه: قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد فأخبر بعذابهم بالقتل في الدّنيا وفي الآخرة بالنّار، وهم أحياءٌ بمكّة.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد ابن إسحاق: فحدّثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: لمّا أصاب اللّه قريشًا يوم بدرٍ، جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يهود في سوق بني قينقاع، ثمّ قدم المدينة فقال: يا معشر يهودٍ أسلموا قبل أن يصيبكم اللّه بمثل ما أصاب به قريشًا. قالوا له:
يا محمّد لا يغرّنّك من نفسك أن قتلت نفرًا من قريشٍ كانوا أعمارًا لا يعرفون القتال، إنّك واللّه لو قاتلتنا لعرفت أنّا نحن النّاس، وأنّك لم تلق مثلنا، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قولهم قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد إلى قوله: لعبرةً لأولي الأبصار.
قوله تعالى: وبئس المهاد
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: وبئس المهاد قال: وبئس ما مهدوا لأنفسهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/604-606]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وبئس المهاد قال بئس ما مهدوا لأنفسهم). [تفسير مجاهد: 122]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د) ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: لما أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قريشاً يوم بدرٍ، وقدم المدينة، جمع اليهود في سوق بني قينقاعٍ، فقال: يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً، قالوا: يا محمد، لا يغرّنك من نفسك أن قتلت نفراً من قريشٍ كانوا أغماراً لا يعرفون القتال، إنّك لو قاتلتنا لعرفت أنّا نحن الناس، وأنّك لم تلق مثلنا، فأنزل اللّه تعالى في ذلك: {قل للّذين كفروا ستغلبون إلى قوله: {فئةٌ تقاتل في سبيل الله} - ببدرٍ - {وأخرى كافرةٌ} [آل عمران: 12، 13]. أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
(أغماراً) الأغمار: جمع غمر بضم الغين، وهو الجاهل الغر الذي لم يجرب الأمور). [جامع الأصول: 2/65-66]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيتان 12 - 13.
أخرج ابن إسحاق، وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصاب من بدر ورجع إلى المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال: يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بما أصاب قريشا فقالوا: يا محمد لا يغرنك من نفسك أن قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا ولا يعرفون القتال إنك والله لوما قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وأنك لم تلق مثلنا، فأنزل الله {قل للذين كفروا ستغلبون} إلى قوله {لأولي الأبصار}.
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن عاصم بن عمر عن قتادة، مثله.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة قال: قال فنحاص اليهودي في يوم بدر: لا يغرن محمدا أن غلب قريشا وقتلهم إن قريشا لا تحسن القتال
فنزلت هذه الآية {قل للذين كفروا ستغلبون} ). [الدر المنثور: 3/474-476]

تفسير قوله تعالى: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين قال يضعفون عليهم فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين يوم بدر). [تفسير عبد الرزاق: 1/116]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى قد كان لكم آية في فئتين التقتا قال ذلك يوم بدر التقى المسلمون والكفار). [تفسير عبد الرزاق: 1/117]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ يرونهم مثليهم رأي العين واللّه يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: قل يا محمّد للّذين كفروا من اليهود الّذين بين ظهراني بلدك: قد كان لكم آيةٌ يعني علامةً ودلالةً على صدق ما أقول أنّكم ستغلبون وعبرةٌ.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {قد كان لكم آيةٌ} عبرةٌ وتفكّرٌ
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله إلاّ أنّه قال: ومتفكّرٌ
{في فئتين} يعني في فرقتين وحزبين والفئة الجماعة من النّاس التقتا للحربٍ، وإحدى الفئتين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومن كان معه ممّن شهد وقعة بدرٍ، والأخرى مشركو قريشٍ، {فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه}، جماعةٌ تقاتل في طاعة اللّه وعلى دينه، وهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، {وأخرى كافرةٌ} وهم مشركو قريشٍ.
- كما: حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه} أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ببدرٍ، {وأخرى كافرةٌ} فئة قريشٍ الكفّار
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه} محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، {وأخرى كافرةٌ} قريشٌ يوم بدرٍ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين} قال: في محمّدٍ وأصحابه ومشركي قريشٍ يوم بدرٍ
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه} قال: ذلك يوم بدرٍ التقى المسلمون والكفّار
ورفعت {فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه} وقد قيل قبل ذلك في فئتين، بمعنى: إحداهما تقاتل في سبيل اللّه على الابتداء، كما قال الشّاعر:
فكنت كذي رجلين رجلٌ صحيحةٌ = ورجلٌ رمى فيها الزّمان فشلّت
وكما قال ابن مفرغٍ:
فكنت كذي رجلين رجلٌ صحيحةٌ = ورجلٌ بها ريبٌ من الحدثان.
فأمّا الّتي صحّت فأزد شنوءةٍ = وأمّا الّتي شلّت فأزد عمان
وكذلك تفعل العرب في كلّ مكرّرٍ على نظيرٍ له قد تقدّمه إذا كان مع المكرّر خبرٌ تردّه على إعراب الأوّل مرّةً وتستأنفه ثانيةً بالرّفع، وتنصبه في التّامّ من الفعل والنّاقص، وقد جرّ ذلك كلّه، فخفض على الرّدّ على أوّل الكلام، كأنّه يعني إذا خفض ذلك فكنت كذي رجلين كذي رجلٍ صحيحةٍ ورجلٍ سقيمةٍ. وكذلك الخفض في قوله: {فئةٌ}، جائزٌ على الرّدّ على قوله: {في فئتين التقتا}، في فئةٍ تقاتل في سبيل اللّه،
وهذا وإن كان جائزًا في العربيّة، فلا أستجيز القراءة به لإجماع الحجّة من القرّاء على خلافه، ولو كان قوله: {فئةٌ} جاء نصبًا كان جائزًا أيضًا على قوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا} مختلفتين). [جامع البيان: 5/241-244]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يرونهم مثليهم رأي العين}
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته قرّاء أهل المدينة: (ترونهم) بالتّاء، بمعنى: قد كان لكم أيّها اليهود آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه، والأخرى كافرةٌ، ترون المشركين مثلي المسلمين رأي العين، يريد بذلك عظتهم، يقول: إنّ لكم عبرةً أيّها اليهود فيما رأيتم من قلّة عدد المسلمين، وكثرة عدد المشركين، وظفر هؤلاء مع قلّة عددهم بهؤلاء مع كثرة عددهم،
وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة والبصرة وبعض المكّيّين: {يرونهم مثليهم} بالياء، بمعنى، يرى المسلمون الّذين يقاتلون في سبيل اللّه الجماعة الكافرة مثلي المسلمين في القدر. فتأويل الآية على قراءتهم: قد كان لكم يا معشر اليهود عبرةٌ ومتفكّرٌ في فئتين التقتا، فئةٌ تقاتلٌ في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ، يرى هؤلاء المسلمون مع قلّة عددهم هؤلاء المشركين في كثرة عددهم
فإن قال قائلٌ: وما وجه تأويل قراءة من قرأ ذلك بالياء؟ وأيّ الفئتين رأت صاحبتها مثليها؟ الفئة المسلمة هي الّتي رأت المشركة مثليها أم المشركة هي الّتي رأت المسلمة كذلك أم غيرهما رأت إحداهما كذلك؟
قيل: اختلف أهل التّأويل في ذلك، فقال بعضهم: الفئة الّتي رأت الأخرى مثلي أنفسها الفئة المسلمة رأت عدد الفئة المشركة مثلي عدد الفئة المسلمة، قلّلها اللّه عزّ وجلّ في أعينها حتّى رأتها مثلي عدد أنفسها، ثمّ قلّلها في حالٍ أخرى، فرأتها مثل عدد أنفسها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا موسى، قال، حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ يرونهم مثليهم رأي العين} قال: هذا يوم بدرٍ، قال عبد اللّه بن مسعودٍ: قد نظرنا إلى المشركين، فرأيناهم يضعّفون علينا، ثمّ نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلاً واحدًا، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقلّلكم في أعينهم}، فمعنى الآية على هذا التّأويل: قد كان لكم يا معشر اليهود آيةٌ في فئتين التقتا: إحداهما مسلمةٌ، والأخرى كافرةٌ، كثيرٌ عدد الكافرة، قليلٌ عدد المسلمة ترى الفئة القليل عددها الكثير عددها أمثالا أنّما تكثرها من العدد بمثلٍ واحدٍ، فهم يرونهم مثليهم، فيكون أحد المثلين عند ذلك العدد الّذي هو مثل عدد الفئة الّتي رأتهم، والمثل الآخر الضّعف الزّائد على عددهم، فهذا أحد معنيي التّقليل الّذي أخبر اللّه عزّ وجلّ المؤمنين أنّه قلّلهم في أعينهم،
والمعنى الآخر منه: التّقليل الثّاني على ما قاله ابن مسعودٍ وهو أن أراهم عدد المشركين مثل عددهم لا يزيدون عليهم، فذلك التّقليل الثّاني الّذي قال اللّه جلّ ثناؤه: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً}
وقال آخرون من أهل هذه المقالة: إنّ الّذين رأوا المشركين مثلي أنفسهم هم المسلمون غير أنّ المسلمين رأوهم على ما كانوا به من عددهم، لم يقلّلوا في أعينهم، ولكنّ اللّه أيّدهم بنصره، قالوا: ولذلك قال اللّه عزّ وجلّ لليهود: قد كان لكم فيهم عبرةٌ؛ يخوّفهم بذلك أن يحلّ بهم منهم مثل الّذي حلّ بأهل بدرٍ على أيديهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ} أنزلت في التّخفيف يوم بدرٍ، فإنّ المؤمنين كانوا يومئذٍ ثلاثمائةٍ وثلاثة عشر رجلاً، وكان المشركون مثليهم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ يرونهم مثليهم رأي العين} وكان المشركون ستّةً وعشرين وستّمائةٍ، فأيّد اللّه المؤمنين، فكان هذا الّذي في التّخفيف على المؤمنين
وهذه الرّواية خلاف ما تظاهرت به الأخبار عن عدّة المشركين يوم بدرٍ، وذلك أنّ النّاس إنّما اختلفوا في عددهم على وجهين، فقال بعضهم: كان عددهم ألفًا، وقال بعضهم: ما بين التّسعمائة إلى الألف.
ذكر من قال: كان عددهم ألفًا:
- حدّثني هارون بن إسحاق الهمدانيّ، قال: حدّثنا مصعب بن المقدام، قال: حدّثنا إسرائيل، قال: حدّثنا أبو إسحاق، عن حارثة، عن عليٍّ، قال: سار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى بدرٍ، فسبقنا المشركين إليها، فوجدنا فيها رجلين، منهم رجلٌ من قريشٍ، ومولًى لعقبة بن أبي معيطٍ؛ فأمّا القرشيّ فانفلت وأمّا مولى عقبة فأخذناه، فجعلنا نقول: كم القوم؟ فيقول: هم واللّه كثيرٌ شديدٌ بأسهم، فجعل المسلمون إذا قال ذلك ضرّبوه حتّى انتهوا به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال له: كم القوم؟ فقال: هم واللّه كثيرٌ شديدٌ بأسهم، فجهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على أن يخبرهم كم هم، فأبى، ثمّ إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سأله: كم تنحرون من الجزر؟ قال: عشرةٌ كلّ يومٍ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: القوم ألفٌ.
- حدّثني أبو سعيد بن يوشع البغداديّ، قال: حدّثنا إسحاق بن منصورٍ، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه، قال: أسرنا رجلاً منهم يعني من المشركين يوم بدرٍ فقلنا: كم كنتم؟ قال: ألفًا.
ذكر من قال: كان عددهم ما بين التّسعمائة إلى الألف:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: حدّثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزّبير، قال: بعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نفرًا من أصحابه إلى ماء بدرٍ يلتمسون الخبر له عليه، فأصابوا راويةً من قريشٍ فيها أسلم غلام بني الحجّاج، وعريضٌ أبو يسارٍ غلام بني العاص، فأتوا بهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لهما: كم القوم؟ قالا: كثيرٌ قال: ما عدّتهم؟ قالا: لا ندري، قال: كم تنحرون كلّ يومٍ؟ قالا: يومًا تسعًا ويومًا عشرًا، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: القوم ما بين التّسعمائة إلى الألف.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ يرونهم مثليهم رأي العين} ذلكم يوم بدرٍ ألّف المشركون، أو قاربوا، وكان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاثمائةٍ وبضعة عشر رجلا.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ} إلى قوله: {رأي العين} قال: يضعّفون عليهم فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين يوم بدرٍ.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ يرونهم مثليهم رأي العين} قال: كان ذلك يوم بدرٍ، وكان المشركون تسعمائةٍ وخمسين، وكان أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاثمائةٍ وثلاثة عشر.
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاثمائةٍ وبضعة عشر، والمشركون ما بين التّسعمائة إلى الألف
فكلّ هؤلاء الّذين ذكرنا مخالفون القول الّذي رويناه عن ابن عبّاسٍ في عدد المشركين يوم بدرٍ، فإذا كان ما قاله من حكيناه ممّن ذكر أنّ عددهم كان زائدًا على التّسعمائة، فالتّأويل الأوّل الّذي قلناه على الرّواية الّتي روينا عن ابن مسعودٍ أولى بتأويل الآية.
وقال آخرون: كان عدد المشركين زائدًا على التّسعمائة، فرأى المسلمون عددهم على غير ما كانوا به من العدد، وقالوا: أرى اللّه المسلمين عدد المشركين قليلاً آيةً للمسلمين، قالوا: وإنّما عنى اللّه عزّ وجلّ بقوله: {يرونهم مثليهم} المخاطبين بقوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين} قالوا: وهم اليهود غير أنّه رجع من المخاطبة إلى الخبر عن الغائب، لأنّه أمرٌ من اللّه جلّ ثناؤه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقول ذلك لهم، فحسن أن يخاطب مرّةً ويخبر عنهم على وجه الخبر مرّةً أخرى، كما قال: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريحٍ طيبةٍ}.
وقالوا: فإن قال لنا قائلٌ: فكيف قيل: {يرونهم مثليهم رأي العين} وقد علمتم أنّ المشركين كانوا يومئذٍ ثلاثة أمثال المسلمين؟ قلنا لهم: كما يقول القائل وعنده عبدٌ احتاج إلى مثله: فانت محتاجٌ إليه وإلى مثله، ثمّ يقول: أحتاج إلى مثليه، فيكون ذلك خبرًا عن حاجته إلى مثله وإلى مثلي ذلك المثل، وكما يقول الرّجل: معي ألفٌ وأحتاج إلى مثليه، فهو محتاجٌ إلى ثلاثةٍ؛ فلمّا نوى أن يكون الألف داخلاً في معنى المثل صار المثل أثنين والاثنان ثلاثةً، قال: ومثله في الكلام: أراكم مثلكم، كانه قال: إنّ لكم ضعفكم، وأراكم مثليكم، يعني أراكم ضعفيكم، قالوا: فهذا على معنى ثلاثة أمثالهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنّ اللّه أرى الفئة الكافرة عدد الفئة المسلمة مثلي عددهم
وهذا أيضًا خلاف ما دلّ عليه ظاهر التّنزيل؛ لأنّ اللّه جلّ ثناؤه قال في كتابه: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقلّلكم في أعينهم} فأخبر أنّ كلا من الطّائفتين قلّل عددهم في مرأى الأخرى.
وقرأ آخرون ذلك: ترونهم بضمّ التّاء، بمعنى: يريكموهم اللّه مثليهم.
وأولى هذه القراءات بالصّواب قراءة من قرأ: {يرونهم} بالياء، بمعنى: وأخرى كافرةٌ يراهم المسلمون مثليهم، يعني مثلي عدد المسلمين لتقليل اللّه إيّاهم في أعينهم في حالٍ، فكان حزرهم إيّاهم كذلك، ثمّ قلّلهم في أعينهم عن التّقليل الأوّل، فحزروهم مثل عدد المسلمين، ثمّ تقليلاً ثالثًا، فحزروهم أقلّ من عدد المسلمين.
- كما: حدّثني ابن بزيغ البغداديّ، قال: حدّثنا إسحاق بن منصورٍ، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه، قال: لقد قلّلوا في أعيننا يوم بدرٍ حتّى قلت لرجلٍ إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: أراهم مائةً، قال: فأسرنا رجلاً منهم، فقلنا كم كنتم؟ قال: ألفًا.
وقد روي عن قتادة أنّه كان يقول: لو كانت ترونهم، لكانت مثليكم
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثني عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن ابن المعرّك، عن معمرٍ عن قتادة، بذلك.
ففي الخبرين اللّذين روينا عن عبد اللّه بن مسعودٍ، ما أبان عن اختلاف، حزر المسلمين يومئذٍ عدد المشركين في الأوقات المختلفة، فأخبر اللّه عزّ وجلّ - عمّا كان من اختلاف أحوال عددهم عند المسلمين - اليهود على ما كان به عندهم، مع علم اليهود بمبلغ عدد الفئتين؛ إعلامًا منه لهم أنّه مؤيّد المؤمنين بنصره، لئلاّ يغترّوا بعددهم وبأسهم، وليحذروا منه أن يحلّ بهم من العقوبة على أيدي المؤمنين مثل الّذي أحلّ بأهل الشّرك به من قريشٍ على أيديهم ببدرهم.
وأمّا قوله: {رأي العين} فإنّه مصدر رأيته يقال: رأيته رأيا ورؤيةً، ورأيت في المنام رؤيا حسنةً غير مجراةٍ، يقال: هو منّي رأي العين، ورأي العين بالنّصب والرّفع، يراد به حيث يقع عليه بصري، وهو من الرّائيّ مثله، والقوم رئاء إذا جلسوا حيث يرى بعضهم بعضًا
فمعنى ذلك: يرونهم حيث تلحقهم أبصارهم، وتراهم عيونهم مثليهم). [جامع البيان: 5/244-252]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {واللّه يؤيّد} يقوّي بنصره من يشاء، من قول القائل: قد أيّدت فلانًا بكذا: إذا قوّيته وأعنته، فأنا أؤيّده تأييدًا، وفعلت منه: إدته فأنا أئيده أيدًا؛ ومنه قول اللّه عزّ وجلّ: {واذكر عبدنا داود ذا الأيد}، يعني ذا القوّة.
وتأويل الكلام: قد كان لكم آيةٌ يا معشر اليهود في فئتين التقتا: إحداهما تقاتل في سبيل اللّه، وأخرى كافرةٌ، يراهم المسلمون مثليهم رأي أعينهم، فأيّدنا المسلمة وهم قليلٌ عددهم، على الكافرة وهم كثيرٌ عددهم حتّى ظفروا بهم معتبرٌ ومتفكّرٌ، واللّه يقوّي بنصره من يشاء،
وقال جلّ ثناؤه: إنّ في ذلك: يعني إنّ فيما فعلنا بهؤلاء الّذين وصفنا أمرهم من تأييدنا الفئة المسلمة مع قلّة عددهم، على الفئة الكافرة مع كثرة عددها {لعبرةً} يعني لمتفكّرًا ومتّعظًا لمن عقل وادّكر فأبصر الحقّ.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار} يقول: لقد كان لهم في هؤلاء عبرةٌ وتفكّرٌ، أيّدهم اللّه ونصرهم على عدوّهم
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله). [جامع البيان: 5/252-253]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: قد كان لكم آيةٌ
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ قد كان لكم آيةٌ يقول: لقد كان لكم في هؤلاء عبرةٌ ومتفكّرٌ، أيّدهم اللّه ونصرهم على عدوّهم وذلك يوم بدر.
قوله تعالى: في فئتين التقتا
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة قال: قال محمّد ابن إسحاق: وحدّثني محمّدٌ مولى آل زيد بن ثابتٍ عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا أي أصحاب بدرٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ: قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا قال: كان ذلك يوم بدرٍ، كان المشركون تسعمائةٍ وخمسين رجلا. وكان أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاثمائةٍ وثلاثة عشر رجلا.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ الثّوريّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ
في قوله: قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا قال: ذلك يوم بدرٍ التقى المسلمون والكفّار.
قوله تعالى: فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه، قال: محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه.
قوله تعالى: في سبيل اللّه
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه عزّ وجلّ: في سبيل اللّه يعني: في طاعة اللّه.
قوله تعالى: وأخرى كافرةٌ
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن نجيحٍ عن مجاهدٍ يعني قوله: وأخرى كافرةٌ قال: مشركي قريش يوم بدر.
قوله تعالى: يرونهم مثليهم رأي العين
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ عن قتادة:
يرونهم مثليهم رأي العين قال: يضعّفون عليهم، فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين يوم بدرٍ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسياط، عن السّدّيّ: قوله:
يرونهم مثليهم رأي العين قال: هذا يوم بدرٍ
قال عبد اللّه بن مسعودٍ: وقد نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعّفون علينا، ثمّ نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحدًا وذلك قوله: وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقلّلكم في أعينهم.
قوله تعالى: واللّه يؤيّد بنصره من يشاء
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين، حدّثني أبي، عن جدّي عن ابن عبّاسٍ يعني قوله: واللّه يؤيّد بنصره من يشاء فأيّد اللّه المؤمنين بنصره قال: كان هذا في التّخفيف على المؤمنين.
قوله تعالى: إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع قوله: إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار يقول: لقد كان في هؤلاء عبرةٌ ومتفكّرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/604-606]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا
[تفسير مجاهد: 122]
ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة في محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومشركي قريش يوم بدر). [تفسير مجاهد: 123]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن قتادة {قد كان لكم آية} عبرة وتفكر.
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله}
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ببدر {وأخرى كافرة} فئة قريش الكفار، واخرج عبد الرزاق في المصنف عن عكرمة قال: في أهل بدر نزلت (و إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم) (الأنفال الآية 7) وفيهم نزلت (سيهزم الجمع) (القمر الآية 45) الآية، وفيهم نزلت (حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب) (المؤمنون الآية 64) وفيهم نزلت (ليقطع طرفا من الذين كفروا) (آل عمران الآية 127) وفيهم نزلت (ليس لك من الأمر شيء) (آل عمران الآية 128) وفيهم نزلت (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا) (إبراهيم الآية 28) وفيهم نزلت (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء) (الأنعام الآية 47) وفيهم نزلت {قد كان لكم آية في فئتين التقتا}، واخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله {قد كان لكم آية} يقول: قد كان لكم في هؤلاء عبرة ومتفكر، أيدهم الله ونصرهم على عدوهم وذلك يوم بدر كان المشركون تسعمائة وخمسين رجلا وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله {قد كان لكم آية في فئتين} الآية، قال: هذا يوم بدر فنظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحدا، وذلك قول الله (وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم) (الأنفال الآية 44).
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {قد كان لكم آية في فئتين} الآية، قال: أنزلت في التخفيف يوم يدر على المؤمنين كانوا يومئذ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا وكان المشركون مثليهم ستة وعشرين وستمائة فأيد الله المؤمنين فكان هذا في التخفيف على المؤمنين.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس أن أهل بدر كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر المهاجرون منهم خمسة وسبعون وكانت هزيمة بدر لسبع عشرة من رمضان ليلة جمعة.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله {يؤيد بنصره من يشاء} قال: يقوي بنصره من يشاء قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت قول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
برجال لستمو أمثالهم * أيدوا جبريل نصرا فنزل). [الدر المنثور: 3/474-476]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 3 جمادى الآخرة 1434هـ/13-04-2013م, 11:19 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً} يعني: عند الله).[مجاز القرآن: 1/87]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {إنّ الّذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئا وأولئك هم وقود النّار}
{وأولئك هم وقود النّار}
أي: الكفار يعذبون , وهم وقود أنفسهم، كلما نضجت جلودهما وعظامهم بالاتقاد, بدّلوا خلوداً غيرها, فعذبهم بجلودهم , وعظامهم).
[معاني القرآن: 1/379]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا}, وذلك أن قوماً قالوا : شغلتنا أموالنا, وأهلونا.
ثم قال تعالى: {وأولئك هم وقود النار} أي: هم بمنزلة الحطب في النار). [معاني القرآن: 1/358]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (و{الوقود}: الحطب، والوقود: الالتهاب). [ياقوتة الصراط: 185]

تفسير قوله تعالى: {كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {كدأب آل فرعون...}, يقول: كفرت اليهود ككفر آل فرعون , وشأنهم). [معاني القرآن: 1/191]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({كدأب آل فرعون }: كسنة آل فرعون وعادتهم، قال الراجز:
= ما زال هذا دأبها ودأبي
{كذّبوا بآياتنا} أي: بكتبنا, وعلاماتنا عن الحق).[مجاز القرآن: 1/87]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كذّبوا بآياتنا فأخذهم اللّه بذنوبهم واللّه شديد العقاب}
قال: {كدأب آل فرعون} , يقول: "كدأبهم في الشرّ" من "دأب" , "يدأب", "دأباً").[معاني القرآن: 1/162]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({كدأب آل فرعون}: كعادتهم وكأمرهم وشأنهم). [غريب القرآن وتفسيره: 101]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ)
: ({كدأب آل فرعون}أي: كعادتهم يريد كفر اليهود ككفر من قبلهم, يقال: هذا دأبه, ودينه , وديدنه). [تفسير غريب القرآن: 101]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كذّبوا بآياتنا فأخذهم اللّه بذنوبهم واللّه شديد العقاب}أي: كشأن آل فرعون، وكأمر آل فرعون، كذا قال أهل اللغة, والقول عندي فيه - واللّه أعلم - إن " دأب " ههنا, أي: اجتهادهم في كفرهم, وتظاهرهم على النبي صلى الله عليه وسلم كتظاهر آل فرعون على موسى عليه السلام, وموضع الكاف رفع , وهو في موضع خبر الابتداء، المعنى: دأبهم مثل دأب آل فرعون، و{كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم}
يقال: دأبت , أدأب دأباً, ودؤوباً إذا اجتهدت في الشيء, ولا يصلح أن تكون الكاف في موضع نصب بـ {كفروا}؛ لأن كفروا في صلة الذين، لا يصلح أن الذين كفروا ككفر آل فرعون ؛ لأن الكاف خارجة من الصلة, ولا يعمل فيها ما في الصلة). [معاني القرآن: 1/380]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم} , قال الضحاك: كفعل آل فرعون.
قال أبو جعفر: وكذلك هو في اللغة, ويقال: دأب, يدأب إذا اجتهد في فعله,
فيجوز أن تكون: الكاف معلقة بقوله:
{وقود النار}, أي: عذبوا تعذيباً كما عذب آل فرعون,
وتجوز أن تكون: معلقة بقوله:
{لن تغني عنهم}

ويجوز أن تكون: معلقة بقوله: {فأخذهم الله بذنوبهم} .
قال ابن كيسان: ويحتمل على بعد أن تكون معلقة بـ{كذبوا}, ويكون في كذبوا ضمير الكافرين ؛ لا ضمير آل فرعون .
قال أبو إسحاق: المعنى: اجتهادهم في كفرهم هو كاجتهاد آل فرعون, والكاف في موضع رفع, أي: دأبهم مثل دأب آل فرعون). [معاني القرآن: 1/360]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والدأب: العادة، ويحرك أيضاً).[ياقوتة الصراط: 185]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({كدأب آل فرعون}أي: كعادتهم، أي: كعادتنا في إهلاكهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 47]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({كَدَأْبِ}: كعادة). [العمدة في غريب القرآن: 96]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {قل لّلّذين كفروا ستغلبون...}
تقرأ بالتاء والياء, فمن جعلها بالياء ؛ فإنه ذهب إلى مخاطبة اليهود، وإلى أن الغلبة على المشركين بعد يوم أحد, وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا هزم المشركين يوم بدر , وهم ثلاثمائة ونيّف , والمشركون ألف إلا شيئاً, قالت اليهود: هذا الذي لا تردّ له راية، فصدّقوا, فقال بعضهم: لا تعجلوا بتصديقه حتى تكون وقعةٌ أخرى, فلما نكب المسلمون يوم أحد كذّبوا ورجعوا, فأنزل الله: قل لليهود سيغلب المشركون, ويحشرون إلى جهنم, فليس يجوز في هذا المعنى إلا الياء.
ومن قرأ بالتاء جعل اليهود والمشركين داخلين في الخطاب, فيجوز في هذا المعنى سيغلبون وستغلبون؛ كما تقول في الكلام: قل لعبد الله إنه قائم، وإنك قائم.
وفي حرف عبد الله:{قل للذين كفروا إن تنتهوا يغفر لكم ما قد سلف}, وفي قراءتنا : {إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف}, وفي الأنعام:{هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائهم}, وفي قراءتنا:{لشركائنا}).[معاني القرآن: 1/191]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({المهاد}:الفراش).[مجاز القرآن: 1/87]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قل لّلّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد}, قال: {قل لّلّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم}, أي: إنّكم ستغلبون,كما تقول: "قل لزيد": "سوف تذهب", أي: إنّك سوف تذهب, وقال بعضهم:{سيغلبون}, أي: قل لهم الذي أقول, والذي أقول لهم "سيغلبون". وقال: {قل للّذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم مّا قد سلف وإن يعودوا}, فهذا لا يكون إلا بالياء في القرآن ؛ لأنه قال: {يغفر لهم} ولو كان بالتاء قال: {يغفر لكم},وهو في الكلام جائز بالتاء. وتجعلها "لكم" كما فسرت لك). [معاني القرآن: 1/162]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد}
وتقرأ :{سيغلبون}, فمن قرأ بالتاء فللحكاية والمخاطبة، أي: قل لهم في خطابك ستغلبون, ومن قال:{سيغلبون}, فالمعنى: بلغهم أنهم سيغلبون.
وهذا فيه أعظم آية للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أنبأهم بما لم يكن, وأنبأهم بغيب، ثم بان تصديق ما أنبأ به ؛لأنه صلى الله عليه وسلم غلبهم أجمعين كما أنبأهم.
ومعنى {وبئس المهاد}: بئس المثوى, وبئس الفراش).[معاني القرآن: 1/380]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد}
قال ابن كيسان : ستغلبون, أي: قل لهم هذا وبالياء ؛ لأنهم في وقت الخطاب غيب.
ويحتمل أن يكون الذين أمره أن يبلغهم غير المغلوبين
وقد قيل: أنه أمر أن يقول لليهود سيغلب المشركون). [معاني القرآن: 1/360]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا...}
يعني: النبي صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم، والمشركين يوم بدر, {فئةٌ تقاتل} قرئت بالرفع؛ وهو وجه الكلام على معنى: إحداهما: تقاتل في سبيل الله, {وأخرى كافرةٌ} على الاستئناف؛ كما قال الشاعر:
فكنت كذي رجلين رجلٌ صحيحةٌ = ورجلٌ رمى فيها الزّمان فشلّت
ولو خفضت لكان جيدا: تردّه على الخفض الأوّل؛ كأنك قلت: كذي رجلين: كذي رجلٍ صحيحةٍ , ورجلٍ سقيمة, وكذلك يجوز خفض الفئة , والأخرى على أوّل الكلام,ولو قلت: {فئةً تقاتل في سبيل الله أخرى كافرةً}, كان صواباً على قولك: التقتا مختلفتين, وقال الشاعر في مثل ذلك مما يستأنف:
إذ متّ كان الناس نصفين شامتٌ = وآخر مثنٍ بالذي كنت أفعل
ابتدأ الكلام بعد النصفين ففسّره, وأراد: بعضٌ شامتٌ , وبعض غير شامت, والنصب فيهما جائز، يردّهما على النصفين, وقال الآخر:
حتى إذا ما استقلّ النجم في غلس = وغودر البقل ملوي ومحصود
ففسر بعض البقل كذا، وبعضه كذا, والنصب جائز.
وكل فعل أوقعته على أسماء لها أفاعيل ينصب على الحال الذي ليس بشرط,
ففيه الرفع على الابتداء،
والنصب على الاتصال بما قبله؛ من ذلك: رأيت القوم قائماً, وقاعداً, وقائم وقاعد؛ لأنك نويت بالنصب القطع، والاستئناف في القطع حسن, وهو أيضاً فيما ينصب بالفعل جائز؛ فتقول: أظنّ القوم قياماً وقعوداً, وقيام وقعود، وكان القوم بتلك المنزلة, وكذلك رأيت القوم في الدار قياماًوقعوداً, وقيامٌ وقعود، وقائماًوقاعداً, وقائم وقاعد؛ فتفسّره بالواحد والجمع؛ قال الشاعر:

وكتيبةٍ شعواء ذات أشلّة = فيها الفوارس حاسر ومقنّع
فإذا نصبت على الحال لم يجز أن تفسّر الجمع بالاثنين، ولكن تجمع فتقول: فيها القوم قياماً وقعوداً.
وأمّا الذي على الشرط مما لا يجوز رفعه: فقوله: اضرب أخاك ظالماً أو مسيئاص, تريد: اضربه في ظلمه, وفي إساءته, ولا يجوز هاهنا الرفع في حاليه؛ لأنهما متعلقتان بالشرط,
وكذلك الجمع؛ تقول: ضربت القوم مجرّدين , أو لا بسين, ولا يجوز: مجردون, ولا لابسون؛ إلا أن تستأنف فتخبر، وليس بشرط للفعل؛ ألا ترى أنك لو أمرت بضربهم في هاتين الحالين لم يكن فعلهم إلا نصبا؛ فتقول: اضرب القوم مجرّدين أو لا بسين؛ لأن الشرط في الأمر لازم, وفيما قد مضى يجوز أن تجعله خبراً, وشرطاً, فلذلك جاز الوجهان في الماضي.

وقوله: {يرونهم مّثليهم} زعم بعض من روى عن ابن عبّاس أنه قال: رأى المسلمون المشركين في الحزر ستمائة, وكان المشركون تسعمائة وخمسين، فهذا وجه, وروى قول آخر كأنه أشبه بالصواب: أن المسلمين رأوا المشركين على تسعمائةوخمسين, والمسلمون قليل: ثلاثمائة وأربعة عشر، فلذلك قال: {قد كان لكم} يعني اليهود :{آيةٌ}, في قلّة المسلمين, وكثرة المشركين.
فإن قلت: فكيف جاز أن يقال "مثليهم" يريد ثلاثة أمثالهم؟ , قلت: كما تقول, وعندك عبد أحتاج إلى مثله، فأنت محتاج إليهو , وإلى مثله، وتقول: أحتاج إلى مثلي عبدي، فأنت إلى ثلاثة محتاج, ويقول الرجل: معي ألف وأحتاج إلى مثليه، فهو يحتاج إلى ثلاثة, فلمّا نوى أن يكون الألف داخلاً في معنى المثل صار المثل اثنين , والمثلان ثلاثة, ومثله في الكلام أن تقول: أراكم مثلكم، كأنك قلت: أراكم ضعفكم، وأراكم مثليكم يريد: ضعفيكم، فهذا على معنى الثلاثة.
فإن قلت: فقد قال في سورة الأنفال: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقلّلكم في أعينهم}, فكيف كان هذا ها هنا تقليلاً, وفي الآية الأولى تكثيراً؟, قلت: هذه آية المسلمين أخبرهم بها، وتلك الآية لأهل الكفر, مع أنك تقول في الكلام: إني لأرى كثيركم قليلا، أي: قد هوّن عليّ، لا أني أرى الثلاثة اثنين, ومن قرأ {ترونهم}, ذهب إلى اليهود ؛ لأنه خاطبهم، ومن قال:{يرونهم}, فعلى ذلك؛ كما قال: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} , وإن شئت جعلت{يرونهم} للمسلمين دون اليهود). [معاني القرآن: 1/191-195]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({قد كان لكم آيةٌ}, أي: علامةٌ.
{في فئتين}, أي: في جماعتين , {فئةٌ تقاتل في سبيل الله}:
إن شئت، عطفتها على (في)، فجررتها,
وإن شئت قطعتها فاستأنفت، قال، كثيّر عزّة:

فكنت كذي رجلين رجلٍ صحيحةٍ= ورجلٍ رمى فيها الزمان فشلّت
وبعضهم يرفع رجل صحيحة.
{يرونهم مثليهم رأى العين}: مصدر، تقول: فعل فلان كذا رأى عينى , وسمع أذني.
{يؤيّد}: يقوّى، من الأيد، وإن شئت من الأد,{لعبرةً}: اعتبار).[مجاز القرآن: 1/87-88]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (وقال: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ}على الابتداء رفع كأنه قال "إحداهما فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه" , وقرئت جراً على أول الكلام على البدل, وذلك جائز, قال الشاعر:
وكنت كذي رجلين رجلٌ صحيحةٌ = ورجلٌ بها ريبٌ من الحدثان
فرففع, ومنهم من يجرّ على البدل, ومنهم من يرفع على إحداهما كذا وإحداهما كذا, وقال:
وإنّ لها جارين لن يغدرا بها = ربيب النبيّ وابن خير الخلائف
رفع، والنصب على البدل, وقال تعالى: {هذاذكرٌ وإنّ للمتّقين لحسن مآبٍ}, {جنّات عدنٍ},
وإن شئت جعلت "جنات" على البدل أيضاً,
وإن شئت رفعت على خبر "إنّ"، أو على "هنّ جنات" فيبتدأ به, وهذا لا يكون على "إحداهما كذا" ؛ لأن ذلك المعنى ليس فيه هذا , ولم يقرأ أحد بالرفع, وقال تعالى:
{وجعلوا للّه شركاء الجنّ}, فنصب على البدل, وقد يكون فيه الرفع على "هم الجنّ",
وقال تعالى:
{وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوّاً شياطين الإنس} على البدل , ورفع على "هم شياطين" كأنه إذا رفع قيل له، أو علم أنه يقال له : "ما هم"؟ , أو "من هم" , فقال: "هم كذا وكذا", وإذا نصب ؛ فكأنه قيل له , أو علم أنه يقال له "جعل ماذا", أو جعلوا ماذا" , أو يكون فعلاً واقعاً بالشياطين , و {عدوّاً} حالاً, ومثله : {لنسفعاً بالنّاصية} , {ناصيةٍ كاذبةٍ}, كأنه قيل ,أو علم ذلك , فقال "بناصية" , وقد يكون فيه الرفع على قوله: " ما هي" ,فيقول:{ناصيةٌ}, والنصب على الحال, قال الشاعر:

إنّا وجدنا بني جلان كلّهم = كساعد الضّبّ لا طولٌ ولا عظم
على البدل, أي: كـ"لا طول ولا عظم", ومثل الابتداء:{قل أفأنبّئكم بشرٍّ مّن ذالكم النّار}).[معاني القرآن: 1/160-161]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ يرونهم مّثليهم رأي العين واللّه يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار}
وقال: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ} على الابتداء رفع كأنه قال:"إحداهما فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه" , وقرئت جراً على أول الكلام على البدل , وذلك جائز, قال الشاعر:
وكنت كذي رجلين رجلٌ صحيحةٌ = ورجلٌ بها ريبٌ من الحدثان
فرففع, ومنهم من يجرّ على البدل, ومنهم من يرفع على إحداهما كذا , وإحداهما كذا, وقال:
و إنّ لها جارين لن يغدرا بها = ربيب النبيّ وابن خير الخلائف
رفع، والنصب على البدل, وقال تعالى: {هذا ذكرٌ وإنّ للمتّقين لحسن مآبٍ},{جنّات عدنٍ},
وإن شئت جعلت "جنات" على البدل أيضاً,
وإن شئت رفعت على خبر "إنّ"، أو على "هنّ جنات" فيبتدأ به, وهذا لا يكون على "إحداهما كذا" ؛ لأن ذلك المعنى ليس فيه هذا ولم يقرأ أحد بالرففع, وقال تعالى:
{وجعلوا للّه شركاء الجنّ}فنصب على البدل, وقد يكون فيه الرفع على "هم الجنّ", وقال تعالى: {وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوّاً شياطين الإنس} على البدل, ورفع على {هم شياطين}, كأنه إذا رفع قيل له، أو علم أنه يقال له "ما هم"؟, أو "من هم", فقال: "هم كذا وكذا",
وإذا نصب فكأنه قيل له أو علم أنه يقال له "جعل ماذا" , أو جعلوا ماذا" , أو يكون فعلاً واقعاً بالشياطين, و
{عدوّاً} حالاً, ومثله {لنسفعاً بالنّاصية}, {ناصيةٍ كاذبةٍ} كأنه قيل أو علم ذلك فقال: "بناصية", وقد يكون فيه الرفع على قوله: "ما هي" , فيقول: "ناصيةٍ", والنصب على الحال, قال الشاعر:

إنّا وجدنا بني جلان كلّهم = كساعد الضّبّ لا طولٌ ولا عظم
على البدل, أي: كـ"لا طول ولا عظم" , ومثل الابتداء :{قل أفأنبّئكم بشرٍّ مّن ذالكم النّار}). [معاني القرآن: 1/163-164]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({في فئتين}: الفئة الجماعة). [غريب القرآن وتفسيره: 101]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين واللّه يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرة لأولي الأبصار}
آية علامة من أعلام النبي صلى الله عليه وسلم التي تدل على تصديقه، والفئة في اللغة الفرقة، وهي مأخوذة من قولهم : فأوت رأسه بالسيف, وفأيته إذا فلقته , ومعنى{فئتين}: فرقتين.
{فئة تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرة}: الرفع , والخفض جائزان جميعاً.
فأما من رفع فالمعنى: إحداهما تقاتل في سبيل اللّه , والأخرى كافرة، ومن خفض جعل فئة تقاتل في سبيل الله , وأخرى كافرة بدلاً من فئتين: المعنى: قد كان لكم آية في فئة تقاتل في سبيل اللّه, وفي أخرى كافرة.
وأنشدوا بيت كثير على جهتين:
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة= ورجل رمى فيها الزمان فشفت
وأنشدوا أيضاً: رجل صحيحة، ورجل رمى فيها الزمان على البدل من الرجلين.
وقد اختلف أهل اللغة في قوله :{يرونهم مثليهم رأي العين}, ونحن نبين ما قالوه إن شاء اللّه, وما هو الوجه,واللّه أعلم.
زعم الفراء أن معنى {يرونهم مثليهم}:يرونهم ثلاثة أمثالهم , قال: لأنك إذا قلت: عندي ألف وأحتاج إلى مثلها , فأنت تحتاج إلى ألفين , كأنك قلت أحتاج إلي مثليها, وإذا قلت عندي ألف , وأحتاج إلى مثليها, فأنت تحتاج إلى ثلاثة آلاف، وهذا باب الغلط فيه غلط بيّن في جميع المقاييس وجميع الأشياء، لأنا إنما نعقل مثل الشيء ما هو مساو له، ونعقل مثليه ما يساويه مرتين، فإذا جهلنا المثل فقد بطل التميز، وإنما قال هذا ؛ لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا ثلاثمائة, وأربعة عشر رجلاً, وكان المشركون تسعمائة وخمسين رجلاً, فالذي قال يبطل في اللفظ ,ويبطل في معنى الدلالة على الآية التي تعجز؛ لأنهم إذا رأوهم على هيئتهم,فليس هذا آية، فإن زعم أن الآية في هذا : غلبة القليل على الكثير , فقد أبطل أيضاً؛ لأن القليل يغلب الكثيرموجود ذلك أبداً.
فهذا الذي قال يبطل في اللغة, وفي المعنى , وإنّما الآية في هذا أنّ المشركين كانوا تسعمائة وخمسين , وكان المسلمون ثلاثمائة وأربعة عشر , فأرى اللّه جلّ وعزّ المشركين أنّ المسلمين أقل من ثلاثمائة , واللّه قد أعلم المسلمين أن المائة تغلب المائتين , فأراهم المشركين على قدر ما أعلمهم أنهم يغلبونهم ؛ ليقوّي قلوبهم، وأرى المشركين المسلمين أقل من عدد المسلمين، ثم ألقى مع ذلك في قلوبهم الرعب , فجعلوا يرون عدداً قليلاً مع رعب شديد حتى غلبوا.
والدليل على صحة هذا القول: قول اللّه عزّ وجلّ: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقلّلكم في أعينهم ليقضي اللّه أمرا كان مفعولاً}, فهذا هو الذي فيه آية أن يرى الشيء بخلاف صورته, واللّه أعلم.
ويجوز نصب {فئة تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرة}, ولا أعلم أحداً قرأ بها.
ونصبها من وجهين:
أحدهما: الحال المعنى التقتا مؤمنة وكافرة ,
ويجوز: نصبها على أعني فئة تقاتل في سبيل اللّه, وأخرى كافرة).
[معاني القرآن: 1/380-382]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين}
والمعنى: قد كان لكم علامة من أعلام النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه أنباهم بما لم يكن , والفئة: الفرقة من قولهم , فأوت رأسه بالسيف, وفأيته, أي: فلقته .
قرأ أبو عبد الرحمن: {ترونهم مثليهم}بضم التاء , وروى علي بن أبي طلحة يرونهم بضم الياء
وروى ابن نجيح , عن مجاهد في قوله جل وعز: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا}
قال: محمد , وأصحابه , ومشركو بدر , وأنكر أبو عمرو أن يقرأ:{ترونهم} بالتاء , قال: ولو كان كذلك , لكان مثليكم.
قال أبو جعفر :وذا لا يلزم , ولكن يجوز أن يكون مثلي أصحابكم.
قال ابن كيسان: الهاء , والميم في ترونهم عائدة إلى : وأخرى كافرة , والهاء والميم في مثليهم عائدة إلى فئة تقاتل في سبيل الله , وهذا من الإضمار الذي يدل عليه سياق الكلام , وهو قوله: {والله يؤيد بنصره من يشاء} فدل على أن الكافرين كانوا مثلي المسلمين في رأي العين , وكانوا ثلاثة أمثالهم في العدد .
قال: والرؤية ههنا لليهود
قال: ومن قال يرونهم بالياء : جعل الرؤية للمسلمين يرون المشركين مثلهم, وكان المسلمون يوم بدر ثلاثمائة وأربعة عشر , والمشركون تسع مائة وخمسين , فأري المسلمون المشركين ضعفهم , وقد وعدوهم أن الرجل منهم يغلب الرجلين من المشركين , فكانت تلك آية أن يروا الشيء على خلاف صورته كما قال تعالى: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولاً}
قال أبو إسحاق: ليؤلف بينهم على الحرب للنقمة ممن أراد الانتقام منه, والإنعام على من أراد إتمام النعمة عليه من أهل ولايته.
قال الفراء: يحتمل مثليهم ثلاثة أمثالهم.
قال أبو إسحاق: وهذا باب الغلط فيه غلط بين في جميع المقاييس ؛ لأنا إنما نعقل مثل الشيء مساويا له , ونعقل مثليه ما يساوي مرتين.
قال ابن كيسان الأزدي: كيف يقع المثلان موقع ثلاثة أمثال إلا أني أحسبه جعل ترونهم راجعة إلى الكل, ثم جعل المثلين مضافاً إلى نصفهم على معادلة الكافرين المؤمنين, أي: يرون الكل مثليهم لو كان الفريقان معتدلين, قال: والراءون ههنا : اليهود .
وقد بين الفراء قوله بأن قال: كما تقول , وعندك عبد أحتاج إلى مثليه , فأنت محتاج إلى ثلاثة .
وكذلك عنده: إذا قلت معي درهم , واحتاج إلى مثليه , فأنت تحتاج إلى ثلاثة مثليه , والدرهم ؛ لأنك لا تريد أن يذهب الدرهم.
والمعنى: يدل على خلاف ما قال, وكذلك اللغة, فإنهم إذا رأوهم على هيأتهم, فليس في هذه آية, واللغة على خلاف هذا؛ لأنه قد عرف بالتميز معنى المثل.
والذي أوقع الفراء في هذا أن المشركين كانوا ثلاثة أمثال المؤمنين يوم بدر , فتوهم أن لا يجوز أن يكونوا يرونهم إلا على عادتهم , فتأول أنك إذا قلت عندي درهم, وأحتاج إلى مثله والدرهم بحاله, فقد صرت تحتاج إلى درهمين , وهذا بين , وليس المعنى عليه, وإنما أراهم الله إياهم على غير عدتهم لجهتين:
إحداهما: أنه رأى الصلاح في ذلك؛ لأن المؤمنين تقوى قلوبهم بذلك .
والأخرى: أنه آية للنبي صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 1/364-366]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فِئَةٌ}: جماعة). [العمدة في غريب القرآن: 96]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 03:09 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) }
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (وتقول ما أجود هذا الوقود للحطب قال الله عز وجل: {وأولئك هم وقود النار} وقال أيضا: {النار ذات الوقود} وقرئ (الوُقُود) فالوقود بالضم الاتقاد وتقول وقدت النار تقد وقودا ووقدانا ووقدا وقدة وقال: {فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة} والوقود: الحطب). [إصلاح المنطق: 332]


تفسير قوله تعالى: {كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) }
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وقال شعبة بن قمير:
...


يـخـادعـنـا ويـوعـدنــا رويـــــداكدأب الذئب يأدو للغزال

...
قوله كدأب الذئب يأدو: أي كفعل الذئب). [النوادر في اللغة: 414]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: "ودؤوب"، يقول: وإلحاح عليه، تقول: دأبت على الشيء، قال الشاعر:



دأبـت إلــى أن ينـبـت الـظـل بعـدمـاتقاصر حتى كاد في الآل يمصح

وقوله عز وجل: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} يقول: كعادتهم وسنتهم، ومثله الدين والديدن، وقد مر هذا). [الكامل: 1/483]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) }

تفسير قوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (ومما جاء في الشعر فيه الاسم وفرّق النعت وصار مجروراً قوله وهو رجل من باهلة:


بكيت وما بكا رجلٍ حليمٍعلى ربعيـن مسلـوبٍ وبـالٍ

كذا سمعنا العرب تنشده والقوافي مجرورةٌ.
ومنه أيضاً مررت بثلاثة نفرٍ رجلين مسلمين ورجلٍ كافرٍ جمعت الاسم وفصّلت العدّة ثم نعتّه وفسّرته. وإن شئت أجريته مجرى الأوّل في الابتداء فترفعه وفى البدل فتجرّه. قال الراجز وهو العجاج:


خوّى على مستوياتٍ خمسكــــركــــرةٍ وثــفـــنـــاتٍ مــــلـــــس

وهذا يكون على وجهين على البدل وعلى الصفة. ومثال ما يجئ في هذا الباب على الابتداء وعلى الصف والبدل قوله عزّ وجلّ: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة}. ومن الناس من يجرّ والجرّ على وجهين على الصفة وعلى البدل). [الكتاب: 1/431-432]
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (العين أنثى تحقيرها: عُيينة، وتجمعها: ثلاث أعين). [المذكور والمؤنث: 64]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وتقول: مررت برجلين: مسلم وكافر، ومسلم وكافر، كلاهما جيد بالغ.

وكذلك مررت برجلين: رجل مسلم، ورجل كافر، وإن شئت قلت: رجل مسلم ورجل كافر.
أما الخفض فعلى النعت، ورددت الاسم توكيداً.
وأما الرفع فعلى التبعيض، وتقديره: أحدهما مسلم، والآخر كافر. والآية تقرأ على وجهين، وهو قول الله عز وجل: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة} بالرفع والخفض). [المقتضب: 4/290]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ومثْل حرف من الأضداد، يقال: (مثل) للمشبه
للشيء والمعادل له، ويقال: (مثل) للضعف، فيكون واقعا على المثلين؛ زعم الفراء أنه يقال: رأيتكم مثلكم، يراد به رأيتكم ضعفكم، ورأيتكم مثليكم، يراد به رأيتكم ضعفيكم؛ من هذا قول الله عز وجل: {يرونهم مثليهم رأي العين}، معناه يرى المسلمون المشركين ضعفيهم، أي ثلاثة أمثالهم؛ لأن المسلمين كانوا يوم بدر ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا، وكان المشركون تسعمائة وخمسين رجلا، فكان المسلمون يرون المشركين على عددهم ثلاثة أمثالهم.
فإن قال قائل: كيف كان هذا في هذه الآية تكثيرا وفي سورة الأنفال تقليلا حين يقول جل وعز: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم}.
قيل له: هذه آية للمسلمين أخبرهم بها، وتلك آية للمشركين؛ مع أنك قائل في الكلام: إني لأرى كثيركم قليلا، أي قد هون علي، فأنا أرى الثلاثة اثنين.
قال أبو بكر: هذا قول الفراء؛ وقد طعن عليه فيه
بعض البصريين، فقال: محال أن يكون المسلمون رأوا المشركين يوم بدر على كمال عددهم تسعمائة وخمسين، لأنه لو كان الأمر كذا بطلت الآية؛ ولم يكن في هذا أعجوبة ينبه الله عليها خلقه، وإنما معنى الآية: يرى المسلمون المشركين مثليهم ستمائة ونيفا وعشرين، لتصح الأعجوبة، بأن يروهم أقل من عددهم.
قال أبو بكر: لا حجة على الفراء في هذا؛ لأن الأعجوبة لم تكن في العدد، وإنما كانت في الجزع الذي أوقعه الله جل وعز في قلوب المشركين، على كثرة عددهم، وقلة عدد المسلمين، وللشجاعة التي أوقعها الله في قلوب المسلمين فهان المشركون عليهم وهو يتبينون كثرة عددهم، وصار احتقار المسلمين إياهم على كمال العدد أعجب من احتقارهم إياهم على نقصان العدد. وقد أجاز الفراء القول الآخر، واختار الأول، وقال: الدليل على أن المثل يقع على المثلين، أن الرجل يقول وعنده عبد: أحتاج إلى مثلي عبدي، فمعناه أحتاج إلى ثلاثة؛ لأنه غير مستغن عن عبده، ويقول: أحتاج إلى مثل هذا الألف، يريد: أحتاج إلى ألفين.
ومن قرأ: (ترونهم مثليهم) جعل الفعل لليهود، أي
يا معاشر اليهود، ترون المشركين مثلي المسلمين.
وقال أبو عمرو بن العلاء: من قرأ: (ترونهم) بالتاء لزمه، أن يقول: (مثليكم)، فرد هذا القول على أبي عمرو، وقيل: المخاطبون اليهود، والهاء والميم المتصلتان بـ«مثل» للمسلمين.
وقال الفراء: يجوز أن يكون {يرونهم} بالياء لليهود، وإن كان قد تقدم خطابهم في قوله عز وجل: {قد كان لكم آية}، لأن العرب ترجع من الخطاب إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى الخطاب، كقوله عز وجل: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم}، أراد (بكم). وقال عز وجل في موضع آخر: {وسقاهم ربهم شرابا طهورا * إن هذا كان لكم جزاء}، معناه كان لهم جزاء، فرجع من الغيبة إلى الخطاب، وقال الأعشى:


عنده البر والتقى وأسى الصدع وحــمــل لـمـضـلـع الأثــقــال
ووفــــاء إذا أجــــرت فــمــا غــــرت حــبــال وصـلـتـهــا بـحــبــال
أريـحـي صـلـت يـطـل لــه الـقـوم ركــــــــــودا قــيــامـــهـــم للهلال

...
وقال أبو عبيد: معنى قوله تبارك وتعالى: {يرونهم مثليهم} يرى المشركون المسلمين مثليهم. ويروى عن ابن عباس {يرونهم مثليهم}، أي يُرِي الله المشركين المسلمين مثليهم. ويروى عن أبي عبد الرحمن (ترونهم مثليهم) على مثل معنى قراءة ابن عباس. والدليل على أن الضعف يكون بمعنى المثلين قول الشاعر – يعني عبد الله بن عامر:


وأضـعـف عـبـد الله إذ غــاب حـظـهعلى حظ لهفان من الحرص فاغر

أراد أعطاه مثلي جائزة اللهفان). [كتاب الأضداد: 131-136]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 06:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 06:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 06:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 06:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {إنّ الّذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئاً وأولئك هم وقود النّار (10) كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كذّبوا بآياتنا فأخذهم اللّه بذنوبهم واللّه شديد العقاب (11)}
هم الكفار الذين لا يقرون ببعث إنما هي على وجه الدهر وإلى يوم القيامة في زينة الدنيا وهي المال والبنون، فأخبر الله تعالى في هذه الآية، أن ذلك المتهم فيه لا يغني عن صاحبه شيئا ولا يمنعه من عذاب الله وعقابه، ومن في قوله: {من اللّه} لابتداء الغاية، والإشارة بالآية إلى معاصري النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يفخرون بأموالهم وأبنائهم، وهي- بعد- متناولة كل كافر، وقرأ أبو عبد الرحمن: «لن يغني» بالياء، على تذكير العلامة، والوقود بفتح الواو ما يحترق في النار من حطب ونحوه، وكذلك هي قراءة جمهور الناس، وقرأ الحسن ومجاهد وجماعة غيرهما وقود بضم الواو وهذا على حذف مضاف تقديره، حطب وقود النّار، والوقود بضم الواو المصدر، وقدت النار تقد إذا اشتعلت). [المحرر الوجيز: 2/ 165]

تفسير قوله تعالى: {كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والدأب والدأب، بسكون الهمزة وفتحها، مصدر دأب يدأب- إذا لازم فعل شيء ودام عليه مجتهدا فيه، ويقال للعادة- دأب- فالمعنى في الآية، تشبيه هؤلاء في لزومهم الكفر ودوامهم عليه بأولئك المتقدمين، وآخر الآية يقتضي الوعيد بأن يصيب هؤلاء مثل ما أصاب أولئك من العقاب.
والكاف في قوله كدأب في موضع رفع، التقدير: دأبهم كدأب، ويصح أن يكون الكاف في موضع نصب، قال الفراء: «هو نعت لمصدر محذوف تقديره كفرا كدأب، فالعامل فيه كفروا»، ورد هذا القول الزجاج بأن الكاف خارجة من الصلة فلا يعمل فيها ما في الصلة.
قال القاضي رحمه الله: «ويصح أن يعمل فيه فعل مقدر من لفظ «الوقود» ويكون التشبيه في نفس الاحتراق، ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى: {أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب، النّار يعرضون عليها غدوًّا وعشيًّا} [غافر: 46]»، والقول الأول أرجح الأقوال أن يكون الكاف في موضع رفع، والهاء في قبلهم عائدة على آل فرعون، ويحتمل أن تعود على معاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكفار، وقوله: {بآياتنا} يحتمل أن يريد بالآيات المتلوة، ويحتمل أن يريد العلامات المنصوبة، واختلفت عبارة المفسرين، في تفسير الدأب، وذلك كله راجع إلى المعنى الذي ذكرناه). [المحرر الوجيز: 2/ 165-166]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد (12) قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ يرونهم مثليهم رأي العين واللّه يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار (13)}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر، «ستغلبون وتحشرون» بالتاء من فوق و «يرونهم» بالياء من تحت، وحكى أبان عن عاصم «ترونهم» بالتاء من فوق مضمومة، وقرأ نافع ثلاثتهن بالتاء من فوق، وقرأ حمزة ثلاثتهن بالياء من تحت، وبكل قراءة من هذه قرأ جمهور من العلماء، وقرأ ابن عباس، وطلحة بن مصرف وأبو حيوة، «يرونهم» بالياء المضمومة، وقرأ أبو عبد الرحمن، بالتاء من فوق مضمومة.
واختلف من الذين أمر بالقول لهم من الكفار، فقيل هم جميع معاصريه من الكفار، أمر بأن يقول لهم هذا الذي فيه إعلام بغيب ووعيد، قد صدق بحمد الله غلب الكفر وصار من مات عليه إلى جهنم، ونحا إلى هذا أبو علي في- الحجة- وتظاهرت روايات بأن المراد يهود المدينة، قال ابن عباس وغيره: «لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا يوم بدر، وقدم المدينة، جمع اليهود في سوق بني قينقاع فقال: «يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشا» فقالوا يا محمد: لا يغرنك نفسك أن قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، فأنزل الله في قولهم هذه الآية»، وروي حديث آخر ذكره النقاش، وهو أن النبي عليه السلام لما غلب قريشا ببدر قالت اليهود: هذا هو النبي المبعوث الذي في كتابنا وهو الذي لا تهزم له راية، وكثرت فتنتهم بالأمر، فقال لهم رؤساؤهم وشياطينهم: لا تعجلوا وأمهلوا حتى نرى أمره في وقعة أخرى، فلما وقعت أحد كفر جميعهم وبقوا على أولهم، وقالوا: ليس محمد بالنبي المنصور فنزلت الآية في ذلك، أي قل لهؤلاء اليهود سيغلبون يعني قريشا، وهذا التأويل إنما يستقيم على قراءة «سيغلبون ويحشرون» بالياء من تحت، ومن قرأ بالتاء فمعنى الآية: قل للكفار جميعا هذه الألفاظ، ومن قرأ بالياء من تحت، فالمعنى قل لهم كلاما هذا معناه، ويحتمل قراءة التاء التأويل الذي ذكرناه آنفا، أي قل لليهود ستغلب قريش، ورجح أبو علي قراءة التاء على المواجهة، وأن الذين كفروا يعم الفريقين، المشركين واليهود، وكل قد غلب بالسيف والجزية والذلة، والحشر: الجمع والإحضار، وقوله: وبئس المهاد يعني جهنم، هذا ظاهر الآية، وقال مجاهد: «المعنى بئس ما مهدوا لأنفسهم، فكأن المعنى، وبئس فعلهم الذي أداهم إلى جهنم» ). [المحرر الوجيز: 2/ 166-167]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين} الآية تحتمل أن يخاطب بها المؤمنون وأن يخاطب بها جميع الكفار وأن يخاطب بها يهود المدينة، وبكل احتمال منها قد قال قوم، فمن رأى أن الخطاب بها للمؤمنين فمعنى الآية تثبيت النفوس وتشجيعها، لأنه لما قال للكفار ما أمر به أمكن أن يستبعد ذلك المنافقون وبعض ضعفة المؤمنين، كما قال قائل يوم الخندق: يعدنا محمد أموال كسرى وقيصر، ونحن لا نأمن على أنفسنا في المذهب، وكما قال عدي بن حاتم حين أخبره النبي عليه السلام بالأمنة التي تأتي، فقلت في نفسي: وأين دعار طيئ الذين سعروا البلاد؟ الحديث بكماله، فنزلت الآية مقوية لنفوس المؤمنين ومبينة صحة ما أخبر به بالمثال الواقع، فمن قرأ «ترونهم» بالتاء من فوق فهي مخاطبة لجميع المؤمنين إذ قد رأى ذلك جمهور منهم، والهاء والميم في «ترونهم» تجمع المشركين، وفي «مثلهم» تجمع المؤمنين، ومن قرأ بالياء من تحت فالمعنى يرى الجمع من المؤمنين جمع الكفار مثلي جمع المؤمنين، ومن رأى أن الخطاب لجميع الكفار ومن رأى أنه لليهود فالآية عنده داخلة فيما أمر محمد عليه السلام أن يقوله لهم احتجاجا عليهم، وتبيينا لصورة الوعيد المتقدم في أنهم سيغلبون، فمن قرأ بالياء من تحت، فالمعنى يرى الجمع من المؤمنين جمع الكفار مثلي جمع المؤمنين، ومن قرأ بالتاء فالمعنى لو حضرتم أو إن كنتم حضرتم وساغت العبارة لوضوح الأمر في نفسه ووقوع اليقين به لكل إنسان في ذلك العصر، ومن قرأ بضم التاء أو الياء فكأن المعنى، أن اعتقاد التضعيف في جميع الكفار إنما كان تخمينا وظنا لا يقينا، فلذلك ترك في العبارة من الشك وذلك أن أرى بضم الهمزة تقولها فيما بقي عندك فيه نظر وأرى- بفتح الهمزة تقولها فيما قد صح نظرك فيه، ونحا هذا المنحى أبو الفتح وهو صحيح، قال أبو علي: والرؤية في هذه الآية عين، ولذلك تعدت إلى مفعول واحد، ومثليهم نصب على الحال من الهاء والميم في ترونهم وأجمع الناس على الفاعل ب ترونهم المؤمنون والضمير المتصل هو للكفار، إلا ما حكى الطبري: «عن قوم أنهم قالوا: بل كثر الله عدد المؤمنين في عيون الكفار حتى كانوا عندهم ضعفيهم»، وضعف الطبري هذا القول، وكذلك هو مردود من جهات، بل قلل الله كل طائفة في عين الأخرى، ليقضي الله أمرا كان مفعولا، فقلل الكفار في عيون المؤمنين ليقع التجاسر ويحتقر العدو، وهذا مع اعتقاد النبي وقوله، واعتقاد أولي الفهم من أصحابه أنهم من التسعمائة إلى الألف، لكن أذهب الله عنهم البهاء وانتشار العساكر وفخامة الترتيب، حتى قال ابن مسعود في بعض ما روي عنه: «لقد قلت لرجل إلى جنبي أتراهم سبعين؟ فقال: أظنهم مائة، فلما أخذنا الأسرى أخبرونا أنهم كانوا ألفا»، وقلل الله المؤمنين في عيون الكفار ليغتروا ولا يحزموا، وتظاهرت الروايات أن جمع الكفار ببدر كان نحو الألف فوق التسعمائة وأن جمع المؤمنين كان ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا وقيل وثلاثة عشر فكان الكفار ثلاثة من المؤمنين، لكن رجع بنو زهرة مع الأخنس بن شريق، ورجع طالب بن أبي طالب وأتباع وناس كثير حتى بقي للقتال من يقرب من المثلين، وقد ذكر النقاش نحوا من هذا فذكر الله تعالى المثلين، إذ أمرهما متيقن لم يدفعه قط أحد، وقد حكى الطبري عن ابن عباس: «أن المشركين في قتال بدر كانوا ستمائة وستة وعشرين رجلا»، وقد ذهب الزجاج وبعض المفسرين: «أنهم كانوا نحو الألف وأراهم الله للمؤمنين مثليهم فقط»، قال: «فهذا التقليل في الآية الأخرى»، ثم نصرهم عليهم مع علمهم بأنهم مثلاهم في العدد، لأنه قد كان أعلم المسلمين أن المائة منهم تغلب المائتين من الكفار، وروى علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي عليه السلام أنه قال يوم بدر: «القوم ألف»، وقوله تعالى: {لكم آيةٌ} يريد علامة وأمارة ومعتبرا، والفئة: الجماعة من الناس سميت بذلك لأنها يفاء إليها، أي يرجع في وقت الشدة، وقال الزجاج: «الفئة الفرقة»، مأخوذة من فأوت رأسه بالسيف، ويقال: فأيته إذا فلقته، ولا خلاف أن الإشارة بهاتين الفئتين هي إلى يوم بدر، وقرأ جمهور الناس «فئة تقاتل» برفع «فئة» على خبر ابتداء، تقديره إحداهما فئة، وقرأ مجاهد والحسن والزهري وحميد: «فئة» بالخفض على البدل، ومنهم من رفع «كافرة» ومنهم من خفضها على العطف، وقرأ ابن أبي عبلة: «فئة» بالنصب وكذلك «كافرة» قال الزجاج: «يتجه ذلك على الحال كأنه قال: التقتا مؤمنة وكافرة»، ويتجه أن يضمر فعل أعني ونحوه ورأي العين نصب على المصدر، ويؤيّد معناه يقوي من الأيد وهو القوة). [المحرر الوجيز: 2/ 168-170]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 06:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 06:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {إنّ الّذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئًا وأولئك هم وقود النّار (10) كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كذّبوا بآياتنا فأخذهم اللّه بذنوبهم واللّه شديد العقاب (11)}
يخبر تعالى عن الكفّار أنّهم وقود النّار، {يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم ولهم اللّعنة ولهم سوء الدّار} [غافرٍ: 52] وليس ما أوتوه في الدّنيا من الأموال والأولاد بنافعٍ لهم عند اللّه، ولا بمنجيهم من عذابه وأليم عقابه، بل كما قال تعالى: {ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنّما يريد اللّه أن يعذّبهم بها في الدّنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون} [التّوبة: 85] وقال تعالى: {لا يغرّنّك تقلّب الّذين كفروا في البلاد متاعٌ قليلٌ ثمّ مأواهم جهنّم وبئس المهاد} [آل عمران:196: 197] كما قال هاهنا: {إنّ الّذين كفروا} أي: بآيات اللّه وكذّبوا رسله، وخالفوا كتابه، ولم ينتفعوا بوحيه إلى أنبيائه {لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئًا وأولئك هم وقود النّار} أي: حطبها الّذي تسجر به وتوقد به، كقوله: {إنّكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم أنتم لها واردون} [الأنبياء:98].
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا ابن أبي مريم، أخبرنا ابن لهيعة، أخبرني ابن الهاد، عن هند بنت الحارث، عن أمّ الفضل أمّ عبد اللّه بن عبّاسٍ قالت: «بينما نحن بمكّة قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من اللّيل، فقال: «هل بلّغت، اللّهمّ هل بلّغت = » ثلاثًا، فقام عمر بن الخطّاب فقال: نعم. ثمّ أصبح فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «ليظهرنّ الإسلام حتّى يردّ الكفر إلى مواطنه، ولتخوضنّ البحار بالإسلام، وليأتينّ على النّاس زمان يتعلمون القرآن ويقرؤونه، ثمّ يقولون: قد قرأنا وعلمنا، فمن هذا الّذي هو خيرٌ منّا، فهل في أولئك من خيرٍ؟» قالوا: يا رسول اللّه، فمن أولئك؟ قال: «أولئك منكم وأولئك هم وقود النّار». وكذا رأيته بهذا اللّفظ.
وقد رواه ابن مردويه من حديث يزيد بن عبد اللّه بن الهاد، عن هند بنت الحارث، امرأة عبد اللّه بن شدّادٍ، عن أمّ الفضل؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قام ليلةً بمكّة فقال: «هل بلّغت» يقولها ثلاثًا، فقام عمر بن الخطّاب -وكان أوّاها-فقال: اللّهمّ نعم، وحرصت وجهدت ونصحت فاصبر. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «ليظهرنّ الإيمان حتّى يردّ الكفر إلى مواطنه، وليخوضنّ رجالٌ البحار بالإسلام وليأتينّ على الناس زمان يقرؤون القرآن، فيقرؤونه ويعلمونه، فيقولون: قد قرأنا، وقد علمنا، فمن هذا الّذي هو خيرٌ منّا؟ فما في أولئك من خيرٍ» قالوا: يا رسول اللّه، فمن أولئك؟ قال: «أولئك منكم، وأولئك هم وقود النّار» ثمّ رواه من طريق موسى بن عبيدٍ، عن محمّد بن إبراهيم، عن بنت الهاد، عن العبّاس بن عبد المطلب بنحوه). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 15-16]

تفسير قوله تعالى: {كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {كدأب آل فرعون} قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «كصنيع آل فرعون». وكذا روي عن عكرمة، ومجاهدٍ، وأبي مالكٍ، والضّحّاك، وغير واحدٍ، ومنهم من يقول: كسنّة آل فرعون، وكفعل آل فرعون وكشبه آل فرعون، والألفاظ متقاربةٌ. والدّأب -بالتّسكين، والتّحريك أيضًا كنهر ونهر-: هو الصّنع والشّأن والحال والأمر والعادة، كما يقال: لا يزال هذا دأبي ودأبك، وقال امرؤ القيس:

وقوفًا بها صحبي عليّ مطيّهم ....... يقولون: لا تهلك أسًى وتجمّل
كدأبك من أمّ الحويرث قبلها ....... وجارتها أمّ الرّباب بمأسل

والمعنى: كعادتك في أمّ الحويرث حين أهلكت نفسك في حبّها وبكيت دارها ورسمها.
والمعنى في الآية: أنّ الكافرين لا تغني عنهم الأولاد ولا الأموال، بل يهلكون ويعذّبون، كما جرى لآل فرعون ومن قبلهم من المكذبين للرسل فيما جاؤوا به من آيات اللّه وحججه.
{كدأب آل فرعون والّذين من قبلهم كذّبوا بآياتنا فأخذهم اللّه بذنوبهم واللّه شديد العقاب} أي: شديد الأخذ أليم العذاب، لا يمتنع منه أحدٌ، ولا يفوته شيءٌ بل هو الفعّال لما يريد، الّذي قد غلب كلّ شيءٍ وذلّ له كلّ شيءٍ، لا إله غيره ولا رب سواه). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 16]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد (12) قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ يرونهم مثليهم رأي العين واللّه يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار (13)}
يقول تعالى: قل يا محمّد للكافرين: {ستغلبون} أي: في الدّنيا، {وتحشرون} أي: يوم القيامة {إلى جهنّم وبئس المهاد}.
وقد ذكر محمّد بن إسحاق بن يسارٍ، عن عاصم بن عمر بن قتادة؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لما أصاب من أهل بدرٍ ما أصاب ورجع إلى المدينة، جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال: «يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم اللّه ما أصاب قريشًا». فقالوا: يا محمّد، لا يغرّنّك من نفسك أن قتلت نفرًا من قريشٍ كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال، إنّك واللّه لو قاتلتنا لعرفت أنّا نحن النّاس، وأنّك لم تلق مثلنا؟ فأنزل اللّه في ذلك من قولهم: {قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد} إلى قوله: {لعبرةً لأولي الأبصار}.
وقد رواه ابن إسحاق أيضًا، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيدٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ فذكره؛ ولهذا قال تعالى: {قد كان لكم آيةٌ} أي: قد كان لكم -أيّها اليهود القائلون ما قلتم - {آيةٌ} أي: دلالةٌ على أنّ اللّه معزٌّ دينه، وناصرٌ رسوله، ومظهرٌ كلمته، ومعلٍ أمره {في فئتين} أي: طائفتين {التقتا} أي: للقتال {فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه} وهم المسلمون، {وأخرى كافرةٌ} وهم مشركو قريشٍ يوم بدرٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 17]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقد ذكر محمّد بن إسحاق بن يسارٍ، عن عاصم بن عمر بن قتادة؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لما أصاب من أهل بدرٍ ما أصاب ورجع إلى المدينة، جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال: «يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم اللّه ما أصاب قريشًا». فقالوا: يا محمّد، لا يغرّنّك من نفسك أن قتلت نفرًا من قريشٍ كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال، إنّك واللّه لو قاتلتنا لعرفت أنّا نحن النّاس، وأنّك لم تلق مثلنا؟ فأنزل اللّه في ذلك من قولهم: {قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد} إلى قوله: {لعبرةً لأولي الأبصار}».
وقد رواه ابن إسحاق أيضًا، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيدٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ فذكره؛ ولهذا قال تعالى: {قد كان لكم آيةٌ} أي: قد كان لكم -أيّها اليهود القائلون ما قلتم - {آيةٌ} أي: دلالةٌ على أنّ اللّه معزٌّ دينه، وناصرٌ رسوله، ومظهرٌ كلمته، ومعلٍ أمره {في فئتين} أي: طائفتين {التقتا} أي: للقتال {فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه} وهم المسلمون، {وأخرى كافرةٌ} وهم مشركو قريشٍ يوم بدرٍ.
وقوله: {يرونهم مثليهم رأي العين} قال بعض العلماء -فيما حكاه ابن جريرٍ: «يرى المشركون يوم بدرٍ المسلمين مثليهم في العدد رأي أعينهم، أي: جعل اللّه ذلك فيما رأوه سببًا لنصرة الإسلام عليهم». وهذا لا إشكال عليه إلّا من جهةٍ واحدةٍ، وهي أنّ المشركين بعثوا عمر بن سعدٍ يومئذٍ قبل القتال يحزر لهم المسلمين، فأخبرهم بأنّهم ثلاثمائةٍ، يزيدون قليلًا أو ينقصون قليلًا. وهكذا كان الأمر، كانوا ثلاثمائةٍ وبضعة عشر رجلًا ثمّ لمّا وقع القتال أمدّهم اللّه بألفٍ من خواصّ الملائكة وساداتهم.
والقول الثّاني: " أنّ المعنى في قوله: {يرونهم مثليهم رأي العين} أي: ترى الفئة المسلمة الفئة الكافرة مثليهم، أي: ضعفيهم في العدد، ومع هذا نصرهم اللّه عليهم. وهذا لا إشكال فيه على ما رواه العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ أنّ المؤمنين كانوا يوم بدرٍ ثلاثمائةٍ وثلاثة عشر رجلًا والمشركين كانوا ستّمائةٍ وستّةً وعشرين رجلًا. وكأنّ هذا القول مأخوذٌ من ظاهر هذه الآية، ولكنّه خلاف المشهور عند أهل التّواريخ والسّير وأيّام النّاس، وخلاف المعروف عند الجمهور من أنّ المشركين كانوا ما بين التّسعمائة إلى الألف كما رواه محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان، عن عروة بن الزّبير، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا سأل ذلك العبد الأسود لبني الحجّاج عن عدّة قريشٍ، فقال: كثيرٌ، قال: "كم ينحرون كلّ يومٍ؟ " قال: يومًا تسعًا ويومًا عشرًا، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «القوم ما بين التّسعمائة إلى الألف».
وروى أبو إسحاق السّبيعي، عن حارثة، عن عليٍّ، قال: كانوا ألفًا، وكذا قال ابن مسعودٍ. والمشهور أنّهم كانوا ما بين التّسعمائة إلى الألف، وعلى كلّ تقديرٍ فقد كانوا ثلاثة أمثال المسلمين، وعلى هذا فيشكل هذا القول واللّه أعلم. لكن وجّه ابن جريرٍ هذا، وجعله صحيحًا كما تقول: عندي ألفٌ وأنا محتاجٌ إلى مثليها، وتكون محتاجًا إلى ثلاثة آلافٍ، كذا قال. وعلى هذا فلا إشكال.
لكن بقي سؤالٌ آخر وهو واردٌ على القولين، وهو أن يقال: ما الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى في قصّة بدرٍ: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقلّلكم في أعينهم ليقضي اللّه أمرًا كان مفعولا}؟ [الأنفال: 44] والجواب: أنّ هذا كان في حالٍ، والآخر كان في حالٍ أخرى، كما قال السّدّي، عن مرة الطّيّب عن ابن مسعودٍ في قوله: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ يرونهم مثليهم رأي العين} الآية، قال: «هذا يوم بدرٍ». قال عبد اللّه بن مسعودٍ: «وقد نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا، ثمّ نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلًا واحدًا، وذلك قوله تعالى: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقلّلكم في أعينهم}».
وقال أبو إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، قال: «لقد قلّلوا في أعيننا حتّى قلت لرجلٍ إلى جانبي تراهم سبعين؟ قال: أراهم مائةً. قال: فأسرنا رجلًا منهم فقلنا: كم كنتم؟ قال: ألفا. فعندما عاين كلّ الفريقين الآخر رأى المسلمون المشركين مثليهم، أي: أكثر منهم بالضّعف، ليتوكّلوا ويتوجّهوا ويطلبوا الإعانة من ربّهم، عزّ وجلّ. ورأى المشركون المؤمنين كذلك ليحصل لهم الرّعب والخوف والجزع والهلع، ثمّ لمّا حصل التّصافّ والتقى الفريقان قلّل اللّه هؤلاء في أعين هؤلاء، وهؤلاء في أعين هؤلاء، ليقدم كلٌّ منهما على الآخر».
{ليقضي اللّه أمرًا كان مفعولا} أي: ليفرّق بين الحقّ والباطل، فيظهر كلمة الإيمان على الكفر، ويعزّ المؤمنين ويذلّ الكافرين، كما قال تعالى: {ولقد نصركم اللّه ببدرٍ وأنتم أذلّةٌ} [آل عمران: 123] وقال هاهنا: {واللّه يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار} أي: إنّ في ذلك لمعتبرًا لمن له بصيرةٌ وفهمٌ يهتدي به إلى حكم اللّه وأفعاله، وقدره الجاري بنصر عباده المؤمنين في هذه الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 17-18]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:33 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة