العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ربيع الثاني 1434هـ/20-02-2013م, 12:10 AM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (258) إلى الآية (260) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (258) إلى الآية (260) ]

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) }


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 07:31 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن الكلبي وقتادة في قوله ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه قالا هو جبار اسمه نمرود وهو أول من تجبر في الأرض فحاج إبراهيم في ربه أن آتاه الملك أي أن آتى الله الجبار الملك وإذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت فقال ذلك الجبار فأنا أحيي وأميت يقول أنا أقتل من شئت وأحيي من شئت). [تفسير عبد الرزاق: 1/103]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا بكار بن عبد الله قال سمعت وهب بن منبه يحدث قال لما خرج أو قال برز طالوت لجالوت قال جالوت أبرزوا إلي من يقاتلني فإن قتلني فلكم ملكي وإن قتلته فلي ملككم فأتى داود إلى طالوت فقاضاه إن قتله بأن ينكحه ابنته ويحكمه في ملكه قال فألبسه طالوت سلاحه فكرة داود أن يقاتله بسلاح وقال إن الله لم ينصرني عليه لم يغن السلاح شيئا فخرج إليه بالمقلاع وبمخلاة فيها أحجاره ثم برز إليه فقال جالوت أنت تقاتلني قال داود نعم قال ويلك ما خرجت إلي إلا كما يخرج للكلب بالمقلاع والحجارة لأبددن لحمك ولأطعمنه اليوم السباع والطير فقال له داود بل أنت عدو الله شر من الكلب فأخذ داود حجرا فرماه بالمقلاع فأصاب بين عينية حتى نفذت في
[تفسير عبد الرزاق: 1/103]
دماغه فصرع جالوت وانهزم من معه واحتز داود رأسه فلما رجعوا إلى طالوت ادعى الناس قتل جالوت فمنهم من يأتي بالسيف وبالشيء من سلاحه أو جسده وخبأ داود رأسه فقال طالوت من جاء برأسه فهو الذي قتله فجاء به داود ثم قال لطالوت أعطني ما وعدتني فندم طالوت على ما شرط له وقال إن بنات الملوك لا بد لهن من صداق وأنت رجل جريء شجاع فاجعل لها صداقا ثلاث مائة غلفة من أعدائنا وكان يرجو بذلك أن يقتل داود فغزا داود فأسر ثلاث مائة وقطع غلفهم وجاء بها فلم يجد طالوت بدا من أن يزوجه فزوجه ثم أدركته الندامة فأراد قتل داود فهرب منه إلى الجبل فنهض إليه طالوت فحاصره فلما كان ذات ليلة سلط النوم على طالوت وحرسه فهبط إليهم داود فأخذ إبريق طالوت الذي يشرب به ويتوضأ وقطع شعيرات من لحيته وشيئا من هدب ثيابه ثم رجع داود إلى مكانه فناداه أن تعاهد حرسك فإني لو شئت أن أقتلك البارحة فعلت بآية أن هذا إبريقك وشيء من شعر لحيتك وهدب ثيابك وبعث به إليه فعلم طالوت أنه لو شاء قتله فعطفه ذلك عليه فأمنه وعاهده الله ألا يرى منه بأسا ثم انصرف ثم كان في آخر أمر طالوت أنه كان يدس لقتله وكان طالوت لا يقاتل عدوا إلا هزم حتى مات قال بكار وسئل وهب وأنا أسمع أنبيا كان طالوت يوحى إليه
[تفسير عبد الرزاق: 1/104]
فقال لا لم يأته وحي ولكن كان معه نبي يوحى إليه يقال له اسمويل يوحى إليه هو الذي ملك طالوت). [تفسير عبد الرزاق: 1/105]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (حديث نمرود
نا معمر عن زيد بن أسلم أن أول جبار كان في الأرض نمرود قال وكان الناس يخرجون يمتارون من عنده الطعام فخرج إبراهيم يمتار مع من يمتار قال فإذا مر به الناس قال من ربكم قالوا أنت حتى مر به إبراهيم قال من ربك قال الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر قال فرده بغير طعام قال فرجع إبراهيم إلى أهله فمر على كثيب رمل أعفر فقال ألا آخذ من هذا فآتي به أهلي فتطيب نفوسهم حين أدخل عليهم فأخذ منه فأتى أهله قال فوضع متاعه ثم نام قال فقامت امرأته إلى متاعه ففتحته فإذا هو بأجود طعام رآه أحد فصنعت له منه فقربته إليه وكان عهده بأهله أنه ليس عندهم طعام فقال من أين هذا فقالت من الطعام الذي جئت به فعرف أن الله زرقة فحمد الله ثم بعث الله تعالى إلى الجبار ملكا أن آمن بي وأتركك على ملكك قال فهل رب غيري قال فجاءه الثانية فقال له ذلك فأبى عليه ثم أتاه الثالثة فأبى عليه فقال له الملك فاجمع جموعك إلى ثلاثة أيام فجمع الجبار جموعه
[تفسير عبد الرزاق: 1/105]
قال فأمر الله الملك ففتح عليه بابا من البعوض قال فطلعت الشمس فلم يروها من كثرها قال فبعثها الله تعالى عليهم فأكلت لحومهم وشربت دماءهم فلم تبق إلا العظام والملك كما هو لم يصبه من ذلك شيء قال فبعث الله عليه بعوضة فدخلت في منخره فمكث أربع مائة سنة يضرب رأسه بالمطارق وأرحم الناس به من جمع يديه ثم ضرب بهما رأسه وكان جبارا أربع مائه سنة فعذبه الله أربع مائة سنة كملكه ثم أماته الله وهو الذي كان بنى صرحا إلى السماء فأتى الله بنيانه من القواعد وهو الذي قال الله تبارك وتعالى فأتى الله بنيانهم من القواعد). [تفسير عبد الرزاق: 1/106]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (يقال {بسطةً} [البقرة: 247]: «زيادةً وفضلًا» ، {أفرغ} [البقرة: 250]: «أنزل» ، {ولا يئوده}: «لا يثقله، آدني أثقلني، والآد والأيد القوّة» السّنة: «نعاسٌ» {يتسنّه} [البقرة: 259]: «يتغيّر» ، {فبهت} [البقرة: 258]: «ذهبت حجّته»). [صحيح البخاري: 6/31] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (قوله " فبهت ذهبت حجّته " أشار به إلى قوله تعالى {فبهت الّذي كفر والله لا يهدي القوم الظّالمين} وفسّر بهت بقوله ذهبت حجّته أي حجّة نمرود عليه اللّعنة وبهت على صيغة المجهول وقرئ فبهت الّذي كفر على صيغة المعلوم أي غلب إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام الكافر وقرأ أبو حيوة فبهت بفتح الباء وضم الهاء). [عمدة القاري: 18/127]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه اللّه الملك}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه} ألم تر يا محمّد بقلبك الّذي حاجّ إبراهيم؟ يعني الّذي خاصم إبراهيم، يعني إبراهيم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في ربّه، {أن آتاه اللّه الملك} يعني بذلك: حاجّه فخاصمه في ربّه، لأنّ اللّه آتاه الملك.
وهذا تعجيبٌ من اللّه تعالى ذكره نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، من الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه، ولذلك أدخلت إلى في قوله: {ألم تر إلى الّذي حاجّ} وكذلك تفعل العرب إذا أرادت التّعجيب من رجلٍ في بعض ما أنكرت من فعله، قالوا: ما ترى إلى هذا؟ والمعنى: هل رأيت مثل هذا، أو كهذا؟
[جامع البيان: 4/567]
وقيل: إنّ الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه جبارٌ كان ببابل يقال له نمروذ بن كنعان بن كوش بن سام بن نوحٍ، وقيل: إنّه نمروذ بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوحٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ألم تر إلى الّذي حاجّ} إبراهيم في ربّه أن آتاه اللّه الملك قال: هو نمرود بن كنعان.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، عن سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، مثله حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن النّضر بن عديٍّ، عن مجاهدٍ، مثله.
[جامع البيان: 4/568]
- حدّثنا ابن وكيع، قال: حدّثنا أبى، عن النضر بن العربى، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ألم تر إلى الّذي حاجّ} إبراهيم في ربّه قال: كنّا نتحدّث أنّه ملكٌ يقال له نمرود، وهو أوّل ملكٍ تجبّر في الأرض، وهو صاحب الصّرح ببابل.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قال: هو جبار اسمه نمروذ، وهو أوّل ملكٍ تجبّر في الأرض حاجّ إبراهيم في ربّه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه اللّه الملك} قال: ذكر لنا أنّ الّذي حاجّ إبراهيم كان ملكًا يقال له نمروذ، وهو أوّل جبارٍ تجبّر في الأرض، وهو صاحب الصّرح ببابل.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: هو نمروذ بن كنعان.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: هو نمروذ.
[جامع البيان: 4/569]
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، مثله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، قال: أخبرني زيد بن أسلم، بمثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، أنّه سمع مجاهدًا، يقول: هو نمروذ قال ابن جريجٍ: هو نمروذ، ويقال: إنّه أوّل ملكٍ في الأرض). [جامع البيان: 4/570]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إذ قال إبراهيم ربّي الّذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الّذي كفر واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}.
يعني تعالى ذكره بذلك: ألم تر يا محمّد إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه حين قال له إبراهيم: ربّي الّذي يحيي ويميت، يعني بذلك: ربّي الّذي بيده الحياة والموت يحيي من يشاء ويميت من أراد بعد الإحياء، قال: أنا أفعل ذلك، فأحيي وأميت، استحيي من أريد قتله، فلا أقتله، فيكون ذلك منّي إحياءً له. وذلك عند العرب يسمّى إحياءً، كما قال تعالى ذكره: {ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعًا} وأقتل آخر فيكون ذلك منّي إماتةً له، قال إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم: فإنّ اللّه الّذي هو ربّي يأتي بالشّمس من مشرقها، فأت بها إن كنت صادقًا أنّك إلهٌ من مغربها، قال اللّه تعالى ذكره: {فبهت الّذي كفر} يعني انقطع وبطلت حجّته.
[جامع البيان: 4/570]
يقال منه: بهت يبهت بهتًا، وقد حكي عن بعض العرب أنّها تقول بهذا المعنى: بهت، ويقال: بهت الرّجل إذا افتريت عليه كذبًا بهتًا أو بهتانًا وبهاتةً، وقد روي عن بعض القرّاء أنّه قرأ: فبهت الّذي كفر بمعنى: فبهت إبراهيم الّذي كفر.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {إذ قال إبراهيم ربّي الّذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت} وذكر لنا أنّه دعا برجلينٍ، فقتل أحدهما، واستحيا الآخر، فقال: أنا أحيي وأميت، إنى أستحيي من شئت وأقتل من شئت، قال إبراهيم عند ذلك: {فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الّذي كفر واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: أنا أحيي، وأميت: أقتل من شئت وأستحيي من شئت، أدعه حيًّا فلا أقتله، وقال: ملك الأرض مشرقها ومغربها أربعة نفرٍ مؤمنان وكافران، فالمؤمنان: سليمان بن داود، وذو القرنين، والكافران: بختنصّر ونمرود بن كنعان، لم يملكها غيرهم.
[جامع البيان: 4/571]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن زيد بن أسلم: إن أوّل جبارٍ كان في الأرض نمروذ، فكان النّاس يخرجون فيمتارون من عنده الطّعام، فخرج إبراهيم يمتار مع من يمتار، فإذا مرّ به ناسٌ قال: من ربّكم؟ قالوا: أنت حتّى مرّ إبراهيم، قال: من ربّك؟ قال: الّذي يحيي ويميت، قال أنا أحيي وأميت، {قال إبراهيم فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الّذي كفر} قال: فردّه بغير طعامٍ، قال: فرجع إبراهيم إلى أهله فمرّ على كثيبٍ أعفر، فقال: ألا آخذ من هذا فآتي به أهلي فتطيب أنفسهم حين أدخل عليهم؟ فأخذ منه فأتى أهله، قال: فوضع متاعه ثمّ نام، فقامت امرأته إلى متاعه، ففتحته، فإذا هي بأجود طعامٍ راه أحد، فصنعت له منه، فقرّبته إليه، وكان عهده أهله ليس عندهم طعامٌ، فقال: من أين هذا؟ قالت: من الطّعام الّذي جئت به، فعلم أنّ اللّه رزقه، فحمد اللّه، ثمّ بعث اللّه إلى الجبّار ملكًا أن آمن بي وأتركك على ملكك قال: وهل ربٌّ غيري؟ فجاءه الثّانية، فقال له ذلك، فأبى عليه، ثمّ أتاه الثّالثة فأبى عليه، فقال له الملك: اجمع جموعك إلى ثلاثة أيّامٍ، فجمع الجبّار جموعه،
[جامع البيان: 4/572]
فأمر اللّه الملك، ففتح عليه بابًا من البعوض، فطلعت الشّمس، فلم يروها من كثرتها، فبعثها اللّه عليهم فأكلت لحومهم، وشربت دماءهم، فلم يبق إلاّ العظام، والملك كما هو لم يصبه من ذلك شيءٌ. فبعث اللّه عليه بعوضةً، فدخلت في منخره، فمكث أربعمائة سنةٍ يضرب رأسه بالمطارق، وأرحم النّاس به من جمع يديه وضرب بهما رأسه، وكان جبّارًا أربع مائة عامٍ، فعذّبه اللّه أربعمائة سنةٍ كملكه، ثمّ أماته اللّه، وهو الّذي بنى صرحًا إلى السّماء فأتى اللّه بنيانه من القواعد وهو الّذي قال اللّه: {فأتى اللّه بنيانهم من القواعد}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، في قول اللّه: {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه} قال: هو نمروذ كان بالموصل والنّاس يأتونه، فإذا دخلوا عليه قال: من ربّكم؟ فيقولون: أنت، فيقول: أميروهم، فلمّا دخل إبراهيم، ومعه بعيرٌ خرج يمتار به لولده قال: فعرضهم كلّهم، فيقول: من ربّكم؟ فيقولون: أنت، فيقول: ميروهم حتّى عرض إبراهيم مرّتين، فقال: من ربّك؟ قال: ربّي الّذي يحيي ويميت، قال: أنا أحيي وأميت، إن شئت قتلتك فأمتّك، وإن شئت استحييتك {قال إبراهيم فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الّذي كفر واللّه لا يهدي القوم الظّالمين} قال: أخرجوا هذا عني فلا تميروه شيئًا، فخرج القوم كلّهم قد امتاروا وجوالقا إبراهيم يصطفقان،
[جامع البيان: 4/573]
قال: حتّى إذا نظر إلى سواد جبال أهله، قال: ليحزنني صبيّي إسماعيل وإسحاق، لو أنّي ملأت هذين الجوالقين من هذه البطحاء فذهبت بهما قرّت عينا صبيّيّ، حتّى إذا كان اللّيل أهرقته، قال: فملأهما ثمّ خيّطهما، ثمّ جاء بهما، فنزا عليه الصّبيان فرحًا، وألقى رأسه في حجر سارة ساعةً، ثمّ قالت: ما يجلسني؟ قد جاء إبراهيم تعبًا لغبًا، لو قمت فصنعت له طعامًا إلى أن يقوم، قال: فأخذت وسادةً فأدخلتها مكانها، وانسلّت قليلاً قليلاً لئلاّ توقظه، قال: فجاءت إلى إحدى الغرارتين ففتقتها، فإذا حواريّ من النّقيّ لم يروا مثله عند أحدٍ قطّ، فأخذت منه عجنته وصنعته، فلمّا أتت توقظ إبراهيم جاءته حتّى وضعته بين يديه، فقال: أيّ شيءٍ هذا يا سارة؟ قالت: من جوالقك، لقد جئت وما عندنا قليلٌ ولا كثيرٌ، قال: فذهب ينظر إلى الجوالق الآخر فإذا هو مثله، فعرف من أين ذاك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ،
[جامع البيان: 4/574]
عن أبيه، عن الرّبيع، قال: لمّا قال له إبراهيم: {ربّي الّذي يحيي ويميت}، قال هو يعني نمروذ: فأنا أحيي وأميت، فدعا برجلين، فاستحيا أحدهما، وقتل الآخر، قال: أنا أحيي وأميت، إنى أستحيي من شئت، فقال إبراهيم: {فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الّذي كفر واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: لمّا خرج إبراهيم من النّار، أدخلوه على الملك، ولم يكن قبل ذلك دخل عليه فكلّمه، وقال له: من ربّك؟؟ قال: ربّي الّذي يحيي ويميت، قال نمروذ: أنا أحيي وأميت، أنا اخذ أربعة نفرٍ فأدخلهم بيتًا، فلا يطعمون ولا يسقون، حتّى إذا هلكوا من الجوع أطعمت اثنين وسقيتهما فعاشا، وتركت اثنين فماتا، فعرف إبراهيم أنّ له قدرةً بسلطانه وملكه على أن يفعل ذلك، قال له إبراهيم: فإنّ الله يأتي بالشّمس من المشرق، فأت بها من المغرب، فبهت الّذي كفر، وقال: إنّ هذا إنسانٌ مجنونٌ، فأخرجوه، ألا ترون أنّه من جنونه اجترأ على آلهتكم فكسّرها، وأنّ النّار لم تأكله؟ وخشي أن يفتضح في قومه أعنّي نمروذ وهو قول اللّه تعالى ذكره: {وتلك حجّتنا آتيناها إبراهيم على قومه} فكان يزعم أنّه ربٌّ، وأمر بإبراهيم فأخرج.
[جامع البيان: 4/575]
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، أنّه سمع مجاهدًا، يقول: قال: {أنا أحيي وأميت} أحيي فلا أقتل، وأميت من قتلت، قال ابن جريجٍ: كان أتى برجلينٍ، فقتل أحدهما، وترك الآخر، فقال: أنا أحيي وأميت، قال: أقتل فأميت من قتلت، وأحيي، قال: أستحيي فلا أقتل.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: ذكر لنا واللّه أعلم أنّ نمروذ قال لإبراهيم فيما يقول: أرأيت إلهك هذا الّذي تعبده، وتدعو إلى عبادته، وتذكر من قدرته الّتي تعظّمه بها على غيره، ما هو؟ قال له إبراهيم: ربّي الّذي يحيي ويميت قال نمروذ: فأنا أحيي وأميت فقال له إبراهيم: كيف تحيي وتميت؟ قال: آخذ رجلين قد استوجبا القتل في حكمي، فأقتل أحدهما فأكون قد أمتّه، وأعفو عن الآخر فأتركه وأكون قد أحييته فقال له إبراهيم عند ذلك: فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق، فأت بها من المغرب، أعرف أنّه كما تقول فبهت عند ذلك نمروذ، ولم يرجع إليه شيئًا، وعرف أنّه لا يطيق ذلك يقول تعالى ذكره: {فبهت الّذي كفر} يعني وقعت عليه الحجّة، يعني نمروذ). [جامع البيان: 4/576]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله جلّ ثناؤه: {واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}.
يعني جلّ ثناؤه بذلك: واللّه لا يهدي أهل الكفر به إلى حجّةٍ يدحضون بها حجج أهل الحقّ عند المحاجّة والمخاصمة؛ لأنّ أهل الباطل حججهم داحضةٌ
[جامع البيان: 4/576]
وقد بيّنّا أنّ معنى الظّلم: وضع الشّيء في غير موضعه، والكافر وضع جحوده ما جحد في غير موضعه، فهو بذلك من فعله ظالمٌ لنفسه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال ابن إسحاق،
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق: {واللّه لا يهدي القوم الظّالمين} أي لا يهديهم في الحجّة عند الخصومة لما هم عليه من الضّلالة). [جامع البيان: 4/577]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه اللّه الملك إذ قال إبراهيم ربّي الّذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الّذي كفر واللّه لا يهدي القوم الظّالمين (258)
قوله تعالى: ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، عن سماك بن حربٍ أخبرني رجلٌ من بني أسدٍ، قال: سمعت عليًّا يقول: الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه:
نمرود بن كنعان.
وروي عن مجاهدٍ وعكرمة والحسن وقتادة، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/498]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: أن آتاه اللّه الملك
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أبنا عبد الرّزّاق أبنا معمرٌ عن قتادة، في قوله: ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه اللّه الملك أن آتاه اللّه الجبّار الملك، وقال: هو جبّارٌ، اسمه نمروذ بن كنعان، وهو أوّل من تجبّر في الأرض، حاجّ إبراهيم في ربّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/498]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: إذ قال إبراهيم ربّي الّذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ بن طلحة، ثنا أسباط، عن السدي،
[تفسير القرآن العظيم: 2/498]
قال: وأخرجوا إبراهيم- يعني من النّار- فأدخلوه على الملك، ولم يكن قبل ذلك دخل عليه، فكلّمه وقال: من ربّك؟ قال: ربّي الّذي يحيي ويميت. قال نمرود: أنا أحيي وأميت، أنا آخذ أربعة نفرٍ، فأدخلهم بيتًا، فلا يطعموا ولا يسقوا، حتّى إذا هلكوا من الجوع، أطعمت اثنين وسقيتهما، فعاشا، وتركت الاثنين، فماتا فعرف إبراهيم أنّ له قدرةً وتسليطًا في ملكه على أن يفعل ذلك. قال له إبراهيم فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الّذي كفر وقال: إن هذ إنسانٌ مجنونٌ، فأخرجوه ألا ترون أنّه مجنونٌ، اجترأ على آلهتكم فكسّرها، وأنّ النّار لم تأكله. وخشي أن يفتضح في قومه.
- حدّثنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، أبنا حفص بن عمر، ابنا الحكم بن أبان، عن عكرمة في قوله: أنا أحيي وأميت يقول: أنا أقتل من شئت، وأترك من شئت.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أبنا عبد الرزاق ابنا معمرٌ، عن زيد بن أسلم أنّ أوّل جبّارٍ كان في الأرض نمروذٌ، وكان النّاس يخرجون فيمتارون من عنده الطّعام. قال: فخرج إبراهيم، يمتار مع من يمتار، فإذا مرّ به ناسٌ قال: من ربّكم؟
قالوا: أنت. حتّى مرّ به إبراهيم. قال: من ربّك؟ قال: الّذي يحيي ويميت. قال أنا أحيي وأميت. قال إبراهيم: فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الّذي كفر فردّه بغير طعامٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/499]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فبهت الّذي كفر
- أخبرنا عمرو بن ثورٍ القيساريّ فيما كتب إليّ ثنا الفريابيّ، قال: قال:
سفيان، قوله: فبهت الّذي كفر قال: فسكت، فلم يجبه بشيءٍ.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عيسى وعبد الرّحمن بن سلمة قالا ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، يقول اللّه تبارك وتعالى: فبهت الّذي كفر يقول: وقعت عليه الحجّة يعني: نمروذ. وبه في قوله: واللّه لا يهدي القوم الظّالمين أي: لا يهديهم في الحجّة عند الخصومة، بما هم عليه من الضلالة). [تفسير القرآن العظيم: 1/499]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه قال هو نمروذ بن كنعان
[تفسير مجاهد: 115]
- نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فصرهن إليك قال يقول انتفهن بريشهن ولحومهن ومزقهن تمزيقا). [تفسير مجاهد: 116]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج الطيالسي، وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال: الذي حاج إبراهيم في ربه هو نمرود بن كنعان.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد وقتادة والربيع والسدي، مثله.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن زيد بن أسلم أن أول جبار كان في الأرض نمرود وكان
[الدر المنثور: 3/204]
الناس يخرجون يمتارون من عنده الطعام فخرج إبراهيم عليه السلام يمتار مع من يمتار فإذا مر به ناس قال: من ربكم قالوا له: أنت، حتى مر به إبراهيم فقال: من ربك: قال: الذي يحيي ويميت، قال: أنا أحيي وأميت، قال إبراهيم: فان الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، فبهت الذي كفر فرده بغير طعام فرجع إبراهيم إلى أهله فمر على كثيب من رمل أعفر فقال: ألا آخذ من هذا فآتي به أهلي فتطيب أنفسهم حين أدخل عليهم فأخذ منه فأتى أهله فوضع متاعه ثم نام
فقامت امرأته إلى متاعه ففتحته فإذا هو بأجود طعام رآه أحد فصنعت له منه فقربته إليه وكان عهده بأهله أنه ليس عندهم طعام فقال: من أين هذا قالت من الطعام الذي جئت به، فعرف أن الله رزقه فحمد الله، ثم بعث الله إلى الجبار ملكا أن آمن بي وأنا أتركك على ملكك فهل رب غيري فأبى فجاءه الثانية فقال له ذلك فأبى عليه ثم أتاه الثالثة فأبى عليه فقال له الملك: فاجمع جموعك إلى ثلاثة أيام فجمع الجبار جموعه فأمر الله الملك ففتح عليه بابا من البعوض فطلعت الشمس فلم يروها من كثرتها فبعثها الله عليهم فأكلت شحومهم وشربت دماءهم فلم يبق إلا العظام والملك كما هو لم يصبه من ذلك شيء فبعث الله عليه بعوضة فدخلت في منخره فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق وأرحم الناس به من جمع يديه ثم ضرب بهما رأسه
[الدر المنثور: 3/205]
وكان جبارا أربعمائة سنة فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه ثم أماته الله وهو الذي كان بنى صرحا إلى السماء فأتى الله بنيانه من القواعد.
وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جرير عن ابن عباس في قوله {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم} قال: نمرود بن كنعان يزعمون أنه أول من ملك في الأرض أتى برجلين قتل أحدهما وترك الآخر، فقال: أنا أحيي وأميت، قال: أستحيي: أترك من شئت وأميت: أقتل من شئت.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: كنا نحدث أنه ملك يقال له نمرود بن كنعان وهو أول ملك تجبر في الأرض وهو صاحب الصرح ببابل ذكر لنا أنه دعا برجلين فقتل أحدهما واستحيا الآخر فقال: أنا أستحيي من شئت وأقتل من شئت.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {قال أنا أحيي وأميت} قال: أقتل من شئت وأستحيي من شئت أدعه حيا فلا أقتله وقال: ملك الأرض مشرقها ومغربها أربعة نفر: مؤمنان وكافران فالمؤمنان: سليمان بن داوود وذو القرنين والكافران: بختنصر ونمرود بن كنعان لم يملكها غيرهم
[الدر المنثور: 3/206]
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن السدي قال: لما خرج إبراهيم من النار أدخلوه على الملك ولم يكن قبل ذلك دخل عليه فكلمه وقال له: من ربك قال: ربي الذي يحيي ويميت، قال نمرود: أنا أحيي وأميت أنا أدخل
أربعة نفر بيتا فلا يطعمون ولا يسقون حتى إذا هلكوا من الجوع أطعمت اثنين وسقيتهما فعاشا وتركت اثنين فماتا فعرف إبراهيم أنه يفعل ذلك قال له: فإن ربي الذي يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر وقال: إن هذا إنسان مجنون فأخرجوه ألا ترون أنه من جنونه اجترأ على آلهتكم فكسرها وأن النار لم تأكله وخشي أن يفتضح في قومه.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي {والله لا يهدي القوم الظالمين} قال: إلى الإيمان). [الدر المنثور: 3/207]

تفسير قوله تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرنا ابن أبي الزّناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابتٍ قال: كان زيد بن ثابتٍ يقرأ: {وانظر إلى العظام كيف ننشزها}، بالزاء.
قال ابن أبي الزناد: وسمعت أبا جعفر القاري يقرأها بالراء.
[الجامع في علوم القرآن: 3/56]
...
قال ابن أبي الزّناد: وكان أبي يحدّث عن أبانٍ عن زيد بن ثابتٍ: ينشزها، وذرية). [الجامع في علوم القرآن: 3/57]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول إن أرميا لما خرب بيت المقدس وحرقت الكتب وقف في ناحية الجبل قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم رد الله من رد من بني إسرائيل على رأس سبعين سنة من حين أماته الله فعمروها ثلاثين سنة تمام المائة فلما تمت المائة رد الله روحه وقد عمرت وهي على حالها الأولى قال فجعل ينظر إلى العظام كيف تلتئم بعضها إلى بعض ثم نظر إلى العظام تكسى عصبا ولحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير فقال الله تعالى فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه قال و كان طعامه تينا في مكتل وقلة فيها ماء قال ثم سلط الله عليهم الوصب فلما أراد أن يرد عليهم التابوت أوحى الله تعالى إلى نبي من أنبيائهم إما دانيال وإما غيره إن كنتم تريدون أن يرفع الله عنكم المرض فأخرجوا عنكم هذا التابوت قالوا بآية ماذا قال بآية أنكم تأتون ببقرتين صعبتين لم تعملا عملا قط فإذا نظرتا إليها وضعتا بأعناقهما للنير حتى يشد عليهما ثم يشد التابوت على عجل ثم يعلق على البقرتين ثم تخليان فتسيران من حيث يريد الله أن يبلغها ففعلوا ذلك ووكل الله بهما أربعة من الملائكة يسوقونها فسارت البقرتان بها سيرا
[تفسير عبد الرزاق: 1/99]
سريعا حتى إذا بلغتا طرف القدس كسرتا سيرهما وقطعتا حبالهما وتركتاها وذهبتا فنزل إليها داود ومن معه فلما رأى داود التابوت حجل إليها فرحا بها قال فقلنا لوهب بن منبه ما حجل إليها قال شبيها بالرقص فقالت له امرأته لقد خففت حتى كاد الناس أن يمقتوك لما صنعت فقال أتبطئيني عن طاعة ربي لا تكونين لي زوجة بعدها أبدا ففارقها). [تفسير عبد الرزاق: 1/100]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى أنى يحيي هذه الله بعد موتها قال هو عزير مر على قرية خربة فتعجب فقال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله أول النهار فلبث مائة عام ثم بعثه في آخر النهار فقال كم لبثت قال يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام). [تفسير عبد الرزاق: 1/106]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى لم يتسنه قال لم يتغير). [تفسير عبد الرزاق: 1/106]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (سمعت هشام بن حسان يحدث عن محمد بن سيرين أن زيد بن ثابت كان يقرؤها كيف ننشزها). [تفسير عبد الرزاق: 1/106]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة والحسن في قوله تعالى كيف ننشزها ثم نكسوها لحما قال بلغنا أن أول ما خلق من عزير خلق عيناه فكان ينظر إلى عظامه كيف يجتمع إليه وإلى لحمه). [تفسير عبد الرزاق: 1/107]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: قال سمعت ابن عباس يقول فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير قال إنما قيل له ذلك). [تفسير عبد الرزاق: 1/107]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعبٍ الأسديّ قال: هو عزيرٌ أتى خزّازًا فدنا منه فقال له عذير: وهل تعرفني؟ قال: ما أعرف ولكن أشبّهك رجلًا عندنا يقال له عزير). [تفسير الثوري: 71]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن الأعمش عن المنهال بن عمرو في قوله: {ولنجعلك آيةً للنّاس} قال: جاء وولده أشياخٌ وهو شاب [الآية: 259]). [تفسير الثوري: 72]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن أبي إسحاق عن أبي هلالٍ التّغلبيّ أنّ ابن عباس كان يقرءوها (انظر إلى العظام كيف ينشرها) [الآية: 259]). [تفسير الثوري: 72]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها قال أنّى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة عامٍ ثمّ بعثه}
إلى قوله تعالى: {قال أعلم أنّ الله على كلّ شيءٍ قديرٌ} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا حزم بن أبي حزم، قال: سمعت الحسن يقول في هذه الآية: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها قال أنّى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة عامٍ ثمّ بعثه}، قال: ذكر لنا أنّه أميت ضحوة، وبعث حين سقطت الشّمس قبل أن تغرب، فقال: {كم لبثت قال لبثت يومًا أو بعض يومٍ قال بل لبثت مئة عامٍ فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آيةً للنّاس}، وإنّ (حمارك) لنحييه، وإنّ طعامك وشرابك، قد منع اللّه - عزّ وجلّ - منه السّباع {وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحمًا} ؛ لقد ذكر لي
[سنن سعيد بن منصور: 3/965]
أنّ أوّل ما خلق اللّه - عزّ وجلّ - منه عينيه، فجعل ينظر بهما إلى عظمٍ عظمٍ كيف يرجع إلى مكانه {فلمّا تبيّن له قال أعلم أنّ الله على كلّ شيءٍ قديرٌ}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، قال: كان ابن عبّاسٍ يقرأ: {قال أعلم أنّ الله على كلّ شيءٍ قديرٌ} ويقول: لم يكن بأفضل من إبراهيم، قال اللّه: {أعلم أنّ الله على كلّ شيءٍ قديرٌ}.
[سنن سعيد بن منصور: 3/966]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد الرّحمن بن أبي الزّناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيدٍ بن ثابتٍ، أنّه كان يقرأ: {ننشزها}.
[سنن سعيد بن منصور: 3/967]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا عوفٌ، عن أبي العالية: عن بعض أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، أنه كان يقرأ: {ننشزها}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا يونس، عن أبي إسحاق، عن (عمير بن قميم)، عن ابن عبّاسٍ، أنّه كان يقرأ: {ننشرها}
[سنن سعيد بن منصور: 3/969]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا عوفٌ، عن الحسن: أنه كان يقرؤها كذلك.
[سنن سعيد بن منصور: 3/970]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا حديج بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن أبي هلالٍ، عن ابن (عبّاسٍ): أنّه كان يقرأ: {كيف ننشرها}). [سنن سعيد بن منصور: 3/971]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (يقال {بسطةً} [البقرة: 247]: «زيادةً وفضلًا» ، {أفرغ} [البقرة: 250]: «أنزل» ، {ولا يئوده}: «لا يثقله، آدني أثقلني، والآد والأيد القوّة» السّنة: «نعاسٌ» {يتسنّه} [البقرة: 259]: «يتغيّر» ، {فبهت} [البقرة: 258]: «ذهبت حجّته» ، {خاويةٌ} [البقرة: 259]: «لا أنيس فيها» ، {عروشها} [البقرة: 259]: «أبنيتها» (ننشرها): «نخرجها»، {إعصارٌ} [البقرة: 266]: «ريحٌ عاصفٌ تهبّ من الأرض إلى السّماء، كعمودٍ فيه نارٌ» وقال ابن عبّاسٍ: {صلدًا} [البقرة: 264]: «ليس عليه شيءٌ» وقال عكرمة: {وابلٌ} [البقرة: 264]: " مطرٌ شديدٌ، الطّلّ: النّدى، وهذا مثل عمل المؤمن " {يتسنّه} [البقرة: 259]: «يتغيّر»). [صحيح البخاري: 6/31] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (قوله " لم يتسنه " لم يتغيّر أشار به إلى قوله عز وجل {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه} وفسره بقوله لم يتغيّر كذا روي عن ابن عبّاس والسّديّ والهاء فيه أصليّة أو هاء سكت من السّنة مشتقّ لأن لامها هاء أو واو وقيل أصله يتسنن من الحمأ المسنون فقلبت نونه حرف علّة كما في تقضي البازي ويجوز أن يكون المعنى لم يمر عليه السنون الّتي مرت يعني هو بحاله كما كان كأنّه لم يلبث مائة سنة وفي قراءة عبد الله لم يتسن وقرأ أبي لم يسنه بإدغام التّاء في السّين). [عمدة القاري: 18/127]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (قوله " خاوية لا أنيس فيها " أشار به إلى قوله تعالى {أو كالّذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها} قيل هذا المار هو عزير عليه السّلام رواه ابن أبي حاتم عن عليّ وقيل هو أرميا بن حليقا وقيل الخضر وقيل حزقيل بن بورا والقرية هي القدس وهو المشهور). [عمدة القاري: 18/127]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (قوله " عروشها أبنيتها " وفي التّفسير على عروشها أي ساقطة سقوفها وجدرانها على عرصاتها وذلك حين خربه بخت نصر وهذا والّذي قبله ليسا في رواية أبي ذر). [عمدة القاري: 18/127]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (قوله " ننشرها نخرجها " أشار به إلى قوله تعالى {وانظر إلى العظام كيف ننشرها} هكذا فسره السّديّ وننشرها بضم النّون الأولى وقرأ الحسن بفتحها من نشر الله الموتى بمعنى أنشرهم وقرئ بالزاي يعني نحركها ونرفع بعضها إلى بعض للتركيب). [عمدة القاري: 18/127]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله تعالى: {وانظر إلى طعامك وشرابك لم} ({يتسنه}) [البقرة: 259] أي (يتغير) بمرور الزمان وعبر بالإفراد لأن الطعام والشراب كالجنس الواحد أو أعاد الضمير إلى الشراب لأنه أقرب مذكور وثم جملة أخرى حذفت لدلالة هذه عليها أي أنظر إلى طعامك لم يتسنه أو سكت عن تغير الطعام تنبيهًا بالأدنى على الأعلى لأنه إذا لم يتغير الشراب مع سرعة التغير إليه فعدم تغير الطعام أولى.
وقوله تعالى: ({فبهت}) {الذي كفر} [البقرة: 259] وهو نمروذ أي (ذهبت حجته) وقرئ فبهت مبنيًا للفاعل أي فغلب إبراهيم الكافر.
وقوله تعالى: {أو كالذي مرّ على قرية وهي} ({خاوية}) أي (لا أنيس فيها) والمارّ عزير كما عند ابن أبي حاتم والقرية القدس وقوله: ({عروشها}) أي (أبنيتها) ساقطة.
(السنة) هي (نعاس) وقد مرّ، وسقطت هذه لأبي ذر.
وقوله تعالى: {وانظر إلى العظام كيف} ({ننشرها}) [البقرة: 259]. بالراء أي (نخرجها). قال السدي وغيره: تفرقت عظام حماره حوله يمينًا وشمالًا فنظر إليها وهي تلوح من بياضها فبعث الله ريحًا فجمعتها من كل موضع من تلك المحلة ثم ركبت كل عظم في موضعه حتى صار حمارًا قائمًا من عظام لا لحم عليها ثم كساه الله تعالى لحمًا وعصبًا وعروقًا وجلدًا وبعث ملكًا فنفخ في منخري الحمار فنهق بإذن الله تعالى وذلك كله بمرأى من العزير، وسقط لأبي ذر من قوله عروشها الخ). [إرشاد الساري: 7/42]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({يتسنه}) أي (يتغير) وقد مرّ وسقط لأبي ذر من قوله: وقال ابن عباس إلى آخر قوله يتغير). [إرشاد الساري: 7/43]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ} نظير الّذي عنى بقوله: {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه} من تعجيب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم منه.
وقوله: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ} عطفٌ على قوله: {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه} وإنّما عطف قوله: {أو كالّذي} على قوله: {إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه} وإن اختلف لفظاهما، لتشابه معنييهما؛ لأنّ قوله، {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه} بمعنى: هل رأيت يا محمّد كالّذي حاجّ إبراهيم في ربّه؟ ثمّ عطف عليه بقوله: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ} كأنه قال: هل رأيت كالذى حاج إبراهيم فى ربه؟ أى كالذى مر على قرية لأنّ من شأن العرب العطف بالكلام على معنًى نظيرٍ له قد تقدّمه وإن خالف لفظه لفظه.
[جامع البيان: 4/577]
وقد زعم بعض نحويّي البصرة أنّ الكاف في قوله، {أو كالّذي مرّ على قريةٍ}.
زائدةٌ، وأنّ المعنى: ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم جميعًا، أو الّذي مرّ على قريةٍ وقد بيّنّا قبل فيما مضى أنّه غير جائزٍ أن يكون في كتاب اللّه شيءٌ لا معنى له بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
واختلف أهل التّأويل في الّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها، فقال: بعضهم: هو عزيرٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعبٍ، {أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها} قال: عزيرٌ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا أبو خزيمة، قال: سمعت سليمان بن بريدة، في قوله: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ} قال: هو عزيرٌ.
- حدّثنا بشرٌ، قال، حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها} قال ذكر لنا أنّه عزيرٌ.
[جامع البيان: 4/578]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، مثله.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، قوله: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ} قال: قال الرّبيع: ذكر لنا واللّه أعلم أنّ الّذي أتى على القرية هو عزيرٌ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها} قال: عزيرٌ.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ} قال: عزيرٌ.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها} يقال: إنّه عزيرٌ.
- حدّثني يونس، قال: قال لنا سلمٌ الخوّاص: كان ابن عبّاسٍ يقول: هو عزيرٌ.
وقال آخرون: بل هو إرميا بن حلقيّا وزعم محمّد بن إسحاق أنّ إرميا هو الخضر.
[جامع البيان: 4/579]
- حدّثنا بذلك ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا ابن إسحاق، قال: اسم الخضر فيما كان وهب بن منبّه يزعم عن بني إسرائيل إرميا بن حلقيّا وكان من سبط هارون بن عمران.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: حدّثنا عبد الصّمد بن معقلٍ، أنّه سمع وهب بن منبّهٍ، يقول في قوله: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها} أنّ إرميا لمّا خرّب بيت المقدس وحرّقت الكتب، وقف في ناحية الجبل، فقال: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني ابن إسحاق، عمّن لا يتّهم، عن وهب بن منبّهٍ، قال: هو إرميا.
- حدّثني محمّد بن سهل بن عسكرٍ، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: سمعت عبد الصّمد بن معقلٍ، عن وهب بن منبّهٍ، مثله.
[جامع البيان: 4/580]
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى بن ميمونٍ، عن قيس بن سعدٍ، عن عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ، في قول اللّه: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها} قال: كان نبيًّا وكان اسمه إرميا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن قيس بن سعدٍ، عن عبد اللّه بن عبيدٍ، مثله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني بكر بن مضر، قال: يقولون واللّه أعلم: إنّه إرميا.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: إنّ اللّه تعالى ذكره عجّب نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم ممّن قال إذ رأى قريةً خاويةً على عروشها: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها} مع علمه أنّه ابتدأ خلقها من غير شيءٍ، فلم يقنعه علمه بقدرته على ابتدائها، حتّى قال: أنّى يحييها هذه اللّه بعد موتها؟ ولا بيان عندنا من الوجه الّذي يصحّ من قبله البيان عن اسم قائل ذلك، وجائزٌ أن يكون ذلك عزيرًا، وجائزٌ أن يكون إرميا، ولا حاجة بنا إلى معرفة اسمه، إذ لم يكن المقصود بالآية تعريف الخلق اسم قائل ذلك، وإنّما المقصود بها تعريف المنكرين قدرة اللّه على إحيائه خلقه بعد مماتهم، وإعادتهم بعد فنائهم، وأنّه الّذي بيده الحياة والموت من قريشٍ،
[جامع البيان: 4/581]
ومن كان يكذّب بذلك من سائر العرب، وتثبيت الحجّة بذلك على من كان بين ظهراني مهاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من يهود بني إسرائيل بإطلاعه نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم على ما يزيل شكّهم في نبوّته، ويقطع عذرهم في رسالته، إذ كانت هذه الأنباء الّتي أوحاها إلى نبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في كتابه من الأنباء الّتي لم يكن يعلمها محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم وقومه، ولم يكن علم ذلك إلاّ عند أهل الكتاب، ولم يكن محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم وقومه منهم، بل كان أمّيًّا وقومه أمّيّون، فكان معلومًا بذلك عند أهل الكتاب من اليهود الّذين كانوا بين ظهراني مهاجره أنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم لم يعلم ذلك إلاّ بوحي من اللّه إليه، ولو كان المقصود بذلك الخبر عن اسم قائل ذلك لكانت الدّلالة منصوبةً عليه نصبًا يقطع العذر ويزيل الشّكّ، ولكنّ القصد كان إلى ذمّ قيله، فأبان تعالى ذكره ذلك لخلقه.
واختلف أهل التّأويل في القرية الّتي مرّ عليها القائل: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها} فقال بعضهم: هي بيت المقدس.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سهل بن عسكرٍ، ومحمّد بن عبد الملك، قالا: حدّثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ أنّه سمع وهب بن منبّهٍ، قال: لمّا رأى إرميا هدم بيت المقدس كالجبل العظيم، قال: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها}.
[جامع البيان: 4/582]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا عبد الصّمد بن معقلٍ، أنّه سمع وهب بن منبّهٍ، قال: هي بيت المقدس.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني ابن إسحاق عمّن لا يتّهم أنّه سمع وهب بن منبّهٍ، يقول ذلك.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّه بيت المقدس، أتى عزيرٌ بعد ما خرّبه بختنصّر البابليّ.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها} أنّه مرّ على الأرض المقدّسة.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، في قوله: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ} قال: القرية بيت المقدس، مرّ بها عزيرٌ بعد إذ خرّبها بختنصّر.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ} قال: القرية بيت المقدس مرّ عليها عزيرٌ وقد خرّبها بختنصّر.
وقال آخرون: بل هي القرية الّتي كان اللّه أهلك فيها الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت، فقال لهم اللّه موتوا.
[جامع البيان: 4/583]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قول اللّه تعالى ذكره: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ} قال: قريةٌ كانت نزل بها الطّاعون، ثمّ اقتصّ قصّتهم الّتي ذكرناها في موضعها عنه إلى أن بلغ {فقال لهم اللّه موتوا} في المكان الّذي ذهبوا يبتغون فيه الحياة، فماتوا ثمّ أحياهم اللّه {إنّ اللّه لذو فضلٍ على النّاس ولكنّ أكثر النّاس لا يشكرون} قال: ومرّ بها رجلٌ وهي عظامٌ تلوح، فوقف ينظر، فقال {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مائة عامٍ ثمّ بعثه} إلى قوله {لم يتسنّه}.
والصّواب من القول في ذلك كالقول في اسم القائل: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها} سواءٌ لا يختلفان). [جامع البيان: 4/584]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وهي خاويةٌ على عروشها}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {وهي خاويةٌ} وهي خاليةٌ من أهلها وسكّانها، يقال من ذلك: خوت الدّار تخوي خواءً وخويًّا، وقد يقال للقرية: خويت، والأوّل أعرب وأفصح، وأمّا في المرأة إذا كانت نفساء فإنّه يقال: خويت تخوى خوًى منقوصًا، وقد يقال فيها: خوت تخوي، كما يقال في الدّار، وكذلك خوى الجوف يخوى خوى شديدًا، ولو قيل في الجوف ما قيل في الدّار وفي الدّار ما قيل في الجوف كان صوابًا، غير أنّ الفصيح ما ذكرت.
[جامع البيان: 4/584]
وأمّا العروش: فإنّها الأبنية والبيوت، واحدها عرشٌ، وجمع قليله أعرشٌ، وكلّ بناءٍ فإنّه عرشٌ، ويقال: عرش فلانٌ إذا بنى يعرش ويعرش، عرشًا ومنه قول اللّه تعالى ذكره: {وما كانوا يعرشون} يعني يبنون، ومنه قيل عريش مكّة، يعني به: خيامها وأبنيتها.
وبمثل الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال، قال ابن جريجٍ، قال ابن عبّاسٍ: خاويةٌ: خرابٌ قال ابن جريجٍ: بلغنا أنّ عزيرًا، خرج فوقف على بيت المقدس وقد خرّبه بختنصّر، فوقف فقال: أبعد ما كان لك من القدس والمقاتلة والمال ما كان فحزن.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {وهي خاويةٌ على عروشها} قال: هي خرابٌ.
[جامع البيان: 4/585]
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: مرّ عليها عزيرٌ وقد خرّبها بختنصّر.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وهي خاويةٌ على عروشها} يقول: ساقطةٌ على سقفها). [جامع البيان: 4/586]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مائة عامٍ}.
ومعنى ذلك فيما ذكر: أنّ قائله لمّا مرّ ببيت المقدس، أو بالموضع الّذي ذكر اللّه أنّه مرّ به خرابًا بعد ما عهده عامرًا، قال: أنّى يحيي هذه اللّه بعد خرابها؟ فقال بعضهم: كان قيله ما قال من ذلك شكًّا في قدرة اللّه على إحيائه، فأراه اللّه قدرته على ذلك بضربه المثل له في نفسه، ثمّ أراه الموضع الّذي أنكر قدرته على عمارته وإحيائه، أحيا ما أرآه قبل خرابه، وأعمر ما كان قبل خرابه، وذلك أنّ قائل ذلك كان فيما ذكر لنا عهده عامرًا بأهله وسكّانه، ثمّ رآه خاويًا على عروشه، قد باد أهله وشتّتهم القتل والسّباء، فلم يبق منهم بذلك المكان أحدٌ، وخرّبت منازلهم ودورهم، فلم يبق إلاّ الأثر، فلمّا رآه كذلك بعد الحال الّتي عهده عليها،
[جامع البيان: 4/586]
قال: على أيّ وجهٍ يحيي هذه اللّه بعد خرابها فيعمّرها استنكارًا فيما قاله بعض أهل التّأويل، فأراه كيفيّة إحيائه ذلك بمثل ضربه له في نفسه، وفيما كان من شرابه وطعامه، ثمّ عرّفه قدرته على ذلك وعلى غيره بإظهاره إحيائه ما كان عجبًا عنده في قدرة اللّه إحياؤه لرأي عينه حتّى أبصره ببصره، فلمّا رأى ذلك قال: {أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}.
وكان سبب قيله ذلك كالّذي؛
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمّن لا يتّهم، عن وهب بن منبّهٍ اليمانيّ، أنّه كان يقول: قال اللّه لإرميا حين بعثه نبيًّا إلى بني إسرائيل: يا إرميا من قبل أن أخلقك اخترتك، ومن قبل أن أصوّرك في رحم أمّك قدّستك، ومن قبل أن أخرجك من بطنها طهّرتك، ومن قبل أن تبلغ السّعي نبّيتك، ومن قبل أن تبلغ الأشدّ اخترتك، ولأمرٍ عظيمٍ اجتبيتك، فبعث اللّه تعالى ذكره إرميا إلى ملك بني إسرائيل يسدّده ويرشده، ويأتيه بالبرّ من اللّه فيما بينه وبينه.
قال: ثمّ عظمت الأحداث في بني إسرائيل، وركبوا المعاصي، واستحلّوا المحارم، ونسوا ما كان اللّه صنع بهم، وما نجّاهم من عدوّهم سنحاريب فأوحى اللّه إلى إرميّا: أن ائت قومك من بني إسرائيل، فاقصص عليهم ما آمرك به، وذكّرهم نعمتي عليهم وعرّفهم أحداثهم.
[جامع البيان: 4/587]
ثمّ ذكر ما أرسل اللّه به إرميا إلى قومه من بني إسرائيل، قال: ثمّ أوحى اللّه إلى إرميا أنّي مهلكٌ بني إسرائيل بيافث، ويافث أهل بابل، وهم من ولد يافث بن نوحٍ فلمّا سمع إرميا وحي ربّه، صاح وبكى وشقّ ثيابه، ونبذ الرّماد على رأسه، فقال: ملعونٌ يومٌ ولدت فيه، ويوم لقيت التّوراة، ومن شرّ أيامى يومٌ ولدت فيه، فما أبقيت آخر الأنبياء إلاّ لما هو شرٌّ عليّ، لو أراد بي خيرًا ما جعلني آخر الأنبياء من بني إسرائيل، فمن أجلي تصيبهم الشّقوة والهلاك.
فلمّا سمع اللّه تضرّع الخضر وبكاءه وكيف يقول: ناداه: إرميا أشقّ عليك ما أوحيت إليك؟ قال: نعم يا ربّ أهلكني قبل أن أدرى في بني إسرائيل ما لا أسرّ به، فقال اللّه: وعزّتي العزيزة لا أهلك بيت المقدس وبني إسرائيل حتّى يكون الأمر من قبلك في ذلك، ففرح عند ذلك إرميا لما قال له ربّه، وطابت نفسه، وقال: لا والّذي بعث موسى وأنبياءه بالحقّ، لا آمر ربّي بهلاك بني إسرائيل أبدًا، ثمّ أتى ملك بني إسرائيل، وأخبره بما أوحى اللّه إليه، ففرح واستبشر، وقال: إن يعذّبنا ربّنا فبذنوبٍ كثيرةٍ قدمناها لأنفسنا وإن عفا عنّا فبقدرته.
ثمّ إنّهم لبثوا بعد هذا الوحي ثلاث سنين لم يزدادوا إلاّ معصيةً، وتماديا في الشّرّ، وذلك حين اقترب هلاكهم، فقلّ الوحي حين لم يكونوا يتذكّرون الآخرة وأمسك عنهم حين ألهتهم الدّنيا وشأنها، فقال ملكهم: يا بني إسرائيل انتهوا عمّا أنتم عليه قبل أن يمسّكم بأسٌ من اللّه، وقبل أن يبعث عليكم ملوكٌ لا رحمة لهم بكم،
[جامع البيان: 4/588]
فإنّ ربّكم قريب التّوبة، مبسوط اليدين بالخير، رحيم من تاب إليه، فأبوا عليه أن ينزعوا عن شيءٍ ممّا هم عليه.
وإنّ اللّه عز وجل ألقى في قلب بختنصّر بن نبوزرادان أن يسير إلى بيت المقدس، ثمّ يفعل فيه ما كان جدّه سنحاريب أراد أن يفعله، فخرج في ستّ مائة ألف رايةٍ يريد أهل بيت المقدس فلمّا فصل سائرًا أتى ملك بني إسرائيل الخبر أنّ بختنصّر أقبل هو وجنوده يريدكم، فأرسل الملك إلى إرميا، فجاءه فقال: يا إرميا أين ما زعمت لنا أنّ ربّنا أوحى إليك أن لا يهلك أهل بيت المقدس حتّى يكون منك الأمر في ذلك، فقال إرميا للملك: إنّ ربّي لا يخلف الميعاد، وأنا به واثقٌ.
فلمّا اقترب الأجل، ودنا انقطاع ملكهم، وعزم اللّه على هلاكهم، بعث اللّه ملكًا من عنده، فقال له: اذهب إلى إرميا فاستفته، وأمره بالّذي يستفتيه فيه، فأقبل الملك إلى إرميا، وقد تمثّل له رجلاً من بني إسرائيل، فقال له إرميا: من أنت؟ قال: رجلٌ من بني إسرائيل أستفتيك في بعض أمري، فأذن له، فقال الملك: يا نبيّ اللّه أتيتك أستفتيك في أهل رحمي، وصلت أرحامهم بما أمرني اللّه به، لم آت إليهم إلاّ حسنًا، ولم آلهم كرامةً، فلا تزيدهم كرامتي إيّاهم إلاّ إسخاطًا لي، فأفتني فيهم يا نبيّ اللّه، فقال له: أحسن فيما بينك وبين اللّه، وصل ما أمرك اللّه به أن تصل، وأبشر بخيرٍ.
[جامع البيان: 4/589]
فانصرف عنه الملك فمكث أيّامًا ثمّ أقبل إليه في صورة ذلك الرّجل الّذي كان جاءه، فقعد بين يديه، فقال له إرميا: من أنت؟ قال: أنا الرّجل الّذي أتيتك أستفتيك في شأن أهلي، فقال له نبيّ اللّه، أو ما طهرت لك أخلاقهم بعد ولم تر منهم الّذي تحبّ؟ فقال: يا نبيّ اللّه، والّذي بعثك بالحقّ ما أعلم كرامةً يأتيها أحدٌ من النّاس إلى أهل رحمه إلاّ وقد أتيتها إليهم وأفضل من ذلك، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ارجع إلى أهلك فأحسن إليهم، اسأل اللّه الّذي يصلح عباده الصّالحين أن يصلح ذات بينكم، وأن يجمعكم على مرضاته، ويجنّبكم سخطه.
فقام الملك من عنده، فلبث أيّامًا، وقد نزل بختنصّر بجنوده حول بيت المقدس أكثر من الجراد، ففزع بنو إسرائيل فزعًا شديدًا، وشقّ ذلك على ملك بني إسرائيل، فدعا إرميا، فقال: يا نبيّ اللّه، أين ما وعدك اللّه؟ إنّي بربّي واثقٌ.
ثمّ إنّ الملك أقبل إلى إرميا وهو قاعدٌ على جدار بيت المقدس يضحك ويستبشر بنصر ربّه الّذي وعده، فقعد بين يديه، فقال له إرميا: من أنت؟ قال: أنا الّذي كنت استفتيتك في شأن أهلي مرّتين، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أو لم يأن لهم أن يفيقوا من الّذي هم فيه؟ فقال الملك: يا نبيّ اللّه كلّ شيءٍ كان يصيبني منهم قبل اليوم كنت أصبر عليه، وأعلم أنّ ما بهم في ذلك سخطي، فلمّا أتيتهم اليوم رأيتهم في عملٍ لا يرضي اللّه، ولا يحبّه اللّه، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: على أيّ عملٍ رأيتهم؟ قال: يا نبيّ اللّه رأيتهم على عملٍ عظيمٍ من سخط اللّه، ولو كانوا على مثل ما كانوا عليه قبل اليوم لم يشتدّ عليهم غضبي، وصبرت لهم ورجوتهم، ولكن غضبت اليوم للّه ولك، فأتيتك لأخبرك خبرهم، وإنّي أسألك باللّه الّذي هو بعثك بالحقّ إلاّ ما دعوت عليهم ربّك أن يهلكهم،
[جامع البيان: 4/590]
فقال إرميا: يا مالك السّماوات والأرض، إن كانوا على حقٍّ وصوابٍ فأبقهم، وإن كانوا على سخطك وعملٍ لا ترضاه، فأهلكهم، فلمّا خرجت الكلمة من في إرميا أرسل اللّه صاعقةً من السّماء في بيت المقدس، فالتهب مكان القربان وخسف بسبعة أبوابٍ من أبوابها؛ فلمّا رأى ذلك إرميا صاح وشقّ ثيابه، ونبذ الرّماد على رأسه، فقال يا مالك السّماء، ويا أرحم الرّاحمين أين ميعادك الّذي وعدتني؟ فنودي إرميا إنّه لم يصبهم الّذي أصابهم إلاّ بفتياك الّتي أفتيت بها رسولنا، فاستيقن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّها فتياه الّتي أفتى بها ثلاث مرّاتٍ، وأنّه رسول ربّه، فطار إرميا حتّى خالط الوحوش.
ودخل بختنصّر وجنوده بيت المقدس، فوطئ الشّام وقتل بني إسرائيل حتّى أفناهم، وخرّب بيت المقدس، ثمّ أمر جنوده أن يملأ كلّ رجلٍ منهم ترسه ترابًا ثمّ يقذفه في بيت المقدس، فقذفوا فيه التّراب حتّى ملئوه، ثمّ انصرف راجعًا إلى أرض بابل، واحتمل معه سبايا بني إسرائيل، وأمرهم أن يجمعوا من كان في بيت المقدس كلّهم، فاجتمع عنده كلّ صغيرٍ وكبيرٍ من بني إسرائيل، فاختار منهم سبعين ألف صبيٍّ؛ فلمّا خرجت غنائم جنده، وأراد أن يقسّمهم فيهم،
[جامع البيان: 4/591]
قالت له الملوك الّذين كانوا معه: أيّها الملك، لك غنائمنا كلّها، واقسم بيننا هؤلاء الصّبيان الّذين اخترتهم من بني إسرائيل، ففعل، فأصاب كلّ واحدٍ منهم أربعة غلمةٍ، وكان من أولئك الغلمان دانيال، وحنانيا، وميشال، وعزاريا، وجعلهم بختنصّر ثلاث فرقٍ فثلثًا أقرّ بالشّام، وثلثًا سبي، وثلثًا قتل، وذهب بأسبية بيت المقدس حتّى أقدمها بابل وبالصّبيان السبعين الألف حتّى أقدمهم بابل، فكانت هذه الواقعة الأولى الّتي أنزل اللّه ببنيّ إسرائيل بأحداثهم وظلمهم.
ولمّا ولّى بختنصّر عنهم راجعًا إلى بابل بمن معه من سبايا بني إسرائيل، أقبل إرميا على حمارٍ له معه عصيرٌ من عنبٍ في زكرةٍ وسلّة تينٍ، حتّى غشى إيليا، فلمّا وقف عليها، ورأى ما بها من الخراب دخله شكٌّ، فقال: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مائة عامٍ} وحماره وعصيره وسلّة تينه عنده حيث أماته اللّه، وأمات حماره معه، فأعمى اللّه عنه العيون، فلم يره أحدٌ، ثمّ بعثه اللّه تعالى، فقال له: {كم لبثت قال لبثت يومًا أو بعض يومٍ قال بل لبثت مائة عامٍ فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه}
[جامع البيان: 4/592]
يقول: لم يتغيّر {وانظر إلى حمارك ولنجعلك آيةً للنّاس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحمًا} فنظر إلى حماره يتّصل بعضه إلى بعضٍ، وقد مات معه بالعروق والعصب، ثمّ كيف كسي ذلك منه اللّحم، حتّى استوى، ثمّ جرى فيه الرّوح، فقام ينهق، ونظر إلى عصيره وتينه، فإذا هو على هيئته حين وضعه لم يتغيّر، فلمّا عاين من قدرة اللّه ما عاين قال: أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ، ثمّ عمّر اللّه إرميا بعد ذلك، فهو الّذي يرى بفلوات الأرض والبلدان.
- حدّثني محمّد بن عسكرٍ، وابن زنجويه، قالا: حدّثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ أنّه سمع وهب بن منبّهٍ، يقول: أوحى اللّه إلى إرميا وهو بأرض مصر أن الحق بأرض إيليّا، فإنّ هذه ليست لك بأرض مقامٍ، فركب حماره، حتّى إذا كان ببعض الطّريق، ومعه سلّةٌ من عنبٍ وتينٍ، وكان معه سقاءٌ جديدٌ، فملأه ماءً، فلمّا بدا له شخص بيت المقدس وما حوله من القرى والمساجد، ونظر إلى خرابٍ لا يوصف، ورأى هدم بيت المقدس كالجبل العظيم، قال: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها} وسار حتّى تبوّأ منها منزلاً، فربط حماره بحبلٍ جديدٍ، وعلّق سقاءه، وألقى اللّه عليه السّبات؛ فلمّا نام نزع اللّه روحه مائة عامٍ؛ فلمّا مرّت من المائة سبعون عامًا، أرسل اللّه ملكًا إلى ملكٍ من ملوك فارس عظيمٍ يقال له يوشك،
[جامع البيان: 4/593]
فقال له: إنّ اللّه يأمرك أن تنفر بقومك فتعمّر بيت المقدس وإيليّاء وأرضها، حتّى تعود أعمر ما كانت، فقال الملك: أنظرني ثلاثة أيّامٍ حتّى أتأهّب لهذا العمل ولما يصلحه من أداء العمل، فأنظره ثلاثة أيّامٍ، فانتدب ثلاثمائة قهرمان، ودفع إلى كلّ قهرمان ألف عاملٍ، وما يصلحه من أداة العمل، فسار إليها قهارمته، ومعهم ثلاثمائة ألف عاملٍ فلمّا وقعوا في العمل ردّ اللّه روح الحياة في عين إرميا، وأخّر جسده ميّت، فنظر إلى إيليّا وما حولها من المدينه والمساجد والأنهار والحروث تعمل وتعمّر وتجدّد، حتّى صارت كما كانت وبعد ثلاثين سنةً تمام المائة، ردّ إليه الرّوح، فنظر إلى طعامه وشرابه لم يتسنّه، ونظر إلى حماره واقفًا كهيئته يوم ربطه لم يطعم ولم يشرب، ونظر إلى الرّمّة في عنق الحمار لم تتغيّر جديدةً، وقد أتى على ذلك ريح مائة عامٍ وبرد مائة عامٍ وحرّ مائة عامٍ، لم تتغيّر ولم تنتقض شيئًا، وقد نحل جسم إرميا من البلى، فأنبت اللّه له لحمًا جديدًا، ونشز عظامه وهو ينظر، فقال له اللّه: {انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آيهً للنّاس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحمًا فلمّا تبيّن له قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}.
[جامع البيان: 4/594]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا عبد الصّمد بن معقلٍ، أنّه سمع وهب بن منبّهٍ، يقول في قوله: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها} إنّ إرميا لمّا خرّب بيت المقدس وحرّق الكتب، وقف في ناحية الجبل، فقال: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مائة عامٍ} ثمّ ردّ اللّه من ردّ من بني إسرائيل على رأس سبعين سنةً من حين أماته يعمرونها ثلاثين سنةً تمام المائة؛ فلمّا ذهبت المائة ردّ اللّه روحه وقد عمّرت على حالها الأولى، فجعل ينظر إلى العظام كيف تلتام بعضها إلى بعضٍ، ثمّ نظر إلى العظام كيف تكسى عصبًا ولحمًا {فلمّا تبيّن} له ذلك {" قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} فقال اللّه تعالى ذكره: {انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه} قال: فكان طعامه تينًا في مكتلٍ، وقلّةً فيها ماءٌ.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو،
[جامع البيان: 4/595]
قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها} وذلك أنّ عزيرًا مرّ جائيًا من الشّام على حمارٍ له معه عصيرٌ وعنبٌ وتينٌ فلمّا مرّ بالقرية فرآها، وقف عليها وقلّب يده وقال: كيف يحيي هذه اللّه بعد موتها؟ تكذيبًا منه وشكًّا، فأماته اللّه وأمات حماره، فهلكا ومرّ عليهما مائة سنةٍ، ثمّ إنّ اللّه أحيا عزيرًا فقال له: كم لبثت؟ قال له: لبثت يومًا أو بعض يومٍ قيل له: بل لبثت مائة عامٍ، فانظر إلى طعامك من التّين والعنب، وشرابك من العصير {لم يتسنّه}، الآية). [جامع البيان: 4/596]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ بعثه قال كم لبثت قال لبثت يومًا أو بعض يومٍ قال بل لبثت مائة عامٍ}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {ثمّ بعثه} ثمّ آثاره حيًّا من بعد مماته. وقد دلّلنا على معنى البعث فيما مضى قبل.
وأمّا معنى قوله: {كم لبثت} فإنّ كم استفهامٌ في كلام العرب عن مبلغ العدد، وهو في هذا الموضع نصب ب لبثت، وتأويله: قال اللّه له: كم قدر الزّمان الّذي لبثت ميّتًا قبل أن أبعثك من مماتك حيًّا؟ قال المبعوث بعد مماته: لبثت ميّتًا إلى أن بعثتني حيًّا يومًا واحدًا أو بعض يومٍ.
[جامع البيان: 4/596]
وذكر أنّ المبعوث هو إرميا أو عزيرٌ، أو من كان ممّن أخبر اللّه عنه هذا الخبر، وإنّما قال: {لبثت يومًا أو بعض يومٍ} لأنّ اللّه تعالى ذكره كان قبض روحه أوّل النّهار، ثمّ ردّ روحه آخر النّهار بعد المائة عامٍ فقيل له: كم لبثت؟ قال: لبثت يومًا وهو يرى أنّ الشّمس قد غربت فكان ذلك عنده يومًا لأنّه ذكر أنّه قبض روحه أوّل النّهار، وسئل عن مقدار لبثه ميّتًا آخر النّهار وهو يرى أنّ الشّمس قد غربت، فقال: لبثت يومًا، ثمّ رأى بقيّةً من الشّمس قد بقيت لم تغرب، فقال: أو بعض يومٍ، بمعنى: بل بعض يومٍ، كما قال تعالى ذكره: وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون بمعنى: بل يزيدون، فكان قوله: {أو بعض يومٍ} رجوعًا منه عن قوله: لبثت يومًا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ثمّ بعثه قال كم لبثت قال لبثت يومًا أو بعض يومٍ} قال: ذكر لنا أنّه مات ضحًى، ثمّ بعث قبل غيبوبة الشّمس، فقال: لبثت يومًا، ثمّ التفت فرأى بقيّةً من الشّمس، فقال: أو بعض يومٍ، فقال: بل لبثت مائة عامٍ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها} قال: مرّ على قريةٍ خربه فتعجّب، فقال: أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها؟ فأماته اللّه أوّل النّهار، فلبث مائة عامٍ، ثمّ بعثه في آخر النّهار، فقال: كم لبثت؟ قال: لبثت يومًا أو بعض يومٍ، قال: بل لبثت مائة عامٍ.
[جامع البيان: 4/597]
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، قال: قال الرّبيع: أماته اللّه مائة عامٍ، ثمّ بعثه، قال: كم لبثت؟ قال: لبثت يومًا أو بعض يومٍ، وذلك أنه بعث فيما ذكر لنا قبل غروب الشمس فقال: {لبثت يومًا أو بعض يومٍ} ثم التفت فرأى بقية من الشمس من ذلك اليوم فقال: {أو بعض يومٍ} قال: بل لبثت مائة عامٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال، حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: لمّا وقف على بيت المقدس وقد خرّبه بختنصّر، قال: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها}؟ كيف يعيدها كما كانت؟ فأماته اللّه، قال: وذكر لنا أنّه مات ضحًى، وبعث قبل غروب الشّمس بعد مائة عامٍ، فقال: كم لبثت؟ قال: يومًا، فلمّا رأى الشّمس، قال: أو بعض يومٍ). [جامع البيان: 4/598]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه} لم تغيّره السّنون الّتي أتت عليه.
وكان طعامه فيما ذكر بعضهم سلّة تينٍ وعنبٍ وشرابه قلّة ماءٍ.
[جامع البيان: 4/598]
وقال بعضهم: بل كان طعامه سلّة عنبٍ وسلّة تينٍ وشرابه زقًّا من عصيرٍ.
وقال آخرون: بل كان طعامه سلّة تينٍ، وشرابه دنّ خمرٍ أو زكرة خمرٍ.
وقد ذكرنا فيما مضى قول بعضهم في ذلك ونذكر ما فيه فيما يستقبل إن شاء اللّه.
وفى قوله {لم يتسنّه} ففيه وجهان من القراءة: أحدهما: لم يتسنّ بحذف الهاء في الوصل وإثباتها في الوقف، ومن قرأه كذلك فإنّه يجعل الهاء في {يتسنّه} زائدةً صلةٌ كقوله: {فبهداهم اقتده} وجعل فعلت منه: تسنّيت تسنّيًا، واعتلّ في ذلك بأنّ السّنة تجمع سنواتٍ، فيكون تفعّلت على صحة، ومن قال في السّنة سنينةً فجائزٌ على ذلك وإن كان قليلاً أن يكون تسنّيت تفعّلت، أبدلت النّون ياءً لمّا كثرت النّونات كما قالوا: تظنّيت وأصله الظّنّ.
وقد قال قومٌ، هو مأخوذٌ من قوله: {من حمإٍ مسنونٍ} وهو المتغيّر، وذلك أيضًا إذا كان كذلك، فهو أيضًا ممّا بدّلت نونه ياءً، وهو قراءة عامّة قرّاء الكوفة.
[جامع البيان: 4/599]
والآخر منهما: إثبات الهاء في الوصل والوقف، ومن قرأه كذلك فإنّه يجعل الهاء في {يتسنّه} لام الفعل ويجعلها مجزومةً بلم، ويجعل فعلت منه تسنّهت، ويفعل: أتسنّه تسنّهًا، وقال في تصغير السّنة: سنيهةٌ، وسنيهةٌ: أسنيت عند القوم، وأسنّهت عندهم: إذا أقمت سنةً.
وهذه قراءة عامّة قرّاء أهل المدينة والحجاز.
والصّواب من القراءة في ذلك عندي، إثبات الهاء في الوصل والوقف؛ لأنّها مثبتةٌ في مصحف المسلمين، ولإثباتها وجهٌ صحيحٌ في كلتا الحالتين وذلك أن يكون معنى قوله: {لم يتسنّه} لم يأت عليه السّنون فيتغيّر على لغة من قال: أسنهت عندكم أسنه: إذا أقام سنةً، وكما قال الشّاعر الأنصار:
وليست بسنهاءٍ ولا رجّبيّةٍ = ولكن عرايا في السّنين الجوائح
فجعل الهاء في السّنة أصلاً، وهي اللّغة الفصحى، وغير جائزٍ حذف حرفٍ من كتاب اللّه في حال وقفٍ أو وصلٍ ولإثباته وجهٌ معروفٌ في كلام العرب صحيح، كما غير جائز إثبات ما ليس منه، ولحذفه وجه معروف فى كلامها.
[جامع البيان: 4/600]
فإن اعتلّ معتلٌّ بأنّ المصحف قد ألحقت فيه حروفٌ هنّ زوائد على نيّة الوقف، والوجه في الأصل عند القراءة حذفهنّ، وذلك كقوله: {فبهداهم اقتده} وقوله: {يا ليتني لم أوت كتابيه} فإنّ ذلك هو ممّا لم يكن فيه شكٌّ أنّه من الزّوائد، وأنّه ألحق على نيّة الوقف، فأمّا ما كان محتملاً أن يكون أصلاً للحرف غير زائدٍ فغير جائزٍ، وهو في مصحف المسلمين مثبتٌ، صرفه إلى أنّه من الزّوائد والصّلات على أنّ ذلك وإن كان زوائد فيما لا شكّ أنّه من الزّوائد، فإنّ العرب قد تصل الكلام، فتنطق به على نحو منطقها به في حال القطع، فيكون وصلها إيّاه وقطعها سواءً، وذلك من فعلها دلالةٌ على صحّة قراءة من قرأ جميع ذلك بإثبات الهاء في الوصل والوقف، غير أنّ ذلك وإن كان كذلك فلقوله: {لم يتسنّه} حكمٌ مفارقٌ حكم ما كان هاؤه زائدًا لا شكّ في زيادتها فيه.
وممّا يدلّ على صحّة ما قلنا، من أنّ الهاء في {يتسنّه} من لغة من قال: قد أسنهت، وهى المسانهة ما؛
- حدّثت به، عن القاسم بن سلامٍ، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، عن أبي الجرّاح، عن سليمان بن عميرٍ، قال: حدّثني هانئٌ مولى عثمان، قال: كنت الرّسول بين عثمان وزيد بن ثابتٍ، فقال زيدٌ: سله عن قوله: لم يتسن، أو لم يتسنّه؟ فقال عثمان: اجعلوا فيها هاءً.
[جامع البيان: 4/601]
- وحدّثنا أحمد بن يوسف، عن القاسم، وحدّثنا محمّد بن محمّدٍ العطّار، عن القاسم، وحدّثنا أحمد، والعطّ‍ار، جميعًا، عن القاسم، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، عن ابن المبارك، قال: حدّثني أبو وائلٍ شيخٌ من أهل اليمن، عن هانئٍ البربريّ، قال: كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف، فأرسلني بكتف شاةٍ إلى أبيّ بن كعبٍ فيها: لم يتسن وفأمهل الكافرين، ولا تبديل للخلق، قال: فدعا بالدّواة، فمحا إحدى اللاّمين وكتب: {لا تبديل لخلق اللّه} ومحا فأمهل وكتب: {فمهّل الكافرين} وكتب: {لم يتسنّه} ألحق فيها الهاء.
ولو كان ذلك من يتسنّى أو يتسنّن لما ألحق فيه أبيّ هاءً ولا موضع لها فيه، ولا أمر عثمان بإلحاقها فيه.
وقد روي عن زيد بن ثابتٍ في ذلك نحو الّذي روي فيه عن أبيّ بن كعبٍ.
[جامع البيان: 4/602]
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله {لم يتسنّه} فقال بعضهم بمثل الّذي قلنا فيه من أنّ معناه لم يتغيّر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضّل، عن محمّد بن إسحاق، عمّن لا يتّهم، عن وهب بن منبّهٍ: {لم يتسنّه} لم يتغيّر.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {لم يتسنّه} أى: لم يتغيّر.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، مثله.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه} يقول: فانظر إلى طعامك من التّين والعنب، وشرابك من العصير لم يتسنّه، يقول: لم يتغيّر فيحمض التّين والعنب، ولم يختمر العصير هما حلوان كما هما وذلك أنّه مرّ جائيًا من الشّام على حمارٍ له معه عصيرٌ وعنبٌ وتينٌ، فأماته اللّه، وأمات حماره، ومرّ عليهما مائة سنةٍ.
[جامع البيان: 4/603]
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه} يقول: لم يتغيّر، وقد أتى عليه مائة عامٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، بنحوه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لم يتسنّه} لم يتغيّر.
- حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا أبي، عن النّضر، عن عكرمة: {لم يتسنّه} لم يتغيّر.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {لم يتسنّه} لم يتغيّر في مائة سنةٍ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني بكر بن مضر، قال: يزعمون في بعض الكتب أنّ إرميا كان بإيليّا حين خرّبها بختنصّر، فخرج منها إلى مصر فكان بها، فأوحى اللّه إليه أن اخرج منها إلى بيت المقدس، فأتاها فإذا هي خربةٌ، فنظر إليها فقال: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مائة عامٍ ثمّ بعثه}، فإذا حماره حيّ قائمٌ على رباطه، وإذا طعامه سلّ عنبٍ وسلّ تينٍ لم يتغيّر عن حاله
[جامع البيان: 4/604]
قال يونس: قال لنا سلمٌ الخوّاص: كان طعامه وشرابه سلّ عنبٍ وسلّ تينٍ وزقّ عصيرٍ.
وقال آخرون: معنى ذلك: لم ينتن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {لم يتسنّه} لم ينتن.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ: قوله: {إلى طعامك} قال: سلّ تينٍ، {وشرابك} دنّ خمرٍ، {لم يتسنّه} يقول: لم ينتن.
- حدّثت عن عمار، قال: حدّثنا ابن أبى جعفر، عن أبيه، عن الربيع: {لم يتسنّه} يقول: لم ينتن.
[جامع البيان: 4/605]
وأحسب أنّ مجاهدًا والرّبيع ومن قال في ذلك بقولهما رأوا أنّ قوله: {لم يتسنّه} من قول اللّه تعالى ذكره: {من حمإ مسنونٍ} بمعنى المتغيّر الرّيح بالنّتن من قول القائل: تسنّن، وقد بيّنت الدّلالة فيما مضى على أنّ ذلك ليس كذلك.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّه من الآسن من قول القائل: أسن هذا الماء يأسن أسنًا، كما قال اللّه تعالى ذكره: {فيها أنهارٌ من ماءٍ غير آسنٍ} فإنّه ذلك لو كان كذلك لكان الكلام: فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتأسّن، ولم يكن يتسنّه.
فإن قال: فإنّه منه، غير أنّه ترك همزه، قيل: فإنّه وإن ترك همزه فغير جائزٍ تشديد نونه؛ لأنّ النّون من يتأسن غير مشدّدةٍ، وهي في يتسنّه مشدّدةٌ، ولو نطق من يتأسّن بترك همزة لقيل لم يتسن بتخفيف نونه بغير هاءٍ تلحق فيه، ففي ذلك بيانٌ واضحٌ أنّه غير جائزٍ أن يكون من الأسن). [جامع البيان: 4/606]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وانظر إلى حمارك}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {وانظر إلى حمارك} فقال بعضهم: معنى ذلك: وانظر إلى إحيائي حمارك، وإلى عظامه كيف أنشزها ثمّ أكسوها لحمًا.
[جامع البيان: 4/606]
ثمّ اختلف متأوّلو هذا التّأويل، فقال بعضهم: قال اللّه تعالى ذكره ذلك له بعد أن أحياه خلقًا سويًّا، ثمّ أراه كيف يحيي حماره؛ تعريفًا منه تعالى ذكره له كيفيّة إحيائه القرية الّتي رآها خاويةً على عروشها، فقال: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها} مستنكرًا إحياء اللّه إيّاها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمّن لا يتّهم، عن وهب بن منبّهٍ، قال: بعثه اللّه فقال: {كم لبثت قال لبثت يومًا أو بعض يومٍ} إلى قوله: {ثمّ نكسوها لحمًا} قال: فنظر إلى حماره يتّصل بعضٌ إلى بعضٍ، وقد كان مات معه بالعروق والعصب، ثمّ كيف كسا ذلك منه اللّحم حتّى استوى ثمّ جرى فيه الرّوح، فقام ينهق، ونظر إلى عصيره وتينه، فإذا هو على هيئته حين وضعه لم يتغيّر، فلمّا عاين من قدرة اللّه ما عاين، قال: {أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: ثمّ إنّ اللّه أحيا عزيرًا، فقال: كم لبثت؟ قال: لبثت يومًا أو بعض يومٍ، قال: بل لبثت مائة عامٍ، فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه، وانظر إلى حمارك قد هلك وبليت عظامه، وانظر إلى عظامه كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحمًا، فبعث اللّه ريحًا، فجاءت بعظام الحمار من كلّ سهلٍ وجبلٍ ذهبت به الطّير والسّباع، فاجتمعت، فركّب بعضها في بعضٍ وهو ينظر، فصار حمارًا من عظامٍ ليس له لحمٌ ولا دمٌ،
[جامع البيان: 4/607]
ثمّ وإنّ اللّه كسا العظام لحمًا ودمًا، فقام حمارًا من لحمٍ ودمٍ وليس فيه روحٌ، ثمّ أقبل ملكٌ يمشي حتّى أخذ بمنخر الحمار، فنفخ فيه فنهق الحمار، فقال: أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ.
فتأويل الكلام على ما تأوّله قائل هذا القول: وانظر إلى إحيائنا حمارك، وإلى عظامه كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحمًا، ولنجعلك آيةً للنّاس، فيكون في قوله: {وانظر إلى حمارك} متروكٌ من الكلام، استغنى بدلالةٍ ظاهرةٍ عليه من ذكره، وتكون الألف واللاّم في قوله: {وانظر إلى العظام} بدلاً من الهاء المرادة في المعنى؛ لأنّ معناه: وانظر إلى عظامه: يعني إلى عظام الحمار.
وقال آخرون منهم: بل قال اللّه تعالى ذكره ذلك له بعد أن نفخ فيه الرّوح في عينه، قالوا: وهي أوّل عضو من أعضائه نفخ اللّه فيه الرّوح، وذلك قبل أن يسوّيه خلقًا سويًّا، وقبل أن يحيى حماره.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: كان هذا رجلاً من بني إسرائيل نفخ الرّوح في عينيه، فنظر إلى خلقه كلّه حين يحييه اللّه، وإلى حماره حين يحييه اللّه.
[جامع البيان: 4/608]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: بدأ بعينيه فنفخ فيهما الرّوح، ثمّ بعظامه فأنشزها، ثمّ وصّل بعضها إلى بعضٍ، ثمّ كساها العصب، ثمّ العروق، ثمّ اللّحم. ثمّ نظر إلى حماره، فإذا حماره قد بلي وابيضّت عظامه في المكان الّذي ربطه فيه، فنودي: يا عظام اجتمعي، فإنّ اللّه منزلٌ عليك روحًا، فسعى كلّ عظمٍ إلى صاحبه، فوصّل العظام، ثمّ العصب، ثمّ العروق، ثمّ اللّحم، ثمّ الجلد، ثمّ الشّعر، وكان حماره جذعًا، فأحياه اللّه كبيرًا قد تشنّن، فلم يبق منه إلاّ الجلد من طول الزّمن، وكان طعامه سلّ عنبٍ وشرابه دنّ خمرٍ.
- قال ابن جريجٍ عن مجاهدٍ: نفخ الرّوح في عينيه، ثمّ نظر بهما إلى خلقه كلّه حين نشره اللّه، وإلى حماره حين يحييه اللّه.
وقال آخرون: بل جعل اللّه الرّوح في رأسه وبصره وجسده ميّتًا، فرأى حماره قائمًا كهيئته يوم ربطه وطعامه وشرابه كهيئته يوم حلّ البقعة، ثمّ قال اللّه له: انظر إلى عظام نفسك كيف ننشزها.
[جامع البيان: 4/609]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سهل بن عسكرٍ، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ أنّه سمع وهب بن منبّهٍ، يقول: ردّ اللّه روح الحياة في عين إرميا وآخر جسده ميّتٌ، فنظر إلى طعامه وشرابه لم يتسنّه، ونظر إلى حماره واقفًا كهيئته يوم ربطه، لم يطعم ولم يشرب، ونظر إلى الرّمّة في عنق الحمار لم تتغيّر جديدةً.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {فأماته اللّه مائة عامٍ ثمّ بعثه} فنظر إلى حماره قائمًا قد مكث مائة عامٍ، وإلى طعامه لم يتغيّر قد أتى عليه مائة عامٍ، {وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحمًا} فكان أوّل شيءٍ أحيا اللّه منه رأسه، فجعل ينظر إلى سائر خلقه يخلق.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك في قوله: {فأماته اللّه مائة عامٍ ثمّ بعثه} فنظر إلى حماره قائمًا، وإلى طعامه وشرابه لم يتغيّر، فكان أوّل شيءٍ خلق منه رأسه، فجعل ينظر إلى كلّ شيءٍ منه يوصل بعضه إلى بعضٍ، {فلمّا تبيّن له، قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد،
[جامع البيان: 4/610]
قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّه أوّل ما خلق اللّه منه رأسه، ثمّ ركّبت فيه عيناه، ثمّ قيل له: انظر، فجعل ينظر، فجعلت عظامه تواصل بعضها إلى بعضٍ، وبعين نبيّ اللّه عليه السّلام كان ذلك، فقال: أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك} وكان حماره عنده كما هو، {ولنجعلك آيةً للنّاس وانظر إلى العظام كيف ننشزها} قال الرّبيع: ذكر لنا واللّه أعلم أنّه أوّل ما خلق منه عيناه، ثمّ قيل: انظر، فجعل ينظر إلى العظام يتواصل بعضها إلى بعضٍ وذلك بعينيه، فقيل: أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرنا ابن زيدٍ، فى قوله: {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك} واقفًا عليك منذ مائة سنةٍ، {ولنجعلك آيةً للنّاس وانظر إلى العظام} يقول: وانظر إلى عظامك كيف نحييها حين سألتنا كيف نحيي هذه؟ قال: فجعل اللّه الرّوح في بصره وفي لسانه، ثمّ قال: ادع الآن بلسانك الّذي جعل اللّه فيه الرّوح، وانظر ببصرك، قال: فكان ينظر إلى الجمجمة، قال: فنادى: ليلحق كلّ عظمٍ بأليفه، قال: فجاء كلّ عظمٍ إلى صاحبه، حتّى اتّصلت وهو يراها، حتّى إنّ الكسرة من العظم لتأتي إلى الموضع الّذي انكسرت منه،
[جامع البيان: 4/611]
فتلصق به حتّى وصل إلى جمجمته، وهو يرى ذلك، فلمّا اتّصلت شدّها بالعصب والعروق، وأجرى عليها اللّحم والجلد، ثمّ نفخ فيها الرّوح، ثمّ قال: {انظر إلى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحمًا فلمّا تبيّن له} ذلك {قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} قال: ثمّ أمر فنادى تلك العظام الّتي قال: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها} كما نادى عظام نفسه، ثمّ أحياها اللّه كما أحياه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني بكر بن مضر، قال: يزعمون في بعض الكتب أنّ اللّه تبارك وتعالى أمات إرميا مائة عامٍ، ثمّ بعثه، فإذا حماره حيّ قائمٌ على رباطه، قال: وردّ اللّه إليه بصره وجعل الرّوح فيه قبل أن يبعث بثلاثين سنةً، ثمّ نظر إلى بيت المقدس وكيف عمّر وما حوله، قال: فيقولون واللّه أعلم: إنّه الّذي قال اللّه تعالى ذكره: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ} الآية.
ومعنى الآية على تأويل هؤلاء: وانظر إلى حمارك لم يتسنه، ولنجعلك آيةً للنّاسٍ، وانظر إلى عظامك كيف ننشزها بعد بلاهًا، ثمّ نكسوها لحمًا، فنحييها بحياتك، فتعلم كيف يحيي اللّه القرى وأهلها بعد مماتها.
[جامع البيان: 4/612]
وأولى الأقوال في هذه الآية بالصّواب قول من قال: إنّ اللّه تعالى ذكره بعث قائل {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها} من مماته، ثمّ أراه نظير ما استنكر من إحياء اللّه القرية الّتي مرّ بها بعد مماتها عيانًا من نفسه وطعامه وحماره، فحمل تعالى ذكره ما أراه من إحيائه نفسه وحماره مثلاً لما استنكر من إحيائه أهل القرية الّتي مرّ بها خاويةً على عروشها، وجعل ما أراه من العبرة في طعامه وشرابه عبرةً له وحجّةً عليه في كيفيّة إحيائه منازل القرية وجنانها، وذلك هو معنى قول مجاهدٍ الّذي ذكرناه قبل.
وإنّما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية؛ لأنّ قوله: {وانظر إلى العظام} إنّما هو بمعنى: وانظر إلى العظام الّتي تراها ببصرك كيف ننشزها، ثمّ نكسوها لحمًا، وقد كان حماره أدركه من البلى في قول أهل التّأويل جميعًا نظير الّذي لحق عظام من خوطب بهذا الخطّاب، فلم يمكن صرف معنى قوله: {وانظر إلى العظام} إلى أنّه أمرٌ له بالنّظر إلى عظام الحمار دون عظام المأمور بالنّظر إليها، ولا إلى أنّه أمرٌ له بالنّطر إلى عظام نفسه دون عظام الحمار، وإذ كان ذلك كذلك، وكان البلى قد لحق عظامه وعظام حماره، كان الأولى بالتّأويل أن يكون الأمر بالنّظر إلى كلّ ما أدركه طرفه ممّا قد كان البلى لحقه؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره جعل جميع ذلك عليه حجّةً وله عبرةً وعظةً). [جامع البيان: 4/613]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولنجعلك آيةً للنّاس}.
يعني تعالى ذكره بذلك: {ولنجعلك آيةً للنّاس} أمتناك مائة عامٍ ثمّ بعثناك.
وإنّما أدخلت الواو مع اللاّم الّتي في قوله: {ولنجعلك آيةً للنّاس}
[جامع البيان: 4/613]
وهى بمعنى كي؛ لأنّ في دخولها في كي وأخواتها دلالةً على أنّها شرطٌ لفعلٍ بعدها، بمعنى: ولنجعلك كذا وكذا فعلنا ذلك، ولو لم تكن قبل اللاّم أعني لام كي واوٌ كانت اللاّم شرطًا للفعل الّذي قبلها، وكان يكون معناه: وانظر إلى حمارك، لنجعلك آيةً للنّاس.
وإنّما عنى بقوله: {ولنجعلك آيةً} ولنجعلك حجّةً على من جهل قدرتي، وشكّ في عظمتي، وأنى القادر على فعل ما أشاء من إماتةٍ وإحياءٍ، وإفناءٍ، وإنشاءٍ، وإنعامٍ، وإذلالٍ، وإقتارٍ، وإغناءٍ، بيدي ذلك كلّه، لا يملكه أحدٌ دوني، ولا يقدر عليه غيري.
وكان بعض أهل التّأويل يقول: كان آيةً للنّاس بأنّه جاء بعد مائة عامٍ إلى ولده وولد ولده شابًّا وهم شيوخٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدّثنا قبيصة بن عقبة، عن سفيان، قال: سمعت الأعمش، يقول: {ولنجعلك آيةً للنّاس} قال: جاء شابًّا وولده شيوخٌ.
وقال آخرون: معنى ذلك أنّه جاء وقد هلك من يعرفه، فكان آيةً لمن قدم عليه من قومه.
[جامع البيان: 4/614]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى، قال، حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: رجع إلى أهله، فوجد داره قد بيعت وبنيت، وهلك من كان يعرفه، فقال: اخرجوا من داري، قالوا: ومن أنت؟ قال: أنا عزيرٌ، قالوا: أليس قد هلك عزيرٌ منذ كذا وكذا؟ قال: فإنّ عزيرًا أنا هو، كان من حالي وكان، فلمّا عرفوا ذلك، خرجوا له من الدّار ودفعوها إليه.
والّذي هو أولى بتأويل الآية من القول، أن يقال: إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر أنّه جعل الّذي وصف صفته في هذه الآية وحجّةً للنّاس، فكان كذلك حجّةً على من عرفه من ولده وقومه ممّن علم موته، وإحياء اللّه إيّاه بعد مماته، وعلى من بعث إليه منهم). [جامع البيان: 4/615]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وانظر إلى العظام كيف ننشزها}.
وقد دلّلنا فيما مضى قبل على أنّ العظام الّتي أمر بالنّظر إليها هي عظام نفسه وحماره، وذكرنا اختلاف المختلفين في تأويل ذلك وما يعني كلّ قائلٍ بما قاله في ذلك بما أغنى عن إعادته.
وأمّا قوله: {كيف ننشزها} فإنّ القرّاء اختلفت في قراءته، فقرأ بعضهم: {وانظر إلى العظام كيف ننشزها} بضمّ النّون والزّاي، وذلك قراءة عامّة قراءة الكوفيّين، بمعنى: وانظر كيف نركّب بعضها على بعضٍ، وننقل ذلك إلى مواضعه من الجسم.
[جامع البيان: 4/615]
وأصل النّشز الارتفاع، ومنه قيل: قد نشز الغلام إذا ارتفع طوله وشبّ، ومنه نشوز المرأة على زوجها، ومن ذلك قيل للمكان المرتفع من الأرض: نشزٌ ونشزٌ ونشازٌ، فإذا أردت أنّك رفعته، قلت: أنشزته إنشازًا، ونشز هو: إذا ارتفع.
فمعنى قوله: {وانظر إلى العظام كيف ننشزها} في قراءة من قرأ ذلك بالزّاي: كيف نرفعها من أماكنها من الأرض فنردّها إلى أماكنها من الجسم.
وممّن تأوّل ذلك هذا التّأويل جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {كيف ننشزها} قال: نحرّكها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {كيف ننشزها} كيف نخرجها؟.
وقرأ ذلك آخرون: (وانظر إلى العظام كيف ننشرها) بضمّ النّون، قالوا من قول القائل: أنشر اللّه الموتى فهو ينشرهم إنشارًا، وذلك قراءة عامّة قرّاء أهل المدينة، بمعنى: وانظر إلى العظام كيف نحييها ثمّ نكسوها لحمًا.
[جامع البيان: 4/616]
ذكر من تأويل ذلك كذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: (كيف ننشرها) قال: انظر إليها حين يحييها اللّه.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، بمثله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: (وانظر إلى العظام كيف ننشرها) قال: كيف نحييها؟.
واحتجّ بعض قرّاء ذلك بالرّاء وضمّ نون أوّله بقوله: {ثمّ إذا شاء أنشره} فرأى أنّ من الصّواب إلحاق قوله: (وانظر إلى العظام كيف ننشرها) به.
وقرأ ذلك بعضهم: (وانظر إلى العظام كيف ننشرها) بفتح النّون من أوّله وبالرّاء كأنّه وجّه ذلك إلى مثل معنى نشر الشّيء وطيّه، وذلك قراءةٌ غير محمودةٍ، لأنّ العرب لا تقول: نشر الموتى،
[جامع البيان: 4/617]
وإنّما تقول: أنشر اللّه الموتى، فنشروا هم بمعنى: أحياهم فحيوا هم، ويدلّ على ذلك قوله: {ثمّ إذا شاء أنشره} وقوله: {آلهةٌ من الأرض هم ينشرون}.
وعلى أنّه إذا أريد به حيي الميّت وعاش بعد مماته، قيل: نشر، ومنه قول أعشى بني ثعلبة:
حتّى يقول النّاس ممّا رأوا = يا عجبًا للميّت النّاشر
وروي سماعًا من العرب: كان به جربٌ فنشر، إذا عاد وحيي.
والقول في ذلك عندي أنّ معنى الإنشار ومعنى الإنشاز متقاربان، لأنّ معنى الإنشاز التّركيب والإنبات وردّ العظام من التراب إلى الجسد، وأن معنى الأنشار الأحياء والأعاده وإحياء العظام وإعادتها لا شكّ أنّه ردّها إلى أماكنها ومواضعها من الجسد بعد مفارقتها إيّاها، فهما وإن اختلفا في اللّفظ فمتقاربا المعنى، وقد جاءت بالقراءة بهما الأمّة مجيئًا يقطع العذر ويوجب الحجّة، فبأيّهما قرأ القارئ فمصيبٌ لاتقاق معنييهما، ولا حجّة توجب لإحداهما من القضاء بالصّواب على الأخرى.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّ الإنشار إذا كان إحياءً فهو بالصّواب أولى؛ لأنّ المأمور بالنّظر إلى العظام وهي تنشر إنّما أمر به ليرى عيانًا ما أنكره بقوله: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها}
[جامع البيان: 4/618]
فإنّ إحياء العظام لا شكّ في هذا الموضع إنّما عنى به ردّها إلى أماكنها من جسد المنظور إليه، وهو يحيا، لا إعادة الرّوح الّتي كانت فارقتها عند الممات، والّذي يدلّ على ذلك قوله: {ثمّ نكسوها لحمًا} ولا شكّ أنّ الرّوح إنّما نفخت في العظام الّتي أنشرت بعد أن كسيت اللّحم.
وإذا كان ذلك كذلك، وكان معنى الإنشاز تركيب العظام وردّها إلى أماكنها من الجسد، وكان ذلك معنى الإنشار، وكان معلومًا استواء معنييهما، وأنّهما متّفقا المعنى لا مختلفاه، ففي ذلك إبانةٌ عن صحّة ما قلنا فيه.
فأمّا القراءة الثّالثة فغير جائزةٍ القراءة بها عندي، وهي قراءة من قرأ: (كيف ننشرها) بفتح النّون وبالرّاء، لشذوذها عن قراءة المسلمين وخروجها عن الصّحيح الفصيح من كلام العرب). [جامع البيان: 4/619]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ نكسوها لحمًا}.
يعني تعالى ذكره بذلك: {ثمّ نكسوها} أي العظام لحمًا.
والهاء الّتي في قوله: {ثمّ نكسوها لحمًا} من ذكر العظام، ومعنى نكسوها: نلبسها ونواريها به كما يواري جسد الإنسان كسوته الّتي يلبسها، وكذلك تفعل العرب، تجعل كلّ شيءٍ غطّى شيئًا وواراه لباسًا له وكسوةً، ومنه قول النّابغة الجعديّ:
فالحمد للّه إذ لم يأتني أجلي = حتّى اكتسيت من الإسلام سربالا
[جامع البيان: 4/619]
فجعل الإسلام إذ غطّى الّذي كان عليه فواراه وأذهبه كسوةً له وسربالاً). [جامع البيان: 4/620]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلمّا تبيّن له قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {فلمّا تبيّن له} فلمّا اتّضح له عيانًا ما كان مستنكرًا فى قدرة اللّه وعظمته عنده قبل عيانه ذلك، قال: أعلم الآن بعد المعاينة والإيضاح والبيان أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ.
ثمّ اختلفت القراءة في قراءة قوله: {قال أعلم أنّ اللّه} فقرأه بعضهم: {قال أعلم} على معنى الأمر بوصل الألف من أعلم، وجزم الميم منها. وهي قراءة عامّة قرّاء أهل الكوفة، ويذكرون أنّها في قراءة عبد اللّه: (قيل اعلم) على وجه الأمر من اللّه للّذي أحيي بعد مماته، فأمر بالنّظر إلى ما يحييه اللّه بعد مماته وكذلك روي عن ابن عبّاسٍ.
- حدّثني أحمد بن يوسف التّغلبيّ، قال: حدّثنا القاسم بن سلامٍ، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن هارون، قال: هي في قراءة عبد اللّه: (قيل اعلم أنّ اللّه) على وجه الأمر.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه - أحسبه، شكّ أبو جعفرٍ الطّبريّ - سمعت ابن عبّاسٍ، يقرأ: (فلمّا تبيّن له قال اعلم) قال: إنّما قيل ذلك له.
[جامع البيان: 4/620]
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: ذكر لنا واللّه أعلم أنّه قيل له: انظر، فجعل ينظر إلى العظام كيف يتواصل بعضها إلى بعضٍ، وذلك بعينيه، فقيل: اعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ.
فعلى هذا القول تأويل ذلك: فلمّا تبيّن من أمر اللّه وقدرته، قال اللّه له: اعلم الآن أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ، ولو صرف متأوّلٌ قوله: قال اعلم، وقد قرأه على وجه الأمر إلى أنّه من قبل المخبر عنه بما اقتصّ في هذه الآية من قصّته كان وجهًا صحيحًا، وكان ذلك كما يقول القائل: اعلم أن قد كان كذا وكذا، على وجه الأمر منه لغيره وهو يعني به نفسه.
وقرأ ذلك آخرون: {قال أعلم} على وجه الخبر عن نفسه للمتكلّم به بهمز ألف {أعلم} وقطعها ورفع الميم، بمعنى: فلمّا تبيّن له من قدرة اللّه وعظيم سلطانه بمعاينته ما عاينه، قال: المتبين ذلك، أعلم الآن أنا أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ؟
وبذلك قرأ عامّة أهل المدينة وبعض قرّاء أهل العراق، وبذلك من التّأويل تأوّله جماعةٌ من أهل التّأويل.
[جامع البيان: 4/621]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمّن لا يتّهم، عن وهب بن منبّهٍ، قال: لمّا عاين من قدرة اللّه ما عاين، قال: {أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا عبد الصّمد بن معقلٍ، أنّه سمع وهب بن منبّهٍ، يقول: {فلمّا تبيّن له قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: يعني نبيّ اللّه عليه السّلام، كان يعني إنشاز العظام، فقال: {أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: قال عزيرٍ عند ذلك يعني عند معاينة إحياء اللّه حماره {أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: جعل ينظر إلى كلّ شيءٍ منه يوصل بعضه إلى بعضٍ، {فلمّا تبيّن له قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}.
[جامع البيان: 4/622]
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، نحوه.
وأولى القراءتين في ذلك بالصّواب قراءة من قرأ: (اعلم) بوصل الألف وجزم الميم على وجه الأمر من اللّه تعالى ذكره للّذي قد أحياه بعد مماته بالأمر بأن يعلم أنّ اللّه الّذي أراه بعينيه ما أراه من عظيم قدرته وسلطانه من إحيائه إيّاه وحماره بعد موت مائة عامٍ وبلائه حتّى عادا كهيئتهما يوم قبض أرواحهما، وحفظ عليه طعامه وشرابه مائة عامٍ حتّى ردّه عليه كهيئته يوم وضعه غير متغيّرٍ على كلّ شيء قادرٌ كذلك.
وإنّما اخترنا قراءة ذلك كذلك وحكمنا له بالصّواب دون غيره؛ لأنّ ما قبله من الكلام أمرٌ من اللّه تعالى ذكره قولاً للّذي أحياه اللّه بعد مماته وخطابًا له به، وذلك قوله: {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك}، {وانظر إلى العظام كيف ننشزها} فلمّا تبيّن له ذلك جوابًا عن مسألته ربّه: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها}؟ قال اللّه له: اعلم أنّ اللّه الّذي فعل هذه الأشياء على ما رأيت على غير ذلك من الأشياء قديرٌ كقدرته على ما رأيت وأمثاله، كما قال تعالى ذكره لخليله إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم، بعد أن أجابه عن مسألته إيّاه في قوله: {ربّ أرني كيف تحيي الموتى} {واعلم أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ} فأمر إبراهيم بأن يعلم بعد أن أراه كيفيّة إحيائه الموتى أنّه عزيزٌ حكيمٌ، فكذلك أمر الّذي سأل فقال: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها} بعد أن أراه كيفيّة إحيائه إيّاها أن يعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ). [جامع البيان: 4/623]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها قال أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مئة عامٍ ثمّ بعثه قال كم لبثت قال لبثت يومًا أو بعض يومٍ قال بل لبثت مئة عامٍ فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آيةً للنّاس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحمًا فلمّا تبيّن له قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (259)
قوله تعالى: أو كالّذي مرّ على قريةٍ
[الوجه الأوّل]
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق الهمداني، عن ناجية بن كعبٍ الأسديّ عن عليّ بن أبي طالبٍ يعني قوله: أو كالّذي مرّ على قرية قال: خرج عزيز نبيّ اللّه من مدينته وهو شابٌّ، فمرّ على قريةٍ خربةٍ، فقال:
أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها
وروي عن الحسن والسّدّيّ وابن بريدة وقتادة: أنه كان عزير.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، قال سمعت سليمان بن محمّدٍ الأسلميّ السّيّاريّ الجاريّ من أهل الجار ابن عمّ مطرّفٍ، قال: سمعت رجلا من أهل الشّام يقول: إنّ الّذي أماته اللّه مائة عامٍ ثمّ بعثه، اسمه: حزقيل بن بوزا.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة قيس، عن عبد الله بن عبيد ابن عميرٍ: أنّه كان نبيًّا، وكان اسمه: إرميا
وقال مجاهدٌ: رجلٌ من بني إسرائيل. وروي عن وهب بن منبّهٍ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/500]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: على قريةٍ
- حدّثنا أبو زرعة ثنا صفوان، ثنا الوليد حدّثنا سعيد بن بشيرٍ عن قتادة، في قول اللّه: أو كالّذي مرّ على قريةٍ قال: كنّا نحدّث أنّه عزيرٌ، أتى على بيت المقدس بعد ما خرّبها بختنصّر البابليّ وروي عن الضّحّاك، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/500]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وهي خاويةٌ
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: وهي خاويةٌ قال: خواها: خرابها.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أبنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: وهي خاويةٌ قال: ليس فيها أحدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/500]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: على عروشها
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: على عروشها سقوفها. وروي عن السّدّيّ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/501]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان بن صالحٍ، ثنا الوليد، ثنا سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة يعني في قوله اللّه: أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها قال: أنّى يعمّر هذه بعد خرابها؟. وروي عن الرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ أنّ عزيرًا جاء من الشّام على حمارٍ له، معه عنبٌ وعصيرٌ وتين، فلما مر بالقرية، فرآها، وقف عليه وقلّب يده، وجعل يلوي شدقه وأصابعه وقال: كيف يحيي هذه اللّه بعد موتها ليس تكذيبًا منه وشكًّا). [تفسير القرآن العظيم: 1/501]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فأماته اللّه مائة عامٍ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، في قوله: فأماته اللّه مائة عامٍ قال: فأماته اللّه وأمات حماره وهلكا، ومرّ عليهما مائة سنةٍ.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محلّمٍ، ثنا عبد الكبير بن عبد المجيد، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن، عن
قوله: أنى يحيي هذه الله بعد موتها
قال: هذا رجلٌ من بني إسرائيل مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها قال: أنى يحيي هذه اللّه بعد موتها؟ قال: فعاقبه اللّه بقوله ذلك: فأماته اللّه مائة عامٍ وحماره صافنٌ إلى جنبه، لا يطعم ولا يسقى حتّى أتى عليه مائة عامٍ طعامه وشرابه إلى جنبه، فذلك مائة عامٍ.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أبنا عبد الرّزّاق أبنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه أوّل النّهار، فلبث مائة عامٍ، ثمّ بعثه.
[تفسير القرآن العظيم: 2/501]
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أبنا عبد الرّزّاق أبنا عبد الصّمد أنّه سمع وهب بن منبّهٍ في قوله: أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها يقول: إنّ إرميا، لمّا خرّب بيت المقدس وحرّقت الكتب، وقف في ناحية الجبل، فقال: أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها؟ فأماته اللّه مائة عامٍ، ثمّ ردّ اللّه من ردّ من بني إسرائيل، على رأس سبعين سنةً من حين أماته، يعمرونها ثلاثين سنةً، تمام المائة، فلمّا ذهبت المائة ردّ اللّه إليه روحه، وقد عمرت، فهي على حالها الأولى). [تفسير القرآن العظيم: 1/502]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ثمّ بعثه
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق الهمداني، عن ناجية بن كعبٍ الأسديّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ: أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مائة عامٍ ثمّ بعثه: فأوّل ما خلق منه عيناه.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ في قوله: ثمّ بعثه ثمّ إنّ اللّه أحيا عزيرًا.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أبنا عبد الرّزّاق، أبنا معمرٌ عن قتادة، في قوله: ثمّ بعثه في آخر النّهار.
وروي عن الرّبيع بن أنسٍ: ثمّ بعث قبل غروب الشّمس). [تفسير القرآن العظيم: 1/502]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: قال كم لبثت قال لبثت يومًا أو بعض يومٍ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، حدّثني سعيدٌ، عن قتادة في قول اللّه: قال كم لبثت قال لبثت يومًا ثمّ التفت، فرأى بقيّة الشّمس قال أو بعض يومٍ وروي عن الحسن والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/502]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: قال بل لبثت مائة عامٍ
- حدّثني عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعبٍ الأسديّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ قال: خرج عزيرٌ نبيّ اللّه من مدينته، وهو شابٌّ، فمرّ على قريةٍ خربةٍ ف قال أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مائة عامٍ ثمّ بعثه فأوّل ما خلق منه عيناه، فنظر إلى عظامه ينصب بعضها إلى بعضٍ، ثمّ كسيت لحمًا، ثمّ نفخ فيه الرّوح، فقيل له: كم لبثت قال لبثت يومًا أو
[تفسير القرآن العظيم: 2/502]
بعض يومٍ قال بل لبثت مائة عامٍ
قال: فأتى مدينته، وقد ترك جارًا له إسكافًا شابًّا، فجاء وهو شيخٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/503]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فانظر إلى طعامك
- حدثنا بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا عبد الوهّاب، عن سعيدٍ عن قتادة، قال: كان طعامه الّذي معه، سلّةٌ من تينٍ. وروي عن وهب بن منبّهٍ ومجاهدٍ، نحو ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ فانظر إلى طعامك من التين والعنب). [تفسير القرآن العظيم: 1/503]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وشرابك
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أبنا عبد الرزاق، ابنا عبد الصمد ابن معقلٍ، أنّه سمع وهب بن منبّهٍ في قوله: فانظر إلى طعامك وشرابك قال: قلّةٌ فيها ماءٌ.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا عبد الوهّاب، عن سعيدٍ عن قتادة: وشرابه: زقٌّ من عصيرٍ.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا أبو عميرٍ عيسى بن محمّدٍ الرّمليّ، أبنا حجّاج بن محمّدٍ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ فانظر إلى طعامك قال: سلّة تينٍ وشرابك قال:
زقّ خمرٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/503]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: لم يتسنّه
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبدة، عن النّضر بن عربيٍّ، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ، في قوله: لم يتسنّه لم يتغيّر.
وروي عن الحسن ومجاهدٍ ووهب بن منبّهٍ وقتادة وابن مالكٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة منجاب بن الحارث، أبنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ،
[تفسير القرآن العظيم: 2/503]
عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه يقول: لم يتغير، لم يفسد بعد مائة حولٍ كاملٍ والطّعام والشّراب يتغيّر ويفسد في أقلّ من ذلك، وهذا من الآيات فاعتبر.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ لم يتسنّه يقول لم يتغيّر، فيحمض التّين والعنب، ولم يختمر العصير، هما حلوان كما هما.
وروي عن وهب بن منبّهٍ وقتادة وحميدٍ الأعرج، قالوا: لم يتغيّر.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ لم يتسنّه: لم ينتن.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن محمّدٍ الصّبّاح، ثنا عبد الوهّاب، عن أبي عمرو بن العلاء لم يتسنّه لم تأت عليه السّنون). [تفسير القرآن العظيم: 1/504]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى وانظر إلى حمارك
[الوجه الأول]
- حدّثني أبي، ثنا عليّ بن محمّدٍ الطّنافسيّ، ثنا وكيعٌ، عن النّضر بن عربيٍّ، عن عكرمة وانظر إلى حمارك قال: لمّا قام نظر إلى مفاصله متفرّقةً، فمضى كلّ مفصلٍ إلى صاحبه، فلمّا اتّصلت المفاصل كسيت لحمًا.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ وانظر إلى حمارك وقد هلكت وبليت عظامه.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ يعني قوله: وانظر إلى حمارك قال: فنظر إلى حماره، حين يحييه اللّه.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ وانظر إلى حمارك وكأنّ حماره عنده كما هو). [تفسير القرآن العظيم: 1/505]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ولنجعلك آية للناس
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عيسى بن الطّبّاع، ثنا إبراهيم بن عيينة عن أبي طالبٍ القاصّ، عن عكرمة في قوله: ولنجعلك آيةً للنّاس قال كان بعث ابنٌ لمائةٍ وأربعين، شابًّا، وكان ولده أبناء مائة سنةٍ، وهم شيوخٌ.
- حدّثني أبي، ثنا عليّ بن محمّدٍ الطّنافسيّ، قال إبراهيم بن عيينة مثله أبو عبد اللّه التّيميّ، عن الأعمش، عن رجلٍ، عن عبد اللّه، مثله.
وروي عن المنهال بن عمرو والأعمش قالا: جاء شاب وولده شيوخٌ.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محلّمٍ، ثنا عبد الكبير بن عبد المجيد، ثنا عبّاد بن منصورٍ، قال: سألت الحسن، عن قوله: ولنجعلك آيةً للنّاس قال: فكان هذا عبدًا نفعه اللّه بما أراه من العبرة في نفسه وجعله آيةً للنّاس.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، يعني قوله: ولنجعلك آيةً للنّاس قال: فرجع إلى أهله، فوجد داره قد بيعت وبنيت وهلك من كان يعرفه، فقال: اخرجوا من داري، قالوا: ومن أنت؟ قال: أنا عزيرٌ.
قالوا: أليس قد هلك عزيرٌ، منذ كذا وكذا؟ قال: فإنّي أنا هو، كان من حالي، وكان. فلمّا عرفوا ذلك، خرجوا له من الدّار فدفعوها إليه). [تفسير القرآن العظيم: 1/505]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: آيةً
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن الرّبيع بن أنسٍ، قوله: آيةً يقول: عبرةً). [تفسير القرآن العظيم: 1/505]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وانظر إلى العظام كيف ننشزها
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث، أبنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: وانظر إلى العظام كيف ننشزها نشخصها عضوًا عضوًا.
[تفسير القرآن العظيم: 2/505]
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، ابنا عبد الرزاق ابنا عبد الصمد ابن معقلٍ، أنّه سمع وهب بن منبّهٍ، يعني في قوله: كيف ننشزها قال: فجعل ينظر إلى العظام، كيف يلتئم بعضها إلى بعضٍ.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: وانظر إلى العظام كيف ننشزها يقول: نحرّكها ثمّ نكسوها، فبعث اللّه ريحًا، فجاءته بعظام الحمار من كلّ سهلٍ وجبلٍ، ذهبت به الطّير والسّباع، فاجتمعت، وركّب بعضها في بعضٍ، وهو ينظر، وصار حمارًا من عظامٍ، ليس له لحمٌ ولا دمٌ.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو عامرٍ اسماعيل بن عمرو بن سعيدٍ السّكونيّ الحمصيّ، ثنا إبراهيم بن العلاء الزّبيديّ، ثنا أبو عبد الملك عبد الواحد بن ميسرة القرشيّ، عن أبي حفصٍ مبشّر بن عبيدٍ، في قراءته كيف ننشزها قال: نقيمها). [تفسير القرآن العظيم: 1/506]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ثمّ نكسوها لحمًا
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ ثمّ نكسوها لحمًا قال: إن الله كسا العظام لحمًا ودمًا، فقام حمارًا من لحمٍ ودم، ليس في روحٌ، ثمّ أقبل ملكٌ يمشي، حتّى أخذ بمنخر الحمار فنفخ فيه، فنهق الحمار
- حدّثنا أبي، ثنا عليّ بن محمّدٍ الطّنافسيّ، ثنا وكيعٌ، عن النّضر بن عربيٍّ، عن عكرمة يعني قوله: ثمّ نكسوها لحمًا قال: لمّا اتّصلت المفاصل، كسيت لحمًا، ثمّ كسي اللّحم عصبًا، ثمّ مدّ الجلد عليها، ثمّ نفخ في منخره، فنهق). [تفسير القرآن العظيم: 1/506]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فلمّا تبيّن له قال أعلم إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محلّمٍ، ثنا عبد الكبير بن عبد المجيد، ثنا عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، قال: ذكر لنا- واللّه أعلم- أنّ أوّل شيءٍ
[تفسير القرآن العظيم: 2/506]
خلقه اللّه منه، عيناه، ثمّ جعل يخلق بعد، بقيّة خلقه وهو ينظر بعينيه، كيف يكسو العظام لحمًا، ليعتبر ويعلم أنّ اللّه يحي الموتى، وأنّه على كلّ شيءٍ قديرٌ، فلمّا رأى ما أراه اللّه من ذلك، أجاب ربّه خيرًا، في معرفته، فقال: أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، أبنا عبد الرزاق، أبنا معمرٍ، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قال: فلمّا تبيّن له قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ قال: إنّما قيل له ذلك.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة بن الفضل، قال محمّد بن إسحاق إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ أي: إنّ اللّه على كلّ ما أراد بعباده، من نقمةٍ، أو عفوٍ قديرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/507]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحي هذه الله بعد موتها أي كيف يحيي الله قال كان نبيا وكان اسمه أرميا). [تفسير مجاهد: 112]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أحمد بن مهران، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعبٍ، عن عليٍّ رضي اللّه عنه، قال: " خرج عزيرٌ نبيّ اللّه من مدينته، وهو رجلٌ شابٌّ، فمرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها، قال: أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها، فأماته اللّه مائة عامٍ، ثمّ بعثه فأوّل ما خلق عيناه، فجعل ينظر إلى عظامه، ينظّم بعضها إلى بعضٍ، ثمّ كسيت لحمًا، ونفخ فيه الرّوح، وهو رجلٌ شابٌّ، فقيل له: كم لبثت؟ قال: يومًا أو بعض يومٍ، قال: بل لبثت مائة عامٍ، قال: فأتى المدينة وقد ترك جارًا له إسكافًا شابًّا، فجاء وهو شيخٌ كبيرٌ «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه» ). [المستدرك: 2/310]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا عبد الباقي بن قانعٍ الحافظ، ثنا عبيد بن محمّد بن حاتمٍ العجليّ، حدّثني أبو بكر بن أبي النّضر، ثنا أبي، ثنا زياد بن عبد اللّه بن علاثة، ثنا موسى بن محمّد بن إبراهيم التّيميّ، عن أبيه، عن أنس بن مالكٍ رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم سأل البراء بن عازبٍ فقال: «يا براء، كيف نفقتك على أهلك؟» قال: وكان موسّعًا على أهله، فقال: يا رسول اللّه، ما أحسبها؟ قال: «فإنّ نفقتك على أهلك وولدك وخادمك صدقةٌ، فلا تتبع ذلك منًّا ولا أذًى» هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/310]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {لم يتسنّه} [البقرة: 259].
- عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه} [البقرة: 259]، قال: لم يتغيّر.
رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد: 6/323]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو يعلى الموصليّ: ثنا عبد اللّه بن عمر، ثنا عبدة، عن النّضر بن عربيٍّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ "في قوله عزّ وجلّ: (انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه) قال: لم يتغيّر"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/184]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال مسدّدٌ: وثنا يحيى، عن سليمان التّيميّ، عن قتادة، عن أبي العالية، عن
[إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/184]
أبيّ بن كعبٍ "أنّه كان يقرأ: (وانظر إلى العظام كيف ننشزها".
هذا إسنادٌ رواته ثقاتٌ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/185]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال مسدّدٌ: وثنا يحيى، عن هشام بن حسّانٍ، عن حفصة، عن أبي العالية: "أنّ زيد بن ثابتٍ كان يقرأ: (انظر إلى العظام كيف ننشزها) أعجم الزّاي".
هذا إسنادٌ رواته ثقاتٌ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/185]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال مسدّدٌ: حدثنا يحيى، عن سليمان التّيميّ، عن قتادة، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ رضي الله عنه: أنّه كان يقرأ: (وانظر إلى العظام كيف ننشرها).
[المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/471]
- وعن يحيى، عن هشام بن حسّان، عن حفصة، عن أبي العالية، قال: إنّ زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه كان يقرأ: {وانظر إلى العظام كيف ننشزها}، أعجم الزّاي). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/472]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال أبو يعلى: حدثنا عبد اللّه بن عمر، ثنا عبدة، ثنا النّضر بن (عربيٍّ)، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما، في قوله (تبارك) وتعالى: {إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر} قال: لم يتغيّر). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/473]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن علي بن أبي طالب في قوله {أو كالذي مر على قرية} قال: خرج عزير نبي الله من مدينته وهو شاب فمر على قرية خربة وهي خاوية على عروشها فقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه فأول ما خلق منه عيناه فجعل
[الدر المنثور: 3/207]
ينظر إلى عظامه وينظم بعضها إلى بعض ثم كسيت لحما ثم نفخ فيه الروح فقيل له: كم لبثت قال: لبثت يوما أو بعض يوم، قال: بل لبثت مائة عام فأتى مدينته وقد ترك جارا له اسكافا شابا فجاء وهو شيخ كبير، واخرج إسحاق بن بشر والخطيب، وابن عساكر عن عبد الله بن سلام: أن عزيرا هو العبد الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه.
وأخرج ابن جرير، وابن عساكر عن ابن عباس: أن عزير بن سروخا هو الذي فيه قال الله في كتابه {أو كالذي مر على قرية} الآية.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة وقتادة وسليمان بن بريدة والضحاك والسدي مثله، واخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طرق عن ابن عباس وكعب والحسن ووهب يزيد بعضهم على بعض، أن عزيرا كان عبدا صالحا حكيما خرج ذات يوم إلى ضيعة له يتعاهدها فلما انصرف انتهى إلى
[الدر المنثور: 3/208]
خربة حين قامت الظهيرة أصابه الحر فدخل الخربة وهو على حمار له فنزل عن حماره ومعه سلة فيها تين وسلة فيها عنب فنزل في ظل تلك الخربة.
وأخرج قصعة معه فاعتصر من العنب الذي كان معه في القصعة ثم أخرج خبزا يابسا معه فألقاه في تلك القصعة في العصير ليبتل ليأكله ثم استلقى على قفاه وأسند رجليه إلى الحائط فنظر سقف تلك البيوت ورأى منها ما فيها وهي قائمة على عرشها وقد باد أهلها ورأى عظاما بالية فقال: {أنى يحيي هذه الله بعد موتها} فلم يشك أن الله يحييها ولكن قالها تعجبا، فبعث الله ملك الموت فقبض روحه فأماته الله مائة عام فلما أتت عليه مائة عام وكان فيما بين ذلك في بني اسرائيل أمور وأحداث فبعث الله إلى عزير ملكا فخلق قلبه ليعقل به وعينيه لينظر بهما فيعقل كيف يحيي الله الموتى ثم ركب خلقه وهو ينظر ثم كسا عظامه اللحم والشعر والجلد ثم نفخ فيه الروح كل ذلك يرى ويعقل فاستوى جالسا فقال له الملك: كم لبثت قال: لبثت يوما وذلك أنه كان نام في صدر النهار عند الظهيرة وبعث في آخر النهار والشمس لم تغب، فقال: أو بعض يوم ولم يتم لي يوم، فقال له الملك: بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك يعني الطعام الخبز اليابس وشرابه العصيرالذي كان اعتصر في القصعة فإذا هما على حالهما لم يتغير العصير والخبز اليابس فذلك قوله {لم يتسنه} يعني لم يتغير وكذلك التين والعنب غض لم يتغير عن حاله فكأنه
[الدر المنثور: 3/209]
أنكر في قلبه، فقال له الملك: أنكرت ما قلت لك انظر إلى حمارك، فنظر فإذا حماره قد بليت عظامه وصارت نخرة فنادى الملك عظام الحمار فأجابت وأقبلت من كل ناحية حتى ركبه الملك وعزير ينظر إليه ثم ألبسها العروق والعصب ثم كساها اللحم ثم أنبت عليها الجلد والشعر ثم نفخ فيه الملك فقام الحماررافعا رأسه وأذنيه إلى السماء
ناهقا فذلك قوله {وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما} يعني انظر إلى عظام حمارك كيف يركب بعضها بعضا في أوصالها حتى إذا صارت عظاما مصورا حمارا بلا لحم ثم انظر كيف نكسوها لحما {فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير} من احياء الموتى وغيره، قال فركب حماره حتى أتى محلته فأنكره الناس وأنكر الناس وأنكر منازله فانطلق على وهم منه حتى أتى منزله فإذا هو بعجوز عمياء مقعدة قد أتى عليها مائة وعشرون سنة كانت أمة لهم فخرج عنهم عزير وهي بنت عشرين سنة كانت عرفته وعقلته فقال لها عزير: يا هذه أهذا منزل عزير قالت: نعم وبكت وقالت: ما رأيت أحدا من كذا وكذا سنة يذكر عزيرا وقد نسيه الناس، قال: فإني أنا عزير، قالت: سبحان الله فإن عزيرا قد فقدناه منذ مائة سنة فلم نسمع له بذكر، قال: فإني أنا عزير كان الله أماتني مائة سنة ثم بعثني، قالت: فإن عزيرا كان رجلا مستجاب الدعوة يدعو للمريض ولصاحب البلاء بالعافية والشفاء فادع الله أن يرد علي بصري حتى أراك فإن كنت عزيرا عرفتك، فدعا ربه ومسح يده على عينيهما فصحتا
[الدر المنثور: 3/210]
وأخذ بيدها فقال: قومي بإذن الله فأطلق الله رجلها فقامت صحيحة كأنما نشطت من عقال فنظرت فقالت: أشهد أنك عزير، فانطلقت إلى محلة بني إسرائيل وهم في أنديتهم ومجالسهم، وابن لعزير شيخ ابن مائة سنة وثمان عشرة سنة وبنو بنيه شيوخ في المجلس فنادتهم فقالت: هذا عزير قد جاءكم، فكذبوها فقالت: أنا فلانة مولاتكم دعا لي ربه فرد علي بصري وأطلق رجلي وزعم أن الله كان أماته مائة سنة ثم بعثه فنهض الناس فأقبلوا إليه فنظروا إليه فقال ابنه: كانت لأبي شامة سوداء بين كتفيه فكشف عن كتفيه فإذا هو عزير فقالت بنو إسرائيل: فإنه لم يكن فينا أحد حفظ التوراة فيما حدثنا غير عزير وقد حرق بختنصر التوراة ولم يبق منها شيء إلا ما حفظت الرجال فاكتبها لنا، وكان أبوه سروخا قد دفن التوراة أيام بختنصر في موضع لم يعرفه أحد غير عزير فانطلق بهم إلى ذلك الموضع فحفره فاستخرج التوراة وكان قد عفن الورق ودرس الكتاب فجلس في ظل شجرة وبنو إسرائيل حوله فجدد لهم التوراة فنزل من السماء شهابان حتى دخلا جوفه فتذكر التوراة فجددها لبني إسرائيل فمن ثم
قالت اليهود: عزير ابن الله للذي كان من أمر الشهابين وتجديده للتوراة وقيامه بأمر بني إسرائيل وكان جدد لهم التوراة بأرض السواد بدير حزقيل والقرية التي مات فيها يقال لها سابر أباد قال ابن عباس: فكان كما قال الله {ولنجعلك آية للناس} يعني لبني إسرائيل وذلك أنه
[الدر المنثور: 3/211]
كان يجلس مع بني بنيه وهم شيوخ وهو شاب لأنه كان مات وهو ابن أربعين سنة فبعثه الله شابا كهيئته يوم مات.
وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عبيد بن عمير في قوله {أو كالذي مر على قرية} قال: كان نبيا اسمه أورميا.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال: إن أرميا لما خرب بيت المقدس وحرق الكتب وقف في ناحية الجبل فقال: {أنى يحيي هذه الله بعد موتها} فأماته الله مائة عام ثم بعثه وقد عمرت على حالها الأول فجعل ينظر إلى العظام كيف يلتئم بعضه إلى بعض ثم نظر إلى العظام تكسى عصبا ولحما {فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير} فقال: انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وكان طعامه تينا في مكتل وقلة فيها ماء.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله {أو كالذي مر على قرية} قال: القرية بيت المقدس مر بها عزير بعد أن خربها بختنصر.
وأخرج عن قتادة والضحاك والربيع، مثله
[الدر المنثور: 3/212]
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق محمد بن سليمان السياري، سمعت رجلا من أهل الشام يقول: إن الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه اسمه حزقيل بن بوزا.
وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر عن الحسن قال: كان أمر عزير وبختنصر في الفترة.
وأخرج إسحاق، وابن عساكر عن عطاء بن أبي رباح قال: كان أمر عزير بين عيسى ومحمد.
وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر عن وهب بن منبه قال: كانت قصة عزير وبختنصر بين عيسى وسليمان.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله {خاوية} قال: خراب
[الدر المنثور: 3/213]
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة {خاوية} قال: ليس فيها أحد.
وأخرج عن الضحاك {على عروشها} قال: سقوفها.
وأخرج ابن جرير عن السدي {خاوية على عروشها} قال: ساقطة على سقفها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {أنى يحيي هذه الله بعد موتها} قال: أنى تعمرهذه بعد خرابها.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد والبيهقي في البعث عن الحسن في قوله {فأماته الله مائة عام ثم بعثه} قال: ذكر لنا أنه أميت ضحوة وبعث حين سقطت الشمس قبل أن تغرب وأن أول ما خلق الله منه عيناه فجعل ينظر بهما إلى عظم كيف يرجع إلى مكانه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: لبثت يوما ثم التفت فرأى بقية الشمس فقال: أو بعض يوم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: كان طعامه الذي معه سلة من تين
[الدر المنثور: 3/214]
وشرابه زق من عصير.
وأخرج عن مجاهد قال: طعامه سلة تين وشرابه دن خمر.
وأخرج أبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عساكر من طرق عن ابن عباس في قوله {لم يتسنه} قال: لم يتغير.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس، أن نافع ابن الأزرق سأله عن قوله {لم يتسنه} قال: لم تغيره السنون، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت قول الشاعر: طاب منه الطعم والريح معا * لن تراه يتغير من أسن.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد {لم يتسنه} قال: لم ينتن.
وأخرج ابن راهويه في مسنده وأبو عبيد في الفضائل وعبد بن
[الدر المنثور: 3/215]
حميد، وابن جرير، وابن الأنباري في المصاحف عن هانى ء البربري مولى عثمان قال: لما كتب عثمان المصاحف شكوا في ثلاث آيات فكتبوها في كتف شاة وأرسلوني بها إلى أبي بن كعب وزيد بن ثابت فدخلت عليهما فناولتها أبي بن كعب فقرأها فوجد فيها (لا تبديل للخلق ذلك الدين القيم) فمحا بيده أحد اللامين وكتبها (لا تبديل لخلق
الله) (الروم الآية 30)، ووجد فيها (انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنن) فمحا النون وكتبها {لم يتسنه}، وقرأ فيها (فأمهل الكافرين) فمحا الألف وكتبها (فمهل) (الطارق الآية 17)، ونظر فيها زيد بن ثابت ثم انطلقت بها إلى عثمان فأثبتوها في المصاحف كذلك.
وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن الأنباري عن هانى ء قال: كنت الرسول بين عثمان وزيد بن ثابت فقال زيد: سله عن قوله ((لم يتسنن)) أو {لم يتسنه} فقال عثمان: اجعلوا فيها هاء.
وأخرج سفيان بن عيينه، وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {ولنجعلك آية للناس} قال: كان يوم بعث ابن مائة وأربعين
[الدر المنثور: 3/216]
شابا وكان ولده أبناء مائة سنة وهم شيوخ.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود، مثله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله {كيف ننشزها} قال: نخرجها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {لم يتسنه} قال: لم يفسد بعد مائة حول والطعام والشراب يفسد في أقل من ذلك {وانظر إلى العظام كيف ننشزها} يقول: نشخصها عضوا عضوا.
وأخرج الحاكم وصححه عن زيد بن ثابت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قرأ {كيف ننشزها} بالزاي.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور ومسدد في مسنده، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن زيد بن ثابت أنه قرأ {كيف ننشزها} بالزاي وأن زيد أعجم عليها في مصحفه
[الدر المنثور: 3/217]
وأخرج مسدد عن أبي بن كعب أنه قرأ {كيف ننشزها} أعجم الزاي.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد من طرق عن ابن عباس أنه كان يقرأ ((نشرها)) بالراء.
وأخرج ابن المنذر عن عطاء بن أبي رباح أنه قرأ (ننشرها) بالراء.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن، مثله.
وأخرج ابن جرير عن السدي {كيف ننشزها} قال: نحركها.
وأخرج عن ابن زيد {كيف ننشزها} قال: نحييها.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قرأ {فلما تبين له قال أعلم} قال: إنما قيل له ذلك.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ {قال
[الدر المنثور: 3/218]
أعلم} ويقول: لم يكن بأفضل من إبراهيم قال الله (وأعلم ان الله).
وأخرج ابن جرير عن هارون قال: في قراءة ابن مسعود قيل اعلم ان الله على وجه الأمر.
وأخرج ابن أبي داوود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءة عبد الله (قيل أعلم) ). [الدر المنثور: 3/219]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى ولكن ليطمئن قلبي قال ابن عباس ما في القرآن آية أرجى في نفسي منها
[تفسير عبد الرزاق: 1/106]
قال معمر وقال قتادة لأزداد يقينا). [تفسير عبد الرزاق: 1/107]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك قال فمزقهن قال أمر أن يخلط الدماء بالدماء والريش بالريش ثم يجعل على كل جبل منهن جزءا). [تفسير عبد الرزاق: 1/107]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (قال سفيان [الثوري] في قوله جلّ وعزّ: {فصرهنّ إليك} قال: قطعهن بالنبطة {ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهن جزءا} قطعهن جزءا [الآية: 260]). [تفسير الثوري: 72]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خلف بن خليفة، قال: نا ليثٌ، عن مجاهدٍ، وإبراهيم، أنّهما قالا في قوله - عزّ وجلّ-: {ليطمئنّ قلبي} -، قالا: لأزداد إيمانًا إلى إيماني.
[سنن سعيد بن منصور: 3/971]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عمرو بن ثابتٍ الحدّاد، عن أبيه، عن سعيد بن جبيرٍ - في قوله عزّ وجلّ: {ليطمئنّ قلبي} -، قال: بالخلّة). [سنن سعيد بن منصور: 3/972]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {قال فخذ أربعةً من الطّير فصرهنّ إليك ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيًا واعلم أنّ الله عزيزٌ حكيمٌ} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد الرّحمن بن زيادٍ، عن شعبة، عن أبي جمرة، قال: سمعت ابن عبّاسٍ يقول - في قوله عز وجل:
[سنن سعيد بن منصور: 3/972]
{فخذ أربعةً من الطّير فصرهنّ إليك} -، قال: قطّع أجنحتهنّ أرباعًا، ربعًا هاهنا، وربعًا هاهنا في أرباع الأرض، {ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيًا} قال: هذا مثل، كذلك يحيي الله الموتى مثل هذا.
[سنن سعيد بن منصور: 3/973]
- حدثنا سعيد، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ - في قوله عزّ وجل: {فصرهنّ إليك} -، قال: قطّعهن). [سنن سعيد بن منصور: 3/974]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب {وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحيي الموتى} [البقرة: 260] "
[صحيح البخاري: 6/31]
{فصرهنّ} [البقرة: 260]: قطّعهنّ "
[صحيح البخاري: 6/31]
- حدّثنا أحمد بن صالحٍ، حدّثنا ابن وهبٍ، أخبرني يونس، عن ابن شهابٍ، عن أبي سلمة، وسعيدٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «نحن أحقّ بالشّكّ من إبراهيم» ، إذ قال: {ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي} [البقرة: 260]). [صحيح البخاري: 6/31]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (باب: {وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحيي الموتى} (البقرة: 260)
أي: هذا باب فيه قوله تعالى: {وإذا قال إبراهيم}، أي: أذكر يا محمّد حين قال إبراهيم: (رب) يعني: يا رب (أرني) يعني: أبصرني، أراد بهذا السّؤال أن يضم علم الضّروريّ إلى علم الاستدلالي لأن تظاهر الأدلّة أسكن للقلوب وأزيد للبصيرة واليقين، ولأنّه لما قال لنمرود: {ربّي الّذي يحيي ويميت} (البقرة: 258) أحب أن يترقى من علم اليقين إلى عين اليقين. وأن يرى ذلك مشاهدة. فقال: (رب أرني كيف تحيي الموتى).
فصرهنّ قطّعهنّ
هذا في رواية أبي ذر وحده. وأشار به إلى تفسير قوله تعالى: {فخذ أربعة من الطير فصرهن} وفسره بقوله: (قطعهن) قاله ابن عبّاس وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو مالك وأبو الأسود الدؤلي ووهب بن منبّه والحسن والسّديّ. وقال العوفيّ عن ابن عبّاس: فصرهن إليك أوثقهن. فلمّا أوثقهن ذبحهن، وقيل: معناه أملهن واضممهن إليك، وقرأ ابن عبّاس فصرهن إليك، بضم الصّاد وكسرها وتشديد الرّاء من صره يصره إذا جمعه، وعنه: فصرهن من التصرية، والقراءة المشهورة من صاره يصوره صورا، أو صاره يصيره صيرا بمعنى: أماله.
- حدّثنا أحمد بن صالحٍ حدّثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة وسعيدٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن أحقّ بالشكّ من إبراهيم إذ قال: {ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة، وأحمد بن صالح أبو جعفر المصريّ يروي عن عبد الله بن وهب المصريّ يروي عن يونس ابن يزيد الأيلي عن محمّد بن مسلم بن شهاب الزّهريّ عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن بن عوف وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة. والحديث مضى في كتاب الأنبياء في: باب قوله عز وجل: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم} (الحجر: 51) فإنّه أخرجه هناك بالإسناد المذكور هنا عن أحمد بن صالح إلى آخره. وفي آخره: ويرحم الله عز وجل لوطا إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك، وقال الكرماني هنا: كيف جاز الشّك على إبراهيم، عليه السّلام؟ فأجاب بأن معناه: لا شكّ عندنا فبالطريق الأولى أن لا يكون الشّك عنده، أو كان الشّك في كيفيّة الإحياء لا في نفس الإحياء انتهى. قلت: التّحقيق هنا أن الرّسول صلى الله عليه وسلم ما شهد له بالشّكّ، وإنّما مدحه لأن معناه. نحن أحق بالشّكّ منه. والحال أنا ما شككنا فكيف يشك هو؟ وإنّما شكّ في أنه هل يجيبه إلى سؤاله أم لا؟ وبهذا يمكن
[عمدة القاري: 18/128]
أن يجاب عمّا سأله الكرماني، لم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق وهو أفضل؟ بل هو أحق بعدم الشّك؟ وجوابه: أنه قال ذلك: تواضعا وهضما لنفسه بأنّه لا يخلو عن نظير). [عمدة القاري: 18/129]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحي الموتى} [البقرة: 260] فصرهنّ: قطّعهنّ
({وإذ قال}) وفي نسخة باب وإذ قال: ({إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى}) ({فصرهن}) [البقرة: 260] بكسر الصاد لحمزة وللباقين بضمها قال ابن عباس وغيره أي (قطعهن) وأملهن. فاللغتان لفظ مشترك بين هذين المعنيين، وقيل الكسر بمعنى القطع والضم بمعنى الإمالة
[إرشاد الساري: 7/43]
وسقط قوله: {فصرهن} قطعهن لغير أبي ذر.
- حدّثنا أحمد بن صالحٍ، حدّثنا ابن وهبٍ، أخبرني يونس عن ابن شهابٍ، عن أبي سلمة وسعيدٍ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «نحن أحقّ بالشّكّ من إبراهيم إذ قال: {ربّ أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي}».
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر المصري قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري قال: (أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (وسعيد) هو ابن المسيب كلاهما (عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم):
(نحن أحق بالشك من إبراهيم) ولأبي ذر تقديم لفظ إبراهيم على الشك لو كان الشك في القدرة متطرقًا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به، وقد علمتم أني لم أشك فإبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم لم يشك (إذ قال: {رب أرني كيف تحي الموتى}، واختلف في عامل (إذ) فقيل يجوز كونه قال أولم تؤمن أي قال له ذلك ربه وقت قوله ذلك، وكونه قوله ألم تر أي ألم تر إذ قال إبراهيم وكونه مضمرًا تقديره واذكر فإذ على هذين القولين مفعول لا ظرف، ورب مضاف لياء المتكلم حذفت استغناء عنها بالكسرة والرؤية بصرية فتتعدى لواحد ولما دخلت همزة النقل نصب مفعولًا ثانيًا، فالأول ياء
المتكلم والثاني الجملة الاستفهامية وهي معلقة للرؤية، وكيف في موضع نصب على التشبيه بالظرف أو بالحال والعامل فيها تحي، وقد ذكروا في سبب سؤال الخليل لذلك وجوهًا، فقيل إنه لما احتج على نمروذ بقوله ربي الذي يحيي ويميت قال نمروذ: أنا أحيي وأميت أطلق محبوسًا وأقتل آخر. قال إبراهيم: إن الله يحيي بأن يقصد إلى جسد ميت فيحييه ويجعل فيه الروح، فقال نمروذ: أنت عاينت ذلك فلم يقدر أن يقول له: نعم عاينته فقال: {رب أرني كيف تحي الموتى}؟ حتى يخبر به معاينة إن سئل عن ذلك مرة أخرى، وقيل إنه سأل زيادة يقين وقوة طمأنينة إذ العلوم الضرورية والنظرية قد تتفاضل في قوتها وطريان الشكوك على الضروريات ممتنع ومجوز في النظريات، فأراد الانتقال من النظر أو الخبر إلى المشاهدة والترقي من علم اليقين إلى عين اليقين. فليس الخبر كالمعاينة.
({قال أولم تؤمن}) بأني قادر على الإحياء بإعادة التركيب والحياة؟ قال له ذلك وقد علم أنه أثبت الناس إيمانًا ليجيب بما أجاب فيعلم السامعون غرضه ({قال: بلى}) آمنت ({ولكن ليطمئن قلبي}) اللام لام كي فالفعل منصوب بإضمار أن وهو مبني لاتصاله بنون التوكيد واللام متعلقة بمحذوف بعد لكن تقديره، ولكن سألتك كيفية الإحياء للإطمئنان ولا بدّ من تقدير حذف آخر قبل لكن ليصح معه الاستدراك والتقدير بلى آمنت وما سألت غير مؤمن ولكن سألت ليطمئن قلبي أي لأزيد بصيرة وسكون قلب بمضامة العيان إلى الوحي والاستدلال، وقال الطيبي: سؤال الخليل عليه الصلاة والسلام لم يكن عن شك في القدرة على الإحياء ولكن عن كيفيتها ومعرفة كيفيتها لا تشترط في الإيمان والسؤال بصيغة كيف الدالة على الحال هو كما لو علمت أن زيدًا يحكم في الناس فسألت عن تفاصيل حكمه فقلت: كيف يحكم فسؤالك لم يقع عن كونه حاكمًا ولكن عن أحوال حكمه وهو مشعر بالتصديق بالحكم ولذلك قطع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ما يقع في الأوهام من نسبة الشك إليه بقوله: نحن أحق بالشك أي نحن لم نشك فإبراهيم أولى.
فإن قيل: فعلى هذا كيف قال: أولم تؤمن؟ قلنا: هذه الصيغة في الاستفهام قد تستعمل أيضًا عند الشك في القدرة كما تقول لمن يدعي أمرًا تستعجزه عنه أرني كيف تصنعه فجاء قوله: أولم تؤمن والردّ ببلى ليزول الاحتمال اللفظي في العبارة ويحصل النص الذي لا ارتياب فيه.
فإن قلت: قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليطمئن قلبي يشعر ظاهره بفقد الطمأنينة عند السؤال. قلت: معناه ليزول عن قلبي الفكر في كيفية الإحياء بتصويرها مشاهدة فنزول الكيفيات المحتملة اهـ. وقيل: إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام إنما أراد اختيار منزلته عند ربه وعلم إجابة دعوته بسؤال ذلك من ربه تعالى ويكون قوله تعالى: ({أولم تؤمن}) أي ألم تصدق بمنزلتك مني وخلتك واصطفائك، ولا يفهم الشك من قوله: {أرني كيف تحي الموتى} لأن
[إرشاد الساري: 7/44]
الموقن بإتقان إنسان صنعة علمًا قطعيًا لا يلزم من قوله أرني كيفية فعلها أن يكون شاكًّا في كونه يصنع ذلك إذ هو مقام آخر وإنما فهم الشك من قوله له: أولم تؤمن ففهم ذلك من مجموع الكلام، فجرّت
المسألة في هذا المقام الجواب عن قوله أولم تؤمن وقوله بلى ولكن ليطمئن قلبي، ولا شك في إيمانه بذلك وطمأنينة قلبه كما وقع ذلك سؤالًا وجوابًا واستدراكًا، وزاد في نسخة هنا فصرهن قطعهن وقد سبق.
وهذا الحديث قد ذكره المؤلّف في كتاب الأنبياء). [إرشاد الساري: 7/45]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (وعن سعيدٍ في قوله عزّ وجلّ: {فصرهنّ إليك} قال: رأس ذا عند جناح ذا وجناح ذا عند رأس ذا). [جزء تفسير يحيى بن اليمان: 39] [المراد: سعيد بن جبير]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحيي الموتى}
- أخبرنا عمرو بن منصورٍ، حدّثنا عبد الله بن محمّدٍ، حدّثنا جويرية، عن مالك بن أنسٍ، عن الزّهريّ، أنّ سعيد بن المسيّب، وأبا عبيدٍ أخبراه، عن أبي هريرة: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: " رحم الله إبراهيم نحن أحقّ بالشّكّ منه، قال: {ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي} [البقرة: 260] فذكر الآية «ويرحم الله لوطًا كان يأوي إلى ركنٍ شديدٍ، ولو لبثت في السّجن ما لبث يوسف، ثمّ جاءني الدّاعي لأجبته»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/37]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي}.
[جامع البيان: 4/623]
يعني تعالى ذكره بذلك: ألم تر إذ قال إبراهيم: ربّ أرني.
وإنّما صلح أن يعطف بقوله: {وإذ قال إبراهيم} على قوله: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ} وقوله: {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه} لأنّ قوله: {ألم تر} ليس معناه: ألم تر بعينيك، وإنّما معناه: ألم تر بقلبك، فمعناه: ألم تعلم فتذكر، وإن كان لفظه لفظ الرّؤية فيعطف عليه أحيانًا بما يوافق لفظه من الكلام، وأحيانًا بما يوافق معناه.
واختلف أهل التّأويل في سبب مسألة إبراهيم ربّه أن يريه كيف يحيي الموتى؟ فقال بعضهم: كانت مسألته ذلك ربّه أنّه رأى دابّةً قد تقسّمتها السّباع والطّير، فسأل ربّه أن يريه كيفيّة إحيائه إيّاها مع تفرّق لحمها في بطون طير الهواء وسباع الأرض ليرى ذلك عيانًا، فيزداد يقينًا برؤيته ذلك عيانًا إلى علمه به خبرًا، فأراه اللّه ذلك مثلاً بما أخبر أنّه أمره به.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحيي الموتى} ذكر لنا أنّ خليل اللّه إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم أتى على دابّةٍ توزّعتها الدّوابّ والسّباع، فقال: {ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي}.
[جامع البيان: 4/624]
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {ربّ أرني كيف تحيي الموتى} قال: مرّ إبراهيم على دابّةٍ ميتٍ قد بلي وتقسّمته الرّياح والسّباع، فقام ينظر، فقال: سبحان اللّه، كيف يحيي اللّه هذا؟ وقد علم أنّ اللّه قادرٌ على ذلك، فذلك قوله: {ربّ أرني كيف تحيي الموتى}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: بلغني أنّ إبراهيم، بينا هو يسير على الطّريق، إذا هو بجيفة حمارٍ عليها السّباع والطّير قد توزّعت لحمها وبقي عظامها. فلمّا دنا ذهبت السّباع، وطارت الطّير على الجبال والآكام، فوقف فعجّب ثمّ قال: ربّ قد علمت لتجمعنّها من بطون هذه السّباع والطّير {ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى} ولكن ليس الخبر كالمعاينة.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: مرّ إبراهيم بحوتٍ نصفه في البرّ، ونصفه في البحر، فما كان منه في البحر فدوابّ البحر تأكله، وما كان منه في البرّ فالسّباع ودوابّ البرّ تأكله، فقال له الخبيث: يا إبراهيم، متى يجمع اللّه هذا من بطون هؤلاء؟ فقال: يا ربّ أرني كيف تحيي الموتى، قال: {أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي}.
[جامع البيان: 4/625]
وقال آخرون: بل كان سبب مسألته ربّه ذلك، المناظرة والمحاجّة الّتي جرت بينه وبين نمروذ في ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: لمّا جرى بين إبراهيم وبين قومه ما جرى ممّا قصّه اللّه في سورة الأنبياء، قال نمروذ فيما يذكرون لإبراهيم: أرأيت إلهك هذا الّذي تعبد وتدعو إلى عبادته وتذكر من قدرته الّتي تعظّمه بها على غيره ما هو؟ قال له إبراهيم: ربّي الّذي يحيي ويميت، قال نمروذ: أنا أحيي وأميت، فقال له إبراهيم: كيف تحيي وتميت؟ ثمّ ذكر ما قصّ اللّه من محاجّته إيّاه، قال: فقال إبراهيم عند ذلك: {ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي} من غير شكٍّ في اللّه تعالى ذكره ولا في قدرته، ولكنّه أحبّ أن يعلم ذلك وتاق إليه قلبه، فقال: ليطمئنّ قلبي، أي ما تاق إليه إذا هو علمه.
وهذان القولان، أعنّي الأوّل وهذا الآخر متقاربا المعنى في أنّ مسألة إبراهيم ربّه أن يريه كيف يحيي الموتى، كانت ليرى عيانًا ما كان عنده من علم ذلك خبرًا.
وقال آخرون: بل كانت مسألته ذلك ربّه عند البشارة الّتي أتته من اللّه بأنّه اتّخذه خليلاً، فسأل ربّه أن يريه عاجلاً من العلامة له على ذلك ليطمئنّ قلبه بأنّه قد اصطفاه لنفسه خليلاً، ويكون ذلك لما عنده من اليقين مؤيّدًا.
[جامع البيان: 4/626]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: لمّا اتّخذ اللّه إبراهيم خليلاً سأل ملك الموت ربّه أن يأذن له أن يبشّر إبراهيم بذلك، فأذن له، فأتى إبراهيم وليس في البيت فدخل داره، وكان إبراهيم أغير النّاس، إن خرج أغلق الباب؛ فلمّا جاء وجد في داره رجلاً، ثار إليه ليأخذه، قال: من أذن لك أن تدخل داري؟ قال ملك الموت: أذن لي ربّ هذه الدّار، قال إبراهيم: صدقت وعرف أنّه ملك الموت، قال: من أنت؟ قال: أنا ملك الموت جئتك أبشّرك بأنّ اللّه قد اتّخذك خليلاً، فحمد اللّه وقال: يا ملك الموت أرني الصّورة الّتي تقبض فيها أنفاس الكفّار، قال: يا إبراهيم لا تطيق ذلك، قال: بلى. قال: فأعرض، فأعرض إبراهيم ثمّ نظر إليه، فإذا هو برجلٍ أسود تنال رأسه السّماء يخرج من فيه لهب النّار، ليس من شعرةٍ في جسده إلاّ في صورة رجلٍ أسود يخرج من فيه ومسامعه لهب النّار، فغشي على إبراهيم، ثمّ أفاق وقد تحوّل ملك الموت في الصّورة الأولى، فقال: يا ملك الموت لو لم يلق الكافر عند الموت من البلاء والحزن إلاّ صورتك لكفاه، فأرني كيف تقبض أنفاس المؤمنين، قال: فأعرض، فأعرض إبراهيم ثمّ التفت، فإذا هو برجلٍ شابٍّ أحسن النّاس وجهًا وأطيبه ريحًا، في ثيابٍ بيضٍ،
[جامع البيان: 4/627]
فقال: يا ملك الموت، لو لم يكن للمؤمن عند موته من قرّة العين والكرامة إلاّ صورتك هذه لكان يكفيه، فانطلق ملك الموت، وقام إبراهيم يدعو ربّه يقول: {ربّ أرني كيف تحيي الموتى} حتّى أعلم أنّي خليلك {قال أولم تؤمن} بأنّي خليلك، يقول تصدّق، {قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي} بخلولتك.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا عمرو بن ثابتٍ، عن أبيه، عن سعيد بن جبيرٍ: {ولكن ليطمئنّ قلبي} قال: بالخلّة.
وقال آخرون: قال ذلك لربّه؛ لأنّه شكّ في قدرة اللّه على إحياء الموتى.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب، في قوله: {ولكن ليطمئنّ قلبي} قال: قال ابن عبّاسٍ: ما في القرآن آيةٌ أرجى عندي منها.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، قال: سمعت زيد بن عليٍّ، يحدّث عن رجلٍ، عن سعيد بن المسيّب، قال: اتّعد عبد اللّه بن عبّاسٍ، وعبد اللّه بن عمرٍو أن يجتمعا، قال: ونحن يومئذٍ شببةٌ، فقال أحدهما لصاحبه: أيّ آيةٍ في كتاب اللّه أرجى لهذه الأمّة؟ فقال عبد اللّه بن عمرٍو {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم} حتّى ختم الآية، فقال ابن عبّاسٍ: أما إن كنت تقول إنّها، وإنّ أرجى منها لهذه الأمّة قول إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم {ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي}.
[جامع البيان: 4/628]
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثني الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: سألت عطاء بن أبي رباحٍ، عن قوله: {وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي} قال: دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب النّاس، فقال: {ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى}، {قال فخذ أربعةً من الطّير} ليريه.
- حدّثني زكريّا بن يحيى بن أبان المصريّ، قالا: حدّثنا سعيد بن تليدٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن القاسم، قال: حدّثني بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهابٍ، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرّحمن، وسعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: نحن أحقّ بالشّكّ من إبراهيم، قال: {ربّ أرني كيف تحيي الموتى، قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونس عن ابن شهابٍ، عن أبى سلمه، وسعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: فذكر نحوه.
[جامع البيان: 4/629]
وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية، ما صحّ به الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال، وهو قوله: نحن أحقّ بالشّكّ من إبراهيم، قال ربّ أرني كيف تحيي الموتى، قال أولم تؤمن وأن تكون مسألته ربّه ما سأله أن يريه من إحياء الموتى لعارضٍ من الشّيطان عرض في قلبه.
كالّذي ذكرنا عن ابن زيدٍ آنفًا من أنّ إبراهيم لمّا رأى الحوت الّذي بعضه في البرّ وبعضه في البحر قد تعاوره دوابّ البرّ ودوابّ البحر وطير الهواء، ألقى الشّيطان في نفسه فقال: متى يجمع اللّه هذا من بطون هؤلاء؟ فسأل إبراهيم حينئذٍ ربّه أن يريه كيف يحيي الموتى ليعاين ذلك عيانًا، فلا يقدر بعد ذلك الشّيطان أن يلقي في قلبه مثل الّذي ألقى فيه عند رؤيته ما رأى من ذلك، فقال له ربّه: {أولم تؤمن} يقول: أولم تصدّق يا إبراهيم بأنّي على ذلك قادرٌ؟ قال: بلى يا ربّ، لكن سألتك أن تريني ذلك ليطمئنّ قلبي، فلا يقدر الشّيطان أن يلقي في قلبي مثل الّذي فعل عند رؤيتي هذا الحوت.
- حدّثني بذلك، يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، عن ابن زيدٍ.
ومعنى قوله: {ليطمئنّ قلبي} ليسكن ويهدأ باليقين الّذي يستيقنه.
وهذا التّأويل الّذي قلناه في ذلك هو تأويل الّذين وجّهوا معنى قوله: {ليطمئنّ قلبي} إلى أنّه ليزداد إيمانًا، أو إلى أنّه ليوقن.
[جامع البيان: 4/630]
ذكر من قال معنى ذلك: ليوقن، أو ليزداد يقينًا أو إيمانًا.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، عن سفيان، عن قيس بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {ليطمئنّ قلبي} قال: ليوفقن.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، وحدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جبيرٍ: {ليطمئنّ قلبي} قال: ليزداد يقيني.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {ولكن ليطمئنّ قلبي} يقول: ليزداد يقينًا.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولكن ليطمئنّ قلبي} قال: وأراد نبيّ اللّه إبراهيم ليزداد يقينًا إلى يقينه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: قال معمرٌ وقال قتادة: ليزداد يقينًا.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {ولكن ليطمئنّ قلبي} قال: أراد إبراهيم أن يزداد يقينًا.
[جامع البيان: 4/631]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن كثيرٍ البصريّ، قال: حدّثنا إسرائيل، قال: حدّثنا أبو الهيثم، عن سعيد بن جبيرٍ: {ليطمئنّ قلبي} قال: ليزداد يقيني.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الفضل بن دكينٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جبيرٍ: {ولكن ليطمئنّ قلبي} قال: ليزداد يقينًا.
- حدّثنا صالح بن مسمارٍ، قال: حدّثنا زياد بن عبد الله العامرى، قال: حدّثنا ليث بن أبي سليمٍ، عن مجاهدٍ، وإبراهيم، في قوله: {ليطمئنّ قلبي} قال: لأزداد إيمانًا مع إيماني.
- حدّثنا صالحٌ، قال: حدّثنا زيدٌ، قال: أخبرنا زيادٌ، عن عبد اللّه العامريّ، قال: حدّثنا ليثٌ، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: {ليطمئنّ قلبي} قال: لأزداد إيمانًا مع إيماني.
وقد ذكرنا فيما مضى قول من قال: معنى قوله: {ليطمئنّ قلبي} بأنّي خليلك.
وقال آخرون: معنى قوله: {ليطمئنّ قلبي} لأعلم أنّك تجيبني إذا دعوتك وتعطيني إذا سألتك.
[جامع البيان: 4/632]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ليطمئنّ قلبي} قال: أعلم أنّك تجيبني إذا دعوتك، وتعطيني إذا سألتك.
وأمّا تأويل قوله: {قال أولم تؤمن} فإنّه: أو لم تصدّق؟.
- كما: حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {أولم تؤمن} قال: أولم توقن بأنّي خليلك.
- وحدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن قيس بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: {أولم تؤمن} قال: أولم توقن بأنّي خليلك؟.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {أولم تؤمن} قال: أولم توقن بأنى خليلك؟). [جامع البيان: 4/633]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال فخذ أربعةً من الطّير}.
يعني تعالى ذكره بذلك: قال اللّه له: فخذ أربعةً من الطّير، فذكر أنّ الأربعة من الطّير: الدّيك، والطّاووس، والغراب، والحمام.
[جامع البيان: 4/633]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: ثنّى محمّد بن إسحاق، عن بعض، أهل العلم أنّ أهل الكتاب، الأوّل يذكرون أنّه أخذ طاووسًا، وديكًا، وغرابًا، وحمامًا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: الأربعة من الطّير: الدّيك، والطّاووس، والغراب، والحمام.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ: {قال فخذ أربعةً من الطّير} قال ابن جريجٍ: زعموا أنّه ديكٌ، وغرابٌ، وطاووسٌ، وحمامةٌ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {قال فخذ أربعةً من الطّير} قال: فأخذ طاووسًا، وحمامًا، وغرابًا، وديكًا؛ مخالفةً أجناسها وألوانها). [جامع البيان: 4/634]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فصرهنّ إليك}.
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة والحجاز والبصرة: {فصرهنّ إليك} بضمّ الصّادّ من قول القائل: صرت إلى هذا الأمر: إذا ملت إليه أصور صورًا، ويقال: إنّي إليكم لأصور أي مشتاقٌ مائلٌ، ومنه قول الشّاعر:
اللّه يعلم أنّا في تلفّتنا = يوم الفراق إلى جيراننا صور
[جامع البيان: 4/634]
وهو جمعٌ، أصور وصوراء وصورٌ، مثل أسود وسوداء وسودٍ.
ومنه قول الطّرمّاح بن حكيم:
عفائف إلاّ ذاك أو أن يصورها = هوًى والهوى للعاشقين صروع
يعني بقوله: أو أن يصورها هوًى: يميلها.
فمعنى قوله: {فصرهنّ إليك} اضممهنّ إليك ووجّههنّ نحوك، كما يقال: صر وجهك إليّ، أي أقبل به إليّ، ومن وجه قوله: {فصرهنّ إليك} إلى هذا التّأويل كان في الكلام عنده متروكٌ قد ترك ذكره استغناءً بدلالة الظّاهر عليه، ويكون معناه حينئذٍ عنده، قال: فخذ أربعةً من الطّير فصرهنّ إليك، ثمّ قطّعهنّ، ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا.
وقد يحتمل أن يكون معنى ذلك إذا قرئ كذلك بضمّ الصّاد: قطّعهنّ كما قال توبة بن الحميّر:
فلمّا جذبت الحبل أطّت نسوعه = بأطراف عيدانٍ شديدٍ أسورها.
فأدنت لي الأسباب حتّى بلغتها = بنهضي وقد كان ارتقائي يصورها
يعني يقطعها.
[جامع البيان: 4/635]
وإذا كان ذلك تأويل قوله: {فصرهنّ إليك}، كان في الكلام تقديم وتأخير، ويكون معناه فخذ أربعة من الطير إليك فصرهن ويكون {إليك} من صلة {خذ}.
وقرأ ذلك جماعةٌ من أهل الكوفة: (فصرهنّ إليك) بالكسر، بمعنى قطّعهنّ.
وقد زعم جماعةٌ من نحويّي الكوفة أنّهم لا يعرفون فصرهنّ ولا فصرهنّ، بمعنى قطّعهنّ في كلام العرب، وأنّهم لا يعرفون كسر الصّاد وضمّها في ذلك إلاّ بمعنًى واحدٍ وأنّهما جميعًا لغتان بمعنى الإمالة، وأنّ كسر الصّاد منها لغةٌ في هذيلٍ وسليمٍ، وأنشدوا لبعض بني سليمٍ:
وفرعٍ يصير الجيد وحفٍ كأنّه = على اللّيت قنوان الكروم الدّوالح
يعني بقوله يصير: يميل، وأنّ أهل هذه اللّغة يقولون: صاره وهو يصيره صيرًا، وصر وجهك إليّ: أي أمله، كما تقول: صره.
وزعم بعض نحويّي الكوفة أنّه لا يعرف لقوله: {فصرهنّ} ولا لقراءة من قرأ: {فصرهنّ} بضمّ الصّاد أو كسرها وجهًا في التّقطيع، إلاّ أن يكون {فصرهنّ} إليك في قراءة من قرأه بكسر الصّاد من المقلوب، وذلك أن تكون لام فعله جعلت مكان عينه، وعينه مكان لامه، فيكون من صرى يصري صريًا،
[جامع البيان: 4/636]
فإنّ العرب تقول: بات يصري في حوضه: إذا استقى، ثمّ قطع واستقى، ومن ذلك قول الشّاعر:
صرت نطرةً لو صادفت جوز دارعٍ = غدا والعواصي من دم الجوف تنعر
يعنى: قطعت نظرةً، ومنه قول الآخر:
يقولون إنّ الشّام يقتل أهله = فمن لي إن لم آته بخلود.
تعرّب آبائي فهلاّ صراهم = من الموت أن لم يذهبوا وجدودي
يعني قطعهم، ثمّ نقلت ياؤها الّتي هي لام الفعل فجعلت عينًا للفعل، وحوّلت عينها فجعلت لامها، فقيل صار يصير، كما قيل: عثي يعثى عثًا، ثمّ حوّلت لامها، فجعلت عينها، فقيل عاث يعيث.
وأمّا نحويّو البصرة فإنّهم قالوا: {فصرهنّ إليك} سواءٌ معناه إذا قرئ بالضّمّ من الصّاد وبالكسر في أنّه معنيّ به في هذا الموضع التّقطيع، قالوا: وهما لغتان: إحداهما صار يصور، والأخرى صار يصير، واستشهدوا على ذلك ببيت توبة بن الحميّر الّذي ذكرنا قبل، وببيت المعلّى بن جمّالٍ العبديّ:
وجاءت خلعةٌ دهسٌ صفايا = يصور عنوقها أحوى زنيم
[جامع البيان: 4/637]
بمعنى يفرّق عنوقها ويقطعها، وببيت خنساء:
لظلّت الشّمّ منها وهي تنصار
تعني بالشّمّ: الجبال أنّها تتصدّع وتتفرّق، وببيت أبي ذؤيبٍ:
فانصرن من فزعٍ وسدّ فروجه = غبرٌ ضوارٍ وافيان وأجدع
قالوا: فلقول القائل: صرت الشّيء معنيان: أملته وقطعته، وحكوا سماعًا: صرنا به الحكم: فصلنا به الحكم.
وهذا القول الّذي ذكرناه عن البصريّين من أنّ معنى الضّمّ في الصّادّ من قوله: {فصرهنّ إليك} والكسر سواءٌ بمعنًى واحدٌ، وأنّهما لغتان معناهما في هذا الموضع فقطّعهنّ، وأنّ معنى {إليك} تقديمها قبل {فصرهنّ} من أجل أنّها صلة قوله: {فخذ}، أولى بالصّواب من قول الّذين حكينا قولهم من نحويّي الكوفيّين الّذي أنكروا أن يكون للتّقطيع في ذلك وجهٌ مفهومٌ إلاّ على معنى القلب الّذي ذكرت لإجماع أهل التّأويل على أنّ معنى قوله: {فصرهنّ} غير خارجٍ من أحد معنيين: إمّا قطّعهنّ، وإمّا اضممهنّ إليك، بالكسر قرئ ذلك أو بالضّمّ، ففي إجماع جميعهم على ذلك على غير مراعاةٍ منهم كسر الصّادّ وضمّها،
[جامع البيان: 4/638]
ولا تفريق منهم بين معنيي القراءتين أعني الكسر والضّمّ، أوضح الدّليل على صحّة قول القائلين من نحويّي أهل البصرة في ذلك ما حكينا عنهم من القول، وخطأٌ قول نحويّي الكوفيّين؛ لأنّهم لو كانوا إنّما تأوّلوا قوله: {فصرهنّ} بمعنى فقطّعهنّ، على أنّ أصل الكلام فاصرّهنّ، ثمّ قلبت فقيل فصرهنّ بكسر الصّاد لتحول ياء فاصرّهنّ مكان رائه، وانتقال رائه مكان يائه، لكان لا شكّ مع معرفتهم بلغتهم وعلمهم بمنطقهم، قد فصلوا بين معنى ذلك إذا قرئ بكسر صاده، وبينه إذا قرئ بضمّها، إذ كان غير جائزٍ لمن قلب فاصرّهنّ إلى فصرهنّ أن يقرأه فصرهنّ بضمّ الصّاد، وهم مع اختلاف قراءتهم ذلك قد تأوّلوه تأويلاً واحدًا على أحد الوجهين اللّذين ذكرنا، ففي ذلك أوضح الدّليل على خطأ قول من قال: إنّ ذلك إذا قرئ بكسر الصّاد بتأويل التّقطيع مقلوبًا من صرّى يصرّي إلى صار يصير، وجهل من زعم أنّ قول القائل صار يصور وصار يصير غير معروفٍ في كلام العرب بمعنى قطع.
ذكر من حضرنا قوله في تأويل قول اللّه تعالى ذكره: {فصرهنّ} أنّه بمعنى فقطّعهنّ.
- حدّثنا سليمان بن عبد الجبّار، قال: حدّثنا محمّد بن الصّلت، قال: حدّثنا أبو كدينة، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {فصرهنّ} قال: هي نبطيّةٌ فشقّقهنّ.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي جمرة، عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال في هذه الآية: {فخذ أربعةً من الطّير فصرهنّ إليك} قال: إنّما هو مثل، قال: قطّعهنّ ثمّ اجعلهنّ في أرباع الدّنيا، ربعًا ها هنا، وربعًا هاهنا، ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيًا.
[جامع البيان: 4/639]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {فصرهنّ} قال: قطّعهنّ.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حصينٌ، عن أبي مالكٍ، في قوله: {فصرهنّ إليك} يقول: قطّعهنّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ، مثله.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، عن أشعث، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ: {فصرهنّ} قال: قال جناح ذه عند رأس ذه، ورأس ذه عند جناح ذه.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: زعم أبو عمرٍو، عن عكرمة، في قوله: {فصرهنّ إليك} قال: قال عكرمة بالنّبطيّة: قطّعهنّ.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبى يحيى، عن مجاهدٍ: {فصرهنّ إليك} قال: قطّعهنّ.
[جامع البيان: 4/640]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فصرهنّ إليك} انتفهنّ بريشهنّ ولحومهنّ تمزيقًا، ثمّ اخلط لحومهنّ بريشهنّ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فصرهنّ إليك} قال: انتفهنّ بريشهنّ ولحومهنّ تمزيقًا.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فصرهنّ إليك} أمر نبيّ اللّه عليه السّلام أن يأخذ أربعةً من الطّير فيذبحهنّ، ثمّ يخلط بين لحومهنّ وريشهنّ ودمائهنّ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {فصرهنّ إليك} قال: فمزّقهنّ، قال: أمر أن يخلط الدّماء بالدّماء، والرّيش بالرّيش، {ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا}.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك: {فصرهنّ إليك} يقول: فشقّقهنّ وهو بالنّبطيّة صرّى، وهو التّشقيق.
[جامع البيان: 4/641]
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فصرهنّ إليك} يقول قطّعهنّ.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {فصرهنّ إليك} يقول قطّعهنّ إليك ومزّقهنّ تمزيقًا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {فصرهنّ إليك} أي قطّعهنّ، وهو الصّور في كلام العرب.
ففيما ذكرنا من أقوال من روينا في تأويل قوله: {فصرهنّ إليك} أنّه بمعنى فقطّعهنّ إليك دلالةٌ واضحةٌ على صحّة ما قلنا في ذلك، وفساد قول من خالفنا فيه، وإذ كان ذلك كذلك، فسواءٌ قرأ القارئ ذلك بضمّ الصّاد {فصرهنّ إليك} أو كسرها (فصرهنّ) إذ كانتا اللّغتين معروفتين بمعنًى واحدٍ، غير أنّ الأمر وإن كان كذلك، فإنّ أحبّهما إليّ أن أقرأ به {فصرهنّ إليك} بضمّ الصّاد؛ لأنّها أعلى اللّغتين وأشهرهما وأكثرهما في أحياء العرب
وقد تأول قوله: {فصرهنّ إليك} أنه بمعنى: ضمهن إليك من أهل التأويل نفر قليل.
[جامع البيان: 4/642]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {فصرهنّ إليك} صرهنّ: أوثقهنّ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ قوله: {فصرهنّ إليك} قال: اضممهنّ إليك.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {فصرهنّ إليك} قال: اجمعهنّ). [جامع البيان: 4/643]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيًا}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا} فقال بعضهم: يعني بذلك على كلّ ربعٍ من أرباع الدّنيا جزءًا منهنّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي جمرة، عن ابن عبّاسٍ: {ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا} قال: اجعلهنّ في أرباع الدّنيا: ربعًا هاهنا، وربعًا هاهنا، وربعًا هاهنا، وربعًا هاهنا، ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيًا.
[جامع البيان: 4/643]
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا} قال: لمّا أوثقهنّ ذبحهنّ، ثمّ جعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قال: أمر نبيّ اللّه أن يأخذ أربعةً من الطّير فيذبحهنّ، ثمّ يخلط بين لحومهنّ وريشهنّ ودمائهنّ، ثمّ يجزّئهنّ على أربعة أجبلٍ، فذكر لنا أنّه شكل على أجنحتهنّ، وأمسك برءوسهنّ بيده، فجعل العظم يذهب إلى العظم، والرّيشة إلى الرّيشة، والبضعة إلى البضعة، وبعين خليل اللّه إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ دعاهنّ فأتين‍ه سعيًا على أرجلهنّ، ويلقي كلّ طيرٍ برأسه، وهذا مثلٌ آراه اللّه إبراهيم، يقول: كما بعث هذه الأطيار من هذه الأجبل الأربعة، كذلك يبعث اللّه النّاس يوم القيامة من أرباع الأرض ونواحيها.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: ذبحهنّ، ثمّ قطّعهنّ، ثمّ خلط بين لحومهنّ وريشهنّ، ثمّ قسمهنّ على أربعة أجزاءٍ، فجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا، فجعل العظم يذهب إلى العظم، والرّيشة إلى الرّيشة، والبضعة إلى البضعة، وذلك بعين خليل اللّه إبراهيم، ثمّ دعاهنّ فأتينه سعيًا، يقول: شدًّا على أرجلهنّ. وهذا مثلٌ أراه اللّه إبراهيم، يقول: كما بعثت هذه الأطيار من هذه الأجبل الأربعة، كذلك يبعث اللّه النّاس يوم القيامة من أرباع الأرض ونواحيها.
[جامع البيان: 4/644]
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا ابن إسحاق، عن بعض، أهل العلم أنّ أهل الكتاب، يذكرون أنّه أخذ الأطيار الأربعة، ثمّ قطّع كلّ طيرٍ بأربعة أجزاءٍ، ثمّ عمد إلى أربعة أجبالٍ، فجعل على كلّ جبلٍ ربعًا من كلّ طائرٍ، فكان على كلّ جبلٍ ربعٌ من الطّاووس، وربعٌ من الدّيك، وربعٌ من الغراب وربعٌ من الحمام، ثمّ دعاهنّ فقال: تعالين بإذن اللّه كما كنتم، فوثب كلّ ربعٍ منها إلى صاحبه حتّى اجتمعن، فكان كلّ طائرٍ كما كان قبل أن يقطعه، ثمّ أقبلن إليه سعيًا، كما قال اللّه، وقيل: يا إبراهيم، هكذا يجمع اللّه العباد، ويحيي الموتى للبعث من مشارق الأرض ومغاربها، وشامها ويمنها، فأراه اللّه إحياء الموتى بقدرته، حتّى عرف ذلك بغير ما قال نمروذ من الكذب والباطل.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا} قال: فأخذ طاووسًا، وحمامةً، وغرابًا، وديكًا، ثمّ قال: فرّقهنّ، اجعل رأس كلّ واحدٍ وجؤشوش الآخر وجناحي الآخر ورجلي الآخر معه فقطّعهنّ وفرّقهن أرباعًا على الجبال، ثمّ دعاهنّ فجئنه جميعًا، فقال اللّه: كما ناديتهنّ فجئنك، فكما أحييت هؤلاء وجمعتهنّ بعد هذا، فكذلك أجمع هؤلاء أيضًا؛ يعني الموتى.
[جامع البيان: 4/645]
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ من الأجبال الّتي كانت الأطيار والسّباع الّتي كانت تأكل من لحم الدّابّة الّتي رآها إبراهيم ميتةً، فسأل إبراهيم عند رؤيته إيّاها أن يريه كيف يحييها وسائر الأموات غيرها، وقالوا: كانت سبعة أجبالٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: لمّا قال إبراهيم ما قال عند رؤيته الدّابّة الّتي تفرّقت الطّير والسّباع عنها حين دنا منها، وسأل ربّه ما سأل، قال: {فخذ أربعةً من الطّير} قال ابن جريجٍ: فذبحها ثمّ اخلط بين دمائهنّ وريشهنّ ولحومهنّ، ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا حيث رأيت الطّير ذهبت والسّباع، قال: فجعلهنّ سبعة أجزاءٍ، وأمسك رءوسهنّ عنده، ثمّ دعاهنّ بإذن اللّه، فنظر إلى كلّ قطرةٍ من دمٍ تطير إلى القطرة الأخرى، وكلّ ريشةٍ تطير إلى الرّيشة الأخرى، وكلّ بضعةٍ وكلّ عظمٍ يطير بعضه إلى بعضٍ من رءوس الجبال، حتّى لقيت كلّ جثّةٍ بعضها بعضًا في السّماء، ثمّ أقبلن يسعين حتّى وصلت رأسها.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: فخذ أربعةً من الطّير فصرهنّ إليك، ثمّ اجعل على سبعة أجبالٍ، فاجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا، ثمّ أدعهنّ يأتينك سعيًا، فأخذ إبراهيم أربعةً من الطّير، فقطّعهنّ أعضاءً، لم يجعل عضوًا من طيرٍ مع صاحبه، ثمّ جعل رأس هذا مع رجل هذا، وصدر هذا مع جناح هذا، وقسّمهنّ على سبعة أجبالٍ، ثمّ دعاهنّ فطار كلّ عضو إلى صاحبه، ثمّ أقبلن إليه جميعًا.
وقال آخرون: بل أمره اللّه أن يجعل ذلك على كلّ جبلٍ.
[جامع البيان: 4/646]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا} قال: ثمّ بدّد على كلّ جبلٍ يأتينك سعيًا، وكذلك يحيي اللّه الموتى.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: ثمّ اجعلهنّ أجزاءً على كلّ جبلٍ، ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيًا، كذلك يحيي اللّه الموتى؛ هو مثلٌ ضربه اللّه لإبراهيم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قال مجاهدٌ: {ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا} ثمّ بدّدهنّ أجزاءً على كلّ جبلٍ {ثمّ ادعهنّ}: تعالين بإذن اللّه، فكذلك يحيي اللّه الموتى؛ مثلٌ ضربه اللّه لإبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثني إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: أمره أن يخالف بين قوائمهنّ ورءوسهنّ وأجنحتهنّ، ثمّ يجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك يقول في قوله: {ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا} فخالف إبراهيم بين قوائمهنّ وأجنحتهنّ.
[جامع البيان: 4/647]
وأولى التّأويلات بالآية ما قاله مجاهدٌ، وهو أنّ اللّه تعالى ذكره أمر إبراهيم بتفريق أعضاء الأطيار الأربعة بعد تقطيعه إيّاهنّ على جميع الأجبال الّتي كان يصل إبراهيم في وقت تكليف اللّه إيّاه تفريق ذلك وتبديدها عليها أجزاءً، لأنّ اللّه تعالى ذكره قال له: {ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا} والكلّ حرفٌ يدلّ على الإحاطة بما أضيف إليه والجبل لفظه لفظ واحدٌ ومعناه الجمع، فإذا كان ذلك كذلك فلن يجوز أن تكون الجبال الّتي أمر اللّه إبراهيم بتفريق أجزاء الأطيار الأربعة عليها خارجةً من أحد معنيين: إمّا أن تكون بعضًا أو جميعًا؛ فإن كانت بعضًا فغير جائزٍ أن يكون ذلك البعض إلاّ ما كان لإبراهيم السّبيل إلى تفريق أعضاء الأطيار الأربعة عليه، أو يكون جميعًا، فيكون أيضًا كذلك، وقد أخبر اللّه تعالى ذكره أنّه أمره بأن يجعل ذلك على كلّ جبلٍ، وذلك إمّا كلّ جبلٍ قد عرفهنّ إبراهيم بأعيانهنّ، وإمّا كل ما في الأرض من الجبال.
فأمّا قول من قال: إنّ ذلك أربعة أجبلٍ، وقول من قال: هنّ سبعةٌ؛ فلا دلالة عندنا على صحّة شيءٍ من ذلك فنستجيز القول به، وإنّما أمر اللّه إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم أن يجعل الأطيار الأربعة أجزاءً متفرّقةً على كلّ جبلٍ ليري إبراهيم قدرته على جمع أجزائهنّ وهنّ متفرّقاتٍ متبدّداتٍ في أماكن مختلفةٍ شتّى، حتّى يؤلّف بعضهنّ إلى بعضٍ، فيعدن كهيئتهنّ قبل تقطيعهنّ وتمزيقهنّ وقبل تفريق أجزائهنّ على الجبال أطيارًا أحياءً يطرن، فيطمئّن قلب إبراهيم ويعلم أنّ كذلك يجمع اللّه أوصال الموتى لبعث القيامة، وتأليفه أجزاءهم بعد البلى وردّ كلّ عضوٍ من أعضائهم إلى موضعه كالّذي كان قبل الرّدّ.
[جامع البيان: 4/648]
والجزء من كلّ شيءٍ هو البعض منه كان منقسمًا جميعه عليه على صحّةٍ أو غير منقسمٍ، فهو بذلك من معناه مخالفٌ معنى السّهم؛ لأنّ السّهم من الشّيء: هو البعض المنقسم عليه جميعه على صحّةٍ، ولذلك كثر استعمال النّاس في كلامهم عند ذكرهم أنصباءهم من المواريث السّهام دون الأجزاء.
وأمّا قوله: {ثمّ ادعهنّ} فإنّ معناه ما ذكرت آنفًا عن مجاهدٍ أنّه قال: هو أنّه أمر أن يقول لأجزاء الأطيار بعد تفريقهنّ على كلّ جبلٍ تعالين بإذن اللّه.
فإن قال قائلٌ: أمر إبراهيم أن يدعوهنّ وهنّ ممزّقاتٌ أجزاءً على رءوس الجبال أمواتًا، أم بعد ما أحيين؟ فإن كان أمر أن يدعوهنّ وهنّ ممزّقاتٌ لا أرواح فيهنّ، فما وجه أمر من لا حياة فيه بالإقبال؟ وإن كان أمر بدعائهنّ بعد ما أحيين، فما كانت حاجة إبراهيم إلى دعائهنّ وقد أبصرهنّ ينشرن على رءوس الجبال؟
قيل: إنّ أمر اللّه تعالى ذكره إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم بدعائهنّ وهنّ أجزاءٌ متفرّقاتٌ إنّما هو أمر تكوينٍ، كقول اللّه للّذين مسخهم قردةً بعد ما كانوا إنسًا: {كونوا قردةً خاسئين} لا أمر عبادةٍ، فيكون محالاً إلاّ بعد وجود المأمور المتعبّد). [جامع البيان: 4/649]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واعلم أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ}.
يعني تعالى ذكره بذلك: واعلم يا إبراهيم أنّ الّذي أحيا هذه الأطيار بعد تمزيقك إيّاهنّ، وتفريقك أجزاءهنّ على الجبال، فجمعهنّ وردّ إليهنّ الرّوح، حتّى أعادهنّ كهيئتهنّ قبل تفريقهنّ، {عزيزٌ} في بطشه إذا بطش بمن بطش من الجبابرة والمتكبّرة الّذين خالفوا أمره، وعصوا رسله، وعبدوا غيره، وفي نقمته حتّى ينتقم منهم، {حكيمٌ} في أمره.
[جامع البيان: 4/649]
- كما حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا ابن إسحاق: {واعلم أنّ اللّه، عزيزٌ حكيمٌ} قال: عزيزٌ في بطشه حكيمٌ في أمره.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {واعلم أنّ اللّه عزيزٌ} في نقمته {حكيمٌ} في أمره). [جامع البيان: 4/650]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي قال فخذ أربعةً من الطّير فصرهنّ إليك ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيًا واعلم أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ (260)
قوله تعالى: وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحيي الموتى
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أبنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال إنّ إبراهيم مرّ برجلٍ ميّتٍ، قال: زعموا أنّه حبشيٌّ- على ساحل البحر، فرأى دوابّ البحر تخرج فتأكل منه، وسباع الأرض، تأتيه فتأكل منه، والطّير تقع عليه فتأكل منه، قال: فقال إبراهيم عند ذلك:
ربّ: هذه دوابّ البحر تأكل من هذه، وسباع الأرض والطّير، ثمّ تميت هذه فتبلى، ثمّ تحييها بعد البلى، فأرني كيف تحي الموتى. وروي عن الضّحّاك، نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محلّمٍ، ثنا عبد الكبير بن عبد المجيد، ثنا عبّاد بن منصورٍ، قال: سألت الحسن عن قوله: وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحي الموتى قال: سأل نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ربّه، أن يريه كيف يحي الموتى، وذلك ممّا لقي من قومه من الأذى، فدعا ربّه عند ذلك، ممّا لقي منهم من الأذى، فقال: ربّ أرني كيف تحي الموتى
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: لما
[تفسير القرآن العظيم: 2/507]
اتّخذ اللّه إبراهيم خليلا، سأل ملك الموت أن يأذن له، فيبشّر إبراهيم بذلك، فأذن له، فأتى إبراهيم، وليس في البيت، فدخل داره، وكان إبراهيم من أغير النّاس إذا خرج أغلق الباب، فلمّا جاء وجد في بيته رجلا، ثار إليه ليأخذه، وقال له: من أذن لك أن تدخل داري؟ قال ملك الموت: أذن لي ربّ هذه الدّار. قال إبراهيم:
صدقت، وعرف أنّه ملك الموت. قال من أنت؟ قال أنا ملك الموت، جئتك أبشّرك بأنّ اللّه قد اتّخذك خليلا. فحمد اللّه وقال يا ملك الموت: أرني كيف تقبض أنفاس الكفّار. قال يا إبراهيم لا تطيق ذلك. قال بلى. قال: فأعرض. فأعرض إبراهيم، فإذا هو برجلٍ أسود، ينال رأسه السّماء، يخرج من فيه لهب النّار، ليس من شعرةٍ في جسده إلا في صورة رجلٍ أسود، يخرج من فيه ومسامعه، لهب النّار فغشي على إبراهيم، ثمّ أفاق، وقد تحوّل ملك الموت في الصّورة الأولى فقال: يا ملك الموت، لو لم يلق الكافر عند موته من البلاء والحزن إلا صورتك لكفاه، فأرني كيف تقبض أنفاس المؤمنين. قال: فأعرض، فأعرض إبراهيم، ثمّ التفت، فإذا هو برجلٍ شابٍّ، أحسن النّاس وجهًا وأطيبهم ريحًا، في ثيابٍ بياضٍ. قال يا ملك الموت: لو لم ير المؤمن عند موته من قرّة العين والكرامة، إلا صورتك هذه، لكان يكفيه، فانطلق ملك الموت، وقام إبراهيم يدعو ربّه، يقول: يا ربّ أرني كيف تحي الموتى، حتّى أعلم أنّي خليلك.
والوجه الرّابع:
- ذكر الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال سألت عطاءً عن قوله: رب أرني كيف تحي الموتى قال: دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب النّاس فقال: ربّ أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى). [تفسير القرآن العظيم: 1/508]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: قال أولم تؤمن قال بلى
[الوجه الأول]
- حدثنا أبو زرعة، ثنا منجاب، أبنا بشرٌ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قال أولم تؤمن يا إبراهيم أني أحي الموتى؟ قال بلى يا ربّ.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، وثنا إبراهيم بن موسى الفراء، ابنا أبي زائدة، أخبرني
[تفسير القرآن العظيم: 2/508]
الثّوريّ، عن قيس بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: أولم تؤمن قال بلى يعني: أو لم تؤمن أنّي خليلك.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: أولم تؤمن بأنّي خليلك؟ يقول: تصدّق؟ قال: بلى). [تفسير القرآن العظيم: 1/509]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: قال بلى
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني ابن أبي سلمة عن محمّد بن المنكدر، أنّه قال: التقى عبد اللّه بن عبّاسٍ وعبد اللّه بن عمرو بن العاص، فقال ابن عبّاسٍ لابن عمرو بن العاص: أيّ آية في القرآن أرجا عندك؟ فقال عبد اللّه بن عمرٍو: قول اللّه: يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا فقال ابن عبّاسٍ: لكن أنا أقول: (قول) اللّه: وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى فرضي من إبراهيم قوله: بلى فهذا لما يعرض في الصّدور، ويوسوس به الشّيطان). [تفسير القرآن العظيم: 1/509]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ولكن ليطمئنّ قلبي
[الوجه الأول]
- حدثنا أبو زرعة ثنا منجاب، أبنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه: ولكن ليطمئنّ قلبي يقول: لأرى من آياتك وأعلم أنّك قد أجبتني- فقال اللّه تعالى: فخذ أربعةً من الطّير فصنع ما صنع.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي يقول:
إنّك تجيبني إذا دعوتك، وتعطيني إذا سألتك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ عن سفيان عن قيس بن مسلمٍ عن سعيد بن جبيرٍ ولكن ليطمئنّ قلبي قال: ليوقن.
[تفسير القرآن العظيم: 2/509]
الوجه الثّالث
- حدّثنا أحمد بن عصامٍ الأنصاريّ، ثنا مؤمّلٌ، ثنا سفيان، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: ولكن ليطمئنّ قلبي قال ليزداد إيمانًا
والوجه الرّابع:
- حدّثنا حمّاد بن الحسن بن عنبسة، ثنا أبو داود، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن سعيد بن جبيرٍ ليطمئنّ قلبي قال: بالخلّة.
الوجه الخامس:
- حدّثنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، أنا حفص بن عمر، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، في قوله: قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي قال:
لكي يعلموا انك تحي الموتى.
والوجه السّادس:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا النّضر بن إسماعيل، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك ولكن ليطمئنّ قلبي قال: لترى عيني.
والوجه السّابع:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محلّمٍ، ثنا عبد الكبير بن عبد المجيد، عن عبّاد بن منصورٍ، قال: سألت الحسن عن قوله: ولكن ليطمئنّ قلبي أي: ليعرف قلبي ويستيقن). [تفسير القرآن العظيم: 1/510]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: قال فخذ أربعة من الطير
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ وهارون بن إسحاق، قالا ثنا حفص بن غياثٍ عن شبلٍ، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ فخذ أربعةً من الطّير قال: حمامةٌ وديكٌ وطاوسٌ وغرابٌ.
وروي عن عكرمة، مثل ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، أبنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن
[تفسير القرآن العظيم: 2/510]
الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: فخذ أربعةً من الطّير قال: والطّير الّذي أخذ:
وزٌّ ورالٌ وديكٌ وطاوس. قال: أخذ من كلّ جنسٍ، من الطّير واحدًا. قال منجابٌ:
الرّال: فرخ النّعام.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عمرو بن السّرح، ثنا ابن وهبٍ، ثنا ابن لهيعة، عن عبد اللّه بن هبيرة السّبائيّ، عن حنشٍ، عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه: فخذ أربعةً من الطّير فصرهنّ إليك قال: الغرنوق والطاوس، والدّيك، والحمامة. قال أبو محمّدٍ: والغرنوق: الكركي). [تفسير القرآن العظيم: 1/511]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فصرهن إليك
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ
فصرهنّ إليك قال قطّعهنّ.
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، أخبرني أبو جمرة سمعت، ابن عبّاسٍ يقول في قوله: فخذ أربعةً من الطّير فصرهنّ إليك قال: هذا مثل قوله: أربعةً من الطّير فقطّعهنّ أرباعًا، كلّ واحدٍ منها ربعٌ، ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيًا.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا إبراهيم بن موسى، أبنا ابن أبي زائدة أبنا شعبة، عن أبي جمرة إسناده، نحوه، وزاد فيه: فقطّع أجنحتهنّ واجعل القطع في أرباع الدّنيا. وروي عن أبي مالكٍ وسعيد بن جبيرٍ. ووهب بن منبّهٍ وأبي الأسود الدّؤليّ وعكرمة والحسن والسّدّيّ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، ثنا أبي، ثنا عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: فخذ أربعةً من الطّير فصرهنّ إليك قال: صرهنّ: أوثقهنّ. فلمّا أوثقهنّ، ذبحهنّ، ثمّ اجعل على كل جبل منهن جزءا.
[تفسير القرآن العظيم: 2/511]
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن محمّد بن عرعرة، ثنا معاذ بن هشامٍ ثنا أبي، عن عمرو بن مالكٍ، عن أبي الجوزاء فصرهنّ قال: علّمهنّ، حتّى كان إذا دعاهنّ أتينه. ثمّ شقّقهنّ، فدعاهنّ، فأتينه كما كنّ يأتينه قبل أن يشقّقن.
- حدّثني أبي، ثنا نصر بن عليٍّ، أبنا معتمرٌ، عن أبيه، عن عطاء ابن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: فصرهنّ إليك قال: هي بالنّبطيّة:
صرٌّ به، يعني: شقّقهنّ.
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا عبد اللّه بن وضاح، حدثني نحيى بن يمانٍ، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبيرٍ فصرهنّ إليك قال: جناح ذه، عند رأس ذه، ورأس ذه عند جناح ذه.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا محمّد بن عطاردٍ الكنديّ، عن المثنّى عن مجاهدٍ
فصرهنّ إليك قال: تنتفهنّ ومزّقهنّ.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أبنا عبد الرّزّاق، أنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك قال: فصرهنّ فمزّقهنّ. أمر أن يخلط الدّماء بالدّماء، والرّيش بالرّيش، ثمّ يجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا.
والوجه الرّابع:
ذكر الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا حجّاج بن محمّدٍ، عن ابن جريجٍ قال: سألت عطاءً عن قوله: فصرهنّ إليك قال: اضممهنّ إليك). [تفسير القرآن العظيم: 1/512]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ثمّ اجعل على كل جبل منهن جزءًا
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أبنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قوله: ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا قال: فأخذ نصفين مختلفين، ثمّ أتى أربعة أجبلٍ، فجعل على كل جبل نصفين
[تفسير القرآن العظيم: 2/512]
مختلفين، فهو قوله: ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا يعني هذا: ثمّ تنحّى ورؤسها تحت قدمه.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن أبي حمّادٍ ثنا زافرٌ، عن ابن جريجٍ عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا قال:
وضعهنّ على سبعة أجبلٍ، وأخذ الرّءوس بيده). [تفسير القرآن العظيم: 1/513]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ثمّ ادعهنّ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أبنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، يعني قوله: ثمّ ادعهنّ قال: فدعا باسم اللّه الأعظم.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا محمّد بن عطاردٍ الكنديّ، عن المثنّى عن مجاهدٍ: ثمّ ادعهنّ فدعاهنّ: باسم إله إبراهيم تعالين). [تفسير القرآن العظيم: 1/513]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: يأتينك سعيًا
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب أبنا بشرٌ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ، يعني قوله: يأتينك سعيًا قال: فرجع كلّ نصفٍ إلى نصفه، وكلّ ريشٍ إلى طائره، ثمّ أقبلت تطير بغير رؤسٍ، حتى انتهت إلى قدمه، تريد رؤسها بأعناقها، فلمّا رآها وما تفعل، رفع قدمه، فوضع كلّ طائرٍ منها عنقه في رأسه فعادت كما كانت، فقال إبراهيم حين رأى ذلك: أعلم أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّدٌ، ثنا زافرٌ، عن ابن جريجٍ، عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ، يعني قوله: يأتينك سعيًا فجعل خليل الرّحمن ينظر إلى القطرة تلقى القطرة، والرّيشة تلقى الرّيشة، حتّى صرن أحياءً ليس لهنّ رؤس، فجئن إلى رؤسهن، فدخلن فيها). [تفسير القرآن العظيم: 1/513]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: واعلم أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، أبنا بشرٌ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ، في قوله: واعلم أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ يقول: مقتدرٌ على ما يشاء). [تفسير القرآن العظيم: 1/513]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: حكيمٌ
وبه عن ابن عبّاس
قوله: حكيمٌ محكمٌ لما أراد، وفعل هذا وأرانيه من آياته). [تفسير القرآن العظيم: 1/514]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت) أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن أحقّ بالشّكّ من إبراهيم إذ قال: {ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي} ويرحم الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركنٍ شديدٍ، ولو لبثت في السّجن طول ما لبث يوسف، لأجبت الدّاعي».
هذه رواية البخاري ومسلم.
وفي رواية الترمذي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الكريم بن الكريم بن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، ولو لبثت في السّجن ما لبث، ثم جاءني الرسول: أجبت»، ثم قرأ « {فلمّا جاءه الرّسول
[جامع الأصول: 2/54]
قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النّسوة اللّاتي قطّعن أيديهنّ} [يوسف: 50] قال: ورحمة الله على لوطٍ، إن كان ليأوي إلى ركنٍ شديدٍ فما بعث الله من بعده نبيّاً إلا في ثروةٍ من قومه».
[شرح الغريب]
(نحن أحق بالشك من إبراهيم) لما نزلت {ربّ أرني كيف تحيي الموتى} [البقرة: 260] قال بعض من سمعها: شك إبراهيم عليه السلام: ولم يشك نبينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تواضعاً منه وتقديماً لإبراهيم على نفسه، «نحن أحق بالشك منه» والمعنى: إننا لم نشك ونحن دونه فكيف يشك هو؟.). [جامع الأصول: 2/55]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا غندرٌ، عن شعبة، عن يعلى بن عطاءٍ، عن وكيع ابن عدسٍ، عن أبي رزينٍ قال: "قلت: يا نبيّ اللّه، كيف يحيي اللّه الموتى؟ فقال: أما مررت بالوادي ممحلًا ثمّ تمرّ به خضرًا ثمّ تمرّ به ممحلًا ثمّ تمرّ به خضرًا؟ كذلك يحيي اللّه الموتى".
هذا إسنادٌ صحيحٌ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/185]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال: إن إبراهيم مر برجل ميت زعموا أنه حبشي على ساحل البحر فرأى دواب البحر تخرج فتأكل منه وسباع الأرض تأتيه فتأكل منه والطير تقع عليه فتأكل منه، فقال إبراهيم عند ذلك: رب هذه دواب البحر تأكل من هذا وسباع الأرض والطير ثم تميت هذه فتبلي ثم تحييها فأرني كيف تحيي الموتى قال: أولم تؤمن يا إبراهيم أني أحيي الموتى قال: بلى يا رب ولكن ليطمئن قلبي، يقول: لأرى من آياتك وأعلم أنك قد أجبتني، فقال الله: خذ أربعة من الطير فصنع ما صنع والطير الذي أخذه: ورال
[الدر المنثور: 3/219]
وديك وطاوس وأخذ نصفين مختلفين ثم أتى أربعة أجبل فجعل على كل جبل نصفين مختلفين وهو قوله {ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا} ثم تنحى ورؤوسهما تحت قدميه فدعا باسم الله الأعظم فرجع كل نصف إلى نصفه وكل
ريش إلى طائره ثم أقبلت تطير بغير رؤوس إلى قدمه تريد رؤوسها بأعناقها فرفع قدمه فوضع كل طائر منها عنقه في رأسه فعادت كما كانت {واعلم أن الله عزيز} يقول: مقتدر على ما يشاء {حكيم} يقول: محكم لما أراد، الرال فرخ النعام.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة، نحوه.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج عن ابن عباس قال: بلغني أن إبراهيم بينا هو يسير على الطريق إذا هو بجيفة حمار عليها السباع والطير قد تمزق لحمها وبقي عظامها فوقف فعجب ثم قال: رب قد علمت لتجمعنها من بطون هذه السباع والطير رب أرني كيف تحيي الموتى قال: أولم تؤمن قال: بلى ولكن ليس الخبر كالمعاينة
[الدر المنثور: 3/220]
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: سأل إبراهيم عليه السلام ربه أن يريه كيف يحيي الموتى وذلك مما لقي من قومه من الأذى فدعا به عند ذلك مما لقي منهم من الأذى فقال: رب أرني كيف تحيي الموتى.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي قال: لما اتخذ الله إبراهيم خليلا سأل ملك الموت أن يأذن له فيبشر إبراهيم بذلك فأذن له فأتى إبراهيم ولبس في البيت فدخل داره وكان إبراهيم من أغير الناس اذا خرج أغلق الباب فلما جاء وجد في بيته رجلا ثار إليه ليأخذه وقال له: من أذن لك أن تدخل داري قال ملك الموت: أذن لي رب هذه الدار، قال إبراهيم: صدقت وعرف أنه ملك الموت، قال: من أنت قال: أنا ملك الموت جئتك أبشرك بأن الله قد اتخذك خليلا، فحمد الله وقال: يا ملك الموت أرني كيف تقبض أرواح الكفار قال: يا إبراهيم لا تطيق ذلك، قال: بلى، قال: فأعرض فأعرض إبراهيم ثم نظر فإذا هو برجل أسود ينال رأسه السماء يخرج من فيه لهب النار ليس من شعرة في جسده إلا في صورة رجل يخرج من فيه ومسامعه لهب النار فغشي على إبراهيم ثم أفاق وقد تحول ملك الموت في الصورة الأولى، فقال: يا ملك الموت لو لم يلق الكافر عند موته من البلاء والحزن إلا صورتك لكفاه فأرني كيف تقبض أرواح المؤمنين قال:
[الدر المنثور: 3/221]
فأعرض فأعرض إبراهيم ثم التفت فإذا هو برجل شاب أحسن الناس وجها وأطيبه ريحا في ثياب بياض، قال: يا ملك الموت لو لم ير المؤمن عند موته من قرة العين والكرامة إلا صورتك هذه لكان يكفيه، فانطلق ملك الموت وقام إبراهيم يدعو ربه
يقول: رب أرني كيف تحيي الموتى حتى أعلم أني خليلك، قال: أولم تؤمن يقول: تصدق بأني خليلك، قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي بخلولتك.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن سعيد بن جبير في قوله {ولكن ليطمئن قلبي} قال: بالخلة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله {ولكن ليطمئن قلبي} يقول: أعلم أنك تجيبني إذا دعوتك وتعطيني إذا سألتك.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن مجاهد وإبراهيم {ليطمئن قلبي} قال: لأزداد إيمانا
[الدر المنثور: 3/222]
إلى إيماني.
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم، وابن ماجه، وابن جرير، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: {رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي}، ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن أيوب في قوله {ولكن ليطمئن قلبي} قال: قال ابن عباس: ما في القرآن آية أرجى عندي منها.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس، أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص: أي آية في القرآن أرجى عندك فقال: قول الله (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) (الزمر الآية 53) الآية، فقال ابن عباس: لكن أنا أقول: قول الله لإبراهيم {أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى} فرضي من إبراهيم بقوله بلى فهذا لما يعترض في الصدور ويوسوس به الشيطان
[الدر المنثور: 3/223]
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق حنش عن ابن عباس {فخذ أربعة من الطير} قال: الغرنوق والطاوس والديك والحمامة، الغرنوق الكركي.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: الأربعة من الطير: الديك والطاووس والغراب والحمام.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس {فصرهن} قال: قطعهن.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس {فصرهن} قال: هي بالنبطية شققهن.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة {فصرهن} قال: بالنبطية قطعهن.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {فصرهن} قال: هذه الكلمة بالحبشية يقول: قطعهن واخلط دماءهن وريشهن
[الدر المنثور: 3/224]
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {فصرهن} قال: أوثقهن ذبحهن.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن وهب قال: ما من اللغة شيء إلا منها في القرآن شيء قيل: وما فيه من الرومية قال {فصرهن} يقول: قطعهن.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث من طريق أبي جمرة عن ابن عباس {فصرهن إليك} قال: قطع أجنحتهن ثم اجعلهن أرباعا ربعا ههنا وربعا ههنا في أرباع الأرض {ثم ادعهن يأتينك سعيا} قال: هذا مثل كذلك يحيي الله الموتى مثل هذا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: أمر أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحهن ثم يخلط بين لحومهن وريشهن ودمائهن ثم يجزئهن على أربعة أجبل.
وأخرج ابن جرير عن عطاء {فصرهن إليك} اضممهن
[الدر المنثور: 3/225]
إليك.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق طاووس عن ابن عباس قال: وضعهن على سبعة أجبل وأخذ الرؤوس بيده فجعل ينظر إلى القطرة تلقى القطرة والريشة تلقى الريشة حتى صرن أحياء ليس لهن رؤوس فجئن إلى رؤوسهن فدخلن فيها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد {ثم ادعهن} قال: دعاهن باسم إله إبراهيم تعالين.
وأخرج ابن أبي جرير عن الربيع في قوله {يأتينك سعيا} قال: شدا على أرجلهن.
وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال: أخذ ديكا وطاووسا وغرابا وحماما فقطع رؤوسهن وقوائمهن وأجنحتهن ثم أتى الجبل فوضع عليه لحما ودما وريشا
ثم فرقه على أربعة أجبال ثم نودي: أيتها العظام المتمزقة واللحوم المتفرقة والعروق المتقطعة اجتمعن يرد الله فيكن أرواحكن، فوثب العظم إلى العظم وطارت الريشة إلى الريشة وجرى
[الدر المنثور: 3/226]
الدم إلى الدم حتى رجع إلى كل طائر دمه ولحمه وريشه ثم أوحى الله إلى إبراهيم: إنك سألتني كيف أحيي الموتى وإني خلقت الأرض وجعلت فيها أربعة أرواح: الشمال والصبا والجنوب والدبور حتى إذا كان يوم القيامة نفخ نافخ في الصور فيجتمع من في الأرض من القتلى والموتى كما اجتمعت أربعة أطيار من أربعة جبال ثم قرأ (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) (لقمان الآية 28).
وأخرج البيهقي في الشعب عن الحسن في قوله {رب أرني كيف تحيي الموتى} قال: إن كان إبراهيم لموقنا أن الله يحيي الموتى ولكن لا يكون الخبر كالعيان إن الله أمره أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحهن وينتفهن ثم قطعهن أعضاء أعضاء ثم خلط بينهن جميعا ثم جزأهن أربعة أجزاء ثم جعل على كل جبل منهن جزءا ثم تنحى عنهن فجعل يعدو كل عضو إلى صاحبه حتى استوين كما كن قبل أن يذبحهن ثم أتينه سعيا.
وأخرج البيهقي عن مجاهد في قوله {فصرهن إليك} قال: يقول: انتف ريشهن ولحومهن ومزقهن تمزيقا.
وأخرج البيهقي عن عطاء قال: يقول: شققهن ثم اخلطهن). [الدر المنثور: 3/227]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م, 07:40 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم...}
وإدخال العرب (إلى) في هذا الموضع على جهة التعجّب؛ كما تقول للرجل: أما ترى إلى هذا! والمعنى - والله أعلم -: هل رأيت مثل هذا أو رأيت هكذا! والدليل على ذلك أنه قال: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ} فكأنه قال: هل رأيت كمثل الذي حاجّ إبراهيم في ربه {أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها} وهذا في جهته بمنزلة ما أخبرتك به في مالك وما منعك.
ومثله قول الله تبارك وتعالى: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون للّه} ثم قال تبارك وتعالى: {قل من ربّ السموات السّبع وربّ العرش العظيم. سيقولون لله} فجعل اللام جوابا وليست في أوّل الكلام. وذلك أنك إذا قلت: من صاحب هذه الدار؟ فقال لك القائل: هي لزيد، فقد أجابك بما تريد. فقوله: زيدٌ ولزيدٍ سواء في المعنى. فقال: أنشدني بعض بني عامر:

فأعلم أنني سأكون رمساً * إذا سار النواجع لا يسير
فقال السائرون لمن حفرتم * فقال المخبرون لهم: وزير
ومثله في الكلام أن يقول لك الرجل: كيف أصبحت؟ فتقول أنت: صالح، بالرفع، ولو أجبته على نفس كلمته لقلت: صالحا. فكفاك إخبارك عن حالك من أن تلزم كلمته.
ومثله قول الله تبارك وتعالى: {ما كان محمد أبا أحدٍ من رجالكم ولكن
رسول الله} وإذا نصبت أردت: ولكن كان رسول الله، وإذا رفعت أخبرت، فكفاك الخبر مما قبله. وقوله: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء} رفع وهو أوجه من النصب، لأنه لو نصب لكان على: ولكن أحسبهم أحياء؛ فطرح الشكّ من هذا الموضع أجود.
ولو كان نصبا كان صوابا كما تقول: لا تظننه كاذبا، بل اظننه صادقا.
وقال الله تبارك وتعالى: {أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوّي بنانه} إن شئت جعلت نصب قادرين من هذا التأويل، كأنه في مثله من الكلام قول القائل: أتحسب أن لن أزورك؟ بل سريعا إن شاء الله، كأنه قال: بلى فاحسبني زائرك. وإن كان الفعل قد وقع على (أن لن نجمع) فإنه في التأويل واقع على الأسماء. وأنشدني بعض بني فقعس:

أجدّك لن ترى بثعيلبات * ولا بيدان ناجيةً ذمولا
ولا متداركٍ والشمس طفلٌ * ببعض نواشغ الوادي حمولا
فقال: ولا متداركٍ، فدلّ ذلك على أنه أراد ما أنت براءٍ بثعيلبات كذا ولا بمتداركٍ.
وقد يقول بعض النحويّين: إنا نصبنا (قادرين) على أنها صرفت عن نقدر، وليس ذلك بشيء، ولكنه قد يكون فيه وجه آخر سوى ما فسّرت لك: يكون خارجا من (نجمع) كأنه في الكلام قول القائل: أتحسب أن لن أضربك؟ بلى قادرا على قتلك، كأنه قال: بلى أضربك قادراً على أكثر من ضربك).
[معاني القرآن: 1/170-171]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فبهت}: انقطع وذهبت حجته، و"بهت" أكثر الكلام، و"بهت" إن شئت). [مجاز القرآن: 1/79]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه اللّه الملك إذ قال إبراهيم ربّي الّذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الّذي كفر واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
قال: {فبهت الّذي كفر} أي: بهته إبراهيم و{بهت} أجود وأكثر). [معاني القرآن: 1/149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({فبهت الذي كفر}: انقطع وذهبت حجته. والباهت: الناظر الذي لا يحير شيئا). [غريب القرآن وتفسيره: 97]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة أهل المدينة {فبهت الذي كفر}.
وقراءة أخرى لم تسم لنا: "فبهت"؛ وبهت، بهتا لغة، وبهت بهاتة هي الجيدة). [معاني القرآن لقطرب: 274]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه اللّه الملك} أي حاجّة لأن آتاه اللّه الملك، فأعجب بنفسه وملكه فقال: {أنا أحيي وأميت} أي: أعفو عمن استحق القتل فأحييه، و«أميت»: أقتل من أريد قتله فيموت.
{فبهت الّذي كفر} أي: انقطعت حجته). [تفسير غريب القرآن:93-94]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه اللّه الملك إذ قال إبراهيم ربّي الّذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الّذي كفر واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
هذه كلمة يوقف بها المخاطب على أمر يعجب منه، ولفظها لفظ استفهام، تقول في الكلام: ألم تر إلى فلان صنع كذا وصنع كذا.
وهذا مما أعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة على أهل الكتاب ومشركي العرب لأنه نبأ لا يجوز أن يعلمه إلا من وقف عليه بقراءة كتاب أو تعليم معلم، أو بوحي من اللّه عزّ وجلّ.
فقد علمت العرب الذين نشأ بينهم رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أنه أمّيّ، وأنه لم يعلم التوراة والإنجيل وأخبار من مضى من الأنبياء، فلم يبق وجه تعلم منه هذه الأحاديث إلا الوحي.
وقوله عزّ وجلّ: {أن آتاه اللّه الملك} أي: آتى الكافر الملك، وهذا هو الذي عليه أهل التفسير وعليه يصح المعنى، وقال قوم إن الذي آتاه - الله الملك إبراهيم عليه السلام وقالوا: اللّه عزّ وجلّ لا يملك الكفار وإنما قالوا هذا لذكره عزّ وجلّ: {آتاه الملك} واللّه قال: {تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء} فتأويل إيتاء اللّه الكافر الملك ضرب من امتحانه الذي يمتحن الله به خلقه، وهو أعلم بوجه الحكمة فيه.
والدليل على أن الكافر هو الذي كان ملّك إنّه قال: {أنا أحيي وأميت} وأنه دعا برجلين فقتل أحدهما وأطلق الآخر، فلولا أنه كان ملكا وإبراهيم عليه السلام غير ملك لم يتهيأ له أن يقتل وإبراهيم الملك، وهو النبي عليه السلام.
وأمّا معنى احتجاجه على إبراهيم بأنه يحيى ويميت، وترك إبراهيم مناقضته في الإحياء والإماتة، فمن أبلغ ما يقطع به الخصوم ترك الإطالة والاحتجاج بالحجة المسكتة لأن إبراهيم لما قال له: {فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب} كان جوابه على حسب ما أجاب في المسألة الأولى أن يقول: فأنا أفعل ذلك فتبيّن عجزه وكان في هذا إسكات الكافر فقال اللّه عز وجل: {فبهت الّذي كفر} وتأويله انقطع وسكت متحيّرا، يقال: بهت الرجل يبهت بهتا إذا انقطع وتحير، ويقال بهذا المعنى " بهت الرجل يبهت "، ويقال بهت الرجل أبهته بهتانا إذا قابلته بكذب). [معاني القرآن: 1/340-341]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (قوله جل وعز: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه}
وهذه ألف التوقيف وفي الكلام معنى التعجب أي اعجبوا له.
قال ابن عباس ومجاهد: هو نمروذ بن كنعان.
قال سفيان: فدعا برجلين فقتل أحدهما واستحيا الآخر.
قال سفيان: فبهت الذي كفر فسكت فلم يجبه بشيء.
وقرئ {فبهت الذي كفر} أي: فبهت إبراهيم الذي كفر). [معاني القرآن: 1/275-276]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ):{فبهت الذي كفر} أي: تحير). [ياقوتة الصراط: 181]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فبهت الذي كفر} أي: انقطعت حجته.
(العروش) السقوف). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 43]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَبُهِتَ}: انقطع في حجته). [العمدة في غريب القرآن: 93]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {كم لبثت} وقد جرى الكلام بالإدغام للثاء؛ لقيت التاء وهي مجزومة.
وفي قراءة عبد الله (اتّختّم العجل) (وإني عتّ بربي وربكم) فأدغمت الذال أيضا عند التاء، وذلك أنهما متناسبتان في قرب المخرج، والثاء والذال مخرجهما ثقيل، فأنزل الإدغام بهما لثقلهما؛ ألا ترى أن مخرجهما من طرف اللسان.
وكذلك الظاء تشاركهن في الثقل. فما أتاك من هذه الثلاثة الأحرف فأدغم. وليس تركك الإدغام بخطأ، إنما هو استثقال.
والطاء والدال يدغمان عند التاء أيضا إذا أسكنتا؛ كقوله: {أحطت بما لم تحط به} تخرج الطاء في اللفظ تاء، وهو أقرب إلى التاء من الأحرف الأول، تجد ذلك إذا امتجنت مخرجيهما).
[معاني القرآن: 1/172]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {لم يتسنّه} جاء التفسير: لم يتغير [بمرور السنين عليه، مأخوذ من السنة]، وتكون الهاء من أصله [من قولك: بعته مسانهة، تثبت وصلا ووقفا. ومن وصله بغير هاء جعله من المساناة؛ لأن لام سنة تعتقب عليها الهاء والواو]، وتكون زائدةً صلةً بمنزلة قوله: {فبهداهم اقتده} فمن جعل الهاء زائدة جعل فعّلت منه تسنيت؛ ألا ترى أنك تجمع السنة سنوات فيكون تفعّلت على صحة، ومن قال في [تصغير] السنة سنينة وإن كان ذلك قليلا جاز أن يكون تسنيت تفعّلت أبدلت النون بالياء لمّا كثرت النونات، كما قالوا تظنّيت وأصله الظن.
وقد قالوا هو مأخوذ من قوله: {من حمإٍ مسنون} يريد: متغيّر. فإن يكن كذلك فهو أيضا مما أبدلت نونه ياء.
ونرى أن معناه مأخوذ من السنة؛ أي لم تغيّره السنون. والله أعلم.
حدّثنا محمد بن الجهم، قال حدّثنا الفراء، قال حدثني سفيان بن عيينة رفعه إلى زيد
ابن ثابت قال: كتب في حجر ننشزها ولم يتسن وانظر إلى زيد بن ثابت فنقط على الشين والزاي أربعا وكتب {يتسنه} بالهاء.
وإن شئت قرأتها في الوصل على وجهين:
1-تثبت الهاء وتجزمها،
2- وإن شئت حذفتها؛ أنشدني بعضهم:

فليست بسنهاء ولا رجّبيّة * ولكن عرايا في السنين الجوائح
والرجّبيّة: التي تكاد تسقط فيعمد حولها بالحجارة. والسنهاء: النخلة القديمة. فهذه قوّة لمن أظهر الهاء إذا وصل). [معاني القرآن: 1/172-173]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولنجعلك آيةً للنّاس} إنما أدخلت فيه الواو لنيّة فعل بعدها مضمر؛ كأنه قال: ولنجعلك آية فعلنا ذلك. وهو كثير في القرآن.
وقوله: {آيةً للنّاس} حين بعث أسود اللحية والرأس وبنو بنيه شيب، فكان آية لذلك).
[معاني القرآن: 1/173]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ننشزها} قرأها زيد بن ثابت كذلك، والإنشاز نقلها إلى موضعها.
وقرأها ابن عباس "ننشرها". إنشارها: إحياؤها. واحتجّ بقوله: {ثم إذا شاء أنشره}.
وقرأ الحسن - فيما بلغنا - {ننشرها} ذهب إلى النشر والطيّ.
والوجه أن تقول: أنشر الله الموتى فنشروا إذا حيوا، كما قال الأعشى:

* يا عجبا للميت الناشر *
وسمعت بعض بني الحارث يقول: كان به جرب فنشر، أي: عاد وحيي. وقوله: "فلما تبين له قال أعلم أنّ الله على كل شيء قدير" جزمها ابن عبّاس، وهي في قراءة أبيّ وعبد الله جميعا: "قيل له اعلم" واحتجّ ابن عباس فقال: أهو خير من إبراهيم وأفقه؟ فقد قيل له: {واعلم أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ}.
والعامّة تقرأ: "أعلم أن الله" وهو وجه حسن؛ لأن المعنى كقول الرجل عند القدرة تتبين له من أمر الله: (أشهد أن لا إله إلا الله) والوجه الآخر أيضا بيّن).
[معاني القرآن: 1/173-174]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {خاويةٌ}: لا أنيس بها، {على عروشها} على بيوتها وأبنيتها.
{لم يتسنّه}: لم تأت عليه السنون فيتغير، وهذا في قول من قال للسنة: (سنية) مصغرة، وليست من الأسن المتغير، ولو كانت منها لكانت ولم يتأسن.
{ننشرها}: نجييها ومن قال: (ننشزها) قال: ننشز بعضها إلى بعض) ). [مجاز القرآن: 1/80]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها قال أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مائة عامٍ ثمّ بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يومٍ قال بل لّبثت مائة عامٍ فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آيةً للنّاس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحماً فلمّا تبيّن له قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}
قال: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ} الكاف زائدة والمعنى - والله أعلم - {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه} {أو كالّذي مرّ على قريةٍ} والكاف زائدة.
وفي كتاب الله {ليس كمثله شيءٌ} يقول: "ليس كهو" لأنّ الله ليس له مثل.

وقال: {لم يتسنّه} فتثبت الهاء للسكوت وإذا وصلت حذفتها مثل (إخشه).
وأثبتها بعضهم في الوصل فقال: {لم يتسنّه وانظر} فجعل الهاء من الأصل وذلك في المعنى: لم تمرر عليه السنون "فـ" السّنة" منهم من يجعلها من الواو فيقول: "سنيّةٌ" ومنهم من يجعلها من الهاء فيقول: "سنيهةٌ" يجعل الذي ذهب منها هاء كأنه أبدلها من الواو كما قالوا: "أسنتوا": إذا أصابتهم السنون. أبدل التاء من الهاء ويقولون: "بعته مساناةً" و"مسانهةً". ويكون: {لم يتسنّه} أن تكون هذه الهاء للسكوت.
ويحمل قول الذين وصلوا بالهاء على الوقف الخفي وبالهاء نقرأ في الوصل.

وقال: {وانظر إلى حمارك ولنجعلك آيةً للنّاس وانظر إلى العظام كيف ننشزها} من "نشرت" التي هي "ضدّ "طويت"
وقال بعضهم {ننشزها} لأنه قد تجتمع "فعلت" و"أفعلت" كثيراً في معنى واحد تقول: "صددت" و"أصددت" وقد قال: {ثمّ إذا شاء أنشره} وقال بعضهم {ننشرها} أي: نرفعها. تقول: "نشز هذا" و"أنشزته".

وقال: {أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} إذا عنى نفسه.
وقال بعضهم {قال اعلم} جزم على الأمر كما يقول: "اعلم أنّه قد كان كذا وكذا" كأنه يقول ذاك لغيره وإنما ينبه نفسه والجزم أجود في المعنى إلا أنه أقل في القراءة والرفع قراءة العامة وبه نقرأ).
[معاني القرآن: 1/150-151]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة الحسن {كم لبثت} بغير إدغام؛ وهي قراءة نافع.
قراءة أبي عمرو {لبثت} يدغم الثاء في التاء؛ والمصدر: لبثًا ولباثة ولبثًا.
[معاني القرآن لقطرب: 274]
قراءة ابن أبي إسحاق {لم يتسن} بحذف الهاء.
الحسن وأبو جعفر وشيبة ونافع {يتسنه وانظر} بإثبات الهاء، وهي قراءة شيبة وأبي جعفر ونافع {اقتده قل} و{لم أدر ما حسابيه} {وما أدراك ما هيه} بإثبات الهاءات كلها مثل {لم يتسنه}.
وقد يكون {لم يتسنه} من السنه فيمن قال: سنيهة بالهاء، مثل: شفة وشفيهة، كما قالوا: سنة سنهاء، وبعته مسانهة؛ ويكون الرفع على هذه اللغة يتسنه بالهاء.
ومن لم يثبت الهاء في {يتسنه} جعلها من قولهم سنوات؛ وسانيته وسنيته، ويكون الرفع هو يتسنى مثل يترجى.
وكان ابن عباس رحمه الله يقول: {لم يتسنه} لم يتغير.
قراءة عكرمة وأبي عمرو {كيف ننشرها} من أنشرها إنشارًا.
قراءة الحسن "كيف ننشرها" من نشرها.
[معاني القرآن لقطرب: 275]
قراءة زيد {كيف ننشزها} بالزاي، من أنشزها.
الحسن وأبو عمرو {قال أعلم أن الله}.
الأعمش، [وحكيت] عن ابن مسعود {قال اعلم أن الله} على الأمر). [معاني القرآن لقطرب: 276]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {فهي خاوية على عروشها} فالعرش: السقف، والسرير، والسطح، والخدر، والهودج؛ كلهن يسمى بذلك.
وقال الله عز وجل {ورفع أبويه على العرش}، وقال {ولها عرش عظيم} وكأن قوله {ومما يعرشون} من ذلك؛ والفعل: عرش عروشًا.
وقال الأسود:
وغانية قطعت باقي وصلها = بحرف كعرش الهاجري المطين
وقوله عز وجل {خاوية} فالفعل: خوت الدار تخوى خواية وخويا وخواء، وخويت أيضًا لغة؛ وخوي الرجل خواء: إذا خوى بطنه، وخوت النجوم خيا: إذا لم تمطر، وخويا وخواء؛ ويقال: خوت المرأة: إذا قعدت على المجمر؛ وكذلك الطائر يقال: خوا الطائر، ويقال: تجنث الطائر: إذا نشر جناحيه، مثل: ربض الحمار.
وأما قوله عز وجل "كيف ننشزها" فإنهم يقولون: نشر الميت، وأنشره الله، وقال الله عز وجل {وإليه النشور}.
وقال الأعشى:
[معاني القرآن لقطرب: 378]
حتى يقول الناس مما رأوا = يا عجبا للميت الناشر
على: نشر الميت.
ومن قرأها {ننشرها} جعلها من: أنشرها الله إنشارا.
وأما {كيف ننشزها} فهي من أنشزها الله إنشازًا: رفعها؛ وكقول الله عز وجل {وإذا قيل انشزوا فانشزوا} أي انهضوا، والمعنى واحد، ويقال: نشزت هي نشزا ونشوزًا.
قال زهير:
قد أبدأت قطفا في المشي منشزة الكتاف ينكتها الخزان والأكم
[محمد بن صالح]: منشرة.
ومن هذا اللفظ: نشزت المراة بزوجها، فكأن المعنى: جفت عنه فتباعدت منه، ومن هذا اللفظ: النشز، والنشز من الأرض، والنشاز أيضًا). [معاني القرآن لقطرب: 379]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({خاوية على عروشها}: الخاوية التي لا أنيس بها والعروش البيوت والأبنية.
{لم يتسنه}: لم تأت عليه السنون فتغيره.
{كيف ننشزها}: من قرأها بالزاي، فهي " نرفع" بعضها إلى بعض. ومن قرأها بالراء فهو نحييها يقال أنشر الله الموتى فنشروا). [غريب القرآن وتفسيره:97-98]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أو كالّذي مرّ على قريةٍ} أي: هل رأيت [أحدا كالذي حاج إبراهيم في ربه]، أو كالذي مر على قرية ؟! على طريق التعجب {وهي خاويةٌ} أي خراب.
و{عروشها} سقوفها. وأصل ذلك أن تسقط السقوف ثم تسقط الحيطان عليها.
{ثمّ بعثه اللّه}، أي: أحياه.
{لم يتسنّه}: لم يتغير بممر السنين عليه. واللفظ مأخوذ من السّنة.
يقال: سانهت النّخلة، إذا حملت عاما، وحالت عاما. قال الشاعر:
وليست بسنهاء ولا رجيبة، ولكن عرايا في السنين الجوائح
وكأن «سنة» من المنقوص: وأصلها: «ستهة».
فمن ذهب إلى هذا قرأها - في الوصل والوقف - بالهاء: «يتسنّه».

قال أبو عمرو الشّيباني: «لم يتسنّه»: لم يتغير، من قوله: من حمإٍ مسنونٍ، فأبدلوا النون من «يتسنّن» هاء.
كما قالوا: تظنّيت وقصّيت أظفاري، وخرجنا نتلعّى. أي نأخذ اللّعاع. وهو: بقل ناعم.

{ولنجعلك آيةً للنّاس} أي: دليلا للناس، وعلما على قدرتنا.
وأضمر «فعلنا ذلك».
كيف ننشرها بالراء، أي: نحييها. يقال: أنظر اللّه لميت فنشر. وقال: {ثمّ إذا شاء أنشره} [عبس: 22].
ومن قرأ {ننشزها} بالزاي، أراد: نحرك بعضها إلى بعض ونزعجه. ومنه يقال: نشز الشيء، ونشزت المرأة على زوجها.
وقرأ الحسن: «ننشرها». كأنه من النّشر عن الطّيّ. أو على أنه يجوز «أنشر اللّه الميت ونشره»: إذا أحياه. ولم أسمع به [في «فعل» و«أفعل»]). [تفسير غريب القرآن:94-96]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أو كالّذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مائة عام ثمّ بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للنّاس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحما فلمّا تبيّن له قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير}
هذا الكلام معطوف على معنى الكلام الأول، والمعنى - واللّه أعلم - أرأيت كالذي مرّ على قرية، والقرية في اللغة: سميت قرية لاجتماع الناس فيها، يقال قريت الماء في الحوض إذا جمعته.
وقوله عزّ وجلّ: {وهي خاوية على عروشها}.
معنى {خاوية}: خالية -
و {عروشها} - قال أبو عبيدة: هي الخيام وهي بيوت الأعراب، وقال غير أبي عبيدة: معنى {وهي خاوية على عروشها}: بقيت حيطانها لا سقوف لها.

ويقال خوت الدار والمدينة تخوي خواء - ممدود - إذا خلت من أهلها، ويقال فيها: " خويت " والكلام هو الأول - ويقال للمرأة إذا خلا جوفها بعد الولادة وللرجل إذا خلا جوفه من الطعام - قد خوي ويخوى خوى - مقصور - وقد يقال فيه خوى يخوي - والأول في هذا أجود.
وقوله عزّ وجلّ: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها} معناه: من أين يحيي هذه اللّه بعد موتها.
وقيل في التفسير إنه كان مؤمنا وقد قيل إنه كان كافرا، ولا ينكر أن يكون مؤمنا أحبّ أن يزداد بصيرة في إيمانه فيقول: ليت شعري كيف تبعث الأموات كما قال إبراهيم عليه السلام: {ربّ أرني كيف تحي الموتى}.
وقوله عزّ وجلّ: {فأماته اللّه مائة عام ثمّ بعثه}معناه: ثم أحياه لأنه لا يبعث ولا يتصرف إلا وهو حي.
وقوله عزّ وجلّ: {كم لبثت}.
يقرأ بتبيين الثاء، وبإدغام الثاء في التاء، وإنما أدغمت لقرب المخرجين.
ومعنى {قال لبثت يوما أو بعض يوم}: أنه كان أميت في صدر النهار ثم بعث بعد مائة سنة في آخر النهار، فظن أنّ مقدار لبثه ما بين أول النهار وآخره، فأعلمه اللّه أنه قد لبث مائة عام وأراه علامة ذلك ببلى عظام حماره، وأراه طعامه وشرابه غير متغير وأراه كيف ينشز العظام، وكيف تكتسى اللحم.
فقال: {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه}.
يجوز بإثبات الهاء وبإسقاط الهاء في الكلام، ومعناه لم تغيره السنون، فمن قال في السنة سانهت فالهاء من أصل الكلمة، ومن قال في السّنة سانيت فالهاء زيدت لبيان الحركة، ووجه القراءة على كل حال إثباتها والوقوف عليها بغير وصل فمن جعله سانيت ووصلها إن شاء أو وقفها على من جعله من سانهت، فأما من قال: إنه من تغير من أسن الطعام يأسن فخطأ.
وقد قال بعض النحويين: إنه جائز أن يكون من (التغيير) من قولك من حمإ مسنون وكان الأصل عنده " لم يتسنن " ولكنه أبدل من النون ياء كما قال:
تقضي البازي إذا البازي كسر
يريد تقضض، وهذا ليس من ذاك لأن " مسنون " إنما هو مصبوب على سنة الطريق.
وقوله عزّ وجلّ: {وانظر إلى العظام كيف ننشزها}.
يقرأ (ننشزها) بالزاي، وننشرها، وننشرها بالراء، فمن قرأ {ننشزها} كان معناه نجعلها بعد بلاها وهجودها ناشزه ينشز بعضها إلى بعض، أي يرتفع.
والنشز في اللغة: ما ارتفع عن الأرض، ومن قرأ (ننشرها)، و (ننشرها)، فهو من أنشر اللّه الموتى ونشرهم - وقد يقال نشرهم اللّه أي بعثهم، كما قال: (وإليه النّشور).
وقوله عزّ وجلّ: {فلمّا تبيّن له قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير} معناه: فلما تبين له كيف إحياء الموتى.
قال: {أعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير}، فإن كان كلما قيل أنه كان مؤمنا، فتأويل ذكره: {أعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير} ليس لأنه لم يكن يعلم قبل ما شاهد ولكن تأويله: أني قد علمت ما كنت أعلمه غيبا - مشاهدة، ومن قرأ {اعلم أن اللّه على كل شي قدير} فتأويله إذا جزم أنه يقبل على نفسه فيقول: " اعلم أيها الإنسان أن اللّه على كل شيء قدير " - والرفع على الإخبار). [معاني القرآن: 1/342-344]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {أو كالذي مر على قرية خاوية على عروشها}
روى علي بن الحكم عن الضحاك قال: يقال هو عزير والقرية بيت المقدس.
{فأماته الله مائة عام} فكان أول شيء حيي منه رأسه فجعل ينظر إلى كل ما يخلق منه وإلى حماره.
قال سعيد عن قتادة: وذكر لنا أنه عزير أتى على بيت المقدس بعد ما خربه بختنصر قال فقال أنى تعمر هذه بعد خربها
ثم قال تعالى: {فأماته الله مائة عام}
ذكر لنا أنه مات ضحى وبعث قبل غيبوبة الشمس بعد مائة عام فقال لبثت يوما أو بعض يوم
وقال كعب: هو عزير.
قال مجاهد: هو رجل من بني إسرائيل.
قال عبد الله بن عبيد بن عمير: هو أرميا وكان نبيا.
والخاوية الخالية
وقال الكسائي: يقال خوت خويا وخواء وخواية.
والعروش السقوف أي ساقطة على سقوفها
قال أبو عبيدة: ويقال خوت عروشها بيوتها والعروش الخيام وهي بيوت الأعراب.
قال الكسائي والفراء: الكاف في قوله: {أو كالذي} عطف على معنى الكلام أي هل رأيت كالذي حاج إبراهيم: {أو كالذي مر على قرية}
وقيل: هي زائدة كما قال ليس كمثله شيء). [معاني القرآن: 1/277-279]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {لم يتسنه}
قال عكرمة وقتادة: لم يتغير.
وقال مجاهد: لم ينتن.
قال بعض أهل اللغة: لم يتسن من قولهم آسن الماء إذا أنتن.
وقال أبو عمر الشيباني: لم يتسنه لم يتغير.
من قوله تعالى: {من حمأ مسنون} ثم أبدل من إحدى النونين ياء كما قيل تقصيت وتظنيت وقصيت أظافري.
قال أبو جعفر: والقولان خطأ لو كان من قولهم أسن الماء إذا انتن لكان يتأسن.
قال أبو إسحاق: وليس مسنون لأن مسنونا مصبوب على سنة الأرض.
قال أبو جعفر: والصحيح أنه من السنة أي لم تغيره السنون). [معاني القرآن: 1/279-280]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولنجعلك آية للناس}
قال سفيان عن الأعمش قال: رجع إلى بنيه شيوخا وهو شاب.
قال الكسائي: لا يكون الملام إلا بإضمار فعل.
والمعنى عنده: فعلنا هذا لنجعلك دليلا للناس وعلما على قدرتنا ومثله وحفظا). [معاني القرآن: 1/281]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وانظر إلى العظام كيف ننشرها}أي: نحييها
و{ننشزها}
بالزاي معجمة، أي: نركب بعض
العظام على بعض ونرفع بعضها إلى بعض.
والنشز والنشز ما ارتفع عن الأرض.
ومن قرأ قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير.
فقال قتادة: في قراءته أنه جعل ينظر كيف يوصل بعض عظامه إلى بعض لأن أول ما خلق منه رأسه وقيل له انظر فقال عن ذلك هذا
وروى طاووس عن ابن عباس {قال اعلم} على الأمر.
وإنما قيل له ذلك
قال هارون في قراءة عبد الله قيل اعلم على وجه الأمر.
وقد يجوز أن يكون خاطب نفسه بهذا). [معاني القرآن: 1/281-283]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لم يتسنه} لم يتغير.
{ننشرها} بالراء: نحييها، ومن قرأ بالزاي: فمعناه: كيف نحرك بعضها إلى بعض ونزعجه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 43]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (العُرُوشِ): الأبنية.
{يَتَسَنَّهْ}: لم يتغير، لم يأت عليه السنون. {نُنشِرُهَا}: نخرجها من القبور.{نُنشِزُهَا}: نرفعها). [العمدة في غريب القرآن: 93]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فصرهنّ إليك} ضمّ الصاد العامّة.
وكان أصحاب عبد الله يكسرون الصاد.
وهما لغتان:
فأمّا الضمّ فكثير،
وأما الكسر ففي هذيل وسليم. وأنشدني الكسائيّ عن بعض بني سليم:

وفرعٍ يصير الجيد وحفٍ كأنه * على الليت قنوان الكروم الدوالح
ويفسّر معناه: قطّعهن، ويقال: وجّههن.
ولم نجد قطّعهنّ معروفة من هذين الوجهين، ولكني أرى - والله أعلم - أنها إن كانت من ذلك أنها من صريت تصري، قدّمت ياؤها كما قالوا: عثت وعثيت، وقال الشاعر:

صرت نظرة لو صادفت جوز دارع * غدا والعواصي من دم الجوف تنعر
والعرب تقول: بات يصري في حوضه إذا استقى ثم قطع واستقى؛ فلعله من ذلك . وقال الشاعر:
يقولون إن الشأم يقتل أهله * فمن لي إن لم آته بخلود
تعرّب آبائي فهلاّ صراهم * من الموت أن لم يذهبوا وجدودي). [معاني القرآن: 1/174]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فصرهنّ إليك} : فمن جعل من صرت تصور، ضمّ، قال: (صرهنّ إليك) ضمّهن إليك، ثم اقطعهن.
{ثمّ أجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءاً} : فمن جعل من (صرت قطّعت وفرّقت) قال: خذ أربعة من الطير إليك فصرهن إليك، أي: قطعهن ثم ضع على كل جبل منهن جزءاً قالت خنساء:
لظلت الشّمّ منها وهي تنصار
الشّمّ: الجبال، تنصار: تقطع وتصدع وتفلق؛ وأنشد بعضهم بيت أبي ذؤيب:
فانصرن من فزعٍ وسدّ فروجه... غبرٌ ضوارٍ وافيان وأجدع
صرنا به الحكم: أي فصّلنا به الحكم. وقال المعلّي بن جمال العبديّ.
وجاءت خلعة دهسٌ صفايا... يصور عنوقها أحوى زنيم
ولون الدّهاس: لون الرمل كأنه تراب رملٍ أدهس.
خلعة:
خيار شائه؛ صفايا: غزارٌ، ويقال للنخلة: صفيّة أي كثيرة الحمل).
[مجاز القرآن: 1/80-81]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن لّيطمئنّ قلبي قال فخذ أربعةً مّن الطّير فصرهنّ إليك ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ مّنهنّ جزءًا ثمّ ادعهنّ يأتينك سعياً واعلم أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ}
أما قوله: {ربّ أرني كيف تحيي الموتى} فلم يكن ذلك شكا منه ولم يرد به رؤية القلب وإنما أراد به رؤية العين.
وقوله الله عز وجل له {أولم تؤمن} يقول: "ألست قد صدقت" أي: أنت كذاك. قال الشاعر:
ألستم خير من ركب المطايا = وأندى العالمين بطون راح
وقوله: {لّيطمئنّ قلبي} أي: قلبي ينازعني إلى النظر فإذا نظرت اطمأن قلبي.
قال: {فخذ أربعةً مّن الطّير فصرهنّ إليك} أي: قطّعهنّ وتقول منها: "صار" "يصور".
وقال بعضهم {فصرهنّ} فجعلها من "صار" "يصير" وقال: {إليك} لأنه يريد: "خذ أربعةً إليك فصرهنّ").
[معاني القرآن: 1/151-152]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة ابن عباس رحمه الله {فصرهن إليك} قال: فاقطعهن.
ابن مسعود {فصرهن} بالكسر). [معاني القرآن لقطرب: 276]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {فصرهن إليك} على قراءة ابن عباس - وقد ذكرناها -، فإن بعض العرب يقول: صرت أصور صورًا؛ أي ضممت الشيء إلي، قال: وسمعت العرب تقول: صر فرسك؛ أي اعطفها.
ومن قرأ {فصرهن إليك} وهي قراءة ابن مسعود، فالفعل منه: صار يصير صيرًا وصيورًا بكسر الصاد، وضمها هو الأكثر والأقيس؛ وهي لغة لبني سليم عليها.
وقال الشاعر على قراءة ابن مسعود:
وفرع يصير الجيد وحف كأنه = على الليت قنوان الكروم الدوالح
[معاني القرآن لقطرب: 379]
وقال العديل بن الفرخ:
وكنت إذا لم يصرني الهوى = ولا حبها كان همي نعورا
وقال: صرا الله عنك الشر؛ أي عدله.
وقال بعضهم على قراءة ابن عباس: صرهن: اقطعهن.
وقال الطرماح على صرهن بالضم:
عفائف إلا ذاك أو أن يصورها = هوى والهوى للعاشقين صروع
يصورها: يعطفها.
وقال ذو الرمة:
ظللنا نعوج العيس في عرصاتها = وقوفا ونستعدي بها فنصورها
وقال أبو خيرة العدوي: نصورها: نكفها.
وقال رؤبة:
وإن عدو جهده تمعقا = صرناه بالمكروه حتى يرفقا
وقال: صراه عني يصريه؛ أي صرفه وثناه؛ وقالوا: انصار الغصن انصيارا من {صرهن إليك}.
وقال لبيد:
[معاني القرآن لقطرب: 380]
من فقد مولى تصور الحي جفنته = أو رزء مال وزرء المال يجتبر
ومن هذا اللفظ أيضًا: الصور، والصور بالمكان الذي فيه النخل، ويقال لجماعة النخل الذي لم يحمل: صور، والجميع صيران.
والصوار من المسك: الشيء القليل؛ والصوار بالضم أيضًا.
وفي البقر يقال: صوار من بقر، وصوار وصيار وصيران.
ومن هذا اللفظ: صار إليه صيرورة ومصيرا.
(وأما قوله عز وجل {فخذ أربعة من الطير} فابن عباس كان يقول: هي الشفانين.
وكان عمرو بن الهادي يقول: طاوس وحمام وديك وغراب) ). [معاني القرآن لقطرب: 381]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({فصرهن إليك}: ضمهن إليك وأملهن، والأصور المائل العنق،
وقال بعضهم: قطعهن. وقد قرئت بكسر الصاد والمعنى واحد).
[غريب القرآن وتفسيره: 98]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي} بالنظر. كأن قلبه كان معلقا بأن يرى ذلك. فإذا رآه اطمأن وسكن، وذهبت عنه محبة الرؤية.
{فصرهنّ إليك} أي: فضمّهن إليك.
يقال: صرت الشيء فانصار، أي: أملته فمال.
وفيه لغة أخرى: «صرته» بكسر الصاد.

{ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءاً} أي: ربعا من كل طائر.
فأضمر «فقطعهن»، واكتفى بقوله: {ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ} عن قوله: فقطعهن. لأنه يدل عليه. وهذا كما تقول: خذ هذا الثوب، واجعل على كل رمح عندك منه علما.
{ثمّ ادعهنّ يأتينك سعياً} يقال: عدوا. ويقال: مشيا على أرجلهن ولا يقال للطائر إذا طار: سعى). [تفسير غريب القرآن:96-97]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي قال فخذ أربعة من الطّير فصرهنّ إليك ثمّ اجعل على كلّ جبل منهنّ جزءا ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيا واعلم أنّ اللّه عزيز حكيم}
{وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي قال فخذ أربعة من الطّير فصرهنّ إليك ثمّ اجعل على كلّ جبل منهنّ جزءا ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيا واعلم أنّ اللّه عزيز حكيم}
موضع " إذ " نصب، المعنى اذكر هذه القصة - وقوله (ربّ أرني).
أصله أرإني، ولكن المجمع عليه في كلام العرب والقراءة طرح الهمزة، ويجوز (أرني). وقد فسرنا إلقاء هذه الكسرة فيما سلف من الكتاب.
وموضع {كيف} نصب بقوله: {تحي الموتى} أي: بأي حال تحي الموتى وإبراهيم عليه السلام لم يكن شاكا ولكنه لم يكن شاهد إحياء ميّت، ولا يعلم كيف تجتمع العظام المتفرقة البالية، المستحيلة، من أمكنة متباينة فأحب علم ذلك مشاهدة.
ويروى في التفسير: أنه كان مرّ بجيفة على شاطئ البحر والحيتان تخرج من البحر فتنتف من لحم الجيفة، والطير تحط عليها وتنسر منها، ودوابّ الأرض تأكل منها، ففكر كيف يجتمع ما تفرق من تلك الجيفة فحلّ في حيتان البحر وطير السماء ودواب الأرض ثم يعود ذلك حيا، فسأل اللّه تبارك وتعالى أن يريه كيف يحي الموتى، وأمره اللّه أن يأخذ أربعة من الطير، وهو قوله عز وجل: {فصرهنّ إليك} وتقرأ فصرهنّ إليك - بالضم والكسر -.
قال أهل اللغة: معنى صرهنّ: أملهن إليك، وأجمعهن إليك، قال ذلك أكثرهم،
وقال بعضهم: صرهن إليك اقطعهن، فأما نظير صرهن أملهن وأجمعهن فقول الشاعر:

وجاءت خلعة دهس صفايا... يصور عنوقها أحوى زنيم
المعنى: أن هذه الغنم يعطف عنوقها هذا الكبش الأحوى.
ومن قال صرت: قطعت، فالمعنى فخذ أربعة من الطير فصرهن أي قطعهنّ، ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا.
المعنى: اجعل على كل جبل من كل واحد منهن جزءا.
ففعل ذلك إبراهيم عليه السلام ثم دعاهن فنظر إلى الريش يسعى بعضه إلى بعض، وكذلك العظام واللحم.
وقوله عزّ وجلّ: {واعلم أنّ اللّه عزيز حكيم}.
{عزيز} أي: لا يمتنع عليه ما يريد - {حكيم} فيما يدبر، لا يفعل إلا ما فيه الحكمة.
فشاهد إبراهيم عليه السلام ما كان يعلمه غيبا رأي عين، وعلم كيف يفعل اللّه ذلك، فلما قص اللّه ما فيه البرهان والدلالة على أمر توحيده.
وما آتاه الرسل من البيّنات حثّ على الجهاد، وأعلن أن من عانده بعد هذه البراهين فقد ركب من الضلال أمرا عظيما وأن من جاهد من كفر بعد هذا البرهان فله - في جهاده ونفقته فيه - الثواب العظيم، وأن الله عزّ وجلّ وعد في الجنّة عشر أمثالها من الجهاد.
ووعد في الجهاد أن يضاعف الواحد بسبع مائة مرة لما في إقامة الحق من التوحيد، وما في الكفر من عظم الفساد فقال:
{مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة واللّه يضاعف لمن يشاء واللّه واسع عليم}. [معاني القرآن: 1/344-346]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي}
فيه قولان:
أحدهما: إن المعنى ليطمأن قلبي للمشاهدة كأن نفسه طالبته برؤية ذلك فإذا رآه اطمان والإنسان قد يعلم الشيء من جهة ثم يطلب أن يعلمه من غيرها، وهذا القول مذهب الجلة من العلماء وهو مذهب ابن عباس والحسن
قال الحسن: ولا يكون الخبر عند ابن آدم كالعيان.
والقول الآخر: أن المعنى ولكن ليطمئن قلبي بأني إذا سألتك أجبتني، كما روى عن سفيان عن قيس بن مسلم عن سعيد بن جبير قال: أولم تؤمن بالخلة قال توقن بالخلة.
وروى أبو الهيثم عن سعيد بن جبير ولكن ليطمئن قلبي ليزداد). [معاني القرآن: 1/283-284]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {قال فخذ أربعة من الطير}
حدثنا عبد الباقي بن أحمد بن محمد بن عبد العزيز الأموي قال حدثنا أبي قال حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثنا عبد الله بن لهيعة عن عبيد الله بن هبيرة السبيني عن حنش الصنعاني عن عبد الله بن عباس في قول الله جل وعز: {فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك} قال: هو الحمام والطاووس والكركي والديك.
وروى الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: أخذ الديك والطاووس والغراب والحمامة.
قال مجاهد: فصرهن انتفهن بريشهن ولحومهن.
قال أبو عبيدة: صرت قطعت وصرت جمعت.
وحكى أبو عبيدة صرت عنقه أصورها وصرتها أصيرها أملتها وقد صور
يقرأ بالضم والكسر وأكثر القراء على الضم
قال الكسائي من ضمها: جعلها من صرت الشيء أملته وضممته إلي قال وصر وجهك إلي أي أقبل به .
والمعنى على هذه القراءة: فضمهن إليك وقطعهن ثم حذف وقطعهن لأنه قد دل عليه ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا.
ومن قرأ (فصرهن) بالكسر ففيه قولان:
أحدهما: أنه بمعنى الأول.
والآخر: أن أبا مالك والضحاك قالا فقطعهن.
قال أبو حاتم: هو من صار إذا قطع قال ويكون حينئذ على التقديم والتأخير كأنه قال فخذ أربعة من الطير إليك فصرهن.
قال غيره: ومنه قيل للقطيع من بقر الوحش صوار وصوار، أي: انقطعت فانفردت ولذلك قيل لقطع المسك أصورة كما قال: إذا تقوم يضوغ المسك أصورة
قال أبو جعفر: وأولى ما قيل في معنى فصرهن وصرهن إنهما بمعنى القطع على التقديم والتأخير أي فخذ إليك أربعة من الطير فصرهن.
ولم يوجد التفريق صحيحا عن أحد من المتقدمين
{ثم ادعهن }
قال ابن عباس: تعالين بإذن الله فطار لحم ذا إلى لحم ذا سعيا أي عدوا على أرجأهن ولا يقال للطائر إذا طار سعى.
{واعلم أن الله عزيز} أي: لا يمتنع عليه ما يريد.
{حكيم} فيما يدبر.
فلما قص ما فيه البراهين حث على الجهاد وأعلم أن من جاهد بعد هذا البرهان الذي لا يأتي به إلا نبي فله في جهاده الثواب العظيم، فقال تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله} إلى قوله: {واسع عليم}أي: جواد لا ينقصه ما يتفضل به من السعة عليهم أين يضعه). [معاني القرآن: 1/285-289]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فصرهن إليك} أي: ضمهن وأملهن، والكسر لغة.
{يأتينك سعيا} أي: عدوا على أرجلهن، ولا يقال للطائر سعى، إذا طار). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 43]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَصُرْهُنَّ}: ضمهن). [العمدة في غريب القرآن: 93]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 3 جمادى الآخرة 1434هـ/13-04-2013م, 12:24 AM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) }
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (و«الشمس» الطالعة، أنثى، وما وضع في القلادة فهو «شمس» ذكر). [المذكور والمؤنث: 86]

قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (يقال: شمس، وأشْمُس، وشموس. قال الشاعر:
ظلت شموس يومه أشماسا
أي من شدة حرها). [الأيام والليالي: 95]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) }

قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (والخوى على وجهين: إذا خفت المرأة وأصابها الخوى في
[المقصور والممدود: 2]
النفاس قيل أصابها خوى شديد مقصور يكتب بالياء، وإذا خوت الدار والمدينة وخلت من أهلها قيل قد تبين خواؤها ممدود). [المقصور والممدود: 21]
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (ويقال: عام، وأعوام. وأصله: عَوَم. أُبدلت الواو ألفا). [الأيام والليالي: 93]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (وسمعت أبا عمرو يقول قول الله جل ثناؤه: «انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه» أي لم يتغير من قوله: {من حمأ مسنون} قال فقلت له إن مسنونا من ذوات التضعيف ويتسن من ذوات الياء قال أبدلوا النون من يتسنن ياء كما قالوا تظنيت وإنما الأصل تظننت وقال العجاج:

(تقضى البازي إذا البازي كسر)
أراد تقضض وحكى الفراء عن القناني قصيت أظفاري وحكى ابن الأعرابي خرجنا نتلعى أي نأخذ اللعاعة وهو بقل ناعم في أول ما يبدو قال الأصمعي وقولهم تسريت أصلها تسررت من السر وهو النكاح). [إصلاح المنطق: 302]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والفرس يقع للمذكر والأنثى. فإن قصدت إلى الذكر قلت: فريس، وإن قصدت إلى الأنثى قلت: فريسة.
وأما ما جاء على ثلاثة أحرف أحدها هاء التأنيث فنحو: شاة تقول في تصغيرها: شويهة فترد الهاء الساقطة.
والدليل على أن الذاهب منه هاء قولك في الجمع: شياهٌ فاعلم. وتقول في تحقير شفةٍ: شفيهة؛ لأن الذاهب كان هاء. يدلك على ذلك قولك: شافهت الرجل، وشفة وشفاةٌ فاعلم.
ومن ذلك سنة فتقول في تصغيرها: سنية وسنيهة، لأنه يجتذبها أصلان: الواو، والهاء. فمن قال: سنوات، واكتريته مساناة، وقرأ: (فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسن وانظر) فوصل بغير هاء فهو على قول من أذهب الواو. فهذا يقول سنية. والأصل سنوة. لا يجوز غيره في قوله. ومن قال: {لم يتسنه وانظر} وقال: اكتريته مسانهةً، فهذا يزعم أن الذاهب الهاء. ولا يجوز على قوله إلا سنيهة، والأصل عنده سنهة). [المقتضب: 2/239]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قال الشاعر:


هـذا طريـق يــأزم المـآزمـاوعضوات تقطع اللهازما

ونظير عضة، سنة؛ على أن الساقط الهاء في قول بعض العرب، والواو في قول بعضهم، تقول في جمعها سنوات. وسانيت الرجل. وبعضهم يقول: سهات. وأكريته مسانهة.
وهذا الحرف في القرآن يقرأ على ضروب. فمن قرأ: {لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ} فوصل بالهاء - هو مأخوذ من: سانهت، التي هي سنيهة. ومن جعله من الواو قال في الوصل: لم يتسن وانظر. فإذا وقف قال: {لَمْ يَتَسَنَّه} فكانت الهاء زائدة لبيان الحركة. بمنزلة الهاء في قوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}. و{كِتَابِيَهْ}. و{حِسَابِيَهْ}. والمعنى واحد. وتأويله: لم تغيره السنون. ومن لم يقصد إلى السنة، قال: لم يتأسن. والآسن: المتغير، قال الله جل وعز: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ}، ويقال: أسن في هذا المعنى، كما يقال: رجل حاذر وحذر). [الكامل: 2/967-968]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال في قوله تعالى: {إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا}: نرفع بعضها على بعض). [مجالس ثعلب: 569]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (والمسنون: الذي أتت عليه السنون فأنتن، قال الله جل اسمه: {لم يتسنه}، أي لم يتغير لمرور السنين به). [كتاب الأضداد: 398] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (ومنه: صرهن، أي: اجمعهن. وصرهن: اقطعهن. وقال الشاعر:


وفــرع يصـيـر الجـيـد وحــف كـأنـهعلى الجيد قنوان الكروم الدوالح

قال أبو محمد: عذاق النخل ويقال: عذق وعذق. وقالوا: صرت الشيء أصوره صورا: ضممته إلي. وسمعنا العرب تقول: «صر فرسك»، أي: اعطفه. فهذا على قراءة ابن عباس «فَصرهن» بالضم ومن قرأ: «فَصِرْهن» بالكسر: وهي قراءة ابن مسعود، فالفعل صار يصير صيرا وصيورا، وهي لغة بني سليم. وقال العديل:


وقد كنت إذا لم يصرني الهوىولامـحـتـهـا كــــان هــمـــي يــعـــود

يصرني: يعطفني. وقال الآخر في صرهن:


عفائف إلا ذاك أن أن يصورهاهوى والهوى للعاشقين صـروع

أي: يعطفها. وقال ذو الرمة:


ظللنا نعوج العيس في عرصاتهاوقوفـا ونستعـدي بـهـا فنصـورهـا

قال أبو خيرة العدوي: نصورها: نعطفها. وقال: انصار الغصن انصيارا: انفعل، من «صرهن إليك». وقال لبيد:


من فقد مولى تصور الحي جفنتهورزء مـــــال ورزء الـــمـــال يـجـتــبــر

يعني: يجبر). [الأضداد: 132-133]
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (


إذا حسرت عنها الجلابيب وارتدتإلــــى الــــزوج مــيــالا يــكــاد يـصــورهــا

وقوله يصور يقول يكاد يجمعها ويعطفها شعرها من كثرته وهو من قول الله تعالى: {فصرهن إليك} كذا فسره ابن عباس رضي الله عنهما). [نقائض جرير والفرزدق: 514-515]
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : (*صار* قال ويقال: صرته أصوره إذا ضممته إليك وصرت أيضا قطعت وفرقت، قالت الخنساء (البسيط):

لظت الشم منها وهي تنصار
ويروى الشهب، أي: تنقطع وتنفلق وتنصدع). [كتاب الأضداد: 33]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (


فمـا إن حـب غانيـة عنانـيولكن رجل راية يوم صيروا

(صيروا) دعوا، وقوله عز وجل: {فصرهن إليك} أي ادعهن. أبو عمرو: (رجل قرنة)، وهو شعب. و(صيروا) أميلوا، (صار يصور). [شرح أشعار الهذليين: 2/727]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ولو قلت: جئته إعطاءً لم يجز؛ لأن الإعطاء ليس من المجيء، ولكن جئته سعياً، فهذا جيد؛ لأن المجيء يكون سعياً. قال الله عز وجل: {ثم ادعهن يأتينك سعياً}. فهذا اختصار يدل على ما يرد مما يشاكلها، ويجري مع كل صنف منها). [المقتضب: 3/234]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن من المصادر مصادر تقع في موضع الحال، وتغني غناءه، فلا يجوز أن تكون معرفة؛ لأن الحال لا تكون معرفة. وذلك قولك: جئتك مشياً، وقد أدى عن معنى قولك: جئتك ماشيا، وكذلك قوله عز وجل: {ثم ادعهن يأتينك سعياً} ). [المقتضب: 3/268-269]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (وصار حرف من الأضداد. يقال: صرت الشيء إذا جمعته، وصرته إذا قطعته وفرقته.
وفسر الناس قول الله عز وجل: {فصرهن إليك}، على ضربين، فقال ابن عباس: معناه قطعهن. وقال غيره: معناه ضمهن إليك، فالذين قالوا: معناه قطعهن، قالوا «إلى» مقدمة في المعنى، والتأويل: (فخذ أربعة من الطير إليك فصرهن): أي قطعهن. وقال الفراء: بنو سليم يقولون: (فَصرْهن).
وقال: وأنشدني الكسائي عن بعض بني سليم:


وفــرع يصـيـر الجـيـد وحــف كـأنـهعلى الليت قنوان الكروم الدوالح

أراد يضم الجيد.
قال أبو بكر: واستضعف الفراء مذهب من قال: صرهن قطعهن، وقال: لا نعرف (صار) بمعنى (قطع)؛ إلا أن يكون الأصل فيه «صرَىَ»، فقدمت الراء إلى موضع العين، وأخرت العين إلى موضع اللام؛ كما قالوا: عاث في الأرض وعثا، وقاع على الناقة وقعا.
وقال الآخر حجة لمن قال: صار جمع:


مأوى يتامى تصور الحي جفنتهولا يـظـل لـديـه اللـحـم موشـومـا

وقال الآخر:


فانصرن من فزع وسد فروجهغـبــر ضـــوار وافــيــان وأجــــدع

وقالت الخنساء:
لظلت الشم منه وهي تنصار
أرادت تنقطع.
وأنشد أبو عبيدة للمعلى بن حمال العبدي:


وجاءت خلعة دهس صفايايصور عنوقها ِأحـوى زنيـم
يــفــرق بـيـنـهــا صـــــدع ربـــــاعله ظأب كما صخب الغريم

الخلعة: الخيار من شائه. والدهس: التي لونها لون التراب، وهي مشبهة بالدهاس من الرمل. والصفايا: الغزيرات، يقال: نخلة صفية، إذا كانت موقرة بالحمل. والظأب: الصوت.
وقال الآخر:


فذلـت لـي الأنسـاع حتـى بلغتـهـاهدوءا وقد كان ارتقائي يصورها

وقال الآخر:


فما تقبل الأحياء في حب خندفولــكــن أطــــراف الـعـوالــي تـصــورهــا

أي تجمعها، وقال الآخر، وهو الطرماح:


عفائـف إلا ذاك أو أن يصـورهـاهوى، والهوى للعاشقين صروع

وقال ذو الرمة:


ظللنا نعوج العنس في عرصاتهاوقـوفـا وتستـنـعـي بـنــا فنـصـورهـا

تستنعي، معناه تذهب وتتقدم.
وقال بعض المفسرين: صرهن معناه: قطع أجنحتهن، وأصله بالنبطية صرية. ويحكى هذا عن مقاتل بن سليمان. فإن كان أثر هذا عن أحد من الأئمة، فإنه مما اتفقت فيه لغة العرب ولغة النبط؛ لأن الله جل وعز لا يخاطب العرب بلغة العجم؛ إذ بين ذلك في قوله جل وعلا: {إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون}، وقال الشاعر:
فأصبحت من شوق إلى الشأم أصورا
فهذا مأخوذ من الميل والعطف.
ويقال: قد صار الرجل، إذا صور الصور. قال الأعشى:


فما أيبلـي علـى هيكـلبناه وصلب فيه وصارا

الأيبلي: الراهب، وصلب، من الصلبان، وصار، من التصوير). [كتاب الأضداد: 36-39]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (وَصَرى حرف من الأضداد. يقال: صَرَى الشيء، إذا جمعه، وصَرَاه إذا قطعه وفرقه؛ فمن الجمع قولهم: قد صَرَى اللبن في ضرع الشاة إذا جمعه، والمصراة: الشاة التي جمع لبنها، قال الشاعر:


رب غلام قد صَرَى في فقرتهمــاء الـشـبـاب عـنـفـوان سنـبـتـه

أراد جمع ماء الشباب، والسنبة: الدهر.
ومن القطع قولهم: قد صرى ما بيننا من المودة، أي قطعه.
وقال الفراء: يقال: بات يصري في حوضه، إذا استقى ثم قطع، ثم استقى. وأنشدنا أبو العباس:


صرت نظرة لو صادفت جوز دارعغدا والعواصي من دم الجوف تنعر

معناه قطعت المرأة نظرة لو صادفت وسط رجل دارع غدا في حال هلاك. والعواصي: العروق التي تعصي فلا
يرقأ دمعها؛ وتنعر: تسيل؛ قال الراعي:


فظـل بالأكـم مـا يـصـري أرانبـهـامن حد أظفاره الحجران والقلع

ما يصري: معناه ما يقطع ويمنع، والحجران جمع حاجر؛ وهو موضع له حروف تمنع الماء، والقلع: قطع من الحبال.
ويكون «صَرَى» بمعنة نجى، قال الشاعر:


صرى الفحل مني أن ضئيل سنامهولــم يـصـر ذات الـنـي مـنـي بروعـهـا

معناه: نجى الفحل مني صغر سنامه وقلته، ولم ينج
ذات الشحم مني كمالها وكثرة شحمها ولحمها وحسنها. والبروع، من قولهم: رجل بارع، إذا كان كاملا). [كتاب الأضداد: 39-40]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (وقال الكسائي: وقصت عنقه أقصها وقصًا، ولا يقال: وقصت العنق نفسها.
وقال الأموي: أصرته آصره أصرا: كسرته.
قال أبو علي: الأصر: العطف.
والصور مصدر صرته أصوره إذا أملته، ومن هذا قيل للمائل العنق: أصور، وقد قرئ: {فَصُرْهُنّ إليك}[البقرة: 260] أي أملهنّ، ومن قرأ: {فَصِرْهُنّ إليك} [البقرة: 260] أي قطعهن، من قولهم: صاره يصيره إذا قطّعه، ومن هذا قيل: صار فلان إلى موضع كذا وكذا، لأنه ميل وذهاب إلى ذلك الوجه). [الأمالي: 2/28]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه اللّه الملك إذ قال إبراهيم ربّي الّذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الّذي كفر واللّه لا يهدي القوم الظّالمين (258)}
ألم تر تنبيه، وهي رؤية القلب، وقرأ علي بن أبي طالب «ألم تر» بجزم الراء، «والّذي حاجّ إبراهيم هو نمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح ملك زمانه وصاحب النار والبعوضة»، هذا قول مجاهد وقتادة والربيع والسدي وابن إسحاق وزيد بن أسلم وغيرهم. وقال ابن جريج: «هو أول ملك في الأرض» وهذا مردود. وقال قتادة: «هو أول من تجبر وهو صاحب الصرح ببابل». وقيل: إنه ملك الدنيا بأجمعها ونفذت فيها طينته وهو أحد الكافرين. والآخر بخت نصر. وقيل: إن الّذي حاجّ إبراهيم نمرود بن فالخ بن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، وفي قصص هذه المحاجة روايتان إحداهما: ذكر زيد بن أسلم أن النمرود هذا قعد يأمر للناس بالميرة فكلما جاء قوم قال: من ربكم وإلهكم؟ فيقولون: أنت، فيقول: ميّروهم وجاء إبراهيم عليه السلام يمتار، فقال له من ربك وإلهك؟ قال قال إبراهيم: ربّي الّذي يحيي ويميت، فلما سمعها نمرود قال: أنا أحيي وأميت، فعارضه إبراهيم بأمر الشمس، فبهت الّذي كفر، وقال: لا تميروه، فرجع إبراهيم إلى أهله دون شيء، فمر على كثيب من رمل كالدقيق، فقال لو ملأت غرارتي من هذا فإذا دخلت به فرح الصبيان حتى أنظر لهما، فذهب بذلك فلما بلغ منزله فرح الصبيان وجعلا يلعبان فوق الغرارتين ونام هو من الإعياء، فقالت امرأته: لو صنعت له طعاما يجده حاضرا إذا انتبه، ففتحت إحدى الغرارتين فوجدت أحسن ما يكون من الحواري فخبرته، فلما قام وضعته بين يديه فقال: من أين هذا؟ فقالت من الدقيق الذي سقت، فعلم إبراهيم أن الله تعالى يسر لهم ذلك، وقال الربيع وغيره في هذه القصص: ان النمرود لما قال: أنا أحيي وأميت أحضر رجلين فقتل أحدهما وأرسل الآخر وقال: قد أحييت هذا وأمتّ هذا، فلما رد عليه بأمر الشمس بهت، والرواية الأخرى ذكر السدي: أنه لما خرج إبراهيم من النار أدخلوه على الملك ولم يكن قبل ذلك دخل عليه، فكلمه وقال له: من ربك؟ قال: ربي الذي يحيي ويميت، قال نمرود: أنا أحيي وأميت، أنا آخذ أربعة نفر فأدخلهم بيتا ولا يطعمون شيئا ولا يسقون، حتى إذا جاعوا أخرجتهم فأطعمت اثنين فحييا، وتركت اثنين فماتا، فعارضه إبراهيم بالشمس فبهت. وذكر الأصوليون في هذه الآية: أن إبراهيم عليه السلام وصف ربه تعالى بما هو صفة له من الإحياء والإماتة، لكنه أمر له حقيقة ومجاز، قصد إبراهيم عليه السلام الحقيقة، ففزع نمرود إلى المجاز وموه به على قومه، فسلم له إبراهيم تسليم الجدل، وانتقل معه من المثال، وجاءه بأمر لا مجاز فيه، فبهت الّذي كفر، ولم يمكنه أن يقول: أنا الآتي بها من المشرق، لأن ذوي الأسنان يكذبونه.
وقوله حاجّ وزنه «فاعل» من الحجة أي جاذبه إياها والضمير في ربّه يحتمل أن يعود على إبراهيم عليه السلام، ويحتمل أن يعود على الّذي حاجّ، وأن مفعول من أجله والضمير في آتاه للنمرود، وهذا قول جمهور المفسرين، وقال المهدوي: يحتمل أن يعود الضمير على إبراهيم أن آتاه ملك النبوءة، وهذا تحامل من التأويل، وقرأ جمهور القراء أن أحيي بطرح الألف التي بعد النون من أنا إذا وصلوا في كل القرآن غير نافع، فإن ورشا وابن أبي أويس وقالون رأوا إثباتها في الوصل إذا لقيتها همزة في كل القرآن، مثل أنا أحيي أنا أخوك إلا في قوله تعالى: {إن أنا إلّا نذيرٌ} [الأعراف: 188] [الشعراء: 115] فإنه يطرحها في هذا الموضع مثل سائر القراء وتابع أصحابه في حذفها عند غير همزة، قال أبو علي: «ضمير المتكلم الاسم فيه الهمزة والنون ثم إن الألف تلحق في الوقف كما تلحق الهاء أحيانا في الوقف فإذا اتصلت الكلمة التي هي فيها بشيء سقطت الهاء فكذلك الألف، وهي مثل ألف حيهلا».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا مثال الألف التي تلحق في القوافي، فتأمل». قال أبو علي: «فإذا اتصلت الكلمة بشيء سقطت الألف، لأن الشيء الذي تتصل به الكلمة يقوم مقام الألف، وقد جاءت الألف مثبتة في الوصل في الشعر من ذلك قول الشاعر:
أنا شيخ العشيرة فاعرفوني ....... حميدا قد تذريت السناما
وقرأ الجمهور: «فبهت» الذي بضم الباء وكسر الهاء، يقال بهت الرجل: إذا انقطع وقامت عليه الحجة. قال ابن سيده: «ويقال في هذا المعنى: «بهت» بفتح الباء وكسر الهاء، «وبهت» بفتح الباء وضم الهاء». قال الطبري: «وحكي عن بعض العرب في هذا المعنى، «بهت» بفتح الباء والهاء».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «هكذا ضبطت اللفظة في نسخة ابن ملول دون تقييد بفتح الباء والهاء»، قال ابن جني: «قرأ أبو حيوة: «فبهت» بفتح الباء وضم الهاء هي لغة في بهت بكسر الهاء، قال: وقرأ ابن السميفع: «فبهت» بفتح الباء والهاء على معنى فبهت إبراهيم الذي كفر، فالذي في موضع نصب، قال: وقد يجوز أن يكون «بهت» بفتحهما لغة في بهت. قال: وحكى أبو الحسن الأخفش قراءة «فبهت» بكسر الهاء كخرق ودهش، قال: والأكثر بالضم في الهاء»، قال ابن جني: «يعني أن الضم يكون للمبالغة»، قال الفقيه أبو محمد: «وقد تأول قوم في قراءة من قرأ فبهت بفتحهما أنه بمعنى سب وقذف، وأن نمرود هو الذي سب إبراهيم حين انقطع ولم تكن له حيلة».
وقوله تعالى: {واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}، إخبار لمحمد عليه السلام وأمته. والمعنى: لا يرشدهم في حججهم على ظلمهم، لأنه لا هدى في الظلم، فظاهره العموم، ومعناه الخصوص، كما ذكرنا، لأن الله قد يهدي الظالمين بالتوبة والرجوع إلى الإيمان. ويحتمل أن يكون الخصوص فيمن يوافي ظالما). [المحرر الوجيز: 2/ 34-38]


تفسير قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها قال أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مائة عامٍ} عطفت أو في هذه الآية على المعنى، لأن مقصد التعجيب في قوله: {ألم تر إلى الّذي حاجّ} [الآية: 258] يقتضي أن المعنى أرأيت كالذي حاج، ثم جاء قوله أو كالّذي، عطفا على ذلك المعنى، وقرأ أبو سفيان بن حسين «أو كالذي مر» بفتح الواو، وهي واو عطف دخل عليها ألف التقرير، قال سليمان بن بريدة وناجية بن كعب وقتادة وابن عباس والربيع وعكرمة والضحاك: «الذي مر على القرية هو عزير»، وقال وهب بن منبه وعبد الله بن عبيد بن عمير وبكر بن مضر: «هو أرمياء»، وقال ابن إسحاق: «أرمياء هو الخضر» وحكاه النقاش عن وهب بن منبه، قال الفقيه أبو محمد: «وهذا كما تراه، إلا أن يكون اسما وافق اسما لأن الخضر معاصر لموسى، وهذا الذي مر على القرية هو بعده بزمان من سبط هارون فيما روى وهب بن منبه»، وحكى مكي عن مجاهد: «أنه رجل من بني إسرائيل غير مسمى»، قال النقاش: «ويقال هو غلام لوط عليه السلام». قال أبو محمد: «واختلف في القرية أيما هي؟» فحكى النقاش: «أن قوما قالوا هي المؤتفكة». وقال ابن زيد: «إن القوم {الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت فقال لهم الله موتوا} [البقرة: 243] مرّ عليهم رجل وهم عظام تلوح، فوقف ينظر فقال: أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مائة عامٍ»، وترجم الطبري على هذا القصص بأنه قول بأن القرية التي مرّ عليها هي التي أهلك الله فيها الذين خرجوا من ديارهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وقول ابن زيد لا يلائم الترجمة، لأن الإشارة بهذه على مقتضى الترجمة هي إلى المكان، وعلى نفس القول هي إلى العظام والأجساد. وهذا القول من ابن زيد مناقض لألفاظ الآية، إذ الآية إنما تضمنت قرية خاوية لا أنيس فيها. والإشارة بهذه إنما هي إلى القرية، وإحياؤها إنما هو بالعمارة ووجود البناء والسكان». وقال وهب بن منبه وقتادة والضحاك وعكرمة والربيع: «القرية بيت المقدس لما خربها بخت نصر البابلي في الحديث الطويل، حين أحدثت بنو إسرائيل الأحداث وقف أرمياء أو عزير على القرية وهي كالتل العظيم وسط بيت المقدس لأن بخت نصر أمر جنده بنقل التراب إليه حتى جعله كالجبل، ورأى أرمياء البيوت قد سقطت حيطانها على سقفها»، والعريش سقف البيت وكل ما يهيأ ليظل أو يكن فهو عريش ومنه عريش الدالية والثمار، ومنه قوله تعالى: {وممّا يعرشون} [النحل: 68] قال السدي: «يقول هي ساقطة على سقفها أي سقطت السقف ثم سقطت الحيطان عليها»، وقال غير السدي: «معناه خاوية من الناس على العروش أي على البيوت، وسقفها عليها لكنها خوت من الناس والبيوت قائمة»، قال أبو محمد: «وانظر استعمال العريش مع على، في الحديث في قوله، وكان المسجد يومئذ على عريش في أمر ليلة القدر»، وخاويةٌ معناه خالية، يقال خوت الدار تخوي خواء وخويا ويقال خويت قال الطبري: «والأول أفصح».
وقوله: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها} معناه من أي طريق وبأي سبب؟ وظاهر اللفظ السؤال عن إحياء القرية بعمارة وسكان كما يقال الآن في المدن الخربة التي يبعد أن تعمر وتسكن فكأن هذا تلهف من الواقف المعتبر على مدينته التي عهد فيها أهله وأحبته، وضرب له المثل في نفسه بما هو أعظم مما سأل عنه، والمثال الذي ضرب له في نفسه يحتمل أن يكون على أن سؤاله، إنما كان عن إحياء الموتى من بني آدم، أي أنى يحيي الله موتاها، وقد حكى الطبري عن بعضهم أنه قال كان هذا القول شكا في قدرة الله على الإحياء، فلذلك ضرب له المثل في نفسه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وليس يدخل شك في قدرة الله على إحياء قرية بجلب العمرة إليها، وإنما يتصور الشك من جاهل في الوجه الآخر، والصواب أن لا يتأول في الآية شك»، وروي في قصص هذه الآية أن بني إسرائيل لما أحدثوا الأحداث بعث الله عليهم بخت نصر البابلي فقتلهم وجلاهم من بيت المقدس فخربه، فلما ذهب عنه جاء أرمياء فوقف على المدينة معتبرا فقال، أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها؟ قال: فأماته اللّه تعالى وكان معه حمار قد ربطه بحبل جديد وكان معه سلة فيها تبن وهو طعامه، وقيل تبن وعنب، وكان معه ركوة من خمر، وقيل من عصير وقيل، قلة ماء هي شرابه، وبقي ميتا مائة عام، فروي أنه بلي وتفرقت عظامه هو وحماره، وروي أنه بلي دون الحمار، وأن الحمار بقي حيا مربوطا لم يمت ولا أكل شيئا ولا بليت رمته، وروي أن الحمار بلي وتفرقت أوصاله دون عزير، وروي أن الله بعث إلى تلك القرية من عمرها ورد إليها جماعة بني إسرائيل حيث كملت على رأس مائة سنة، وحينئذ حيي عزير، وروي أن الله رد عليه عينيه وخلق له حياة يرى بها كيف تعمر القرية ويحيى مدة من ثلاثين سنة تكملة المائة، لأنه بقي سبعين ميتا كله، وهذا ضعيف ترد عليه ألفاظ الآية.
وقوله تعالى: {ثمّ بعثه} معناه: أحياه وجعل له الحركة والانتقال، فسأله الله تعالى بواسطة الملك كم لبثت؟ على جهة التقرير، وكم في موضع نصب على الظرف، فقال: لبثت يوماً أو بعض يومٍ، قال ابن جريج وقتادة والربيع: «أماته الله غدوة يوم ثم بعث قبل الغروب، فظن هذا اليوم واحدا فقال لبثت يوماً ثم رأى بقية من الشمس فخشي أن يكون كاذبا فقال: أو بعض يومٍ فقيل له بل لبثت مائة عامٍ، ورأى من عمارة القرية وأشجارها ومبانيها ما دله على ذلك»، قال النقاش: «العام مصدر كالعوم سمي به هذا القدر من الزمان لأنها عومة من الشمس في الفلك، والعوم كالسبح»، وقال تعالى: {وكلٌّ في فلكٍ يسبحون} [الأنبياء: 33].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «هذا معنى كلام النقاش. والعام على هذا كالقول والقال. وظاهر هذه الإماتة أنها بإخراج الروح من الجسد»، وروي في قصص هذه الآية: أن الله بعث لها ملكا من الملوك يعمرها ويجد في ذلك حتى كان كمال عمارتها عند بعث القائل: أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها وقرأ ابن كثير وعاصم ونافع: لبثت في كل القرآن بإظهار الثاء وذلك لتباين الثاء من مخرج التاء، وذلك أن الطاء والتاء والدال من حيز، والظاء والذال والثاء المثلثة من حيز، وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي، بالإدغام في كل القرآن، أجروهما مجرى المثلى من حيث اتفق الحرفان في أنهما من طرف اللسان وأصول الثنايا وفي أنهما مهموستان، قال أبو علي: ويقوي ذلك وقوع هذين الحرفين في «روي قصيدة واحدة».
قوله عز وجل: {... فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آيةً للنّاس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحماً فلمّا تبيّن له قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (259)}
وقف في هذه الألفاظ على بقاء طعامه وشرابه على حاله لم يتغير، وعلى بقاء حماره حيّا على مربطه. هذا على أحد التأويلين. وعلى التأويل الثاني، وقف على الحمار كيف يحيى وتجتمع عظامه.
وقرأ ابن مسعود: «وهذا طعامك وشرابك لم يتسنه»، وقرأ طلحة بن مصرف وغيره: «وانظر إلى طعامك وشرابك لمائة سنة»، قال أبو علي: «واختلفوا في إثبات الهاء في الفعل من قوله عز وجل: {لم يتسنّه} {واقتده} [الأنعام: 90]، و{ما أغنى عنّي ماليه} [الحاقة: 28] و{سلطانيه} [الحاقة: 29] {وما أدراك ما هيه} [القارعة: 10] وإسقاطها في الوصل، ولم يختلفوا في إثباتها في الوقف. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر هذه الحروف كلها بإثبات الهاء في الوصل، وكان حمزة يحذفهن في الوصل، وكان الكسائي يحذفها في {يتسنّه}، {واقتده}، ويثبتها في الباقي. ولم يختلفوا في {حسابيه} [الحاقة: 20- 26] و{كتابيه} [الحاقة: 19- 25] أنهما بالهاء في الوقف والوصل»، ويتسنّه يحتمل أن يكون من تسنن الشيء إذا تغير وفسد، ومنه الحمأ المسنون في قول بعضهم. وقال الزجّاج: «ليس منه وإنما المسنون المصبوب على سنة الأرض، فإذا كان من تسنن فهو لم يتسنن. قلبت النون ياء كما فعل في تظننت، حتى قلت لم أتظنن، فيجيء تسنن تسنى. ثم تحذف الياء للجزم فيجيء المضارع لم يتسن». ومن قرأها بالهاء على هذا القول فهي هاء السكت. وعلى هذا يحسن حذفها في الوصل. ويحتمل يتسنّه أن يكون من السنة وهو الجدب. والقحط، وما أشبهه، يسمونه بذلك. وقد اشتق منه فعل فقيل: استنّوا، وإذا كان هذا أو من السنة التي هي العام على قول من يجمعها سنوات فعلى هذا أيضا الهاء هاء السكت، والمعنى لم تغير طعامك القحوط والجدوب ونحوه، أو لم تغيره السنون والأعوام. وأما من قال في تصغير السنة سنيهة وفي الجمع سنهات، وقال أسنهت عند بني فلان وهي لغة الحجاز ومنها قول الشاعر:
وليست بسنهاء ولا رجبية ....... ولكن عرايا في السنين الجوائح
فإن القراءة على هذه اللغة هي بإثبات الهاء ولا بد، وهي لام الفعل، وفيها ظهر الجزم ب لم، وعلى هذا هي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو، وقد ذكر. وقرأ طلحة بن مصرف «لم يسنّه» على الإدغام.
وقال النقاش: «{لم يتسنّه} معناه: لم يتغير من قوله تعالى: {من ماءٍ غير آسنٍ} [محمد: 15]»، ورد النحاة على هذا القول، لأنه لو كان من أسن الماء لجاء لم يتأسن، وأما قوله تعالى: {وانظر إلى حمارك}، فقال وهب بن منبه وغيره: «المعنى وانظر إلى اتصال عظامه وإحيائه جزءا جزءا». ويروى أنه أحياه الله كذلك حتى صار عظاما ملتئمة، ثم كساه لحما حتى كمل حمارا، ثم جاء ملك فنفخ في أنفه الروح، فقام الحمار ينهق، وروي عن الضحاك ووهب بن منبه أيضا أنهما قالا: «بل قيل له وانظر إلى حمارك قائما في مربطه لم يصبه شيء مائة سنة»، قالا: «وإنما العظام التي نظر إليها عظام نفسه»، قالا: «وأعمى الله العيون عن أرمياء وحماره طول هذه المدة». قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وكثر أهل القصص في صورة هذه النازلة تكثيرا اختصرته لعدم صحته».
وقوله تعالى: {ولنجعلك آيةً للنّاس} معناه لهذا المقصد من أن تكون آية فعلنا بك هذا، وقال الأعمش: «موضع كونه آية هو أنه جاء شابا على حاله يوم مات، فوجد الحفدة والأبناء شيوخا»، وقال عكرمة: «جاء وهو ابن أربعين سنة كما كان يوم مات، ووجد بنيه قد نيفوا على مائة سنة»، وقال غير الأعمش: «بل موضع كونه آية أنه جاء وقد هلك كل من يعرف، فكان آية لمن كان حيا من قومه، إذ كانوا موقنين بحاله سماعا».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وفي إماتته هذه المدة، ثم إحيائه أعظم آية، وأمره كله آية للناس غابر الدهر، لا يحتاج إلى تخصيص بعض ذلك دون بعض». وأما العظام التي أمر بالنظر إليها فقد ذكرنا من قال: هي عظام نفسه، ومن قال: هي عظام الحمار، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: «ننشرها» بضم النون الأولى وبالراء، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي. «ننشزها» بالزاي، وروى أبان عن عاصم «ننشرها» بفتح النون الأولى وضم الشين وبالراء، وقرأها كذلك ابن عباس والحسن وأبو حيوة.
فمن قرأها «ننشرها» بضم النون الأولى وبالراء فمعناه نحييها. يقال أنشر الله الموتى فنشروا، قال الله تعالى: {ثمّ إذا شاء أنشره} [عبس: 22].
وقال الأعشى:
... ... ... ... ....... يا عجبا للميّت النّاشر
وقراءة عاصم: «ننشرها» بفتح النون الأولى يحتمل أن تكون لغة في الإحياء، يقال: نشرت الميت وأنشرته فيجيء نشر الميت ونشرته، كما يقال حسرت الدابة وحسرتها، وغاض الماء وغضته، ورجع زيد ورجعته. ويحتمل أن يراد بها ضد الطيّ، كأن الموت طيّ للعظام والأعضاء، وكأن الإحياء وجمع بعضها إلى بعض نشر. وأما من قرأ: «ننشزها» بالزاي فمعناه: نرفعها، والنشز المرتفع من الأرض، ومنه قول الشاعر:
ترى الثّعلب الحوليّ فيها كأنّه ....... إذا ما علا نشزا حصان مجلّل
قال أبو علي وغيره: «فتقديره ننشزها برفع بعضها إلى بعض للإحياء»، ومنه نشوز المرأة وقال الأعشى:
... ... ... ... ....... قضاعيّة تأتي الكواهن ناشزا
يقال نشز وأنشزته.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ويقلق عندي أن يكون معنى النشوز رفع العظام بعضها إلى بعض، وإنما النشوز الارتفاع قليلا قليلا، فكأنه وقف على نبات العظام الرفات وخروج ما يوجد منها عند الاختراع»، وقال النقاش: «ننشزها معناه ننبتها، وانظر استعمال العرب تجده على ما ذكرت، من ذلك نشز ناب البعير، والنشز من الأرض على التشبيه بذلك، ونشزت المرأة كأنها فارقت الحال التي ينبغي أن تكون عليها»، وقوله تعالى: {وإذا قيل انشزوا فانشزوا} [المجادلة: 11] أي فارتفعوا شيئا شيئا كنشوز الناب. فبذلك تكون التوسعة، فكأن النشوز ضرب من الارتفاع. ويبعد في الاستعمال أن يقال لمن ارتفع في حائط أو غرفة: نشز. وقرأ النخعي «ننشزها» بفتح النون وضم الشين والزاي، وروي ذلك عن ابن عباس وقتادة وقرأ أبي بن كعب: «كيف ننشيها» بالياء. والكسوة: ما وارى من الثياب، وشبه اللحم بها، وقد استعاره النابغة للإسلام فقال:
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي ....... حتى اكتسيت من الإسلام سربالا
وروي أنه كان يرى اللحم والعصب والعروق كيف تلتئم وتتواصل وقال الطبري: «المعنى في قوله: {فلمّا تبيّن له} أي لما اتضح له عيانا ما كان مستنكرا في قدرة الله عنده قبل عيانه، قال أعلم».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا خطأ لأنه ألزم ما لا يقتضيه اللفظ، وفسر على القول الشاذ والاحتمال الضعيف»، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: «أعلم أن» مقطوعة الألف مضمومة الميم.
وقرأ حمزة والكسائي: «قال اعلم أن الله» موصولة الألف ساكنة الميم. وقرأها أبو رجاء، وقرأ عبد الله بن مسعود والأعمش، «قيل أعلم».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «فأما هذه فبينة المعنى أي قال الملك له. والأولى بينة المعنى أي قال هو أنا أعلم أن الله على كل شيء قدير. وهذا عندي ليس بإقرار بما كان قبل ينكره كما زعم الطبري. بل هو قول بعثه الاعتبار كما يقول الإنسان المؤمن إذا رأى شيئا غريبا من قدرة الله: الله لا إله إلا هو ونحو هذا». وقال أبو علي: «معناه أعلم هذا الضرب من العلم الذي لم أكن علمته».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «يعني علم المعاينة»، وأما قراءة حمزة والكسائي فتحتمل وجهين أحدهما، قال الملك له «اعلم»، والآخر أن ينزل نفسه منزلة المخاطب الأجنبي المنفصل، فالمعنى فلما تبين له قال لنفسه: «اعلم» وأنشد أبو علي في مثل هذا قول الأعشى:
ودّع هريرة إنّ الرّكب مرتحل ....... ... ... ... ...
وقوله:
وألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا؟ ....... ... ... ... ...
وأمثلة هذا كثيرة وتأنس أبو علي في هذا المعنى بقول الشاعر:
تذكّر من أنّى ومن أين شربه ....... يؤامر نفسيه كذي الهجمة الآبل ). [المحرر الوجيز: 2/ 38-49]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي قال فخذ أربعةً من الطّير فصرهنّ إليك ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءاً ثمّ ادعهنّ يأتينك سعياً واعلم أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ (260)}
العامل في إذ فعل مضمر تقديره واذكر. واختلف الناس لم صدرت هذه المقالة عن إبراهيم عليه السلام؟ فقال الجمهور: «إن إبراهيم عليه السلام لم يكن شاكا في إحياء الله الموتى قط، وإنما طلب المعاينة». وترجم الطبري في تفسيره فقال: «وقال آخرون سأل ذلك ربه لأنه شك في قدرة الله على إحياء الموتى وأدخل تحت الترجمة عن ابن عباس أنه قال: ما في القرآن آية أرجى عندي منها»، وذكر عن عطاء بن أبي رباح أنه قال: «دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس فقال: ربّ أرني كيف تحي الموتى؟ وذكر حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نحن أحق بالشك من إبراهيم». الحديث. ثم رجح الطبري هذا القول الذي يجري مع ظاهر الحديث. وقال: «إن إبراهيم لما رأى الجيفة تأكل منها الحيتان ودواب البر ألقى الشيطان في نفسه فقال: متى يجمع الله هذه من بطون هؤلاء؟» وأما من قال: بأن إبراهيم لم يكن شاكا، فاختلفوا في سبب سؤاله، فقال قتادة: «إن إبراهيم رأى دابة قد توزعتها السباع فعجب وسأل هذا السؤال». وقال الضحاك: «نحوه، قال: وقد علم عليه السلام أن الله قادر على إحياء الموتى»، وقال ابن زيد: «رأى الدابة تتقسمها السباع والحيتان لأنها كانت على حاشية البحر»، وقال ابن إسحاق: «بل سببها أنه لما فارق النمرود وقال له: أنا أحيي وأميت، فكر في تلك الحقيقة والمجاز، فسأل هذا السؤال». وقال السدي وسعيد بن جبير: «بل سبب هذا السؤال أنه لما بشر بأن الله اتخذه خليلا أراد أن يدل بهذا السؤال ليجرب صحة الخلة، فإن الخليل يدل بما لا يدل به غيره»، وقال سعيد بن جبير: «{ولكن ليطمئنّ قلبي} يريد بالخلة».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وما ترجم به الطبري عندي مردود، وما أدخل تحت الترجمة متأول»، فأما قول ابن عباس: «هي أرجى آية فمن حيث فيها الإدلال على الله تعالى وسؤال الإحياء في الدنيا، وليست مظنة ذلك، ويجوز أن يقول: هي أرجى آية لقوله: {أولم تؤمن؟} أي إن الإيمان كاف لا يحتاج بعده إلى تنقير وبحث»، وأما قول عطاء بن أبي رباح: «دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس فمعناه من حب المعاينة، وذلك أن النفوس مستشرفة إلى رؤية ما أخبرت به، ولهذا قال النبي عليه السلام: «ليس الخبر كالمعاينة»، وأما قول النبي عليه السلام نحن أحق بالشك من إبراهيم فمعناه: أنه لو كان شك لكنا نحن أحق به ونحن لا نشك، فإبراهيم عليه السلام أحرى أن لا يشك، فالحديث مبني على نفي الشك عن إبراهيم. والذي روي فيه عن النبي عليه السلام أنه قال: ذلك محض الإيمان إنما هو في الخواطر الجارية التي لا تثبت، وأما الشك فهو توقف بين أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر، وذلك هو المنفي عن الخليل عليه السلام. وإحياء الموتى إنما يثبت بالسمع، وقد كان إبراهيم عليه السلام أعلم به، يدلك على ذلك قوله: {ربّي الّذي يحيي ويميت} [البقرة: 258] فالشك يبعد على من ثبتت قدمه في الإيمان فقط، فكيف بمرتبة النبوءة والخلة، والأنبياء معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعا، وإذا تأملت سؤاله عليه السلام وسائر ألفاظ الآية لم تعط شكا، وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو عن حال شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسئول، نحو قولك: كيف علم زيد؟ وكيف نسج الثوب؟ ونحو هذا، ومتى قلت كيف ثوبك وكيف زيد فإنما السؤال عن حال من أحواله، وقد تكون كيف خبرا عن شيء شأنه أن يستفهم عنه، كيف نحو قولك: كيف شئت فكن، ونحو قول البخاري: كيف كان بدء الوحي، وكيف في هذه الآية إنما هي استفهام عن هيئة الإحياء، والإحياء متقرر، ولكن لما وجدنا بعض المنكرين لوجود شيء قد يعبر عن إنكاره بالاستفهام عن حالة لذلك الشيء يعلم أنها لا تصح، فليزم من ذلك أن الشيء في نفسه لا يصح، مثال ذلك أن يقول مدع: أنا أرفع هذا الجبل، فيقول له المكذب: أرني كيف ترفعه؟ فهذه طريقة مجاز في العبارة، ومعناها تسليم جدلي، كأنه يقول افرض أنك ترفعه أرني كيف؟ فلما كان في عبارة الخليل عليه السلام هذا الاشتراك المجازي، خلص الله له ذلك وحمله على أن يبين الحقيقة فقال له: أولم تؤمن قال بلى، فكمل الأمر وتخلص من كل شك، ثم علل عليه السلام سؤاله بالطمأنينة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وقوله تعالى: {أولم تؤمن} معناه إيمانا مطلقا دخل فيه فصل إحياء الموتى»، والواو واو حال دخلت عليها ألف التقرير، وليطمئنّ معناه ليسكن عن فكره، والطمأنينة اعتدال وسكون على ذلك الاعتدال فطمأنينة الأعضاء معروفة، كما قال عليه السلام: «ثم اركع حتى تطمئن راكعا»، الحديث، وطمأنينة القلب هي أن يسكن فكره في الشيء المعتقد. والفكر في صورة الإحياء غير محظورة، كما لنا نحن اليوم أن نفكر فيها، بل هي فكر فيها عبر، فأراد الخليل أن يعاين، فتذهب فكره في صورة الإحياء، إذ حركه إلى ذلك إما أمر الدابة المأكولة وإما قول النمرود: أنا أحيي وأميت، وقال الطبري: «معنى ليطمئنّ ليوقن». وحكي نحو ذلك عن سعيد بن جبير، وحكي عنه ليزداد يقينا. وقاله إبراهيم وقتادة. وقال بعضهم: لأزداد إيمانا مع إيماني.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ولا زيادة في هذا المعنى تمكن إلا السكون عن الفكر، وإلا فاليقين لا يتبعض»، وروي أن الأربعة التي أخذ إبراهيم هي الديك، والطاووس، والحمام، والغراب، ذكر ذلك ابن إسحاق عن بعض أهل العلم الأول، وقاله مجاهد وابن جريج وابن زيد، وقال ابن عباس: «مكان الغراب الكركي».
وروي في قصص هذه الآية أن الخليل عليه السلام أخذ هذه الطير حسبما أمر وذكاها ثم قطعها قطعا صغارا وجمع ذلك مع الدم والريش، ثم جعل من ذلك المجموع المختلط جزءا على كل جبل، ووقف هو من حيث يرى تلك الأجزاء، وأمسك رؤوس الطير في يده، ثم قال تعالين بإذن الله، فتطايرت تلك الأجزاء
وطار الدم إلى الدم، والريش إلى الريش، حتى التأمت كما كانت أولا وبقيت بلا رؤوس، ثم كرر النداء فجاءته سعيا حتى وضعت أجسادها في رؤوسها، وطارت بإذن الله تعالى، وقرأ حمزة وحده: «فصرهن إليك» بكسر الصاد، وقرأ الباقون بضمها ويقال صرت الشيء أصوره بمعنى قطعته، ومنه قول رؤبة:
صرنا به الحكم وعنّا الحكما ....... ... ... ... ...
ومنه قول الخنساء:
فلو يلاقي الذي لاقيته حضن ....... لظلّت الشّمّ منه وهي تنصار
أي تنقطع ويقال أيضا صرت الشيء بمعنى أملته ومنه قول الشاعر:
يصور عنوقها أحوى زنيم ....... له صخب كما صخب الغريم
ومنه قول الأعرابي في صفة نساء هن إلى الصبا صور، وعن الخنا زور، فهذا كله في ضم الصاد.
ويقال أيضا في هذين المعنيين: القطع والإمالة. صرت الشيء بكسر الصاد أصيره، ومنه قول الشاعر:
وفرع يصير الجيد وجف كأنّه ....... على اللّيت قنوان الكروم الدّوالح
ففي اللفظة لغتان قرئ بهما، وقد قال ابن عباس ومجاهد في هذه الآية {صرهن}: «معناه: قطعهن»، وقال عكرمة وابن عباس فيما في بعض ما روي عنه: «أنها لفظة بالنبطية معناها قطعهن»، وقاله الضحاك، وقال أبو الأسواد الدؤلي: «هي بالسريانية»، وقال قتادة: «{صرهن} فصلهن»، وقال ابن إسحاق: «معناه قطعهن، وهو الصور في كلام العرب»، وقال عطاء بن أبي رباح: «{فصرهنّ} معناه اضممهن إليك». وقال ابن زيد: «معناه اجمعهن»، وروي عن ابن عباس: «معناه أوثقهن».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «فقد تأول المفسرون اللفظة بمعنى التقطيع وبمعنى الإمالة. فقوله إليك على تأويل التقطيع متعلق بخذ. وعلى تأويل الإمالة والضم متعلق بصرهن، وفي الكلام متروك يدل عليه الظاهر تقديره فأملهن إليك فقطعهن». وقرأ قوم «فصرّهن» بضم الصاد وشد الراء المفتوحة كأنه يقول فشدّهن. ومنه صرة الدنانير. وقرأ قوم «فصرّهن» بكسر الصاد وشد الراء المفتوحة ومعناه صيحهن من قولك صر الباب والقلم إذا صوّت، ذكره النقاش. قال ابن جني وهي قراءة غريبة وذلك أن يفعل بكسر العين في المضاعف المتعدي قليل، وإنما بابه يفعل بضم العين كشد يشد ونحوه. لكن قد جاء منه نمّ الحديث ينمّه وينمّه وهر الحرب يهرها ويهرها ومنه قول الأعشى: «ليعتورنك القول حتّى تهرّه إلى غير ذلك في حروف قليلة». قال ابن جني، وأما قراءة عكرمة بضم الصاد فيحتمل في الراء الضم والفتح والكسر كمد وشد والوجه ضم الراء من أجل ضمة الهاء من بعد قال المهدوي وغيره وروي عن عكرمة فتح الصاد وشد الراء المكسورة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذه بمعنى فاحبسهن من قولهم صرى يصري إذا حبس، ومنه الشاة المصراة»، واختلف المتأولون في معنى قوله: {ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءاً}، فروى أبو حمزة عن ابن عباس: «أن المعنى اجعل جزءا على كل ربع من أرباع الدنيا كأن المعنى اجعلها في أركان الأرض الأربعة». وفي هذا القول بعد، وقال قتادة والربيع: «المعنى واجعل على أربعة أجبل على كل جبل جزءا من ذلك المجموع المقطع، فكما يبعث الله هذه الطير من هذه الجبال فكذلك يبعث الخلق يوم القيامة من أرباع الدنيا وجميع أقطارها». وقرأ الجمهور: «جزءا» بالهمز، وقرأ أبو جعفر «جزّا» بشد الزاي في جميع القرآن. وهي لغة في الوقف فأجرى أبو جعفر الوصل مجراه. وقال ابن جريج والسدي: «أمر أن يجعلها على الجبال التي كانت الطير والسباع حين تأكل الدابة تطير إليها وتسير نحوها وتتفرق فيها». قالا: «وكانت سبعة أجبل فكذلك جزأ ذلك المقطع من لحم الطير سبعة أجزاء». وقال مجاهد: «بل أمر أن يجعل على كل جبل يليه جزءا». قال الطبري: «معناه دون أن تحصر الجبال بعدد، بل هي التي كان يصل إبراهيم إليها وقت تكليف الله إياه تفريق ذلك فيها، لأن الكل لفظ يدل على الإحاطة».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وبعيد أن يكلف جميع جبال الدنيا، فلن يحيط بذلك بصره، فيجيء ما ذهب إليه الطبري جيدا متمكنا. والله أعلم أي ذلك كان». ومعنى الآية أن إبراهيم عليه السلام كان بحيث يرى الأجزاء في مقامه، ويرى كيف التأمت، وكذلك صحت له العبرة، وأمره بدعائهن وهن أموات إنما هو لتقرب الآية منه وتكون بسبب من حاله، ويرى أنه قصد بعرض ذلك عليه. ولذلك جعل الله تعالى سيرهن إليه سعياً، إذ هي مشية المجدّ الراغب فيما يمشي إليه، فكان من المبالغة أن رأى إبراهيم جدها في قصده وإجابة دعوته. ولو جاءته مشيا لزالت هذه القرينة، ولو جاءت طيرانا لكان ذلك على عرف أمرها، فهذا أغرب منه. ثم وقف عليه السلام على العلم بالعزة التي في ضمنها القدرة وعلى الحكمة التي بها إتقان كل شيء). [المحرر الوجيز: 2/ 49-57]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه اللّه الملك إذ قال إبراهيم ربّي الّذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الّذي كفر واللّه لا يهدي القوم الظّالمين (258)}
هذا الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه وهو ملك بابل: نمروذ بن كنعان بن كوش بن سام بن نوحٍ. ويقال: نمرود بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوحٍ والأوّل قول مجاهدٍ وغيره.
قال مجاهدٌ: «وملك الدّنيا مشارقها ومغاربها أربعةٌ: مؤمنان وكافران فالمؤمنان: سليمان بن داود وذو القرنين. والكافران: نمرود بن كنعان وبختنصّر. فاللّه أعلم».
ومعنى قوله: {ألم تر} أي: بقلبك يا محمّد {إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه} أي: في وجود ربّه. وذلك أنّه أنكر أن يكون ثمّ إلهٌ غيره كما قال بعده فرعون لملئه: {ما علمت لكم من إلهٍ غيري} [القصص:38] وما حمله على هذا الطّغيان والكفر الغليظ والمعاندة الشّديدة إلّا تجبّره، وطول مدّته في الملك؛ وذلك أنّه يقال: إنّه مكث أربعمائة سنةٍ في ملكه؛ ولهذا قال: {أن آتاه اللّه الملك} وكأنّه طلب من إبراهيم دليلًا على وجود الرّبّ الّذي يدعو إليه فقال إبراهيم: {ربّي الّذي يحيي ويميت} أي: الدّليل على وجوده حدوث هذه الأشياء المشاهدة بعد عدمها، وعدمها بعد وجودها. وهذا دليلٌ على وجود الفاعل المختار ضرورةً؛ لأنّها لم تحدث بنفسها فلا بدّ لها من موجدٍ أوجدها وهو الرّبّ الّذي أدعو إلى عبادته وحده لا شريك له. فعند ذلك قال المحاجّ -وهو النّمروذ-: {أنا أحيي وأميت}، قال قتادة ومحمّد بن إسحاق والسّدّيّ وغير واحدٍ: «وذلك أنّي أوتى بالرّجلين قد استحقّا القتل فآمر بقتل أحدهما فيقتل، وبالعفو عن الآخر فلا يقتل. فذلك معنى الإحياء والإماتة».
والظّاهر -واللّه أعلم-أنّه ما أراد هذا؛ لأنّه ليس جوابًا لما قال إبراهيم ولا في معناه؛ لأنّه غير مانعٍ لوجود الصّانع. وإنّما أراد أنّ يدّعي لنفسه هذا المقام عنادًا ومكابرةً ويوهم أنّه الفاعل لذلك وأنّه هو الّذي يحيّي ويميت، كما اقتدى به فرعون في قوله: {ما علمت لكم من إلهٍ غيري} ولهذا قال له إبراهيم لمّا ادّعى هذه المكابرة: {فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب} أي: إذا كنت كما تدّعي من أنّك أنت الّذي تحيي وتميت فالّذي يحيي ويميت هو الّذي يتصرّف في الوجود في خلق ذواته وتسخير كواكبه وحركاته فهذه الشّمس تبدو كلّ يومٍ من المشرق، فإن كنت إلهًا كما ادّعيت تحيي وتميت فأت بها من المغرب. فلمّا علم عجزه وانقطاعه، وأنّه لا يقدر على المكابرة في هذا المقام بهت أي: أخرس فلا يتكلّم، وقامت عليه الحجّة. قال اللّه تعالى {واللّه لا يهدي القوم الظّالمين} أي: لا يلهمهم حجّةً ولا برهانًا بل حجّتهم داحضةٌ عند ربّهم، وعليهم غضبٌ ولهم عذابٌ شديدٌ.
وهذا التّنزيل على هذا المعنى أحسن ممّا ذكره كثيرٌ من المنطقيّين: أنّ عدول إبراهيم عن المقام الأوّل إلى المقام الثّاني انتقالٌ من دليلٍ إلى أوضح منه، ومنهم من قد يطلق عبارةً رديّةً. وليس كما قالوه بل المقام الأوّل يكون كالمقدّمة للثّاني ويبيّن بطلان ما ادّعاه نمروذ في الأوّل والثّاني، وللّه الحمد والمنة.
وقد ذكر السّدّيّ أنّ هذه المناظرة كانت بين إبراهيم ونمروذ بعد خروج إبراهيم من النّار ولم يكن اجتمع بالملك إلّا في ذلك اليوم فجرت بينهما هذه المناظرة.
وروى عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن زيد بن أسلم: «أنّ النّمروذ كان عنده طعامٌ وكان النّاس يغدون إليه للميرة فوفد إبراهيم في جملة من وفد للميرة فكان بينهما هذه المناظرة ولم يعط إبراهيم من الطّعام كما أعطى النّاس بل خرج وليس معه شيءٌ من الطّعام، فلمّا قرب من أهله عمد إلى كثيبٍ من التّراب فملأ منه عدليه وقال: أشغل أهلي عنّي إذا قدمت عليهم فلمّا قدم وضع رحاله وجاء فاتّكأ فنام. فقامت امرأته سارّة إلى العدلين فوجدتهما ملآنين طعامًا طيّبًا فعملت منه طعامًا. فلمّا استيقظ إبراهيم وجد الّذي قد أصلحوه فقال: أنّى لكم هذا؟ قالت: من الّذي جئت به. فعرف أنّه رزقٌ رزقهموه اللّه عزّ وجلّ». قال زيد بن أسلم: «وبعث اللّه إلى ذلك الملك الجبّار ملكا يأمره بالإيمان باللّه فأبى عليه ثمّ دعاه الثّانية فأبى ثمّ الثّالثة فأبى وقال: اجمع جموعك وأجمع جموعي. فجمع النّمروذ جيشه وجنوده وقت طلوع الشّمس، وأرسل اللّه عليهم بابًا من البعوض بحيث لم يروا عين الشّمس وسلّطها اللّه عليهم فأكلت لحومهم ودماءهم وتركتهم عظامًا باديةً، ودخلت واحدةٌ منها في منخري الملك فمكثت في منخريه أربعمائة سنةٍ، عذّبه اللّه بها فكان يضرب رأسه بالمرازب في هذه المدّة كلّها حتّى أهلكه اللّه بها» ). [تفسير ابن كثير: 1/ 686-687]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها قال أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مائة عامٍ ثمّ بعثه قال كم لبثت قال لبثت يومًا أو بعض يومٍ قال بل لبثت مائة عامٍ فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آيةً للنّاس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحمًا فلمّا تبيّن له قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (259)}
تقدّم قوله تعالى: {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه اللّه الملك} وهو في قوّة قوله: هل رأيت مثل الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه؟ ولهذا عطف عليه بقوله: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها} اختلفوا في هذا المارّ من هو؟ فروى ابن أبي حاتمٍ عن عصام بن روّاد عن آدم بن أبي إياسٍ عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعبٍ عن عليّ بن أبي طالبٍ أنّه قال: «هو عزيرٌ». ورواه ابن جريرٍ عن ناجية نفسه. وحكاه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ عن ابن عبّاسٍ والحسن وقتادة والسّدّيّ وسليمان بن بريدة وهذا القول هو المشهور.
وقال وهب بن منبّهٍ وعبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ: «هو أرميا بن حلقيا». قال محمّد بن إسحاق؛ عمن لا يتهم عن وهب بن منبّهٍ أنّه قال: «وهو اسم الخضر عليه السّلام».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي قال: سمعت سليمان بن محمّدٍ اليساريّ الجاري -من أهل الجار، ابن عم مطرف-قال: سمعت رجلًا من أهل الشّام يقول: «إنّ الّذي أماته اللّه مائة عامٍ ثمّ بعثه اسمه: حزقيل بن بورا».
وقال مجاهد بن جبر: «هو رجل من بني إسرائيل».
وذكر غير واحدٍ أنّه مات وهو ابن أربعين سنةً؛ فبعثه اللّه وهو كذلك، وكان له ابنٌ فبلغ من السّنّ مائةً وعشرين سنةً، وبلغ ابن ابنه تسعين وكان الجدّ شابًّا وابنه وابن ابنه شيخان كبيران قد بلغا الهرم، وأنشدني به بعض الشّعراء:

واسودّ رأس شابٍّ من قبل ابنه ....... ومن قبله ابن ابنه فهو أكبر
يرى أنّه شيخًا يدبّ على عصا ....... ولحيته سوداء والرّأس أشعر
وما لابنه حبلٌ ولا فضل قوّةٍ ....... يقوم كما يمشي الصّغير فيعثر
وعمر ابنه أربعون أمرّها ....... ولابن ابنه في النّاس تسعين غبّر
وأمّا القرية: فالمشهور أنّها بيت المقدس مرّ عليها بعد تخريب بختنصّر لها وقتل أهلها. {وهي خاوية} أي: ليس فيها أحدٌ من قولهم: خوت الدّار تخوي خواءً وخويا.
وقوله: {على عروشها} أي: ساقطةٌ سقوفها وجدرانها على عرصاتها، فوقف متفكّرًا فيما آل أمرها إليه بعد العمارة العظيمة وقال: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها} وذلك لما رأى من دثورها وشدّة خرابها وبعدها عن العود إلى ما كانت عليه قال اللّه تعالى: {فأماته اللّه مائة عامٍ ثمّ بعثه} قال: وعمرت البلدة بعد مضيّ سبعين سنةً من موته وتكامل ساكنوها وتراجعت بنو إسرائيل إليها. فلمّا بعثه اللّه عزّ وجلّ بعد موته كان أوّل شيءٍ أحيا اللّه فيه عينيه لينظر بهما إلى صنع اللّه فيه كيف يحيي بدنه؟ فلمّا استقلّ سويًّا قال اللّه له -أي بواسطة الملك-: {كم لبثت قال لبثت يومًا أو بعض يوم} قالوا: وذلك أنّه مات أوّل النّهار ثمّ بعثه اللّه في آخر نهارٍ، فلمّا رأى الشّمس باقيةً ظنّ أنّها شمس ذلك اليوم فقال: {أو بعض يومٍ قال بل لبثت مائة عامٍ فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه} وذلك: أنّه كان معه فيما ذكر عنبٌ وتينٌ وعصيرٌ فوجده كما فقده لم يتغيّر منه شيءٌ، لا العصير استحال ولا التّين حمض ولا أنتن ولا العنب تعفّن {وانظر إلى حمارك} أي: كيف يحييه اللّه عزّ وجلّ وأنت تنظر {ولنجعلك آيةً للنّاس} أي: دليلًا على المعاد {وانظر إلى العظام كيف ننشزها} أي: نرفعها فتركب بعضها على بعضٍ.
وقد روى الحاكم في مستدركه من حديث نافع بن أبي نعيم عن إسماعيل بن أبي حكيمٍ عن خارجة بن زيد بن ثابتٍ عن أبيه: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ: {كيف ننشزها} بالزّاي ثمّ قال: صحيح الإسناد ولم يخرّجاه».
وقرئ: (ننشرها) أي: نحييها قاله مجاهدٌ {ثمّ نكسوها لحمًا}. وقال السّدّيّ وغيره: «تفرّقت عظام حماره حوله يمينًا ويسارًا فنظر إليها وهي تلوح من بياضها فبعث اللّه ريحًا فجمعتها من كلّ موضعٍ من تلك المحلّة، ثمّ ركب كلّ عظمٍ في موضعه حتّى صار حمارًا قائمًا من عظامٍ لا لحم عليها ثمّ كساها اللّه لحمًا وعصبًا وعروقًا وجلدًا، وبعث اللّه ملكًا فنفخ في منخري الحمار فنهق كلّه بإذن اللّه عزّ وجلّ وذلك كلّه بمرأى من العزير فعند ذلك لمّا تبيّن له هذا كلّه {قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} أي: أنا عالمٌ بهذا وقد رأيته عيانًا فأنا أعلم أهل زماني بذلك» وقرأ آخرون: "قال اعلم" على أنّه أمرٌ له بالعلم). [تفسير ابن كثير: 1/ 687-688]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي قال فخذ أربعةً من الطّير فصرهنّ إليك ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيًا واعلم أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ (260)}
ذكروا لسؤال إبراهيم عليه السّلام، أسبابًا، منها: أنّه لمّا قال لنمروذ: {ربّي الّذي يحيي ويميت} أحبّ أن يترقّى من علم اليقين في ذلك إلى عين اليقين، وأن يرى ذلك مشاهدةً فقال: {ربّ أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي}
فأمّا الحديث الّذي رواه البخاريّ عند هذه الآية: حدّثنا أحمد بن صالحٍ، حدّثنا ابن وهبٍ، أخبرني يونس، عن ابن شهابٍ، عن أبي سلمة وسعيدٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «نحن أحقّ بالشّكّ من إبراهيم، إذ قال: ربّ أرني كيف تحيى الموتى؟ قال: أو لم تؤمن. قال: بلى، ولكن ليطمئنّ قلبي» وكذا رواه مسلمٌ، عن حرملة بن يحيى، عن ابن وهبٍ به -فليس المراد هاهنا بالشّكّ ما قد يفهمه من لا علم عنده، بلا خلافٍ. وقد أجيب عن هذا الحديث بأجوبةٍ، أحدها = .
وقوله: {قال فخذ أربعةً من الطّير فصرهنّ إليك} اختلف المفسّرون في هذه الأربعة: ما هي؟ وإن كان لا طائل تحت تعيينها، إذ لو كان في ذلك متّهم لنصّ عليه القرآن، فروي عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: «هي الغرنوق، والطّاوس، والدّيك، والحمامة». وعنه أيضًا: «أنّه أخذ وزًّا، ورألًا -وهو فرخ النعام -وديكا، وطاووسًا». وقال مجاهد وعكرمة: «كانت حمامة، وديكا، وطاووسًا، وغرابًا».
وقوله: {فصرهنّ إليك} «أي: قطّعهنّ». قاله ابن عبّاسٍ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، وأبو مالكٍ، وأبو الأسود الدّؤليّ، ووهب بن منبّهٍ، والحسن، والسّدّيّ، وغيرهم.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: «{فصرهنّ إليك} أوثقهنّ»، فلمّا أوثقهنّ ذبحهنّ، ثمّ جعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا، فذكروا أنّه عمد إلى أربعةٍ من الطّير فذبحهنّ، ثمّ قطّعهنّ ونتف ريشهنّ، ومزّقهنّ وخلط بعضهن في ببعض، ثمّ جزّأهنّ أجزاءً، وجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءًا، قيل: أربعة أجبلٍ. وقيل: سبعةٌ. قال ابن عبّاسٍ: «وأخذ رؤوسهنّ بيده، ثمّ أمره اللّه عزّ وجلّ، أن يدعوهنّ، فدعاهنّ كما أمره اللّه عزّ وجلّ، فجعل ينظر إلى الرّيش يطير إلى الرّيش، والدّم إلى الدّم، واللّحم إلى اللّحم، والأجزاء من كلّ طائرٍ يتّصل بعضها إلى بعضٍ، حتّى قام كلّ طائرٍ على حدته، وأتينه يمشين سعيًا ليكون أبلغ له في الرّؤية الّتي سألها، وجعل كلّ طائرٍ يجيء ليأخذ رأسه الّذي في يد إبراهيم، عليه السّلام، فإذا قدّم له غير رأسه يأباه، فإذا قدّم إليه رأسه تركب مع بقيّة جثّته بحول اللّه وقوّته؛ ولهذا قال: {واعلم أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ} أي: عزيزٌ لا يغلبه شيءٌ، ولا يمتنع منه شيءٌ، وما شاء كان بلا ممانعٍ لأنّه العظيم القاهر لكلّ شيءٍ، حكيمٌ في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره».
قال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن أيّوب في قوله: {ولكن ليطمئنّ قلبي} قال: قال ابن عبّاسٍ: «ما في القرآن آيةٌ أرجى عندي منها».
وقال ابن جريرٍ: حدّثني محمّد بن المثنّى، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، سمعت زيد بن عليٍّ يحدّث، عن رجلٍ، عن سعيد بن المسيّب قال: «اتّعد عبد اللّه بن عبّاسٍ وعبد اللّه بن عمرو بن العاص أن يجتمعا. قال: ونحن شببةٌ، فقال أحدهما لصاحبه: أيّ آيةٍ في كتاب اللّه أرجى لهذه الأمّة؟ فقال عبد اللّه بن عمرو: قول الله تعالى: {ياعبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا} الآية [الزّمر:53]. فقال ابن عبّاسٍ: أمّا إن كنت تقول: إنّها، وإنّ أرجى منها لهذه الأمّة قول إبراهيم: {ربّ أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي}».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني ابن أبي سلمة عن محمّد بن المنكدر، أنّه قال: «التقى عبد اللّه بن عبّاسٍ، وعبد اللّه بن عمرو بن العاص، فقال ابن عبّاسٍ لابن عمرو بن العاص: أيّ آيةٍ في القرآن أرجى عندك؟ فقال عبد اللّه بن عمرٍو: قول اللّه عز وجل: {ياعبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه} الآية -فقال ابن عبّاسٍ: لكنّ أنا أقول: قول اللّه: {وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى} فرضي من إبراهيم قوله: {بلى} قال: فهذا لما يعترض في النّفوس ويوسوس به الشّيطان».
وهكذا رواه الحاكم في المستدرك، عن أبي عبد اللّه محمّد بن يعقوب بن الأخرم، عن إبراهيم بن عبد اللّه السّعديّ، عن بشر بن عمر الزّهرانيّ، عن عبد العزيز بن أبي سلمة، بإسناده، مثله. ثمّ قال: صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه). [تفسير ابن كثير: 1/ 688-690]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:26 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة