تفسير قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ وما تفعلوا من خيرٍ يعلمه اللّه وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى واتّقون يا أولي الألباب (197) ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم فإذا أفضتم من عرفاتٍ فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضّالّين (198)}
وقوله تعالى: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ}، في الكلام حذف تقديره: أشهر الحج أشهر، أو: وقت الحج أشهر، أو: وقت عمل الحج أشهر، والغرض إنما هو أن يكون الخبر عن الابتداء هو الابتداء نفسه، والحج ليس بالأشهر فاحتيج إلى هذه التقديرات، ومن قدر الكلام: الحج في أشهر، فيلزمه مع سقوط حرف الجر نصب الأشهر، ولم يقرأ بنصبها أحد.
وقال ابن مسعود وابن عمر وعطاء والربيع ومجاهد والزهري: «أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو لحجة كله».
وقال ابن عباس والشعبي والسدي وإبراهيم: «هي شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة»، والقولان لمالك رحمه الله، حكى الأخير ابن حبيب، وجمع على هذا القول الأخير الاثنان وبعض الثالث كما فعلوا في جمع عشر فقالوا عشرون لعشرين ويومين من الثالث، وكما قال امرؤ القيس: ثلاثون شهرا في ثلاثة أحوال فمن قال إن ذا الحجة كله من أشهر الحج لم ير دما فيما يقع من الأعمال بعد يوم النحر لأنها في أشهر الحج، وعلى القول الآخر ينقضي الحج بيوم النحر ويلزم الدم فيما عمل بعد ذلك.
وقوله تعالى: {فمن فرض فيهنّ الحجّ} أي من ألزمه نفسه، وأصل الفرض الحز الذي يكون في السهام والقسي وغيرها، ومنه فرضة النهر والجبل، فكأن من التزم شيئا وأثبته على نفسه قد فرضه، وفرض الحج هو بالنية والدخول في الإحرام، والتلبية تبع لذلك، ومن رفع بالابتداء، ومعناها الشرط، والخبر قوله فرض لأن من ليست بموصولة فكأنه قال فرجل فرض، وقوله فلا رفث يحتمل أن يكون الخبر، وتكون فرض صفة.
وقوله تعالى: {فيهنّ} ولم يجىء الكلام فرض فيها: فقال قوم: هما سواء في الاستعمال.
وقال أبو عثمان المازني: «الجمع الكثير لما لا يعقل يأتي كالواحدة المؤنثة، والقليل ليس كذلك، تقول الأجذاع انكسرن والجذوع انكسرت»، ويؤيد ذلك قوله تعالى: {إنّ عدّة الشّهور} [التوبة: 36]، ثم قال: «منها»، وقرأ نافع «فلا رفث ولا فسوق ولا جدال» بنصب الجميع، وهي قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «فلا رفث ولا فسوق ولا جدال» بالرفع في الاثنين ونصب الجدال، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع بالرفع في الثلاثة، ورويت عن عاصم في بعض الطرق، ولا بمعنى ليس في قراءة الرفع وخبرها محذوف على قراءة أبي عمرو، وفي الحجّ خبر لا جدال، وحذف الخبر هنا هو مذهب أبي علي، وقد خولف في ذلك، بل في الحجّ هو خبر الكل، إذ هو في موضع رفع في الوجهين، لأن لا إنما تعمل على بابها فيما يليها وخبرها مرفوع باق على حاله من خبر الابتداء، وظن أبو علي أنها بمنزلة ليس في نصب الخبر، وليس كذلك، بل هي والاسم في موضع الابتداء يطلبان الخبر، وفي الحجّ هو الخبر في قراءة كلها بالرفع وفي قراءتها بالنصب، والتحرير أن في الحجّ في موضع نصب بالخبر المقدر كأنك قلت موجود في الحج، ولا فرق بين الآية وبين قولك زيد في الدار.
وقال ابن عباس وابن جبير والسدي وقتادة ومالك ومجاهد وغيرهم: «الرفث الجماع».
وقال عبد الله بن عمر وطاوس وعطاء وغيرهم: الرفث الإعراب والتعريب، وهو الإفحاش بأمر الجماع عند النساء خاصة، وهذا قول ابن عباس أيضا، وأنشد وهو محرم:
وهنّ يمشين بنا هميسا ....... إن تصدق الطّير ننك لميسا
فقيل له: «ترفث وأنت محرم؟ فقال: «إنما الرفث ما كان عند النساء» وقال قوم: الرفث الإفحاش بذكر النساء كان ذلك بحضرتهن أم لا، وقد قال ابن عمر للحادي: «لا تذكر النساء».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا يحتمل أن تحضر امرأة فلذلك نهاه»، وإنما يقوي القول من جهة ما يلزم من توقير الحج.
وقال أبو عبيدة: «الرفث اللغا من الكلام»، وأنشد:
وربّ أسراب حجيج كظم ....... عن اللّغا ورفث التّكلّم
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ولا حجة في البيت، وقرأ ابن مسعود «ولا رفوث».
وقال ابن عباس وعطاء والحسن وغيرهم: «الفسوق المعاصي كلها لا يختص بها شيء دون شيء».
وقال ابن عمر وجماعة معه: «الفسوق المعاصي في معنى الحج كقتل الصيد وغيره».
وقال ابن زيد ومالك: «الفسوق الذبح للأصنام، ومنه قول الله تعالى:{أو فسقاً أهلّ لغير اللّه به} [الأنعام: 145] ».
وقال الضحاك: «الفسوق التنابز بالألقاب، ومنه قول الله تعالى: {بئس الاسم الفسوق} [الحجرات: 11] ».
وقال ابن عمر أيضا ومجاهد وعطاء وإبراهيم: «الفسوق السباب، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وعموم جميع المعاصي أولى الأقوال».
وقال قتادة وغيره: «الجدال هنا السباب».
وقال ابن مسعود وابن عباس وعطاء ومجاهد: «الجدال هنا أن تماري مسلما حتى تغضبه».
وقال مالك وابن زيد: «الجدال هنا أن يختلف الناس أيهم صادف موقف إبراهيم عليه السلام كما كانوا يفعلون في الجاهلية حين كانت قريش تقف في غير موقف سائر العرب ثم يتجادلون بعد ذلك».
وقال محمد بن كعب القرظي: «الجدال أن تقول طائفة حجنا أبر من حجكم وتقول الأخرى مثل ذلك».
وقالت فرقة: الجدال هنا أن تقول طائفة: الحج اليوم وتقول طائفة بل الحج غدا، وقيل: الجدال كان في الفخر بالآباء.
وقال مجاهد وجماعة معه: «الجدال أن تنسئ العرب الشهور حسبما كان النسيء عليه، فقرر الشرع وقت الحج وبينه، وأخبر أنه حتم لا جدال فيه»، وهذا أصح الأقوال وأظهرها، والجدال مأخوذ من الجدل وهو الفتل، كأن كل مجادل يفاتل صاحبه في الكلام. وأما ما كان النسيء عليه فظاهر سير ابن إسحاق وغيرها من الدواوين أن الناسئ كان يحل المحرم لئلا تتوالى على العرب ثلاثة أشهر لا إغارة فيها، ويحرم صفر، وربما سموه المحرم، وتبقى سائر الأشهر بأسمائها حتى يأتي حجهم في ذي الحجة على الحقيقة، وأسند الطبري عن مجاهد أنه قال: كانوا يسقطون المحرم ثم يقولون صفران لصفر وشهر ربيع الأول، ثم كذلك ينقلون أسماء الشهور، ويتبدل وقت الحج في الحقيقة، لكنه يبقى في ذي الحجة بالتسمية لا في حقيقة الشهر، قال: فكان حج أبي بكر سنة تسع في ذي القعدة على الحقيقة ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر في ذي الحجة على الحقيقة، وحينئذ قال: «إن الزمان قد استدار» الحديث، ونزلت ولا جدال في الحجّ أي قد تبين أمره فلا ينتقل شهر البتة أبدا.
وقوله تعالى: {وما تفعلوا من خيرٍ يعلمه اللّه} المعنى فيثيب عليه، وفي هذا تخصيص على فعل الخير.
وقوله تعالى: {وتزوّدوا} الآية، قال ابن عمر وعكرمة ومجاهد وقتادة وابن زيد: «نزلت الآية في طائفة من العرب كانت تجيء إلى الحج بلا زاد ويقول بعضهم: نحن المتوكلون، ويقول بعضهم: كيف نحج بيت الله ولا يطعمنا، فكانوا يبقون عالة على الناس، فنهوا عن ذلك وأمروا بالتزود».
وقال بعض الناس: المعنى تزودوا الرفيق الصالح، وهذا تخصيص ضعيف، والأولى في معنى الآية: وتزودوا لمعادكم من الأعمال الصالحة، وفي قوله تعالى: {فإنّ خير الزّاد التّقوى} حض على التقوى، وخص أولو الألباب بالخطاب وإن كان الأمر يعم الكل لأنهم الذين قامت عليهم حجة الله وهم قابلو أوامره والناهضون بها، وهذا على أن اللب لب التجارب وجودة النظر، وإن جعلناه لب التكليف فالنداء ب أولي الألباب عام لجميع المكلفين، واللب العقل، تقول العرب لببت بضم الباء الأولى ألب بضم اللام، حكاه سيبويه، وليس في الكلام فعل يفعل بضم العين فيهما غير هذه الكلمة). [المحرر الوجيز: 1/ 480-487]
تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ليس عليكم جناحٌ} الآية، الجناح أعم من الإثم لأنه فيما يقتضي العقاب وفيما يقتضي العتاب والزجر، وتبتغوا معناه تطلبون بمحاولتكم.
وقال ابن عمر وابن عباس ومجاهد وعطاء: «إن الآية نزلت لأن العرب تحرجت لما جاء الإسلام أن يحضروا أسواق الجاهلية كعكاظ وذي المجاز ومجنة، فأباح الله تعالى ذلك، أي لا درك في أن تتجروا وتطلبوا الربح».
وقال مجاهد: «كان بعض العرب لا يتجرون مذ يحرمون، فنزلت الآية في إباحة ذلك».
وقال ابن عمر فيمن أكرى ليحج: «حجه تام ولا حرج عليه في ابتغاء الكراء»، وقرأ ابن عباس وابن مسعود وابن الزبير: «ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج».
وقوله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفاتٍ} أجمع أهل العلم على تمام حج من وقف بعرفة بعد الزوال وأفاض نهارا قبل الليل إلا مالك بن أنس، فإنه قال: «لا بد أن يأخذ من الليل شيئا، وأما من وقف بعرفة بالليل فلا خلاف بين الأمة في تمام حجه» وأفاض القوم أو الجيش إذا اندفعوا جملة، ومنه أفاض الرجل في الكلام، ومنه فاض الإناء، وأفضته، ومنه المفيض في القداح، والتنوين في عرفات على حده في مسلمات، الكسرة مقابلة للياء في مسلمين والتنوين مقابل للنون، فإذا سميت به شخصا ترك، وهو معرف على حده قبل أن تسمي به، فإن كان عرفاتٍ اسما لتلك البقعة كلها فهو كما ذكرناه، وإن كان جمع عرفة فهو كمسلمات دون أن يسمى به، وحكى سيبويه كسر التاء من «عرفات» دون تنوين في حال النصب والخفض مع التعريف، وحكى الكوفيون فتحها في حال النصب والخفض تشبيها بتاء فاطمة وطلحة، وسميت تلك البقعة عرفاتٍ لأن إبراهيم عرفها حين رآها على ما وصفت له، قاله السدي.
وقال ابن عباس: «سميت بذلك لأن جبريل عليه السلام كان يقول لإبراهيم عليه السلام: هذا موضع كذا، فيقول قد عرفت»، وقيل: سميت بذلك لأن آدم عرف بها حواء حين لقيها هناك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «والظاهر أنه اسم مرتجل كسائر أسماء البقاع، وعرفة هي نعمان الأراك»، وفيها يقول الشاعر:
تزودت من نعمان عود أراكة ....... لهند ولكن من يبلغه هندا؟
والمشعر الحرام جمع كله، وهو ما بين جبلي المزدلفة من حد مفضى مأزمي عرفة، قال ذلك ابن عباس وابن جبير والربيع وابن عمر ومجاهد، فهي كلها مشعر إلى بطن محسر، كما أن عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة، بفتح الراء وضمها، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة، والمزدلفة كلها مشعر، إلا وارتفعوا عن بطن محسر» وذكر هذا عبد الله بن الزبير في خطبته، وفي المزدلفة قرن قزح الذي كانت قريش تقف عليه، وذكر الله تعالى عند المشعر الحرام ندب عند أهل العلم.
وقال مالك: «من مر به ولم ينزل فعليه دم»، وقال الشافعي: «من خرج من مزدلفة قبل نصف الليل فعليه دم، وإن كان بعد نصف الليل فلا شيء عليه»
وقال الشعبي والنخعي: «من فاته الوقوف بمزدلفة فاته الحج».
وقوله: {واذكروه كما هداكم} تعديد للنعمة وأمر بشكرها، ثم ذكرهم بحال ضلالهم ليظهر قدر الإنعام، والكاف في كما نعت لمصدر محذوف، وأن مخففة من الثقيلة، ويدل على ذلك دخول اللام في الخبر، هذا قول سيبويه.
وقال الفراء: «هي النافية بمعنى ما، واللام بمعنى إلّا»، والضمير في قبله عائد على الهدي). [المحرر الوجيز: 1/ 487-489]
تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس واستغفروا اللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (199) فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم أو أشدّ ذكراً فمن النّاس من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا وما له في الآخرة من خلاقٍ (200) ومنهم من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار (201) أولئك لهم نصيبٌ ممّا كسبوا واللّه سريع الحساب (202) واذكروا اللّه في أيّامٍ معدوداتٍ فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه لمن اتّقى واتّقوا اللّه واعلموا أنّكم إليه تحشرون (203)}
قال ابن عباس وعائشة وعطاء وغيرهم: «المخاطب بهذه الآية قريش ومن ولدت وهم الحمس، وذلك أنهم كانوا يقولون نحن قطين الله فينبغي لنا أن نعظم الحرم ولا نعظم شيئا من الحل، فسنوا شق الثياب في الطواف إلى غير ذلك، وكانوا مع معرفتهم وإقرارهم أن عرفة هي موقف إبراهيم لا يخرجون من الحرم ويقفون بجمع ويفيضون منه، ويقف الناس بعرفة، فقيل لهم أن يفيضوا مع الجملة، وثمّ ليست في هذه الآية للترتيب، إنما هي لعطف جملة كلام على جملة هي منها منقطعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحمس، ولكنه كان يقف مذ كان بعرفة، هداية من الله».
وقال الضحاك: «المخاطب بالآية جملة الأمة»، والمراد ب النّاس إبراهيم عليه السلام كما قال: {الّذين قال لهم النّاس} [آل عمران: 173] وهو يريد واحدا، ويحتمل على هذا أن يؤمروا بالإفاضة من عرفة، ويحتمل أن تكون إفاضة أخرى وهي التي من المزدلفة فتجيء ثمّ على هذا الاحتمال على بابها، وعلى هذا الاحتمال عول الطبري، وقرأ سعيد بن جبير «الناسي» وتأوله آدم عليه السلام، ويجوز عند بعضهم تخفيف الياء فيقول الناس كالقاض والهاد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «أما جوازه في العربية فذكره سيبويه، وأما جوازه مقروءا به فلا أحفظه»، وأمر تعالى بالاستغفار لأنها مواطنه ومظان القبول ومساقط الرحمة، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب عشية عرفة فقال: «أيها الناس، إن الله عز وجل قد تطاول عليكم في مقامكم هذا، فقبل من محسنكم ووهب مسيئكم لمحسنكم إلا التبعات فيما بينكم، أفيضوا على اسم الله»، فلما كان غداة جمع، خطب فقال: «أيها الناس إن الله تطاول عليكم فعوض التبعات من عنده».
وقالت فرقة: المعنى واستغفروا الله من فعلكم الذي كان مخالفا لسنة إبراهيم في وقوفكم بقزح من المزدلفة). [المحرر الوجيز: 1/ 489-491]