العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 11:38 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (216) إلى الآية (218) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (216) إلى الآية (218) ]


{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 07:22 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن الزهري قال لما كان يوم الأحزاب حصر النبي وأصحابه بضع عشرة ليلة حتى خلص إلى امرئ منهم الكرب وحتى قال النبي كما قال ابن المسيب اللهم أنشدك عهدك ووعدك اللهم إنك إن تشاء لا تعبد فبينا هم على ذلك أرسل النبي
[تفسير عبد الرزاق: 1/83]
إلى عيينة بن حصن بن بدر أرأيت إن جعلت لك ثلث ثمر الأنصار أترجع بمن معك من غطفان وتخذل بين الأحزاب فأرسل إليه عيينة إن جعلت لي الشطر فعلت فأرسل النبي إلى سعد بن عبادة وسعد بن معاذ فقال إني أرسلت إلى عيينة فعرضت عليه أن أجعل له ثلث ثمركم ويرجع بمن معه من غطفان ويخذل بين الأحزاب فأبى إلا الشطر فقالا يا رسول الله إن كنت أمرت بشيء فامض لأمر الله قال لو كنت أمرت بشيء ما استأمرتكما ولكن هذا رأي أعرضه عليكما قالا فإنا لا نرى أن تعطيهم إلا السيف قال ابن أبي نجيح قالا فوالله يا رسول الله لقد كان يمر في الجاهلية يجر صرمه في عام السنة حول المدينة ما يطيق أن يدخلها أفالآن حين جاء الله بالإسلام نعطيهم ذلك). [تفسير عبد الرزاق: 1/84]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر قال الزهري قال النبي فنعما إذا فبينما هم كذلك إذ جاءهم نعيم بن مسعود الأشجعي وكان يأمنه الفريقان جميعا وكان موادعا فقال إني كنت عند عيينة وأبي سفيان إذ جاءتهم رسل بني قريظة أن اثبتوا فإنا سنخالف المسلمين إلى بيضتهم فقال النبي فلعلنا أمرناهم بذلك وكان نعيم رجلا لا يكتم الحديث فقام بكلمة النبي فجاء عمر فقال يا رسول الله إن كان هذا أمر من أمر الله فأمضه وإن كان رأيا منك فشأن بني قريظة وقريش أهون
[تفسير عبد الرزاق: 1/84]
من أن يكون لأحد عليك فيه مقال النبي على الرجل ردوه فردوه فقال انظر الذي ذكرناه لك فلا تذكره لأحد فكأنما أغراه به فانطلق حتى أتى عيينة وأبا سفيان فقال هل سمعتم محمد يقول قولا إلا كان حقا قالوا لا قال فإني لما ذكرت له شأن بني قريظة قال فلعلنا أمرناهم بذلك فقال أبو سفيان سنعلمكم ذلك إن كان مكرا فأرسل إلى بني قريظة إنكم قد أمرتمونا أن نثبت وأنكم ستخالفون المسلمين إلى بيضتهم فأعطونا بذلك رهينة قالوا إنها قد دخلت ليلة السبت وإنا لا نقضي في السبت شيئا قال أبو سفيان أنتم في مكر من بني قريظة فارتحلوا فأرسل الله عليهم الريح وقذف في قلوبهم الرعب فأطفأت نيرانهم وقطعت أرسان خيولهم وانطلقوا منهزمين من غير قتال قال فذلك حين قال الله تعالى وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا قال فندب النبي أصحابه في طلبهم فطلبوهم حتى بلغوا حمراء الأسد ثم رجعوا قال فوضع النبي عنه لأمته واغتسل واستجمر فناداه جبريل عذيرك من محارب ألا أراك قد وضعت اللأمة ولم تضعها الملائكة فقام النبي فزعا فقال لأصحابه عزمت عليكم لا تصلوا صلاة العصر حتى تأتوا بني قريظة
فغربت الشمس قبل أن يأتوهم فقالت طائفة من المسلمين إن النبي
[تفسير عبد الرزاق: 1/85]
لم يرد أن تدعوا الصلاة فصلوا وقالت طائفة والله إنا لفي عزيمة النبي وما علينا بأس فصلت طائفة إيمانا واحتسابا وتركت طائفة إيمانا واحتسابا فلم يعنف النبي واحدا من الفريقين وخرج النبي فمر بمجالس بينه وبين بني قريظة فقال هل مر بكم من أحد فقالوا مر علينا دحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج فقال النبي ليس ذلك بدحية ولكنه جبريل أرسل إلى بني قريظة ليزلزلهم ويقذف في قلوبهم الرعب قال فحاصرهم النبي قال وأمر أصحابه أن يستروه بالحجف حتى يسمعهم كلامه ففعلوا فناداهم يا أخوة القردة والخنازير قالوا يا أبا القاسم ما كنت فاحشا قال فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد ابن معاذ وكانوا حلفاءه فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم وزعموا أن النبي قال أصاب الحكم وكان حيي بن أخطب استجاش المشركين على النبي فجاء إلى بني قريظة فاستفتح عليهم ليلا فقال سيدهم إن هذا الرجل مشئوم فلا يشئمنكم فناداهم حيي يا بني قريطة ألا تستحيون ألا تلحقوني ألا تضيفوني فإني جائع مقرور فقالت بنو قريظة والله لنفتحن له فلم يزالوا حتى فتحوا له فلما دخل معهم أطعمهم قال يا بني قريظة جئتكم في عز الدهر جئتكم في عارض برد لا
[تفسير عبد الرزاق: 1/86]
يقوم لسبيله شيء فقال له سيدهم أتعدنا عارضنا بردا تنكشف عنا وتدعنا عند بحر دايم لا يفارقنا إنما تعدنا الغرور قال فواثقهم وعاهدهم لئن انقضت جموع الأحزاب أب يجيء حتى يدخل معهم أطمهم فأطاعوه حينئذ في الغدر بالنبي وبالمسلمين فلما فض الله جموع الأحزاب انطلق حتى إذا كان بالروحاء ذكر العهد والميثاق الذي أعطاهم فرجع حتى دخل معهم أطمهم فلما قتلت بنو قريظة أتى ملبوبا إلى النبي فقال حيي للنبي أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل الله يخذل فأمر به النبي فضربت عنقة). [تفسير عبد الرزاق: 1/87]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر عن قتادة في قوله وهو كره لكم قال شديد عليكم). [تفسير عبد الرزاق: 1/87]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن عبد الملك، عن عطاءٍ - في قوله عزّ وجلّ: {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم} -، قال: ((نسختها هذه الآية: {قالوا سمعنا وأطعنا} )) ). [سنن سعيد بن منصور: 3/837]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لّكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لّكم وعسى أن تحبّوا شيئًا وهو شرٌّ لّكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: {كتب عليكم القتال} فرض عليكم القتال، يعني قتال المشركين، {وهو كرهٌ لكم}.
واختلف أهل العلم في الّذين عنوا بفرض القتال، فقال بعضهم: عنى بذلك أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خاصّةً دون غيرهم.
[جامع البيان: 3/643]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: سألت عطاءً، قلت له: {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم} أواجبٌ الغزو على النّاس من أجلها؟ قال: لا، كتب على أولئك حينئذٍ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا خالدٌ، عن حسين بن قيسٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم} قال نسختها {قالوا سمعنا وأطعنا}.
وهذا قولٌ لا معنى له، لأنّ نسخ الأحكام من قبل اللّه جلّ وعزّ لا من قبل العباد، وقوله: {قالوا سمعنا وأطعنا} خبرٌ من اللّه عن عباده المؤمنين، وأنّهم قالوه لا نسخ منه.
- حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: حدّثنا معاوية بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو إسحاق الفزاريّ، قال: سألت الأوزاعيّ عن قول اللّه، عزّ وجلّ: {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم} أواجبٌ الغزو على النّاس كلّهم؟ قال: لا أعلمه، ولكن لا ينبغي للأئمّة والعامّة تركه، فأمّا الرّجل في خاصّة نفسه فلا.
وقال آخرون: هو على كلّ واحدٍ حتّى يقوم به من في قيامه الكفاية، فيسقط فرض ذلك حينئذٍ عن باقي المسلمين كالصّلاة على الجنائز وغسلهم.
[جامع البيان: 3/644]
وهذا قول عامّة علماء المسلمين وذلك هو الصّواب عندنا لإجماع الحجّة على ذلك، ولقول اللّه عزّ وجلّ {فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم، وأنفسهم على القاعدين درجةً وكلًّا وعد اللّه الحسنى} فأخبر جلّ، ثناؤه أنّ الفضل، للمجاهدين، وأنّ لهم، وللقاعدين الحسنى، ولو كان القاعدون مضيّعين فرضًا لكان لهم السّوأى لا الحسنى.
وقال آخرون: هو فرضٌ واجبٌ على المسلمين إلى قيام السّاعة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا حبيش بن مبشرٍ، قال: حدّثنا روح بن عبادة، عن ابن جريجٍ، عن داود بن أبي عاصم، قال: قلت لسعيد بن المسيّب: قد أعلم أنّ الغزو، واجبٌ، على النّاس فسكت. وقد أعلم أنّ لو أنكر ما قلت لبيّن لي.
وقد بيّنّا فيما مضى معنى قوله كتب بما فيه الكفاية). [جامع البيان: 3/645]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وهو كرهٌ لكم}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وهو ذو كرهٍ لكم، فترك ذكر ذو اكتفاءً بدلالة قوله: كرهٌ لكم عليه كما قال: {واسأل القرية}.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك روي عن عطاءٍ، في تأويله.
[جامع البيان: 3/645]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، في قوله: {وهو كرهٌ لكم} قال: كرهٌ إليكم حينئذٍ والكره.
بالضّمّ: هو ما حمل الرّجل نفسه عليه من غير إكراه أحدٍ إيّاه عليه، والكره بفتح الكاف: هو ما حمله غيره، فأدخله عليه كرهًا.
وممّن حكي عنه هذا القول معاذ بن مسلمٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن معاذ بن مسلمٍ، قال: الكره: المشقّة، والكره: الإجبار.
وقد كان بعض أهل العربيّة يقول الكره، والكره لغتان بمعنًى واحدٍ، مثل الغسل والغسل، والضّعف والضّعف، والرّهب والرّهب.
وقال بعضهم: الكره بضمّ الكاف اسمٌ والكره بفتحها مصدرٌ). [جامع البيان: 3/646]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئًا وهو شرٌّ لكم}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: ولا تكرهوا القتال، فإنّكم لعلّكم إن تكرهوه وهو خيرٌ لكم، ولا تحبّوا ترك الجهاد، فلعلّكم إن تحبّوه وهو شرٌّ لكم.
- كما حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ،
[جامع البيان: 3/646]
قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم وعسى أنّ تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئًا وهو شرٌّ لكم} وذلك لأنّ المسلمين كانوا يكرهون القتال، فقال: عسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم. يقول: إنّ لكم في القتال الغنيمة والظّهور والشّهادة، ولكم في القعود أن لا تظهروا على المشركين، ولا تستشهدوا، ولا تصيبوا شيئًا.
- حدّثني محمّد بن إبراهيم السّليميّ، قال: حدّثني يحيى بن محمّد بن مجاهدٍ، قال: أخبرني عبيد اللّه بن أبي هاشمٍ الجعفيّ، قال: أخبرني عامر بن واثلة، قال: قال ابن عبّاسٍ: كنت ردف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا ابن عبّاسٍ ارض عن اللّه بما قدّر وإن كان خلاف هواك، فإنّه مثبتٌ في كتاب اللّه قلت: يا رسول اللّه فأين وقد قرأت القرآن؟ قال: في قوله: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئًا وهو شرٌّ لكم واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون}). [جامع البيان: 3/647]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: واللّه يعلم ما هو خيرٌ لكم ممّا هو شرٌّ لكم، فلا تكرهوا ما كتبت عليكم من جهاد عدوّكم، وقتال من أمرتكم بقتاله، فإنّي أعلم أنّ قتالكم إيّاهم، هو خيرٌ لكم في عاجلكم، ومعادكم، وترككم قتالهم شرٌّ لكم، وأنتم لا تعلمون من ذلك ما أعلم، يحضّهم جلّ ذكره بذلك على جهاد أعدائه، ويرغّبهم في قتال من كفر به). [جامع البيان: 3/647]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئًا وهو شرٌّ لكم واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون (216)
قوله تعالى: كتب عليكم القتال
[الوجه الأول]
- حدثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، ثنا عبد اللّه بن لهيعة أخبرني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: كتب عليكم القتال وذلك أنّ اللّه تبارك وتعالى أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم والمؤمنين بمكّة، بالتّوحيد وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة وأن يكفّوا أيديهم عن القتال، فلمّا هاجر إلى المدينة، نزلت سائر الفرائض وأذن لهم في القتال، فنزلت: كتب عليكم القتال يعني فرض عليكم، وأذن لهم بعد ما كان نهاهم عنه.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا يزيد بن عبد العزيز الطّيالسيّ، ثنا خلاد بن عبد اللّه الواسطيّ، عن حسين بن قيسٍ، عن عكرمة، في قوله: كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم قال: نسختها هذه الآية: سمعنا وأطعنا
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن موسى، ثنا حجّاج بن محمّدٍ، عن ابن جريجٍ قال: قلت لعطاءٍ: ما تقول في قوله: كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم أوجب الغزو على النّاس من أجلها؟ قال: لا، كتب على أولئك حينئذٍ.
الوجه الثّالث:
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ أخبرني خالد بن حميدٍ، عن بكر بن عمرٍو، عن ابن شهابٍ، في قول اللّه: كتب عليكم القتال وهو
[تفسير القرآن العظيم: 2/382]
كرهٌ لكم
فالجهاد مكتوبٌ على كلّ أحدٍ، غزا أو قعد فالقاعد، عدّةٌ، إن استعين به أعان، وإن استغيث به أغاث، وإن استنفر نفر، وإن استغني عنه قعد). [تفسير القرآن العظيم: 1/383]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وهو كرهٌ لكم
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: وهو كرهٌ لكم يعني: القتال هو مشقّةٌ لكم.
وروي عن قتادة أنّه قال: شديدٌ عليكم). [تفسير القرآن العظيم: 1/383]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وعسى
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن ابن أبي حمّادٍ، عن أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، كلّ شيءٍ في القرآن:
عسى فهو واجبٌ إلا حرفين، حرفٌ في التّحريم: عسى ربّه إن طلّقكنّ وفي بني إسرائيل: عسى ربّكم أن يرحمكم). [تفسير القرآن العظيم: 1/383]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم
- حدثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه وعسى أن تكرهوا شيئًا يعني: الجهاد، قتال المشركين: وهو خيرٌ لكم ويجعل اللّه عاقبته فتحًا وغنيمةً وشهادةً.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم يقول: إنّ في القتال الغنيمة والظّهور والشّهادة، ولكم في القعود، ألا تظهروا على المشركين ولا تستشهدوا ولا تصيبوا شيئًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/383]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وعسى أن تحبّوا شيئًا وهو شرٌّ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون
- حدثنا أبو زرعة ثنا نحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: وعسى أن تحبوا شيئا
[تفسير القرآن العظيم: 2/383]
يقول: القعود عن الجهاد: وهو شرٌّ لكم فيجعل اللّه عاقبته شرًّا لكم، فلا تصيبوا ظفرًا ولا غنيمةً). [تفسير القرآن العظيم: 1/384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال: إن الله أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بمكة بالتوحيد وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يكفوا أيديهم عن القتال فلما هاجر إلى المدينة نزلت سائر الفرائض وأذن لهم في القتال فنزلت {كتب عليكم القتال} يعني فرض عليكم وأذن لهم بعد ما
[الدر المنثور: 2/503]
كان نهاهم عنه {وهو كره لكم} يعني القتال وهو مشقة لكم {وعسى أن تكرهوا شيئا} يعني الجهاد قتال المشركين {وهو خير لكم} ويجعل الله عاقبته فتحا وغنيمة وشهادة {وعسى أن تحبوا شيئا} يعني القعود عن الجهاد {وهو شر لكم} فيجعل الله عاقبته شرا فلا تصيبوا ظفرا ولا غنيمة.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال: قلت
لعطاء: ما تقول في قوله {كتب عليكم القتال} أواجب الغزوعلى الناس من أجلها قال: لا كتب على أولئك حينئذ.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن شهاب في الآية قال: الجهاد مكتوب على كل أحد غزا أو قعد فالقاعد إن استعين به أعان وإن استغيث به أغاث وإن استغني عنه قعد.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {وهو كره لكم} قال نسختها هذه الآية (وقالوا سمعنا وأطعنا) (البقرة الآية 285) وأخرجه ابن جرير موصولا عن عكرمة عن ابن عباس
[الدر المنثور: 2/504]
وأخرج ابن المنذر والبيهقي في "سننه" من طريق علي عن ابن عباس قال: عسى من الله واجب.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: كل شيء في القرآن عسى فإن عسى من الله واجب.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك قال: كل شيء من القرآن عسى فهو واجب إلا حرفين: حرف التحريم (عسى ربه إن طلقكن) (التحريم الآية 5) وفي بني اسرائيل (عسى ربكم أن يرحمكم) (الإسراء الآية 8).
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: عسى على نحوين: أحدهما في أمر واجب قوله (فعسى أن يكون من المفلحين) (القصص الآية 67) وأما الآخر فهو أمر ليس واجب كله قال الله {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} ليس كل ما يكره المؤمن من شيء هو خير له وليس كل ما أحب هو شر له.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن عباس، ارض عن الله بما قدر وإن كان خلاف هواك فإنه مثبت في كتاب الله، قلت: يا رسول الله فأين وقد قرأت القرآن قال {وعسى أن
[الدر المنثور: 2/505]
تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي، وابن ماجة والبيهقي في الشعب عن أبي ذر قال: يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال: إيمان بالله وجهاد في
سبيل الله قال: فأي العتاقة أفضل أنفسها، قال: أفرأيت إن لم أجد قال: فتعين الصانع وتصنع لا خرق (الخرق بضم الخاء وسكون الراء أو فتح الخاء والراء وهو الحمق أو سوء التصرف أو ما لا يحسن عمله)، قال: أفرأيت إن لم أستطع قال: تدع الناس من شرك فإنها صدقة تصدق بها على نفسك.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال: الإيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا قال: ثم حج مبرور
[الدر المنثور: 2/506]
وأخرج البيهقي في الشعب عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الأعمال الصلاة لوقتها والجهاد في سبيل الله.
وأخرج مالك وعبد الرزاق في المصنف والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مثل المجاهد في سبيل الله - والله أعلم بمن يجاهد في سبيله - كمثل الصائم القائم الخاشع الراكع الساجد وتكفل الله للمجاهد في سبيله أن يتوفاه فيدخله الجنة أو يرجعه سالما بما نال من أجر وغنيمة.
وأخرج البخاري والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: علمني عملا يعدل الجهاد قال: لا أجده حتى تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدا فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر قال: لا أستطيع ذاك قال أبو هريرة: إن فرس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له حسنات
[الدر المنثور: 2/507]
وأخرج مسلم والترمذي والنسائي والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال قيل: يا رسول الله أخبرنا بما يعدل الجهاد في سبيل الله قال: لا تستطيعونه، قال: بلى يا رسول الله، قال: مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القائم الصائم البائت بآيات الله لا يفتر من صيام وصلاة حتى يرجع المجاهد إلى أهله.
وأخرج الترمذي وحسنه والبزار والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بشعب فيه عيينة ماء عذب فأعجبه طيبه فقال: لو أقمت في هذا الشعب واعتزلت الناس لن أفعل حتى أستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل
الله أفضل من صلاته في أهله ستين عاما ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة اغزوا في سبيل الله من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
[الدر المنثور: 2/508]
فقال: أي الناس أفضل فقال: مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، قال: ثم من قال: مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله ويدع الناس من شره.
وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي، وابن حبان عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بخير الناس منزلا قالوا: بلى يا رسول الله قال: رجل أخذ برأس فرسه في سبيل الله حتى يموت أو يقتل ألا أخبركم بالذي يليه قالوا: بلى، قال: امرؤ معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعتزل شرور الناس ألا أخبركم بشر الناس قالوا: بلى، قال: الذي يسأل بالله ولا يعطي.
وأخرج الطبراني عن فضالة بن عبيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الإسلام ثلاثة: سفلى وعليا وغرفة فأما السفلى فالإسلام دخل فيه عامة المسلمين فلا تسأل أحد منهم إلا قال: أنا مسلم.
وأمّا العليا فتفاضل أعمالهم بعض المسلمين أفضل من بعض وأما الغرفة العليا فالجهاد في سبيل
[الدر المنثور: 2/509]
الله لا ينالها إلا أفضلهم.
وأخرج البزار عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ثمانية أسهم: الإسلام سهم والصلاة سهم والزكاة سهم والصوم سهم وحج البيت سهم والأمر بالمعروف سهم والنهي عن المنكر سهم والجهاد في سبيل الله سهم وقد خاب من لا سهم له.
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن علي مرفوعا، مثله.
وأخرج أحمد والطبراني عن عبادة بن الصامت أن رجلا قال: يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله وحج مبرور فلما ولى الرجل قال: وأهون عليك من ذلك إطعام الطعام ولين الكلام وحسن الخلق فلما ولى الرجل قال: وأهون عليك من ذلك لا تتهم الله على شيء قضاه عليك.
وأخرج أحمد والطبراني والحاكم وصححه عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جاهدوا في سبيل الله فإن الجهاد في سبيل الله باب من أبواب الجنة ينجي الله به من الهم والغم
[الدر المنثور: 2/510]
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالجهاد في سبيل الله فإنه باب من أبواب الجنة يذهب الله به الهم والغم.
وأخرج أحمد والبزار والطبراني عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الجهاد في سبيل الله كمثل الصائم نهاره القائم ليله حتى يرجع متى رجع.
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق.
وأخرج النسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن عثمان بن عفان أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه.
وأخرج أحمد والطبراني والحاكم وصححه عن معاذ بن أنس أن
[الدر المنثور: 2/511]
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فأتته امرأة فقالت: يا رسول الله إنك بعثت هذه السرية وإن زوجي خرج فيها وقد كنت أصوم بصيامه وأصلي بصلاته وأتعبد بعبادته فدلني على عمل أبلغ به عمله قال: تصلين فلا تقعدين وتصومين فلا تفطرين وتذكرين فلا تفترين، قال: وأطيق ذلك يا رسول الله قال: ولو طوقت ذلك - والذي نفسي بيده - ما بلغت من العشير من عمله.
وأخرج الطبراني عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا خرج الغازي في سبيل الله جعلت ذنوبه جسرا على باب بيته فإذا خلف ذنوبه كلها فلم يبق عليه منها مثل جناح بعوضة وتكفل الله له بأربع، بأن يخلفه فيما يخلف من أهل ومال وأي ميتة مات بها أدخله الجنة فإن رده سالما بما ناله من أجر أو غنيمة ولا تغرب الشمس إلا غربت ذنوبه.
وأخرج أحمد عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجمع الله في جوف رجل غبارا في سبيل الله ودخان جهنم ومن اغبرت قدماه في سبيل الله حرم الله سائر جسده على النار ومن صام يوما في سبيل الله باعد الله عنه النار مسيرة ألف عام للراكب المستعجل ومن جرح جراحة في سبيل الله ختم له بخاتم
[الدر المنثور: 2/512]
الشهداء تأتي يوم القيامة لونها مثل لون الزعفران وريحها مثل المسك يعرفه بها الأولون والآخرون يقولون: فلان عليه طابع الشهداء، ومن قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة.
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي مالك الأشعري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من نصل في سبيل الله فمات أو قتل فهو شهيد أو رفصه
فرسه أو بعيره أو لدغته هامة أو مات على فراشه بأي حتف شاء الله فإنه شهيد وإن له الجنة.
وأخرج البزار عن أبي هند رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المجاهد في سبيل الله مثل الصائم القائم القانت لا يفتر من صيام ولا صلاة ولا صدقة.
وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي عن أبي عبس
[الدر المنثور: 2/513]
عبد الرحمن بن جبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار.
وأخرج البزار عن أبي بكر الصديق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار.
وأخرج البزار عن عثمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اغبرت قدماه في سبيل الله حرم الله عليه النار.
وأخرج أحمد من حديث مالك بن عبد الله النخعي، مثله.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بخير الناس منزلة قالوا: بلى، قال: رجل أخذ بعنان فرسه في سبيل الله حتى يقتل أو يموت ألا أخبركم بالذي يليه رجل معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويشهد أن لا إله إلا الله
[الدر المنثور: 2/514]
وأخرج ابن سعد عن أم بشر بنت البراء بن معرور قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ألا أنبئكم بخير الناس بعده قالوا: بلى، قال: رجل في غنمه يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة يعلم حق الله في ماله قد اعتزل شرور الناس.
وأخرج النسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس عام تبوك وهو مضيف ظهره إلى نخلة فقال: ألا أخبركم بخير الناس إن من خير الناس رجلا عمل في سبيل الله على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره أو على قدميه حتى يأتيه الموت وإن من شر الناس رجلا فاجرا جريئا يقرأ كتاب الله ولا يرعوي إلى
[الدر المنثور: 2/515]
شيء منه.
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة كلهم ضامن على الله، رجل خرج غازيا في سبيل الله فهو ضامن على الله حتى يتوفاه
فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر أو غنيمة ورجل دخل بيته بالسلام فهو ضامن على الله.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن الخصاصية قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبايعه على الإسلام فاشترط علي: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وتصلي الخمس وتصوم رمضان وتؤدي الزكاة وتحج وتجاهد في سبيل الله، قلت: يا رسول الله أما اثنتان فلا أطيقهما أما الزكاة فما لي إلا عشر ذودهن رسل أهلي وحمولتهم وأما الجهاد فيزعمون أن من ولى فقد باء بغضب من الله فأخاف إذا حضرتني قتال كرهت الموت وخشعت نفسي، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم حركها ثم قال: لا صدقة ولا جهاد فبم تدخل الجنة ثم قلت: يا رسول الله أبايعك فبايعني عليهن كلهن.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة
[الدر المنثور: 2/516]
أعين لا تمسها النار، عين فقئت في سبيل الله وعين حرست في سبيل الله وعين بكت من خشية الله.
وأخرج أحمد والنسائي والطبراني والحاكم وصححه عن أبي ريحانة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمت النار على عين دمعت من خشية الله حرمت النار على عين سهرت في سبيل الله وعين غضت عن محارم الله وعين فقئت في سبيل الله.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أظلتكم فتن كقطع الليل المظلم أنجى الناس منها صاحب شاهقة يأكل من رسل غنمه أو رجل من وراء الدروب آخذ بعنان فرسه يأكل من فيء سيفه.
وأخرج ابن ماجة عن أبي سعيد الخدري عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال المجاهد في سبيل الله مضمون على الله إما أن يلقيه إلى مغفرته ورحمته وإما أن يرجعه بأجر وغنيمة، ومثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الذي لا يفتر حتى يرجع.
وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن
[الدر المنثور: 2/517]
عثمان بن عفان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله.
وأخرج أبو يعلى والطبراني في الأوسط عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عينان لا تمسهما النار أبدا، عين باتت تكلأ في سبيل الله وعين بكت من خشية الله.
وأخرج الطبراني عن معاوية بن حيدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا ترى أعينهم النار: عين حرست في سبيل الله وعين بكت من خشية الله وعين غضت عن محارم الله.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عمر أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال ألا أنبئكم بليلة القدر حارس حرس في أرض خوف لعله
[الدر المنثور: 2/518]
أن لا يرجع إلى أهله.
وأخرج الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل عين باكية يوم القيامة إلا عينا غضت عن محارم الله وعينا سهرت في سبيل الله وعينا خرج منها مثل راس الذباب من خشية الله.
وأخرج ابن ماجة عن أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حرس ليلة في سبيل الله أفضل من صيام رجل وقيامه في أهله ألف سنة السنة ثلثمائة يوم اليوم كألف سنة.
وأخرج ابن ماجة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من راح روحة في سبيل الله كان له بمثل ما أصابه من الغبار مسك يوم القيامة
[الدر المنثور: 2/519]
وأخرج عبد الرزاق عن مكحول قال: حدثنا بعض الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قاتل في سبيل الله فواق ناقة قتل أو مات دخل الجنة ومن رمى بسهم بلغ العدو أو قصر كان عدل رقبة ومن شاب شيبة في سبيل الله كانت له نورا يوم القيامة ومن كلم كلمة جاءت يوم القيامة ريحها مثل المسك ولونها مثل الزعفران.
وأخرج البيهقي عن أكيدر بن حمام قال: أخبرني رجل من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: جلسنا يوما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا لفتى فينا: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأله ما يعدل الجهاد فأتاه فسأله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شيء ثم أرسلناه الثانية فقال مثلها ثم قلنا إنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث فإن قال: لا شيء فقل: ما يقرب منه فأتاه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء، فقال: ما يقرب منه يا رسول الله قال: طيب الكلام وإدامة الصيام والحج كل عام ولا يقرب منه شيء بعد.
وأخرج النسائي، وابن حبان والحاكم وصححه عن فضالة بن عبيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنا زعيم - والزعيم الجميل - لمن آمن بي وأسلم وجاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة وبيت في وسط
[الدر المنثور: 2/520]
الجنة وبيت في أعلى غرف الجنة فمن
فعل ذلك لم يدع للخير مطلبا ولا من الشر مهربا يموت حيث شاء أن يموت.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مقام الرجل في الصف في سبيل الله أفضل عند الله من عبادة الرجل ستين سنة.
وأخرج أحمد والبزار عن معاذ بن جبل أنه قال: يا نبي الله حدثني بعمل يدخلني الجنة قال: بخ بخ لقد سألت لعظيم لقد سألت لعظيم لقد سألت لعظيم وإنه ليسير على من أراد الله به الخير تؤمن بالله وباليوم الآخر وتقيم الصلاة تؤتي الزكاة وتعبد الله وحده لا تشرك به شيئا حتى تموت وأنت على ذلك ثم قال: إن شئت يا معاذ حدثتك برأس هذا الأمر وقوام هذا الأمر وذروة السنام، فقال معاذ، بلى يا رسول الله، قال: إن رأس هذا الأمر أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وإن قوام هذا الأمر الصلاة والزكاة وإن ذروة السنام منه الجهاد في سبيل الله إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويشهدوا أن لا إله إلا الله وحده لا
[الدر المنثور: 2/521]
شريك له وأن محمدا عبده ورسوله فإذا فعلوا ذلك فقد اعتصموا وعصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده ما شجت وجه ولا اغبرت قدم في عمل يبتغى به درجات الآخرة بعد الصلاة المفروضة كجهاد في سبيل الله ولا ثقل ميزان عبد كدابة ينفق عليها في سبيل الله أو يحمل عليها في سبيل الله.
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال ذروة الإسلام الجهاد لا يناله إلا أفضلهم.
وأخرج أبو داود، وابن ماجة عن أبي أمامة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من لم يغز ولم يجهز غازيا أو يخلف غازيا في أهله بخير أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أهل بيت لا يخرج منهم غاز أو يجهزون غازيا أو يخلفونه في أهله إلا أصابهم الله بقارعة قبل الموت.
وأخرج عبد الرزاق وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه
[الدر المنثور: 2/522]
والنسائي، وابن ماجة، وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
من قاتل فواق ناقة فقد وجبت له الجنة ومن سأل الله القتل من نفسه صادقا ثم مات أو قتل فإن له أجر شهيد ومن جرح جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت لونها لون الزعفران وريحها ريح المسك ومن جرح في سبيل الله فإن عليه طابع الشهداء.
وأخرج النسائي عن ابن عمر أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه قال أيما عبد من عبادي خرج مجاهدا في سبيل الله ابتغاء مرضاتي ضمنت له إن رجعته أرجعته بما أصاب من أجر أو غنيمة وإن قبضته غفرت له.
وأخرج الطبراني والبيهقي عن أبي أمامة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ما من رجل يغبر وجهه في سبيل الله إلا آمنه الله دخان النار يوم القيامة وما من رجل تغبر قدماه في سبيل الله إلا أمن الله قدميه من النار
[الدر المنثور: 2/523]
وأخرج أبو داود في مراسيله عن ربيع بن زياد بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير إذ هو بغلام من قريش معتزل عن الطريق يسير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس ذاك فلانا قالوا: بلى، قال: فادعوه فدعوه قال: ما بالك اعتزلت الطريق قال: يا رسول الله كرهت الغبار، قال: فلا تعتزله فوالذي نفس محمد بيده إته لذريرة الجنة.
وأخرج أبو يعلى، وابن حبان والبيهقي، عن جابر بن عبد الله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار.
وأخرج الترمذي عن أم مالك البهزية قالت ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقر بها قلت: من خير الناس فيها قال: رجل في ماشية يؤدي حقها ويعبد ربه ورجل أخذ برأس فرسه يخيف العدو ويخيفونه.
وأخرج الترمذي وصححه والنسائي والحاكم والبيهقي عن أبي
[الدر المنثور: 2/524]
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم أبدا.
وأخرج الترمذي وحسنه عن أبي أمامة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين أو أثرين قطرة دمع من خشية الله وقطرة دم تهراق في سبيل الله وأما الأثران: فأثر في سبيل الله وأثر في فريضة من فرائض الله.
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن معاذ بن جبل
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الغزو غزوان، فإما من ابتغى به وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة وياسر الشريك واجتنب الفساد فإن نومه ونبهه أجر كله.
وأمّا من غزا فخرا ورياء وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنه لن يرجع بالكفاف.
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجة والحاكم والبيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من سرية تغزو في سبيل الله فيسلمون ويصيبون الغنيمة إلا أن تعجلوا ثلثي أجرهم في الآخرة
[الدر المنثور: 2/525]
ويبقى لهم الثلث وما من سرية تخفق وتخوف وتصاب إلا تم لهم أجرهم.
وأخرج أبو داود عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرية أن تخرج قالوا: يا رسول الله أنخرج الليلة أم نمكث حتى تصبح قال: أفلا تحبون أن تبيتوا هكذا في خريف من خراف الجنة والخريف الحديقة.
وأخرج الطبراني عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجف قلب المؤمن في سبيل الله تحات عنه الخطايا كما يتحات عذق النخلة
[الدر المنثور: 2/526]
وأخرد البزار عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة خير من أربعين غزوة وغزوة خير من أربعين حجة يقول: إذا حج الرجل حجة الإسلام فغزوة خير له من أربعين حجة وحجة الإسلام خير من أربعين غزوة.
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة لمن لم يحج خير من عشر غزوات وغزوة لمن قد حج خير من عشر حجج وغزوة في البحر خير من عشر غزوات في البر ومن أجاز البحر فكأنما أجاز الأودية كلها والمائد فيه كالمتشحط في دمه.
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحجة أفضل من عشر غزوات ولغزوة أفضل من عشر حجات.
وأخرج أبو داود في المراسيل عن مكحول قال كثر المستأذنون على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحج في غزوة تبوك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة لمن قد حج أفضل من أربعين حجة.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر قال: لسفرة في سبيل الله أفضل من
[الدر المنثور: 2/527]
خمسين حجة.
وأخرج مسلم والترمذي والحاكم عن أبي موسى الأشعري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف.
وأخرج الترمذي وصححه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله: المجاهد في سبيلي هو علي ضامن إن قبضته أورثته الجنة وإن رجعته رجعته بأجر أو غنيمة.
وأخرج أحمد وأبو يعلى، وابن خزيمة، وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من جاهد في سبيل الله كان ضامنا على الله ومن عاد مريضا كان ضامنا على الله ومن غدا إلى مسجد أو راح كان ضامنا على الله ومن دخل على إمام بغزوة كان ضامنا على الله ومن جلس في بيته لم يغتب إنسانا كان ضامنا على الله.
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن حبشي الخثعمي أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل قال: إيمان لا شك فيه وجهاد لا غلول فيه وحجة مبرورة، قيل: فأي الصدقة أفضل قال: جهد المقل، قيل:
[الدر المنثور: 2/528]
فأي الهجرة أفضل قال: من هجر ما حرم الله، قيل: فأي الجهاد أفضل قال: من جاهد المشركين بنفسه وماله، قيل: فأي القتل أشرف قال: من أهرق دمه وعقر جواده.
وأخرج مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من أبواب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها قال: نعم وأرجو أن تكون منهم.
وأخرج مالك وعبد الرزاق في المصنف والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي فهو ضامن أن أدخلته الجنة أو أرجعه إلى منزله الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة والذي نفس محمد بيده ما كلم بكلم في
[الدر المنثور: 2/529]
سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم لونه لون دم وريحه ريح مسك والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلف سرية تغزو في سبيل الله أبدا ولكن لأجد ما أحملهم عليه ولا يجدون ما يتحملون عليه فيخرجون ويشق عليهم أن يتخلفوا بعدي والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أحيا فأقتل ثم أحيا فأقتل.
وأخرج ابن سعد عن سهيل بن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مقام أحدكم في سبيل الله ساعة خير من عمله عمره في أهله.
وأخرج أحمد عن أبي أمامة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية من سراياه فمر جل بغار فيه شيء من ماء فحدث نفسه بأن يقيم في ذلك الماء فيتقوت مما كان فيه من ماء ويصيب مما حوله من البقل ويتخلى من الدنيا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية ولكني بعثت بالحنيفية السمحة والذي نفس محمد بيده لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ولمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة
[الدر المنثور: 2/530]
وأخرج أحمد عن عمرو بن العاص قال: قال رجل: يا رسول الله أي العمل أفضل قال: إيمان بالله وتصديق وجهاد في سبيله وحج مبرور، قال الرجل: أكثرت يا رسول الله، فقال: فلين الكلام وبذل الطعام وسماح وحسن الخلق قال الرجل: أريد كلمة واحدة، قال له: اذهب فلا تتهم الله على نفسك.
وأخرج أحمد عن الشفاء بنت عبد الله وكانت من المهاجرات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الإيمان فقال: إيمان بالله وجهاد في سبيل الله وحج مبرور.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن الحسن قال: بني الإسلام على عشرة أركان: الإخلاص لله وهي الفطرة والصلاة وهي الملة والزكاة والطهرة والصيام وهو الجنة والحج وهو الشريعة والجهاد وهو العزة والأمر بالمعروف وهو الحجة والنهي عن المنكر وهو الواقية والطاعة وهي العصمة والجماعة وهي الألفة.
وأخرج أحمد عن عمرو بن عبسة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال من قاتل في سبيل
[الدر المنثور: 2/531]
الله فواق ناقة حرم الله وجهه على النار.
وأخرج الطبراني عن أبي المنذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من جاهد في سبيل الله وجبت له الجنة.
وأخرج أحمد والطبراني عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما خالط قلب امرىء رهج في سبيل الله إلا حرم الله عليه النار.
وأخرج الترمذي، وابن ماجة والحاكم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لقي الله بغير أثر من جهاد لقيه وفيه ثلمة.
وأخرج الطبراني عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب.
وأخرج البيهقي عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وابتغوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله
[الدر المنثور: 2/532]
وتبايعوا بالعين أنزل الله عليهم البلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي، وابن ماجة والبيهقي عن أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي، وابن ماجة عن سهل بن سعد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال الروحة والغدوة في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها.
وأخرج مسلم والنسائي عن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس وغربت.
وأخرج البزار عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها
[الدر المنثور: 2/533]
وأخرج الترمذي وحسنه عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها.
وأخرج أحمد من حديث معاوية بن جريج، مثله.
وأخرج عبد الرزاق عن إسحاق بن رافع قال: بلغني عن المقداد أن الغازي إذا خرج من بيته عدد ما خلف وراءه من أهل القبلة وأهل الذمة والبهائم يجري عليه بعدد كل واحد منهم قيراط قيراط كل ليلة مثل الجبل أو قال: مثل أحد.
وأخرج عبد الرزاق عن الحين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء ما على الرجال إلا الجمعة والجنائز والجهاد). [الدر المنثور: 2/534]

تفسير قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن الزهري وعن عثمان الجزري عن مقسم مولى ابن عباس قال لقي وافد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي في أول ليلة من رجب وهو يرى أنه من جمادى فقتله وهو أول قتيل من المشركين غير المشركون المسلمين قالوا أتقتلون في الشهر الحرام فأنزل الله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به يقول وكفر بالله والمسجد الحرام يقول وصد عن المسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر من قتلكم عمرو بن
[تفسير عبد الرزاق: 1/87]
الحضرمي والفتنة يقول والشرك الذي أنتم فيه أكبر من ذلك أيضا قال الزهري وكان النبي فيما بلغنا يحرم القتال في الشهر الحرام ثم أحل له بعد). [تفسير عبد الرزاق: 1/88]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ وصدٌّ عن سبيل اللّه وكفرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند اللّه والفتنة أكبر من القتل}.
[جامع البيان: 3/647]
يعني بذلك جلّ ثناؤه: يسألك يا محمّد أصحابك عن الشّهر الحرام وذلك رجبٌ عن قتالٍ فيه.
وخفض القتال على معنى تكرير عن عليه، وكذلك كانت قراءة عبد اللّه بن مسعودٍ فيما ذكر لنا.
- وقد حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه} قال: يقول: يسألونك عن قتالٍ فيه، قال: وكذلك كان يقرؤها: عن قتالٍ فيه.
قال أبو جعفرٍ: قل يا محمّد قتالٌ فيه، يعني في الشّهر الحرام كبيرٌ: أي عظيمٌ عند اللّه استحلاله، وسفك الدّماء فيه.
ومعنى قوله: {قتالٌ فيه} قل القتال فيه كبيرٌ.
وإنّما قال: قل قتالٌ فيه كبيرٌ؛ لأنّ العرب كانت لا تقرع فيه الأسنّة، فيلقى الرّجل قاتل أبيه أو أخيه فيه فلا يهيجه تعظيمًا له، وتسمّيه مضر الأصمّ لسكوت أصوات السّلاح، وقعقعته فيه.
- وقد حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم المصريّ، قال: حدّثنا شعيب بن اللّيث، قال: حدّثنا اللّيث، قال: حدّثنا أبو الزّبير، عن جابرٍ، قال: لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يغزو في الشّهر الحرام إلاّ أن يغزى، أو يغزو حتّى إذا حضر ذلك أقام حتّى ينسلخ.
[جامع البيان: 3/648]
وقوله جلّ ثناؤه: {وصدٌّ عن سبيل اللّه} ومعنى الصّدّ عن الشّيء: المنع منه، والدّفع عنه، ومنه قيل: صدّ فلانٌ بوجهه عن فلانٍ: إذا أعرض عنه فمنعه من النّظر إليه.
وقوله: {وكفرٌ به} يعني: وكفرٌ باللّه، والباء في به عائدةٌ على اسم اللّه الّذي في سبيل اللّه.
وتأويل الكلام: وصدّ عن سبيل اللّه، وكفرٌ به، وعن المسجد الحرام وإخراج أهل المسجد الحرام، وهم أهله وولاته {أكبر عند اللّه} من القتال في الشّهر الحرام.
فالصّدّ عن سبيل اللّه مرفوعٌ بقوله {أكبر عند اللّه}. وقوله: {وإخراج أهله منه} عطفٌ على الصّدّ ثمّ ابتدأ الخبر عن الفتنة فقال: {والفتنة أكبر من القتل} يعني: الشّرك أعظم وأكبر من القتل، يعني من قتل ابن الحضرميّ الّذي استنكرتم قتله في الشّهر الحرام.
وقد كان بعض أهل العربيّة يزعم أنّ قوله: {والمسجد الحرام} معطوفٌ على القتال وأنّ معناه: يسألونك عن الشّهر الحرام، عن قتالٍ فيه، وعن المسجد الحرام، فقال اللّه جلّ ثناؤه: {وإخراج أهله منه أكبر عند اللّه} من القتال في الشّهر الحرام.
[جامع البيان: 3/649]
وهذا القول مع خروجه من أقوال أهل العلم، قولٌ لا وجه له؛ لأنّ القوم لم يكونوا في شكٍّ من عظيم ما أتى المشركون إلى المسلمين في إخراجهم إيّاهم من منازلهم بمكّة، فيحتاجوا إلى أن يسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن إخراج المشركين إيّاهم من منازلهم، وهل ذلك كان لهم؟ بل لم يدّع ذلك عليهم أحدٌ من المسلمين، ولا أنّهم سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن ذلك. وإذ كان ذلك كذلك، فلم يكن القوم سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلاّ عمّا ارتابوا بحكمه كارتيابهم في أمر قتل ابن الحضرميّ، إذ ادّعوا أنّ قاتله من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قتله في الشّهر الحرام، فسألوا عن أمره، لارتيابهم في حكمه. فأمّا إخراج المشركين أهل الإسلام من المسجد الحرام، فلم يكن فيهم أحدٌ شاكًّا أنّه كان ظلمًا منهم لهم فيسألوا عنه.
ولا خلاف بين أهل التّأويل جميعًا أنّ هذه الآية نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في سبب قتل ابن الحضرميّ وقاتله.
ذكر الرّواية عمّن قال ذلك
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني الزّهريّ، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزّبير، قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عبد اللّه بن جحشٍ في رجبٍ مقفله من بدرٍ الأولى، وبعث معه بثمانية رهطٍ من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحدٌ، وكتب له كتابًا، وأمره أن لا ينظر فيه حتّى يسير يومين ثمّ ينظر فيه فيمضي لما أمره، ولا يستكره من أصحابه أحدًا.
[جامع البيان: 3/650]
وكان أصحاب عبد اللّه بن جحشٍ، من المهاجرين من بني عبد شمسٍ أبو حذيفة بن عتبه بن ربيعة، ومن بني أميّة بن عبد شمسٍ، ثمّ من حلفائهم عبد اللّه بن جحش بن ريابٍ، وهو أمير القوم، وعكّاشة بن محصن بن حرثان أحد بني أسد بن خزيمة، ومن بني نوفل بن عبد منافٍ عتبة بن غزوان حليفٌ لهم، ومن بني زهرة بن كلابٍ: سعد بن أبي وقّاصٍ، ومن بني عديّ بن كعبٍ عامر بن ربيعة حليفٌ لهم، وواقد بن عبد اللّه بن مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة، وخالد بن البكير أحد بني سعد بن ليثٍ حليفٌ لهم، ومن بني الحرث بن فهرٍ سهيل بن بيضاء. فلمّا سار عبد اللّه بن جحشٍ، يومين فتح الكتاب ونظر فيه، فإذا فيه: وإذا نظرت فى كتابي هذا، فسر حتّى تنزل نخلة بين مكّة والطّائف، فترصد بها قريشًا، وتعلم لنا من أخبارهم. فلمّا نظر عبد اللّه بن جحشٍ، في الكتاب قال: سمعًا وطاعةً ثمّ قال لأصحابه: قد أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن أمضي إلى نخلة فأرصد بها قريشًا حتّى آتيه منهم بخبرٍ، وقد نهاني أن أستكره أحدًا منكم، فمن كان منكم يريد الشّهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، فأمّا أنا فماضٍ لأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فمضى ومضى أصحابه معه، فلم يتخلّف عنه أحدٌ، وسلك على الحجاز، حتّى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران، أضلّ سعد بن أبي وقّاصٍ، وعتبة بن غزوان بعيرًا لهما كانا عليه يعتقبانه، فتخلّفا عليه في طلبه، ومضى عبد اللّه بن جحشٍ وبقيّة أصحابه حتّى نزل بنخلة،
[جامع البيان: 3/651]
فمرّت به عيرٌ لقريشٍ تحمل زبيبًا، وأدمًا، وتجارةً من تجارة قريشٍ فيها منهم عمرو بن الحضرميّ، وعثمان بن عبد اللّه بن المغيرة، وأخوه نوفل بن عبد اللّه بن المغيرة المخزوميّان، والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة فلمّا رآهم القوم هابوهم، وقد نزلوا قريبًا منهم، فأشرف لهم عكّاشة بن محصنٍ، وقد كان حلق رأسه؛ فلمّا رأوه آمنوا، وقالوا: عمّارٌ، لا بأس علينا منهم، وتشاور القوم فيهم، وذلك في آخر يومٍ من جمادى، فقال القوم: واللّه لئن تركتم القوم هذه اللّيلة ليدخلنّ الحرم فليمتنعنّ به منكم، ولئن قتلتموهم لنقتلنّهم في الشّهر الحرام. فتردّد القوم فهابوا الإقدام عليهم، ثمّ شجّعوا عليهم، وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم، وأخذ ما معهم؛ فرمى واقد بن عبد اللّه التّميميّ عمرو بن الحضرميّ بسهمٍ فقتله، واستؤسر عثمان بن عبد اللّه، والحكم بن كيسان، وأفلت نوفل بن عبد اللّه فأعجزهم. وقدم عبد اللّه بن جحشٍ وأصحابه بالعير، والأسيرين، حتّى قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالمدينة وقد ذكر بعض آل عبد اللّه بن جحشٍ أنّ عبد اللّه بن جحشٍ قال لأصحابه: إنّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ممّا غنمتم الخمس؛ وذلك قبل أن يفرض الخمس من الغنائم. فعزل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خمس العير، وقسّم سائرها بين أصحابه فلمّا قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ما أمرتكم بقتالٍ في الشّهر الحرام فوقف العير، والأسيرين، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئًا، فلمّا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك، سقط في أيدي القوم، وظنّوا أنّهم قد هلكوا، وعنّفهم المسلمون فيما صنعوا، وقالوا لهم: صنعتم ما لم تؤمروا به وقاتلتم في الشّهر الحرام ولم تؤمروا بقتالٍ؛
[جامع البيان: 3/652]
وقالت قريشٌ: قد استحلّ محمّدٌ وأصحابه الشّهر الحرام، فسفكوا فيه الدّم، وأخذوا فيه الأموال وأسروا. فقال: من يردّ ذلك عليهم من المسلمين ممّن كان بمكّة إنّما أصابوا ما أصابوا في جمادى؛ وقالت يهود تتفاءل بذلك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: عمرو بن الحضرميّ قتله واقد بن عبد اللّه، عمرٌو: عمّرت الحرب، والحضرميّ: حضرت الحرب، وواقد بن عبد اللّه: وقدت الحرب فجعل اللّه عليهم ذلك وبهم. فلمّا أكثر النّاس في ذلك أنزل اللّه جلّ وعزّ على رسوله: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه} أي عن قتالٍ فيه {قل قتالٍ فيه كبيرٌ} إلى قوله {والفتنة أكبر من القتل} أي إن كنتم قتلتم في الشّهر الحرام فقد صدّوكم عن سبيل اللّه مع الكفر به، وعن المسجد الحرام، وإخراجكم عنه، إذ أنتم أهله وولاته أكبر عند اللّه من قتل من قتلتم منهم {والفتنة أكبر من القتل} أي قد كانوا يفتنون المسلم عن دينه حتّى يردّوه إلى الكفر بعد إيمانه وذلك أكبر عند اللّه من القتل، ولا يزالون يقاتلونكم حتّى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا أي هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه، غير تائبين ولا نازعين فلمّا نزل القرآن بهذا من الأمر، وفرّج اللّه عن المسلمين ما كانوا فيه من الشّفق، قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم العير، والأسيرين.
[جامع البيان: 3/653]
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٍ فيه كبيرٌ} وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث سريّةً وكانوا سبعة نفرٍ، عليهم عبد اللّه بن جحشٍ الأسديّ، وفيهم عمّار بن ياسرٍ، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وسعد بن أبي وقّاصٍ، وعتبة بن غزوان السّلميّ حليفٌ لبني نوفلٍ، وسهيل بن بيضاء، وعامر بن فهيرة، وواقد بن عبد اللّه اليربوعيّ حليفٌ لعمر بن الخطّاب وكتب مع ابن جحشٍ كتابًا وأمره أن لا يقرأه حتّى ينزل بطن ملل، فلمّا نزل ببطن ملل فتح الكتاب، فإذا فيه: أن سر حتّى تنزل بطن نخلة. فقال لأصحابه: من كان يريد الموت فليمض وليوص، فإنّي موصٍ، وماضٍ لأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فسار وتخلّف عنه سعد بن أبي وقّاصٍ، وعتبة بن غزوان أضلاّ راحلةً لهما، فأتيا بحران يطلبانها، وسار ابن جحشٍ إلى بطن نخلة، فإذا هم بالحكم بن كيسان، وعبد اللّه بن المغيرة، والمغيرة بن عثمان، وعمرو بن الحضرميّ. فاقتتلوا، فأسروا الحكم بن كيسان، وعبد اللّه بن المغيرة، وانفلت المغيرة، وقتل عمرو بن الحضرميّ، قتله واقد بن عبد اللّه، فكانت أوّل غنيمةٍ غنمها أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم
[جامع البيان: 3/654]
فلمّا رجعوا إلى المدينة بالأسيرين وما غنموا من الأموال أراد أهل مكّة أن يفادوا بالأسيرين، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: حتّى ننظر ما فعل صاحبانا؛ فلمّا رجع سعدٌ وصاحبه فادى بالأسيرين، ففجر عليه المشركون، وقالوا: محمّدٌ يزعم أنّه يتّبع طاعة اللّه، وهو أوّل من استحلّ الشّهر الحرام وقتل صاحبنا في رجبٍ، فقال المسلمون: إنّما قتلناه في جمادى، وقيل في أوّل ليلةٍ من رجبٍ، وآخر ليلةٍ من جمادى وغمد المسلمون سيوفهم حين دخل رجبٌ، فأنزل اللّه جلّ وعزّ يعيّر أهل مكّة: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ} لا يحلّ، وما صنعتم أنتم يا معشر المشركين أكبر من القتل في الشّهر الحرام، حين كفرتم باللّه، وصددتم عنه محمّدًا وأصحابه، وإخراج أهلٍ المسجدٍ الحرامٍ منه حين أخرجوا محمّدًا أكبر من القتل عند اللّه، والفتنة هي الشّرك أعظم عند اللّه من القتل في الشّهر الحرام، فذلك قوله: {وصدٌّ عن سبيل اللّه وكفرٌ به، والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند اللّه والفتنة أكبر من القتل}.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى الصّنعانيّ، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان التّيميّ، عن أبيه، أنّه حدّثه رجلٌ، عن أبي السّوّار يحدّثه، عن جندب بن عبد اللّه: عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه بعث رهطًا، فبعث عليهم أبا عبيدة؛ فلمّا آخذ لينطلق بكى صبابةً إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فبعث رجلاً مكانه يقال له عبد اللّه بن جحشٍ، وكتب له كتابًا، وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتّى يبلغ كذا وكذا، ولا تكرهنّ أحدًا من أصحابك على السّير معك.
[جامع البيان: 3/655]
فلمّا قرأ الكتاب استرجع، وقال: سمعًا وطاعةً لأمر اللّه ورسوله. فخبّرهم الخبر، وقرأ عليهم الكتاب. فرجع رجلان ومضى بقيّتهم. فلقوا ابن الحضرميّ، فقتلوه، ولم يدروا ذلك اليوم من رجبٍ أو من جمادى؟ فقال المشركون للمسلمين: فعلتم كذا وكذا في الشّهر الحرام فأتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فحدّثوه الحديث، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ وصدٌّ عن سبيل اللّه وكفرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند اللّه والفتنة أكبر من القتل} والفتنة: هي الشّرك.
وقال بعض الّذين أظنّه قال: كانوا في السّريّة: واللّه ما قتله إلاّ واحدٌ، فقال: إن يكن خيرًا فقد ولّيت. وإن يكن ذنبًا فقد عملت.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه} قال: إنّ رجلاً من بني تميمٍ أرسله النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في سريّةٍ، فمرّ بابن الحضرميّ يحمل خمرًا من الطّائف إلى مكّة، فرماه بسهمٍ فقتله وكان بين قريشٍ، ومحمّدٍ عقدٌ، فقتله في آخر يومٍ من جمادى الآخرة، وأوّل يومٍ من رجبٍ، فقالت قريشٌ: في الشّهر الحرام ولنا عهدٌ؟ فأنزل اللّه جلّ وعزّ: {قل قتالٌ فيه كبيرٌ وصدٌّ عن سبيل اللّه وكفرٌ به وصدّ عن المسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند اللّه} من قتل ابن الحضرميّ، والفتنة كفرٌ باللّه، وعبادة الأوثان أكبر من هذا كلّه.
[جامع البيان: 3/656]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال، أخبرنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، وعثمان الجزريّ، عن مقسمٍ، مولى ابن عبّاسٍ، قال: لقي واقد بن عبد اللّه، عمرو بن الحضرميّ في أوّل ليلةٍ من رجبٍ، وهو يرى أنّه من جمادى فقتله، وهو أوّل قتيلٍ من المشركين، فعيّر المشركون المسلمين فقالوا: أتقتلون في الشّهر الحرام؟ فأنزل اللّه {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ وصدٌّ عن سبيل اللّه وكفرٌ به والمسجد الحرام} يقول: وصدٌّ عن سبيل اللّه، وكفرٌ باللّه والمسجد الحرام، وصدٌّ عن المسجد الحرام {وإخراج أهله منه أكبر عند اللّه} من قتل عمرو بن الحضرميّ؛ والفتنة: يقول: الشّرك الّذي أنتم فيه أكبر من ذلك أيضًا قال الزّهريّ: وكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيما بلغنا يحرّم القتال في الشّهر الحرام ثمّ أحلّ بعد.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {يسألونك عن الشّهر الحرام، قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ} وذلك أنّ المشركين صدّوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وردّوه عن المسجد الحرام في شهرٍ حرامٍ، ففتح اللّه على نبيّه في شهرٍ حرامٍ من العام المقبل، فعاب المشركون على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم القتال في شهرٍ حرامٍ، فقال اللّه جلّ وعزّ: {وصدٌّ عن سبيل اللّه وكفرٌ به، والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند اللّه} من القتل فيه،
[جامع البيان: 3/657]
وإنّ محمّدًا بعث سريّةً، فلقوا عمرو بن الحضرميّ، وهو مقبلٌ من الطّائف آخر ليلةٍ من جمادى وأوّل ليلةٍ من رجبٍ؛ وإنّ أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم كانوا يظنّون أنّ تلك اللّيلة من جمادى وكانت أوّل رجبٍ ولم يشعروا، فقتله رجلٌ منهم واحدٌ. وإنّ المشركين أرسلوا يعيّرونه بذلك، فقال اللّه جلّ وعزّ: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ} وغير ذلك أكبر منه صدٌّ عن سبيل اللّه، وكفرٌ به، والمسجد الحرام، وإخراج أهله منه، إخراج أهل المسجد الحرام أكبر من الّذي أصاب أصحاب محمّدٌ، والشّرك باللّه أشدّ.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ، قال: لمّا نزلت: {يسألونك عن الشّهر الحرام، قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ} إلى قوله: {والفتنة أكبر من القتل} استكبروه، فقال: والفتنة: الشّرك الّذي أنتم عليه مقيمون أكبر ممّا استكبرتم.
- حدّثنا عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ الغفاريّ، قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عبد اللّه بن جحشٍ في جيشٍ، فلقي ناسًا من المشركين ببطن نخلة، والمسلمون يحسبون أنّه آخر يومٍ من جمادى، وهو أوّل يومٍ من رجبٍ، فقتل المسلمون ابن الحضرميّ، فقال المشركون: ألستم تزعمون أنّكم تحرّمون الشّهر الحرام والبلد الحرام؟
[جامع البيان: 3/658]
وقد قتلتم في الشّهر الحرام فأنزل اللّه: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ} إلى قوله {أكبر عند اللّه} من الّذي استكبرتم من قتل ابن الحضرميّ، والفتنة الّتي أنتم عليها مقيمون، يعني الشّرك أكبر من القتل.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن قتادة، قال: وكان يسمّيها، يقول: لقي واقد بن عبد اللّه التّميميّ عمرو بن الحضرميّ ببطن نخلة فقتله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ قوله: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه} فيمن نزلت؟ قال: لا أدري.
- قال ابن جريجٍ: قال عكرمة ومجاهدٌ: في عمرو بن الحضرميّ قال ابن جريجٍ: وأخبرنا ابن أبي حسينٍ، عن الزّهريّ ذلك أيضًا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ: {قل قتالٌ فيه كبيرٌ وصدٌّ عن سبيل اللّه وكفرٌ به والمسجد الحرام} قال يقول: صدٌّ عن المسجد الحرام وإخراج أهله منه، فكلّ هذا أكبر من قتل ابن الحضرميّ، والفتنة أكبر من القتل كفرٌ باللّه وعبادة الأوثان أكبر من هذا كلّه.
[جامع البيان: 3/659]
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ الفضل بن خالدٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان الباهليّ، قال: سمعت الضّحّاك بن مزاحمٍ، يقول في قوله: {يسألونك عن الشّهر الحرام، قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ} كان أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم قتلوا ابن الحضرميّ في الشّهر الحرام، فعيّر المشركون المسلمين بذلك، فقال اللّه: قتالٌ في الشّهر الحرام كبيرٌ، وأكبر من ذلك صدٌّ عن سبيل اللّه وكفرٌ به، وإخراج أهل المسجد الحرام من المسجد الحرام.
وهذان الخبران اللّذان ذكرناهما عن مجاهدٍ، والضّحّاك، ينبئان عن صحّة ما قلنا في رفع الصّدّ به، وأنّ رافعه أكبر عند اللّه، وهما يؤكّدان صحّة ما روّينا في ذلك عن ابن عبّاسٍ، ويدلاّن على خطأ من زعم أنّه مرفوعٌ على العطف على الكبير. وقول من زعم أنّ معناه: وكبيرٌ صدٌّ عن سبيل اللّه، وزعم أنّ قوله: وإخراج أهله منه أكبر عند اللّه خبرٌ منقطعٌ عمّا قبله مبتدأٌ.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا إسماعيل بن سالمٍ، عن الشّعبيّ، في قوله: {والفتنة أكبر من القتل} قال: يعني به الكفر.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وإخراج أهله منه أكبر عند اللّه} من ذلك. ثمّ عيّر المشركين بأعمالهم أعمال السّوء فقال: {والفتنة أكبر من القتل} أي الشّرك باللّه أكبر من القتل.
وبمثل الّذي قلنا من التّأويل في ذلك روي عن ابن عبّاسٍ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي،
[جامع البيان: 3/660]
قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا قتل أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عمرو بن الحضرميّ في آخر ليلةٍ من جمادى وأوّل ليلةٍ من رجبٍ، أرسل المشركون إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعيّرونه بذلك، فقال: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ} وغير ذلك أكبر منه: صدٌّ عن سبيل اللّه، وكفرٌ به، والمسجد الحرام، وإخراج أهله منه أكبر من الّذي أصاب أصحاب محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وأمّا أهل العربيّة فإنّهم اختلفوا في الّذي ارتفع به قوله: {وصدٌّ عن سبيل اللّه} فقال بعض نحويّي الكوفيّين في رفعه وجهان: أحدهما: أن يكون الصّدّ مردودًا على الكبير، يريد: قل القتال فيه كبيرٌ، وصدٌّ عن سبيل اللّه وكفرٌ به، وإن شئت جعلت الصّدّ كبيرًا، يريد به: قل القتال فيه كبيرٌ، وكبيرٌ الصّدّ عن سبيل اللّه والكفر به.
قال: فأخطأ، يعني الفرّاء في كلا تأويليه، وذلك أنّه إذا رفع الصّدّ عطفًا به على كبيرٍ، يصير تأويل الكلام: قل القتال في الشّهر الحرام كبيرٌ، وصدٌّ عن سبيل اللّه، وكفرٌ باللّه. وذلك من التّأويل خلاف ما عليه أهل الإسلام جميعًا، لأنّه لم يدع أحدٌ أنّ اللّه تبارك وتعالى جعل القتال في الأشهر الحرم كفرًا باللّه، بل ذلك غير جائزٍ أن يتوهّم على عاقلٍ يعقل ما يقول أن يقوله، وكيف يجوز أن يقوله ذو فطرةٍ صحيحةٍ، واللّه جلّ ثناؤه يقول في أثر ذلك: {وإخراج أهله منه أكبر عند اللّه}؟ فلو كان الكلام على ما رآه جائزًا في تأويله هذا، لوجب أن يكون إخراج أهل المسجد الحرام من المسجد الحرام كان أعظم عند اللّه من الكفر به، وذلك أنّه يقول في أثره: {وإخراج أهله منه أكبر عند اللّه} وفي قيام الحجّة بأن لا شيء أعظم عند اللّه من الكفر به، ما يبيّن عن خطأ هذا القول.
[جامع البيان: 3/661]
وأمّا إذا رفع الصّدّ بمعنى ما زعم أنّه الوجه الآخر، وذلك رفعه بمعنى: وكبيرٌ صدٌّ عن سبيل اللّه، ثمّ قيل: وإخراج أهله منه أكبر عند اللّه، صار المعنى: إلى أنّ إخراج أهل المسجد الحرام من المسجد الحرام أعظم عند اللّه من الكفر باللّه، والصّدّ عن سبيله، وعن المسجد الحرام، ومتأوّل ذلك كذلك داخلٌ من الخطأ في مثل الّذي دخل فيه القائل القول الأوّل من تصييره بعض خلال الكفر أعظم عند اللّه من الكفر بعينه، وذلك ممّا لا يخيّل على أحدٍ خطؤه وفساده.
وكان بعض أهل العربيّة من أهل البصرة يقول: القول الأوّل في رفع الصّدّ، ويزعم أنّه معطوفٌ به على الكبير، ويجعل قوله: {وإخراج أهله} مرفوعًا على الابتداء، وقد بيّنّا فساد ذلك وخطأ تأويله.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في قوله: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ} هل هو منسوخٌ أم ثابت الحكم؟ فقال بعضهم: هو منسوخٌ بقول اللّه جلّ وعزّ: {وقاتلوا المشركين كافّةً كما يقاتلونكم كافّةً} وبقوله: {اقتلوا المشركين}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال عطاء بن ميسرة: أحلّ القتال في الشّهر الحرام في براءة، قوله: {فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم وقاتلوا المشركين كافّةً} يقول: فيهنّ وفي غيرهنّ.
[جامع البيان: 3/662]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيما بلغنا يحرّم القتال في الشّهر الحرام، ثمّ أحلّ بعد.
وقال آخرون: بل ذلك حكمٌ ثابتٌ لا يحلّ القتال لأحدٍ في الأشهر الحرم بهذه الآية، لأنّ اللّه جعل القتال فيه كبيرًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: قلت لعطاءٍ: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ} قلت: ما لهم وإذ ذاك لا يحلّ لهم أن يغزوا أهل الشّرك في الشّهر الحرام، ثمّ غزوهم بعد فيه، فحلف لي عطاءٌ باللّه ما يحلّ للنّاس أن يغزوا في الشّهر الحرام، ولا أن يقاتلوا فيه، وما يستحبّ، قال: ولا يدعون إلى الإسلام قبل أن يقاتلوا، ولا إلى الجزية تركوا ذلك.
والصّواب من القول في ذلك ما قاله عطاء بن ميسرة، من أنّ النّهي عن قتال المشركين في الأشهر الحرم منسوخٌ بقول اللّه جلّ ثناؤه: {إنّ عدّة الشّهور عند اللّه اثنا عشر شهرًا في كتاب اللّه يوم خلق السّموات والأرض منها أربعةٌ حرمٌ ذلك الدّين القيّم فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم وقاتلوا المشركين كافّةً كما يقاتلونكم كافّةً}
[جامع البيان: 3/663]
وإنّما قلنا ذلك ناسخٌ لقوله: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ} لتظاهر الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه غزا هوازن بحنينٍ، وثقيفًا بالطّائف، وأرسل أبا عامرٍ، إلى أوطاسٍ لحرب من بها من المشركين في بعض الأشهر الحرم، وذلك في شوّالٍ وبعض ذي القعدة، وهما من الأشهر الحرم فكان معلومًا بذلك أنّه لو كان القتال فيهنّ حرامًا وفيه معصيةٌ، كان أبعد النّاس من فعله صلّى اللّه عليه وسلّم وأخرى: أنّ جميع أهل العلم بسير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لا تتدافع أنّ بيعة الرّضوان على قتال قريشٍ كانت في ذي القعدة، وأنّه صلّى اللّه عليه وسلّم إنّما دعا أصحابه إليها يومئذٍ لأنّه بلغه أنّ عثمان بن عفّان قتله المشركون إذ أرسله إليهم بما أرسله به من الرّسالة، فبايع صلّى اللّه عليه وسلّم على أن يناجز القوم الحرب ويحاربهم حتّى رجع عثمان بالرّسالة، وجرى بين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وقريشٍ الصّلح، فكفّ عن حربهم حينئذٍ وقتالهم، وكان ذلك في ذي القعدة، وهو من الأشهر الحرم فإذا كان ذلك كذلك فبيّن صحّة ما قلنا في قوله: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ كبيرٌ} وأنّه منسوخٌ.
فإذا ظنّ ظانٌّ أنّ النّهي عن القتال في الأشهر الحرم كان بعد استحلال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إيّاهنّ لما وصفنا من حروبه. فقد ظنّ جهلاً؛ وذلك أنّ هذه الآية، أعنّي قوله: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه} في أمر عبد اللّه بن جحشٍ وأصحابه، وما كان من أمرهم وأمر القتيل الّذي قتلوه، فأنزل اللّه في أمره هذه الآية في آخر جمادى الآخرة من السّنّة الثّانية من مقدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة وهجرته إليها، وكانت وقعة حنينٍ، والطّائف في شوّالٍ من سنة ثمانٍ من مقدمه المدينة وهجرته إليها. وبينهما من المدّة ما لا يخفى على أحدٍ). [جامع البيان: 3/664]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا يزالون يقاتلونكم حتّى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا}.
يعني تعالى ذكره: ولا يزال مشركو قريشٍ يقاتلونكم حتّى يردّوكم عن دينكم إن قدروا على ذلك.
- كما حدّثنا ابن حميدٍ، قال، حدّثنا سلمة، قال، حدّثني ابن إسحاق، قال: حدّثني الزّهريّ، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزّبير: {ولا يزالون يقاتلونكم حتّى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا} أي هم مقيمون على أخبث ذلك، وأعظمه غير تائبين ولا نازعين، يعني على أن يفتنوا المسلمين عن دينهم حتّى يردّوهم إلى الكفر، كما كانوا يفعلون بمن قدروا عليه منهم قبل الهجرة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {ولا يزالون يقاتلونكم حتّى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا} قال: كفّار قريشٍ). [جامع البيان: 3/665]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافرٌ فأولئك حبطت أعمالهم في الدّنيا والآخرة وأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}.
[جامع البيان: 3/665]
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {ومن يرتدد منكم عن دينه} من يرجع منكم عن دينه، كما قال جلّ ثناؤه: {فارتدّا على آثارهما قصصًا} يعني بقوله: فارتدّا: رجعا ومن ذلك قيل: استردّ فلانٌ حقّه من فلانٍ، إذا استرجعه منه. وإنّما أظهر التّضعيف في قوله: {يرتدد} لأنّ لام الفعل ساكنةٌ بالجزم، وإذا سكّنت فالقياس ترك التّضعيف، وقد تضعّف وتدغم وهي ساكنةٌ بناءً على التّثنية والجمع..
وقوله: {فيمت وهو كافرٌ} يقول: من يرجع عن دينه دين الإسلام، فيمت وهو كافرٌ، فيمت قبل أن يتوب من كفره، فهم الّذين حبطت أعمالهم يعني بقوله: {حبطت أعمالهم} بطلت وذهبت، وبطولها: ذهاب ثوابها، وبطول الأجر عليها والجزاء في دار الدّنيا والآخرة.
وقوله: {وأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون} يعني الّذين ارتدّوا عن دينهم فماتوا على كفرهم، هم أهل النّار المخلّدون فيها. وإنّما جعلهم أهلها لأنّهم لا يخرجون منها، فهم سكّانها المقيمون فيها، كما يقال: هؤلاء أهل محلّة كذا، يعني سكّانها المقيمون فيها.
ويعني بقوله: {هم فيها خالدون} هم فيها لابثون لبثًا من غير أمدٍ ولا نهايةٍ). [جامع البيان: 3/666]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ وصدٌّ عن سبيل اللّه وكفرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند اللّه والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتّى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافرٌ فأولئك حبطت أعمالهم في الدّنيا والآخرة وأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون (217)
قوله: يسألونك عن الشّهر الحرام
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا موسى بن هارون الدّولابيّ ثنا مروان، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك في قول اللّه: واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون قال: يعلم من كلّ أحدٍ ما لا تعلمون.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن أبي بكرٍ المقدّميّ، ثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه حدّثني الحضرميّ، عن أبي السّوّار، عن جندب بن عبد اللّه أن ّرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث رهطًا وبعث عليهم أبا عبيدة ابن الجرّاح أو عبيدة بن الحارث، فلمّا ذهب ينطلق بكى صبابةً إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فجلس. فبعث عليهم مكانه عبد اللّه بن جحشٍ وكتب له كتابًا وأمره ألا يقرأ الكتاب حتّى يبلغ مكان كذا وكذا، فقال: لا تكرهنّ أحدًا على السّير معك من أصحابك. فلمّا قرأ الكتاب، استرجع، وقال: سمعًا وطاعةً للّه ولرسوله. فخبّرهم الخبر وقرأ عليهم الكتاب، فرجع رجلان، ومضى بقيّتهم، فلقوا ابن الحضرميّ فقتلوه. ولم يدروا أنّ ذلك اليوم من رجب أو من جمادى؟ فقال المشركون للمسلمين: قتلتم في الشّهر الحرام، فأنزل الله تعالى: يسئلونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ، عن الزّهريّ وعثمان الجزريّ، عن مقسمٍ مولى ابن عبّاسٍ لقي واقد بن عبد اللّه عمرو بن الحضرميّ في أوّل ليلةٍ من رجب، وهو يرى أنّه في جمادى، فقتله. وهو أوّل قتيلٍ قتل من المشركين، فعيّر المشركون المسلمين، فقال: أتقتلون في الشهر الحرام، فأنزل الله: يسئلونك عن الشّهر الحرام قتالٌ فيه
قال الزّهريّ: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيما بلغنا يحرّم القتال في الشّهر الحرام، ثمّ أحل له بعد ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/384]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: قتالٌ فيه
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة، قال محمّد بن إسحاق فيما حدّثني يزيد بن رومان والزّهريّ عن عروة بن الزّبير قال: أنزل اللّه على رسوله: يسئلونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه أي: عن قتالٍ فيه. وروي عن عكرمة والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك.
- حدّثنا أبو بكر بن إسحاق الصّاغانيّ، ثنا معاوية بن عمرٍو، عن أبي إسحاق الفزاريّ قال: سألت سفيان الثّوريّ عن قول الله: يسئلونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ قال: هذا شيءٌ منسوخٌ، وقد مضى، ولا بأس بالقتال في الشّهر الحرام وفي غيره). [تفسير القرآن العظيم: 1/385]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: قتالٌ فيه كبيرٌ
- حدّثنا أبو بكر بن إسحاق الصّاغانيّ، ثنا معاوية بن عمرٍو- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين عن أبيه عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ: يسئلونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ وغير ذلك أكبر منه.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ:
قل قتالٌ فيه كبيرٌ قال: لا يحلّ وما صنعتم أنتم يا معشر المشركين أكبر من القتل في في الشّهر الحرام). [تفسير القرآن العظيم: 1/385]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وصدٌ عن سبيل اللّه وكفرٌ به
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ، فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي الحسين، عن أبيه عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ، أنّ المشركين صدّوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وردّوه عن المسجد الحرام، في شهرٍ حرامٍ، ففتح اللّه على نبيّه في شهرٍ حرامٍ من العام المقبل، فعاب المشركون على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم القتال في شهرٍ حرامٍ، فقال اللّه: قل قتالٌ فيه كبيرٌ وصدٌ عن سبيل اللّه وكفرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر من القتال فيه.
[تفسير القرآن العظيم: 2/385]
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله:
وصدٌ عن سبيل اللّه وكفرٌ به حين كفرتم باللّه، وصددتم عنه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه). [تفسير القرآن العظيم: 1/386]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: والمسجد الحرام
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّازّق، أنبأ معمرٌ، عن الزّهريّ وعثمان الجزريّ، عن مقسمٍ مولى ابن عبّاسٍ، قوله: والمسجد الحرام يقول: وصدٌ عن المسجد الحرام). [تفسير القرآن العظيم: 1/386]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وإخراج أهله منه
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ: وإخراج أهله منه إخراج أهل المسجد الحرام.
أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان بن عبد الرّحمن عن قتادة: وإخراج أهله منه قال: إخراج محمّدٍ وأصحابه من مكّة، أكبر عند اللّه من القتال في الشّهر الحرام). [تفسير القرآن العظيم: 1/386]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: أكبر عند اللّه
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ: يعني قوله: أكبر عند اللّه أكبر من القتال الّذي أصاب أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن الزّهريّ، وعثمان الجزريّ، عن مقسمٍ مولى ابن عبّاسٍ: وإخراج أهله منه أكبر من قتلكم عمروا الحضرميّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/386]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: والفتنة
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن أبي الرّبيع، ثنا عبد اللّه بن إدريس ثنا محمّد بن إسحاق، عن الزّهريّ ويزيد بن رومان عن عروة بن الزّبير: والفتنة أكبر من القتل أي: قد كانوا يفتنونكم في دينكم وأنتم في حرمة اللّه، حتّى تكفروا بعد إيمانكم، فهذا أكبر عند اللّه من أن تقتلوهم في الشّهر الحرام). [تفسير القرآن العظيم: 1/386]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: أكبر من القتل
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن أبي بكرٍ المقدّميّ، ثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه، حدّثني الحضرميّ، عن أبي السّوّار، عن جندب بن عبد اللّه، قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رهطًا فلقوا ابن الحضرميّ فقتلوه. فقال المشركون للمسلمين: قتلتم في الشّهر الحرام، إلى قوله: والفتنة أكبر من القتل قال: من الشّرك.
وروي عن ابن عمر، قال: والفتنة أكبر من القتل قال: من الشّرك). [تفسير القرآن العظيم: 1/387]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ولا يزالون يقاتلونكم
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: ولا يزالون يقاتلونكم كفّار قريشٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/387]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: حتّى يردّوكم عن دينكم
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ عن مجاهدٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/387]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ولا يزالون يقاتلونكم كفار قريش.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة، قال محمّدٌ، فيما حدّثنا الزّهريّ ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزّبير: ولا يزالون يقاتلونكم حتّى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا أي: هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه، غير تائبين ولا نازعين). [تفسير القرآن العظيم: 1/387]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافرٌ فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً أنبأ ابن وهبٍ، حدّثني عبد اللّه بن عيّاشٍ، عن أبي صخرٍ، عن محمّد بن كعبٍ، قوله: ومن يرتدد منكم عن دينه قال: من يرتدّ عن الحق). [تفسير القرآن العظيم: 1/387]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون
قد تقدم تفسيره. آية 39). [تفسير القرآن العظيم: 1/388]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وذلك أن رجلا من بني تميم أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فلقي
[تفسير مجاهد: 104]
ابن الحضرمي يحمل خمرا من الطائف إلى مكة فرماه بسهم فقتله وذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة وأول يوم من رجب وكان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش عهد فقالت قريش أفي الشهر الحرام قتلتهم ولنا عهد فأنزل الله عز وجل يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير إلى قوله وإخراج أهله منه يقول كل هذا أكبر من قتل ابن الحضرمي ثم قال الفتنة يعني الكفر بالله وعبادة الأوثان أكبر من هذا كله). [تفسير مجاهد: 105]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن حصين ابن عبد الرحمن عن أبي مالك قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش وناسا من المسلمين إلى المشركين فلقوهم ببطن نخلة والمسلمون يرون أنه آخر يوم من جمادى وهو أول يوم من رجب فقتلوا عمرا بن الحضرمي فقال لهم المشركون ألستم تزعمون أنكم تحرمون الشهر الحرام وقد قتلتم فيه فأنزل الله عز وجل يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه إلى قوله وإخراج أهله منه يقول هذا كله أكبر عند الله من الذي استنكرتم والفتنة التي أنتم مقيمون عليها يعني الشرك أكبر من القتل أي من قتل ابن الحضرمي). [تفسير مجاهد: 105]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله
[تفسير مجاهد: 105]
ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا يعني كفار قريش). [تفسير مجاهد: 106]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه} [البقرة: 217].
تقدّم حديث هذه الآية في أواخر المغازي والسّير في أبواب البعوث والسّرايا). [مجمع الزوائد: 6/319]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا محمّد بن موسى القطّان الواسطيّ، ثنا خالدٌ، عن أبي سعيدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ} [البقرة: 217] قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عبد اللّه بن فلانٍ في سريّةٍ، فلقوا عمرو بن الحضرميّ ببطن نخلة، قال: وذكر الحديث بطوله). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/41]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أشد من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخره وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون * إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في
[الدر المنثور: 2/534]
سننه بسند صحيح عن جندب بن عبد الله عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة بن الجراح أو عبيدة بن الحرث فلما ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وبعث مكانه عبد الله بن جحش وكتب له كتابا وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا وقال: لا تكرهن أحدا على السير معك من أصحابك فلما قرأ الكتاب استرجع وقال: سمعا وطاعة لله ولرسوله فخبرهم الخبر وقرأ عليهم الكتاب فرجع رجلان ومضى بقيتهم فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو جمادى فقال المشركون للمسلمين: قتلتم في الشهر الحرام فأنزل الله {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} الآية، فقال بعضهم إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر فأنزل الله {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم}.
وأخرج البزار عن ابن عباس في قوله {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن فلان في سرية فلقوا عمرو بن الحضرمي ببطن نخلة فذكر الحديث
[الدر المنثور: 2/535]
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال إن المشركين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وردوه عن المسجد الحرام في شهر حرام ففتح الله على نبيه في شهر حرام
من العام المقبل فعاب المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم القتال في شهر حرام فقال الله {قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله} من القتال فيه وأن محمدا صلى الله عليه وسلم بعث سرية فلقوا عمرو بن الحضرمي وهو مقبل من الطائف في آخر ليلة من جمادى وأول ليلة من رجب وأن أصحاب محمد كانوا يظنون أن تلك الليلة من جمادى وكانت أول رجب ولم يشعروا فقتله رجل منهم وأخذوا ما كان معه وأن المشركين أرسلوا يعيرونه بذلك فقال الله {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير} وغيره أكبر منه {وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام} وإخراج أهل المسجد الحرام منه أكبر من الذي أصاب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والشرك أشد منه.
وأخرج ابن إسحاق حدثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزل فيما كان من مصاب عمرو بن الحضرمي {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} إلى آخر الآية.
وأخرج ابن منده، وابن عساكر من طريق عكرمة عن ابن عباس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعث صفوان بن بيضاء في سرية عبد الله بن جحش قبل الأبواء
[الدر المنثور: 2/536]
فغنموا وفيهم نزلت {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} الآية.
وأخرج ابن جرير من طريق السدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية وكانوا سبعة نفر عليهم عبد الله بن جحش الأسدي وفيهم عمار بن ياسر وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وسعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان السلمي حليف لبني نوفل أو سهيل بن بيضاء وعامر بن فهيرة وواقد بن عبد الله اليربوعي حليف لعمر بن الخطاب وكتب مع ابن جحش كتابا أمره أن لا يقرأه حتى ينزل ملل فلما نزل ببطن ملل فتح الكتاب فإذا فيه أن سر حتى تنزل بطن نخلة، قال لأصحابه: من كان يريد الموت فليمض وليوص فإني موص وماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار وتخلف عنه سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان أضلا راحلة لهما وسار ابن جحش إلى بطن نخلة فإذا هم بالحكم بن كيسان وعبد الله بن المغيرة بن عثمان وعمرو الحضرمي فاقتتلوا فأسروا الحكم بن كيسان وعبد الله بن المغيرة وانقلب المغيرة وقتل عمرو الحضرمي قتله واقد بن عبد الله فكانت أول غنيمة غنمها
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلما رجعوا إلى المدينة بالأسيرين وما غنموا من الأموال قال المشركون: محمد يزعم أنه يتبع طاعة الله وهو أول من استحل الشهر
[الدر المنثور: 2/537]
الحرام فأنزل الله {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير} لا يحل وما صنعتم أنتم يا معشر المشركين أكبر من القتل في الشهر الحرام حين كفرتم بالله وصددتم عنه محمدا {والفتنة} وهي الشرك أعظم عند الله من القتل في الشهر الحرام فذلك قوله {وصد عن سبيل الله وكفر به} الآية.
وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد قال أن رجلا من بني تميم أرسله النّبيّ صلى الله عليه وسلم في سرية فمر بابن الحضرمي يحمل خمرا من الطائف إلى مكة فرماه بسهم فقتله وكان بين قريش ومحمد فقتله في آخر يوم من جمادى الآخرة وأول يوم من رجب، فقالت قريش: في الشهر الحرام ولنا عهد فأنزل الله {قل قتال فيه كبير} الآية، يقول: كفر به وعبادة الأوثان أكبر من قتل ابن الحضرمي.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن أبي مالك الغفاري قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش فلقي ناسا من المشركين ببطن
[الدر المنثور: 2/538]
نخلة والمسلمون يحسبون أنه آخر يوم من جمادى وهو أول يوم من رجب فقتل المسلمون ابن الحضرمي، فقال المشركون: ألستم تزعمون أنكم تحرمون الشهر الحرام والبلد الحرام وقد قتلتم في الشهر الحرام فأنزل الله {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} إلى قوله {أكبر عند الله} من الذي استكبرتم من قتل ابن الحضرمي {والفتنة} التي أنتم عليها مقيمون يعني الشرك {أكبر من القتل}.
وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق الزهري عن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية من المسلمين وأمر عليهم عبد الله بن جحش الأسدي فانطلقوا حتى هبطوا نخلة فوجدوا عمرو بن الحضرمي في عير تجارة لقريش في يوم بقي من الشهر الحرام فاختصم المسلمون فقال قائل منهم: هذه غرة من عدو وغنم رزقتموه ولا ندري أمن الشهر الحرام هذا اليوم أم لا، وقال قائل: لا نعلم اليوم إلا من الشهر الحرام ولا نرى أن تستحلوه لطمع أشفقتم عليه فغلب على الأمر الذين يريدون عرض الدنيا فشدوا على ابن الحضرمي فقتلوه وغنموا عيره، فبلغ ذلك كفار قريش وكان ابن الحضرمي أول قتيل قتل بين المسلمين والمشركين فركب وفد كفار قريش
حتى قدموا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقالوا: أتحل القتال في الشهر الحرام فأنزل الله عز وجل !
[الدر المنثور: 2/539]
{يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله} إلى آخر الآية، فحدثهم الله في كتابه: إن القتال في الشهر الحرام حرام كما كان وإن الذين يستحلون من المؤمنين هو أكبر من ذلك فمن صدهم عن سبيل الله حين يسخمونهم ويعذبونهم ويحبسونهم أن يهاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفرهم بالله وصدهم للمسلمين عن المسجد الحرام في الحج والعمرة والصلاة فيه وإخراجهم أهل المسجد الحرام وهم سكانه من المسلمين وفتنهم إياهم عن الدين فبلغنا أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم عقل ابن الحضرمي وحرم الشهر الحرام كما كان يحرمه حتى أنزل الله عز وجل (براءة من الله ورسوله) (التوبة الآية 1).
وأخرج عبد الرزاق وأبو داود في ناسخه، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن الزهري ومقسم قالا لقي واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي أول ليلة من رجب وهو يرى أنه من جمادى فقتله فأنزل الله {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} الآية، قال الزهري: فكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا يحرم القتال في الشهر الحرام ثم أحل بعد.
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي من طريق يزيد بن رومان عن عروة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش إلى نخلة
[الدر المنثور: 2/540]
فقال له: كن بها حتى تأتينا بخبر من أخبار قريش ولم يأمره بقتال وذلك في الشهر الحرام وكتب له كتابا قبل أن يعلمه أنه يسير فقال: اخرج أنت وأصحابك حتى إذا سرت يومين فافتح كتابك وانظر فيه فما أمرتك به فامض له ولا تستكرهن أحدا من أصحابك على الذهاب معك فلما سار يومين فتح الكتاب فإذا فيه: أن امض حتى تنزل نخلة فتأتينا من أخبار قريش بما تصل إليك منهم، فقال لأصحابه حين قرأ الكتاب: سمعا وطاعة من كان منكم له رغبة في الشهادة فلينطلق معي فإني ماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كره ذلك منكم فليرجع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاني أن أستكره منكم أحدا فمضى معه القوم حتى إذا كانوا بنجران أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يتعقبانه فتخلفا عليه يطلبانه، ومضى القوم حتى نزلوا نخلة فمر بهم عمرو بن الحضرمي والحكم بن كيسان
وعثمان والمغيرة بن عبد الله معهم تجارة قد مروا بها من الطائف إلى مكة أدم وزيت فلما رآهم القوم أشرف لهم واقد بن عبد الله وكان قد حلق رأسه فلما رأوه حليقا قال عمار: ليس عليكم منهم بأس وائتمر القوم بهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخر يوم من جمادى
[الدر المنثور: 2/541]
فقالوا: لئن قتلتوهم إنكم لتقتلونهم في الشهر الحرام ولئن تركتموهم ليدخلن في هذه الليلة حرم مكة فيمتنعن منكم، فأجمع القوم على قتلهم فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي فقتله واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان وهرب المغيرة فأعجزهم، واستاقوا العير فقدموا بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: والله ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام فأوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسيرين والعير فلم يأخذ منها شيئا فلما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد سقط في أيديهم وظنوا أن قد هلكوا وعنفهم إخوانهم من المسلمين وقالت قريش حين بلغهم أمر هؤلاء: قد سفك محمد الدم الحرام وأخذ المال وأسر الرجال واستحل الشهر الحرام فأنزل الله {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} الآية، فلما نزل ذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العير وفدى الأسيرين، فقال المسلمون: يا رسول الله أتطمع أن يكون لنا غزوة فأنزل الله {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله} وكانوا ثمانية وأميرهم التاسع عبد الله بن جحش.
وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} قال: يقول: يسألونك عن قتال فيه قال: وكذلك كان يقرؤها (عن قتال فيه)
[الدر المنثور: 2/542]
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءة عبد الله ((يسألونك عن الشهر الحرام عن قتال فيه)).
وأخرج ابن أبي داود عن عكرمة، أنه كان يقرأ هذا الحرف (قتل فيه).
وأخرج عن عطاء بن ميسرة قال: أحل القتال في الشهر الحرام في براءة في قوله (فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة) (التوبة الآية 36).
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري، أنه سئل عن هذه الآية فقال: هذا شيء منسوخ ولا بأس بالقتال في الشهر الحرام.
وأخرج النحاس في ناسخه من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: قوله {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} أي في الشهر الحرام، قال {قتال فيه كبير} أي عظيم فكان القتال محظورا حتى نسخه آية السيف في براءة (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) (التوبة الآية 5) فأبيح القتال في الأشهر الحرام وفي غيرها.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر {والفتنة أشد من القتل}
[الدر المنثور: 2/543]
قال: الشرك.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد {ولا يزالون يقاتلونكم} قال: كفار قريش). [الدر المنثور: 2/544]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه أولئك يرجون رحمة اللّه واللّه غفورٌ رحيمٌ}.
[جامع البيان: 3/666]
يعني بذلك جلّ ذكره: إنّ الّذين صدقوا باللّه وبرسوله، وبما جاء به.
وبقوله: {والّذين هاجروا} الّذين هجروا مساكنة المشركين في أمصارهم، ومجاورتهم في ديارهم، فتحوّلوا عنهم، وعن جوارهم وبلادهم إلى غيرها، هجرةً.. لمّا انتقل عنه إلى ما انتقل إليه. وأصل المهاجرة المفاعلة، من هجرة الرّجل الرّجل للشّحناء تكون بينهما، ثمّ تستعمل في كلّ من هجر شيئًا لأمرٍ كرهه منه. وإنّما سمّي المهاجرون من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مهاجرين لما وصفنا من هجرتهم دورهم ومنازلهم كراهةً منهم النّزول بين أظهر المشركين وفي سلطانهم، بحيث لا يأمنون فتنتهم على أنفسهم في ديارهم إلى الموضع الّذي يأمنون ذلك.
وأمّا قوله: {وجاهدوا} فإنّه يعني: وقاتلوا، وحاربوا وأصل المجاهدة المفاعلة، من قول الرّجل: قد جهد فلانٌ فلانًا على كذا، إذا كربه وشقّ عليه يجهده جهدًا. فإذا كان الفعل من اثنين كلّ واحدٍ منهما يكابد من صاحبه شدّةً، ومشقةً، قيل: فلانٌ يجاهد فلانًا، يعني أنّ كلّ واحدٍ منهما يفعل بصاحبه ما يجهده ويشقّ عليه، فهو يجاهده مجاهدةً وجهادًا.
وأمّا سبيل اللّه: فطريقه ودينه.
فمعنى قوله إذا {والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه} والّذين تحوّلوا من سلطان أهل الشّرك هجرةً لهم، وخوف فتنتهم على أديانهم، وحاربوهم في دين اللّه ليدخلوهم فيه، وفيما يرضي اللّه {أولئك يرجون رحمة اللّه} أي يطمعون أن يرحمهم اللّه فيدخلهم جنّته بفضل رحمته إيّاهم {واللّه غفورٌ} أي ساترٌ ذنوب عباده بعفوه عنها، متفضّلٌ عليهم بالرّحمة.
وهذه الآية أيضًا ذكر أنّها نزلت في عبد اللّه بن جحشٍ وأصحابه.
[جامع البيان: 3/667]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، أنّه حدّثه رجلٌ، عن أبي السّوّار، يحدّثه، عن جندب بن عبد اللّه، قال: لمّا كان من أمر عبد اللّه بن جحشٍ، وأصحابه، وأمر ابن الحضرميّ ما كان قال بعض المسلمين إن لم يكونوا أصابوا في سفرهم، أظنّه قال: وزرًا، فليس لهم فيه أجرٌ، فأنزل اللّه: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه أولئك يرجون رحمة اللّه واللّه غفورٌ رحيمٌ}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني الزّهريّ، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزّبير، قال: أنزل اللّه عزّ وجلّ القرآن بما أنزل من الأمر، وفرّج اللّه عن المسلمين في أمر عبد اللّه بن جحشٍ وأصحابه، يعني في قتلهم ابن الحضرميّ، فلمّا تجلّى عن عبد اللّه بن جحشٍ وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن، طعموا في الأجر، فقالوا: يا رسول اللّه أنطمع أن تكون لنا غزوةٌ نعطي فيها أجر المجاهدين؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيهم: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه أولئك يرجون رحمة اللّه واللّه غفورٌ رحيمٌ} فوقفهم اللّه من ذلك على أعظم الرّجاء.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ،
[جامع البيان: 3/668]
عن قتادة، قال: أثنى اللّه على أصحاب نبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أحسن الثّناء، فقال: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه أولئك يرجون رحمة اللّه واللّه غفورٌ رحيمٌ} هؤلاء خيار هذه الأمّة، ثمّ جعلهم اللّه أهل رجاءٍ كما تسمعون، وأنّه من رجا طلب ومن خاف هرب.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله). [جامع البيان: 3/669]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه أولئك يرجون رحمة اللّه واللّه غفورٌ رحيمٌ (218) يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون (219)
قوله تعالى: إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله
- حدّثنا أبي، ثنا المقدّميّ، ثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، حدّثني الحضرميّ، عن أبي السّوّار، عن جندب بن عبد اللّه، قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رهطًا، وبعث عليهم عبد اللّه بن جحشٍ، فقال بعض المشركين: إن لم يكونوا أصابوا وزرًا فليس لهم أجرٌ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه أولئك يرجون رحمت الله والله غفورٌ رّحيمٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/388]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: أولئك يرجون رحمت اللّه
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا عبد اللّه بن جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع بن أنسٍ، قوله: أولئك يرجون رحمت اللّه قال: هؤلاء خيار هذه الأمّة، ثمّ جعلهم اللّه أهل رجاءٍ. إنّه من رجا طلب، ومن خاف، هرب.
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن أبي الرّبيع، ثنا ابن إدريس، ثنا ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان والزّهريّ، عن عروة بن الزّبير قال: فلمّا فرّج اللّه عن المسلمين من أهل تلك السّريّة، ما كانوا فيه من غمٍّ، ما أصابوا طمعوا فيما عند اللّه من ثوابه، فقالوا: يا نبيّ اللّه، أتطمع لنا أن تكون غزوةٌ نعطى فيها أجر المجاهدين في سبيل اللّه؟ فأنزل اللّه تعالى إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه أولئك يرجون رحمت الله والله غفورٌ رّحيمٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/388]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: واللّه غفورٌ رحيمٌ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: ثمّ رجع إلى أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فغفر لهم فقال: إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم). [تفسير القرآن العظيم: 1/388]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله {أولئك يرجون رحمة الله} قال: هؤلاء خيار هذه الأمة ثم جعلهم الله أهل رجاء، إنه من رجا طلب ومن خاف هرب.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال: هؤلاء خيار هذه الأمة جعلهم الله أهل رجاء كما تسمعون). [الدر المنثور: 2/544]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م, 03:31 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لّكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لّكم وعسى أن تحبّوا شيئاً وهو شرٌّ لّكم واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون}
قال: {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لّكم}.
وقال بعضهم {حملته أمه كرها}.
وقال بعضهم: {كرها} وهما لغتان: مثل "الغسل" و"الغسل"، و"الضعف" و"الضّعف" إلا أنه قد قال بعضهم أنه إذا كان في موضع المصدر كان "كرهاً" كما تقول: "لا تقوم إلا كرهاً" وتقول: "لا تقوم إلا على كرهٍ" وهما سواء مثل "الرّهب" و"الرّهب".
وقال بعضهم: "الرّهب" كما قالوا: "البخل" و"البخل" و"البخل".
وإنما قال: {كرهٌ لكم} أي: ذو كرهٍ وحذف "ذو".
كما قال: {وسئل القرية}).
[معاني القرآن: 1/137-138]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو جعفر وشيبة ونافع {وهو كره لكم} بالضم، وينصبون غيرها، {كرها ووضعته كرها}؛ وقالوا في اللغة: كرهته كَرها وكُرها وكراهة، وكراهية وكراهين يا هذا؛ وفعلته كراهين أن تغضب). [معاني القرآن لقطرب: 269]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({كتب عليكم القتال} أي: فرض عليكم الجهاد،
{وهو كرهٌ لكم} أي: مشقّة).
[تفسير غريب القرآن: 82]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبّوا شيئا وهو شرّ لكم واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون}
معنى {كتب عليكم}: فرض عليكم، والكره يقال فيه كرهت الشيء كرها وكرها، وكراهة، وكراهية، وكل ما في كتاب الله عزّ وجلّ من الكره فالفتح جائز فيه، تقول الكره والكره إلا أن هذا الحرف الذي في هذا الآية - ذكر أبو عبيدة - أن الناس مجمعون على ضمه، كذلك قراءة أهل الحجاز وأهل الكوفة جميعا {وهو كره لكم} فضموا هذا الحرف.
ارتفع (كره) لأنه خبر الابتداء - وتأويله ذو كره - ومعنى كراهتهم القتال أنهم إنما كرهوه على جنس غلظه عليهم ومشقته، لا أن المؤمنين يكرهون فرض اللّه - عزّ وجلّ - لأن اللّه - عزّ وجلّ - لا يفعل إلا ما فيه الحكمة والصلاح.
وقوله: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم}.
{وهو خير لكم} يعني به ههنا القتال، فمعنى الخير فيه، أن من قتل فهو شهيد وهذا غاية الخير، وهو إن قتل مثاب (أيضا) وهادم أمر الكفر.
وهو مع ذلك يغنم، وجائز أن يستدعي دخول من يقاتله في الإسلام، لأن أمر قتال أهل الإسلام كله كان من الدلالات التي تثبت أمر النبوة - والإسلام، لأن الله أخبر أنّه ينصر دينه، ثم أبان النصر بأن العدد القليل يغلب العدد الكثير فهذا ما في القتال من الخير الذي كانوا كرهوه.
ومعنى: {وعسى أن تحبّوا شيئا وهو شرّ لكم}أي: عسى أن تحبوا القعود عن القتال فتحرموا ما وصف من الخير الذي في القتال). [معاني القرآن: 1/288-289]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم}
أكثر أهل التفسير على أن: الجهاد فرض وأن المعنى فرض عليكم القتال إلا أن بعضهم يكفي من بعض.
قال تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله}
قال أبو طلحة في قوله تعالى: {انفروا خفافا وثقالا} ما سمعت الله عذر أحدا.
إلا أن سفيان الثوري قال: الجهاد تطوع ومعنى {كتب عليكم القتال} على تفضيله.
ثم قال: {وهو كره لكم}
قال أبو إسحاق: التأويل وهو ذو كره لكم وكرهت الشيء كرها وكرها وكراهة وكراهية.
وقال الكسائي: كأن الكره من نفسك والكره بالفتح ما أكرهت عليه.
{وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم}أي: إن قتل كان شهيد وإن قتل أثيب وغنم وهدم أمر الكفر واستدعى بالقتال دخول من يقاتله في الإسلام.
{وعسى أن تحبوا شيئا} القعود عن القتال). [معاني القرآن: 1/166-167]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({كتب عليكم القتال} أي: فرض عليكم. و(الكره) بالضم: المشقة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 39]

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه...}
وهي في قراءة عبد الله "عن قتال فيه" فخفضته على نيّة (عن) مضمرة.
{قل قتالٌ فيه كبيرٌ وصدٌّ عن سبيل اللّه}
ففي الصدّ وجهان:
1- إن شئت جعلته مردودا على الكبير، تريد: قل القتال فيه كبير وصدّ عن سبيل الله وكفر به.
2- وإن شئت جعلت الصدّ كبيرا؛ تريد: قل القتال فيه كبير؛ وكبير الصدّ عن سبيل الله والكفر به.

{والمسجد الحرام} مخفوض بقوله: يسألونك عن القتال وعن المسجد. فقال الله تبارك وتعالى: {وإخراج أهله}، أهل المسجد {منه أكبر عند اللّه} من القتال في الشهر الحرام. ثم فسّر فقال تبارك وتعالى: {والفتنة} - يريد الشرك - أشدّ من القتال فيه). [معاني القرآن: 1/141]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه}مجرور بالجوار لما كان بعده (فيه) كنايةٌ للشهر الحرام، وقال الأعشى:
لقد كان في حولٍ ثواءٍ ثويته... تقضّى لباناتٍ ويسأم سائم
{حبطت أعمالهم} أي: بطلت وذهبت). [مجاز القرآن: 1/72-73]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ وصدٌّ عن سبيل اللّه وكفرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند اللّه والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتّى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافرٌ فأولـئك حبطت أعمالهم في الدّنيا والآخرة وأولـئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}
قال: {وصدٌّ عن سبيل اللّه}.
وقال: {وكفرٌ به والمسجد الحرام} على "وصدٌّ عن المسجد الحرام".
ثم قال: {وإخراج أهله منه أكبر} على الابتداء.
وقال: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافرٌ فأولـئك حبطت أعمالهم} فضعّف لأن أهل الحجاز إذا أسكنت لام الفعل ساكنة ضعفوا وهي ههنا ساكنة أسكنها بالجزاء.
وقال: {ومن يرتدّ منكم عن دينه فسوف} فلم يضاعف في لغة من لا يضاعف لأن من لا يضاعف كثير).
[معاني القرآن: 1/138]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {ومن يرتدد منكم عن دينه} العرب تقول في هذا المضاعف، إذا انضم ما قبله مثل: رد ومد، بثلاث لغات:
بعضهم يتبع الضمة الضمة؛ لأن الأصل الذي أدغمه الضم، إذا قالوا: أردد، أمرر.
وبعضهم يفتح فيقول: رد يا هذا، مر إليه؛ لما سكن الأول حرك لالتقاء الساكنين بفتح، كما قال: أين وكيف؛ لأنها أخف الحركات.
ومن كسر فقال: رد يا هذا؛ كسر على مثل: اضرب الرجل وخذ المال؛ لما تحرك لالتقاء الساكنين.
[معاني القرآن لقطرب: 355]
فإذا كان ما قبل الآخر مفتوحًا أو مكسورًا كانت فيه لغتان: الفتح والكسر؛ وذلك مثل: عض وشم ومس؛ وفي المكسور: فر وهر، ولم يحب يا هذا؛ وإن شئت: عض وفر وشم ولم يحب يا هذا؛ فتتبع الكسرة الكسرة، كما فعلت في الضمة، وتحرك أيضًا لالتقاء الساكنين بكسر فيمن قال: مر يا هذا.
ومن الإتباع في المائدة {من يرتد منكم} ففتح لالتقاء الساكنين؛ وكذلك {لا تضار والدة} {ولا يضار كاتب}.
وقد قال بعض العرب: عض ومر، وشم؛ فضم في المفتوح؛ وهو شاذ.
وقال يونس في هاء الإضمار إذا جاء بها: عضه وعضه، وعضها وعضها، ومد الرجل ومد الرجل، ولم يرفع مع الألف واللام؛ وقد رفع قوم.
وقال قوم: لم يرده ويرده ويرده، ثلاثهن؛ والضم أجود مع هذه الهاء لخفائها وضعفها.
وقال الراجز:
قال أبو ليلى لحبل مده
ثم إذا مددته فشده
إن أبا ليلى نسيج وحده
فكسر مع الهاء.
وقال آخر:
فغض الطرف إنك من نمير = فلا كعبا بلغت ولا كلابا
ففتح مع الألف واللام.
وقال آخر:
إذا سرى الساري ولم يعتمه
أصبح فيه شبه من أمه
[معاني القرآن لقطرب: 356]
في عظم الرأس وفي خرطمه
فكسر الميم في: "يعتم".
فهذا المدغم كله.
فإذا ضاعفت في هذا كله وذلك في المفتوح: اعضض؛ وفي المضموم: أمرر؛ وفي المكسور: افرر؛ وما أشبه ذلك.
وأهل الحجاز يضاعفون في هذا الجزم مثل: إن تردد أردد، وشبه ذلك، وإن تمرر أمرر؛ وإنما ضاعفوا لأن الثاني سكن فخف، ولو تحركا جميعًا لم يكن تضعيف ألبتة؛ مثل: رد ومر، والأصل: ردد ومرر؛ فلما تحركا، وكانا من مخرج واحد ثقل أن يرفعوا ألسنتهم عن الأول ثم يعودوا إلى الثاني بلا مهلة، وهو الأول؛ فيكون ذلك مكررًا قال أبو علي: - أحسبه حكي عن الخليل - فلذلك ثقل عليهم، كما يثقل عليهم إعادة الحديث الواحد مرتين.
وأما الذين قالوا: مرت وردت، فهي لغة لربيعة مرغوب عنها؛ وإنما فتح لأن الثاني من المضاعف ساكن سكونًا لازمًا، فحركه وأسكن المتحرك قبله من: رددت ومررت؛ وإذا قالوا اردد وامرر، الدال ليس سكونها بلازم، إنما هو سكون عارض للجزم.
وكذلك في قياس هؤلاء أن يقولوا: مرن، في جميع المؤنث، قد مرن وردن، في النساء يريد: مررن ورددن؛ لأن هذا مثل: مررت ورددت؛ وكذلك في قياسهم إذا قالوا: امررن وارددن يا نسوة، ثم أدغم؛ أن يقول: مرن، وردن يا نسوة، يضم على ضم الأول؛ كما قالوا امرر واردد.
وإن قالوا: اعضضن يا نسوة، قال في هذا القياس: عضن، ففتح على الإتباع؛ فإن قال: افررن يا نسوة، قال: فرن يا سنوة، على الإتباع.
ومن فتح "رد يا هذا"، أو كسره؛ قال: رد يا هذا، فإن القياس على قولهم، أن يقولوا: ردن يا نسوة، بالفتح وردن يا نسوة بالكسر؛ وإن كان هذا السكون في "رددن" من الدال الآخرة غير سكون "اردد"؛ لأن سكون "اردد" جزم لا يثبت.
[معاني القرآن لقطرب: 357]
وأما قوله: {حبطت أعمالهم} المصدر: حبط عمله حبطًا، وحبط يحبط حبوطًا؛ وهو من قولهم: حبط دم الرجل وطل؛ أي ذهب؛ وهو مطلول؛ وكذلك {حبطت أعمالهم}: بطلت وذهبت، وقالوا أيضًا في هذا اللفظ: حبط بطن الرجل: عظم من قدامه). [معاني القرآن لقطرب: 358]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({حبطت أعمالهم}: بطلت أعمالهم). [غريب القرآن وتفسيره: 92]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه} أي: يسألونك عن القتال في الشهر الحرام: هل يجوز؟ فأبدل قتالا من الشهر الحرام.
{قل قتالٌ فيه كبيرٌ} أي: القتال فيه عظيم عند اللّه. وتم الكلام.
ثم قال {وصدٌّ عن سبيل اللّه وكفرٌ به والمسجد الحرام} وخفض المسجد الحرام نسقا على سبيل اللّه. فكأنه قال: صدّ عن سبيل اللّه وعن المسجد الحرام، وكفر به، أي: باللّه.

{وإخراج أهله منه} أي: أهل المسجد منه، {أكبر عند اللّه} يريد: من القتال في الشهر الحرام.
{والفتنة أكبر من القتل} أي: الشرك أعظم من القتل.
{حبطت أعمالهم} أي: بطلت). [تفسير غريب القرآن: 82]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصدّ عن سبيل اللّه وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند اللّه والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتّى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدّنيا والآخرة وأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}
{قتال} مخفوض على البدل من الشهر الحرام.
المعنى: يسألونك عن قتال في الشهر الحرام، وقد فسرنا ما في هذه الآية فيما مضى من الكتاب.
ورفع {قل قتال فيه كبير} {قتال} مرتفع بالابتداء، و {كبير} خبره.
ورفع {وصدّ عن سبيل اللّه وكفر به} على الابتداء، وخبر هذه الأشياء {أكبر عند اللّه} والمعنى: وصد عن سبيل اللّه، وكفر به، وإخراج أهل المسجد الحرام منه أكبر عند اللّه، أي: أعظم إثما.
{والفتنة أكبر من القتل}أي: والكفر أكبر من القتل، المعنى وهذه الأشياء كفر، والكفر أكبر من القتل.
وقوله عزّ وجلّ: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر}.
يرتدد جزم بالشرط، والتضعيف يظهر مع الجزم، لسكون الحرف الثاني - وهو أكثر في اللغة - وقرئ: {يا أيها الذين امنوا من يرتدّ} بالإدغام والفتح وهي قراءة الناس إلا أهل المدينة فإن في مصحفهم من يرتدد وكلاهما صواب، والذي في سورة البقرة لا يجوز فيه إلا من يرتدد لإطباق أهل الأمصار على إظهار التضعيف وكذلك هو في مصاحفهم، والقراءة سنة لا تخالف، إذا كان في كل المصحف الحرف على صورة لم تجز القراءة بغيره.
ويجوز أن تقول: من يرتدّ منكم فتكسر لالتقاء السّاكنين إلا أن الفتح أجود لانفتاح التاء، وإطباق القراء عليه). [معاني القرآن: 1/289-290]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير}.
روى سعيد عن قتادة قال: فكان القتال فيه كبيرا كما قال تعالى ثم نسخ في براءة: {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة}.
روى أبو السيار عن جندب بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة بن الحارث أو عبيدة بن الحارث فلما ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث عبد الله بن جحش وكتب له كتابا وأمره لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا وقال: ((لا تكرهن أصحابك على المسير)) فلما بلغ المكان قرأ الكتاب فاسترجع وقال: سمعا وطاعة لله ورسوله، قال: فرجع رجلان ومضى بقيتهم فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب، فقال المشركون: قتلتم في الشهر الحرام فأنزل الله تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام} الآية.
وقيل إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر فأنزل الله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله} إلى آخر الآية.
قال مجاهد: {قل قتال فيه كبير} أي: عظيم.
وتم الكلام ثم ابتداء فقال: {وصد عن سبيل الله وكفر به} أي: بالله.
{والمسجد الحرام} أي: وصد عن المسجد الحرام

{وإخراج أهله منه} يعني: المسجد الحرام {أكبر عند الله} من القتل في الشهر الحرام {والفتنة أكبر من القتل}
قال الشعبي: أي: الكفر والمعنى أفعالكم هذه كفر والكفر أكبر من القتل في الشهر الحرام). [معاني القرآن: 1/168-170]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}
قال مجاهد: يعني كفار قريش). [معاني القرآن: 1/170]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({حبطت أعمالهم} أي: بطلت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({حَبِطَتْ}: بطلت). [العمدة في غريب القرآن: 90]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه أولئك يرجون رحمت اللّه واللّه غفور رحيم}
{الذين} نصب بأنّ، و {أولئك} رفع بالابتداء، و {يرجون} خبر {أولئك} و{أولئك يرجون} خبر {إنّ الذين} - وإنما قيل في المؤمنين المجاهدين ههنا أنهم إنما يرجون رحمة اللّه لأنهم عند أنفسهم غير بالغين ما يجب للّه عليهم، ولا يعملون ما يختمون به أمرهم.
وجملة ما أخبر الله به عن المؤمنين العاملين الصالحات أنّهم يجازون بالجنة.
قال الله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أولئك هم خير البريّة (7) جزاؤهم عند ربّهم جنّات عدن} ). [معاني القرآن: 1/290-291]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {أولئك يرجون رحمة الله}
ومعنى يرجون رحمة الله وقد مدحهم أنهم لا يدرون ما يختم لهم به). [معاني القرآن: 1/170]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 2 جمادى الآخرة 1434هـ/12-04-2013م, 11:32 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) }

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (الظن يقين وشك، ومن اليقين قول ابن مقبل:


ظن بهم كعسى وهم بتنوفةيـتـنـازعـون جــوائـــز الأمــثـــال

وجوائب أيضًا. يقول: اليقين منهم كعسى وعسى شك). [الغريب المصنف: 2/629] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (كتاب إلى معزول وكتب رجلٌ إلى معزول: فإن أكثر الخير فيما يقع بكره العباد، لقول اللّه عزّ وجلّ. {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئًا وهو شرٌ لكم} وقال أيضًا: {فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل اللّه فيه خيرًا كثيرًا} وعندك بحمد اللّه من المعرفة بتصاريف الأمور، والاستدلال بما كان منها على ما يكون، مغنىً عن الإكثار في القول. وقد بلغني انصرافك عن العمل على الحال التي انصرفت عليها من رضا رعيّتك ومحبّتهم وحسن ثنائهم وقولهم، لما بقيّت من الأثر الجميل عند صغيرهم وكبيرهم، وخلّفت من عدلك وحسن سيرتك في الداني منهم والقاصي من بلدهم؛ فكانت نعمة اللّه عليك في ذلك وعلينا، نعمةً جلّ قدرها ووجب شكرها. فالحمد للّه على ما أعطاك، ومنح فيك أولياءك وأرغم به أعداك، ومكّن لك من الحال عند من ولاّك؛ فقد أصبحنا نعتدّ صرفك عن عملك منحًا مجدّدًا، يجب به تهنئتك، كما يجب التوجّع لغيرك). [عيون الأخبار: 7/72]

قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (وعسى لها معنيان متضادان: أحدهما الشك والطمع، والآخر اليقين، قال الله عز وجل: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم}، معناه ويقين أن ذاك يكون.
وقال بعض المفسرين: عسى في جميع كتاب الله جل وعز واجبة
وقال غيره: عسى في القرآن واجبة إلا في موضعين: في سورة بني إسرائيل: {عسى ربكم أن يرحمكم}، يعني بني النضير، فما رحمهم ربهم، بل قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوقع العقوبة بهم. وفي سورة التحريم: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن}، فما أبدله الله بهن أزواجا ولابن منه، حتى قبض عليه السلام.
وقال تميم بن أبي في كون «عسى» إيجابا:


ظن بهم كعسى وهم بتنوفةيـتـنـازعـون جــوائـــز الأمــثـــال

أراد ظن بهم كيقين. ويروى: «سوائر الأمثال»، ويروى: «جوائب الأمثال».
وأنشد أبو العباس:


عسى الكرب الذي أمسيت فيهيــــكــــون وراءه فـــــــــرج قــــريـــــب

فـ«عسى» في هذا البيت على معنى الشك). [كتاب الأضداد: 22-23]

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا بابٌ من الفعل يستعمل في الاسم
ثم يبدل مكان ذلك الاسم اسمٌ آخر فيعمل فيه كما عمل في الأوّل
وذلك قولك رأيت قومك أكثرهم ورأيت بني زيد ثلثيهم ورأيت بني عمّك ناساً منهم ورأيت عبد الله شخصه وصرفت وجوهها أوّلها.
فهذا يجيء على وجهين:
على أنّه أراد رأيت أكثر قومك ورأيت ثلثي قومك وصرفت وجوه أوّلها ولكنّه ثنّى الاسم توكيداً كما قال جلّ ثناؤه: {فسجد الملائكة كلّهم
أجمعون} وأشباه ذلك. فمن ذلك قوله عزّ وجلّ: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه} وقال الشاعر:


وذكــرت تقـتـد بـــرد مـائـهـاوعتك البول على أنسائها

ويكون على الوجه الآخر الذي أذكره لك وهو أن يتكلّم فيقول رأيت قومك ثم يبدو له أن يبين ما الذي رأى منهم فيقول ثلثيهم أو ناساً منهم. ولا يجوز أن تقول رأيت زيدا أباه والأب غير زيد لأنّك لا تبينّه بغيره ولا بشيء ليس منه. وكذلك لا تثنى الاسم توكيداً وليس بالأوّل ولا شيء منه فإنّما تثنيه وتؤكده مثنًّى بما هو منه أو هو هو. وإنّما يجوز رأيت زيداً أباه
ورأيت زيدا عمراً أن يكون أراد أن يقول رأيت عمرا أو رأيت أبا زيد فغلط أو نسى ثم استدرك كلامه بعد وإمّا أن يكون أضرب عن ذلك فنحّاه وجعل عمراً مكانه. فأمّا الأوّل فجيّدٌ عربي مثله قوله عزّ وجلّ: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} لأنهم من الناس. ومثله إلاّ أنّهم أعادوا حرف الجرّ: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم} ). [الكتاب: 1/150-152] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما بدل المعرفة من المعرفة فكقولك: مررت بأخيك عبد الله.
ونظير بدل المعرفة من المعرفة نحو قول الله عز وجل: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم}.
وبدل المعرفة من النكرة كقولك: مررت برجل زيد. كأنك نحيت الرجل ووضعت زيدا مكانه. فكأنك قلت: مررت بزيد، لأن ذلك الرجل هو زيد في المعنى: ونظير هذا قول الله: {وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم صراط الله}.
وبدل النكرة من المعرفة كقولك: مررت بزيد رجل صالح، وضعت الرجل في موضع زيد، لأنه هو في المعنى. ونظير هذا قول الله عز وجل: {لنسفعن بالناصية * ناصيةٍ كاذبةٍ}.
وأما بدل بعض الشيء منه للتبيين فنحو قولك: ضربت زيدا رأسه وجاءني قومك بعضهم أراد أن يبين الموضع الذي وقع الضرب به منه، وأن يعلمك أن بعض القوم جاء لا كلهم. ومن ذلك قول الله عز وجل: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} لأن فرض الحج إنما وقع منهم على المستطيع.
وقد يجوز أن يبدل الشيء من الشيء إذا اشتمل عليه معناه، لأنه يقصد قصد الثاني، نحو قولك: سلب زيدٌ ثوبه، لأن معنى سلب: أخذ ثوبه، فأبدل منه لدخوله في المعنى.
ولو نصبت الثوب كان أجود إذا لم ترد البدل.
ومثل ذلك قول الله عز وجل: {يسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه}، لأن المسألة وقعت عن القتال. ومثل ذلك قول الأعشى ينشد كما أصف لك:


لقد كان في حولٍ ثواءٍ ثويتهتقضـي لبـانـاتٍ ويـسـأم سـائـم

). [المقتضب: 1/164-165] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والبدل على أربعة أضرب: فواحد منها أن يبدل أحد الاسمين من الآخر إذا رجعا إلى واحد، ولا تبالي أمعرفتين كانا أم معرفة ونكرة، وتقول: مررت بأخيك زيد، لأن زيدًا رأسه. لما قلت: ضربت زيدًا، أردت أن تبين موضع الضرب منه.
فمثل الأول قول الله تبارك وتعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}. وقوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ}. و{لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ}.
ومثل البدل الثاني قوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} «من» في موضع خفض، لأنها بدل من الناس، ومثله، إلا أنه أعيد حرف الخفض: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ}.
والبدل الثالث مثل ما ذكرنا في البيت، أبدل: "شمائله" منه، وهي غيره، لاشتمال المعنى عليها، ونظير ذلك: أسألك عن زيد أمره. لأن السؤال عن الأمر وتقول على هذا: سلب زيد ثوبه، فالثوب غيره، ولكن به وقع السلب، كما وقعت المسألة عن خبر زيد، ونظير ذلك من القرآن: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ}. لأن المسألة إنما كانت عن القتال: هل يكون في الشهر الحرام? وقال الشاعر وهو الأخطل:


إن الـسـيــوف غــدوهــا ورواحــهـــاتركت هوازن مثل قرن الأعضب

وبدل رابع، لا يكون مثله في القرآن ولا في الشعر، وهو أن يغلط المتكلم فيستدرك غلطه، أو ينسى فيذكر فيرجع إلى حقيقة ما يقصد له، وذلك قوله: مررت بالمسجد دار زيد، أراد أن يقول: مررت بدار زيد، فإما نسي، وإما غلط، فاستدرك فوضع الذي قصد له في موضع الذي غلط فيه). [الكامل: 2/905-907] (م)
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} قال: عن قتال فيه، كما تقول ضربت الرجل رأسه). [مجالس ثعلب: 40]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 11:39 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 11:39 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 11:39 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 11:39 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وكتب معناه فرض، وقد تقدم مثله، وهذا هو فرض الجهاد، وقرأ قوم «كتب عليكم القتل».
وقال عطاء بن أبي رباح: «فرض القتال على أعيان أصحاب محمد، فلما استقر الشرع وقيم به صار على الكفاية»، وقال جمهور الأمة: «أول فرضه إنما كان على الكفاية دون تعيين».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «واستمر الإجماع على أن الجهاد على أمة محمد فرض كفاية، فإذا قام به من قام من المسلمين سقط عن الباقين، إلا أن ينزل العدو بساحة للإسلام، فهو حينئذ فرض عين»، وذكر المهدوي وغيره عن الثوري أنه قال: «الجهاد تطوع». وهذه العبارة عندي إنما هي على سؤال سائل وقد قيم بالجهاد. فقيل له: ذلك تطوع وال كرهٌ بضم الكاف الاسم، وفتحها المصدر.
وقال قوم «الكره» بفتح الكاف ما أكره المرء عليه، و «الكره» ما كرهه هو.
وقال قوم: هما بمعنى واحد.
وقوله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئاً} الآية، قال قوم عسى من الله واجبة، والمعنى عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقة وهو خيرٌ لكم في أنكم تغلبون وتظهرون وتغنمون وتؤجرون، ومن مات مات شهيدا، وعسى أن تحبّوا الدعة وترك القتال وهو شرٌّ لكم في أنكم تغلبون وتذلون ويذهب أمركم، وفي قوله تعالى واللّه يعلم الآية قوة أمر).[المحرر الوجيز: 1/ 519-520]

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {يسألونك عن الشّهر الحرام} الآية، نزل في قصة عمرو بن الحضرمي، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية عليها عبد الله بن جحش الأسدي مقدمه من بدر الأولى، فلقوا عمرو بن الحضرمي ومعه عثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل المخزوميان والحكم بن كيسان في آخر يوم من رجب على ما ذكر ابن إسحاق، وفي آخر يوم من جمادى الآخرة على ما ذكره الطبري عن السدي وغيره. والأول أشهر، على أن ابن عباس قد ورد عنه أن ذاك كان في أول ليلة من رجب والمسلمون يظنونها من جمادى، وأن القتل في الشهر الحرام لم يقصدوه، وأما على قول ابن إسحاق فإنهم قالوا إن تركناهم اليوم دخلوا الحرم فأزمعوا قتالهم، فرمى واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، وأسر عثمان بن عبد الله والحكم، وفر نوفل فأعجزهم، واستسهل المسلمون هذا في الشهر الحرام خوف فوتهم، فقالت قريش: محمد قد استحل الأشهر الحرم، وعيروا بذلك، وتوقف النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «ما أمرتكم بقتال في الأشهر الحرم»، فنزلت هذه الآية».
وذكر المهدوي أن سبب هذه الآية: «أن عمرو بن أمية الضمري قتل رجلين من بني كلاب في رجب فنزلت»، وهذا تخليط من المهدوي. وصاحبا عمرو كان عندهما عهد من النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمرو قد أفلت من قصة بئر معونة، وذكر الصاحب بن عباد في رسالته المعروفة بالأسدية أن عبد الله بن جحش سمي أمير المؤمنين في ذلك الوقت، لكونه مؤمرا على جماعة من المؤمنين.
وقتالٍ بدل عند سيبويه، وهو بدل الاشتمال.
وقال الفراء: هو خفض بتقدير عن.
وقال أبو عبيدة «هو خفض على الجوار»، وقوله هذا خطأ، وفي مصحف عبد الله بن مسعود «يسألونك عن الشهر الحرام عن قتال فيه» بتكرير عن، وكذلك قرأها الربيع والأعمش، وقرأ عكرمة «عن الشهر الحرام قتل فيه قل قتل» دون ألف فيهما، والشّهر في الآية اسم الجنس، وكانت العرب قد جعل الله لها الشّهر الحرام قواما تعتدل عنده، فكانت لا تسفك دما ولا تغير في الأشهر الحرم، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، وروى جابر بن عبد الله: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يغزو فيها إلا أن يغزى، فذلك قوله تعالى: {قل قتالٌ فيه كبيرٌ}»، وصدٌّ مبتدأ مقطوع مما قبله، والخبر أكبر، والمسجد معطوف على سبيل اللّه، وهذا هو الصحيح.
وقال الفراء: صدٌّ عطف على كبيرٌ، وذلك خطأ، لأن المعنى يسوق إلى أن قوله وكفرٌ به عطف أيضا على كبيرٌ، ويجيء من ذلك أن إخراج أهل المسجد منه أكبر من الكفر عند الله، وهذا بين فساده، ومعنى الآية على قول الجمهور: «إنكم يا كفار قريش تستعظمون علينا القتال في الشهر الحرام، وما تفعلون أنتم من الصد عن سبيل الله لمن أراد الإسلام ومن كفركم بالله وإخراجكم أهل المسجد عنه كما فعلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أكبر جرما عند الله».
وقال الزهري ومجاهد وغيرهما: «قوله قل قتالٌ فيه كبيرٌ منسوخ بقوله: {وقاتلوا المشركين كافّةً} [التوبة: 36]، وبقوله: {فاقتلوا المشركين} [التوبة: 5]».
وقال عطاء: «لم تنسخ، ولا ينبغي القتال في الأشهر الحرم»، وهذا ضعيف.
وقوله تعالى: {والفتنة أكبر من القتل} المعنى عند جمهور المفسرين، والفتنة التي كنتم تفتنون المسلمين عن دينهم حتى يهلكوا أشد اجتراما من قتلكم في الشهر الحرام، وقيل: المعنى والفتنة أشد من أن لو قتلوا ذلك المفتون، أي فعلكم على كل إنسان أشد من فعلنا.
وقال مجاهد وغيره: «الفتنة هنا الكفر أي كفركم أشد من قتلنا أولئك».
قوله عز وجل: {ولا يزالون يقاتلونكم حتّى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافرٌ فأولئك حبطت أعمالهم في الدّنيا والآخرة وأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون (217) إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه أولئك يرجون رحمت اللّه واللّه غفورٌ رحيمٌ (218) يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون (219)}
قوله تعالى: {ولا يزالون} ابتداء خبر من الله- عز وجل- وتحذير منه للمؤمنين من شر الكفرة، ويردّوكم نصب ب حتّى لأنها غاية مجردة، وقوله تعالى: {ومن يرتدد} أي يرجع عن الإسلام إلى الكفر، قالت طائفة من العلماء: يستتاب المرتد فإن تاب وإلا قتل.
وقال عبيد بن عمير وطاوس والحسن- على خلاف عنه- والشافعي في أحد قوليه: «يقتل دون أن يستتاب»، وروي نحو هذا عن أبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ومقتضى قولهما إنه يقال له للحين: راجع، فإن أبى ذلك قتل»، وقال عطاء ابن أبي رباح: «إن كان المرتد ابن مسلمين قتل دون استتابة وإن كان أسلم ثم ارتد استتيب، وذلك لأنه يجهل من فضل الإسلام ما لا يجهل ابن المسلمين»، واختلف القائلون بالاستتابة: فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «يستتاب ثلاثة أيام». وبه قال مالك وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي والشافعي في أحد قوليه.
وقال الزهري: «يدعى إلى الإسلام فإن تاب وإلا قتل».
وروي عن علي أبي طالب رضي الله عنه أنه استتاب مرتدا شهرا فأبى فقتله، وقال النخعي والثوري: «يستتاب محبوسا أبدا»، قال ابن المنذر: «واختلفت الآثار عن عمر في هذا الباب».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «كان رضي الله عنه ينفذ بحسب جرم ذلك المرتد أو قلة جرمه المقترن بالردة، وحبط العمل إذا انفسد في آخره فبطل»، وقرأ أبو السمال «حبطت» بفتح الباء في جميع القرآن.
وقال علي بن أبي طالب والحسن والشعبي والحكم والليث وأبو حنيفة وإسحاق بن راهويه: «ميراث المرتد لورثته من المسلمين»، وقال مالك وربيعة وابن أبي ليلى والشافعي وأبو ثور: «ميراثه في بيت المال»، وأجمع الناس على أن ورثته من أهل الكفر لا يرثونه إلا شذوذا، روي عن عمر بن عبد العزيز وعن قتادة، وروي عن عمر بن عبد العزيز خلافه). [المحرر الوجيز: 1/ 520-525]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا} الآية، قال جندب بن عبد الله وعروة بن الزبير وغيرهما: «لما قتل واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي في الشهر الحرام توقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أخذ خمسه الذي وفق في فرضه له عبد الله بن جحش وفي الأسيرين، فعنف المسلمون عبد الله بن جحش وأصحابه حتى شق ذلك عليهم، فتلافاهم الله عز وجل بهذه الآية في الشهر الحرام، ثم بذكرهم والإشارة إليهم في قوله: {إنّ الّذين آمنوا}، ثم هي باقية في كل من فعل ما ذكر الله عز وجل».
وهاجر الرجل إذا انتقل نقلة إقامة من موضع إلى موضع وقصد ترك الأول إيثارا للثاني، وهي مفاعلة من هجر، ومن قال المهاجرة الانتقال من البادية إلى الحاضرة فقد أوهم بسبب أن ذلك كان الأغلب في العرب، وليس أهل مكة مهاجرين على قوله، وجاهد مفاعلة من جهد إذا استخرج الجهد، ويرجون معناه يطمعون ويستقربون، والرجاء تنعم، والرجاء أبدا معه خوف ولا بد، كما أن الخوف معه رجاء، وقد يتجوز أحيانا ويجيء الرجاء بمعنى ما يقارنه من الخوف، كما قال الهذلي:
إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها ....... وحالفها في بيت نوب عوامل
وقال الأصمعي: «إذا اقترن حرف النفي بالرجاء كان بمعنى الخوف»، كهذا البيت، وكقوله عز وجل: {لا يرجون لقاءنا} [سورة يونس: الآيات: 7- 11- 15، سورة الفرقان: الآية 21]، المعنى لا يخافون، وقد قيل: إن الرجاء في الآية على بابه، أي لا يرجون الثواب في لقائنا، وبإزاء ذلك خوف العقاب، وقال قوم: اللفظة من الأضداد دون تجوز في إحدى الجهتين، وليس هذا بجيد، وقال الجاحظ في كتاب البلدان: «إن معنى قوله لم يرج لسعها أي لم يرج برء لسعها وزواله، فهو يصبر عليه»، وباقي الآية وعد). [المحرر الوجيز: 1/ 525-526]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 11:40 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 11:40 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري


تفسير قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئًا وهو شرٌّ لكم واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون (216)}
هذا إيجابٌ من اللّه تعالى للجهاد على المسلمين: أن يكفّوا شرّ الأعداء عن حوزة الإسلام.
وقال الزّهريّ: «الجهاد واجبٌ على كلّ أحدٍ، غزا أو قعد؛ فالقاعد عليه إذا استعين أن يعين، وإذا استغيث أن يغيث، وإذا استنفر أن ينفر، وإن لم يحتج إليه قعد».
قلت: ولهذا ثبت في الصّحيح «من مات ولم يغز، ولم يحدّث نفسه بغزوٍ مات ميتةً جاهليّةً». وقال عليه السّلام يوم الفتح: «لا هجرة، ولكن جهادٌ ونيّة، إذا استنفرتم فانفروا».
وقوله: {وهو كرهٌ لكم} أي: شديدٌ عليكم ومشقّةٌ. وهو كذلك، فإنّه إمّا أن يقتل أو يجرح مع مشقّة السّفر ومجالدة الأعداء.
ثمّ قال تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم} أي: لأنّ القتال يعقبه النّصر والظّفر على الأعداء، والاستيلاء على بلادهم، وأموالهم، وذراريهم، وأولادهم.
{وعسى أن تحبّوا شيئًا وهو شرٌّ لكم} وهذا عامٌّ في الأمور كلّها، قد يحبّ المرء شيئًا، وليس له فيه خيرةٌ ولا مصلحةٌ. ومن ذلك القعود عن القتال، قد يعقبه استيلاء العدوّ على البلاد والحكم.
ثمّ قال تعالى: {واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون} أي: هو أعلم بعواقب الأمور منكم، وأخبر بما فيه صلاحكم في دنياكم وأخراكم؛ فاستجيبوا له، وانقادوا لأمره، لعلّكم ترشدون). [تفسير ابن كثير: 1/ 572-573]

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ وصدٌّ عن سبيل اللّه وكفرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند اللّه والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتّى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافرٌ فأولئك حبطت أعمالهم في الدّنيا والآخرة وأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون (217) إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه أولئك يرجون رحمة اللّه واللّه غفورٌ رحيمٌ (218)}
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا محمّد بن أبي بكرٍ المقدّميّ، حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، حدّثني الحضرمي، عن أبي السّوار، عن جندب بن عبد اللّه: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث رهطًا، وبعث عليهم أبا عبيدة بن الجرّاح أو عبيدة بن الحارث فلمّا ذهب ينطلق، بكى صبابة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فجلس، فبعث عليهم مكانه عبد اللّه بن جحشٍ، وكتب له كتابًا، وأمره ألا يقرأ الكتاب حتّى يبلغ مكان كذا وكذا، وقال: لا تكرهنّ أحدًا على السّير معك من أصحابك. فلمّا قرأ الكتاب استرجع، وقال: سمعًا وطاعةً للّه ولرسوله. فخبّرهم الخبر، وقرأ عليهم الكتاب، فرجع رجلان، وبقي بقيّتهم، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه، ولم يدروا أنّ ذلك اليوم من رجبٍ أو من جمادى. فقال المشركون للمسلمين: قتلتم في الشّهر الحرام! فأنزل اللّه: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ} الآية».
وقال السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ -وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ: «{يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ} وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث سريّة، وكانوا سبعة نفرٍ، عليهم عبد اللّه بن جحش الأسديّ، وفيهم عمّار بن ياسرٍ، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وسعد بن أبي وقّاص، وعتبة بن غزوان السّلمي -حليفٌ لبني نوفل -وسهيل بن بيضاء، وعامر بن فهيرة، وواقد بن عبد اللّه اليربوعي، حليفٌ لعمر بن الخطّاب. وكتب لابن جحشٍ كتابًا، وأمره ألّا يقرأه حتّى ينزل بطن ملل فلمّا نزل بطن ملل فتح الكتاب، فإذا فيه: أن سر حتّى تنزل بطن نخلة. فقال لأصحابه: من كان يريد الموت فليمض وليوص، فإنّني موص وماضٍ لأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فسار، فتخلّف عنه سعد بن أبي وقّاص، وعتبة، وأضلّا راحلةً لهما فأتيا بحران يطلبانها، وسار ابن جحشٍ إلى بطن نخلة، فإذا هو بالحكم بن كيسان، والمغيرة بن عثمان، وعمرو بن الحضرميّ، وعبد اللّه بن المغيرة. وانفلت ابن المغيرة، فأسروا الحكم بن كيسان والمغيرة وقتل عمرو، قتله واقد بن عبد اللّه. فكانت أوّل غنيمةٍ غنمها أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. فلمّا رجعوا إلى المدينة بالأسيرين وما أصابوا المال، أراد أهل مكّة أن يفادوا الأسيرين، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «حتّى ننظر ما فعل صاحبانا» فلمّا رجع سعدٌ وصاحبه، فادى بالأسيرين، ففجر عليه المشركون وقالوا: إنّ محمّدًا يزعم أنّه يتبع طاعة اللّه، وهو أوّل من استحلّ الشّهر الحرام، وقتل صاحبنا في رجبٍ. فقال المسلمون: إنّما قتلناه في جمادى -وقيل: في أوّل رجبٍ، وآخر ليلةٍ من جمادى -وغمد المسلمون سيوفهم حين دخل شهر رجبٍ. فأنزل اللّه يعيّر أهل مكّة: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ} لا يحلّ، وما صنعتم أنتم يا معشر المشركين أكبر من القتل في الشّهر الحرام، حين كفرتم باللّه، وصددتم عنه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، وإخراج أهل المسجد الحرام منه، حين أخرجوا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أكبر من القتل عند اللّه».
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: «{يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ} وذلك أنّ المشركين صدّوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وردوه عن المسجد الحرام في شهرٍ حرامٍ، ففتح اللّه على نبيّه في شهرٍ حرام من العام المقبل. فعاب المشركون على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم القتال في شهرٍ حرامٍ. فقال اللّه: {وصدٌّ عن سبيل اللّه وكفرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر} من القتال فيه. وأنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم بعث سريّةً فلقوا عمرو بن الحضرميّ، وهو مقبلٌ من الطّائف في آخر ليلةٍ من جمادى، وأوّل ليلةٍ من رجبٍ. وأنّ أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم كانوا يظنّون أنّ تلك اللّيلة من جمادى، وكانت أوّل رجبٍ ولم يشعروا، فقتله رجلٌ منهم وأخذوا ما كان معه. وأنّ المشركين أرسلوا يعيّرونه بذلك. فقال اللّه: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ} وغير ذلك أكبر منه: صدّ عن سبيل اللّه، وكفرٌ به والمسجد الحرام، وإخراج أهله منه، إخراج أهل المسجد الحرام أكبر من الذي أصاب أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، والشّرك أشدّ منه».
وهكذا روى أبو سعد البقّال، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «أنّها أنزلت في سريّة عبد اللّه بن جحشٍ، وقتل عمرو بن الحضرميّ».
وقال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن السّائب الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: «نزل فيما كان من مصاب عمرو بن الحضرميّ: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه} إلى آخر الآية».
وقال عبد الملك بن هشامٍ راوي السّيرة، عن زياد بن عبد اللّه البكّائيّ، عن محمّد بن إسحاق بن يسارٍ المدنيّ، رحمه اللّه، في كتاب السّيرة له، أنّه قال: «وبعث -يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -عبد اللّه بن جحش بن رئابٍ الأسديّ في رجبٍ، مقفله من بدرٍ الأولى، وبعث معه ثمانية رهطٍ من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحدٌ، وكتب له كتابًا، وأمره ألّا ينظر فيه حتّى يسير يومين ثمّ ينظر فيه، فيمضي لما أمره به، ولا يستكره من أصحابه أحدًا. وكان أصحاب عبد اللّه بن جحشٍ من المهاجرين. ثمّ من بني عبد شمس بن عبد منافٍ: أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد منافٍ، ومن حلفائهم: عبد اللّه بن جحشٍ، وهو أمير القوم، وعكّاشة بن محصن بن حرثان، أحد بني أسد ابن خزيمة، حليفٌ لهم. ومن بني نوفل بن عبد منافٍ: عتبة بن غزوان بن جابرٍ، حليفٌ لهم. ومن بني زهرة بن كلابٍ: سعد بن أبي وقّاصٍ. ومن بني عديّ بن كعبٍ: عامر بن ربيعة، حليفٌ لهم من عنز بن وائلٍ، وواقد بن عبد اللّه بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوعٍ، أحد بني تميمٍ، حليفٌ لهم. وخالد بن البكير أحد بني سعد بن ليثٍ، حليفٌ لهم. ومن بني الحارث بن فهر: سهيل بن بيضاء. فلمّا سار عبد اللّه بن جحشٍ يومين فتح الكتاب فنظر فيه فإذا فيه: «إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتّى تنزل نخلة، بين مكّة والطّائف، ترصد بها قريشًا، وتعلم لنا من أخبارهم». فلمّا نظر عبد اللّه بن جحشٍ في الكتاب قال: سمعًا وطاعةً. ثمّ قال لأصحابه: قد أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن أمضي إلى نخلة، أرصد بها قريشًا، حتّى آتيه منهم بخبرٍ، وقد نهاني أن أستكره أحدًا منكم. فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، فأمّا أنا فماضٍ لأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلّف عنه منهم أحدٌ.
فسلك على الحجاز، حتّى إذا كان بمعدن، فوق الفرع، يقال له: بحران أضلّ سعد بن أبي وقّاصٍ وعتبة بن غزوان بعيرًا لهما، كانا يعتقبانه، فتخلّفا عليه في طلبه، ومضى عبد اللّه بن جحشٍ وبقيّة أصحابه حتّى نزل بنخلة، فمرّت به عيرٌ لقريشٍ تحمل زبيبًا وأدمًا وتجارةً من تجارة قريشٍ، فيها: عمرو بن الحضرميّ، وعثمان بن عبد اللّه بن المغيرة، وأخوه نوفل بن عبد اللّه المخزوميّان، والحكم بن كيسان، مولى هشام بن المغيرة.
فلمّا رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريبًا منهم، فأشرف لهم عكّاشة بن محصنٍ، وكان قد حلق رأسه، فلمّا رأوه أمنوا وقالوا: عمّار، لا بأس عليكم منهم. وتشاور القوم فيهم، وذلك في آخر يومٍ من رجبٍ، فقال القوم: واللّه لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلنّ الحرم، فليمتنعنّ منكم به، ولئن قتلتموهم لتقتلنّهم في الشّهر الحرام. فتردّد القوم، وهابوا الإقدام عليهم، ثمّ شجّعوا أنفسهم عليهم، وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم، وأخذ ما معهم. فرمى واقد بن عبد اللّه التّميميّ عمرو بن الحضرميّ بسهمٍ فقتله، واستأسر عثمان بن عبد اللّه والحكم بن كيسان، وأفلت القوم نوفل بن عبد اللّه فأعجزهم. وأقبل عبد اللّه بن جحشٍ وأصحابه بالعير والأسيرين، حتّى قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة».
قال ابن إسحاق: «وقد ذكر بعض آل عبد اللّه بن جحشٍ: أنّ عبد اللّه قال لأصحابه: إنّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ممّا غنمنا الخمس، وذلك قبل أن يفرض اللّه الخمس من المغانم، فعزل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خمس العير، وقسم سائرها بين أصحابه».
قال ابن إسحاق: فلمّا قدموا على رسول اللّه قال: «ما أمرتكم بقتالٍ في الشّهر الحرام». فوقّف العير والأسيرين، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئًا، فلمّا قال ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أسقط في أيدي القوم، وظنّوا أنّهم قد هلكوا، وعنّفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا. وقالت قريشٌ: قد استحلّ محمّدٌ وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدّم، وأخذوا فيه الأموال، وأسروا فيه الرّجال. فقال من يردّ عليهم من المسلمين ممّن كان بمكّة: إنّما أصابوا ما أصابوا في شعبان.
وقالت: يهود تفاءل بذلك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: عمرو بن الحضرميّ قتله واقد بن عبد اللّه: عمرٌو: عمرت الحرب، والحضرميّ: حضرت الحرب، وواقد بن عبد اللّه: وقدت الحرب. فجعل اللّه عليهم ذلك لا لهم.
فلمّا أكثر النّاس في ذلك أنزل اللّه على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ وصدٌّ عن سبيل اللّه وكفرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند اللّه والفتنة أكبر من القتل} أي: إن كنتم قتلتم في الشّهر الحرام فقد صدّوكم عن سبيل اللّه مع الكفر به، وعن المسجد الحرام، وإخراجكم منه وأنتم أهله أكبر عند اللّه من قتل من قتلتم منهم، {والفتنة أكبر من القتل} أي: قد كانوا يفتنون المسلم في دينه، حتّى يردّوه إلى الكفر بعد إيمانه فذلك أكبر عند الله من القتل: {ولا يزالون يقاتلونكم حتّى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا} أي: ثمّ هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه، غير تائبين ولا نازعين.
قال ابن إسحاق: فلمّا نزل القرآن بهذا من الأمر، وفرّج اللّه عن المسلمين ما كانوا فيه من الشّفق قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم العير والأسيرين، وبعثت إليه قريشٌ في فداء عثمان بن عبد اللّه، والحكم بن كيسان، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا نفديكموهما حتّى يقدم صاحبانا -يعني سعد بن أبي وقّاصٍ وعتبة ابن غزوان -فإنّا نخشاكم عليهما، فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم». فقدم سعدٌ وعتبة، فأفداهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منهم.
فأمّا الحكم بن كيسان فأسلم وحسن إسلامه، وأقام عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدًا. وأمّا عثمان بن عبد اللّه فلحق بمكّة، فمات بها كافرًا.
قال ابن إسحاق: فلمّا تجلّى عن عبد اللّه بن جحشٍ وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن، طمعوا في الأجر، فقالوا: يا رسول اللّه، أنطمع أن تكون لنا غزوةٌ نعطى فيها أجر المجاهدين المهاجرين ؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه أولئك يرجون رحمة اللّه واللّه غفورٌ رحيمٌ} فوضعهم اللّه من ذلك على أعظم الرّجاء».
قال ابن إسحاق: والحديث في هذا عن الزّهريّ، ويزيد بن رومان، عن عروة.
وقد روى يونس بن بكير، عن محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان، عن عروة بن الزّبير قريبًا من هذا السّياق. وروى موسى بن عقبة عن الزّهريّ نفسه، نحو ذلك.
وروى شعيب بن أبي حمزة، عن الزّهريّ، عن عروة بن الزّبير نحوًا من هذا أيضًا، وفيه: «فكان ابن الحضرميّ أوّل قتيلٍ قتل بين المسلمين والمشركين، فركب وفدٌ من كفّار قريشٍ حتّى قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالمدينة فقالوا: أيحلّ القتال في الشّهر الحرام؟ فأنزل اللّه: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه} الآية». وقد استقصى ذلك الحافظ أبو بكرٍ البيهقيّ في كتاب "دلائل النّبوّة".
ثمّ قال ابن هشامٍ عن زيادٍ، عن ابن إسحاق: «وقد ذكر عن بعض آل عبد اللّه بن جحشٍ أنّ اللّه قسم الفيء حين أحلّه، فجعل أربعة أخماسٍ لمن أفاءه، وخمسًا إلى اللّه ورسوله. فوقع على ما كان عبد اللّه بن جحشٍ صنع في تلك العير».
قال ابن هشامٍ: «وهي أوّل غنيمةٍ غنمها المسلمون. وعمرو بن الحضرميّ أوّل من قتل المسلمون، وعثمان بن عبد اللّه، والحكم بن كيسان أوّل من أسر المسلمون».
قال ابن إسحاق: «فقال أبو بكرٍ الصّدّيق، رضي اللّه عنه، في غزوة عبد اللّه بن جحشٍ، ويقال: بل عبد اللّه بن جحشٍ قالها، حين قالت قريشٌ: قد أحلّ محمّدٌ وأصحابه الشّهر الحرام، فسفكوا فيه الدّم، وأخذوا فيه المال، وأسروا فيه الرّجال».
قال ابن هشامٍ: «هي لعبد اللّه بن جحشٍ:

تعدّون قتلا في الحرام عظيمةً ....... وأعظم منه لو يرى الرّشد راشد
صدودكم عمّا يقول محمّدٌ ....... وكفرٌ به واللّه راءٍ وشاهد
وإخراجكم من مسجد اللّه أهله ....... لئلّا يرى للّه في البيت ساجد
فإنّا وإن عيّرتمونا بقتله ....... وأرجف بالإسلام باغٍ وحاسد
سقينا من ابن الحضرميّ رماحنا ....... بنخلة لمّا أوقد الحرب واقد
دمًا وابن عبد اللّه عثمان بيننا ....... ينازعه غلٌّ من القدّ عاند). [تفسير ابن كثير: 1/ 573-578]


تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال ابن إسحاق: «فلمّا تجلّى عن عبد اللّه بن جحشٍ وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن، طمعوا في الأجر، فقالوا: يا رسول اللّه، أنطمع أن تكون لنا غزوةٌ نعطى فيها أجر المجاهدين المهاجرين ؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه أولئك يرجون رحمة اللّه واللّه غفورٌ رحيمٌ} فوضعهم اللّه من ذلك على أعظم الرّجاء».
قال ابن إسحاق: والحديث في هذا عن الزّهريّ، ويزيد بن رومان، عن عروة.
وقد روى يونس بن بكير، عن محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان، عن عروة بن الزّبير قريبًا من هذا السّياق. وروى موسى بن عقبة عن الزّهريّ نفسه، نحو ذلك). [تفسير ابن كثير: 1/ 577] (م)


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:21 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة