التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {يسألونك عن الأهلّة...}
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن نقصان القمر وزيادته, ما هو؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: ذلك لمواقيت حجكم, وعمرتكم, وحلّ ديونكم, وانقضاء عدد نسائكم). [معاني القرآن: 1/115]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها...}
وذلك أن أهل الجاهلية ألا قريشاً, ومن ولدته قريش من العرب , كان الرجل منهم إذا أحرم في غير أشهر الحج في بيت مدرٍ , أو شعرٍ , أو خباءٍ نقب في بيته نقباً من مؤخّره , فخرج منه ودخل , ولم يخرج من الباب، وإن كان من أهل الأخبية , والفساطيط خرج من مؤخّره , ودخل منه, فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهو محرم, ورجل محرم يراه، دخل من باب حائطٍ , فاتّبعه ذلك الرجل، فقال له: «تنحّ عني».
قال: ولم؟ .
قال: «دخلت من الباب, وأنت محرم».
قال: إني قد رضيت بسنّتك وهديك.
قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إني أحمس».
قال: فإذا كنت أحمس , فإني أحمس, فوفّق الله الرجل، فأنزل الله تبارك وتعالى: {وأتوا البيوت من أبوابها واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون}).[معاني القرآن: 1/116]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها} : البرّ هنافي موضع البار، ومجازها: أي: اطلبوا البرّ من أهله, ووجهه, ولا تطلبوه عند الجهلة المشركين). [مجاز القرآن: 1/68]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس والحجّ وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون}
قال: {هي مواقيت للنّاس والحجّ}, فجر {الحجّ}؛ لأنه عطفه على "الناس" , فانجر باللام.
وقال: {ولكنّ البرّ من اتّقى}يريد "برّ من اتقّى"). [معاني القرآن: 1/128]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها}
قال الزّهري:« كان أناس من الأنصار إذا أهلّوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء، يتحرجون من ذلك. وكان الرجل يخرج مهلّا بها فتبدو له الحاجة فيرجع فلا يدخل من باب الحجرة من أجل السقف ولكنه يقتحم الجدار من وراء. ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته. وكانت قريش وحلفاؤها الحمس لا يبالون ذلك، فأنزل اللّه: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى}» أي برّ من اتقى , كما قال: {ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر}, أي: بر من آمن باله). [تفسير غريب القرآن: 75-76]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس والحجّ وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون}
كان النّبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الهلال في بدئه دقيقاً, وعن عظمه بعد، وعن رجوعه دقيقاً كالعرجون القديم، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنه جعل ذلك ليعلم الناس، أوقاتهم في حجهم وعدد نسائهم، وجميع ما يريدون عدمه مشاهرة؛ لأن هذا أسهل على الناس من حفظ عدد الأيام، ويستوي فيه الحاسب , وغير الحاسب.
ومعنى الهلال واشتقاقه: من قولهم : استهل الصبي إذا بكى حين يولد , أو صاح، وكأن قولهم أهل القوم بالحج والعمرة,أي: رفعوا أصواتهم بالتلبية، وإنما قيل له هلال ؛ لأنه حين يرى , يهل الناس بذكره , ويقال: أهل الهلال , واستهل، ولا يقال: أهلّ، ويقال: أهللنا, أي : رأينا الهلال وأهللنا شهر كذا وكذا، إذا دخلنا فيه.
وأخبرني من أثق به من رواة البصريين والكوفيين جميعاً بما أذكره في أسماء الهلال , وصفات الليالي التي في كل شهر.
فأول ذلك: إنما سمي الشهر شهراً لشهرته وبيانه، وسمّي هلالاً لما وصفنا من رفع الصوت بالإخبار عنه،
وقد اختلف الناس في تسميته هلالاً, وكم ليلة يسمّى؟ , ومتى يسمّى قمراً؟,
1- فقال بعضهم يسمى هلالاً لليلتين من الشهر, ثم لا يسمى هلالاً إلى أن يعود في الشهر التالي،
2-وقال بعضهم يسمى هلالاً ثلاث ليال, ثم يسمى قمراً,
3- وقال بعضهم : يسمى هلالاً إلى أن يحجّر , وتحجيره : أن يستدير بخطة دقيقة, وهو قول الأصمعي,
4-وقال بعضهم يسمى هلالاً إلى أن يبهر ضوؤه سواد الليل، فإذا غلب ضوؤة سواد الليل , قيل له: قمر، وهذا لا يكون إلا في الليلة السابعة، والذي عندي, وما عليه الأكثر أنه يسمى هلالاً ابن ليلتين، فإنه في الثالثة يبين ضوؤه,
واسم القمر: الزبرقان، واسم دارته: الهالة، واسم ضوئ: ه الفخت
وقد قال بعض أهل اللغة : لا أدري الفخت اسم ضوئه أم ظلمته، واسم ظلمته على الحقيقة (واسم ظله) : السّمر، ولهذا قيل للمتحدثين ليلاً: سمّار، ويقال: ضاء القمر , وأضاء، ويقال: طلع القمر، ولا يقال: أضاءت القمر , أو ضاءت.
قال أبو إسحاق وحدثني من أثق به, عن الرّياشي , عن أبي زيد، وأخبرني أيضاً من أثق ب, ه عن ابن الأعرابي بما أذكره في هذا الفصل: قال أبو زيد الأنصاري، يقال للقمر ابن ليلة: عتمة سخيلة حل أهلها برميلة، وابن ليلتين: حديث أمتين كذب ومين , ورواه ابن الأعرابي بكذب ومين، وابن ثلاث : حديث فتيات غير جد مؤتلفات.
وقيل ابن ثلاث: قليل اللباث، وابن أربع عتمة ربع , لا جائع /, ولا مرضع، وعن ابن الأعرابي : عتمة أم الربع، وابن خمس حديث وأنس،وقال أبو زيد : عشا خلفات قعس، وابن ست سمروبت, وابن سبع : دلجة الضبع , وابن ثمان : قمر أضحيان , وابن تسع , عن أبي زيد: انقطع السشسع، وعن غيره : يلتقط فيه الجزع، وابن عشر : ثلث الشهر، وعن أبي زيد , وغيره : محنق الفجر,
ولم تقل العرب بعد العشر في صفته ليلة ليلة كما قالت في هده العشر , ولكنهم جزأوا صفته أجزاء عشرة، فجعلوا لكل ثلاث ليال صفة, فقالوا:
ثلاث غرر، وبعضهم يقول غز، وثلاث شهب، وثلاث بهر وبهر، وثلاث عشر، وثلاث بيض، وثلاث درع، ودرع،
ومعنى الدرع: سواد مقدّم الشاة , وبياض مؤخرها، وإنما قيل لها : درع ودرع ؛ لأن القمر يغيب في أولها, فيكون أول الليل أدرع ؛ لأن أوله أسود, وما بعده مضي، وثلاث خنس؛ لأن القمر ينخنس فيها , أي: يتأخر، وثلاث دهم، وإنما قيل لها دهم ؛ لأنها تظلم حتى تدهامّ، وقال بعضهم : ثلاث حنادس، وثلاث فحم ؛ لأن القمر يتفحم فيها، أي: يطلع في آخر الليل , وثلاث دادي، وهي أواخر الشهر , وإنما أخذت من الدأداء , وهو ضرب من السير تسرع فيه الإبل نقل أرجلها إلى موضع أيديها, فالدأدأة آخر نقل القوائم، فكذلك الدأدي في آخر الشهر.
وجمع هلال: أهله،لأدنى العدد وأكثره؛ لأن فعالاً يجمع في أقل العدد على أفعلة , مثل, مثال,وأمثلة,وحمار, وأحمرة , وإذا جاوز أفعلة جمع على فعل، مثل:حمر , ومثل,فكرهوا في التضعيف فعل نحو : هلل, وخلل، فقالوا: أهلة, وأخلة، فاقتصروا على جمع أدنى العدد، كما اقتصروا في ذوات الواو , والياء على ذلك، نحو كساء , وأكسية , ورداء, وأردية.
وقوله عزّ وجلّ: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى}
قيل: إنه كان قوم من قريش , وجماعة معهم من العرب إذا خرج الرجل منهم في حاجة فلم يقضها, ولم تتيسر له رجع , فلم يدخل من باب بيته سنة، يفعل ذلك تطيراً, فأعلمهم اللّه عزّ وجل أن ذلك غير بر، أي: الإقامة على الوفاء بهذه السّنة ليس ببر،
وقال الأكثر من أهل التفسير: إنهم الحمس، وهم قوم من قريش، وبنو عامر بن صعصعة , وثقيف , وخزاعة، كانوا إذا أحرموا , لا يأقطون الأقط، ولا ينفون الوبر , ولا يسلون السّمن، وإذا خرج أحدهم من الإحرام لم يدخل من باب بيته، وإنما سمّوا الحمس؛ لأنهم تحمّسوا في دينهم , أي: تشددوا.
وقال أهل اللغة الحماسة الشدة في الغضب, والشدة في القتال، والحماسة على الحقيقة الشدة في كل شيء.
وقال العجاج:
وكم قطعنا من قفاف حمس.......
أي: شداد, فأعلمهم اللّه عزّ وجلّ أن تشددهم في هذا الإحرام ليس ببر, وأعلمهم أن البر التقي, فقال:{ولكنّ البرّ من اتّقى}.
المعنى: ولكن البر برّ من اتقى مخالفة أمر اللّه عزّ وجلّ، فقال:
{وأتوا البيوت من أبوابها}, فأمرهم اللّه بترك سنة الجاهلية في هذه الحماسة). [معاني القرآن: 1/257-263]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج}
سبب نزول هذه الآية: أن بعض المسلمين يسأل النبي صلى الله عليه وسلم لم خلقت هذه الأهلة , فأنزل الله عز وجل: {قل هي مواقيت للناس والحج} : فجعلها الله عز وجل مواقيت لحج المسلمين , وإفطارهم , وصومهم , ومناسكهم , ولعدة نسائهم , ومحل دينهم , والله أعلم بما يصلح خلقه .
قال أبو إسحاق: هلال مشتق من استهل الصبي إذا بكى , وأهل القوم بحجة وعمرة , أي: رفعوا أصواتهم بالتلبية , فقيل له: هلال ؛ لأنه حين يرى يهل الناس بذكره , وأهل , واستهل , ولا يقال: أهللنا, أي: رأينا الهلال, وأهللنا شهر كذا وكذا إذا دخلنا فيه, وسمي شهر لشهرته , وبيانه .
قال الأصمعي: ولا يسمى هلالاً حتى يحجر, وتحجيره : أن يستدير بخطة دقيقة , وقيل: ليلتين, وثلاث.
وقيل: حتى يغلب ضوءه, وهذا في السابعة .
قال أبو إسحاق: والأجود عندي أن يسمى هلالاً لليلتين ؛ لأنه في الثالثة يتبين ضوءه). [معاني القرآن: 1/103-104]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها}
روى شعبة , عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب يقول: «نزلت فينا هذه الآية , كانت الأنصار إذا حجوا , فجاءوا , لم يدخلوا البيوت من أبوابها ,ولكن من ظهورها, فجاء رجل من الأنصار , فدخل من قبل بابه , فنزلت هذه الآية: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها}».). [معاني القرآن: 1/105]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها}: كان ناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة , لم يحل بينهم وبين السماء شيء، يتحرجون بمن ذلك، فاذا خرج الرجل مهلاً,ثم بدت له حاجة رجع , فدخل بيته من ظهره، من أجل السقف، لئلا يحول بينه وبين السماء، فاعلموا أنه ليس من البر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 37]
تفسير قوله تعالى:{(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ 190)}.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا}, أي: لا تعتدوا على من وادعكم , وعاقدكم). [تفسير غريب القرآن: 76]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين}
قالوا في تفسيره : قاتلوا أهل مكة،
وقال قوم : هذا أول فرض الجهاد , ثم نسخه:{وقاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافّة}
وقوله عزّ وجلّ:{ولا تعتدوا}أي: لا تظلموا، والاعتداء: مجاوزة الحق، وقيل في تفسيره قولان:
قيل: {لا تعتدوا} : لا تقاتلوا غير من أمرتم بقتاله, ولا تقتلوا غيرهم،
وقيل: {لا تعتدوا}أي: لا تجاوزوا إلى قتل النساء والأطفال). [معاني القرآن: 1/263]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا}
قيل, أي: ولا تقاتلوا من عاهدتم , وعاقدتم.
وقيل: لا تقاتلوا من لم يقاتلكم.
قال ابن زيد: «ثم نسخ ذلك فقال جل وعز: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم}, أي: وجدتموهم ».
{وأخرجوهم من حيث أخرجوكم}, يعني: مكة). [معاني القرآن: 1/105-106]
تفسير قوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم...}
فهذا وجه قد قرأت به العامّة, وقرأ أصحاب عبد الله: {ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه فإن قتلوكم فاقتلوهم}, والمعنى هاهنا: فإن بدءوكم بالقتل , فاقتلوهم, والعرب تقول: قد قتل بنو فلان إذا قتل منهم الواحد, فعلى هذا قراءة أصحاب عبد الله, وكلّ حسن.
وقوله: {فإن انتهوا} فلم يبدءوكم ,{فلا عدوان} على الذين انتهوا، إنما العدوان على من ظلم: على من بدأكم , ولم ينته.
فإن قال قائل: أرأيت قوله: {فلا عدوان إلاّ على الظّالمين}, أعدوانٌ هو وقد أباحه الله لهم؟ , قلنا: ليس بعدوان في المعنى، إنما هو لفظ على مثل ما سبق قبله؛
ألا ترى أنه قال: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}, فالعدوان من المشركين في اللفظ ظلم في المعنى، والعدوان الذي أباحه الله وأمر به المسلمين إنما هو قصاص. فلا يكون القصاص ظلماً, وإن كان لفظه واحداً, ومثله قول الله تبارك وتعالى:{وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها}, وليست من الله على مثل معناها من المسيء؛ لأنها جزاء). [معاني القرآن: 1/116-117]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({والفتنة أشدّ من القتل},أي: الكفر أشدّ من القتل في أشهر الحرم، يقال: رجل مفتون في دينه , أي: كافر). [مجاز القرآن: 1/68]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({والفتنة أشد من القتل}: الكفر).[غريب القرآن وتفسيره: 88]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({واقتلوهم حيث ثقفتموهم},أي: حيث وجدتموهم.
{وأخرجوهم من حيث أخرجوكم},يعني: من مكة.
{والفتنة أشدّ من القتل},يقول: الشرك أشد من القتل في الحرم). [تفسير غريب القرآن: 76]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشدّ من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين}
أي: حيث وجدتموهم، يقال: ثقفته أثقفه ثقفاًوثقافة، ويقال: رجل ثقف لقف, ومعنى الآية: لا تمتنعوا من قتلهم في الحرم وغيره.
وقوله عزّ وجلّ: {والفتنة أشدّ من القتل}
أي: فكفرهم في هذه الأمكنة أشد من القتل.
وقوله عزّ وجلّ:{ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه}
كانوا قد نهوا عن ابتدائهم بقتل , أو قتال حتى يبتدي المشركون بذلك.
وتقرأ: {ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه}, أي: لا تبدأوهم بقتل حتى يبدأوكم به، وجائز : ولا تقتلوهم, وإن وقع القتل ببعض دون بعض؛ لأن اللغة يجوز فيها قتلت القوم , وإنّما قتل بعضهم إذا كان في الكلام دليل على إرادة المتكلم). [معاني القرآن: 1/263-264]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {والفتنة أشد من القتل}
قال مجاهد:«ارتداد المؤمن أشد عليه من القتل.».
والفتنة في الأصل الاختبار , فتأويل الكلام : الاختبار الخبيث الذي يؤدي إلى الكفر أشد من القتل , وفتنته فلانة , أي: صارت له كالمختبرة , أي: اختبر بجمالها, وفتنت الذهب في النار , أي: اختبرته لأعلم خالص هو أم مشوب ؟.
وقيل لهذا السبب لكل ما أحميته في النار فتنته ؛ لأنه بذلك كالمختبر .
وقيل في قوله عز وجل: {يوم هم على النار يفتتنون} , هو من هذا , أي: يشوون.
قال أبو العباس: والقول عندي - والله أعلم - : إنما هو يحرقون بفتنتهم , أي: يعذبون بكفرهم من فتن الكافر .
وقيل: يختبرون, فيقال : ما سلككم في سقر ؟, وأفتنه العذاب , أي: جزاه بفتنته, كقولك: كرب , وأكربته ,والعلم لله تعالى .
يقال: فتن الرجال وفتن وأفتنته , أي: جعلت فيه فتنته كقولك: دهشته , وكحلته , هذا قول الخليل , وأفتنته جعلته فاتناً, وهذا خضر فتن .
وقال الأخفش في قوله عز وجل: {بأيكم المفتنون} , قال يعني : الفتنة, كقولك خذ ميسوره , ودع معسوره.
وكان سيبويه يأبى أن يكون المصدر على مفعول, ويقول المعتمد خذ ما يسر لك منه). [معاني القرآن: 1/107-108]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه}
قال قتادة: «ثم نسخ ذلك بعد فقال:{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}» .
قال ابن عباس : «أي: شرك , قال: ويكون الدين لله , ويخلص التوحيد لله».). [معاني القرآن: 1/108]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ثقفتموهم}, وجدتموهم.
{والفتنة أشد من القتل} في الأشهر الحرم؛ لأنهم استعظموا قتل المسلمين في رجب، فأعلموا أن الشرك الذي هم عليه أشد من ذلك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 37]
تفسير قوله تعالى: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فإن انتهوا فإنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ}
أما قوله: {فإن انتهوا فإنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ} , يريد: فإنّ اللّه لهم). [معاني القرآن: 1/128]
تفسير قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ ويكون الدّين للّه فإن انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظّالمين}
قوله:{فلا عدوان إلاّ على الظّالمين}؛ لأنه يجوز أن يقول {إن انتهوا}, وهو قد علم: أنهم لا ينتهون إلا بعضهم , فكأنه قال: {إن انتهى بعضهم فلا عدوان إلا على الظالمين منهم},فأضمركما قال: {فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر}, أي: فعليه ما استيسر كما تقول: "زيداً أكرمت" , وأنت تريد : "أكرمته" , وكما تقول : إلى من تقصد ؟. أقصد, تريد : "إليه"). [معاني القرآن: 1/128]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكذلك قوله: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ},أي : لا سبيل.
وأصل العدوان: الظلم, وأراد بالعدوان: الجزاء, يقول: لا جزاء ظلم إلّا على ظالم, وقد بينت هذا في كتاب «تأويل المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 77]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة ويكون الدّين للّه فإن انتهوا فلا عدوان إلّا على الظّالمين (193)}
هذا أمر من اللّه عزّ وجلّ أن يقاتل كل كافر ؛ لأن المعنى ههنا في الفتنة والكفر). [معاني القرآن: 1/264]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال: {فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين}
قال قتادة: «والظالم الذي أبى أن يقول: لا إله إلا الله».). [معاني القرآن: 1/108]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فلا عدوان}, أي: لا سبيل، وأصل العدوان: الظلم، وأراد به هاهنا: الجزاء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 38]
تفسير قوله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين}
أما قوله: {فاعتدوا عليه} , فإن الله لم يأمر بالعدوان، وإنما يقول: إيتوا إليهم , الذي كان يسمى بالاعتداء, أي: افعلوا بهم كما فعلوا بكم، كما تقول: "إن تعاطيت مني ظلماً تعاطيته منك" , والثاني ليس بظالم, قال عمرو بن شأس:
جزينا ذوي العدوان بالأمس مثله ....... قصاصاً سواءً حذوك النّعل بالنّعل
). [معاني القرآن: 1/128-129]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ}, قال مجاهد:«فخرت قريش أن صدّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، عن البيت الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرام, فأقصّه اللّه , فدخل عليهم من قابل في الشهر الحرام في البلد الحرام إلى البيت الحرام, وأنزل اللّه: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ}».
وقوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه}, أي: من ظلمكم , فجزاؤه جزاء الاعتداء على ما بينت في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 77-78]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين}
{الشّهر)} رفع بالابتداء , وخبره {بالشّهر الحرام}, ومعناه: قتال الشهر الحرام.
ويروى أن المشركين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهر الحرام : هل فيه قتال؟, فأنزل الله عز وجلّ أن القتل فيه كبير، أي : عظيم في الإثم، وإنما سألوا ليغرّوا المسلمين، فإن علموا أنهم لم يؤمروا بقتلهم قاتلوهم، فأعلمهم الله عزّ وجلّ أن القتال فيه محرم إلا أن يبتدئ المشركون بالقتال فيه , فيقاتلهم المسلمون.
فالمعنى في قوله: {الشّهر الحرام}, أي : قتال الشهر الحرام، أي: في الشهر الحرام، بالشهر الحرام.
وأعلم اللّه عزّ وجلّ أن هذه الحرمات قصاص، أي : لا يجوز للمسلمين إلا قصاصاً.
وقوله عزّ وجلّ:{فمن اعتدى عليكم}
أي: من ظلم , فقاتل , فقد اعتدى، {فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}, وسمي الثاني اعتداء ؛ لأنه مجازاة اعتداء , فسمي بمثل اسمه؛ لأن صورة الفعلين واحدة, وإن كان أحدهما طاعة , والآخر معصية، والعرب تقول ظلمني فلان , فظلمته , أي: جازيته بظلمه، وجهل عليّ , فجهلت عليه , أي: جازيته بجهله.
قال الشاعر:
ألا لا يجهلنّ أحد علينا.......فنجهل فوق جهل الجاهلينا
أي: فنكافئ على الجهل بأكثر من مقداره.
وقال اللّه عزّ وجلّ:{ومكروا ومكر اللّه}
وقال: {فيسخرون منهم سخر اللّه منهم}
جعل اسم مجازاتهم مكراً كما مكروا، وجعل اسم مجازاتهم على سخريتهم سخرياً, فكذلك: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه}). [معاني القرآن: 1/263-265]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال عز وجل: {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص}
أي: قتال الشهر الحرام بقتال الشهر الحرام .
قال مجاهد: «صدت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت الحرام في الشهر الحرام ذي القعدة , فأقضه الله منهم من قابل , فدخل البيت الحرام في الشهر الحرام ذي القعدة , وقضى عمرة ».
وقال غيره : قال الله عز وجل: {والحرمات قصاص} , فجمع ؛ لأنه جل ثناؤه أراد : الشهر الحرام , والبلد الحرام , وحرمة الإحرام). [معاني القرآن: 1/109]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال عز وجل: {فمن اعتدى عليكم}
قال مجاهد : «أي: من قاتلكم فيه , {فاعتدوا عليه} , فاقتلوه فيه, سمي الثاني اعتداء ؛ لأنه جزاء الأول».). [معاني القرآن: 1/109-110]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه}, أي: من ظلمكم , فجازوه بمثله). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 38]