العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة آل عمران

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 07:42 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة آل عمران[من الآية (1) إلى الآية (4) ]

تفسير سورة آل عمران
[من الآية (1) إلى الآية (4) ]

بسم الله الرحمن الرحيم
{الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) }


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 09:13 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (آلم (1) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {آلم}، {اللّه لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم}
قال أبو جعفرٍ: قد أتينا على البيان عن معنى قوله: {الم} فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، وكذلك البيان عن قوله: {اللّه}
...
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {الم}، {اللّه لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم}، قال: إنّ النّصارى أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فخاصموه في عيسى ابن مريم، وقالوا له: من أبوه؟ وقالوا على اللّه الكذب والبهتان، لا إله إلاّ هو، لم يتّخذ صاحبةً ولا ولدًا. فقال لهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: (( ألستم تعلمون أنّه لا يكون ولدٌ إلاّ وهو يشبه أباه؟))
قالوا: بلى.
قال: (( ألستم تعلمون أنّ ربّنا حيٌّ لا يموت، وأنّ عيسى يأتي عليه الفناء؟))
قالوا: بلى.
قال: ((ألستم تعلمون أنّ ربّنا قيّمٌ على كلّ شيءٍ يكلؤه ويحفظه ويرزقه؟ ))
قال: بلى.
قال: ((فهل يملك عيسى من ذلك شيئًا؟))
قالوا: لا.
قال: ((أفلستم تعلمون أنّ اللّه عزّ وجلّ لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السّماء؟ ))
قالوا: بلى.
قال: ((فهل يعلم عيسى من ذلك شيئًا إلاّ ما علّم؟ ))
قالوا: لا.
قال: ((فإنّ ربّنا صوّر عيسى في الرّحم كيف شاء، فهل تعلمون ذلك؟ ))
قالوا: بلى.
قال: ((ألستم تعلمون أنّ ربّنا لا يأكل الطّعام، ولا يشرب الشّراب، ولا يحدث الحدث؟
))
قالوا: بلى .
قال: ((ألستم تعلمون أنّ عيسى حملته امرأةٌ كما تحمل المرأة، ثمّ وضعته كما تضع المرأة ولدها، ثمّ غذّي كما يغذّى الصّبيّ، ثمّ كان يطعم الطّعام، ويشرب الشّراب، ويحدث الحدث؟ ))
قالوا: بلى .
قال: ((فكيف يكون هذا كما زعمتم؟)).
قال: ((فعرفوا ثمّ أبوا إلاّ جحودًا، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {آلم}، {اللّه لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم})). [جامع البيان: 5/170-175] (م)

قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ)
قوله عزّ وجلّ
{آلم}:
اختلف في تفسيره على أوجهٍ فمنهم من قال: أنا اللّه أعلم.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا يحيى بن آدم، ثنا شريكٌ عن عطاء بن السّائب، عن أبي الضّحى، عن ابن عبّاسٍ الم قال: أنا اللّه أعلم. وروي عن سعيد بن جبيرٍ والضّحّاك نحو ذلك.
الوجه الأول:
ومن فسّره على أنّه اسمٌ من أسماء الله:
- حدّثنا يحيى بن عبدك القزوينيّ، ثنا مكّيّ بن إبراهيم، ثنا عبيد الله يعني أبي زيادٍ، عن شهر بن حوشبٍ، عن أسماء يعني بنت يزيد، أنّها سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: إنّ في هاتين الآيتين: اسم اللّه الأعظم الم. اللّه لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم، وإلهكم إلهٌ واحدٌ لا إله إلا هو الرّحمن الرّحيم.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا يحيى بن عبّادٍ، ثنا شعبة عن السّدّيّ قال: بلغني عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: الم اسمٌ من أسماء اللّه الأعظم.
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، ثنا أبي، أنبأ عيسى بن عبيدٍ، عن حسين بن عثمان المزنيّ، عن سالم بن عبد اللّه قال: الم وحم ون ونحوها، اسم اللّه مقطّعةً- وروي عن السّدّيّ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
ومن فسّره على أنّه اسمٌ من أسماء اللّه وآلائه وبلائه:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ العسقلانيّ، ثنا آدم بن أبي إياسٍ، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية في قوله: الم. قال: هذه الأحرف الثّلاثة من التّسعة والعشرين حرفًا، دارت فيها الألسن كلّها ليس منها حرفٌ إلا وهو مفتاح اسمٍ من أسمائه، وليس منها حرفٌ إلا وهو من آلائه وبلائه، وليس منها حرفٌ إلا وهو في مدّة أقوام وآجالهم، فقال عيسى بن مريم صلّى اللّه عليه وسلّم: وعجب فقال: وأعجب أنّهم ينطقون بأسمائه، ويعيشون في رزقه، فكيف يكفرون به، فالألف مفتاح اسم اللّه، واللام مفتاح اسمه لطيفٍ، والميم مفتاح اسمه مجيد، فالألف ستة واللام، وثلاثون الميم أربعون وروي عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
الوجه الثالث:
ومن فسّره على أنّه اسمٌ للقرآن:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ عن قتادة في قوله: ألم قال: اسمٌ من أسماء القرآن. وروي عن مجاهدٍ والحسن وزيد بن أسلم نحو ذلك.
الوجه الرابع:
ومن فسّره على فواتح القرآن:
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن حاتمٍ الهرويّ، ثنا حجّاج بن محمّدٍ قال ابن جريجٍ أنبأ عن مجاهدٍ أنّه قال: الم هي فواتح يفتتح اللّه بها القرآن.
الوجه الخامس:
ومن فسّره على القسم:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا ابن عليّة، عن خالدٍ، عن عكرمة: الم قسم). [تفسير القرآن العظيم: 2/583-584]

تفسير قوله تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {الله لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن محمّد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرّحمن بن حاطبٍ، عن أبيه: أنّ عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه كان يقرأ: (الحيّ القيّام).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا الحكم بن ظهير، عن السّدّي، عن عمرو بن ميمونٍ رضي اللّه عنه قال: سمعت عمر رضي اللّه عنه يقرأ: (الحيّ القيّام).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا مغيرة، عن إبراهيم، أنّه كان يقرأ: (الحيّ القيّام).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا أبو إسحاق الكوفيّ، عن أبي خالدٍ الكنانيّ، عن ابن مسعودٍ، أنّه كان يقرؤها كذلك.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا يونس، وعوفٌ، عن الحسن، أنّه كان يقرأ: {الحيّ القيّوم}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: أخبرني أبو الأشهب، عن أبي رجاءٍ العطاردي، أنّه كان يقرأ كذلك). [سنن سعيد بن منصور]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عيسى بن يونس، عن عبيد الله بن أبي زيادٍ، عن شهر بن حوشبٍ، عن أسماء بنت يزيد، قالت: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وإلهكم إلهٌ واحدٌ لا إله إلا هو الرّحمن الرّحيم} وفاتحة سورة آل عمران {الم * اللّه لا إله إلا هو الحيّ القيّوم}). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 475]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {الحي القيوم} قال: القائم على كلّ نفسٍ). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 72]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {آلم}، {اللّه لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم}
قال أبو جعفرٍ: قد أتينا على البيان عن معنى قوله: {الم} فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، وكذلك البيان عن قوله: {اللّه}
وأمّا معنى قوله: {لا إله إلاّ هو}، فإنّه خبرٌ من اللّه جلّ وعزّ، أخبر عباده أنّ الألوهيّة خاصّةٌ به دون ما سواه من الآلهة والأنداد، وأنّ العبادة لا تصلح ولا تجوز إلاّ له لانفراده بالرّبوبيّة، وتوحّده بالألوهيّة، وأنّ كلّ ما دونه فملكه، وأنّ كلّ ما سواه فخلقه، لا شريك له في سلطانه وملكه ; احتجاجًا منه تعالى ذكره عليهم بأنّ ذلك إذ كان كذلك، فغير جائزةٍ لهم عبادة غيره، ولا إشراك أحدٍ معه في سلطانه، إذ كان كلّ معبودٍ سواه فملكه، وكلّ معظّمٍ غيره فخلقه، وعلى المملوك إفراد الطّاعة لمالكه، وصرف خدمته إلى مولاه ورازقه. ومعرّفًا من كان من خلقه يوم أنزل ذلك إلى نبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، بتنزيله ذلك إليه، وإرساله به إليهم على لسانه صلوات اللّه عليه وسلامه، مقيمًا على عبادة وثنٍ أو صنمٍ أو شمسٍ أو قمرٍ أو إنسيٍّ أو ملكٍ أو غير ذلك من الأشياء الّتي كانت بنو آدم مقيمةً على عبادته وإلاهتها، ومتّخذه دون مالكه وخالقه إلهًا وربًّا، أنّه مقيمٌ على ضلالةٍ، ومنعزلٌ عن المحجّة، وراكبٌ غير السّبيل المستقيمة بصرفه العبادة إلى غيره، ولا أحد له الألوهيّة غيره.
وقد ذكر أنّ هذه السّورة ابتدأ اللّه بتنزيله فاتحتها بالّذي ابتدأ به من نفي الألوهيّة أن يكون لغيره، ووصفه نفسه بالّذي وصفها به ابتداءها؛ احتجاجًا منه بذلك على طائفةٍ من النّصارى قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من نجران، فحاجّوه في عيسى صلوات اللّه عليه، وألحدوا في اللّه، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في أمرهم وأمر عيسى من هذه السّورة نيّفًا وثلاثين آيةً من أوّلها، احتجاجًا عليهم وعلى من كان على مثل مقالتهم لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأبوا إلاّ المقام على ضلالتهم وكفرهم، فدعاهم إلى المباهلة، فأبوا ذلك وسألوا قبول الجزية منهم، فقبلها صلّى اللّه عليه وسلّم منهم، وانصرفوا إلى بلادهم. غير أنّ الأمر وإن كان كذلك وإيّاهم قصد بالحجاج، فإنّ من كان معناه من سائر الخلق معناهم في الكفر باللّه، واتّخاذ ما سوى اللّه ربًّا وإلهًا ومعبودًا، معمومون بالحجّة الّتي حجّ اللّه تبارك وتعالى بها من نزلت من هذه الآيات فيه، ومحجوجون في الفرقان الّذي فرّق به لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بينه وبينهم.
ذكر الرّواية عمّن ذكرنا قوله في نزول افتتاح هذه السّورة أنّه نزل في الّذين وصفنا صفتهم من النّصارى:
أخبرنا أبو جعفرٍ محمّد بن جرير بن يزيد الطّبريّ رضي اللّه عنه
- حدّثنا محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن جعفرٍ، قال: قدم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وفد نجران ستّون راكبًا، فيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم، في الأربعة عشر ثلاثة نفرٍ إليهم يؤول أمرهم: العاقب أمير القوم وذو رأيهم، وصاحب مشورتهم، والّذي لا يصدرون إلاّ عن رأيه، واسمه عبد المسيح. والسّيّد ثمالهم، وصاحب رحلهم ومجتمعهم، واسمه الأيهم. وأبو حارثة بن علقمة أخد بكر بن وائلٍ، أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدراسهم.
وكان أبو حارثة قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتّى حسن علمه في دينهم، فكانت ملوك الرّوم من أهل النّصرانيّة قد شرّفوه وموّلوه وأخدموه، وبنوا له الكنائس، وبسطوا عليه الكرامات، لما يبلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم.
قال ابن إسحاق: قال محمّد بن جعفر بن الزّبير: قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة، فدخلوا عليه في مسجده حين صلّى العصر، عليهم ثياب الحبرات جببٌ وأرديةٌ في جمال رجال بلحارث بن كعبٍ. قال: يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومئذٍ: ما رأينا بعدهم وفدًا مثلهم. وقد حانت صلاتهم، فقاموا يصلّون في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: دعوهم، فصلّوا إلى المشرق.
قال: وكانت تسمية الأربعة عشر منهم الّذين يؤول إليهم أمرهم: العاقب وهو عبد المسيح، والسّيّد وهو الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائلٍ، وأوسٌ، والحارث، وزيدٌ، وقيسٌ، ويزيد، ونبيهٌ، وخويلد وعمرٍو، وخالدٌ، وعبد اللّه، ويحنّس، في ستّين راكبًا. فكلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منهم أبو حارثة بن علقمة، والعاقب عبد المسيح، والأيهم السّيّد، وهم من النّصرانيّة على دين الملك مع اختلافٍ من أمرهم، يقولون: هو اللّه، ويقولون: هو ولد اللّه، ويقولون: هو ثالث ثلاثةٍ، وكذلك قول النّصرانيّة. فهم يحتجّون في قولهم: هو اللّه، بأنّه كان يحيي الموتى، ويبرئ الأسقام، ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطّين كهيئة الطّير، ثمّ ينفخ فيه فيكون طائرًا، وذلك كلّه بإذن اللّه، ليجعله آيةً للنّاس. ويحتجّون في قولهم: إنّه ولد اللّه، أنّهم يقولون: لم يكن له أبٌ يعلم، وقد تكلّم في المهد شيءٍ لم يصنعه أحدٌ من ولد آدم من قبله. ويحتجّون في قولهم: إنّه ثالث ثلاثةٍ، بقول اللّه عزّ وجلّ: فعلنا وأمرنا وخلقنا وقضينا فيقولون: لو كان واحدًا ما قال إلاّ فعلت وأمرت وقضيت وخلقت ولكنّه هو وعيسى ومريم. ففي كلّ ذلك من قولهم قد نزل القرآن، وذكر اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيه قولهم. فلمّا كلّمه الحبران قال لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أسلما، قالا: قد أسلمنا، قال: إنّكما لم تسلما، فأسلما، قالا: بلى قد أسلمنا قبلك، قال: كذبتما، يمنعكما من الإسلام دعاؤكما للّه عزّ وجلّ ولدًا، وعبادتكما الصّليب، وأكلكما الخنزير، قالا: فمن أبوه يا محمّد؟ فصمت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عنهما، فلم يجبهما، فأنزل اللّه في ذلك من قولهم واختلاف أمرهم كلّه، صدر سورة آل عمران إلى بضعٍ وثمانين آيةً منها، فقال: {اللّه لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم}، فافتتح السّورة بتبرئة نفسه تبارك وتعالى ممّا قالوا، وتوحيده إيّاها بالخلق والأمر، لا شريك له فيه، وردًّا عليهم ما ابتدعوا من الكفر، وجعلوا معه من الأنداد، واحتجاجًا عليهم بقولهم في صاحبهم، ليعرّفهم بذلك ضلالتهم، فقال: {اللّه لا إله إلاّ هو} أي ليس معه شريكٌ في أمره.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {الم}، {اللّه لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم}، قال: إنّ النّصارى أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فخاصموه في عيسى ابن مريم، وقالوا له: من أبوه؟ وقالوا على اللّه الكذب والبهتان، لا إله إلاّ هو، لم يتّخذ صاحبةً ولا ولدًا. فقال لهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ((ألستم تعلمون أنّه لا يكون ولدٌ إلاّ وهو يشبه أباه؟ ))
قالوا: بلى.
قال: ((ألستم تعلمون أنّ ربّنا حيٌّ لا يموت، وأنّ عيسى يأتي عليه الفناء؟ ))
قالوا: بلى .
قال: ((ألستم تعلمون أنّ ربّنا قيّمٌ على كلّ شيءٍ يكلؤه ويحفظه ويرزقه؟ ))
قال: بلى.
قال: ((فهل يملك عيسى من ذلك شيئًا؟))
قالوا: لا.
قال:(( أفلستم تعلمون أنّ اللّه عزّ وجلّ لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السّماء؟))
قالوا: بلى.
قال: ((فهل يعلم عيسى من ذلك شيئًا إلاّ ما علّم؟ ))
قالوا: لا.
قال: ((فإنّ ربّنا صوّر عيسى في الرّحم كيف شاء، فهل تعلمون ذلك؟ ))
قالوا: بلى.
قال:(( ألستم تعلمون أنّ ربّنا لا يأكل الطّعام، ولا يشرب الشّراب، ولا يحدث الحدث؟
))
قالوا: بلى.
قال: ((ألستم تعلمون أنّ عيسى حملته امرأةٌ كما تحمل المرأة، ثمّ وضعته كما تضع المرأة ولدها، ثمّ غذّي كما يغذّى الصّبيّ، ثمّ كان يطعم الطّعام، ويشرب الشّراب، ويحدث الحدث؟ ))
قالوا: بلى.
قال: ((فكيف يكون هذا كما زعمتم؟.))
قال: ((فعرفوا ثمّ أبوا إلاّ جحودًا، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {الم}، {اللّه لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم})). [جامع البيان: 5/170-175]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الحيّ القيّوم}
اختلفت القرّاء في ذلك، فقرأته قرّاء الأمصار: {الحيّ القيّوم}.
وقرأ ذلك عمر بن الخطّاب وابن مسعودٍ فيما ذكر عنهما: (الحيّ القيّام).
وذكر عن علقمة بن قيسٍ أنّه كان يقرأ: الحيّ القيّم.
- حدّثنا بذلك أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثّام بن عليٍّ، قال: حدّثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمرٍ، قال: سمعت علقمة، يقرأ: الحيّ القيّم، قلت: أنت سمعته؟ قال: لا أدري
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا وكيعٌ، قال: حدّثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمرٍ، عن علقمة، مثله
وقد روي عن علقمة، خلاف ذلك.وهو ما:
- حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثنا شيبان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمرٍ، عن علقمة أنّه قرأ: (الحيّ القيّام) والقراءة الّتي لا يجوز غيرها عندنا في ذلك، ما جاءت به قراءة المسلمين نقلاً مستفيضًا عن غير تشاعرٍ ولا تواطؤ وارثةً، وما كان مثبتًا في مصاحفهم، وذلك قراءة من قرأ {الحيّ القيّوم}). ة
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الحيّ}
اختلف أهل التّأويل في معنى قوله: {الحيّ}، فقال بعضهم: معنى ذلك من اللّه تعالى ذكره: أنّه وصف نفسه بالبقاء، ونفى الموت الّذي يجوز على من سواه من خلقه عنها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {الحيّ} الّذي لا يموت، وقد مات عيسى وصلب في قولهم، يعني في قول الأحبار الّذين حاجّوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من نصارى أهل نجران.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {الحيّ} قال: يقول: حيٌّ لا يموت
وقال آخرون: معنى: {الحيّ} الّذي عناه اللّه عزّ وجلّ في هذه الآية ووصف به نفسه، أنّه المتيسّر له تدبير كلّ ما أراد وشاء، لا يمتنع عليه شيءٌ أراده، وأنّه ليس كمن لا تدبير له من الآلهة والأنداد
وقال آخرون: معنى ذلك: أنّ له الحياة الدّائمة الّتي لم تزل له صفةً، ولا تزال كذلك. وقالوا: إنّما وصف نفسه بالحياة، لأنّ له حياةً كما وصفها بالعلم لأنّ لها علمًا، وبالقدرة لأنّ لها قدرةً.
ومعنى ذلك عندي: أنّه وصف نفسه بالحياة الدّائمة الّتي لا فناء لها ولا انقطاع، ونفى عنها ما هو حالٌّ بكلّ ذي حياةٍ من خلقه، من الفناء وانقطاع الحياة عند مجيء أجله، فأخبر عباده أنّه المستوجب على خلقه العبادة والألوهة، والحيّ الّذي لا يموت، ولا يبيد كما يموت كلّ من اتّخذ من دونه ربًّا، ويبيد كلّ من ادّعى من دونه إلهًا، واحتجّ على خلقه بأنّ من كان يبيد فيزول ويموت فيفنى، فلا يكون إلهًا يستوجب أن يعبد دون الإله الّذي لا يبيد ولا يموت، وأنّ الإله هو الدّائم الّذي لا يموت، ولا يبيد، ولا يفنى، وذلك اللّه الّذي لا إله إلاّ هو). [جامع البيان: 5/176-177]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {القيّوم}
قد ذكرنا اختلاف القراءة في ذلك، والّذي نختار منه، وما العلّة الّتي من أجلها اخترنا ما اخترنا من ذلك.
فأمّا تأويل جميع الوجوه الّتي ذكرنا أنّ القرّاء قرأت بها فمتقاربٌ، ومعنى ذلك كلّه: القيّم بحفظ كلّ شيءٍ ورزقه وتدبيره وتصريفه فيما شاء وأحبّ من تغييرٍ وتبديلٍ وزيادةٍ ونقصٍ.
- كما: حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى بن ميمونٍ، قال: حدّثنا ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه جلّ ثناؤه: {الحيّ القيّوم} قال: القائم على كلّ شيءٍ
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {القيّوم}: قيّمٌ على كلّ شيءٍ يكلؤه ويحفظه ويرزقه
وقال آخرون: معنى ذلك القيّام على مكانه، ووجّهوه إلى القيام الدّائم الّذي لا زوال معه ولا انتقال، وأنّ اللّه عزّ وجلّ إنّما نفى عن نفسه بوصفها بذلك التّغيّر والتّنقّل من مكانٍ إلى مكانٍ وحدوث التّبدّل الّذي يحدث في الآدميّين وسائر خلقه غيرهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {القيّوم} القائم على مكانه من سلطانه في خلقه لا يزول، وقد زال عيسى في قولهم يعني في قول الأحبار الّذين حاجّوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من أهل نجران في عيسى عن مكانه الّذي كان به، وذهب عنه إلى غيره
وأولى التّأويلين بالصّواب ما قاله مجاهدٌ والرّبيع، وأنّ ذلك وصفٌ من اللّه تعالى ذكره نفسه بأنّه القائم بأمر كلّ شيءٍ في رزقه والدّفع عنه، وكلاءته وتدبيره وصرفه في قدرته، من قول العرب: فلانٌ قائمٌ بأمر هذه البلدة، يعني بذلك: المتولّي تدبير أمرها. فالقيّوم إذ كان ذلك معناه الفيعول من قول القائل: اللّه يقوم بأمر خلقه، وأصله القيووم غير أنّ الواو الأولى من القيّوم لمّا سبقتها ياءٌ ساكنةٌ وهي متحرّكةٌ قلبت ياءً، فجعلت هي والياء الّتي قبلها ياءً مشدّدةً، لأنّ العرب كذلك تفعل بالواو المتحرّكة إذا تقدّمتها ياءٌ ساكنةٌ.
وأمّا القيّام فإنّ أصله القيوام، وهو الفيعال، من قام يقوم، سبقت الواو المتحرّكة من قيوامٍ ياءٌ ساكنةٌ، فجعلتا جميعًا ياءً مشدّدةً.
ولو أنّ القيّوم فعّولٌ، كان القوّوم، ولكنّه الفيعول، وكذلك القيّام لو كان الفعّال لكان القوّام، كما قيل: الصّوّام والقوّام، وكما قال جلّ ثناؤه: {كونوا قوّامين للّه شهداء بالقسط}، ولكنّه الفيعال، فقال: القيّام.
وأمّا القيّم فهو الفيعل من قام يقوم، سبقت الواو المتحرّكة ياءٌ ساكنةٌ فجعلتا ياءً مشدّدةً، كما قيل: فلانٌ سيّد قومه، من ساد يسود، وهذا طعامٌ جيّدٌ من جاد يجود، وما أشبه ذلك.
وإنّما جاء ذلك بهذه الألفاظ لأنّه قصد به قصد المبالغة في المدح، فكان القيّوم والقيّام والقيّم أبلغ في المدح من القائم. وإنّما كان عمر رضي اللّه عنه يختار قراءته إن شاء اللّه القيّام لأنّ ذلك الغالب على منطقٍ أهل الحجاز في ذوات الثّلاثة من الياء والواو، فيقولون للرّجل الصّوّاغ: الصّيّاغ، ويقولون للرّجل الكثير الدّوران: الدّيار. وقد قيل: إنّ قول اللّه جلّ ثناؤه: {لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارًا} إنّما هو دوّارًا فعّالاً من دار يدور، ولكنّها نزلت بلغة أهل الحجاز، وأقرّت كذلك في المصحف). [جامع البيان: 5/177-179]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (اللّه لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم (2)
قوله تعالى: اللّه
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا إسماعيل بن عليّة، عن أبي رجاءٍ، حدّثني رجلٌ، عن جابر بن زيدٍ أنّه قال: اسم اللّه الأعظم هو اللّه، ألم تسمع أنّه يقول:
هو اللّه الّذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشّهادة هو الرّحمن الرّحيم
قوله تعالى: (اللّه لا إله إلا هو)
- قرئ على يونس بن عبد الأعلى، أنبأ ابن وهبٍ قال: وحدّثني أيضًا عمر بن محمّدٍ، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، أخبرني السّلوليّ، عن كعبٍ قال: لا إله إلا اللّه كلمة الإخلاص.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع قوله: الم اللّه لا إله إلّا هو الحيّ القيوم قال: إن النصارى أتو النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فخاصموه في عيسى ابن مريم، وقالوا: من أبوه؟
فقالوا على اللّه الكذب والبهتان، لا إله إلا اللّه لم يتّخذ صاحبةً ولا ولدًا،
فقال لهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:(( ألستم تعلمون أنّ ربّنا حيٌّ لا يموت، وأنّ عيسى يأتي عليه الفناء؟ ))
قالوا: بلى.
قال:(( ألستم تعلمون أنّ ربّنا قيّمٌ على كلّ شيءٍ يكلأه ويحفظه ويرزقه؟))
قالوا: بلى.
قال: ((فهل يملك عيسى من ذلك شيء؟ ))
قالوا: لا.
قال:(( أفلستم تعلمون أنّ اللّه لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السّماء؟))
قالوا :بلى.
قال: ((فهل يعلم عيسى من ذلك شيء إلا ما علّم؟))
قالوا :لا.
قال: ((فإنّ ربّنا صوّر عيسى في الرّحم كيف يشاء، ألستم تعلمون أنّ ربّنا لا يأكل الطّعام ولا يشرب الشّراب ولا يحدث الحدث؟ ))
قالوا: بلى.
قال: ((ألستم تعلمون أنّ عيسى حملته أمّه كما تحمل المرأة ثمّ وضعته كما تضع المرأة ولدها، ثمّ غذّي كما يغذّى الصّبيّ، ثمّ كان يطعم الطّعام، ويشرب الشّراب ويحدث الحدث؟))
قالوا: بلى.
قال: ((فكيف يكون هذا كما زعمتم؟ فعرفوا ثمّ أبوا إلا جحودًا، فأنزل اللّه:{ (آلم )اللّه لا إله إلا هو الحيّ القيّوم}
))
- حدّثنا محمّد بن نحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: قوله: (آلم )( اللّه لا إله إلا هو الحيّ القيوم )ففتح السّورة بتبرئته نفسه ممّا قالوا، وتوحيده إيّاها بالخلق والأمر لا شريك له فيه، وردّ عليهم ما ابتدعوا من الكفر وجعلوا معه من الأنداد، واحتجاجًا عليهم بقولهم في صاحبهم ليعرفوا بذلك ضلالتهم فقال: اللّه لا إله إلا هو أي: ليس معه غيره شريكٌ في أمره.
قوله تعالى:( الحيّ)
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا عمرو بن حمران عن سعيدٍ، عن قتادة: قوله: الحيّ الحيّ الّذي لا يموت. وروي عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
قوله: القيوم
الوجه الأول:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: القيّوم القائم على كلّ شيءٍ.
- حدّثنا أبي، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا سلام بن أبي مطيعٍ عن قتادة في قوله: الحيّ القيّوم القيّم على الخلق بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم- وروي عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا عبد اللّه بن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق قوله: الحيّ القيّوم القائم على مكانته الّذي لا يزول، وعيسى لحمٌ ودمٌ، وقد قضى عليه بالموت زال عن مكانه الّذي يحدث به.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عيسى الصّائغ ببغداد، ثنا سويد بن عبد العزيز، عن سفيان بن حسينٍ عن الحسن القيّوم الّذي لا زوال له). [تفسير القرآن العظيم: 2/585-586]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال القيوم يعني القائم على كل شيء).[تفسير مجاهد: 121]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا الحسين بن الحسن بن أيّوب نا عليّ بن عبد العزيز نا أبو عبيدٍ نا حجّاجٌ عن هارون بن موسى حدّثني محمّد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرّحمن بن حاطبٍ، عن أبيه، عن عمر رضي اللّه عنه، أنّه صلّى بهم «فقرأ الم اللّه لا إله إلّا هو الحيّ القيّام» قال أبو عبيدٍ: أمّا القرّاء بعد من أهل الحرمين مكّة والمدينة وأهل المصرين الكوفة والبصرة وأهل الشّام ومصر وغيرهم من القرّاء فقرءوها: {القيّوم} [آل عمران: 2] لا اختلاف بينهم فيه أعلمه، وكذلك القراءة عندنا، لموافقة الكتاب ولما عليه الأمّة، وإن كان لذينك الوجهين في العربيّة مخرجٌ. هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/316]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن الأنباري في المصاحف عن أبي بن كعب أنه قرأ {الحي القيوم}.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال {القيوم} القائم على كل شيء.
وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور والطبراني عن ابن مسعود أنه كان يقرؤها {الحي القيوم}.
وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي داود، وابن الأنباري معا في المصاحف، وابن المنذر والحاكم وصححه عن عمر أنه صلى العشاء الآخرة فاستفتح سورة آل عمران فقرأ {آلم الله لا إله إلا هو الحي القيوم}.
وأخرج ابن أبي داود عن الأعمش قال في قراءة عبد الله (الحي القيام)
وأخرج ابن جرير، وابن الأنباري عن علقمة أنه كان يقرأ (الحي القيام).
وأخرج ابن جرير، وابن الأنباري عن أبي معمر قال: سمعت علقمة يقرأ (الحي القيم) وكان أصحاب عبد الله يقرؤون (الحي القيام).
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن عاصم بن كليب عن أبيه قال: كان عمر يعجبه أن يقرأ سورة آل عمران في الجمعة إذا خطب.
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر عن محمد بن جعفر بن الزبير قال: قدم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وفد نجران ستون راكبا فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم أبو حارثة بن علقمة والعاقب وعبد المسيح والأيهم السيد وهو من النصرانية على دين الملك مع اختلاف من أمرهم، يقولون هو الله ويقولون هو ولد الله ويقولون هو ثالث ثلاثة كذلك قول النصرانية فهم يحتجون
في قولهم يقولون هو الله بأنه كان يحيي الموتى ويبرى ء الأسقام ويخبر بالغيوب ويخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيرا وذلك كله بإذن الله ليجعله آية للناس، ويحتجون في قولهم بأنه ولد بأنهم يقولون: لم يكن له أب يعلم وقد تكلم في المهد شيئا لم يصنعه أحد من ولد آدم قبله، ويحتجون في قولهم أنه ثالث ثلاثة بقول الله: فعلنا وأمرنا وخلقنا وقضينا فيقولون: لو كان واحدا ما قال إلا فعلت وأمرت وقضيت وخلقت ولكنه هو وعيسى ومريم، ففي كل ذلك من قولهم نزل القرآن وذكر الله لنبيه فيه قولهم فلما كلمه الحبران قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلما قالا: قد أسلمنا قبلك، قال: كذبتما منعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولدا وعبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير قالا: فمن أبوه يا محمد فصمت فلم يجبهما شيئا فأنزل الله في ذلك من قولهم واختلاف أمرهم كله صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها فافتتح السورة بتنزيه نفسه مما قالوه وتوحيده إياهم بالخلق والأمر لا شريك له فيه ورد عليهم ما ابتدعوا من الكفر وجعلوا معه من الأنداد واحتجاجا عليهم بقولهم في صاحبهم ليعرفهم بذلك ضلالته فقال {الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم} أي ليس معه غيره شريك في أمره الحي الذي لا يموت وقد مات عيسى في قولهم القيوم القائم على سلطانه لا يزول وقد زال عيسى
وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن سهل بن أبي أمامة قال: لما قدم أهل نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسألونه عن عيسى بن مريم، نزلت فيهم فاتحة آل عمران إلى رأس الثمانين منها وأخرجه البيهقي في الدلائل.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الربيع قال: إن النصارى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فخاصموه في عيسى بن مريم وقالوا له: من أبوه وقالوا :على الله الكذب والبهتان، فقال لهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ((ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه ))
قالوا: بلى.
قال: ((ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت وأن عيسى يأتي عليه الفناء ))
قالوا: بلى.
قال: ((ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يكلؤه ويحفظه ويرزقه))
قالوا: بلى.
قال:(( فهل يملك عيسى من ذلك شيئا قالوا: لا، قال: أفلستم تعلمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ))
قالوا: بلى.
قال: ((فهل يعلم عيسى من ذلك شيئا إلا ما علم ))
قالوا: لا.

قال: ((فان ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء ألستم تعلمون أن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يحدث الحدث ))
قالوا: بلى.
قال: ((ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ثم غذي كما تغذي المرأة الصبي ثم كان يأكل الطعام ويشرب الشراب ويحدث الحدث ))
قالوا: بلى.
قال: ((فكيف يكون هذا كما زعمتم فعرفوا ثم أبوا إلا جحودا، فأنزل الله!

{الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم}.))
وأخرج سعيد بن منصور والطبراني عن ابن مسعود أنه كان يقرؤها (القيام).
وأخرج ابن جرير عن علقمة أنه قرأ {الحي القيوم}). [الدر المنثور: 3/440-444]

تفسير قوله تعالى: (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {نزّل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقًا لما بين يديه وأنزل التّوراة والإنجيل (3) من قبل هدًى للنّاس وأنزل الفرقان إنّ الّذين كفروا بآيات اللّه لهم عذابٌ شديدٌ واللّه عزيزٌ ذو انتقامٍ}
يقول جلّ ثناؤه: يا محمّد إنّ ربّك وربّ عيسى وربّ كلّ شيءٍ، هو الرّبّ الّذي أنزل عليك {الكتاب} يعني بالكتاب القرآن {بالحقّ} يعني بالصّدق فيما اختلف فيه أهل التّوراة والإنجيل، وفيما خالفك فيه محاجّوك من نصارى أهل نجران، وسائر أهل الشّرك غيرهم {مصدّقًا لما بين يديه} يعني بذلك القرآن أنّه مصدّقٌ لما كان قبله من كتب اللّه الّتي أنزلها على أنبيائه ورسله، ومحقّقٌ ما جاءت به رسل اللّه من عنده؛ لأنّ منزّل جميع ذلك واحدٌ، فلا يكون فيه اختلافٌ، ولو كان من عند غيره كان فيه اختلافٌ كثيرٌ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: {مصدّقًا لما بين يديه} قال: لما قبله من كتابٍ أو رسولٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {مصدّقًا لما بين يديه} لما قبله من كتابٍ أو رسولٌ.
- حدّثني محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {نزّل عليك الكتاب بالحقّ} أي بالصّدق فيما اختلفوا فيه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {نزّل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقًا لما بين يديه} يقول: القرآن مصدّقٌ لما بين يديه من الكتب الّتي قد خلت قبله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثني ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع قوله: {نزّل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقًا لما بين يديه} يقول: مصدّقًا لما قبله من كتابٍ ورسولٍ). [جامع البيان: 5/180-181]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأنزل التّوراة والإنجيل (3) من قبل هدًى لّلنّاس}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وأنزل التّوراة على موسى، والإنجيل على عيسى {من قبل} يقول: من قبل الكتاب الّذي نزّله عليك.
ويعني بقوله: {هدًى للنّاس} بيانًا للنّاس من اللّه، فيما اختلفوا فيه من توحيد اللّه وتصديق رسله، ونعتك يا محمّد أنّك نبيّي ورسولي وفي غير ذلك من شرائع دين اللّه.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وأنزل التّوراة والإنجيل من قبل هدًى للنّاس} هما كتابان أنزلهما اللّه، فيهما بيانٌ من اللّه، وعصمةٌ لمن أخذ به وصدّق به وعمل بما فيه.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {وأنزل التّوراة والإنجيل} التّوراة على موسى والإنجيل على عيسى، كما أنزل الكتب على من كان قبله). [جامع البيان: 5/181-182]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (نزّل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقًا لما بين يديه وأنزل التّوراة والإنجيل (3)
قوله تعالى: نزّل عليك الكتاب
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا تليد بن سليمان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: (نزّل عليك الكتاب )قال: خواتيم البقرة من كنزٍ تحت العرش.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أحمد ثنا إسحاق بن إسماعيل المراي ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: نزّل عليك الكتاب بالحقّ يقول: القرآن.
قوله تعالى: بالحق
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا ابن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق قوله: نزّل عليك الكتاب بالحقّ يقول: بالفصل في الّذي ادّعوا من الباطل.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا محمد بن نحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، قال: قال محمّد بن إسحاق: نزّل عليك الكتاب بالحقّ أي بتصدق فيما اختلفوا فيه.
قوله تعالى: مصدّقًا لما بين يديه
- حدّثنا الحجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ
قوله: مصدّقًا لمّا بين يديه لما قبله من كتابٍ أو رسولٍ.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا عبد الكبير بن عبد المجيد، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: مصدّقًا لما بين يديه يقول: من البيّنات الّتي أنزلت على نوح وإبراهيم وهودٍ والأنبياء، وأنزل على داود الزّبور- وروي عن قتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو قول مجاهدٍ.
قوله: وأنزل التّوراة والإنجيل من قبل
- حدّثنا أبي ثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، أنبأ عمران أبو العوّام القطّان عن قتادة، عن أبي المليح عن واثلة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: وأنزلت التّوراة لستٍّ مضين من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشر خلت من رمضان.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان ابن عبد الرّحمن التّميميّ عن قتادة وأنزل التّوراة والإنجيل من قبل قال: هما كتابان أنزلهما اللّه: التّوراة والإنجيل.
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا ابن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق قال: وأنزل التّوراة الّتي جاء بها موسى، والإنجيل الّذي جاء به عيسى عليهما الصّلاة والسّلام). [تفسير القرآن العظيم: 2/586-588]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز وجل مصدقا لما بين يديه يعني لما قبله من كتاب أو رسول).[تفسير مجاهد: 121]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله :{نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه} قال: لما قبله من كتاب أو رسول.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن {مصدقا لما بين يديه} يقول: من البينات التي أنزلت على نوح وإبراهيم وهود والأنبياء.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله :{نزل عليك الكتاب} قال: القرآن {مصدقا لما بين يديه} من الكتب التي قد خلت قبله (وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس) هما كتابان أنزلهما الله فيهما بيان من الله وعصمة لمن أخذ به وصدق به وعمل بما فيه {وأنزل الفرقان} هو القرآن فرق به بين الحق والباطل، فأحل فيه حلاله وحرم فيه حرامه وشرع فيه شرائعه وحد فيه حدوده وفرض فيه فرائضه وبين فيه بيانه وأمر بطاعته ونهى عن معصيته). [الدر المنثور: 3/444-445]

تفسير قوله تعالى: (مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأنزل التّوراة والإنجيل (3) من قبل هدًى لّلنّاس}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وأنزل التّوراة على موسى، والإنجيل على عيسى {من قبل} يقول: من قبل الكتاب الّذي نزّله عليك.
ويعني بقوله: {هدًى للنّاس} بيانًا للنّاس من اللّه، فيما اختلفوا فيه من توحيد اللّه وتصديق رسله، ونعتك يا محمّد أنّك نبيّي ورسولي وفي غير ذلك من شرائع دين اللّه.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وأنزل التّوراة والإنجيل من قبل هدًى للنّاس} هما كتابان أنزلهما اللّه، فيهما بيانٌ من اللّه، وعصمةٌ لمن أخذ به وصدّق به وعمل بما فيه.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {وأنزل التّوراة والإنجيل} التّوراة على موسى والإنجيل على عيسى، كما أنزل الكتب على من كان قبله). [جامع البيان: 5/181-182] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأنزل الفرقان}
يعني جلّ ثناؤه بذلك: وأنزل الفصل بين الحقّ والباطل، فيما اختلفت فيه الأحزاب وأهل الملل في أمر عيسى وغيره.
وقد بيّنّا فيما مضى أنّ الفرقان إنّما هو الفعلان من قولهم: فرّق اللّه بين الحقّ والباطل يفصل بينهما بنصره بالحقّ على الباطل، إمّا بالحجّة البالغة، وإمّا بالقهر والغلبة بالأيدي والقوّة
وبما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل غير أنّ بعضهم وجّه تأويله إلى أنّه فصل بين الحقّ والباطل في أمر عيسى، وبعضهم إلى أنّه فصل بين الحقّ والباطل في أحكام الشّرائع.
ذكر من قال: معناه الفصل بين الحقّ والباطل في أمر عيسى والأحزاب:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {وأنزل الفرقان} أي الفصل بين الحقّ والباطل، فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى وغيره.
ذكر من قال: معنى ذلك الفصل بين الحقّ والباطل في الأحكام وشرائع الإسلام:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وأنزل الفرقان} هو القرآن أنزله على محمّدٍ وفرّق به بين الحقّ والباطل، فأحلّ فيه حلاله، وحرّم فيه حرامه، وشرّع فيه شرائعه، وحّد فيه حدوده، وفرض فيه فرائضه وبيّن فيه بيانه، وأمر بطاعته، ونهى عن معصيته.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {وأنزل الفرقان} قال: الفرقان: القرآن فرّق بين الحقّ والباطل
والتّأويل الّذي ذكرناه عن محمّد بن جعفر بن الزّبير في ذلك أولى بالصّحّة من التّأويل الّذي ذكرناه عن قتادة والرّبيع، وأن يكون معنى الفرقان في هذا الموضع: فصل اللّه بين نبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم والّذي حاجّوه في أمر عيسى وفي غير ذلك من أموره بالحجّة البالغة القاطعة عذرهم وعذر نظرائهم من أهل الكفر باللّه.
وإنّما قلنا: هذا القول أولى بالصّواب، لأنّ إخبار اللّه عن تنزيله القرآن قبل إخباره عن تنزيله التّوراة والإنجيل في هذه الآية قد مضى بقوله: {نزّل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقًا لما بين يديه} ولا شكّ أنّ ذلك الكتاب هو القران لا غيره، فلا وجه لتكريره مرّةً أخرى، إذ لا فائدة في تكريره، ليست في ذكره إيّاه وخبره عنه ابتداءً). [جامع البيان: 5/182-183]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين كفروا بآيات اللّه لهم عذابٌ شديدٌ، واللّه عزيزٌ ذو انتقامٍ}
يعني بذلك جلّ ثناؤه أنّ الّذين جحدوا أعلام اللّه وأدلّته على توحيده وألوهته وأنّ عيسى عبدٌ له واتّخذوا المسيح إلهًا وربًّا، أو ادّعوه للّه ولدًا، {لهم عذابٌ} من اللّه {شديدٌ} يوم القيامة،
والّذين كفروا هم الّذين جحدوا آيات اللّه، وآيات اللّه أعلام اللّه وأدلّته وحججه.
وهذا القول من اللّه عزّ وجلّ، ينبئ عن معنى قوله: {وأنزل الفرقان} أنّه معنيّ به الفصل الّذي هو حجّةٌ لأهل الحقّ على أهل الباطل؛ لأنّه عقّب ذلك بقوله: {إنّ الّذين كفروا بآيات اللّه} يعني أنّ الّذين جحدوا ذلك الفصل والفرقان الّذي أنزله فرقًا بين المحقّ والمبطل، {لهم عذابٌ شديدٌ} وعيدٌ من اللّه لمن عاند الحقّ بعد وضوحه له، وخالف سبيل الهدى بعد قيام الحجّة عليه، ثمّ أخبرهم أنّه عزيزٌ في سلطانه لا يمنعه مانعٌ ممّن أراد عذابه منهم، ولا يحول بينه وبينه حائلٌ، ولا يستطيع أن يعانده فيه أحدٌ، وأنّه ذو انتقامٍ ممّن جحد حججه وأدلّته، بعد ثبوتها عليها، وبعد وضوحها له ومعرفته بها.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {إنّ الّذين كفروا بآيات اللّه لهم عذابٌ شديدٌ واللّه عزيزٌ ذو انتقامٍ} أي أنّ اللّه منتقمٌ ممّن كفر بآياته بعد علمه بها، ومعرفته بما جاء منه فيها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {إنّ الّذين كفروا بآيات اللّه لهم عذابٌ شديدٌ واللّه عزيزٌ ذو انتقامٍ}). [جامع البيان: 5/184-185]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {من قبل هدًى للنّاس وأنزل الفرقان إنّ الّذين كفروا بآيات اللّه لهم عذابٌ شديدٌ واللّه عزيزٌ ذو انتقامٍ(4)}
قوله تعالى: {هدًى للنّاس
}
- حدّثنا أبي ثنا أبو نعيمٍ وعيسى بن جعفرٍ قالا: ثنا سفيان عن بيانٍ، عن الشّعبيّ في قوله: هدًى للنّاس قال: هدًى من الضّلالة.
- أخبرنا موسى بن هارون فيما كتب إليّ ثنا الحسين بن محمّدٍ، ثنا شيبان، عن قتادة: هدًى للنّاس قال: بيانٌ من اللّه.
- وبه عن قتادة هدًى للنّاس قال: عصمةٌ لمن أخذ به، وصدّق به، وعمل بما فيه.
قوله تعالى: {وأنزل الفرقان}
- حدّثنا أبي ثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، أنبأ عمران أبو العوّام القطّان، عن قتادة، عن أبي المليح، عن واثلة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:(( وأنزل القرآن لأربعٍ وعشرين خلت من رمضان)).
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا تليدٌ، عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: وأنزل الفرقان قال: خواتيم سورة البقرة من كنزٍ تحت العرش.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع في قوله: وأنزل الفرقان قال: القرآن فرّق بين الحقّ والباطل- وروي عن عطاءٍ ومجاهدٍ ومقسمٍ وقتادة ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب أبى، ثنا شيبان بن محمّدٍ المرّوذيّ عن قتادة قوله: وأنزل الفرقان قال: هو القرآن الّذي أنزل اللّه على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، ففرّق به بين الحقّ والباطل، وبيّن فيه دينه، وشرع فيه شرائعه، وأحلّ حلاله، وحرّم حرامه وحّد حدوده وأمر بطاعته ونهى عن معصيته.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: وأنزل الفرقان قال: هو كتابٌ بحقٍّ.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبو معاوية شيبة، ثنا أبي عن إسماعيل، عن أبي صالحٍ الفرقان قال: التّوراة.
قوله تعالى: {إنّ الّذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد}
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ في قوله: {إن الّذين كفروا بآيات اللّه لهم عذابٌ شديدٌ}يعني: النّصارى.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن المفضّل ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: بآيات اللّه بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيدٌ عن قتادة: قوله: عذابٌ أي عقوبة الآخرة.
قوله تعالى:{واللّه عزيزٌ ذو انتقامٍ}
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا ابن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق قوله: واللّه عزيزٌ ذو انتقامٍ عزيزٌ ذو بطشٍ
- وبه عن ابن إسحاق قوله: ذو انتقامٍ ممّن أراد.
- حدّثنا محمّد بن نحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق قوله: واللّه عزيزٌ ذو انتقامٍ أي أنّ اللّه منتقمٌ ممّن كفر بآياته بعد علمه بها ومعرفته بما جاء منه فيها). [تفسير القرآن العظيم: 2/588-589]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله :{نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه} قال: لما قبله من كتاب أو رسول.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن {مصدقا لما بين يديه} يقول: من البينات التي أنزلت على نوح وإبراهيم وهود والأنبياء.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله {نزل عليك الكتاب} قال: القرآن {مصدقا لما بين يديه} من الكتب التي قد خلت قبله (وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس) هما كتابان أنزلهما الله فيهما بيان من الله وعصمة لمن أخذ به وصدق به وعمل بما فيه {وأنزل الفرقان} هو القرآن فرق به بين الحق والباطل، فأحل فيه حلاله وحرم فيه حرامه وشرع فيه شرائعه وحد فيه حدوده وفرض فيه فرائضه وبين فيه بيانه وأمر بطاعته ونهى عن معصيته). [الدر المنثور: 3/444-445] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير {وأنزل الفرقان} أي الفصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى وغيره، وفي قوله {إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام} أي أن الله منتقم ممن كفر بآياته بعد علمه بها ومعرفته بما جاء منه فيها، وفي قوله {إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء} أي قد علم ما يريدون وما يكيدون وما يضاهون بقولهم في عيسى، إذ جعلوه ربا والها وعندهم من علمه غير ذلك غرة بالله وكفرا به {هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء} قد كان عيسى ممن صور في الأرحام لا يدفعون ذلك ولا ينكرونه كما صور غيره من بني آدم فكيف يكون إلها وقد كان بذلك المنزل). [الدر المنثور: 3/444-445]

Call
Send SMS
Add to Skype
You'll need Skype CreditFree via Skype


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 3 جمادى الآخرة 1434هـ/13-04-2013م, 11:13 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {الم (1)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({آلم}: افتتاح كلام، شعار للسورة، وقد مضى تفسيرها في البقرة، ثم انقطع، فقلت: {الله لا إله إلاّ هو}: استئناف). [مجاز القرآن: 1/86]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {الم *اللّه لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم }
أجمعت القراء على فتح الميم, وقد روي عن الرّواسي { ألم اللّه } بتسكين الميم، وقد روى هذه القراءة بعضهم, عن عاصم و والمضبوط عن عاصم في رواية أبي بكر بن عيّاش , وأبي عمرو فتح الميم، وفتح الميم إجماع, وقد شرحنا معنى{الم}.
واختلف النحويون في: علة فتح الميم،
فقال بعض البصريين: جائز أن يكون الميم فتحت لالتقاء الساكنين، وجائز أن يكون طرحت عليها فتحة الهمزة , لأن نية حروف الهجاء الوقف، وهذا أيضاً قول الكوفيين.

وذكر أبو الحسن الأخفش أن الميم لو كسرت لالتقاء السّاكنين فقيل {الم اللّه} لجاز، وهذا غلط من أبي الحسن , لأن قبل الميم ياء مكسوراً ما قبلها , فحقها الفتح لالتقاء السّاكنين, وذلك لثقل الكسرة مع الياء.). [معاني القرآن: 1/373]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ألم}: أنا الله أعلم). [العمدة في غريب القرآن: 96]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (قوله تعالى: {اللّه لا اله إلاّ هو الحيّ القيّوم...}
حدثنا محمد بن الجهم , عن الفراء :{الحيّ القيّوم} قراءة العامة، وقرأها عمر بن الخطاب , وابن مسعود{القيّام}, وصورة القيّوم: الفيعول، والقيّام : الفيعال، وهما جميعاً مدح.
وأهل الحجاز أكثر شيء قولاًك الفيعال من ذوات الثلاثة, فيقولون للصوّاغ: الصيّاغ). [معاني القرآن: 1/190]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الله لا إله إلاّ هو}: استئناف). [مجاز القرآن: 1/86] (م)
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({اللّه لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم} , أما قوله: {الحيّ القيّوم},
فإن {القيّوم}: "الفيعول" , ولكن الياء الساكنة إذا كانت قبل واو متحركة, قلبت الواو ياء, وأصله "القيووم", و(الدّيّان): "الفيعال", و"الدّيّار", "الفيعال", وهي من "دار" يدور", وأصله "الديوار" , ولكن الواو قلبت ياء.). [معاني القرآن: 1/158-159]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وذكر أبو الحسن الأخفش: أن الميم لو كسرت لالتقاء السّاكنين , فقيل :{الم
اللّه}, لجاز، وهذا غلط من أبي الحسن ؛ لأن قبل الميم ياء مكسوراً ما قبلها , فحقها الفتح ؛ لالتقاء السّاكنين وذلك لثقل الكسرة مع الياء.
فأما {القيّوم}, فقد روي عن عمر , وابن مسعود جميعا أنهما قرءا {القيّام}, وقد رويت {القيّم}, والذي ينبغي أن يقرأ ما عليه المصحف، وهو القيوم بالواو، والقيّم أيضاً جيد بالغ كثير في العربية، ولكن القراءة بخلاف ما في المصحف لا تجوز، لأن المصحف مجمع عليه، ولا يعارض الإجماع برواية لا يعلم كيف صحتها.
ومعنى {القيّوم}: القائم بتدبير جميع ما خلق من إحياء, وإنشاء, ورزق , وموت.
وأصل قيوم: قيووم، إلا أن الياء إذا سبقت الواو بسكون, قلبت لها الواو, وأدغمت الياء فيها, وكذلك القيّام أصله القيوام، ومعنى الكتاب: ما كتب, يقال للقرآن كتاب ؛ لأنه يكتب، ومعنى يكتب في اللغة: يجمع بعضه إلى بعض، والكتبة في اللغة الخرزة , وجمعها كتب, والكتيبة : القطعة من الجيش العظيمة، إنما سميت لاجتماع بعضها إلى بعض.
ومعنى{مصدّقا لما بين يديه}أي: للكتب التي تقدمته, والرسل التي أتت بها). [معاني القرآن: 1/373-374]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (من ذلك قوله عز وجل: {الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم}
روي عن ابن عباس : الحي الذي لا يموت, والقيوم الذي لا يزول .
قال مجاهد : القيوم: القائم على كل شيء , أي: القائم على تدبير كل شيء من رزق , وحياة , وموت .
وقد شرحناه بأكثر من هذا , ومعنى {الم} في سورة البقرة .
حدثنا أحمد بن شعيب و قال: أخبرني عمران بن بكار, قال: حدثنا إبراهيم بن العلاء , قال: حدثنا شعيب بن إسحاق , قال : حدثنا هارون , عن محمد بن عمرو بن علقمة, عن يحيى بن عبد الرحمن , عن أبيه , عن عمر بن الخطاب أنه صلى صلاة العشاء , فاستفتح آل عمران, فقرأ: {الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم}, فقرأ في ركعة بمائة آية, وفي الثانية بالمائة الباقية
وسنذكر الأصل في الإعراب إن شاء الله). [معاني القرآن: 1/339-340]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (أخبرنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي قال: {القيوم}, والقيام , والمدبر واحد). [ياقوتة الصراط: 185]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْقَيّومُ}: الدائِم). [العمدة في غريب القرآن: 96]

تفسير قوله تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3)}

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({نزّل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقاً لّما بين يديه وأنزل التّوراة والإنجيل}
أما {مصدّقاً لّما بين يديه}, فنصب على الحال.). [معاني القرآن: 1/159]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وأنزل التّوراة والإنجيل (3) من قبل هدى للنّاس}, أي: من قبل القرآن.
وقد اختلف النحوّيون في " توراة ":
1- فقال الكوفيّون: توراة يصلح أن يكون " تفعلة " من وريت بك زنادي، فالأصل عندهم تورية إلا أن الياء قلبت ألفاً لتحركها , وانفتاح ما قبلها, " وتفعلة " لا تكاد توجد في الكلام، إنما قالوا في تتفلة " تتفلة.

2- وقال بعضهم: يصلح أن يكون تفعلة مثل توصية , ولكن قلبت من تفعلة إلى تفعلة, وكأنّه يجيز في توصية توصاة، وهذا رديء, ولم يثبت في توفية توفاة، ولا في توقية توقاه.
3- وقال البصريون: أصلها فوعلة، وفوعلة كثير في الكلام مثل: الحوقلة, ودوخلة , وما أشبه ذلك.
وكل ما قلت فيه : فوعلت , فمصدره: فوعلة، فأصلها عندهم " وورية ", ولكن الواو الأولى قلبت تاء كما في " تولج " , وإنما هو فوعل من ولجت، وكما قلبت في تراث الياء الأخيرة، قلبت أيضاً لتحركها , وانفتاح ما قبلها بإجماع.
وإنجيل: إفعيل من النجل , وهو الأصل: هكذا يقول جميع أهل اللغة في إنجيل). [معاني القرآن: 1/374-375]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {نزل عليك الكتاب بالحق}
قال ابن كيسان : فيه وجهان , أي: ألزمك ذلك باستحقاقه إياه عليك, وعلى خلقه .
قال : ويكون بالحق, أي : بما حق في كتبه من إنزاله عليك , وكان هذا أوضح لقوله: {مصدقا} أي: في حال تصديقه لما قبله من الكتب , وما عبد الله به خلقه من طاعته .
قال مجاهد: لما بين يديه لما قبله من كتاب , أو رسول .
ثم قال تعالى: {وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس} أي: من قبل القرآن.
والتوراة: من ورى , ووريت , فقيل: توراة , أي: ضياء , ونور.
قال البصريون: توراة أصلها فوعلة مثل : حوقلة , ومصدر فوعلت : فوعلة, والأصل عندهم : وورية, فقلبت الواو الأولى تاء كما قلبت في تولج , وهو فوعل من ولجت
وفي قولهم: {تالله} , وقلبت الياء الأخيرة ألفاً لتحركها , وانفتاح ما قبلها .
وقال الكوفيون: توراة يصلح أن تكون تفعلة, وتفعلة قلبت إلى تفعلة , ولا يجوز عند البصرين في توقيه: توقوة, ولا يكاد يوجد في الكلام تفعلة إلا شاذاً.
وإنجيل من نجلت الشيء, أي: أخرجته , فإنجيل خرج به دارس من الحق, ومنه قيل لواحد الرجل نجله, كما قال:
إلى معشر لم يورث اللؤم جدهم = أصاغرهم وكل فحل له نجل
قال ابن كيسان: إنجيل إفعيل من النجل, ويقال نجلة أبوه , أي : جاء به, ويقال: نجلت الكلاء بالمنجل, وعين نجلاء واسعة , وكذا طعنة نجلاء, وجمع الإنجيل: أناجيل , وجمع التوراة: توار). [معاني القرآن: 1/340-343]

تفسير قوله تعالى: {مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4)
}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({من قبل هدًى لّلنّاس وأنزل الفرقان إنّ الّذين كفروا بآيات اللّه لهم عذابٌ شديدٌ واللّه عزيزٌ ذو انتقامٍ}
قال: {هدىً لّلنّاس} , فـ{هدىً} في موضع نصب على الحال , ولكن {هدىً} مقصور , فهو متروك على حال واحد). [معاني القرآن: 1/159]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ومعنى {من قبل هدى للنّاس} أي: من قبل القرآن.
ومعنى {وأنزل الفرقان} أي: ما فرق به بين الحق والباطل , وروي عن بعض المفسرين: أن كل كتاب للّه فرقان.
ومعنى {واللّه عزيز ذو انتقام} أي : قد ذل له كل شيء بأثر صنعته فيه.
ومعنى{ذو انتقام} أي: ذو أنتقام ممن كفر به، لأن ذكر الكافرين ههنا جرى). [معاني القرآن: 1/375]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وأنزل الفرقان}أي: الفارق بين الحق والباطل.
كما قال بعض المفسرين: كل كتاب له فرقان.
{والله عزيز}أي: ذل له كل شيء بأثر صنعته فيه
{ذو انتقام}أي: ممن كفر به). [معاني القرآن: 1/343]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْفُرْقَانَ}: بين الحق, والباطل.). [العمدة في غريب القرآن: 96]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 03:05 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {الم (1) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال أبو العباس أحمد بن يحيى في قوله عز وجل: {الم (1) اللَّهُ}: حركة الميم مما اختلف الناس فيه، فقال الفراء: هو ترك همزة الألف من الله ثم وصله. وقال الكسائي: حروف التهجي يذهب بها ما بعدها: زاي ياء دال ادخل وزاي ياء دال اذهب، يذهب بها مذهب الحركات التي بعدها. وقال أهل البصرة: للإدراج، ولو أراد أن يدرج {الم (1) ذَلِكَ} جاز له الحركة، ولم يسمع هذا إذا كان ما بعده متحركًا). [مجالس ثعلب: 216] (م)


تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ الحَارِثِيُّ (ت: 180هـ): (هذا باب تحرك أواخر الكلم الساكنة
إذا حذفت ألف الوصل لالتقاء الساكنين
وإنما حذفوا ألف الوصل هاهنا بعد الساكن لأن من كلامهم أن يحذف وهو بعد غير الساكن فلما كان ذلك من كلامهم حذفوها ههنا وجعلوا التحرك للساكنة الأولى حيث لم يكن ليلتقي ساكنان وجعلوا هذا سبيلها ليفرقوا بينها وبين الألف المقطوعة فجملة هذا الباب في التحرك أن يكون الساكن الأول مكسوراً وذلك قولك اضرب ابنك وأكرم الرجل واذهب اذهب و: {قل هو الله أحد الله} لأن التنوين ساكن وقع بعده حرف ساكن فصار بمنزلة باء اضرب ونحو ذلك.
ومن ذلك إن الله عافاني فعلت وعن الرجل وقط الرجل ولو استطعنا.
ونظير الكسر هاهنا قولهم حذار وبداد ونظار ألزموها الكسر في كلامهم فجعلوا سبيل هذا الكسر في كلامهم فاستقام هذا الضرب على هذا ما لم يكن اسماً نحو حذام لئلا يلتقي ساكنان ونحوه جير يا فتى وغاق غاق كسروا هذا إذ كان من كلامهم أن يكسروا إذا التقى الساكنان.
وقال الله تبارك وتعالى: {قل انظروا ماذا في السماوات والأرض}
فضموا الساكن حيث حركوه كما ضموا الألف في الابتداء وكرهوا الكسر ههنا كما كرهوه في الألف فخالفت سائر السواكن كما خالفت الألف سائر الألفات يعني ألفات الوصل.
وقد كسر قومٌ فقالوا: {قل انظروا} وأجروه على الباب الأول ولم يجعلوها كالألف ولكنهم جعلوها كآخر جير.
وأما الذين يضمون فإنهم يضمون في كل ساكن يكسر في غير الألف المضمومة فمن ذلك قوله عز وجل: {وقالت اخرج عليهن}: {وعذاب (41) اركض برجلك} ومنه: {أو انقص منه قليلا} وهذا كله عربي قد قرئ به.
ومن قال قل انظروا كسر جميع هذا.
والفتح في حرفين أحدهما قوله عز وجل: {الم (1) الله} لما كان من كلامهم أن يفتحوا لالتقاء الساكنين فتحوا هذا وفرقوا بينه وبين ما ليس بهجاءٍ.
ونظير ذلك قولهم من الله ومن الرسول ومن المؤمنين لما
كثرت في كلامهم ولم تكن فعلا وكان الفتح أخف عليهم فتحوا وشبهوها بأين وكيف.
وزعموا أن ناساً من العرب يقولون من الله فيكسرونه ويجرونه على القياس.
فأما: {الم} فلا يكسر لأنهم لم يجعلوه في ألف الوصل بمنزلة غيره ولكنهم جعلوه كبعض ما يتحرك لالتقاء الساكنين ونحو ذلك لم يلده واعلمن ذلك لأن للهجاء حالاً قد تبين). [الكتاب: 4/152-154] (م)

تفسير قوله تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) }

تفسير قوله تعالى: {مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 04:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 04:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 04:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 04:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {الم (1) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {الم (1) اللّه لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم (2) نزّل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقاً لما بين يديه وأنزل التّوراة والإنجيل (3) من قبل هدىً للنّاس وأنزل الفرقان إنّ الّذين كفروا بآيات اللّه لهم عذابٌ شديدٌ واللّه عزيزٌ ذو انتقامٍ (4)}
قد تقدم ذكر اختلاف العلماء في الحروف التي في أوائل السور في أول سورة البقرة، ومن حيث جاء في هذه السورة: {اللّه لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم} جملة قائمة بنفسها فتتصور تلك الأقوال كلها في الم في هذه السورة، وذهب الجرجاني في النظم إلى أن أحسن الأقوال هنا أن يكون الم إشارة إلى حروف المعجم كأنه يقول: هذه الحروف كتابك أو نحو هذا، ويدل قوله: {اللّه لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم نزّل عليك الكتاب} على ما ترك ذكره مما هو خبر عن الحروف قال: وذلك في نظمه مثل قوله تعالى: {أفمن شرح اللّه صدره للإسلام فهو على نورٍ من ربّه} [الزمر: 21] وترك الجواب لدلالة قوله: {فويلٌ للقاسية قلوبهم من ذكر اللّه} [الزمر: 21] تقديره: كمن قسا قلبه. ومنه قول الشاعر:
فلا تدفنوني إنّ دفني محرّم ....... عليكم، ولكن خامري أمّ عامر
قال: تقديره ولكن اتركوني للتي يقال لها خامري أم عامر.
قال القاضي رحمه الله: «يحسن في هذا القول أن يكون نزّل خبر قوله اللّه حتى يرتبط الكلام إلى هذا المعنى». وهذا الذي ذكره القاضي الجرجاني فيه نظر لأن مثله ليست صحيحة الشبه بالمعنى الذي نحا إليه وما قاله في الآية محتمل ولكن الأبرع في نظم الآية أن يكون الم لا يضم ما بعدها إلى نفسها في المعنى وأن يكون اللّه لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم كلاما مبتدأ جزما جملة رادة على نصارى نجران الذين وفدوا على رسول الله عليه السلام فحاجوه في عيسى ابن مريم وقالوا: إنه الله وذلك أن ابن إسحاق والربيع وغيرهما ممن ذكر السير رووا أن: «وفد نجران قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نصارى ستون راكبا فيهم من أشرافهم أربعة عشر رجلا في الأربعة عشر ثلاثة نفر إليه يرجع أمرهم، العاقب أمير القوم وذو رأيهم واسمه عبد المسيح، والسيد ثمالهم وصاحب مجتمعهم واسمه الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أسد بني بكر بن وائل أسقفهم وعالمهم فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد إثر صلاة العصر عليهم جبب وأردية فقال أصحاب رسول الله عليه السلام: ما رأينا وفدا مثلهم جمالا وجلالة، وحانت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله عليه السلام إلى المشرق فقال النبي عليه السلام: دعوهم ثم أقاموا بالمدينة أياما يناظرون رسول الله عليه السلام في عيسى ويزعمون أنه الله إلى غير ذلك من أقوال بشعة مضطربة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم بالبراهين الساطعة وهم لا يبصرون، ونزل فيهم صدر هذه السورة إلى نيف وثمانين آية إلى أن آل أمرهم إلى أن دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الابتهال وسيأتي تفسير ذلك».
وقرأ السبعة «الم الله» بفتح الميم والألف ساقطة، وروي عن عاصم أنه سكن الميم ثم قطع الألف، روى الأولى التي هي كالجماعة حفص وروى الثانية أبو بكر، وذكرها الفراء عن عاصم، وقرأ أبو جعفر الرؤاسي وأبو حيوة بكسر الميم للالتقاء وذلك رديء لأن الياء تمنع من ذلك والصواب الفتح قراءة جمهور الناس. قال أبو علي: «حروف التهجي مبنية على الوقف فالميم ساكنة واللام ساكنة فحركت الميم بالفتح كما حركت النون في قولك: «من الله، ومن المسلمين» إلى غير ذلك».
قال أبو محمد: «ومن قال بأن حركة الهمزة ألقيت على الميم فذلك ضعيف لإجماعهم على أن الألف الموصولة في التعريف تسقط في الوصل فما يسقط فلا تلقى حركته » قاله أبو علي). [المحرر الوجيز: 2/ 147-149]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقد تقدم تفسير قوله: {الحيّ القيّوم} في آية الكرسي، والآية هنالك إخبار لجميع الناس، وكررت هنا إخبارا لحجج هؤلاء النصارى، وللرد عليهم أن هذه الصفات لا يمكنهم ادعاؤها لعيسى عليه السلام لأنهم إذ يقولون إنه صلب فذلك موت في معتقدهم لا محالة إذ من البين أنه ليس بقيوم، وقرأ جمهور القراء «القيوم» وزنه فيعول، وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وعلقمة بن قيس «القيام» وزنه- فيعال- وروي عن علقمة أيضا أنه قرأ «القيم» وزنه فيعل، وهذا كله من قام بالأمر يقوم به إذا اضطلع بحفظه وبجميع ما يحتاج إليه في وجوده، فالله تعالى القيام على كل شيء بما ينبغي له أو فيه أو عليه). [المحرر الوجيز: 2/ 149-150]

تفسير قوله تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وتنزيل الله الكتاب بواسطة الملك جبريل عليه السلام، والكتاب في هذا الموضع القرآن باتفاق من المفسرين، وقرأ جمهور الناس «نزّل عليك» بشد الزاي «الكتاب» بنصب الباء، وقرأ إبراهيم النخعي «نزل عليك الكتاب» بتخفيف الزاي ورفع الباء، وهذه الآية تقتضي أن قوله اللّه لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم جملة مستقلة منحازة، وقوله: {بالحقّ} يحتمل معنيين: إحداهما: أن يكون المعنى ضمن الحقائق من خيره وأمره ونهيه ومواعظه، فالباء على حدها في قوله: جاءني كتاب بخبر كذا وكذا أي ذلك الخبر مقتص فيه، والثاني: أن يكون المعنى أنه نزل الكتاب باستحقاق أن ينزل لما فيه من المصلحة الشاملة وليس ذلك على أنه واجب على الله تعالى أن يفعله، فالباء في هذا المعنى على حدها في قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام {سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقٍّ} [المائدة: 116] وقال محمد بن جعفر بن الزبير: «معنى قوله: {بالحقّ} أي مما اختلف فيه أهل الكتاب واضطرب فيه هؤلاء النصارى الوافدون»، وهذا داخل في المعنى الأول، ومصدّقاً حال مؤكدة وهي راتبة غير منتقلة لأنه لا يمكن أن يكون غير مصدق لما بين يديه من كتاب الله فهو كقول ابن دارة:
أنا ابن دارة معروفا بها نسبي ....... وهل بدارة يا للناس من عار؟
وما بين يديه هي التوراة والإنجيل وسائر كتب الله التي تلقيت من شرعنا كالزبور والصحف، وما بين اليد في هذه الحوادث هو المتقدم في الزمن.
والتّوراة والإنجيل اسمان أصلهما عبراني لكن النحاة وأهل اللسان حملوها على الاشتقاق العربي فقالوا في التوراة: إنها من ورى الزناد يري إذا قدح وظهرت ناره يقال أوريته فوري، ومنه قوله تعالى: {فالموريات} [العاديات: 2] وقوله: {أفرأيتم النّار الّتي تورون} [الواقعة: 70] قال أبو علي: «فأما قولهم: وريت بك زنادي على وزن، فعلت فزعم أبو عثمان أنه استعمل في هذا الكلام فقط ولم يجاوز به غيره»، وتوراة عند الخليل وسيبويه وسائر البصريين فوعلة كحوقلة وورية قلبت الواو الأولى تاء كما قلبت في تولج وأصله وولج من: ولجت، وحكى الزجاج عن بعض الكوفيين: «أن توراة أصلها تفعلة بفتح العين»، من: وريت بك زنادي، وإنما ينبغي أن تكون من: أوريت قال فهي تورية، وقال بعضهم: يصلح أن تكون تفعلة بكسر العين مثل توصية ثم ردت إلى تفعلة بفتح العين، قال الزجاج وكأنه يجيز في توصية توصأة وذلك غير مسموع، وعلى كل قول فالياء لما انفتح ما قبلها وتحركت هي انقلبت ألفا فقيل توراة، ورجح أبو علي قول البصريين وضعفه غيره، وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم «التوراة» مفتوحة الراء، وكان حمزة ونافع يلفظان بالراء بين اللفظين بين الفتح والكسر وكذلك فعلا في قوله: {من الأبرار ومن الأشرار} [ص: 62] وقرارٍ إذا كان الحرف مخفوضا، وروى المسيبي عن نافع فتح الراء من التوراة، وروى ورش عنه كسرها، وكان أبو عمرو والكسائي يكسران الراء من التوراة ويميلان من الأبرار وغيرها أشد من إمالة حمزة ونافع.
وقالوا في الإنجيل: إنه إفعيل من النجل وهو الماء الذي ينز من الأرض، قال الخليل: «استنجلت الأرض وبها انجال إذا خرج منها الماء والنجل أيضا الولد والنسل» قاله الخليل وغيره، ونجله أبوه أي ولده، ومن ذلك قول الأعشى:
أنجب أيّام والداه به ....... إذ نجلاه فنعم ما نجلا
قال ابن سيده عن أبي علي: «معنى قوله أيام والداه به كما تقول: أنا بالله وبك»، وقال أبو الفتح: «معنى البيت، أنجب والداه به أيام إذ نجلاه فهو كقولك حينئذ ويومئذ لكنه حال بالفاعل بين المضاف الذي هو أيام وبين المضاف إليه الذي هو إذ». ويروى هذا البيت أنجب أيام والديه، والنجل الرمي بالشيء وذلك أيضا من معنى الظهور وفراق شيء شيئا، وحكى أبو القاسم الزجاجي في نوادره: «أن الوالد يقال له، نجل وأن اللفظة من الأضداد»، وأما بيت زهير فالرواية الصحيحة فيه: «وكل فحل له نجل أي ولد كريم ونسل»، وروى الأصمعي فيما حكى: «وكل فرع له نجل، وهذا لا يتجه إلا على تسمية الوالد نجلا». وقال الزجاج: «الإنجيل مأخوذ من النجل وهو الأصل فهذا ينحو إلى ما حكى أبو القاسم» قال أبو الفتح: «ف التّوراة من وري الزناد، إذا ظهرت ناره، والإنجيل من نجل إذا ظهر ولده، أو من ظهور الماء من الأرض فهو مستخرج إما من اللوح المحفوظ، وإما من التوراة، والفرقان من الفرق بين الحق والباطل، فحروفها مختلفة، والمعنى قريب بعضه من بعض، إذ كلها معناه، ظهور الحق، وبيان الشرع، وفصله من غيره من الأباطيل»، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «الإنجيل» بفتح الهمزة، وذلك لا يتجه في كلام العرب، ولكن يحميه مكان الحسن من الفصاحة، وإنه لا يقرأ إلا بما روى، وأراه نحا به نحو الأسماء الأعجمية). [المحرر الوجيز: 2/ 150-153]

تفسير قوله تعالى: {مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {من قبل} يعني من قبل القرآن، وقوله: {هدىً للنّاس} معناه دعاء، والناس بنو إسرائيل في هذا الموضع، لأنهم المدعوون بهما لا غير، وإن أراد أنهما هدىً في ذاتهما مدعو إليه فرعون وغيره، منصوب لمن اهتدى به، فالناس عام في كل من شاء حينئذ أن يستبصر.
قال القاضي رحمه الله: «وقال هنا للنّاس، وقال في القرآن هدىً للمتّقين، وذلك عندي، لأن هذا خبر مجرد، وقوله: {هدىً للمتّقين} [البقرة: 2] خبر مقترن به الاستدعاء والصرف إلى الإيمان، فحسنت الصفة، ليقع من السامع النشاط والبدار، وذكر الهدى الذي هو إيجاد الهداية في القلب، وهنا إنما ذكر الهدى الذي هو الدعاء، والهدى الذي هو في نفسه معد يهتدي به الناس، فسمي هدىً لذلك»، وقال ابن فورك: «التقدير هنا هدى للناس المتقين، ويرد هذا العام إلى ذلك الخاص»، وفي هذا نظر، والفرقان: القرآن، سمي بذلك لأنه فرق بين الحق والباطل، قال محمد بن جعفر: «فرق بين الحق والباطل في أمر عيسى عليه السلام، الذي جادل فيه الوفد»، وقال قتادة والربيع وغيرهما: «فرق بين الحق والباطل في أحكام الشرائع، وفي الحلال والحرام ونحوه، والفرقان يعم هذا كله»، وقال بعض المفسرين، الفرقان هنا كل أمر فرق بين الحق والباطل، فيما قدم وحدث، فيدخل في هذا التأويل طوفان نوح، وفرق البحر لغرق فرعون، ويوم بدر، وسائر أفعال الله تعالى المفرقة بين الحق والباطل، فكأنه تعالى ذكر الكتاب العزيز، ثم التوراة والإنجيل، ثم كل أفعاله ومخلوقاته التي فرقت بين الحق والباطل، كما فعلت هذه الكتب، ثم توعد تعالى الكفار عموما بالعذاب الشديد، وذلك يعم عذاب الدنيا بالسيف والغلبة، وعذاب الآخرة بالنار، والإشارة بهذا الوعيد إلى نصارى نجران، وقال النقاش: «إلى اليهود، كعب بن الأشرف، وكعب بن أسد، وبني أخطب وغيرهم»، وعزيزٌ، معناه غالب، وقد ذل له كل شيء، والنقمة والانتقام، معاقبة المذنب بمبالغة في ذلك).[المحرر الوجيز: 2/ 153-154]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 04:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 04:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {الم (1) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :
(وقد ذكرنا الحديث الوارد في أنّ اسم اللّه الأعظم في هاتين الآيتين: {اللّه لا إله إلا هو الحيّ القيّوم} و {الم اللّه لا إله إلا هو الحيّ القيّوم} عند تفسير آية الكرسيّ، وتقدّم الكلام على قوله تعالى: {الم} في أوّل سورة البقرة، بما أغنى عن إعادته، وتقدّم أيضًا الكلام على قوله: {اللّه لا إله إلا هو الحيّ القيّوم} في تفسير آية الكرسيّ). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 5]


تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقد ذكرنا الحديث الوارد في أنّ اسم اللّه الأعظم في هاتين الآيتين: {اللّه لا إله إلا هو الحيّ القيّوم} و {الم اللّه لا إله إلا هو الحيّ القيّوم} عند تفسير آية الكرسيّ، وتقدّم الكلام على قوله تعالى: {الم} في أوّل سورة البقرة، بما أغنى عن إعادته، وتقدّم أيضًا الكلام على قوله: {اللّه لا إله إلا هو الحيّ القيّوم} في تفسير آية الكرسيّ). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 5] (م)

تفسير قوله تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى {نزل عليك الكتاب بالحقّ} يعني: نزّل عليك القرآن يا محمّد {بالحقّ} أي: لا شكّ فيه ولا ريب، بل هو منزّلٌ من عند اللّه عزّ وجلّ أنزله بعلمه والملائكة يشهدون، وكفى باللّه شهيدًا.
وقوله: {مصدّقًا لما بين يديه} أي: من الكتب المنزّلة قبله من السّماء على عباد اللّه الأنبياء، فهي تصدّقه بما أخبرت به وبشّرت في قديم الزّمان، وهو يصدّقها؛ لأنّه طابق ما أخبرت به وبشّرت، من الوعد من اللّه بإرسال محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وإنزال القرآن العظيم عليه.
وقوله: {وأنزل التّوراة} أي: على موسى بن عمران عليه السّلام {والإنجيل} أي: على عيسى ابن مريم). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 5]

تفسير قوله تعالى: {مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {من قبل} أي: من قبل هذا القرآن. {هدًى للنّاس} أي: في زمانهما {وأنزل الفرقان} وهو الفارق بين الهدى والضّلال، والحقّ والباطل، والغيّ والرّشاد، بما يذكره اللّه تعالى من الحجج والبيّنات، والدّلائل الواضحات، والبراهين القاطعات، ويبيّنه ويوضّحه ويفسّره ويقرّره، ويرشد إليه وينبّه عليه من ذلك.
وقال قتادة والرّبيع بن أنسٍ: «الفرقان هاهنا القرآن». واختار ابن جرير: «أنه مصدر هاهنا؛ لتقدم ذكر القرآن في قوله: {نزل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقًا لما بين يديه} وهو القرآن». وأمّا ما رواه ابن أبي حاتمٍ عن أبي صالحٍ: «أنّ المراد هاهنا بالفرقان: التّوراة» فضعيفٌ أيضًا؛ لتقدّم ذكرها، واللّه أعلم
وقوله تعالى: {إنّ الّذين كفروا بآيات اللّه} أي: جحدوا بها وأنكروها، وردّوها بالباطل {لهم عذابٌ شديدٌ} أي: يوم القيامة {واللّه عزيزٌ} أي: منيع الجناب عظيم السّلطان {ذو انتقامٍ} أي: ممّن كذّب بآياته وخالف رسله الكرام، وأنبياءه العظام). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 5-6]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:34 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة