العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ربيع الثاني 1434هـ/20-02-2013م, 12:12 AM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (261) إلى الآية (264) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (261) إلى الآية (264) ]

{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 07:31 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّةٍ أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلةٍ مائة حبّةٍ}.
وهذه الآية مردودةٌ إلى قوله: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرةً واللّه يقبض ويبسط وإليه ترجعون}، والآيات الّتي بعدها إلى قوله: {مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه} من قصص بني إسرائيل وخبرهم مع طالوت وجالوت، وما بعد ذلك من نبإ الّذي حاجّ إبراهيم مع إبراهيم، وأمر الّذي مرّ على القرية الخاوية على عروشها، وقصّة إبراهيم ومسألته ربّه ما سأل ممّا قد ذكرناه قبل، اعتراضٌ من اللّه تعالى ذكره بما اعترض به من قصصهم بين ذلك احتجاجًا منه ببعضه على المشركين الّذين كانوا يكذّبون بالبعث وقيام السّاعة، وحضًّا منه ببعضه للمؤمنين على الجهاد في سبيله الّذي أمرهم به في قوله: {وقاتلوا في سبيل اللّه واعلموا أنّ اللّه سميعٌ عليمٌ} يعرّفهم فيه أنّه ناصرهم وإن قلّ عددهم وكثر عدد عدوّهم، ويعدهم النّصرة عليهم،
[جامع البيان: 4/650]
ويعلّمهم سنّته فيمن كان على منهاجهم من ابتغاء رضوان اللّه أنّه مؤيّدهم، وفيمن كان على سبيل أعدائهم من الكفّار بأنّه خاذلهم ومفرّق جمعهم وموهن كيدهم، وقطعًا منه ببعض عذر اليهود الّذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، بما أطلع نبيّه عليه من خفيّ أمورهم، ومكتوم أسرار أوائلهم وأسلافهم الّتي لم يعلمها سواهم، ليعلموا أنّ ما آتاهم به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم من عند اللّه، وأنّه ليس بتخرّصٍ ولا اختلاقٍ، وإعذارًا منه به إلى أهل النّفاق منهم، ليحذروا بشكّهم في أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يحلّ بهم من بأسه وسطوته مثل الّتي أحلّها بأسلافهم الّذين كانوا في القرية الّتي أهلكها، فتركها خاويةً على عروشها.
ثمّ عاد تعالى ذكره إلى الخبر عن الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا، وما عنده له من الثّواب على قرضه، فقال: {مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه} يعني بذلك مثل الّذين ينفقون أموالهم على أنفسهم في جهاد أعداء اللّه بأنفسهم وأموالهم، {كمثل حبّةٍ} من حبّات الحنطة والشّعير، أو غير ذلك من نبات الأرض الّتي يسنبل ريعها بذرها زارعٌ، فأنبتت، يعني فأخرجت {سبع سنابل في كلّ سنبلةٍ مائة حبّةٍ}، يقول: فكذلك المنفق ماله على نفسه في سبيل اللّه، له أجره سبعمائة ضعفٍ على الواحد من نفقته.
- كما: حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {كمثل حبّةٍ أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلةٍ مائة حبّةٍ} فهذا لمن أنفق في سبيل اللّه، فله أجره سبعمائةٍ مرة.
[جامع البيان: 4/651]
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّةٍ أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلةٍ مائة حبّةٍ واللّه يضاعف لمن يشاء} قال: هذا الّذي ينفق على نفسه في سبيل اللّه ويخرج.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّةٍ أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلةٍ مائة حبّةٍ}، الآية، فكان من بايع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على الهجرة، ورابط مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالمدينة، ولم يكف وجهًا إلاّ بإذنه، كانت الحسنة له بسبعمائة ضعفٍ، ومن بايع على الإسلام كانت الحسنة له عشر أمثالها.
فإن قال قائلٌ: وهل رأيت سنبلةً فيها مائة حبّةٍ أو بلغتك فضرب بها المثل المنفق في سبيل اللّه ماله؟
قيل: إن يكن ذلك موجودًا فهو ذاك، وإلاّ فجائزٌ أن يكون معناه: كمثل سنبلةٍ أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلةٍ مائة حبّةٍ، إن جعل اللّه ذلك فيها.
ويحتمل أن يكون معناه: في كلّ سنبلة مائة حبّ؛ يعني أنّها إذا هي بذرت أنبتت مائة حبّةٍ، فيكون ما حدث عن البذر الّذي كان منها من المائة الحبّة مضافًا إليها؛ لأنّه كان عنها.
وقد تأوّل ذلك على هذا الوجه بعض أهل التّأويل.
[جامع البيان: 4/652]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قوله: {مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّةٍ أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلةٍ مائة حبّةٍ} قال: كلّ سنبلةٍ أنبتت مائة حبّةٍ، فهذا لمن أنفق في سبيل اللّه، {واللّه يضاعف لمن يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ}). [جامع البيان: 4/653]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه يضاعف لمن يشاء}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {واللّه يضاعف لمن يشاء}، فقال بعضهم: اللّه يضاعف لمن يشاء من عباده أجر حسناته بعد الّذي أعطى المنفق في سبيله من التّضعيف على الواحدة سبعمائةٍ. فأمّا المنفق في سبيله، فلا ينقصة وعده من تضعيف السّبعمائة بالواحدة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: هذا يضاعف لمن أنفق في سبيل اللّه، يعني السّبعمائة {واللّه يضاعف لمن يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ}.
[جامع البيان: 4/653]
وقال آخرون: بل معنى ذلك: واللّه يضاعف لمن يشاء من المنفقين في سبيله على السّبعمائة إلى ألفي ألف ضعفٍ، وهذا قولٌ ذكر عن ابن عبّاسٍ من وجهٍ لم أحمد إسناده فتركت ذكره.
والّذي هو أولى بتأويل قوله: {واللّه يضاعف لمن يشاء} واللّه يضاعف على السّبعمائة إلى ما يشاء من التّضعيف لمن يشاء من المنفقين في سبيله؛ لأنّه لم يجر ذكر الثّواب والتّضعيف لغير المنفق في سبيل اللّه فيجوز لنا توجيه ما وعد تعالى ذكره في هذه الآية من التّضعيف إلى أنّه عدةٌ منه على العمل على غير النّفقة في سبيل اللّه). [جامع البيان: 4/654]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه واسعٌ عليمٌ}.
يعني تعالى ذكره بذلك: واللّه واسعٌ أن يزيد من يشاء من خلقه المنفقين في سبيله على أضعاف السّبعمائة الّتي وعده أن يزيده، عليمٌ بمن يستحقّ منهم الزّيادة.
- كما: حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {واللّه يضاعف لمن يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ} قال: واسعٌ أن يزيد من سعته، عليمٌ عالمٌ بمن يزيده.
وقال آخرون: معنى ذلك: واللّه واسعٌ لتلك الأضعاف، عليمٌ بما ينفق الّذين ينفقون أموالهم في طاعة اللّه). [جامع البيان: 4/654]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّةٍ أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلةٍ مئة حبّةٍ واللّه يضاعف لمن يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ (261)
قوله تعالى: مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عبد الرّحمن بن إبراهيم الدّمشقيّ، ثنا مروان بن معاوية، ثنا صبيحٌ مولى بني مروان، عن مكحولٍ في قوله: الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله قال هي الخيل الرّبيط في سبيل اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/514]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: في سبيل الله
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: في سبيل اللّه يعني: في طاعة اللّه.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن سامٍ، ثنا أبو إسماعيل المؤدّب، عن عيسى بن المسيّب البجليّ، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: لمّا نزلت مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّةٍ أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلةٍ مائة حبّةٍ إلى آخرها قال: ربّ زد أمّتي فنزل: من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا قال ربّ زد أمّتي فنزل: إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حسابٍ
- حدّثنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، أنا حفص بن عمر، ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة، في قوله: مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّةٍ أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلةٍ مائة حبّةٍ فذلك سبعمائةٍ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ كمثل حبّةٍ أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلةٍ مائة حبّةٍ فهذا لمن أنفق في سبيل اللّه، فله أجره سبعمائة مرّةٍ.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع قوله: مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل
[تفسير القرآن العظيم: 2/514]
حبّةٍ أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلةٍ مائة حبّةٍ واللّه يضاعف لمن يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ
قال: فكان من بايع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالمدينة ولم يذهب وجهًا إلا بإذنه، كانت الحسنة له بسبعمائة ضعفٍ. ومن بايع على الإسلام، كانت الحسنة له عشر أمثالها.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصمٍ، ثنا أبى، ثنا أبي، ابنا شبيب ابن بشرٍ، ثنا عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه تعالى: مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّةٍ أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلةٍ مائة حبّةٍ واللّه يضاعف لمن يشاء فقال ابن عبّاسٍ: نفقة الحجّ والجهاد سواءٌ، الدّرهم بسبعمائةٍ، لأنّه في سبيل اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/515]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: واللّه يضاعف لمن يشاء
- حدّثنا أبو خلادٍ سليمان بن خلادٍ، ثنا يونس بن محمّدٍ المؤدّب، ثنا محمّد بن عقبة الرّفاعيّ، عن زيادٍ الجصّاص، عن أبي عثمان النّهديّ عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يقول إنّ اللّه عزّ وجلّ يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنةٍ.
- حدّثنا أبي ثنا هارون بن عبد اللّه بن مروان، ثنا ابن أبي فديكٍ عن الخليل بن عبد اللّه، عن الحسن، عن عمران بن حصينٍ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: من أرسل نفقةً في سبيل اللّه وأقام في بيته، فله بكلّ درهمٍ سبعمائة درهمٍ ومن غزا بنفسه في سبيل اللّه، وأنفق في وجهه ذلك فله بكلّ درهمٍ يوم القيامة سبعمائة ألف درهمٍ، ثمّ تلا هذه الآية واللّه يضاعف لمن يشاء). [تفسير القرآن العظيم: 1/515]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: واللّه واسعٌ عليمٌ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، ثنا ابن لهيعة ثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: عليم يعني بما يكون). [تفسير القرآن العظيم: 1/515]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة} الآية، قال: فذلك سبعمائة حسنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: هذا لمن أنفق في سبيل الله فله أجره سبعمائة مرة.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {والله واسع عليم} قال: واسع أن يزيد في سعتهعالم بمن يزيده.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال: كان من بايع النّبيّ صلى الله عليه وسلم على الهجرة ورابط معه في المدينة ولم يذهب وجها إلا باذنه كانت له الحسنة بسبعمائة ضعف ومن بايع على الإسلام كانت الحسنة له عشر أمثالها.
وأخرج ابن ماجه عن الحسن بن علي بن أبي طالب وأبي الدرداء وأبي هريرة وأبي أمامه الباهلي وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وعمران بن حصين كلهم يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ح، وأخرج
[الدر المنثور: 3/228]
ابن ماجه، وابن أبي حاتم عن عمران بن حصين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أرسل بنفقة في سبيل الله وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم ومن غزا بنفسه في سبيل الله وأنفق في وجهه ذلك فله بكل درهم يوم القيامة سبعمائة ألف درهم ثم تلا هذه الآية {والله يضاعف لمن يشاء}.
وأخرج البخاري في تاريخه عن أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم النفقة في سبيل الله تضاعف سبعمائة ضعف.
وأخرج أحمد ومسلم والنسائي والحاكم والبيهقي عن ابن مسعود أن رجلا تصدق بناقة مخطومة في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة.
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي، وابن حبان والحاكم
[الدر المنثور: 3/229]
وصححه والبيهقي في الشعب عن خريم بن فاتك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعمال عند الله سبعة: عملان موجبان وعملان أمثالهما وعمل بعشرة أمثاله وعمل بسبعمائة وعمل لا يعلم ثواب عامله إلا الله، فأما الموجبان فمن لقي الله يعبده مخلصا لا يشرك به شيئا وجبت له الجنة ومن لقي الله قد أشرك به وجبت له النار ومن عمل سيئة جزي بمثلها ومن هم بحسنة جزي بمثلها ومن عمل حسنة جزي عشرا ومن أنفق ماله في سبيل الله ضعفت له نفقته الدرهم بسبعمائة والدينار بسبعمائة والصيام لله لا يعلم ثواب عامله إلا الله عز وجل.
وأخرج الطبراني عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: طوبى لمن أكثر في الجهاد في سبيل الله من ذكر الله فإن له بكل كلمة سبعين ألف حسنة كل حسنة منها عشرة أضعاف مع الذي له عند الله من المزيد، قيل: يا رسول الله النفقة قال: النفقة على قدر ذلك، قال عبد الرحمن: فقلت لمعاذ: إنما النفقة بسبعمائة ضعف فقال معاذ: قل فهمك إنما ذاك إذا أنفقوها وهم مقيمون في أهلهم غير غزاة فإذا غزوا وأنفقوا خبأ الله لهم من خزائن رحمته ما
[الدر المنثور: 3/230]
ينقطع عنه علم العباد وصفتهم فأولئك حزب الله وحزب الله هم الغالبون.
وأخرج الحاكم وصححه عن عدي بن حاتم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصدقة أفضل قال: خدمة عبد في سبيل الله أو ظل فسطاط أو طروقة فحل في سبيل الله.
وأخرج الترمذي وصححه عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الصدقات ظل فسطاط في سبيل الله أو منحة خادم في سبيل الله أو طروقة فحل في سبيل الله.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن زيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ومن خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا.
وأخرج ابن ماجه والبيهقي عن عمر بن الخطاب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من جهز غازيا حتى يستقل كان له مثل أجره حتى يموت أو يرجع.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن زيد بن ثابت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال من جهز غازيا في سبيل الله فله مثل أجره ومن خلف غازيا في أهله بخير
[الدر المنثور: 3/231]
وأنفق على أهله كان له مثل أجره.
وأخرج مسلم وأبو داود عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى بني لحيان ليخرج من كل رجلين رجل ثم قال للقاعد: أيكم خلف الخارج في أهله فله مثل أجره.
وأخرج أحمد والحاكم والبيهقي عن سهل بن حنيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أعان مجاهدا في سبيل الله أو غارما في عسرته أو مكاتبا في رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وأخرج ابن أبي حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أظل رأس غاز أظله الله يوم القيامة ومن جهز غازيا في سبيل الله فله مثل أجره ومن بنى مسجدا لله يذكر فيه اسم الله بنى الله له بيتا في الجنة.
وأخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن صعصعه
[الدر المنثور: 3/232]
بن معاوية قال: قلت لأبي ذر حدثني، قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم ما من عبد مسلم ينفق من ماله زوجين في سبيل الله إلا استقبلته حجبة الجنة كلهم يدعوه إلى ما عنده، قلت: وكيف ذاك قال: إن كانت رحالا فرحلين وإن كانت إبلا فبعيرين وإن كانت بقرا فبقرتين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة} الآية، قال: نفقة الحج والجهاد سواء الدرهم سبعمائة لأنه في سبيل الله.
وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط والبيهقي في "سننه" عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله الدرهم بسبعمائة ضعف.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله الدرهم بسبعمائة
[الدر المنثور: 3/233]
وأخرج أبو داوود والحاكم وصححه عن معاذ بن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الصلاة والصيام والذكر تضاعف على النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف). [الدر المنثور: 3/234]

تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه ثمّ لا يتبعون ما أنفقوا منًّا ولا أذًى لّهم أجرهم عند ربّهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}.
قال أبو جعفرٍ: يعني تعالى ذكره بذلك: المعطي ماله المجاهدين في سبيل اللّه معونةً لهم على جهاد أعداء اللّه، يقول تعالى ذكره: الّذين يعينون المجاهدين في سبيل اللّه بالإنفاق عليهم وفي حمولاتهم، وغير ذلك من مؤنهم، ثمّ لم يتبع نفقته الّتي أنفقها عليهم منًّا عليهم بإنفاق ذلك عليهم ولا أذًى لهم؛ فأما منه به عليهم بأن يظهر لهم أنّه قد اصطنع إليهم بفعله، وعطائه الّذي أعطاهموه، تقويةً لهم على جهاد عدوّهم معروفًا، ويبدي ذلك إمّا بلسانٍ أو فعلٍ. وأمّا الأذى فهو شكايته إيّاهم بسبب ما أعطاهم وقوّاهم من النّفقة في سبيل اللّه أنّهم لم يقوموا بالواجب عليهم في الجهاد، وما أشبه ذلك من القول الّذي يؤذي به من أنفق عليه.
وإنّما شرط ذلك في المنفق في سبيل اللّه، وأوجب الأجر لمن كان غير مانٍّ ولا مؤذٍ من أنفق عليه في سبيل اللّه، لأنّ النّفقة الّتي هي في سبيل اللّه مّا ابتغي به وجه اللّه، وطلب به ما عنده، فإذا كان معنى النّفقة في سبيل اللّه هو ما وصفنا، فلا وجه لمنّ المنفق على من أنفق عليه على ذلك الوجه، ولا إيذائه إياه بسبب إنفاقه عليه؛ لأنّه لا يد له قبله ولا صنيعه يستحقّ بها عليه إن لم يكافئه عليها المنّ والأذى، إذ كانت نفقته ما أنفق عليه احتسابًا وابتغاء ثواب اللّه وطلب مرضاته وعلى اللّه مثوبته دون من أنفق ذلك عليه.
وبنحو المعنى الّذي قلنا في ذلك قال جماعةٌ أهل التّأويل.
[جامع البيان: 4/655]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه ثمّ لا يتبعون ما أنفقوا منًّا ولا أذًى لهم أجرهم عند ربّهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} علم اللّه أنّ أناسًا يمنّون بعطيّتهم، فكره ذلك وقدّم فيه فقال: {قولٌ معروفٌ ومغفرةٌ خيرٌ من صدقةٍ يتبعها أذًى واللّه غنيّ حليمٌ}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: قال للآخرين يعني: قال اللّه للآخرين، وهم الّذين لا يخرجون في جهاد عدوّهم: الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه، ثمّ لا يتبعون ما أنفقوا منًّا ولا أذًى، قال: فشرط عليهم قال: والخارج لم يشرط عليه قليلاً ولا كثيرًا، يعني بالخارج الخارج في الجهاد الّذي ذكر اللّه في قوله: {مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّةٍ} الآية قال ابن زيدٍ: وكان أبي يقول: إن أذن لك أن تعطي من هذا شيئًا، أو تقوى فقوّه في سبيل اللّه، فظننت أنّه يثقل عليه سلامك فكفّ سلامك عنه قال ابن زيدٍ: فشىء خيرٌ من السّلام قال: وقالت امرأةٌ لأبيٍّ: يا أبا أسامة، تدلّني على رجلٍ يخرج في سبيل اللّه حقًّا، فإنّهم لا يخرجون إلاّ ليأكلوا الفواكه، عندي جعبةٌ وأسهمٌ فيها، فقال لها: لا بارك اللّه لك في جعبتك، ولا في أسهمك، فقد آذيتيهم قبل أن تعطيهم، قال: وكان رجلٌ يقول لهم: اخرجوا وكلوا الفواكه.
[جامع البيان: 4/656]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قوله: {لا يتبعون ما أنفقوا منًّا ولا أذًى} قال: أن لا ينفق الرّجل ماله خيرٌ من أن ينفقه ثمّ يتبعه منًّا وأذًى.
وأمّا قوله: {لهم أجرهم عند ربّهم} فإنّه يعني للّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه على ما بيّن والهاء والميم في لهم عائدةٌ على الّذين.
ومعنى قوله: {لهم أجرهم عند ربّهم} لهم ثوابهم وجزاؤهم على نفقتهم الّتي أنفقوها في سبيل اللّه، ثمّ لا يتبعونها منًّا ولا أذًى.
وقوله: {ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} يقول: وهم مع ما لهم من الجزاء والثّواب على نفقتهم الّتي أنفقوها على ما شرطنا، لا خوفٌ عليهم عند مقدمهم على اللّه، وفراقهم الدّنيا، ولا في أهوال القيامة، أن ينالهم من مكارهها، أو يصيبهم فيها من عقاب اللّه، ولا هم يحزنون على ما خلّفوا وراءهم في الدّنيا). [جامع البيان: 4/657]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه ثمّ لا يتبعون ما أنفقوا منًّا ولا أذًى لهم أجرهم عند ربّهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون (262) قولٌ معروفٌ ومغفرةٌ خيرٌ من صدقةٍ يتبعها أذًى واللّه غنيٌّ حليمٌ (263)
قوله: الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثمّ لا يتبعون ما أنفقوا منًّا ولا أذى.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محلّمٍ ثنا عبد الكبير بن عبد المجيد، ثنا عبّاد بن منصورٍ، قال: سألت الحسن، عن قوله: الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه ثمّ لا يتبعون ما أنفقوا منًّا ولا أذًى فقال: إنّ أقوامًا يبعثون الرّجل منهم في سبيل اللّه، أو ينفق على الرّجل، ويعطيه النّفقة، ثمّ يمنّه ويؤذيه، ومنّه ما أنفق، يقول: أنفقت في سبيل اللّه كذا وكذا، من منّه، من غير محتسبه عند اللّه، وأذًى، يؤذي به الرّجل الّذي أعطاه، من ماله ويقول:
ألم أعطك من مالي كذا وكذا؟ ألم أنفق عليك كذا وكذا؟ يمنّ عليه، وأذًى يؤذيه، فذلك من القول له، إذ قال اللّه: الّذين ينفقون أموالهم
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ، فيما كتب إليّ أخبرنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان بن عبد الرّحمن، عن قتادة قوله: ثمّ لا يتبعون ما أنفقوا منًّا ولا أذًى قال: قد علم اللّه أنّ أناسًا سيمنّون عطاءهم، فكره اللّه ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/516]

تفسير قوله تعالى: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قولٌ معروفٌ ومغفرةٌ خيرٌ من صدقةٍ يتبعها أذًى واللّه غنيٌّ حليمٌ}.
[جامع البيان: 4/657]
يعني تعالى ذكره بقوله: {قولٌ معروفٌ}: قولٌ جميلً، ودعاء الرّجل لأخيه المسلم. {ومغفرةٌ} يعني: وسترٌ منه عليه لما علم من خلّته وسوء حالته خيرٌ عند اللّه من صدقةٍ يتصدّقها عليه يتبعها أذًى، يعني يشتكيه عليها ويؤذيه بسببها.
- كما: حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {قولٌ معروفٌ ومغفرةٌ خيرٌ من صدقةٍ يتبعها أذًى} يقول: أن يمسك ماله خيرٌ من أن ينفق ماله ثمّ يتبعه منًّا وأذًى.
وأمّا قوله: {غنيّ حليمٌ} فإنّه يعني: واللّه غنيّ عمّا يتصدّقون به، حليمٌ حين لا يعجّل بالعقوبة على من يمنّ بصدقته منكم، ويؤذي فيها من يتصدّق بها عليه.
وروي عن ابن عبّاسٍ في ذلك ما؛
- حدّثنا به المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: الغنيّ: الّذي كمل في غناه، والحليم: الّذي قد كمل في حلمه). [جامع البيان: 4/658]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: قولٌ معروفٌ ومغفرةٌ خيرٌ من صدقةٍ يتبعها أذًى
- حدّثنا أبي، ثنا ابن نفيلٍ، قال: قرأت على معقل بن عبيد اللّه عن عمرو بن دينارٍ، قال: بلغنا أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ما من صدقةٍ أحبّ إلى اللّه من صدقةٍ من قولٍ ألم تسمع قوله: قولٌ معروفٌ ومغفرةٌ خيرٌ من صدقة يتبعها أذى
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إسحاق بن إسماعيل، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ عن قتادة، قال: علم اللّه أنّ ناسًا يمنّون عطيّتهم فكره ذلك، وقدم فيه، فقال:
قولٌ معروفٌ ومغفرةٌ خيرٌ من صدقةٍ يتبعها أذًى واللّه غني حليم
- حدثنا أبو سعيد بن يحي بن سعيدٍ القطّان، ثنا العنقزيّ عن أسباطٍ عن السّدّيّ عن عديّ بن ثابتٍ عن البراء واللّه غنيٌّ عن صدقاتكم). [تفسير القرآن العظيم: 1/516]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: حليمٌ
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ أخبر اللّه عباده بحلمه وعطفه وكرمه وسعة رحمته ومغفرته). [تفسير القرآن العظيم: 1/517]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في الآية قال: علم الله ناسا يمنون بعطيتهم فكره ذلك وقدم فيه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: إن أقواما يبعثون الرجل منهم في سبيل الله أو ينفق على الرجل ويعطيه النفقة ثم يمنه ويؤذيه ومنه يقول: أنفقت في سبيل الله كذا وكذا غير محتسبه عند الله وأذى يؤذي به الرجل الذي أعطاه ويقول: ألم أعطك كذا وكذا.
وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل البراء بن عازب فقال: يا براء كيف نفقتك على أمك - وكان موسعا على أهله - فقال: يا رسول الله ما أحسنها، قال: فإن نفقتك على أهلك وولدك وخادمك صدقة فلا تتبع ذلك منا ولا أذى
[الدر المنثور: 3/234]
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنفقتم على أهليكم في غير إسراف ولا إقتار فهو في سبيل الله.
وأخرج الطبراني عن كعب بن عجرة قال: مر على النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن أيوب قال: أشرف على النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجل من رأس تل فقالوا: ما أجلد هذا الرجل لو كان جلده في سبيل الله، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم أوليس في سبيل الله إلا من قتل ثم قال: من خرج في الأرض يطلب حلالا يكف به والديه فهو في سبيل الله ومن خرج يطلب حلالا يكف به أهله فهو في سبيل الله ومن خرج يطلب حلالا يكف به نفسه فهو في سبيل الله ومن خرج يطلب التكاثر فهو في سبيل الشيطان
[الدر المنثور: 3/235]
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سعى على والديه ففي سبيل الله ومن سعى على عياله ففي سبيل الله ومن سعى على نفسه ليعفها ففي سبيل الله ومن سعى على التكاثر فهو في سبيل الشيطان.
وأخرج أحمد والبيهقي في "سننه" عن أبي عبيدة بن الجراح سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فبسبعمائة ومن أنفق على نفسه وأهله أو عاد مريضا أو أماط أذى عن طريق فالحسنة بعشر أمثالها والصوم جنة ما لم يخرقها ومن ابتلاه الله ببلاء في جسده فله حظه.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي مسعود البدري عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال إذا أنفق الرجل على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة.
وأخرج البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
[الدر المنثور: 3/236]
قال: إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في امرأتك.
وأخرج أحمد عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة وما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة.
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنفق على نفسه نفقة ليستعف بها فهي صدقة ومن أنفق على امرأته وولده وأهل بيته فهي صدقة.
وأخرج الطبراني في الأوسط، عن جابر قال: قال رسول الله ما أنفق المرء على نفسه وأهله وولده وذي رحمه وقرابته فهو له صدقة.
وأخرج أحمد وأبو يعلى عن عمرو بن أمية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما أعطى الرجل أهله فهو له صدقة.
وأخرج أحمد والطبراني عن العرباض بن سارية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الرجل إذا سقى امرأته من الماء أجر.
وأخرج أحمد والطبراني عن أم سلمة سمعت رسول الله
[الدر المنثور: 3/237]
صلى الله عليه وسلم يقول: من أنفق على ابنتين أو أختين أو ذواتي قرابة يحتسب النفقة عليهما حتى يغنيهما من فضل الله أو يكفهما كانتا له سترا من النار.
وأخرج الطبراني والبيهقي في الشعب عن عوف بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم يكون له ثلاث بنات فينفق عليهن حتى يبن أو يمتن إلا كن له حجابا من النار، فقالت امرأة: أو بنتان فقال: أو بنتان.
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي عن عائشة قالت: دخلت علي امرأة ومعها بنتان لها تسأل فلم تجد عندي شيئا سوى تمرة واحدة فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها ثم قامت وخرجت فدخل النبي
[الدر المنثور: 3/238]
صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار.
وأخرج مسلم عن عائشة قالت: جائتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي تريد أن تأكلها بينهما فأعجبني شأنها فذكرت الذي
صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله قد أوجب لها بها الجنة أو أعتقها بها من النار.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب ومسلم والترمذي عن أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال من عال جاريتين حتى تبلغا دخلت أنا وهو في الجنة كهاتين.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن حبان عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عال ابنتين أو ثلاثا أو أختين أو ثلاثا حتى يمتن أو يموت عنهن كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وأشار بأصبعيه السبابة والتي تليها.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن ماجه، وابن حبان والحاكم وصححه عن
[الدر المنثور: 3/239]
ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مسلم له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة.
وأخرج البزار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مسلم له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة.
وأخرج البزار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كفل يتيما له ذو قرابة أو لا قرابة له فأنا وهو في الجنة كهاتين وضم أصبعيه، ومن سعى على ثلاث بنات فهو في الجنة وكان له كأجر مجاهد في سبيل الله صائما قائما.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي، وابن حبان عن ابن الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن، وفي لفظ: فأدبهن وأحسن إليهن وزوجهن فله الجنة.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب والبزار والطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كن له ثلاث بنات يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن وينفق عليهن وجبت له الجنة البتة، قيل: يا رسول الله فإن كانتا اثنتين قال: وإن
[الدر المنثور: 3/240]
كانتا اثنتين، قال: فرأى بعض القوم أن لو قال واحدة لقال واحدة.
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من كن له ثلاث بنات فصبر على لأوائهن وضرائهن وسرائهن أدخله الله الجنة برحمته إياهن، فقال رجل: واثنتان يا رسول الله قال: واثنتان، قال رجل: يا رسول الله وواحدة قال: وواحدة.
وأخرج البخاري في الأدب والبيهقي في الشعب عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن فأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن له حجابا من النار). [الدر المنثور: 3/241]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن دينار قال: بلغنا أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ما من صدقة أحب إلى الله من قول ألم تسمع قوله {قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى}.
وأخرج ابن ماجه عن أبي هريرة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلم علما ثم يعلمه أخاه المسلم
[الدر المنثور: 3/241]
وأخرج المرهبي في فضل العلم والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أهدى المرء المسلم لأخيه هدية أفضل من كلمة حكمة يزيده الله بها هدى أو يرده عن ردى.
وأخرج الطبراني عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تصدق الناس بصدقة مثل علم ينشر.
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم العطية كلمة حق تسمعها ثم تحملها إلى أخ لك مسلم فتعلمها اياه.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله {قول معروف} الآية، قال: رد جميل، يقول: يرحمك الله يرزقك الله ولا ينتهره ولا يغلظ له القول.
وأخرج ابن جرير من طريق علي عن ابن عباس قال: الغني الذي كمل في غناه والحليم الذي كمل في حلمه). [الدر المنثور: 3/242]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله فتركة صلدا قال نقيا ليس عليه شيء). [تفسير عبد الرزاق: 1/107]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (وقال ابن عبّاسٍ: {صلدًا} [البقرة: 264]: «ليس عليه شيءٌ» وقال عكرمة: {وابلٌ} [البقرة: 264]: " مطرٌ شديدٌ، الطّلّ: النّدى، وهذا مثل عمل المؤمن " {يتسنّه} [البقرة: 259]: «يتغيّر»). [صحيح البخاري: 6/31] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله فيه
وقال ابن عبّاس صلدًا ليس عليه شيء وقال عكرمة وابل مطر شديد الطل الندى وهذا مثل عمل المؤمن يتسنه يتغيّر انتهى
أما قول ابن عبّاس فقال ابن جرير ثنا المثنى ثنا أبو صالح ثنا معاوية عن علّي بن أبي طلحة عن ابن عبّاس في قوله {فتركه صلدًا} قال ليس عليه شيء
وبه في قوله لم يتسنه قال لم يتغيّر
وأما عكرمة فقال عبد ثنا روح ثنا عثمان بن غياث سمعت عكرمة في
[تغليق التعليق: 4/186]
قوله وابل قال مطر شديد والطل الندى وهذا مثل عمل المؤمن
وقال ابن جرير ثنا سفيان هو ابن وكيع ثنا أبي عن النّضر عن عكرمة في قوله لم يتسنه قال لم يتغيّر). [تغليق التعليق: 4/187]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (قوله " وقال ابن عبّاس صلدًا ليس عليه شيء " أشار به إلى قوله تعالى {كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدًا} وصله ابن جرير من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس وأخرجه ابن أبي حاتم عن أبي زرعة أخبرنا منجاب بن الحارث أنبأنا بشر عن أبي روق عن الضّحّاك عن ابن عبّاس بلفظ فتركه يابسا جاسيا لا ينبت شيئا وسقط من هنا إلى آخر الباب من رواية أبي ذر وفي التّفسير قال الضّحّاك والّذي يتبع صدقته منا أو أذى مثله كمثل صفوان وهو الصخر الأملس عليه التّراب فأصابه وابل وهو المطر الشّديد {فتركه صلدًا} أي أملس يابسا لا شيء عليه من ذلك التّراب بل قد ذهب كله وكذلك أعمال المرائين تذهب وتضمحل عند الله وإن ظهر لهم أعمال فيما يرى النّاس كالتراب). [عمدة القاري: 18/127]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (قوله " وابل مطر شديد الطل الندى " أشار به إلى قوله تعالى {فإن لم يصبها وابل فطل} وفسّر الوابل بالمطر الشّديد والطل بالندى ووصله عبد بن حميد عن روح بن عبادة عن عثمان بن غياث سمعت عكرمة بهذا وفي التّفسير فإن لم يصبها وابل فمطر ضعيف القطر
قوله " وهذا مثل عمل المؤمن " أي هذا الّذي ذكره عكرمة مثل عمل المؤمن يزداد عند الله إذا كان بالإخلاص ويذهب إذا كان بالرياء وإن ظهر له فيما يرى النّاس). [عمدة القاري: 18/127]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما مما وصله ابن جرير في قوله تعالى: {فتركه} ({صلدًا}) [البقرة: 264] أي (ليس عليه شيء) من تراب فكذلك نفقة المرائي والمشرك لا يبقى له ثواب). [إرشاد الساري: 7/43]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى كالّذي ينفق ماله رئاء النّاس ولا يؤمن باللّه واليوم الآخر}.
[جامع البيان: 4/658]
يعني تعالى ذكره بذلك: يا أيّها الّذين صدّقوا اللّه ورسوله، {لا تبطلوا صدقاتكم}، يقول: لا تبطلوا أجور صدقاتكم {بالمنّ والأذى}، كما أبطل كفر الّذي ينفق ماله {رئاء النّاس}، وهو مراءاته إيّاهم بعمله؛ وذلك أن ينفق ماله فيما يرى النّاس في الظّاهر أنّه يريد اللّه تعالى ذكره فيحمدونه عليه وهو غير مريدٌ به اللّه ولا طالبٌ منه الثّواب وإنّما ينفقه كذلك ظاهرًا ليحمده النّاس عليه فيقولوا: هو سخيّ كريمٌ، وهو رجلٌ صالحٌ، فيحسنوا عليه به الثّناء وهم لا يعلمون ما هو مستبطنٌ من النّيّة في إنفاقه ما أنفق، فلا يدرون ما هو عليه من التّكذيب باللّه تعالى ذكره واليوم الآخر.
وأمّا قوله: {ولا يؤمن باللّه واليوم الآخر} فإنّ معناه: ولا يصدّق بوحدانيّة اللّه وربوبيّته، ولا بأنّه مبعوثٌ بعد مماته فمجازًى على عمله، فيجعل نفقته لوجه اللّه وطلب ثوابه وما عنده في معاده، وهذه صفة المنافق؛ وإنّما قلنا إنّه منافقٌ، لأنّ المظهر كفره والمعلن شركه معلومٌ أنّه لا يكون بشيءٍ من أعماله مرائيًا، لأنّ المرائيّ هو الّذي يرائي النّاس بالعمل الّذي هو في الظّاهر للّه وفي الباطن من نيه عامله مراد به حمد النّاس عليه، والكافر لا يخيل على أحدٍ أمره أنّ أفعاله كلّها إنّما هي للشّيطان إذا كان معلنًا كفره لا للّه، ومن كان كذلك فغير كائنٍ مرائيًا بأعماله.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
[جامع البيان: 4/659]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال أبو هانئٍ الخولانيّ، عن عمرو بن حريثٍ، قال: إنّ الرّجل يغزو، لا يسرق ولا يزني، ولا يغلّ، ولا يرجع بالكفاف، فقيل له: لماذا؟ قال: فإنّ الرّجل ليخرج فإذا أصابه من بلاء اللّه الّذي قد حكم عليه سبّ ولعن إمامه، ولعن ساعة غزا، وقال: لا أعود لغزوةٍ معه أبدًا، فهذا عليه، وليس له مثل النّفقة في سبيل اللّه يتبعها منًّا وأذًى، فقد ضرب اللّه مثلها في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى} حتّى ختم الآية). [جامع البيان: 4/660]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فمثله كمثل صفوان عليه ترابٌ فأصابه وابلٌ فتركه صلدًا لا يقدرون على شيءٍ ممّا كسبوا واللّه لا يهدي القوم الكافرين}.
يعني تعالى ذكره بذلك: فمثل هذا الّذي ينفق ماله رئاء النّاس، ولا يؤمن باللّه واليوم الآخر، والهاء في قوله: {فمثله} عائدةٌ على الّذي {كمثل صفوانٍ} والصّفوان واحدٌ وجمعٌ، فمن جعله جميعًا فالواحدة صفوانةٌ بمنزلة تمرةٍ وتمرٍ ونخلةٍ ونخلٍ، ومن جعله واحدًا جمعه صفوان وصفيٍّ وصفيٍّ كما قال الشّاعر:
مواقع الطّير على الصّفيّ
والصّفوان هو الصّفا، وهي الحجارة الملس
[جامع البيان: 4/660]
وقوله: {عليه ترابٌ} يعني على الصّفوان ترابٌ {فأصابه} يعني أصاب الصّفوان {وابلٌ} وهو المطر الشّديد العظيم، كما قال امرؤ القيس:
ساعةً ثمّ انتحاها وابلٌ = ساقط الأكناف واهٍ منهمر
يقال منه: وبلت السّماء فهي تبل وبلاً، وقد وبلت الأرض فهي توبل.
وقوله: {فتركه صلدًا} يقول: فترك الوابل الصّفوان صلدًا؛ والصّلد من الحجارة الصّلب الّذي لا شيء عليه من نباتٍ ولا غيره، وهو من الأرضين ما لا ينبت فيه شيءٌ، وكذلك من الرّءوس كما قال رؤبة:
لمّا رأتني خلق المموّه = برّاق أصلاد الجبين الأجله
ومن ذلك يقال للقدر الثّخينة البطيئة الغلي: قدرٌ صلودٌ، وقد صلدت تصلد صلودًا، ومنه قول تأبّط شرًّا:
ولست بجلب جلب ليلٍ وقرّةٍ = ولا بصفا صلدٍ عن الخير معزل
[جامع البيان: 4/661]
ثمّ رجع تعالى ذكره إلى ذكر المنافقين الّذين ضرب المثل لأعمالهم، فقال: فكذلك أعمالهم بمنزلة الصّفوان الّذي كان عليه ترابٌ، فأصابه الوابل من المطر، فذهب بما عليه من التّراب، فتركه نقيًّا لا تراب عليه ولا شيء، يراهم المسلمون في الظّاهر أنّ لهم أعمالاً كما يرى التّراب على هذا الصّفوان بما يراءونهم به، فإذا كان يوم القيامة وصاروا إلى اللّه اضمحلّ ذلك كلّه؛ لأنّه لم يكن للّه كما ذهب الوابل من المطر بما كان على الصّفوان من التّراب، فتركه أملس لا شيء عليه، فذلك قوله: {لا يقدرون}، يعني به الّذين ينفقون أموالهم رئاء النّاس، ولا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر، يقول: لا يقدرون يوم القيامة على ثواب شيءٍ ممّا كسبوا في الدّنيا؛ لأنّهم لم يعملوه لمعادهم ولا طلب ما عند اللّه في الآخرة، ولكنّهم عملوه رئاء النّاس وطلب حمدهم، وإنّما حظّهم من أعمالهم ما أرادوه وطلبوه بها. ثمّ أخبر تعالى ذكره أنّه لا يهدي القوم الكافرين، يقول: لا يسدّدهم لإصابة الحقّ في نفقاتهم وغيرها فيوفّقهم لها، وهم للباطل عليها مؤثرون، ولكنّه يتركهم في ضلالتهم يعمهون، فقال تعالى ذكره للمؤمنين: لا تكونوا كالمنافقين الّذين هذا المثل صفة أعمالهم، فتبطلوا أجور صدقاتكم بمنّكم على من تصدّقتم بها عليه وأذاكم لهم، كما أبطل أجر نفقة المنافق الّذي أنفق ماله رئاء النّاس، وهو غير مؤمنٍ باللّه واليوم الآخر عند اللّه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
[جامع البيان: 4/662]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى} فقرأ حتّى بلغ: {على شيءٍ ممّا كسبوا} فهذا مثلٌ ضربه اللّه لأعمال الكفّار يوم القيامة يقول: لا يقدرون على شيءٍ ممّا كسبوا يومئذٍ، كما ترك هذا المطر الصّفاة الحجر ليس عليه شيءٌ أنقى ما كان عليه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ} إلى قوله: {واللّه لا يهدي القوم الكافرين} هذا مثلٌ ضربه اللّه لأعمال الكافرين يوم القيامة، يقول: لا يقدرون على شيءٍ ممّا كسبوا يومئذٍ، كما ترك هذا المطر الصّفا نقيًّا لا شيء عليه.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى} إلى قوله: {على شيءٍ ممّا كسبوا} أمّا الصّفوان الّذي عليه ترابٌ فأصابه المطر، فذهب ترابه فتركه صلدًا، فكذا هذا الّذي ينفق ماله رئاء النّاس ذهب الرّياء بنفقته، كما ذهب هذا المطر بتراب هذا الصّفا فتركه نقيًّا، فكذلك تركه الرّياء لا يقدر على شيءٍ ممّا قدّم؛ فقال للمؤمنين: {لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى} فتبطل كما بطلت صدقة الرّياء.
[جامع البيان: 4/663]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: أن لا، ينفق الرّجل ماله خيرٌ من أن ينفقه ثمّ يتبعه منًّا وأذًى، فضرب اللّه مثله كمثل كافرٍ أنفق ماله لا يؤمن باللّه ولا باليوم الآخر، فضرب اللّه مثلهما جميعًا {كمثل صفوان عليه ترابٌ فأصابه وابلٌ فتركه صلدًا} فكذلك من أنفق ماله ثمّ أتبعه منًّا وأذًى.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثنّى أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى} إلى: {كمثل صفوان عليه ترابٌ فأصابه وابلٌ فتركه صلدًا} ليس عليه شيءٌ، وكذلك المنافق يوم القيامة لا يقدر على شيءٍ ممّا كسب.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ في قوله: {لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى} قال: يمنّ بصدقته ويؤذيه فيها حتّى يبطلها.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ثمّ لا يتبعون ما أنفقوا منًّا ولا أذًى}، فقرأ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى} حتّى بلغ: {لا يقدرون على شيءٍ ممّا كسبوا} ثمّ قال: أترى الوابل يدع من التّراب على الصّفوان شيئًا؟ فكذلك منّك وأذاك لم يدع ممّا أنفقت شيئًا، وقرأ قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى} وقرأ: {وما أنفقتم من نفقةٍ}، فقرأ حتّى بلغ: {وأنتم لا تظلمون}). [جامع البيان: 4/664]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {صفوان}.
قد بيّنّا معنى الصّفوان بما فيه الكفاية، غير أنّا أردنا ذكر من قال مثل قولنا في ذلك من أهل التّأويل.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {كمثل صفوانٍ} كمثل الصّفاة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {كمثل صفوانٍ} والصّفوان: الصّفا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: أمّا صفوان، فهو الحجر الّذي يسمّى الصّفاة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {صفوان} يعني الحجر). [جامع البيان: 4/665]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فأصابه وابلٌ}.
قد مضى البيان عنه وهذا ذكر من قال قولنا فيه؛
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: أمّا وابلٌ: فمطرٌ شديدٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {فأصابه وابلٌ} والوابل: المطر الشّديد.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، مثله.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله). [جامع البيان: 4/666]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فتركه صلدًا}.
ذكر من قال نحو ما قلنا في ذلك:
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فتركه صلدًا} يقول نقيًّا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {فتركه صلدًا} قال: تركها نقيّةً ليس عليها شيءٌ.
[جامع البيان: 4/666]
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال قال ابن جريجٍ، قال ابن عبّاسٍ: قوله: {فتركه صلدًا} قال: ليس عليه شيءٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {صلدًا} فتركه جردًا.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {فتركه صلدًا} ليس عليه شيءٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {فتركه صلدًا} ليس عليه شيءٌ). [جامع البيان: 4/667]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى كالّذي ينفق ماله رئاء النّاس ولا يؤمن باللّه واليوم الآخر فمثله كمثل صفوانٍ عليه ترابٌ فأصابه وابلٌ فتركه صلدًا لا يقدرون على شيءٍ ممّا كسبوا واللّه لا يهدي القوم الكافرين (264)
قوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى
- حدّثنا الحسن بن المنهال، ثنا محمّد بن عبد اللّه بن عمّارٍ الموصليّ ثنا عتّابٌ، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لا يدخل الجنّة مدمن خمرٍ ولا عاقٌّ، ولا منّانٌ. قال ابن عبّاسٍ: فشقّ ذلك عليّ لأنّ المسلمين يصيبون ذنوبًا حتّى وجدت في كتاب اللّه في المنّان لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى فتبطل كما بطلت صدقة الرّياء.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان عن قتادة قوله: لا تبطلوا صدقاتكم قال. كره اللّه ذلك للمؤمنين، وقدم فيه). [تفسير القرآن العظيم: 1/517]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: بالمنّ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، أخبرني بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان في قول اللّه تعالى: لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى هو الرّجل يمنّ صدقته). [تفسير القرآن العظيم: 1/517]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: والأذى
- وبه عن مقاتل بن حيّان في قول اللّه: بالمنّ والأذى قال: يؤذي الّذي يتصدّق عليه). [تفسير القرآن العظيم: 1/517]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: كالّذي ينفق ماله رئاء النّاس
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله:
كالّذي ينفق ماله رئاء النّاس، فكذلك هذا الّذي ينفق ماله رياء النّاس، ذهب الرّياء بنفقته، كما ذهب المطر بتراب هذا الصفا). [تفسير القرآن العظيم: 1/517]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ولا يؤمن باللّه واليوم الآخر
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان بن صالحٍ، ثنا الوليد، أخبرني بكير ابن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، في قول اللّه: ولا يؤمن باللّه واليوم الآخر يعني:
المنافق.
- حدثنا أبو زرعة ثنا نحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد الله ابن لهيعة حدّثني عطاء، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: ولا يؤمن باللّه يعني: لا يصدّقون بتوحيد اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/518]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فمثله كمثل صفوان
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إسحاق بن إسماعيل، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: فمثله كمثل صفوانٍ عليه ترابٌ قال: هذا مثلٌ ضربه اللّه تعالى، لأعمال الكفّار، يوم القيامة). [تفسير القرآن العظيم: 1/518]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: صفوانٍ عليه ترابٌ
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: صفوانٍ يعني: الحجر وروي عن عكرمة والحسن والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ وقتادة ومقاتل بن حيّان، نحو ذلك.
- حدّثنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، أبنا حفص بن عمر، يعني العدنيّ، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، في قوله: فأصابه وابلٌ والوابل: المطر فذهب بما عليه
وروي عن وهب بن منبه والسدى وعطاء الخرساني والحسن والرّبيع بن أنسٍ ومقاتل بن حيّان وقتادة نحو ذلك، غير أنّ الرّبيع بن أنسٍ وقتادة قالا: المطر الشّديد). [تفسير القرآن العظيم: 1/518]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فتركه صلدًا
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أبنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: فتركه صلدًا يقول: فتركه يابسًا خاسئًا لا ينبت شيئًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/518]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: لا يقدرون على شيءٍ ممّا كسبوا واللّه لا يهدي القوم الكافرين
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، أخبرني بكير بن معروفٍ عن
[تفسير القرآن العظيم: 2/518]
مقاتل بن حيّان في قول اللّه لا يقدرون على شيءٍ ممّا كسبوا يعني به: نفقاتهم.
أنّهم لا يؤجرون عليها، ولا تنفعهم يوم القيامة، وكان مقاتلٌ، ما فسّر فسّره عن رجالٍ من التّابعين، منهم الضّحّاك بن مزاحمٍ، وجابر بن زيدٍ.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: لا يقدرون على شيءٍ ممّا كسبوا يومئذٍ، كما ترك المطر الصّفا نقيًّا، ليس عليه شيءٌ وروي عن قتادة، نحو قول الرّبيع). [تفسير القرآن العظيم: 1/519]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن المنذر عن الضحاك في الآية قال: من أنفق نفقة ثم من بها أو آذى الذي أعطاه النفقة حبط أجره فضرب الله مثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فلم يدع من التراب شيئا فكذلك يمحق الله أجر الذي يعطي صدقته ثم يمن بها كما يمحق المطر ذلك التراب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال الله للمؤمنين لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى فتبطل كما بطلت صدقة الرياء وكذلك هذا الذي ينفق ماله رئاء الناس ذهب الرياء بنفقته كما ذهب هذا المطر بتراب هذا الصفا.
وأخرج أحمد في الزهد عن عبد الله بن أبي زكريا قال: بلغني أن الرجل إذا راءى بشيء من عمله أحبط ما كان قبل ذلك.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد، وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة منان ولا عاق ولا مدمن خمر ولا مؤمن بسحر ولا كاهن
[الدر المنثور: 3/243]
وأخرج البزار والحاكم وصححه عن ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، العاق لوالديه ومدمن الخمر والمنان بما أعطى، وثلاثة لا يدخلون الجنة، العاق لوالديه والديوث والرجلة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لا يدخل الجنة منان، فشق ذلك علي حتى وجدت في كتاب الله في المنان {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن عمرو بن حريث قال: إن الرجل يغزو ولا يسرق ولا يزني ولا يغل لا يرجع بالكفاف، قيل له: لماذا فقال: إن الرجل ليخرج فإذا أصابه من بلاء الله الذي قد حكم عليه لعن وسب أمامه ولعن ساعة غزا وقال: لا أعود لغزوة معه أبدا، فهذا عليه وليس له مثل النفقة في سبيل الله يتبعها منا وأذى فقد ضرب الله مثلها في القرآن {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} حتى ختم الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {صفوان} يقول: الحجر، {فتركه صلدا} ليس عليه شيء
[الدر المنثور: 3/244]
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {كمثل صفوان} الصفاة، {فتركه صلدا} قال: تركها نقية ليس عليها شيء فكذلك المنافق يوم القيامة لا يقدر على شيء مما كسب.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: الوابل المطر.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: الوابل المطر الشديد وهذا مثل ضربه الله لأعمال الكفار يوم القيامة يقول {لا يقدرون على شيء مما كسبوا} يومئذ كما ترك هذا المطر هذا الحجر ليس عليه شيء أنقى ما كان.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {فتركه صلدا} قال: يابسا خاسئا لا ينبت شيئا.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس، أن نافع ابن الأزرق سأله عن قوله {صفوان} قال: الحجر الأملس، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت قول أوس بن حجر: على ظهر صفوان كأن متونه * عللن بدهن يزلق المتنزلا
[الدر المنثور: 3/245]
قال: فأخبرني عن قوله {صلدا} قال: أملس، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت قول أبي طالب: واني لقرم، وابن قرم لهاشم * لآباء صدق مجدهم معقل صلد). [الدر المنثور: 3/246]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م, 07:44 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)}
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (نافع {والله يضاعف لمن يشاء} كل ما في القرآن.
أبو جعفر وشيبة {يضعف} كل ما في القرآن). [معاني القرآن لقطرب: 276]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما {سبع سنابل} فالواحد: سنبلة، يقال: سنبل الزرع سنبلة، وأسبل إسبالاً). [معاني القرآن لقطرب: 382]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة واللّه يضاعف لمن يشاء واللّه واسع عليم} أي: جواد لا ينقصه ما يتفضّل به من السعة، عليم حيث يضعه). [معاني القرآن: 1/346-347]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): ({مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله} إلى قوله: {واسع عليم} أي: جواد لا ينقصه ما يتفضل به من السعة عليهم أين يضعه). [معاني القرآن: 1/289]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)}
[ لا يوجد ]

تفسير قوله تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263)}
[ لا يوجد ]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {صفوانٌ} الصفوان: جماع، ويقال للواحدة: (صفوانة) في معنى الصّفاة،
والصّفا: للجميع، وهي الحجارة الملس.

{صلداً} والصّلد: التي لا تنبت شيئاً أبداً من الأرضين، والرؤوس، وقال رؤبة:
برّاق أصلاد الجبين الأجله
وهو الأجلح). [مجاز القرآن: 1/82]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى كالّذي ينفق ماله رئاء النّاس ولا يؤمن باللّه واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه ترابٌ فأصابه وابلٌ فتركه صلداً لاّ يقدرون على شيءٍ مّمّا كسبوا واللّه لا يهدي القوم الكافرين}
قال: {كمثل صفوان} والواحدة "صفوانةٌ".
ومنهم من يجعل "الصّفوان" واحدا فيجعله: الحجر.
ومن جعله جميعا جعله: الحجارة مثل: "التمرة" و"التمر".
وقد قالوا "الكذّان": الكذّانة" وهو شبه الحجر من الطين).
[معاني القرآن: 1/152]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {كمثل صفوان عليه تراب} فالصفوان: الصفا من الحجارة؛ وقالوا في الواحد: صفوانة، وقالوا: الصفواء، وقالوا: صفوان وصفوان للجميع بالكسر، كما قالوا: كروان للواحد، والجمع كروان؛ وقالوا: صفي وصفي.
وقالت بنو طهية: صفوان، بالضم للجميع، وقالوا: قوم رجال؛ يريدون: رجالاً للمشاة.
وقال امرؤ القيس:
كميت يزل اللبد عن حال متنه = كما زلت الصفواء بالمتنزل
وقال زهير:
غليظ على مجثى الفؤاد كأنه = بجانب صفوان يزل ويرتقي
وأما قوله عز وجل {فتركه صلدا} يقال: صلدت الأرض، وأصلدت، إذا لم تنبت شيئًا، إصلادًا وصلدًا وصلدًا، وأصلد الرجل إصلادًا: إذا كان بخيلاً، فهو مصلد وصلد؛ وهو المعنى في الأرض؛ إذا لم يكن عنده خير.
وقال حسان:
قتلناهم قتل الكلاب فأصبحوا = وهامهم تبدو على موضع صلد
وقال أبو زبيد:
ومطير اليدين بالخير للحمد = إذا ضن كل جبس صلود
فالصلود: اليابس.
وقال أبو زبيد:
[معاني القرآن لقطرب: 382]
يا عثم أدركني فإن ركيتي = صلدت فأعيت أن بتض بمائها
فقال: صلدت، ففتح اللام.
ويقال للقدر الثخينة المبطئة الغلي: قد صلدت، تصلد صلودا). [معاني القرآن لقطرب: 383]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({صفوان}: جماع واحده صفوانه وهي الصخرة الملساء التي لا يثبت عليها شيء.
ويقال إنه واحد وجمعه صفوان يكسر الصاد.

{صلدا}: والصلدة التي لا تنبت شيئا). [غريب القرآن وتفسيره:98-99]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (و({صّفوان}: الحجر. و(الوابل): أشدّ المطر.
و{الصّلد}: الأملس).
[تفسير غريب القرآن: 97]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى كالّذي ينفق ماله رئاء النّاس ولا يؤمن باللّه واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء ممّا كسبوا واللّه لا يهدي القوم الكافرين}
فالمن: أن تمنّ بما أعطيت وتعتدّ به كأنك إنما تقصد به الاعتداد والأذى أن توبخ المعطي.
فأعلم الله عزّ وجلّ أن المن والأذى يبطلان الصدقة كما تبطل نفقة المنافق الذي إنما يعطي وهو لا يريد بذلك العطاء ما عند اللّه، إنما يعطي ليوهم أنه مؤمن، وقال عزّ وجلّ: {فمثله كمثل صفوان} والصفوان: الحجر الأملس وكذلك الصفا.
وقوله عزّ وجلّ: {عليه تراب فأصابه وابلا}والوابل: المطر العظيم القطر - فإذا أصاب هذا المطر الحجر الذي عليه تراب لم يبق عليه من التراب شيء، وكذلك تبطل نفقة المنافق ونفقة المنّان والمؤذي.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه لا يهدي القوم الكافرين} أي: لا يجعلهم بكفرهم مهتدين، وقيل لا يجعل جزاءهم على الكفر أن يهديهم). [معاني القرآن: 1/347]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}أي: لا تمتنوا بما أعطيتم وتعتدوا به وكأنكم تقصدون ذلك.
والأذى: أن يوبخ المعطى.
فاعلم أن هذين يبطلان الصدقة كما تبطل صدقة المنافق الذي يعطي رياء ليوهم أنه مؤمن). [معاني القرآن: 1/289-290]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فمثله}أي: فمثل نفقته {كمثل صفوان} وهو: الحجر الأملس والوابل المطر العظيم القطر.
{فتركه صلدا}
قال قتادة: ليس عليه شيء.
والمعنى: لم يقدروا على كسبهم وقت حاجتهم ومحق فأذهب كما أذهب المطر التراب على الصفا ولم يوافق في الصفا مثبتا).[معاني القرآن: 1/290-290]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {صفوان}: جبل أملس). [ياقوتة الصراط: 182]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): {وابل}: مطر شديد). [ياقوتة الصراط: 182]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والصلد: الأقرع الذي لا نبات فيه). [ياقوتة الصراط: 182]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ((والصفوان) جمع صفوانة: وهي الصخرة الملساء التي لا تنبت شيئا.
(والوابل الخفيف مطر.
(والطل) الخفيف.
(والصلد) الأملس).
[تفسير المشكل من غريب القرآن:43-44]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({صَفْوَانٍ}: حجر.
{صَلْداً}: لا ينبت شيئاً.
{الوَابِلٌ}: ما عظم قطره من المطر). [العمدة في غريب القرآن:93-94]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 3 جمادى الآخرة 1434هـ/13-04-2013م, 12:25 AM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) }
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قيل حِبة لجمع الحبوب، و(حِنطة) فلم يفرد لها ذكر، وإن كانت جمعا، فأجروه على الواحد الذي قد يجمع التأنيث والتذكير، ألا ترى أن (ابن عِرس) و(سام أبرص) و(ابن قِترة) قد يؤدى عن الذكر والأنثى وهو وذكر على حاله). [المذكور والمؤنث: 62]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (


الحرب أول ما تكون فتيةًتسعى بزينتها لكـل جهـول

منهم من ينشد: الحرب أول ما تكون فتيةً يجعل أول ابتداءً ثانياً، ويجعل الحال يسد مسد الخبر وهو فتيةً فيكون هذا كقولك: الأمير أخطب ما يكون قائماً، وقد بينا نصب هذا في قول سيبويه، ودللنا على موضع الخبر في مذاهبهم وما كان الأخفش يختار، وهو الذي لا يجوز غيره. فأما تصييره فتية حالاً لأول، أول مذكر، وفتية مؤنثة، فلأن المعنى مشتمل عليها. فخرج هذا مخرج قول الله عز وجل: {ومنهم من يستمعون إليك}؛ لأن من وإن كان موحد اللفظ فإن معناه هاهنا الجمع، وكذلك: {فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين}، وهذا كثيرٌ جداً. ومنه قول الشاعر:


تعـش فـإن عاهدتـنـي لا تخونـنـينكن مثل من يا ذئب يصطحبان

أراد مثل اثنين ومثل اللذين. وقرأ القراء: (ومن تقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً). وأما أبو عمرو فقرأ: {ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً}، فحمل ما يلي على اللفظ، وما تباعد منها على المعنى، ونظير ذلك قوله عز وجل: {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسنٌ فله أجره عند ربه} فهذا على لفظ من، ثم قال: {ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} على المعنى. وهذا كثيرٌ جداً). [المقتضب: 3/252-253]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله:
نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
فـ"من" تقع للواحد والاثنين والجميع والمؤنث على لفظ واحد، فإن شئت حملت خبرها على لفظها فقلت: من في الدار يحبك، عنيت جميعًا أو اثنين أو واحدًا أو مؤنثًا، وإن شئت حملته على المعنى فقلت: يحبانك، وتحبك إذا عنيت امرأة ويحبونك إذا عنيت جميعًا كل ذلك جائز جيد، وقال الله عز وجل: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ}. {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي}. وقال فحمل على المعنى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ}. وقرأ أبو عمرو: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا} فحمل الأول على اللفظ والثاني على المعنى. وفي القرآن: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ}.
فهذا كله على اللفظ، ثم قال: {وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} على المعنى). [الكامل: 1/478] (م)

تفسير قوله تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) }

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) }
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (والصفا من الحجارة مقصور يكتب بالألف ويثنى فيقال صفوان، ويدلك على أنه من الواو قول الله عز وجل: {كمثل صفوان عليه تراب} والصفاء في المرآة وفي كل شيء خلص وصفا فهو ممدود يكتب بالألف). [المقصور والممدود: 17]
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوم رئاء يرى هؤلاء، هؤلاء، ورياء الناس يراؤون الناس من المراءاة). [المقصور والممدود: 84]
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (ومنه الوابل وهو أغرز المطر وأعظمه قطرا. يقال: وبلت الأرض وبلا فهي موبولة). [كتاب المطر: 7]
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وتقول: راءيت الرجل مراءاة والاسم الرئاء). [كتاب الهمز: 8]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (



أمـن أم شـداد رسـوم المنـازلتوهمتها من بعد ساف ووابل

...
والوابل: المطر الغزير). [شرح ديوان كعب بن زهير: 89]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (


بقرار قيعان سقاها وابلواه فأثجم برهة لا يقلع

...
والوابل: المطر العظيم القطر يقال وبلت الأرض فهي موبولة إذا أصابها الوبل). [شرح المفضليات: 859]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (والصّلد: الصّلب الذي إذا أصابه شيء صلد أي صوّت). [الأمالي: 2/317]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:13 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّةٍ أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلةٍ مائة حبّةٍ واللّه يضاعف لمن يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ (261) الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه ثمّ لا يتبعون ما أنفقوا منًّا ولا أذىً لهم أجرهم عند ربّهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون (262)}
هذه الآية لفظها بيان مثل بشرف النفقة في سبيل الله وبحسنها، وضمنها التحريض على ذلك، وهذه الآية في نفقة التطوع، وسبل الله كثيرة، وهي جميع ما هو طاعة وعائد بمنفعة على المسلمين والملة، وأشهرها وأعظمها غناء الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا، والحبة اسم جنس لكل ما يزدرعه ابن آدم ويقتاته، وأشهر ذلك البر، وكثيرا ما يراد بالحب. ومنه قول المتلمس:
آليت حب العراق الدهر أطعمه ....... والحب يأكله في القرية السوس
وقد يوجد في سنبل القمح ما فيه مائة حبة، وأما في سائر الحبوب فأكثر، ولكن المثال وقع بهذا القدر، وقد ورد القرآن بأن الحسنة في جميع أعمال البر بعشر أمثالها، واقتضت هذه الآية أن نفقة الجهاد
حسنتها بسبعمائة ضعف، وبين ذلك الحديث الصحيح، واختلف العلماء في معنى قوله: {واللّه يضاعف لمن يشاء}، فقالت طائفة هي مبينة ومؤكدة لما تقدم من ذكر السبعمائة. وليس ثمة تضعيف فوق سبعمائة، وقالت طائفة من العلماء: بل هو إعلام بأن الله تعالى يضاعف لمن يشاء أكثر من سبعمائة ضعف. وروي عن ابن عباس أن التضعيف ينتهي لمن شاء الله إلى ألفي ألف. وليس هذا بثابت الإسناد عنه، وقال ابن عمر لما نزلت هذه الآية قال النبي عليه السلام «رب زد أمتي». فنزلت: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضاً حسناً فيضاعفه له} [الحديد: 11]، فقال: «رب زد أمتي»، فنزلت: {إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حسابٍ} [الزمر: 10] وسنبلةٍ فنعلة من أسبل الزرع أي أرسل ما فيه كما ينسبل الثوب، والجمع سنابل، وفي قوله تعالى: {مثل الّذين}، حذف مضاف، تقديره مثل إنفاق الذين، أو تقدره كمثل ذي حبة، وقال الطبري في هذه الآية: «إن قوله: {في كلّ سنبلةٍ مائة حبّةٍ} معناه: إن وجد ذلك وإلا فعلى أن نفرضه» ثم أدخل عن الضحاك أنه قال: «في كلّ سنبلةٍ مائة حبّةٍ معناه كل سنبلة أنبتت مائة حبة»، فجعل الطبري قول الضحاك نحو ما قال هو، وذلك غير لازم من لفظ الضحاك، قال أبو عمرو الداني قرأ بعضهم «مائة حبة» بالنصب على تقدير أنبتت مائة حبة). [المحرر الوجيز: 2/ 57-58]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {الّذين ينفقون أموالهم} الآية، لما تقدم في الآية التي قبل هذه ذكر الإنفاق في سبيل الله على العموم بيّن في هذه الآية أن ذلك الحكم إنما هو لمن لم يتبع إنفاقه منا ولا أذى، وذلك أن المنفق في سبيل الله إنما يكون على أحد ثلاثة أوجه، إما أن يريد وجه الله تعالى ويرجو ثوابه، فهذا لا يرجو من المنفق عليه شيئا ولا ينظر من أحواله في حال سوى أن يراعي استحقاقه، وإما أن يريد من المنفق عليه جزاء بوجه من الوجوه، فهذا لم يرد وجه الله بل نظر إلى هذه الحال من المنفق عليه، وهذا هو الذي متى أخلف ظنه من بإنفاقه وآذى، وإما أن ينفق مضطرا دافع غرم إما لماتة للمنفق عليه أو قرينة أخرى من اعتناء معتن ونحوه، فهذا قد نظر في حال ليست لوجه الله، وهذا هو الذي متى توبع وحرج بوجه من وجوه الحرج آذى.
فالمن والأذى يكشفان ممن ظهرا منه أنه إنما كان على ما ذكرناه من المقاصد، وأنه لم يخلص لوجه الله، فلهذا كان المن والأذى مبطلين للصدقة، من حيث بين كل واحد منهما أنها لم تكن صدقة، وذكر النقاش:«أنه قيل إن هذه الآية نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقيل في علي بن أبي طالب رضي الله عنه»، وقال مكي: «في عثمان وابن عوف رضي الله عنهما»، والمن ذكر النعمة على معنى التعديد لها والتقريع بها، والأذى: السب والتشكي، وهو أعم من المنّ، لأنّ المن جزء من الأذى لكنه نص عليه لكثرة وقوعه، وذهب ابن زيد إلى أن هذه الآية هي في الذين لا يخرجون في الجهاد، بل ينفقون وهم قعود، وأن الأولى التي قبلها هي في الذين يخرجون بأنفسهم وأموالهم. قال: «ولذلك شرط على هؤلاء ولم يشترط على الأولين».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وفي هذا القول نظر، لأن التحكم فيه باد»، وقال زيد بن أسلم: «لئن ظننت أن سلامك يثقل على من أنفقت عليه تريد وجه الله فلا تسلم عليه»، وقالت له امرأة: يا أبا أسامة دلني على رجل يخرج في سبيل الله حقا، فإنهم إنما يخرجون ليأكلوا الفواكه، فإن عندي أسهما وجعبة، فقال لها: لا بارك الله في أسهمك وجعبتك، فقد آذيتهم قبل أن تعطيهم. وضمن الله الأجر للمنفق في سبيل الله، والأجر الجنة، ونفى عنه الخوف بعد موته لما يستقبل والحزن على ما سلف من دنياه، لأنه يغتبط بآخرته »). [المحرر الوجيز: 2/ 58-60]

تفسير قوله تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قولٌ معروفٌ ومغفرةٌ خيرٌ من صدقةٍ يتبعها أذىً واللّه غنيٌّ حليمٌ (263) يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى كالّذي ينفق ماله رئاء النّاس ولا يؤمن باللّه واليوم الآخر فمثله كمثل صفوانٍ عليه ترابٌ فأصابه وابلٌ فتركه صلداً لا يقدرون على شيءٍ ممّا كسبوا واللّه لا يهدي القوم الكافرين (264)}
هذا إخبار جزم من الله تعالى أن القول المعروف وهو الدعاء والتأنيس والترجية بما عند الله، خير من صدقة هي في ظاهرها صدقة، وفي باطنها لا شيء. لأن ذلك القول المعروف فيه أجر، وهذه لا أجر فيها. وقال المهدوي وغيره: «التقدير في إعرابه قولٌ معروفٌ أولى ومغفرةٌ خيرٌ».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وفي هذا ذهاب برونق المعنى، وإنما يكون المقدر كالظاهر، والمغفرة الستر للخلة وسوء حالة المحتاج». ومن هذا قول الأعرابي، وقد سأل قوما بكلام فصيح، فقال له قائل: ممن الرجل؟ فقال اللهم غفرا، سوء الاكتساب يمنع من الانتساب، وقال النقاش: «يقال معناه ومغفرة للسائل إن أغلظ أو جفا إذا حرم»، ثم أخبر تعالى بغناه عن صدقة من هذه حاله وعاقبة أمره، وحمله عمن يمكن أن يواقع هذا من عبيده وإمهالهم). [المحرر الوجيز: 2/ 60-61]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى} الآية، العقيدة أن السيئات لا تبطل الحسنات، فقال جمهور العلماء في هذه الآية: «إن الصدقة التي يعلم الله في صاحبها أنه يمن أو يؤذي فإنها لا تتقبل صدقة»، وقيل بل جعل الله للملك عليها أمارة فلا يكتبها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا حسن، لأن ما نتلقى نحن عن المعقول من بني آدم فهو أن المن المؤذي ينص على نفسه أن نيته لم تكن لله عز وجل على ما ذكرناه قبل، فلم تترتب له صدقة، فهذا هو بطلان الصدقة بالمنّ والأذى»، والمن والأذى في صدقة لا يبطل صدقة غيرها، إذ لم يكشف ذلك على النية في السليمة ولا قدم فيها، ثم مثل الله هذا الذي يمن ويؤذي بحسب مقدمة نيته بالذي ينفق رئاء لا لوجه الله، والرياء مصدر من فاعل من الرؤية. كأن الرياء تظاهر وتفاخر بين من لا خير فيه من الناس. قال المهدوي: «والتقدير كإبطال الذي ينفق رئاء»، وقوله تعالى: {ولا يؤمن باللّه واليوم الآخر} يحتمل أن يريد الكافر الظاهر الكفر، إذ قد ينفق ليقال جواد وليثنى عليه بأنواع الثناء ولغير ذلك. ويحتمل أن يريد المنافق الذي يظهر الإيمان. ثم مثل هذا المنفق رئاء ب صفوانٍ عليه ترابٌ فيظنه الظانّ أرضا منبتة طيبة كما يظن قوم أن صدقة هذا المرائي لها قدر أو معنى، فإذا أصاب الصفوان وابل من المطر انكشف ذلك التراب وبقي صلدا، فكذلك هذا المرائي إذا كان يوم القيامة وحصلت الأعمال انكشف سره وظهر أنه لا قدر لصدقته ولا معنى. فالمن والأذى والرياء يكشف عن النية. فيبطل الصدقة كما يكشف الوابل الصفا فيذهب ما ظن أرضا. وقرأ طلحة بن مصرف «رياء الناس» بغير همز. ورويت عن عاصم.
والصفوان الحجر الكبير الأملس. قيل هو جمع واحدته صفواته. وقال قوم واحدته صفواة، وقيل هو إفراد وجمعه صفى، وأنكره المبرد وقال: «إنما هو جمع صفا»، ومن هذا المعنى الصفواء والصفا. قال امرؤ القيس:
كميت يزل اللبد عن حال متنه ....... كما زلت الصفواء بالمتنزل
وقال أبو ذؤيب:
حتى كأني للحوادث مروة = بصفا المشقّر كلّ يوم تقرع
وقرأ الزهري وابن المسيب «صفوان» بفتح الفاء، وهي لغة، والوابل الكثير القوي من المطر وهو الذي يسيل على وجه الأرض، والصلد من الحجارة الأملس الصلب الذي لا شيء فيه، ويستعار للرأس الذي لا شعر فيه، ومنه قول رؤبة: برّاق أصلاد الجبين الأجله، قال النقاش: «الصلد الأجرد بلغة هذيل»، وقوله تعالى: {لا يقدرون} يريد به الذين ينفقون رئاء، أي لا يقدرون على الانتفاع بثواب شيء من إنفاقهم ذلك وهو كسبهم، وجاءت العبارة ب يقدرون على معنى الذي. وقد انحمل الكلام قبل على لفظ الذي، وهذا هو مهيع كلام العرب ولو انحمل أولا على المعنى لقبح بعد أن يحمل على اللفظ، وقوله تعالى: {واللّه لا يهدي القوم الكافرين} إما عموم يراد به الخصوص في الموافي على الكفر، وإما أن يراد به أنه لم يهدهم في كفرهم بل هو ضلال محض، وإما أن يريد أنه لا يهديهم في صدقاتهم وأعمالهم وهم على الكفر، وما ذكرته في هذه الآية من تفسير لغة وتقويم معنى فإنه مسند عن المفسرين وإن لم تجىء ألفاظهم ملخصة في تفسير إبطال المن والأذى للصدقة). [المحرر الوجيز: 2/ 61-65]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّةٍ أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلةٍ مائة حبّةٍ واللّه يضاعف لمن يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ (261)}
هذا مثلٌ ضربه اللّه تعالى لتضعيف الثّواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته، وأنّ الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعفٍ، فقال: {مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه} قال سعيد بن جبيرٍ: «في طاعة اللّه». وقال مكحولٌ: «يعني به: الإنفاق في الجهاد، من رباط الخيل وإعداد السّلاح وغير ذلك»، وقال شبيب بن بشرٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «الجهاد والحجّ، يضعف الدّرهم فيهما إلى سبعمائة ضعفٍ؛ ولهذا قال اللّه تعالى: {كمثل حبّةٍ أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلةٍ مائة حبّةٍ}»
وهذا المثل أبلغ في النّفوس، من ذكر عدد السّبعمائة، فإنّ هذا فيه إشارةٌ إلى أنّ الأعمال الصالحٍة ينمّيها اللّه عزّ وجلّ، لأصحابها، كما ينمّي الزّرع لمن بذره في الأرض الطّيّبة، وقد وردت السّنّة بتضعيف الحسنة إلى سبعمائة ضعفٍ، قال الإمام أحمد: حدّثنا زياد بن الرّبيع أبو خداش، حدّثنا واصلٌ مولى ابن عيينة، عن بشّار بن أبي سيفٍ الجرميّ، عن عياض بن غطيفٍ قال: «دخلنا على أبي عبيدة بن الجرّاح نعوده من شكوى أصابه -وامرأته تحيفة قاعدةٌ عند رأسه -قلنا: كيف بات أبو عبيدة؟ قالت: واللّه لقد بات بأجرٍ، قال أبو عبيدة: ما بتّ بأجرٍ، وكان مقبلًا بوجهه على الحائط، فأقبل على القوم بوجهه، وقال: ألا تسألوني عمّا قلت؟ قالوا: ما أعجبنا ما قلت فنسألك عنه، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «من أنفق نفقةً فاضلةً في سبيل اللّه فبسبعمائةٍ، ومن أنفق على نفسه وأهله، أو عاد مريضًا أو ماز أذًى، فالحسنة بعشر أمثالها، والصّوم جنّةٌ ما لم يخرقها، ومن ابتلاه اللّه عزّ وجلّ، ببلاءٍ في جسده فهو له حطّةٌ». وقد روى النّسائيّ في الصّوم بعضه من حديث واصلٍ به، ومن وجهٍ آخر موقوفًا.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن سليمان، سمعت أبا عمرٍو الشّيبانيّ، عن ابن مسعودٍ: «أنّ رجلًا تصدّق بناقةٍ مخطومةٍ في سبيل اللّه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لتأتينّ يوم القيامة بسبعمائة ناقةٍ مخطومةٍ». ورواه مسلمٌ والنّسائيّ، من حديث سليمان بن مهران، عن الأعمش، به. ولفظ مسلمٍ: «جاء رجلٌ بناقةٍ مخطومةٍ، فقال: يا رسول اللّه، هذه في سبيل اللّه. فقال: «لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقةٍ».
حديثٌ آخر: قال أحمد: حدّثنا عمرو بن مجمع أبو المنذر الكنديّ، أخبرنا إبراهيم الهجريّ، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إن اللّه عزّ وجلّ، جعل حسنة ابن آدم بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعفٍ، إلّا الصّوم، والصّوم لي وأنا أجزي به، وللصّائم فرحتان: فرحةٌ عند إفطاره وفرحةٌ يوم القيامة، ولخلوف فم الصّائم أطيب عند اللّه من ريح المسك».
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا وكيع، حدّثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «كلّ عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعفٍ، إلى ما شاء اللّه، يقول اللّه: إلّا الصّوم، فإنّه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشهوته من أجلي، وللصّائم فرحتان: فرحةٌ عند فطره، وفرحةٌ عند لقاء ربّه، ولخلوف فيه أطيب عند اللّه من ريح المسك. الصّوم جنّةٌ، الصّوم جنّةٌ». وكذا رواه مسلمٌ، عن أبي بكر بن أبي شيبة، وأبي سعيدٍ الأشجّ، كلاهما عن وكيعٍ، به.
حديثٌ آخر: قال أحمد: حدّثنا حسين بن عليٍّ، عن زائدة، عن الرّكين، عن يسير بن عميلة عن خريم بن فاتكٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من أنفق نفقةً في سبيل اللّه تضاعف بسبعمائة ضعفٍ».
حديثٌ آخر: قال أبو داود: حدّثنا أحمد بن عمرو بن السّرح، حدّثنا ابن وهبٍ، عن يحيى بن أيّوب وسعيد بن أبي أيّوب، عن زبّان بن فائدٍ، عن سهل بن معاذٍ، عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ الصّلاة والصّيام والذّكر يضاعف على النّفقة في سبيل اللّه سبعمائة ضعفٍ».
حديثٌ آخر: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا هارون بن عبد اللّه بن مروان، حدّثنا ابن أبي فديكٍ، عن الخليل بن عبد اللّه، عن الحسن، عن عمران بن حصينٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من أرسل بنفقةٍ في سبيل اللّه، وأقام في بيته فله بكلّ درهم سبعمائة درهمٍ يوم القيامة ومن غزا في سبيل اللّه، وأنفق في جهة ذلك فله بكلّ درهم سبعمائة ألف درهمٍ». ثمّ تلا هذه الآية: {واللّه يضاعف لمن يشاء} وهذا حديثٌ غريبٌ.
وقد تقدّم حديث أبي عثمان النّهديّ، عن أبي هريرة في تضعيف الحسنة إلى ألفي ألف حسنةٍ، عند قوله: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرةً} [البقرة:245].
حديثٌ آخر: قال ابن مردويه: حدّثنا عبد اللّه بن عبيد اللّه بن العسكريّ البزّاز، أخبرنا الحسن بن عليّ بن شبيبٍ، أخبرنا محمود بن خالدٍ الدّمشقيّ، أخبرنا أبي، عن عيسى بن المسيب، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: «لمّا نزلت هذه الآية: {مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه} قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «ربّ زد أمّتي» قال: فأنزل اللّه: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا} قال: «ربّ زد أمّتي»قال: فأنزل اللّه: {إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حسابٍ} [الزّمر:10].
وقد رواه أبو حاتم ابن حبّان في صحيحه، عن حاجب بن أركين، عن أبي عمر حفص بن عمر بن عبد العزيز المقرئ، عن أبي إسماعيل المؤدّب، عن عيسى بن المسيب، عن نافع، عن ابن عمر، فذكره.
وقوله هاهنا: {واللّه يضاعف لمن يشاء} أي: بحسب إخلاصه في عمله {واللّه واسعٌ عليمٌ} أي: فضله واسعٌ كثيرٌ أكثر من خلقه، عليمٌ بمن يستحقّ ومن لا يستحقّ). [تفسير ابن كثير: 1/ 691-693]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه ثمّ لا يتبعون ما أنفقوا منًّا ولا أذًى لهم أجرهم عند ربّهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون (262) قولٌ معروفٌ ومغفرةٌ خيرٌ من صدقةٍ يتبعها أذًى واللّه غنيٌّ حليمٌ (263) يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى كالّذي ينفق ماله رئاء النّاس ولا يؤمن باللّه واليوم الآخر فمثله كمثل صفوانٍ عليه ترابٌ فأصابه وابلٌ فتركه صلدًا لا يقدرون على شيءٍ ممّا كسبوا واللّه لا يهدي القوم الكافرين (264)}
يمدح تعالى الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه، ثمّ لا يتبعون ما أنفقوا من الخيرات والصّدقات منًّا على من أعطوه، فلا يمنّون على أحدٍ، ولا يمنّون به لا بقولٍ ولا فعلٍ.
وقوله: {ولا أذًى} أي: لا يفعلون مع من أحسنوا إليه مكروهًا يحبطون به ما سلف من الإحسان. ثمّ وعدهم تعالى الجزاء الجزيل على ذلك، فقال: {لهم أجرهم عند ربّهم} أي: ثوابهم على اللّه، لا على أحدٍ سواه {ولا خوفٌ عليهم} أي: فيما يستقبلونه من أهوال يوم القيامة {ولا هم يحزنون} أي: على ما خلّفوه من الأولاد وما فاتهم من الحياة الدّنيا وزهرتها لا يأسفون عليها؛ لأنّهم قد صاروا إلى ما هو خيرٌ لهم من ذلك). [تفسير ابن كثير: 1/ 693]

تفسير قوله تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {قولٌ معروفٌ} أي: من كلمةٍ طيّبةٍ ودعاءٍ لمسلمٍ {ومغفرة} أي: غفر عن ظلمٍ قوليٍّ أو فعليٍّ {خيرٌ من صدقةٍ يتبعها أذًى}
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا ابن نفيلٍ قال: قرأت على معقل بن عبيد اللّه، عن عمرو بن دينارٍ قال: بلغنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ما من صدقةٍ أحبّ إلى اللّه من قولٍ معروفٍ، ألم تسمع قوله: {قولٌ معروفٌ ومغفرةٌ خيرٌ من صدقةٍ يتبعها أذًى}»، {واللّه غنيٌّ} أي: عن خلقه، {حليمٌ} أي: يحلم ويغفر ويصفح ويتجاوز عنهم). [تفسير ابن كثير: 1/ 693]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقد وردت الأحاديث بالنّهي عن المنّ في الصّدقة، ففي صحيح مسلمٍ، من حديث شعبة، عن الأعمش عن سليمان بن مسهر، عن خرشة بن الحر، عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلّمهم اللّه يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكّيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ: المنّان بما أعطى، والمسبل إزاره، والمنفّق سلعته بالحلف الكاذب».
وقال ابن مردويه: حدّثنا أحمد بن عثمان بن يحيى، أخبرنا عثمان بن محمّدٍ الدّوريّ، أخبرنا هشيم بن خارجة، أخبرنا سليمان بن عقبة، عن يونس بن ميسرة، عن أبي إدريس، عن أبي الدّرداء، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لا يدخل الجنّة عاقٌّ، ولا منّانٌ، ولا مدمن خمرٍ، ولا مكذب بقدر»، وروى أحمد وابن ماجه، من حديث يونس بن ميسرة نحوه.
ثمّ روى ابن مردويه، وابن حبّان، والحاكم في مستدركه، والنّسائيّ من حديث عبد اللّه بن يسارٍ الأعرج، عن سالم بن عبد اللّه بن عمر، عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ثلاثةٌ لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة: العاقّ لوالديه، ومدمن الخمر، والمنّان بما أعطى».
وقد روى النّسائيّ، عن مالك بن سعدٍ، عن عمّه روح بن عبادة، عن عتّاب بن بشيرٍ، عن خصيفٍ الجزريّ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لا يدخل الجنّة مدمن خمرٍ، ولا عاقٌّ لوالديه، ولا منّانٌ».
وقد رواه ابن أبي حاتمٍ، عن الحسن بن المنهال عن محمّد بن عبد اللّه بن عمّارٍ الموصليّ، عن عتّابٍ، عن خصيف، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ.
ورواه النّسائيّ من حديث، عبد الكريم بن مالكٍ الجزريّ، عن مجاهدٍ، قوله. وقد روي عن مجاهدٍ، عن أبي سعيدٍ وعن مجاهدٍ، عن أبي هريرة، نحوه. ولهذا قال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى} فأخبر أنّ الصّدقة تبطل بما يتبعها من المنّ والأذى، فما يفي ثواب الصّدقة بخطيئة المنّ والأذى.
ثمّ قال تعالى: {كالّذي ينفق ماله رئاء النّاس} أي: لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى، كما تبطل صدقة من راءى بها النّاس، فأظهر لهم أنّه يريد وجه اللّه وإنّما قصده مدح النّاس له أو شهرته بالصّفات الجميلة، ليشكر بين النّاس، أو يقال: إنّه كريمٌ ونحو ذلك من المقاصد الدّنيويّة، مع قطع نظره عن معاملة اللّه تعالى وابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه؛ ولهذا قال: {ولا يؤمن باللّه واليوم الآخر}
ثمّ ضرب تعالى مثل ذلك المرائي بإنفاقه -قال الضّحّاك: «والّذي يتبع نفقته منًّا أو أذًى -فقال: {فمثله كمثل صفوانٍ} وهو جمع صفوانة»، ومنهم من يقول: الصّفوان يستعمل مفردًا أيضًا، وهو الصّفا، وهو الصّخر الأملس {عليه ترابٌ فأصابه وابلٌ} وهو المطر الشّديد {فتركه صلدًا} أي: فترك الوابل ذلك الصّفوان صلدًا، أي: أملس يابسًا، أي: لا شيء عليه من ذلك التّراب، بل قد ذهب كلّه، أي: وكذلك أعمال المرائين تذهب وتضمحلّ عند اللّه وإن ظهر لهم أعمالٌ فيما يرى النّاس كالتّراب؛ ولهذا قال: {لا يقدرون على شيءٍ ممّا كسبوا واللّه لا يهدي القوم الكافرين}). [تفسير ابن كثير: 1/ 693-694]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:44 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة