العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 11:24 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (186) إلى الآية (188) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (186) إلى الآية (188) ]

{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)}


روابط مهمة:


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 07:12 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا جعفر بن سليمان عن عوف عن الحسن قال سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أين ربنا فأنزل الله تعالى وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان الآية). [تفسير عبد الرزاق: 1/73]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ قال: لمّا نزلت {إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} [الآية: 60] فقالوا: لو علمنا أيّ ساعةٍ هي فنزلت {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الداع إذا دعان}). [تفسير الثوري: 264] (م)
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ قال لمّا نزلت: {إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} قالوا: لو علمنا أيّ ساعةٍ هي قال: فنزلت: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان} إلى آخر الآية [الآية: 186]). [تفسير الثوري: 57]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون}.
يعني تعالى ذكره بذلك: وإذا سألك يا محمّد عبادي عنّي أين أنا؟ فإنّي قريبٌ منهم أسمع دعاءهم، وأجيب دعوة الدّاعي منهم.
وقد اختلفوا فيما أنزلت فيه هذه الآية، فقال بعضهم: نزلت في سائلٍ سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا محمّد أقريبٌ ربّنا فنناجيه، أم بعيدٌ فنناديه؟ فأنزل اللّه {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب} الآية.
[جامع البيان: 3/222]
- حدّثنا بذلك ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عبدة السّجستانيّ، عن الصّلب بن حكيمٍ، عن أبيه، عن جدّه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا جعفر بن سليمان، عن عوفٍ، عن الحسن، قال سأل أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أين ربّنا؟ فأنزل اللّه تعالى ذكره: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان..} الآية.
وقال آخرون: بل نزلت جوابًا لمسألة قومٍ سألوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أيّ ساعةٍ يدعون اللّه فيها؟.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، قال لمّا نزلت {وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم} قالوا في أيّ ساعةٍ؟ قال: فنزلت: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ} إلى قوله: {لعلّهم يرشدون}.
[جامع البيان: 3/223]
- حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، في قوله {أجيب دعوة الدّاع إذا دعان} قالوا: لو علمنا أيّ ساعةٍ ندعو؟ فنزلت {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ} الآية.
- حدّثني القاسم قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: زعم عطاء بن أبي رباحٍ، أنّه بلغه لمّا نزلت {وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم} قال النّاس: لو نعلم أيّ ساعةٍ ندعو؟ فنزلت: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان}.
- حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان} قال: ليس من عبد مؤمن يدعو الله إلا استجاب له، فإن كان الذي يدعو به هو له رزق في الدنيا أعطاه إياه، وإن لم يكن له رزقا في الدنيا ذخره له إلى يوم القيامة، أو دفع به عن مكروها.
- حدّثني المثنّى، قال حدّثنا أبو المهنا قال حدّثنا: اللّيث بن سعدٍ، عن عبد الله ابن صالحٍ، عمّن حدّثه أنّه، بلغه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ما أعطي أحدٌ الدّعاء فمنع الإجابة، لأنّ اللّه يقول: ادعوني أستجب لكم.
[جامع البيان: 3/224]
ومعنى متأوّلي هذا التّأويل: وإذا سألك يا محمد عبادي عنّي أيّ ساعةٍ يدعونني فإنّي منهم قريبٌ في كلّ وقتٍ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان.
وقال آخرون: بل نزلت جوابًا لقول قومٍ قالوا إذ قال اللّه لهم: {ادعوني أستجب لكم} إلى أين ندعوه؟.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال مجاهدٌ، {ادعوني أستجب لكم} قالوا: إلى أين؟ فنزلت: {أين ما تولّوا فثمّ وجه اللّه إنّ اللّه واسعٌ عليمٌ}.
وقال آخرون: بل نزلت جوابًا لقومٍ قالوا: كيف ندعو؟.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال ذكر لنا أنّه لمّا أنزل اللّه {ادعوني أستجب لكم} قال رجالٌ: كيف ندعو يا نبيّ اللّه؟ فأنزل اللّه: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ} إلى قوله: {يرشدون}.
وأمّا قوله: {فليستجيبوا لي} فإنّه يعني: فليستجيبوا لي بالطّاعة، يقال منه: استجبت له واستجبته
[جامع البيان: 3/225]
بمعنى أجبته، كما قال كعب بن سعدٍ الغنويّ:
وداعٍ دعا يا من يجيب إلى النّدى = فلم يستجبه عند ذاك مجيب
يريد: فلم يجبه.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل مجاهدٌ وجماعةٌ غيره.
- حدّثنا القاسم، قال حدّثنا الحسين، قال: حدّثني الحجّاج، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ قوله {فليستجيبوا لي} قال: فليطيعوا لي، قال: الاستجابة: الطّاعة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حبّان بن موسى، قال: سألت عبد اللّه بن المبارك، عن قوله {فليستجيبوا لي} قال: طاعة اللّه.
وقال بعضهم: معنى {فليستجيبوا لي} فليدعوني.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني منصور بن هارون، عن أبي رجاءٍ الخراسانيّ، قال {فليستجيبوا لي} فليدعوني.
وأمّا قوله: {وليؤمنوا بي} فإنّه يعني: وليصدّقوا، أي وليؤمنوا بي إذا هم استجابوا لي بالطّاعة أنّي لهم من وراء طاعتهم لي في الثّواب عليها وإجزالي الكرامة لهم عليها.
وأمّا الّذي تأوّل قوله: {فليستجيبوا لي} أي بمعنى فليدعوني، فإنّه كان يتأوّل قوله: {وليؤمنوا بي} وليؤمنوا بي أنّي أستجيب لهم.
[جامع البيان: 3/226]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، حدّثنا الحسين، قال: حدّثني منصور بن هارون، عن أبي رجاءٍ الخراسانيّ {وليؤمنوا بي} يقول: إنّي أستجيب لهم.
وأمّا قوله: {لعلّهم يرشدون} فإنّه يعني: فليستجيبوا لي بالطّاعة، وليؤمنوا بي فيصدّقوا على طاعتهم إيّاي بالثّواب منّي لهم ليهتدوا بذلك من فعلهم ويرشدوا.
- كما حدّثني به المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن سعدٍ، قال حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، في قوله {لعلّهم يرشدون} يقول: لعلّهم يهتدون.
فإن قال لنا قائلٌ: وما معنى هذا القول من اللّه تعالى ذكره؟ فأنت ترى كثيرًا من البشر يدعون اللّه فلا يجاب لهم دعاءٌ وقد قال: {أجيب دعوة الدّاع إذا دعان}.
قيل: إنّ لذلك وجهين من المعنى: أحدهما أن يكون معنيًّا بالدّعوة العمل بما ندب اللّه إليه وأمر به، فيكون تأويل الكلام: وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ ممّن أطاعني وعمل بما أمرته به أجيبه بالثّواب على طاعته إيّاي إذا أطاعني. فيكون معنى الدّعاء مسألة العبد ربّه وما وعد أولياؤه على طاعتهم بعلمه بطاعته، ومعنى الإجابة من اللّه الّتي ضمنها له الوفاء له بما وعد العاملين له بما أمرهم به، كما روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من قوله: إنّ الدّعاء هو العبادة.
[جامع البيان: 3/227]
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن ذرٍّ، عن يسيعٍ الحضرميّ، عن النّعمان بن بشيرٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ الدّعاء هو العبادة ثمّ قرأ: {وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين}.
فأخبر صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ دعاء اللّه إنّما هو عبادته ومسألته بالعمل له والطّاعة.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، ذكر أنّ الحسن كان يقول.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني منصور بن هارون، عن عبد اللّه بن المبارك، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن الحسن، أنّه قال فيها: {ادعوني أستجب لكم} قال اعملوا وأبشروا فإنّه حقٌّ على اللّه أن يستجيب الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات ويزيدهم من فضله.
والوجه الآخر: أن يكون معناه: أجيب دعوة الدّاع إذا دعان إن شئت. فيكون ذلك وإن كان عامًّا، مخرجه في التّلاوة خاصًّا معناه). [جامع البيان: 3/228]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون (186)
قوله: وإذا سألك عبادي، عنّي فإنّي قريبٌ
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن المغيرة، أنبأ جريرٌ، عن عبدة بن أبي برزة السّجستانيّ، عن الصلب بن الحكيم، عن أبيه، عن جدّه قال: جاء رجلٌ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللّه أقريبٌ ربّنا فنناجيه، أم بعيدٌ فنناديه؟
فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه: وإذا سألك عبادي، عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي، إذا أمرتهم أن يدعوني، فدعوني، استجبت لهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/314]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: أجيب دعوة الدّاع إذا دعان
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ وإذا سألك عبادي، عنّي فإنّي قريبٌ أجيبٌ دعوة الدّاع إذا دعان قال: ليس من عبدٍ مؤمنٍ يدعو اللّه إلا استجاب له، فإن كان الذين يدعو به هو له رزقٌ في الدّنيا أعطاه إيّاه، وإن لم يكن له رزقٌ في الدّنيا، ذخره له إلى يوم القيامة، أو دفع، عنه به مكروهًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/314]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فليستجيبوا لي
- حدّثنا الحسن بن عرفة، ثنا النّضر بن إسماعيل، عن أبي رجاءٍ، عن أنس بن مالكٍ في قول اللّه: فليستجيبوا لي قال: ليدعوني
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه الهرويّ، أنبأ حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ فليستجيبوا لي فليطيعوني. الاستجابة: الطّاعة وروي، عن الرّبيع بن أنسٍ وابن جريجٍ، نحو قول مجاهدٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/315]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وليؤمنوا بي
- حدّثنا الحسن بن عرفة، ثنا النّضر بن إسماعيل، عن أبي رجاء، عن أنس ابن مالكٍ، في قول اللّه: وليؤمنوا بي إنّهم إذا دعوني استجبت لهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/315]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: لعلّهم يرشدون
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية لعلهم يرشدون يعني: يهتدون). [تفسير القرآن العظيم: 1/315]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت د) النعمان بن بشير رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الدّعاء: هو العبادة. وقرأ {ادعوني أستجب لكم إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين} [غافر: 60] فقال أصحابه: أقريبٌ ربّنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فنزلت {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الداع إذا دعان} [البقرة: 186] ». الآية.
أخرجه الترمذي إلى قوله: «داخرين» وأبو داود إلى قوله: «أستجب لكم» والباقي: ذكره رزين، ولم أجده في الأصول.
[شرح الغريب]
(داخرين) الدّاخر: الذليل). [جامع الأصول: 2/24]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون.
أخرج ابن جرير والبغوي في معجمه، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه من طريق الصلت بن حكيم عن رجل من الأنصار عن أبيه عن جده قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فسكت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا} إذا أمرتهم أن يدعوني فدعوني أستجيب لهم.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن الحسن قال سأل أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم أين ربنا فأنزل الله {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب} الآية.
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال سأل أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم أين ربنا قال: في السماء على عرشه ثم تلا (الرحمن على العرش استوى) (طه الآية 5) وأنزل الله {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب} الآية.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا
[الدر المنثور: 2/259]
تعجزوا عن الدعاء فإن الله أنزل علي {ادعوني أستجب لكم} فقال رجل: يا رسول الله ربنا يسمع الدعاء أم كيف ذلك فأنزل الله {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب} الآية.
وأخرج وكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عطاء بن أبي رباح، أنه بلغه لما أنزلت (وقال ربكم ادعوني أستجيب لكم) (غافر الآية 60) قالوا: لو نعلم أي ساعة ندعو فنزلت {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب} إلى قوله {يرشدون}.
وأخرج سفيان بن عينية في تفسيره وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد من طريق
سفيان عن أبي قال: قال المسلمون يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فأنزل الله {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب} الآية.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أنه لما أنزل الله (ادعوني أستجيب لكم) (غافر الآية 60) قال رجال: كيف ندعو يا نبي الله فأنزل الله {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب} الآية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن عبد الله بن عبيد قال: لما نزلت هذه الآية (ادعوني أستجيب لكم) (غافر الآية 60) قالوا: كيف لنا به أن نلقاه حتى ندعوه فأنزل الله {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب} الآية
[الدر المنثور: 2/260]
فقالوا: صدق ربنا وهو بكل مكان.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: قال المسلمون: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فنزلت {فليستجيبوا لي} ليطعوني والاستجابة هي الطاعة {وليؤمنوا بي} ليعلموا {فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: مفتاح البحار السفن ومفتاح الأرض الطرق ومفتاح السماء الدعاء.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد في الزهد عن كعب قال: قال موسى: أي رب، أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك قال: يا موسى أنا جليس من ذكرني قال: يا رب فإن نكون من الحال على حال نعظمك أو نجلك أن نذكرك عليها قال: وماهي قال: الجنابة والغائط، قال: يا موسى اذكرني على كل حال.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي موسى الأشعري قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فجعلنا لا نصعد شرفا ولا نهبط واديا إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير فدنا منا فقال:
[الدر المنثور: 2/261]
يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا بصيرا إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته.
وأخرج أحمد عن أنس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني.
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن سلمان الفارسي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال إن ربكم حي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا، وفي لفظ: يستحي أن يبسط العبد إليه فيردهما خائبين.
وأخرج البيهقي عن سلمان قال: إني أجد في التوراة، أن الله حي كريم يستحي أن يرد يدين خائبتين يسأل بهما خيرا
[الدر المنثور: 2/262]
وأخرج عبد الرزاق والحاكم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ربكم حي كريم يستحي إذا رفع العبد يديه إليه أن يردهما حتى يجعل فيهما خيرا.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله جواد كريم يستحي من العبد المسلم إذا دعاه أن يرد يديه صفرا ليس فيهما شيء.
وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله حي كريم يستحي أن يرفع العبد يديه فيردهما صفرا لا خير فيهما فإذا رفع أحدكم يديه فليقل: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت يا أرحم الراحمين ثلاث مرات ثم إذا أراد رد يديه فليفرغ الخير على وجهه.
وأخرج الطبراني عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رفع قوم أكفهم إلى الله عز وجل يسألونه شيئا إلا كان حقا على الله أن يضع في أيديهم الذي سألوه.
وأخرج الطبراني، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل حي كريم يستحي من عبده أن يرفع يديه فيردهما صفرا ليس فيهما شيء
[الدر المنثور: 2/263]
وأخرج الطبراني في الدعاء عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا أحدكم فرفع يديه فإن الله جاعل في يديه بركة ورحمة فلا يردهما حتى يمسح بهما وجهه.
وأخرج البزار والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى: يا ابن آدم واحدة لي وواحدة لك وواحدة فيما بيني وبينك وواحدة فيما بينك وبين عبادي، فأما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئا وأما التي لك فما عملت من شيء أو من عمل وفيتكه وأما التي بيني وبينك فمنك الدعاء وعلي الإجابة وأما التي بينك وبين عبادي فأرض لهم ما ترضى لنفسك.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب المفرد والحاكم عن أبي سعيد.
أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نكثر قال الله أكثر.
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
[الدر المنثور: 2/264]
يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي.
وأخرج الحاكم عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغني حذر من قدر والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وأن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي، وابن ماجه والحاكم عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر.
وأخرج الترمذي والحاكم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء.
وأخرج الترمذي، وابن أبي حاتم والحاكم عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه.
وأخرج الحاكم عن أنس مرفوعا لا تعجزوا في الدعاء فإنه لا يهلك مع
[الدر المنثور: 2/265]
الدعاء أحد.
وأخرج الحاكم، عن جابر مرفوعا يدعو الله بالمؤمن يوم القيامة حتى يوقفه بين يديه فيقول: عبدي إني أمرتك أن تدعوني ووعدتك أن أستجيب لك فهل كنت تدعوني فيقول: نعم يا رب، فيقول: أما إنك لم تدعوني بدعوة إلا أستجيب لك أليس دعوتني يوم كذا وكذا لغم نزل بك أن أفرج عنك ففرجت عنك فيقول: بلى يا رب، فيقول: فإني عجلتها لك في الدنيا، ودعوتني يوم كذا وكذا لغم نزل بك أن أفرج عنك فلم تر فرجا فيقول: نعم يا رب، فيقول: إني ادخرت لك بها في الجنة كذا وكذا، ودعوتني في حاجة قضيتها لك فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: فلا يدعو الله عبده المؤمن إلا بين له إما أن يكون عجل له في الدنيا وإما أن يكون ادخر له في الآخرة، فيقول المؤمن في ذلك المقام: يا ليته لم يكن عجل له شيء من دعائه.
وأخرج البخاري في الأدب المفرد والحاكم عن أبي هريرة مرفوعا ما من عبد ينصب وجه إلى الله في مسألة إلا أعطاها إياه أما أن يعجلها له في الدنيا وإما أن يدخرها له في الآخرة.
وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال
[الدر المنثور: 2/266]
يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل فيقول: دعوت فلا أرى تستجيب لي فيدع الدعاء.
وأخرج أحمد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل، قالوا: وكيف يستعجل قال: يقول قد دعوت ربكم فلم يستجب لي.
وأخرج أحمد في الزهد عن مالك بن دينار قال: قال الله تبارك وتعالى على لسان نبي من بني اسرائيل قل لبني إسرائيل تدعوني بألسنتكم وقلوبكم بعيدة مني باطل ما تدعوني وقال: تدعوني وعلى أيديكم الدم اغسلوا أيديكم من الدم أي من الخطايا هلموا نادوني.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي عن أنس قال: قال رسول الله
[الدر المنثور: 2/267]
صلى الله عليه وسلم لا يقل أحدكم اغفر لي إن شئت وليعزم في المسألة فإنه لا مكره له.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما على ظهر الأرض من رجل مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه إياها أو كف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم.
وأخرج أحمد، عن جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل وكف عنه من السوء مثله ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله إذا أراد أن يستجيب لعبد أذن له في الدعاء.
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا سأل أحدكم ربه مسألة فتعرف الاستجابة فليقل: الحمد لله الذي بعزته تتم الصالحات ومن أبطأ عليه من ذلك شيء فليقل الحمد لله على كل حال
[الدر المنثور: 2/268]
وأخرج الحكيم الترمذي عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو عرفتم الله حق معرفته لزالت لدعائكم الجبال.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي ذر قال: يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن شبيب قال: صليت إلى جنب سعيد بن المسيب المغرب فرفعت صوتي بالدعاء فانتهرني وقال: ظننت أن الله ليس بقريب منك.
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتح له في الدعاء منكم فتحت له أبواب الإجابة، ولفظ الترمذي: من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة وما سئل شيئا أحب إليه من أن يسأل العافية.
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم التيمي قال: كان يقال: إذا بدأ الرجل بالثناء قبل الدعاء فقد استوجب وإذا بدأ بالدعاء قبل الثناء كان على رجاء
[الدر المنثور: 2/269]
وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان قال: لما خلق الله آدم قال: واحدة لي وواحدة لك وواحدة بيني وبينك فمنك المسألة والدعاء وعلي الإجابة.
وأخرج ابن مردويه عن نافع بن معد يكرب قال: كنت أنا وعائشة فقالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية {أجيب دعوة الداع إذا دعان} قال: يا رب مسألة عائشة فهبط جبريل فقال: الله يقرئك السلام هذا عبدي الصالح بالنية الصادقة وقلبه تقي يقول: يا رب فأقول، لبيك فأقضي حاجته.
وأخرج ابن أبي الدنيا في الدعاء، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات والأصبهاني في الترغيب والديلمي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: حدثني جابر بن عبد الله أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب}
[الدر المنثور: 2/270]
الآية، فقال: اللهم إني أمرت بالدعاء وتكفلت بالإجابة لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك اللهم أشهد أنك فرد أحد صمد لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد وأشهد أن وعدك حق ولقاءك حق والجنة حق والنار حق والساعة آتية لا ريب فيها وإنك تبعث من في القبور.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس في قوله {فليستجيبوا لي} قال: ليدعوني {وليؤمنوا بي} أنهم إذا دعوني أستجيب لهم.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد {فليستجيبوا لي} قال: فليطيعوني.
وأخرج ابن جرير عن عطاء الخراساني {فليستجيبوا لي} قال: فليدعوني {وليؤمنوا بي} يقول: إني أستجيب لهم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن الربيع في قوله !
[الدر المنثور: 2/271]
{لعلهم يرشدون} قال: يهتدون). [الدر المنثور: 2/272]

تفسير قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني حفص عن أيوب أنه قال: من عكف نفسه في المسجد بعد المغرب إلى العشاء لا يتكلم كأنما عقب غزوة بعد غزوةٍ). [الجامع في علوم القرآن: 1/36] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني ابن لهيعة عن عبد ربّه بن سعيدٍ عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبيرٍ قال: قال ابن عبّاسٍ: {الرّفث}، المباشرة، و (الملامسة)، هو الجماع). [الجامع في علوم القرآن: 2/33]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني ابن لهيعة أنه سمع عطاء بن أبي رباح يقول: {الرفث}، هو الجماع). [الجامع في علوم القرآن: 2/40]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (ثم قال في رمضان: {وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام} مساكين، فمن شاء صام، ومن شاء افتدى بطعام مساكين، {فمن تطوع خيرا فهو خيرٌ له وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون}؛
ثم نسختها الآية الأخرى التي تليها، فقال: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفرٍ فعدةٌ من أيامٍ أخر}؛ قال: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم}؛
قال: كانوا إذا صلوا العشاء حرم عليهم الطعام والشراب والنساء، وصاموا إلى مثلها من القابلة، فاختان رجلٌ نفسه فجامع امرأته وقد صلى العشاء
[الجامع في علوم القرآن: 3/65]
ولم يفطر، وهو عمر بن الخطاب، فجعل الله في ذلك رخصة وبركة،
فنسخها فقال: {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام من الليل}). [الجامع في علوم القرآن: 3/66] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم قال كان الناس قبل هذه الآية إذا رقد أحدهم من الليل رقدة لم يحل له طعام وشراب ولا أن يأتي امرأته إلى الليلة المقبلة فوقع بذلك بعض المسلمين فمنهم من أكل بعد
[تفسير عبد الرزاق: 1/70]
هجعة وشرب ومنهم من وقع على أهله فرخص الله تعالى لهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/70]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال قتادة الرفث غشيان النسيان). [تفسير عبد الرزاق: 1/71]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر وأخبرني إسماعيل بن شروس عن عكرمة مولى ابن عباس أن رجلا قد سماه لي فنسيته من أصحاب الرسول من الأنصار جاء ليلة وهو صائم فقالت له امرأته لا تنم حتى نصنع لك طعاما فنام فجاءت فقالت نمت والله قال لا والله ما نمت قالت بلى والله فلم يأكل تلك الليلة شيئا وأصبح صائما يغشى عليه فأنزلت الرحمة فيه). [تفسير عبد الرزاق: 1/71]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عمن سمع الحسن في قوله تعالى وابتغوا ما كتب الله لكم قال هو الولد). [تفسير عبد الرزاق: 1/71]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر وقال قتادة وابتغوا ما كتب الله لكم قال الرخصة التي كتبت لكم). [تفسير عبد الرزاق: 1/71]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا ابن عيينة قال أخبرني عمرو بن دينار عن عطاء ابن أبي رباح قال قلت لابن عباس كيف تقرأ هذه الآية وابتغوا أو اتبعوا قال أيهما شئت عليك بالقراءة الأولى). [تفسير عبد الرزاق: 1/71]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد قال كان الناس إذا اعتكفوا خرج الرجل فيباشر أهله ثم يرجع إلى المسجد فنهاهم الله تعالى عن ذلك). [تفسير عبد الرزاق: 1/72]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (قال سفيان [الثوري]: كانوا إذا ناموا لم يأكلوا ولم يقربوا النّساء فنزلت في عمر رضي اللّه عنه: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم هنّ لباسٌ
[تفسير الثوري: 57]
لكم وأنتم لباسٌ لهنّ علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم} تظلمون أنفسكم [الآية: 187]). [تفسير الثوري: 58]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن رجلٍ عن مجاهدٍ في قوله جل وعز: {وابتغوا ما كتب الله لكم} قال: الولد [الآية: 187]). [تفسير الثوري: 58]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قول اللّه جلّ وعزّ: {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد} قال: فإن خرجت فلا تباشر [الآية: 187]). [تفسير الثوري: 58]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، قال: كان الرّجل يأكل ويشرب ما لم ينم، فنام رجلٌ من المسلمين، فحرم عليه الطّعام والشّراب إلى مثلها، فأصاب رجلٌ مرّتين - أو ثلاثًا-، ثمّ نزلت الرّخصة: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم}). [سنن سعيد بن منصور: 2/696]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {وابتغوا ما كتب الله لكم} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد الرّحمن بن زيادٍ، عن شعبة، قال: سألت الحكم عن قوله عزّ وجلّ: {وابتغوا ما كتب الله لكم}، قال: يعني الولد). [سنن سعيد بن منصور: 2/697]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا حصين، عن الشّعبيّ، عن عدي بن حاتمٍ، قال: لمّا نزلت: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن
[سنن سعيد بن منصور: 2/697]
لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود}، عمدت إلى عقالين أبيض وأسود، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أقوم اللّيل، فلا أتبيّن الأبيض من الأسود، فلمّا أصبحت، غدوت على رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فأخبرته، فضحك، وقال: ((إنّ وسادك لعريضٌ، إنّما ذاك (سواد الليل وبياض النهار)) ).
[سنن سعيد بن منصور: 2/698]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ - في قوله عزّ وجلّ: {حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} -، قال: إذا تسحّر الرّجل وهو يرى أنّ عليه ليلًا، وقد كان طلع الفجر، فليتمّ صومه، لأنّ اللّه يقول: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم}. وإذا أكل وهو يرى أنّ الشّمس قد غابت ولم تغب، فليقضه، لأنّ اللّه تعالى يقول: {ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل}.
[سنن سعيد بن منصور: 2/701]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا خالدٌ، ومنصورٌ، عن ابن سيرين، عن يحيى بن الجزّار، قال: سئل ابن مسعودٍ عن رجلٍ تسحّر وهو يرى أنّ عليه ليلًا، وقد طلع الفجر، قال: من أكل من أول النهار فليأكل آخره.
[سنن سعيد بن منصور: 2/702]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا منصورٌ، عن ابن سيرين أنّه قال مثل ذلك.
وقال الحسن: يتمّ صومه ولا شيء عليه.
[سنن سعيد بن منصور: 2/703]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا (عمر) بن عبد الواحد السّلمي - من أهل دمشق -، عن النّعمان بن المنذر الغسّاني، عن مكحول، قال: سئل أبو سعيدٍ الخدريّ عن رجلٍ تسحّر وهو يرى أنّ عليه ليلًا وقد طلع عليه الفجر، قال: إن كان من شهر رمضان صامه وقضى يومًا مكانه، وإن كان من غير شهر رمضان، فليأكل من آخره؛ فقد أكل من أوله). [سنن سعيد بن منصور: 2/704]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنّ وابتغوا ما كتب اللّه لكم} [البقرة: 187]
[صحيح البخاري: 6/25]
- حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، ح وحدّثنا أحمد بن عثمان، حدّثنا شريح بن مسلمة، قال: حدّثني إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء رضي اللّه عنه: «لمّا نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النّساء رمضان كلّه، وكان رجالٌ يخونون أنفسهم» . فأنزل اللّه {علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم} [البقرة: 187]). [صحيح البخاري: 6/25]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم إلى قوله وابتغوا ما كتب اللّه لكم)
كذا لأبي ذرٍّ وساق في رواية كريمة الآية كلّها
- قوله لمّا نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النّساء قد تقدّم في كتاب الصّيام من حديث البراء أيضًا أنّهم كانوا لا يأكلون ولا يشربون إذا ناموا وأنّ الآية نزلت في ذلك وبيّنت هناك أنّ الآية نزلت في الأمرين معًا وظاهر سياق حديث الباب أنّ الجماع كان ممنوعًا في جميع اللّيل والنّهار بخلاف الأكل
[فتح الباري: 8/181]
والشّرب فكان مأذونًا فيه ليلًا ما لم يحصل النّوم لكن بقيّة الأحاديث الواردة في هذا المعنى تدلّ على عدم الفرق كما سأذكرها بعد فيحمل قوله كانوا لا يقربون النّساء على الغالب جمعًا بين الأخبار قوله وكان رجالٌ يخونون أنفسهم سمّي من هؤلاء عمر وكعب بن مالكٍ رضي اللّه عنهما فروى أحمد وأبو داود والحاكم من طريق عبد الرّحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبلٍ قال أحلّ الصّيام ثلاثة أحوالٍ فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قدم المدينة فجعل يصوم من كلّ شهرٍ ثلاثة أيّامٍ وصام عاشوراء ثمّ إنّ اللّه فرض عليه الصّيام وأنزل عليه يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصّيام فذكر الحديث إلى أن قال وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النّساء ما لم يناموا فإذا ناموا امتنعوا ثمّ إنّ رجلًا من الأنصار صلّى العشاء ثمّ نام فأصبح مجهودًا وكان عمر أصاب من النّساء بعد ما نام فأنزل اللّه عزّ وجلّ أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم إلى قوله ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل وهذا الحديث مشهورٌ عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى لكنّه لم يسمع من معاذٍ وقد جاء عنه فيه حدّثنا أصحاب محمّدٍ كما تقدّم التّنبيه عليه قريبًا فكأنّه سمعه من غير معاذٍ أيضًا وله شواهد منها ما أخرجه بن مردويه من طريق كريب عن بن عبّاسٍ قال بلغنا ومن طريق عطاءٍ عن أبي هريرة نحوه وأخرج بن جرير وبن أبي حاتمٍ من طريق عبد اللّه بن كعب بن مالكٍ عن أبيه قال كان النّاس في رمضان إذا صام الرّجل فأمسى فنام حرم عليه الطّعام والشّراب والنّساء حتّى يفطر من الغد فرجع عمر من عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وقد سمر عنده فأراد امرأته فقالت إنّي قد نمت قال ما نمت ووقع عليها وصنع كعب بن مالك مثل ذلك فنزلت وروى بن جرير من طريق بن عبّاسٍ نحوه ومن طريق أصحاب مجاهدٍ وعطاءٍ وعكرمة وغير واحدٍ من غيرهم كالسّدّيّ وقتادة وثابتٍ نحو هذا الحديث لكن لم يزد واحدٌ منهم في القصّة على تسمية عمر إلّا في حديث كعب بن مالكٍ واللّه أعلم). [فتح الباري: 8/182]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب قوله: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد} [البقرة: 187] "
[صحيح البخاري: 6/25]
إلى قوله: {يتّقون} [البقرة: 187] ، {العاكف} [الحج: 25]: المقيم "
[صحيح البخاري: 6/26]
- حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا أبو عوانة، عن حصينٍ، عن الشّعبيّ، عن عديٍّ، قال: أخذ عديٌّ عقالًا أبيض، وعقالًا أسود حتّى كان بعض اللّيل نظر فلم يستبينا، فلمّا أصبح قال يا رسول اللّه: جعلت تحت وسادي عقالين، قال: «إنّ وسادك إذًا لعريضٌ أن كان الخيط الأبيض، والأسود تحت وسادتك»
[صحيح البخاري: 6/26]
- حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا جريرٌ، عن مطرّفٍ، عن الشّعبيّ، عن عديّ بن حاتمٍ رضي اللّه عنه، قال: قلت يا رسول اللّه: ما الخيط الأبيض، من الخيط الأسود أهما الخيطان، قال: «إنّك لعريض القفا، إن أبصرت الخيطين» ، ثمّ قال: «لا بل هو سواد اللّيل، وبياض النّهار»
[صحيح البخاري: 6/26]
- حدّثنا ابن أبي مريم، حدّثنا أبو غسّان محمّد بن مطرّفٍ، حدّثني أبو حازمٍ، عن سهل بن سعدٍ، قال: وأنزلت: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} [البقرة: 187] ولم ينزل: {من الفجر} [البقرة: 187] " وكان رجالٌ إذا أرادوا الصّوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتّى يتبيّن له رؤيتهما، فأنزل اللّه بعده: {من الفجر} [البقرة: 187] «فعلموا أنّما يعني اللّيل من النّهار»). [صحيح البخاري: 6/26]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر الآية)
العاكف المقيم ثبت هذا التّفسير في رواية المستملي وحده وهو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى سواءٌ العاكف فيه والباد أي المقيم والّذي لا يقيم ثمّ ذكر حديث عديّ بن حاتمٍ من وجهين في تفسير الخيط الأبيض والأسود وحديث سهل بن سعدٍ في ذلك وقد تقدّما في الصّيام مع شرحهما قوله باب وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتّقى الآية كذا لأبي ذرٍّ وساق في رواية كريمة إلى آخرها ثمّ ذكر حديث البراء في سبب نزولها وقد تقدم شرحه في كتاب الحج). [فتح الباري: 8/183]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (باب: {أحلّ لكم ليلة الصيّام الرّفث إلى نسائكم هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ علم الله أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنّ وابتغوا ما كتب الله لكم} (البقرة: 187)
أي: هذا في بيان أحكام هذه الآية وهكذا هو في رواية أبي ذر. وساق في رواية كريمة إلى آخر الآية قوله: (أحل لكم) وقرئ (أحل لكم ليلة الصّيام الرّفث) على بناء الفاعل في: أحل، وبنصب الرّفث أي أحل الله لكم الرّفث أي: الجماع. وقرأ عبد الله الرفوث، وإنّما أفصح فيما ينبغي أن يكنى عنه استقباحا لما وجد منهم قبل الإباحة كما سمّاه اختنانا لأنفسهم عدى بكلمة إلى لتضمّنه معنى الإفضاء وسبب نزول الآية هو دفع المشقّة عن عباده، وذلك أن الرجل كان يحل له الأكل والشرب والجماع إلى أن يصلّي العشاء الآخرة أو يرقد، فإذا صلى أو رقد ولم يفطر حرم عليه الطّعام والشراب والجماع إلى القابلة. ثمّ أن ناسا من المسلمين أصابوا من الطّعام والشراب بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب، رضي الله عنه واقع أهله بعد العشاء، فلمّا اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه فأتى النّبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما فعل. وقام ناس أيضا فاعترفوا بما كانوا صنعوا بعد العشاء. فنزلت رخصة من الله ورفع ما كانوا عليه في ابتداء الإسلام قوله: (هن لباس لكم) استئناف كالبيان لسبب الإحلال، ولما كان الرجل والمرأة يعتنقان ويشتمل كل واحد منهما على صاحبه في عناقه شبه باللباس المشتمل عليه. قوله: (تختانون أنفسكم)، أي: تظلمونها وتنقصونها حظها من الخير والاختنان من الختن كالاكتساب من الكسب فيه زيادة شدّة. قوله: (فتاب عليكم)، أي: حين تبتم من المحظور. قوله: (فالآن باشروهن)، أي: في الوقت الّذي كان يحرم عليكم الجماع فيه. والمباشرة المجامعة لتصلاق بشرة كل منهم بصاحبه. قوله: (وابتغوا ما كتب الله لكم)، أي: اطلبوه يقال: بغى الشّيء يبغيه بغيا وابتغاه يبتغيه ابتغاء. ومعنى: (ما كتب الله لكم) ما قضاه لكم من الولد. وقيل: ما أحل لكم من الجماع. وقيل: ما كتب في اللّوح المحفوظ والأمر أمر إباحة وقال أهل الظّاهر أمر إيجاب وختم.
- حدّثنا عبيد الله عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء وحدّثنا أحمد بن عثمان حدّثنا شريح بن مسلمة قال حدّثني إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق قال سمعت البراء رضي الله تعالى عنه لمّا نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النّساء رمضان كلّه وكان رجالٌ يخونون أنفسهم فأنزل الله تعالى {علم الله أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم}.
[عمدة القاري: 18/106]
مطابقته للتّرجمة في قوله: (فأنزل الله)، إلى آخره وأخرجه من طريقين (الأول): عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي عن جده أبي إسحاق عن البراء بن عازب (والثّاني): عن أحمد بن عثمان بن حكيم عن شرح، بالشين المعجمة وبالحاء المهملة عن إبراهيم بن يوسف عن أبيه يوسف بن إسحاق عن جده أبي إسحاق عن البراء.
والحديث أخرجه البخاريّ بالطّريق الأول في الصّوم عن عبيد الله أيضا وأخرج الثّاني هنا فقط، وقد مضى الكلام فيه هناك.
قوله: (كانوا لا يقربون النّساء) وقد اقتصر هنا على إتيان النّساء والّذي مضى في كتاب الصّيام من حديث البراء: أنهم كانوا لا يأكلون ولا يشربون إذا ناموا، وأن الآية نزلت في ذلك: ولكن وردت أحاديث تدل على عدم الفرق فحينئذٍ يحمل قوله: (كانوا لا يقربون النّساء) على الغالب فتنفق الأخبار قوله: (وكان رجال يخونون أنفسهم) منهم عمر بن الخطاب وكعب بن مالك). [عمدة القاري: 18/107]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (باب قوله: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد} إلى قوله {تتّقون} {العاكف المقيم} (البقرة: 187)
قوله تعالى: {وكلوا واشربوا} أمر إباحة أباح الله تعالى الأكل والشرب مع ما تقدم من إباحة الجماع في أي اللّيل شاء الصّائم إلى أن يتبيّن ضياء الصّباح من سواد اللّيل، وعبر عن ذلك بالخيط الأبيض والخيط الأسود وقال الزّمخشريّ الخيط أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود والخيط الأسود ما يمتد معه من غسق اللّيل، شبههما بالخيط الأبيض والأسود. قوله: (من الفجر) بيان الخيط الأبيض واكتفى به عن بيان الخيط الأسود. لأن بيان أحدهما للآخر، وكان هذا تشبيها مخرجا من باب الاستعارة. قوله: (ولا تباشروهن)، أي: ولا تجامعوهن. والحال أنكم (عاكفون) أي: معتكفون فيها والاعتكاف هو اللّّبث في المسجد بنية التّعبّد.
- حدّثنا موسى بن إسماعيل حدّثنا أبو عوانة عن حصينٍ عن الشّعبيّ عن عديّ قال أخذ عديٌّ عقالاً أبيض وعقالاً أسود حتّى كان بعض اللّيل نظر فلم يستبينا فلمّا أصبح قال يا رسول الله جعلت تحت وسادتي عقالين قال إنّ وسادك إذا لعريضٌ أن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك.
مطابقته للتّرجمة في ذكر الخيط الأبيض والأسود وأبو عوانة بفتح العين المهملة الوضاح اليشكري، وحصين، بضم الحاء وفتح الصّاد المهملتين ابن عبد الرّحمن السّلميّ، والشعبيّ عامر بن شراحيل، والحديث مضى في الصّيام في باب قوله تعالى: (وكلوا واشربوا) وتقدم الكلام فيه هناك.
- حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ حدّثنا جريرٌ عن مطرفٍ عن الشّعبيّ عن عديّ بن حاتمٍ رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود أهما الخيطان قال إنّك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين ثمّ قال لا بل هو سواد اللّيل وبياض النّهار.
هذا طريق آخر في حديث عدي عن قتيبة عن جرير بن عبد الحميد عن مطرف بضم الميم وفتح الطّاء المهملة وكسر الرّاء المشدّدة ابن طريف إلى آخره.
- حدّثنا ابن أبي مريم حدّثنا أبو غسّان محمّد بن مطرّفٍ حدّثني أبو حازمٍ عن سهلٍ بن سعدٍ قال وأنزلت وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولم ينزل
[عمدة القاري: 18/107]
من الفجر وكان رجال إذا أردوا الصّوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود ولا يزال يأكل حتّى يتبيّن له رؤيتهما فأنزل الله بعده من الفجر فعلموا أنّما يعني اللّيل من النّهار.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة وابن أبي مريم هو سعيد بن محمّد بن الحكم بن أبي مريم البصريّ، وأبو غسّان، بفتح الغين المعجمة وتشديد السّين المهملة محمّد بن مطرف بلفظ اسم الفاعل من التطريف بالطّاء المهملة ملّة وبالراء المدني، وأبو حازم، بالحاء المهملة والزّاي سلمة بن دينار. والحديث مضى في الصّيام في باب قوله: {كلوا واشربوا} (البقرة: 187) بهذا الإسناد والمتن، ومر الكلام فيه هناك). [عمدة القاري: 18/108]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنّ وابتغوا ما كتب اللّه لكم}
({أحلّ}) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول أي أحل الله ({لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}) عدى الرفث الذي هو كناية عن الجماع بإلى، والأصل أن يتعدى بالباء يقال: أرفث فلان بامرأته لتضمنه معنى الإفضاء. قال تعالى: {وقد أفض بعضكم إلى بعض} [النساء: 21] كأنه قال أحل لكم الإفضاء إلى نسائكم بالرفث ({هن}) أي نساؤكم ({لباس لكم وأنتم لباس لهن}). قال الزمخشري: لما كان الرجل والمرأة يعتنقان ويشتمل كل واحد منهما على صاحبه في عناقه شبه باللباس المشتمل عليه قال الجعدي:
إذا ما الضجيع ثنى عطفها = تثنت فكانت عليه لباسا
وزاد القاضي لأن كل واحد منهما يستر حال صاحبه ويمنعه من الفجور ونحوه. قال السمرقندي: والجملة استئناف تبين سبب الإحلال وهو قلة الصبر عنهن وصعوبة اجتنابهن لكثرة المخالطة وشدة الملابسة فلذلك رخص في المباشرة ({علم الله أنكم كنتم}) في موضع رفع خبر لأن ({تختانون أنفسكم}) تظلمونها بتعريضها للعقاب وتنقيص حظها من الثواب ({فتاب عليكم}) حين تبتم مما ارتكبتم من المحظور ({وعفا عنكم}) يحتمل أن يريد عن المعصبة بعينها فيكون تأكيدًا وتأنيسًا زيادة على التوبة، ويحتمل أن يريد عفا عما كان يلزمكم من اجتناب النساء بمعنى تركه لكم كما تقول شيء معفو عنه أي متروك ({فالآن}) أي: فالوقت الذي كان يحرم عليكم فيه الجماع من الليل ({باشروهن}) أي جامعوهن ({وابتغوا ما كتب الله لكما}) [البقرة: 187] أي اطلبوا ما قدره لكم وأثبته في اللوح المحفوظ من الولد، والمعنى أن المباشر ينبغي أن يكون غرضه الولد فإنه الحكمة من خلق الشهوة وشرع النكاح لإقضاء الوطر قاله في أسرار التنزيل كالكشاف. وقال السمرقندي: ابتغوا بالقرآن ما أبيح لكم فيه وأمرتم به وسقط من
قوله: {هن لباس لكم} الخ في رواية أبي ذر وقال بعد قوله: {إلى نسائكم} إلى قوله: {وابتغوا ما كتب الله لكم}.
- حدّثنا عبيد اللّه عن إسرائيل، عن أبي إسحاق عن البراء ح وحدّثنا أحمد بن عثمان حدّثنا شريح بن مسلمة، قال: حدّثني إبراهيم بن يوسف، عن أبيه عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء رضي الله تعالى عنه لمّا نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النّساء رمضان كلّه، وكان رجالٌ يخونون أنفسهم فأنزل اللّه تعالى: {علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم} [البقرة: 187].
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن موسى العبسي مولاهم الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب. قال المؤلّف: (وحدّثنا) ولأبي ذر وحدّثني بالإفراد (أحمد بن عثمان) بن حكيم الأودي الكوفي قال: (حدّثنا شريح بن مسلمة) بشين معجمة مضمومة وراء مفتوحة آخره حاء مهملة ومسلمة بفتح الميم واللام الكوفي (قال: حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (إبراهيم بن يوسف عن أبيه) يوسف (عن) جده (أبي إسحاق) أنه (قال: سمعت البراء رضي الله تعالى عنه) قال: (لما نزل صوم رمضان كانوا) أي الصحابة (لا يقربون النساء) أي لا يجامعونهن (رمضان كله) ليلًا ونهارًا. زاد في الصيام عن البراء أيضًا من طريق إسرائيل أنهم كانوا لا يأكلون ولا يشربون إذا ناموا، ومفهوم ذلك أن الأكل والشرب كان مأذونًا فيه ليلًا ما لم يحصل النوم، لكن بقية الأحاديث الواردة في هذا تدل على عدم الفرق فيحمل قوله كانوا لا يقربون النساء على الغالب جمعًا بين الأحاديث (وكان رجال يخونون أنفسهم) فيجامعون ويأكلون ويشربون منهم عمر بن الخطاب وكعب بن مالك وقيس بن صرمة الأنصاري (فأنزل الله تعالى: {علم الله أنّكم كنتم تختانون
[إرشاد الساري: 7/25]
أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم}) وسقط قوله: {وعفا عنكم} لأبي ذر وقال بدل ذلك الآية). [إرشاد الساري: 7/26]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد} -إلى قوله- {تتّقون}. العاكف: المقيم
(باب قوله تعالى) وسقط التبويب وتاليه لغير أبي ذر ({وكلوا واشربوا}) جميع الليل بعد أن كنتم ممنوعين منهما بعد النوم في رمضان ({حتى}) أي إلى أن ({يتبين لكم الخيط الأبيض}) وهو أوّل ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط المدود ({من الخيط الأسود}) وهو ما يمتد معه من غسق الليل شبههما بخيطين أبيض وأسود ({من الفجر}) [البقرة: 187] بيان للخيط
الأبيض واكتفى به عن بيان الخيط الأسود لدلالته عليه، وبذلك خرجا من الاستعارة إلى التمثيل كما قاله القاضي كالزمخشري.
قال الطيبي: لأن الاستعارة أن يذكر أحد طرفي التشبيه ويراد به الطرف الآخر وهنا الفجر هو المشبه، والخيط الأبيض هو المشبه به ولا يقال بقي الأسود على الاستعارة لترك المشبه لأنه لما كان في الكلام ما يدل عليه فكأنه ملفوظ.
وقال المحقق الكافيحي: تحقيق الكلام في هذا يحتاج إلى تحقيق الفرق بين الكلام التشبيهي والكلام المشتمل على الاستعارة، فالتشبيهي هو الذي يذكر فيه المشبه لفظًا نحو: زيد أسد، أو تقديرًا نحو أسد في مقام الإخبار عن زيد، وأما الكلام الذي يتضمن الاستعارة: فهو الذي يجعل خلوًّا عن ذكر المشبه صالحًا لأن يراد به المشبه به لولا القرينة المانعة عن إرادته، وإذا علم هذا فقوله: {حتى يتبين لكم} إلى آخره فيه مقصدان.
أحدهما: بيان أنه من قبيل التشبيه عند أهل البيان لا من قبيل الاستعارة لما فيه من ذكر المشبه والمشبه به وهما الفجر والخيط الأبيض وغبش الليل، والخيط الأسود على ما مرّ.
الثاني: تحقيق أنه من قبيل الاستعارة لا من باب التشبيه استدلالًا عليه بنص الكتاب وتمسكًا بالسنة وبشهادة فحوى الخطاب.
أما النص؛ فقوله تعالى: {من الفجر} بيان للخيط الأبيض ومعلوم عندك بالضرورة أن البيان مع المبين متحد بالذات مختلف بالاعتبار وإنما يتصور هذا المعنى المجازي على سبيل الاستعارة وإلا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز وليس بمشترك بينهما.
وأما السنة، فقد علم منها أن المراد بياض النهار لا الخيط الأبيض حيث قال عليه الصلاة والسلام فيما يأتي: "إنك لعريض القفا بل هو سواد الليل وبياض النهار". وأما قولهم الاستعارة يجب فيها أن يترك ذكر المشبه احترازًا عن فوات المقصود وتبرّيًا عن عود الأمر على موضوعه بالنقص والإبطال، ولئلا يكون الأمر كلا أمر فهو مؤوّل بما لا يذكر المشبه بحيث ينبئ عن التشبيه، فيكون المراد رفع الإيجاب الكلي فيكون أعم من عموم السلب.
وأما فحوى الخطاب فلأن المقام مقام المبالغة والاتحاد حتى اشتبه المراد على بعض الأذهان لا مقام التغاير والتفاوت ومدار الاستعارة حيثما كانت إنما هو على قصد المبالغة ودعوى الاتحاد كما أن مدار التشبيه إنما هو على قصد التغاير والتفاوت والعمدة في الفرق بينهما كمال التمييز بين المقامين بإعطاء كل مقام حقه، ثم إن المختار في نحو زيد أسد هو التفصيل فتارة يكون استعارة بحسب مقتضى المقام، وأخرى يكون تشبيعًا بحسبه أيضًا فيكون هذا جميعًا بين القولين المختلفين.
قال: فعلم من هذا ضعف قول من قال إنه من باب الاستعارة على الإطلاق كما علم منه عدم متانة قول من قال: إنه من باب التشبيه على الإطلاق انتهى.
"ومن" في (من الخيط) لابتداء الغاية وهي ومجرورها في محل نصب بيتبين وفي (من الفجر) يجوز كونها تبعيضية فتتعلق بـ (يتبين) لأن الخيط الأبيض هو بعض الفجر وأن تتعلق بمحذوف على أنها حال من الضمير في الأبيض أي الخيط الذي هو أبيض كائنًا من الفجر، وعلى هذا يجوز كون من لبيان الجنس كأنه قيل الخيط الأبيض الذي هو الفجر. قال التفتازاني: المعنى على التبعيض حال كون الخيط الأبيض بعضًا من الفجر وعلى البيان حال كونه هو الفجر فأعربه حالًا.
({ثم أتموا الصيام إلى الليل}) إلى غروب الشمس والجار والمجرور يتعلق بالإتمام أو في محل نصب على الحال من الصيام فيتعلق بمحذوف أي كائنًا إلى الليل ({ولا تباشروهن}) ولا
[إرشاد الساري: 7/26]
تجامعوهن ({وأنتم عاكفون في المساجد}) بنية القربة والجملة حالية من فاعل تباشروهن قال الضحاك: كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد جامع إن شاء حتى نزلت هذه الآية (إلى قوله: ({يتقون}) [البقرة: 187] أي يتقون مخالفة الأوامر والنواهي وسقط ثم أتموا الصيام الخ في رواية أبي ذر وقال: الآية. (العاكف: المقيم) كذا فسره أبو عبيدة وسقط ذلك لغير المستملي.
- حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا أبو عوانة، عن حصينٍ، عن الشّعبيّ، عن عديٍّ قال: أخذ عديٌّ عقالًا أبيض، وعقالًا أسود حتّى كان بعض اللّيل نظر فلم يستبينا فلمّا أصبح قال: يا رسول اللّه جعلت تحت وسادتي قال: «إنّ وسادك إذًا لعريضٌ إن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن عدي) هو ابن حاتم الصحابي رضي الله تعالى عنه أنه (قال: أخذ عدي) بعد نزول آية {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض} (عقالًا) بكسر العين أي خيطًا (أبيض وعقالًا أسود) أي وجعلهما تحت وسادته كما في رواية هشيم عن حصين في الصيام (حتى كان بعض الليل نظر) إليهما (فلم يستبينا) فلم يظهرًا له (فلما أصبح) جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم (قال: يا رسول الله جعلت تحت وسادتي) زاد الأصيلي عقالين أي لأستبين بهما الفجر من الليل، ولأبي ذر عن الكشميهني وسادي بإسقاط تاء التأنيث (قال) عليه الصلاة والسلام:
(إن وسادك) بغير تاء تأنيث (إذًا لعريض إن) بفتح الهمزة (كان الخيط الأبيض والأسود) المذكوران في الآية (تحت وسادتك) بزيادة فوقية بعد الدال، وقول الخطابي كنى بالوسادة عن النوم أي نومك إذا لطويل، ومعنى العريض هنا الواسع الكبير لا خلاف الطويل يدفعه ما في هذا الحديث لأن المشرق والمغرب إذا كانا تحت الوساد لزم عرضه قطعًا.
- حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا جريرٌ عن مطرّفٍ، عن الشّعبيّ عن عديّ بن حاتمٍ
-رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول اللّه ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود أهما الخيطان؟ قال: «إنّك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين»، ثمّ قال: «لا بل هو سواد اللّيل وبياض النّهار».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي وسقط ابن سعيد لأبي ذر قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن مطرف) بضم الميم وفتح الطاء المهملة وبعد الراء المهملة المشددة المكسورة وفاء ابن طريف الكوفي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: قلت يا رسول الله ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود) وكان قد وضع عقالين تحت وسادته كما سبق (أما الخيطان؟ قال) عليه الصلاة والسلام:
(إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين) فسّر الخطابي عرض القفا بالبله والغفلة والبلادة وحيئنذ فهو كناية لإمكان إرادة الحقيقة بل هي أولى لأنه إذا كان وساده عريضًا فقفاه عريض (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (لا بل هو سواد الليل وبياض النهار).
- حدّثنا ابن أبي مريم، حدّثنا أبو غسّان محمّد بن مطرّفٍ، حدّثني أبو حازمٍ، عن سهل بن سعدٍ قال: وأنزلت {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} ولم ينزل {من الفجر} وكان رجالٌ إذا أرادوا الصّوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود ولا يزال يأكل حتّى يتبيّن له رؤيتهما فأنزل اللّه بعده {من الفجر} فعلموا أنّما يعني اللّيل من النّهار.
وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) سعيد بن محمد بن الحكم المصري قال: (حدّثنا أبو غسان) بفتح الغين وتشديد السين المهملة وبعد الألف نون (محمد بن مطرف) بكسر الراء المشددة بلفظ اسم الفاعل المدني قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدثنا (أبو حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين الساعدي رضي الله تعالى عنه أنه (قال: وأنزلت) بالواو، ولأبي ذر أنزلت بإسقاطها ({وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولم ينزل) بضم أوله وفتح ثالثه ولأبي ذر ينزل بفتح ثم كسر ({من الفجر} وكان رجال) بالواو (إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله بعده) ولأبي ذر بعد بحذف الضمير ({من الفجر فعلموا أنما يعني الليل من النهار) للتصريح بذلك. وسقط لفظ من في الفرع كغيره.
وهذا الحديث صريح في نزول {من الفجر} بعد سابقه وحديث عدي مقتضاه اتصاله به.
وأجيب: بالتعدد، وقد مرّ الحديث وسابقه في كتاب الصوم والله تعالى الموفق). [إرشاد الساري: 7/27]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ
لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم}
قوله: (هنّ لباس لكم الخ) قال الزمخشري: لما كان الرجل والمرأة يعتنقان، ويشتمل كل واحد منهما على صاحبه في عناقه شبه باللباس المشتمل عليه، قال الجعدي:
إذا ما الضجيج ثنى عطفها تثنت فكانت عليه لباسا اهـ قسطلاني). [حاشية السندي على البخاري: 3/40]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: كان أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا كان الرّجل صائمًا فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر، لم يأكل ليلته ولا يومه حتّى يمسي، وإنّ قيس بن صرمة الأنصاريّ كان صائمًا، فلمّا حضره الإفطار أتى امرأته، فقال: هل عندك طعامٌ؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل فغلبته عينه وجاءته امرأته، فلمّا رأته قالت: خيبةً لك. فلمّا انتصف النّهار غشي عليه، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فنزلت هذه الآية: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} ففرحوا بها فرحًا شديدًا {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/60]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا أحمد بن منيعٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حصينٌ، عن الشّعبيّ، قال: أخبرنا عديّ بن حاتمٍ، قال: لمّا نزلت: {حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} قال لي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّما ذلك بياض النّهار من سواد اللّيل.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
حدّثنا أحمد بن منيعٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: حدّثنا مجالدٌ، عن الشّعبيّ، عن عديّ بن حاتمٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مثل ذلك). [سنن الترمذي: 5/61]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن مجالدٍ، عن الشّعبيّ، عن عديّ بن حاتمٍ، قال: سألت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم عن الصّوم فقال: {حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} قال: فأخذت عقالين أحدهما أبيض والآخر أسود، فجعلت أنظر إليهما، فقال لي رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، شيئًا لم يحفظه سفيان، فقال: إنّما هو اللّيل والنّهار.
هذا حديثٌ حسنٌ). [سنن الترمذي: 5/61]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}
- أخبرنا عليّ بن حجرٍ، أخبرنا جريرٌ، عن مطرّفٍ، عن الشّعبيّ، عن عديّ بن حاتمٍ، أنّه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قوله: {حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} [البقرة: 187] قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الخيط الأبيض من الخيط الأسود هذا هو سواد اللّيل وبياض النّهار»
[السنن الكبرى للنسائي: 10/24]
- أخبرنا أبو بكر بن إسحاق، حدّثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرنا أبو غسّان، حدّثني أبو حازمٍ، عن سهل بن سعدٍ، قال: " نزلت هذه الآية {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} [البقرة: 187] ولم ينزل {من الفجر} [البقرة: 187]، فكان رجالٌ إذا أرادوا الصّوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل ويشرب حتّى يتبيّن له رؤيتهما، فأنزل الله تبارك وتعالى بعد ذلك {من الفجر} [البقرة: 187] فعلموا أنّما يعني بذلك: اللّيل والنّهار "
[السنن الكبرى للنسائي: 10/25]
- أخبرنا هلال بن العلاء، حدّثنا حسين بن عيّاشٍ، حدّثنا زهيرٌ، حدّثنا أبو إسحاق، عن البراء بن عازبٍ: " أنّ أحدهم كان إذا نام قبل أن يتعشّى لم يحلّ له أن يأكل شيئًا، ولا يشرب ليلته ويومه من الغد حتّى تغرب الشّمس حتّى نزلت هذه الآية {وكلوا واشربوا} [البقرة: 187] إلى {الخيط الأسود} [البقرة: 187] وأنزلت في أبي قيس بن عمرٍو، أتى أهله وهو صائمٌ بعد المغرب، فقال: هل من شيءٍ؟ فقالت امرأته: ما عندنا شيءٍ، ولكن أخرج ألتمس لك عشاءً، فخرجت، ووضع رأسه فنام، فرجعت إليه فوجدته نائمًا، وأيقظته فلم يطعم شيئًا، وبات صائمًا وأصبح صائمًا، حتّى انتصف النّهار، فغشي عليه وذلك قبل أن تنزل الآية، فأنزل الله فيه "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/25]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {أحلّ لكم} أطلق لكم وأبيح.
ويعني بقوله: {ليلة الصّيام} في ليلة الصّيام.
فأمّا الرّفث فإنّه كنايةٌ عن الجماع في هذا الموضع، يقال: هو الرّفث والرّفوث. وقد روي أنّها في قراءة عبد اللّه: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم}.
وبمثل الّذي قلنا في تأويل الرّفث قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم المصريّ، قال: حدّثنا أيّوب بن سويدٍ، عن سفيان، عن عاصمٍ، عن بكرٍ بن عبد اللّه المزنيّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: الرّفث: الجماع، ولكنّ اللّه كريمٌ يكنّي.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عاصمٍ، عن بكرٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال الرّفث: النّكاح.
[جامع البيان: 3/229]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قال الرّفث: غشيان النّساء.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} قال: الجماع.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قال الرّفث: هو النّكاح.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال حدّثنا عبد الكبير البصريّ، قال: حدّثنا الضّحّاك بن عثمان، قال: سألت سالم بن عبد اللّه عن قوله {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} قال: هو الجماع.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} يقول: الجماع.
والرّفث في غير هذا الموضع الإفحاش في المنطق كما قال العجّاج:
عن اللّغا، ورفث التّكلّم). [جامع البيان: 3/230]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ}.
يعني تعالى ذكره بذلك: نساؤكم لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ.
فإن قال قائلٌ: وكيف يكون نساؤنا لباسًا لنا ونحن لهنّ لباسًا واللّباس إنّما هو ما لبس؟
قيل: لذلك وجهان من المعاني: أحدهما أن يكون كلّ واحدٍ منهما جعل لصاحبه لباسًا لتخرّجهما عند النّوم واجتماعهما في ثوبٍ واحدٍ وانضمام جسد كلّ واحدٍ منهما لصاحبه بمنزلة ما يلبسه على جسده من ثيابه، فقيل لكلّ واحدٍ منهما هو لباسٌ لصاحبه، كما قال نابغة بني جعدة:
إذا ما الضّجيع ثنى جيدها = تداعت فكانت عليه لباسا
ويروى تثنّت فكنّى عن اجتماعهما متجرّدين في فراشٍ واحدٍ باللّباس كما يكنّى بالثّياب عن جسد الإنسان، كما قالت ليلى وهي تصف إبلاً ركبها قومٌ:
رموها بأثوابٍ خفافٍ فلا ترى = لها شبهًا إلاّ النّعام المنفّرا
يعني رموها بأنفسهم فركبوها. وكما قال الهذليّ..
تبرّأ من دم القتيل وبزه = وقد علقت دم القتيل إزارها
يعني بإزارها نفسها. وبذلك كان الرّبيع يقول.
[جامع البيان: 3/231]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن سعيدٍ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع {هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ} يقول هنّ لحافٌ لكم، وأنتم لحافٌ لهنّ.
والوجه الآخر أن يكون جعل كلّ واحدٍ منهما لصاحبه لباسًا لأنّه سكن له، كما قال جلّ ثناؤه: {جعل لكم اللّيل لباسًا} يعني بذلك سكنًا تسكنون فيه. وكذلك زوجة الرّجل سكنه يسكن إليها، كما قال تعالى ذكره: {وجعل منها زوجها ليسكن إليها} فيكون كلّ واحدٍ منهما لباسًا لصاحبه، بمعنى سكونه إليه، وبذلك كان مجاهدٌ وغيره يقولون في ذلك.
وقد يقال لما ستر الشّيء وواراه عن أبصار النّاظرين إليه هو لباسه، وغشاؤه، فجائزٌ أن يكون قيل: هنّ لباسٌ لكم، وأنتم لباسٌ لهنّ، بمعنى أنّ كلّ واحدٍ منكم سترٌ لصاحبه فيما يكون بينكم من الجماع عن أبصار سائر النّاس.
وكان مجاهدٌ وغيره يقولون في ذلك.
- بما حدّثنا به المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ} يقول: سكنٌ لهنّ.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ} قال قتادة هنّ سكنٌ لكم، وأنتم سكنٌ لهنّ.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {هنّ لباسٌ لكم} يقول: سكنٌ لكم {وأنتم لباسٌ لهنّ} يقول: سكنٌ لهنّ.
[جامع البيان: 3/232]
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال عبد الرّحمن بن زيدٍ، في قوله {هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ} قال: المواقعةٌ.
- حدّثني أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إبراهيم، عن يزيد، عن عمرو بن دينارٍ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ} قال: هنّ سكنٌ لكم، وأنتم سكنٌ لهنّ). [جامع البيان: 3/233]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنّ وابتغوا ما كتب الله لكم}.
إن قال لنا قائلٌ: وما هذه الخيانة الّتي كان القوم يختانونها أنفسهم الّتي تاب اللّه منها عليهم فعفا عنهم؟
قيل: كانت خيانتهم أنفسهم الّتي ذكرها اللّه في شيئين: أحدهما جماع النّساء، والآخر: المطعم، والمشرب في الوقت الّذي كان حرامًا ذلك عليهم.
- كما حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، قال: حدّثنا ابن أبي ليلى، أنّ الرّجل كان إذا أفطر فنام لم يأتها، وإذا نام لم يطعم، حتّى جاء عمر بن الخطّاب يريد امرأته فقالت امرأتًه: قد كنت نمت فظنّ أنّها تعتلّ فوقع بها قال: وجاء رجلٌ من الأنصار فأراد أن يطعم فقالوا: نسخّن لك شيئًا؟ قال: ثمّ نزلت هذه الآية: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} الآية.
[جامع البيان: 3/233]
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: حدّثنا حصين بن عبد الرّحمن، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، قال كانوا يصومون ثلاثة أيّامٍ من كلّ شهرٍ، فلمّا دخل رمضان كانوا يصومون، فإذا لم يأكل الرّجل عند فطره حتّى ينام لم يأكل إلى مثلها، وإن نام، أو نامت امرأته لم يكن له أن يأتيها إلى مثلها. فجاء شيخٌ من الأنصار يقال له صرمة بن مالكٍ، فقال لأهله: أطعموني فقالت: حتّى أجعل لك شيئًا سخنًا، قال: فغلبته عينه فنام. ثمّ جاء عمر، فقالت له امرأته: إنّي قد نمت فلم يعذرها، وظنّ أنّها تعتلّ فواقعها. فبات هذا وهذا يتقلّبان ليلتهما ظهرًا، وبطنًا، فأنزل اللّه في ذلك: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} وقال: {فالآن باشروهنّ} فعفا اللّه عن ذلك. وكانت سنّةً.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن عبد اللّه ابن عتبة، عن عمرو بن مرّة، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبلٍ، قال كانوا يأكلون ويشربون ويأتون النّساء ما لم يناموا، فإذا ناموا تركوا الطّعام، والشّراب، وإتيان النّساء، فكان رجلٌ من الأنصار يدعى أبا صرمة، يعمل في أرضٍ له، قال: فلمّا كان عند فطره نام، فأصبح صائمًا قد جهد، فلمّا رآه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ما لي أرى بك جهدًا؟ فأخبره بما كان من أمره. واختان رجلٌ نفسه في شأن النّساء، فأنزل اللّه {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم}. إلى آخر الآية.
[جامع البيان: 3/234]
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثني أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، نحو حديث ابن أبي ليلى الّذي حدّث به، عمرو بن مرّة، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال كانوا إذا صاموا ونام أحدهم لم يأكل شيئًا حتّى يكون من الغد، فجاء رجلٌ من الأنصار، وقد عمل في أرضٍ له وقد أعيا، وكلّ، فغلبته عينه ونام، وأصبح من الغد مجهودًا، فنزلت هذه الآية: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن رجاءٍ البصريّ، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال كان أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا كان الرّجل صائمًا فنام قبل أن يفطر لم يأكل إلى مثلها، وإنّ قيس بن صرمة الأنصاريّ كان صائمًا، وكان توجّه ذلك اليوم فعمل في أرضه، فلمّا حضر الإفطار أتى امرأته فقال: هل عندكم طعامٌ؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك. فغلبته عينه فنام، وجاءت امرأته قالت: قد نمت فلم ينتصف النّهار حتّى غشي عليه، فذكرت ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت فيه هذه الآية: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} إلى: {من الخيط الأسود} ففرحوا بها فرحًا شديدًا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ،
[جامع البيان: 3/235]
قال: حدّثنا معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه تعالى ذكره {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} وذلك أنّ المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلّو العشاء حرّم عليهم النّساء والطّعام إلى مثلها من القابلة، ثمّ إنّ ناسًا من المسلمين أصابوا الطّعام، والنّساء في رمضان بعد العشاء، منهم عمر بن الخطّاب، فشكوا ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه: {علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنّ} يعني انكحوهنّ {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، قال: حدّثني موسى بن جبيرٍ، مولى بني سلمة، أنّه سمع عبد اللّه بن كعب بن مالكٍ، يحدّث عن أبيه، قال كان النّاس في رمضان إذا صام الرّجل فأمسى فنام حرّم عليه الطّعام، والشّراب، والنّساء حتّى يفطر من الغد. فرجع عمر بن الخطّاب من عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ذات ليلةٍ وقد سمر عنده، فوجد امرأته قد نامت فأرادها، فقالت: إنّي قد نمت فقال: ما نمت ثمّ وقع بها، وصنع كعب بن مالكٍ مثل ذلك. فغدا عمر بن الخطّاب إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبره، فأنزل اللّه تعالى ذكره: {علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنّ}. الآية.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، قال: حدّثنا ثابتٌ، أنّ عمر بن الخطّاب، واقع، أهله ليلةً في رمضان، فاشتدّ ذلك عليه فأنزل اللّه: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم}.
[جامع البيان: 3/236]
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث} إلى نسائكم هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ إلى: {وعفا عنكم} كان النّاس أوّل ما أسلموا إذا صام أحدهم يصوم يومه، حتّى إذا أمسى طعم من الطّعام فيما بينه وبين العتمة، حتّى إذا صلّيت حرّم عليهم الطّعام حتّى يمسي من اللّيلة القابلة. وإنّ عمر بن الخطّاب بينما هو نائمٌ، إذ سوّلت له نفسه، فأتى أهله لبعض حاجته، فلمّا اغتسل أخذ يبكي، ويلوم نفسه كأشدّ ما رأيت من الملامة. ثمّ أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه إنّى أعتذر إلى اللّه وإليك من نفسي هذه الخاطئة، فإنّها زيّنت لي فواقعت أهلي، هل تجد لي من رخصةٍ يا رسول اللّه؟ قال: لم تكن حقيقًا بذلك يا عمر، فلمّا بلغ بيته، أرسل إليه، فأنبأه بعذره في آيةٍ من القرآن، وأمر اللّه رسوله أن يضعها في المائة الوسطى من سورة البقرة، فقال: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} إلى {علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم} يعني بذلك الّذي فعل عمر بن الخطّاب. فأنزل اللّه عفوه، فقال: {فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنّ} إلى: {من الخيط الأسود} فأحلّ لهم المجامعة، والأكل، والشّرب حتّى يتبيّن لهم الصّبح.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ،
[جامع البيان: 3/237]
قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} قال كان الرّجل من أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم يصوم الصّيام بالنّهار، فإذا أمسى أكل، وشرب، وجامع النّساء، فإذا رقد حرّم ذلك كلّه عليه إلى مثلها من القابلة. وكان منهم رجالٌ يختانون أنفسهم في ذلك، فعفا اللّه عنهم، وأحلّ لهم بعد الرّقاد، وقبله في اللّيل كلّه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال كان أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصوم الصّائم في رمضان، فإذا أمسى، ثمّ ذكر نحو حديث محمّد بن عمرٍو وزاد فيه: وكان منهم رجالٌ يختانون أنفسهم، وكان عمر بن الخطّاب ممّن يختان نفسه، فعفا اللّه عنهم، وأحلّ ذلك لهم بعد الرّقاد وقبله، وفي اللّيل كلّه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، قال: أخبرني إسماعيل بن شروسٍ، عن عكرمة، مولى ابن عبّاسٍ: أنّ رجلاً، قد سمّاه من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الأنصار جاء ليلةً وهو صائمٌ، فقالت له امرأته: لا تنم حتّى نصنع لك طعامًا فنام، فجاءت فقالت: نمت واللّه فقال: لا واللّه قالت: بلى واللّه فلم يأكل تلك اللّيلة وأصبح صائمًا، فغشي عليه؛ فأنزلت الرّخصة فيه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد،
[جامع البيان: 3/238]
قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم} وكان بدء الصّيام أمروا بصيام ثلاثة أيّامٍ من كلّ شهرٍ ركعتين غدوةً، وركعتين عشيّةً، فأحلّ اللّه لهم في صيامهم في ثلاثة أيّامٍ، وفي أوّل ما افترض عليهم في رمضان إذا أفطروا وكان الطّعام، والشّراب، وغشيان النّساء لهم حلالاً ما لم يرقدوا، فإذا رقدوا حرّم عليهم ذلك إلى مثلها من القابلة. وكانت خيانة القوم أنّهم كانوا يصيبون أو ينالون من الطّعام والشّراب وغشيان النّساء بعد الرّقاد، وكانت تلك خيانة القوم أنفسهم، ثمّ أحلّ اللّه لهم ذلك الطّعام والشّراب، وغشيان النّساء إلى طلوع الفجر.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} قال كان النّاس قبل هذه الآية إذا رقد أحدهم من اللّيل رقدةً، لم يحلّ له طعامٌ، ولا شرابٌ، ولا أن يأتي امرأته إلى اللّيلة المقبلة، فوقع بذلك بعض المسلمين، فمنهم من أكل بعد هجعته، أو شرب، ومنهم من وقع على امرأته، فرخّص اللّه ذلك لهم.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال كتب على النّصارى رمضان، وكتب عليهم أن لا يأكلوا، ولا يشربوا بعد النّوم ولا ينكحوا النّساء شهر رمضان، فكتب على المؤمنين كما كتب عليهم، فلم يزل المسلمون على ذلك يصنعون كما تصنع النّصارى، حتّى أقبل رجلٌ من الأنصار يقال له أبو قيس بن صرمة،
[جامع البيان: 3/239]
وكان يعمل في حيطان المدينة بالأجر، فأتى أهله بتمرٍ، فقال لامرأته: استبدلي بهذا التّمر طحينًا فاجعليه سخينةً لعلّي أن آكله، فإنّ التّمر قد أحرق جوفي، فانطلقت فاستبدلت له، ثمّ صنعت، فأبطأت عليه فنام، فأيقظته، فكره أن يعصي اللّه، ورسوله، وأبى أن يأكل، وأصبح صائمًا؛ فرآه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالعشيّ، فقال: ما لك يا أبا قيسٍ أمسيت طليحًا، فقصّ عليه القصّة. وكان عمر بن الخطّاب وقع على جاريةٍ له في ناسٍ من المؤمنين لم يملكوا أنفسهم؛ فلمّا سمع عمر كلام أبي قيسٍ رهب أن ينزل في أبي قيسٍ شيءٌ، فتذكّر هو، فقام فاعتذر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللّه، إنّي أعوذ باللّه إنّي وقعت على جاريتي، ولم أملك نفسي البارحة فلمّا تكلّم عمر تكلّم أولئك النّاس، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ما كنت جديرًا بذلك يا ابن الخطّاب، فنسخ ذلك عنهم، فقال: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ، علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم} يقول: إنّكم تقعون عليهنّ خيانةً {فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنّ وابتغوا ما كتب اللّه لكم} يقول: جامعوهنّ؛ ورجع إلى أبي قيسٍ، فقال: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ،
[جامع البيان: 3/240]
عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} قال كانوا في رمضان لا يمسّون النّساء، ولا يطعمون، ولا يشربون بعد أن يناموا حتّى اللّيل من القابلة، فإن مسّوهنّ قبل أن يناموا لم يروا بذلك بأسًا. فأصاب رجلٌ من الأنصار امرأته بعد أن نام، فقال: قد اختنت نفسي فنزل القرآن، فأحلّ لهم النّساء، والطّعام، والشّراب حتّى يتبيّن لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.
- قال: وقال مجاهدٌ، كان أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم يصوم الصّائم منهم في رمضان، فإذا أمسى أكل، وشرب وجامع النّساء، فإذا رقد حرّم عليه ذلك كلّه حتّى كمثلها من القابلة، وكان منهم رجاله يختانون أنفسهم في ذلك. فعفا عنهم وأحلّ لهم بعد الرّقاد، وقبله في اللّيل، فقال: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم}. الآية.
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، أنّه قال في هذه الآية: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} مثل قول مجاهدٍ، وزاد فيه أنّ عمر بن الخطّاب قال لامرأته: لا ترقدي حتّى أرجع من عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فرقدت قبل أن يرجع، فقال لها: ما أنت براقدةٍ ثمّ أصابها حتّى جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فذكر ذلك له، فنزلت هذه الآية.
قال عكرمة: نزلت {وكلوا واشربوا} الآية في أبي قيس بن صرمة من بني الخزرج أكل بعد الرّقاد.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج،
[جامع البيان: 3/241]
قال: حدّثنا حمّادٌ، قال: أخبرنا محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن يحيى بن حبّان، أنّ صرمة بن أنسٍ، أتى أهله ذات ليلةٍ وهو شيخٌ كبيرٌ، وهو صائمٌ، فلم يهيّئوا له طعامًا، فوضع رأسه فأغفى، وجاءته امرأته بطعامه، فقالت له: كل فقال: إنّي قد نمت، قالت: إنّك لم تنم، فأصبح جائعًا مجهودًا، فأنزل اللّه: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}.
فأمّا المباشرة في كلام العرب: فإنّه ملاقاة بشرةٍ ببشرةٍ، وبشرة الرّجل: جلدته الظّاهرة. وإنّما كنّى اللّه بقوله: {فالآن باشروهنّ} عن الجماع: يقول: فالآن إذا أحللت لكم الرّفث إلى نسائكم فجامعوهنّ في ليالي شهر رمضان حتّى يطلع الفجر، وهي تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.
وبالّذي قلنا في المباشرة قال جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا سفيان، وحدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ، قال: حدّثنا إسحاق، عن سفيان، وحدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا أيّوب بن سويدٍ، عن سفيان، عن عاصمٍ، عن بكر بن عبد اللّه المزنيّ، عن ابن عبّاسٍ، قال المباشرة: الجماع، ولكنّ اللّه كريمٌ يكنّي.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عاصمٍ، عن بكر بن عبد اللّه المزنيّ، عن ابن عبّاسٍ نحوه.
[جامع البيان: 3/242]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، حدّثنا معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، {فالآن باشروهنّ} انكحوهنّ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال المباشرة: النّكاح.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ، قوله {فالآن باشروهنّ} قال: الجماع، وكلّ شيءٍ في القرآن من ذكر المباشرة فهو الجماع نفسه، وقالها عبد اللّه بن كثيرٍ مثل قول عطاءٍ في الطّعام، والشّراب، والنّساء.
- حدّثنا حميد بن مسعدة قال: حدّثنا يزيد بن زريع قال: وحدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال المباشرة الجماع، ولكنّ اللّه يكنّي ما شاء بما شاء.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال أبو بشرٍ: أخبرنا، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {فالآن باشروهنّ} يقول: جامعوهنّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال المباشرة: الجماع.
[جامع البيان: 3/243]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن الأوزاعيّ، قال: حدّثني عبدة بن أبي لبابة، قال: سمعت مجاهدًا، يقول المباشرة في كتاب اللّه: الجماع.
- حدّثنا ابن البرقيّ، حدّثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: قال الأوزاعيّ: حدّثنا من سمع، مجاهدًا يقول المباشرة في كتاب اللّه الجماع.
واختلفوا في تأويل قوله {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} فقال بعضهم: الولد.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عبدة بن عبد اللّه الصّفّار البصريّ، قال: حدّثنا إسماعيل بن زيادٍ الكاتب، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ، {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} قال: الولد.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا سهل بن يوسف، وأبو داود، عن شعبة، قال: سمعت الحكم، {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} قال: الولد.
[جامع البيان: 3/244]
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا أبو تميلة، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن عكرمة، قوله {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} قال: الولد.
- حدّثني عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، حدّثنا أبو مردودٍ بحر بن موسى، قال: سمعت الحسن بن أبي الحسن، يقول في هذه الآية {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} قال: الولد.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} فهو الولد.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا عمّي، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} يعني الولد.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثني عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} قال: الولد، فإن لم تلد هذه فهذه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، بنحوه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، أخبرنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عمّن، سمع الحسن، في قوله {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} قال: هو الولد.
[جامع البيان: 3/245]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} قال: ما كتب لكم من الولد.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} قال: الجماع.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: حدّثنا الفضل بن خالدٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك بن مزاحمٍ، قوله {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} قال: الولد.
وقال بعضهم: معنى ذلك ليلة القدر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثني أبي، عن عمرو بن مالكٍ، عن أبي الجوزاء، عن ابن عبّاسٍ، {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} قال: ليلة القدر قال أبو هشامٍ: هكذا قرأها معاذٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدّثنا الحسن بن أبي جعفرٍ، قال: حدّثنا عمرو بن مالكٍ، عن أبي الجوزاء، عن ابن عبّاسٍ، في قوله {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} قال: ليلة القدر.
وقال آخرون: بل معناه: ما أحلّه اللّه لكم، ورخّصه لكم.
[جامع البيان: 3/246]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} يقول: ما أحلّه اللّه لكم.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، قال: قال قتادة، في ذلك ابتغوا الرّخصة الّتي كتبت لكم.
وقرأ ذلك بعضهم: واتّبعوا ما كتب اللّه لكم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن عطاء بن أبي رباحٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ، كيف تقرأ هذه الآية: {وابتغوا} أو واتّبعوا؟ قال أيّتهما شئت. قال: عليك بالقراءة الأولى.
والصّواب من القول في تأويل ذلك عندي أن يقال: إنّ اللّه تعالى ذكره قال: {وابتغوا} بمعنى: اطلبوا ما كتب اللّه لكم، يعني الّذي قضى اللّه تعالى لكم. وإنّما يريد اللّه تعالى ذكره: اطلبوا الّذي كتبت لكم في اللّوح المحفوظ أنّه يباح فيطلق لكم، وطلب الولد إن طلبه الرّجل بجماعه المرأة ممّا كتب اللّه له في اللّوح المحفوظ، وكذلك إن طلب ليلة القدر، فهو ممّا كتب اللّه له، وكذلك إن طلب ما أحلّ اللّه وأباحه، فهو ممّا كتبه له في اللّوح المحفوظ.
[جامع البيان: 3/247]
وقد يدخل في قوله: {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} جميع معاني الخير المطلوبة، غير أنّ أشبه المعاني بظاهر الآية قول من قال معناه: وابتغوا ما كتب اللّه لكم من الولد لأنّه عقيب قوله: {فالآن باشروهنّ} بمعنى: جامعوهنّ؛ فلأن يكون قوله: {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} بمعنى: وابتغوا ما كتب اللّه في مباشرتكم إيّاهنّ من الودّ، والنّسل أشبه بالآية من غيره من التّأويلات الّتي ليس على صحّتها دلالةٌ من ظاهر التّنزيل، ولا خبر عن الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 3/248]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} فقال بعضهم: يعني بقوله: الخيط الأبيض: ضوء النّهار. وبقوله: الخيط الأسود: سوّاد اللّيل.
فتأويله على قول قائل هذه المقالة: وكلوا باللّيل في شهر صومكم، واشربوا، وباشروا نساءكم. مبتغين ما كتب اللّه لكم من الولد، من أوّل اللّيل إلى أن يقع لكم ضوء النّهار بطلوع الفجر من ظلمة اللّيل وسواده.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني الحسن بن عرفة، قال: حدّثنا روح بن عبادة، قال: حدّثنا أشعث، عن الحسن، في قول اللّه تعالى ذكره {حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} قال: اللّيل من النّهار.
[جامع البيان: 3/248]
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} قال حتّى يتبيّن لكم النّهار من اللّيل. ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل} فهما علمان وحدّان بيّنان فلا يمنعكم أذان مؤذّنٍ مراءً، أو قليل العقل من سحوركم، فإنّهم يؤذّنون بهجيعٍ من اللّيل طويلٍ. وقد يرى بياض ما على السّحر يقال له الصّبح الكاذب كانت تسمّيه العرب، فلا يمنعكم ذلك من سحوركم، فإنّ الصّبح لا خفاء به: طريقةٌ معترضةٌ في الأفق، وكلوا، واشربوا حتّى يتبيّن لكم الصّبح، فإذا رأيتم ذلك فأمسكوا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} يعني اللّيل من النّهار. فأحلّ لكم المجامعة، والأكل، والشّرب حتّى يتبيّن لكم الصّبح، فإذا تبيّن الصّبح حرم عليهم المجامعة، والأكل، والشّرب حتّى يتمّوا الصّيام إلى اللّيل. فأمر بصوم النّهار إلى اللّيل، وأمر بالإفطار باللّيل.
[جامع البيان: 3/249]
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، وقيل، له: أرأيت قول اللّه تعالى: {الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} قال: إنّك لعريض القفا، قال: هذا ذهاب اللّيل ومجيء النّهار قيل له: الشّعبيّ، عن عديّ بن حاتمٍ؟ قال: نعم، حدّثنا حصينٌ.
وعلّة من قال هذه المقالة وتأوّل الآية هذا التّأويل.
- ما حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا حفص بن غياثٍ، عن مجالد بن سعيدٍ، عن الشّعبيّ، عن عديّ بن حاتمٍ، قال: قلت يا رسول اللّه، قول اللّه: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} من الفجر قال: هو بياض النّهار، وسواد اللّيل.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، وعبد الرّحيم بن سليمان، عن مجالد بن سعيدٍ، عن عامرٍ، عن عديّ بن حاتمٍ، قال أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فعلّمني الإسلام، ونعت لي الصّلوات، كيف أصلّي كلّ صلاةٍ لوقتها، ثمّ قال: إذا جاء رمضان فكل، واشرب حتّى يتبيّن لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ثمّ أتمّ الصّيام إلى اللّيل ولم أدر ما هو، ففعلت خيطين من أبيضٍ وأسود، فنظرت فيهما عند الفجر، فرأيتهما سواءً فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت: يا رسول اللّه، كلّ شيءٍ أوصيتني قد حفظت غير الخيط الأبيض من الخيط الأسود، قال: وما منعك يا ابن حاتمٍ؟ وتبسّم كأنّه قد علم ما فعلت. قلت: فتلت خيطين من أبيض، وأسود فنظرت فيهما من اللّيل فوجدتهما سواءً. فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى رئي نواجذه، ثمّ قال: ألم أقل لك: من الفجر؟ إنّما هو ضوء النّهار وظلمة اللّيل.
[جامع البيان: 3/250]
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا مالك بن إسماعيل، قال: حدّثنا دوّاد ابن علية جميعًا، عن مطرّفٍ، عن الشّعبيّ، عن عديّ بن حاتمٍ، قال قلت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أهما خيطان أبيض، وأسود؟ فقال إنّك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين، ثمّ قال: لا ولكنّه سوّاد اللّيل، وبياض النّهار.
- حدّثني أحمد بن عبد الرّحيم البرقيّ، قال: حدّثنا ابن أبى مريم، قال: حدّثنا أبو غسّان، قال: حدّثنا أبو حازمٍ، عن سهل بن سعدٍ، قال: نزلت هذه الآية: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} فلم ينزل {من الفجر} قال فكان رجالٌ إذا أرادوا الصّوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأسود، والخيط الأبيض، فلا يزال يأكل، ويشرب حتّى يتبيّن له؛ فأنزل اللّه بعد ذلك: {من الفجر} فعلموا إنّما يعني بذلك: اللّيل، والنّهار.
وقال متأوّلو قول اللّه تعالى ذكره: {حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} أنّه بياض النّهار وسواد اللّيل، صفة ذلك البياض أن يكون منتشرًا مستفيضًا في السّماء يملأ بياضه، وضوءه الطّرق، فأمّا الضّوء السّاطع في السّماء فإنّ ذلك غير الّذي عناه اللّه بقوله: {الخيط الأبيض من الخيط الأسود}.
[جامع البيان: 3/251]
ذكر من قال ذلك.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى الصّنعانيّ، قال: حدّثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت عمران بن حديرٍ، عن أبي مجلزٍ، الضّوء السّاطع في السّماء ليس بالصّبح، ولكن ذاك الصّبح الكذّاب، إنّما الصّبح إذا انفضح الأفق.
- حدّثني سلم بن جنادة السّوائيّ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلمٍ، قال لم يكونوا يعدّون الفجر فجركم هذا، كانوا يعدّون الفجر الّذي يملأ البيوت، والطّرق.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثّامٌ، عن الأعمش، عن مسلمٍ، ما كانوا يرون إلاّ أنّ الفجر الّذي يستفيض في السّماء.
- حدّثنا الحسن بن عرفة، قال: حدّثنا روح بن عبادة، قال: حدّثنا ابن جريجٍ، قال: أخبرني عطاءٌ، أنّه سمع ابن عبّاسٍ، يقول هما فجران، فأمّا الّذي يسطع في السّماء فليس يحلّ، ولا يحرّم شيئًا، ولكنّ الفجر الّذي يستبين على رءوس الجبال هو الّذي يحرّم الشّراب.
- حدّثنا الحسن بن الزّبرقان النّخعيّ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن محمّد بن أبي ذئبٍ، عن الحرث بن عبد الرّحمن، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن ثوبان، قال: الفجر فجران، فالّذي كأنّه ذنب السّرحان لا يحرّم شيئًا، وأمّا المستطير الّذي يأخذ الأفق فإنّه يحلّ الصّلاة، ويحرّم الطعام.
[جامع البيان: 3/252]
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وإسماعيل بن صبيحٍ، وأبو أسامة، عن أبي هلالٍ، عن سوادة بن حنظلة، عن سمرة بن جندبٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا يمنعكم من سحوركم أذان بلالٍ ولا الفجر المستطيل، ولكنّ الفجر المستطير في الأفق.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا معاوية بن هشامٍ الأسديّ، قال: حدّثنا شعبة، عن سوادة، قال: سمعت سمرة بن جندبٍ، يذكر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه سمعه وهو، يقول: لا يغرّنّكم نداء بلالٍ، ولا هذا البياض حتّى يبدو الفجر، وينفجر.
وقال آخرون: الخيط الأبيض: هو ضوء الشّمس، والخيط الأسود: هو سوّاد اللّيل.
[جامع البيان: 3/253]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا عبيدة بن حميدٍ، عن الأعمش، عن إبراهيم التّيميّ، قال: سافر أبي، مع حذيفة، قال: فسار حتّى إذا خشينا أن يفجأنا الفجر، قال: هل منكم من أحدٍ آكلٌ أو شاربٌ؟ قال: قلت له: أمّا من يريد الصّوم فلا. قال: بلى قال: ثمّ سار حتّى إذا استبطأنا الصّلاة نزل فتسحّر.
- حدّثنا هنّادٌ، وأبو السّائب، قالا: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم التّيميّ، عن أبيه، قال: خرجت مع حذيفة، إلى المدائن في رمضان، فلمّا طلع الفجر، قال: هل منكم من أحدٍ آكلٍ، أو شاربٍ؟ قلنا: أمّا رجلٌ يريد أن يصوم فلا. قال: لكنّي قال: ثمّ سرنا حتّى استبطأنا الصّلاة، قال: هل منكم أحدٌ يريد أن يتسحّر؟ قال: قلنا أمّا من يريد الصّوم فلا. قال: لكنّي ثمّ نزل فتسحّر، ثمّ صلّى.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ، قال: ربّما شربت بعد قول المؤذّن يعني في رمضان قد قامت الصّلاة. قال: وما رأيت أحدًا كان أفعل له من الأعمش، وذلك لمّا سمع، قال: حدّثنا إبراهيم التّيميّ، عن أبيه قال: كنّا مع حذيفة، نسير ليلاً، فقال: هل منكم متسحّرٌ السّاعة؟ قال: ثمّ سار، ثمّ قال حذيفة: هل منكم متسحّرٌ السّاعة؟ قال: ثمّ سار حتّى استبطأنا الصّلاة، قال: فنزل فتسحّر.
- حدّثنا هارون بن إسحاق الهمدانيّ، قال: حدّثنا مصعب بن المقدام، قال: حدّثنا إسرائيل، قال: حدّثنا أبو إسحاق، عن هبيرة، عن عليٍّ، أنّه لمّا صلّى الفجر، قال هذا حين يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.
[جامع البيان: 3/254]
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن الصّلت، قال: حدّثنا إسحاق بن حذيفة العطّار، عن أبيه، عن البراء، قال: تسحّرت في شهر رمضان، ثمّ خرجت، فأتيت ابن مسعودٍ، فقال: اشرب فقلت: إنّي قد تسحّرت. فقال: اشرب فشربنا ثمّ خرجنا، والنّاس في الصّلاة.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الشّيبانيّ، عن جبلة بن سحيمٍ، عن عامر بن مطرٍ، قال أتيت عبد اللّه بن مسعودٍ، في داره، فأخرج فضلاً من سحوره، فأكلنا معه، ثمّ أقيمت الصّلاة فخرجنا فصلّينا.
- حدّثنا خلاّد بن أسلم، قال: حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن أبي إسحاق، عن عبد اللّه بن معقلٍ، عن سالمٍ، مولى أبي حذيفة قال، كنت أنا وأبو بكرٍ الصّدّيق، فوق سطحٍ واحدٍ في رمضان، فأتيت ذات ليلةٍ فقلت ألا تأكل يا خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فأومأ بيده أن كفّ، ثمّ أتيته مرّةً أخرى، فقلت له: ألا تأكل يا خليفة رسول اللّه؟ فأومأ بيده أن كفّ. ثمّ أتيته مرّةً أخرى، فقلت: ألا تأكل يا خليفة رسول اللّه؟ فنظر إلى الفجر ثمّ أومأ بيده أن كفّ. ثمّ أتيته فقلت: ألا تأكل يا خليفة رسول اللّه؟ قال، هات غذاءك قال: فأتيته به فأكل ثمّ صلّى ركعتينٍ، ثمّ قام إلى الصّلاة.
[جامع البيان: 3/255]
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال الوتر باللّيل، والسّحور بالنّهار.
وقد روي عن إبراهيم غير ذلك.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، عن حمّادٍ، عن إبراهيم، قال السّحور بليلٍ، والوتر بليلٍ.
- حدّثنا حكّامٌ، عن ابن أبي جعفرٍ، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال السّحور، والوتر ما بين التّثويب، والإقامة.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن شبيب بن غرقدة، عن حبّان، قال: تسحّرنا مع عليٍّ، ثمّ خرجنا وقد أقيمت الصّلاة فصلّينا.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن شبيبٍ، عن حبّان بن الحارث، قال مررت بعليٍّ، وهو في دير أبي موسى، وهو يتسحّر، فلمّا انتهيت إلى المسجد أقيمت الصّلاة.
[جامع البيان: 3/256]
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن أبي إسحاق، عن أبي السّفر، قال صلّى عليّ بن أبي طالبٍ، الفجر، ثمّ قال: هذا حين يتبيّن الخيط الأبيض، من الخيط الأسود من الفجر.
وعلّة من قال هذا القول أنّ القول إنّما هو النّهار دون اللّيل. قالوا: وأوّل النّهار طلوع الشّمس، كما أنّ آخره غروبها. قالوا: ولو كان أوّله طلوع الفجر لوجب أن يكون آخره غروب الشّفق قالوا: وفي إجماع الحجّة على أنّ آخر النّهار غروب الشّمس دليلٌ واضحٌ، على أنّ أوّله طلوعها. قالوا: وفي الخبر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه تسحّر بعد طلوع الفجر أوضح الدّليل على صحّة قولنا.
ذكر الأخبار الّتي رويت عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في ذلك.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن حذيفة، قال: قلت: تسحّرت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: نعم، قال لو أشاء لأقول هو النّهار إلاّ أنّ الشّمس لم تطلع.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ، قال: ما كذب عاصمٌ، على زرٍّ، ولا زرٌّ، على حذيفة، قال: قلت له: يا أبا عبد اللّه تسحّرت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال نعم هو النّهار إلاّ أنّ الشّمس لم تطلع.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن حذيفة، قال كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يتسحّر وأمّا أرى مواقع النّبل. قال: قلت أبعد الصّبح؟ قال: هو الصّبح إلاّ أنّه لم تطلع الشّمس.
[جامع البيان: 3/257]
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا الحكم بن بشيرٍ، قال: حدّثنا عمرو بن قيسٍ، وخلاّدٌ الصّفّار، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبيشٍ، قال: أصبحت ذات يومٍ فغدوت إلى المسجد، فقلت: لو مررت على باب حذيفة، ففتح لي فدخلت، فإذا هو يسخّن له طعامٌ، فقال: اجلس حتّى تطعم فقلت: إنّي أريد الصّوم. فقرّب طعامه فأكل وأكلت معه، ثمّ قام إلى لقحةٍ في الدّار، فأخذ يطلب من جانبٍ، وأحلب أنا من جانبٍ، فناولني، فقلت: ألا ترى الصّبح؟ فقال: اشرب فشربت، ثمّ جئت إلى باب المسجد فأقيمت الصّلاة، فقلت له: أخبرني بآخر سحورٍ تسحّرته مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال هو الصّبح إلاّ أنّه لم تطلع الشّمس.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا روح بن عبادة، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: إذا سمع أحدكم النّداء والإناء على يده فلا يضعه حتّى يقضي حاجته منه.
[جامع البيان: 3/258]
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا روح بن عبادة، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن عمّار بن أبي عمّارٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مثله، وزاد فيه: وكان المؤذّن يؤذّن إذا بزغ الفجر.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا الحسين، وحدّثنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، قال: سمعت أبي قال: أخبرنا الحسين بن واقدٍ، قالا جميعًا، عن أبي غالبٍ، عن أبي أمامة، قال أقيمت الصّلاة والإناء في يد عمر، قال: أشربها يا رسول اللّه؟ قال: نعم، فشربها.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا يونس، عن أبيه، عن عبد اللّه، قال: قال بلالٌ، أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أؤذنه بالصّلاة وهو يريد الصّوم، فدعا بإناءٍ فشرب، ثمّ ناولني فشربت، ثمّ خرج إلى الصّلاة.
- حدّثني محمّد بن أحمد الطّوسيّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق عن عبد اللّه بن معقلٍ، عن بلالٍ، قال: أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أوذنه بصلاة الفجر وهو يريد الصّيام، فدعا بإناءٍ فشرب، ثمّ ناولني فشربت، ثمّ خرجنا إلى الصّلاة.
[جامع البيان: 3/259]
وأولى التّأويلين بالآية، التّأويل الّذي روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال الخيط الأبيض: بياض النّهار، والخيط الأسود سوّاد اللّيل وهو المعروف في كلام العرب، قال أبو دؤادٍ الإياديّ:
فلمّا أضاءت لنا سدفةٌ = ولاح من الصّبح خيطٌ أنارا
وأمّا الأخبار الّتي رويت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه شرب أو تسحّر ثمّ خرج إلى الصّلاة، فإنّه غير دافعٍ صحّة ما قلنا في ذلك؛ لأنّه غير مستنكرٍ أن يكون صلّى اللّه عليه وسلّم شرب قبل الفجر، ثمّ خرج إلى الصّلاة، إذ كانت الصّلاة صلاة الفجر هي على عهده كانت تصلّى بعد ما يطلع الفجر ويتبيّن طلوعه ويؤذّن لها قبل طلوعه.
وأمّا الخبر الّذي روي عن حذيفة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يتسحّر وأنا أرى مواقع النّبل، فإنّه قد استثبت فيه، فقيل له: أبعد الصّبح؟ فلم يجب في ذلك بأنّه كان بعد الصّبح، ولكنّه قال: هو الصّبح. وذلك من قوله يحتمل أن يكون معناه هو الصّبح لقربه منه، وإن لم يكن هو بعينه، كما تقول العرب: هذا فلانٌ شبهًا، وهي تشير إلى غير الّذي سمّته، فتقول: هو هو تشبيهًا منها له به، فكذلك قول حذيفة: هو الصّبح، معناه: هو الصّبح شبهًا به وقربًا منه.
وقال ابن زيدٍ في معنى الخيط الأبيض والأسود.
[جامع البيان: 3/260]
- ما حدّثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} قال الخيط الأبيض الّذي يكون من تحت اللّيل يكشف اللّيل، والأسود: ما فوقه.
وأمّا قوله: {من الفجر} فإنّه تعالى ذكره يعني: حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود الّذي هو من الفجر. وليس ذلك هو جميع الفجر، ولكنّه إذا تبيّن لكم أيّها المؤمنون من الفجر ذلك الخيط الأبيض الّذي يكون من تحت اللّيل الّذي فوقه سوّاد اللّيل، فمن حينئذٍ فصوموا، ثمّ أتمّوا صيامكم من ذلك إلى اللّيل.
وبمثل ما قلنا في ذلك كان ابن زيدٍ يقول.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {من الفجر} قال ذلك الخيط الأبيض هو من الفجر نسبةً إليه، وليس الفجر كلّه، فإذا جاء هذا الخيط وهو أوّله فقد حلّت الصّلاة وحرم الطّعام، والشّراب على الصّائم.
وفي قوله تعالى ذكره: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل} أوضح الدّلالة على خطأ قول من قال: حلالٌ الأكل، والشّرب لمن أراد الصّوم إلى طلوع الشّمس؛ لأنّ الخيط الأبيض من الفجر يتبيّن عند ابتداء طلوع أوائل الفجر، وقد جعل اللّه تعالى ذكره ذلك حدًّا لمن لزمه الصّوم في الوقت الّذي أباح إليه الأكل، والشّرب، والمباشرة. فمن زعم أنّ له أن يتجاوز ذلك الحدّ، قيل له: أرأيت إن أجاز له آخر ذلك ضحوةً أو نصف النّهار؟
[جامع البيان: 3/261]
فإن قال: إنّ قائل ذلك مخالفٌ للأمّة قيل له: وأنت لما دلّ عليه كتاب اللّه ونقل الأمّة مخالفٌ، فما الفرق بينك وبينه من أصلٍ أو قياسٍ؟ فإن قال: الفرق بيني وبينه أنّ اللّه أمر بصوم النّهار دون اللّيل، والنّهار من طلوع. الشّمس. قيل له: كذلك يقول مخالفوك: والنّهار عندهم أوّله طلوع الفجر، وذلك هو ضوء الشّمس وابتداء طلوعها دون أن يتتامّ طلوعها، كما أنّ آخر النّهار ابتداء غروبها دون أن يتتامّ غروبها.
ويقال لقائلي ذلك: إن كان النّهار عندكم كما وصفتم هو ارتفاع الشّمس، وتكامل طلوعها، وذهاب جميع سدفة اللّيل، وغبس سواده، فكذلك عندكم اللّيل هو تتامّ غروب الشّمس وذهاب ضيائها وتكامل سوّاد اللّيل وظلامه.
فإن قالوا: ذلك كذلك. قيل لهم: فقد يجب أن يكون الصّوم إلى مغيب الشّفق وذهاب ضوء الشّمس وبياضها من أفق السّماء.
فإن قالوا: ذلك كذلك، أوجبوا الصّوم إلى مغيب الشّفق الّذي هو بياضٌ. وذلك قولٌ إن قالوه مدفوعٌ بنقل الحجّة الّتي لا يجوز فيما نقلته مجمعةً عليه الخطأ والسّهو وكفى بذلك شاهدا على تخطئته.
وإن قالوا: بل أوّل اللّيل ابتداء سدفته، وظلامه، ومغيب عين الشّمس عنّا. قيل لهم: وكذلك أوّل النّهار: طلوع أوّل ضياء الشّمس، ومغيب أوائل سدفة اللّيل.
ثمّ يعكس عليه القول في ذلك، ويسأل الفرق بين ذلك، فلن يقول في أحدهما قولاً إلاّ ألزم في الآخر مثله.
وأمّا الفجر، فإنّه مصدرٌ من قول القائل: تفجّر الماء يتفجّر فجرًا: إذا انبعث، وجرى، فقيل للطّالع من تباشير ضياء الشّمس من مطلع الشّمس فجرٌ، لانبعاث ضوئه عليهم وتورّده عليمٌ بطرقهم ومحاجّهم تفجّر الماء المنفجر من منبعه.
[جامع البيان: 3/262]
وأمّا قوله: {ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل} فإنّه تعالى ذكره حدّ الصّوم بأنّ آخر وقته إقبال اللّيل، كما حدّ الإفطار وإباحة الأكل، والشّرب، والجماع وأوّل الصّوم بمجيء أوّل النّهار، وأوّل إدبار آخر اللّيل، فدلّ بذلك على أن لا صوم باللّيل كما لا فطر بالنّهار في أيّام الصّوم، وعلى أنّ المواصل مجوّعٌ نفسه في غير طاعة ربّه.
- كما حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو معاوية، ووكيعٌ، وعبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عاصم بن عمر، عن عمر، قالا: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إذا أقبل اللّيل، وأدبر النّهار، وغابت الشّمس فقد أفطر الصّائم.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، قال: حدّثنا أبو إسحاق الشّيبانيّ، وحدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا أبو عبيدة، وأبو معاوية، عن الشيبانى، وحدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا أبو معاوية،
[جامع البيان: 3/263]
وحدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن الشّيبانيّ، قالوا جميعًا في حديثهم عن عبد اللّه بن أبي أوفى، قال كنّا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في مسيرٍ وهو صائمٌ، فلمّا غربت الشّمس قال لرجلٍ: انزل فاجدح لي قالوا: لو أمسيت يا رسول اللّه فقال: انزل فاجدح لي فقال الرّجل: يا رسول اللّه لو أمسيت قال: انزل فاجدح لي قال: يا رسول اللّه إنّ علينا نهارًا فقال له الثّالثة، فنزل فجدح له. ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إذا أقبل اللّيل من هاهنا وضرب بيده نحو المشرق فقد أفطر الصّائم.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا داود، عن رفيعٍ، قال فرض اللّه الصّيام إلى اللّيل، فإذا جاء اللّيل فأنت مفطرٌ إن شئت فكل، وإن شئت فلا تأكل.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن أبي العالية، أنّه سئل عن الوصال في الصّوم فقال افترض اللّه على هذه الأمّة صوم النّهار، فإذا جاء اللّيل فإن شاء أكل، وإن شاء لم يأكل.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثني ابن عليّة، عن داود بن أبي هندٍ، قال: قال أبو العالية، في الوصال في الصّوم، قال: قال اللّه: {ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل} فإذا جاء اللّيل فهو مفطرٌ، فإن شاء أكل، وإن شاء لم يأكل.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا ابن دكينٍ، عن مسعرٍ، عن قتادة، قال: قالت عائشة، {أتمّوا الصّيام إلى اللّيل} يعني أنّها كرهت الوصال.
فإن قال قائلٌ: فما وجه وصال من واصل؟ فقد علمت.
[جامع البيان: 3/264]
- بما حدّثكم به أبو السّائب، قال: حدّثنا حفصٌ، عن هشام بن عروة، قال كان عبد اللّه بن الزّبير، يواصل سبعة أيّامٍ، فلمّا كبّر جعلها خمسًا، فلمّا كبّر جدًّا جعلها ثلاثًا.
- حدّثنا أبو السّائب، قال: حدّثنا حفصٌ، عن عبد الملك، قال كان ابن أبي يعمر يفطر في كلّ شهرٍ مرّةً.
- حدّثنا ابن أبي بكرٍ المقدّميّ، قال: حدّثنا الفرويّ، قال: سمعت مالكًا، يقول: كان عامر بن عبد اللّه بن الزّبير يواصل ليلة ستّ عشرة وليلة سبع عشرة من رمضان لا يفطر بينهما، فلقيته فقلت له: يا أبا الحرث ماذا تجده يقوّيك في وصالك؟ قال: السّمن أشربه أجده يبلّ عروقي، فأمّا الماء فإنّه يخرج من جسدي.
وما أشبه ذلك ممّن فعل ذلك، ممّن يطول بذكرهم الكتاب.
قيل: وجه من فعل ذلك إن شاء اللّه تعالى على طلب الخموصة لنفسه، والقوّة، لا على طلب البرّ بفعله. وفعلهم ذلك نظير ما كان عمر بن الخطّاب يأمرهم به بقوله: اخشوشنوا، وتمعددوا، وانزوا على الخيل نزوًا، واقطعوا الرّكب، وامشوا حفاةً
[جامع البيان: 3/265]
يأمرهم في ذلك بالتّخشّن في عيشهم لئلاّ يتنعّموا فيركنوا إلى خفض العيش ويميلوا إلى الدّعة فيجبنوا، ويحتموا عن أعدائهم، وقد رغب لمن واصل عن الوصال كثيرٌ من أهل الفضل.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق: أنّ ابن أبي نعيمٍ، كان يواصل من الأيّام حتّى لا يستطيع أن يقوم، فقال عمرو بن ميمونٍ لو أدرك هذا أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم رجموه.
ثمّ في الأخبار المتواترة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالنّهي عن الوصال الّتي يطول بإحصائها الكتاب تركنا ذكر أكثرها استغناءً بذكر بعضها، إذ كان في ذكر ما ذكرنا مكتفًى عن الاستشهاد على كراهة الوصال بغيره.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن عبيد اللّه، قال: أخبرني نافعٌ، عن ابن عمر، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نهى عن الوصال، قالوا: إنّك تواصل يا رسول اللّه قال: إنّي لست كأحدٍ منكم، إنّي أبيت أطعم، وأسقى.
وقد روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الإذن بالوصال من السّحر إلى السّحر.
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم المصريّ،
[جامع البيان: 3/266]
قال: حدّثنا شعيبٍ، عن اللّيث، عن يزيد بن الهاد، عن عبد اللّه بن خبّابٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: لا تواصلوا فأيّكم أراد أن يواصل فليواصل حتّى السّحر قالوا: يا رسول اللّه إنّك تواصل، قال: إنّي لست كهيئتكم إنّي أبيت لي مطعمٌ يطعمني، وساقٍ يسقيني.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا أبو إسرائيل العبسيّ، عن أبي بكر بن حفصٍ، عن أمّ ولد حاطب بن أبي بلتعة، أنّها مرّت برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يتسحّر، فدعاها إلى الطّعام فقالت: إنّي صائمةٌ، قال: وكيف تصومين؟ فذكرت ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: أين أنت من وصال آل محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من السّحر إلى السّحر؟
فتأويل الآية إذن: ثمّ أتمّوا الكفّ عمّا أمركم اللّه بالكفّ عنه، من حين يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر إلى اللّيل، ثمّ حلّ لكم ذلك بعده إلى مثل ذلك الوقت.
- كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل} قال: من هذه الحدود الأربعة، فقرأ: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث} إلى نسائكم فقرأ حتّى بلغ: {ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل} وكان أبي وغيره من مشيختنا يقولون هذا ويتلونه علينا). [جامع البيان: 3/267]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد}.
[جامع البيان: 3/267]
يعني تعالى ذكره بقوله: {ولا تباشروهنّ} لا تجامعوا نساءكم، وبقوله: {وأنتم عاكفون في المساجد} يقول: في حال عكوفكم في المساجد، وتلك حال حبسهم أنفسهم على عبادة اللّه في مساجدهم. والعكوف أصله المقام، وحبس النّفس على الشّيء، كما قال الطّرمّاح بن حكيمٍ:
فبات بنات اللّيل حولي عكّفًا = عكوف البواكي بينهنّ صريع
يعني بقوله عكّفًا: مقيمةً. وكما قال الفرزدق:
ترى حولهنّ المعتفين كأنّهم = على صنمٍ في الجاهليّة عكّف
وقد اختلف أهل التّأويل في معنى المباشرة الّتي عنى اللّه بقوله: {ولا تباشروهنّ} فقال بعضهم: معنى ذلك الجماع دون غيره من معاني المباشرة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن على بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد} في رمضان أو في غير رمضان، فحرّم اللّه أن ينكح النّساء ليلاً ونهارًا حتّى يقضي اعتكافه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريجٍ، قال: قال لي عطاءٌ، {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد} قال: الجماع.
[جامع البيان: 3/268]
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن علقمة بن مرثدٍ، عن الضّحّاك، قال كانوا يجامعون وهم معتكفون، حتّى نزلت: {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد}.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن علقمة بن مرثدٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد} قال كان الرّجل إذا اعتكف فخرج من المسجد جامع إن شاء، فقال اللّه {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد} يقول: لا تقربوهنّ ما دمتم عاكفين في مسجدٍ ولا غيره.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضّحّاك، نحوه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال كان أناسٌ يصيبون نساءهم وهم عاكفون فنهاهم اللّه عن ذلك.
[جامع البيان: 3/269]
- وحدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد} قال كان الرّجل إذا خرج من المسجد وهو معتكفٌ ولقي امرأته باشرها إن شاء، فنهاهم اللّه عزّ وجلّ عن ذلك، وأخبرهم أنّ ذلك لا يصلح حتّى يقضي اعتكافه.
- حدّثنا موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمادة، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد} يقول من اعتكف فإنّه يصوم، ولا يحلّ له النّساء ما دام معتكفًا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد} قال الجوار، فإذا خرج أحدكم من بيته إلى بيت اللّه فلا يقرب النّساء.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: كان ابن عبّاسٍ، يقول من خرج من بيته إلى بيت اللّه فلا يقرب النّساء.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد} قال كان النّاس إذا اعتكفوا يخرج الرّجل فيباشر أهله ثمّ يرجع إلى المسجد، فنهاهم اللّه عن ذلك.
[جامع البيان: 3/270]
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ، كانوا إذا اعتكفوا فخرج الرّجل إلى الغائط جامع امرأته، ثمّ اغتسل، ثمّ رجع إلى اعتكافه، فنهوا عن ذلك.
- قال ابن جريجٍ: قال مجاهدٌ، نهوا عن جماع النّساء في المساجد حيث كانت الأنصار تجامع، فقال: {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون} قال: عاكفون: الجوار قال ابن جريجٍ: فقلت لعطاءٍ، الجماع المباشرة؟ قال: الجماع نفسه، فقلت له: فالقبلة في المسجد، واللمسّة؟ فقال: أما ما حرّم فالجماع، وأنا أكره كلّ شيءٍ من ذلك في المسجد.
- حدّثت عن حسين بن الفرج المروزى، قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالدٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك، {ولا تباشروهنّ} يعني الجماع.
وقال آخرون: معنى ذلك على جميع معاني المباشرة من لمسٍ، وقبلةٍ، وجماعٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال مالك بن أنسٍ، لا يمسّ المعتكف امرأته ولا يباشرها، ولا يتلذّذ منها بشيءٍ، قبلةً، ولا غيرها.
[جامع البيان: 3/271]
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد} قال المباشرة: الجماع، وغير الجماع كلّه محرّمٌ عليه، قال: المباشرة بغير جماعٍ: إلصاق الجلد بالجلد.
وعلّة من قال هذا القول، أنّ اللّه تعالى ذكره عمّ بالنّهي عن المباشرة ولم يخصّص منها شيئًا دون شيءٍ فذلك على ما عمّه حتّى تأتي حجّةٌ يجبٌ التّسليمٌ لها بأنّه عنى به مباشرةً دون مباشرةٍ.
وأولى التأويلين عندي بالصّواب قول من قال: معنى ذلك الجماع أو ما قام مقام الجماع ممّا أوجب غسلاً إيجابه؛ وذلك أنّه لا قول في ذلك إلاّ أحد قولين: أمّا من جعل حكم الآية عامًّا، أو جعل حكمها في خاصٍّ من معاني المباشرة. وقد تظاهرت الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ نساءه كنّ يرجّلنه وهو معتكفٌ، فلمّا صحّ ذلك عنه، علم أنّ الّذي عني به من معاني المباشرة البعض دون الجميع.
- حدّثنا عليّ بن شعيبٍ، قال: حدّثنا معن بن عيسى القزّاز، قال: أخبرنا مالكٌ، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عمرة، عن عائشة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا اعتكف يدني إليّ رأسه فأرجّله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهابٍ، عن عروة بن الزّبير، وعمرة، أنّ عائشة، قالت: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يكن يدخل البيت إلاّ لحاجة الإنسان، وكان يدخل عليّ رأسه وهو في المسجد فأرجّله.
[جامع البيان: 3/272]
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يدني إليّ رأسه وهو مجاورٌ في المسجد وأنا في حجرتي، وأنا حائضٌ، فأغسله، وأرجّله.
- حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، ويعلى بن عبيدٍ، عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة، قالت: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يعتكف فيخرج إليّ رأسه من المسجد وهو عاكفٌ فأغسله، وأنا حائضٌ.
- حدّثني محمّد بن معمرٍ، قال: حدّثنا حمّاد بن مسعدة، قال: حدّثنا مالك بن أنسٍ، عن الزّهريّ، وهشام بن عروة جميعًا، عن عروة، عن عائشة: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يخرج رأسه فأرجّله وهو معتكفٌ.
[جامع البيان: 3/273]
فإذ كان صحيحًا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما ذكرنا من غسل عائشة رأسه وهو معتكفٌ، فمعلومٌ أنّ المراد بقوله: {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد} غير جميع ما لزمه اسم المباشرة وأنّه معنيّ به البعض من معاني المباشرة دون الجميع. فإذا كان ذلك كذلك، وكان مجمعًا على أنّ الجماع ممّا عني به، كان واجبًا تحريم الجماع على المعتكف وما أشبهه، وذلك كلّ ما قام في الالتذاذ مقامه من المباشرة). [جامع البيان: 3/274]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {تلك حدود اللّه فلا تقربوها}.
يعني تعالى ذكره بذلك هذه الأشياء الّتي بيّنتها من الأكل، والشّرب، والجماع في شهر رمضان نهارًا في غير عذرٍ، وجماع النّساء في الاعتكاف في المساجد.
يقول: هذه الأشياء حدّدتها لكم، وأمرتكم أن تجتنبوها في الأوقات الّتي أمرتكم أن تجتنبوها وحرّمتها فيها عليكم، فلا تقربوها وابعدوا منها أن تركبوها، فتستحقّوا بها من العقوبة ما يستحقّه من تعدّى حدودي وخالف أمري وركب معاصيّ.
وكان بعض أهل التّأويل يقول: حدود اللّه: شروطه.
وذلك معنًى قريبٌ من المعنى الّذي قلنا، غير أنّ الّذي قلنا في ذلك أشبه بتأويل الكلمة، وذلك أنّ حدّ كلّ شيءٍ ما حصره من المعاني وميّز بينه وبين غيره، فقوله: {تلك حدود اللّه} من ذلك، يعني به المحارم الّتي ميّزها من الحلال المطلق فحدّدها بنعوتها وصفاتها وعرّفها عباده.
ذكر من قال إنّ ذلك بمعنى الشّروط
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال أمّا حدود اللّه فشروطه.
وقال بعضهم: حدود اللّه: معاصيه.
[جامع البيان: 3/274]
ذكر من قال ذلك
- حدّثت عن الحسين بن الفرج المروزى، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضّحّاك يقول: {تلك حدود اللّه} يقول: معصية اللّه، يعني المباشرة في الاعتكاف). [جامع البيان: 3/275]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كذلك يبيّن اللّه آياته للنّاس لعلّهم يتّقون}.
يعني تعالى ذكره بذلك: كما بيّنت لكم أيّها النّاس واجب فرائضي عليكم من الصّوم، وعرّفتكم حدوده، وأوقاته، وما عليكم منه في الحضر، وما لكم فيه في السّفر، والمرض، وما اللاّزم لكم تجنّبه في حال اعتكافكم في مساجدكم، فأوضحت جميع ذلك لكم، فكذلك أبيّن أحكامي، وحلالي، وحرامي، وحدودي، وأمري، ونهيي في كتابي، وتنزيلي، وعلى لسان رسولي صلّى اللّه عليه وسلّم للنّاس.
ويعني بقوله: {لعلّهم يتّقون} يقول: أبيّن ذلك لهم ليتّقوا محارمي، ومعاصيّ، ويتجنّبوا سخطي، وغضبي بتركهم ركوب ما أبيّن لهم في آياتي أنّي قد حرّمته عليهم، وأمرتهم بهجره وتركه). [جامع البيان: 3/275]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنّ وابتغوا ما كتب اللّه لكم وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود اللّه فلا تقربوها كذلك يبيّن اللّه آياته للنّاس لعلّهم يتّقون (187)
قوله: أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم
- حدّثنا: أحمد بن سنانٍ، ثنا يزيد بن هارون، أنا المسعودي، عن عمرو ابن مرّة، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبلٍ، قال أحيل الصّيام على ثلاثة أحوالٍ، كانوا يأكلون ويشربون ويأتون النّساء ما لم يناموا، فإذا ناموا امتنعوا من ذلك، فجاء عمر بن الخطّاب وقد أصاب امرأةً له بعد ما نام، فذكر ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه تعالى: أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم). [تفسير القرآن العظيم: 1/315]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: الرّفث إلى نسائكم
- حدّثنا أبي، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن سعيد ابن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: الرّفث: الجماع.
وروي، عن عطاءٍ ومجاهدٍ وسعيد بن جبيرٍ وطاوسٍ والحسن والضّحّاك وإبراهيم النّخعيّ وسالم بن عبد اللّه والسّدّيّ وعمرو بن دينارٍ وقتادة والزّهريّ ومقاتل ابن حيان وعطاء الخراساني، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/315]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ
- حدّثنا عليّ بن الحسين بن الجنيد، ثنا أبو بكر وعثمان، أنبأ أبا شيبة، قالا، ثنا معاوية بن هشامٍ، ثنا سفيان، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ قال: هنّ سكنٌ لكم وأنتم سكنٌ لهنّ، وروي، عن مجاهدٍ، وسعيد بن جبيرٍ وقتادة والسّدّيّ ومقاتل بن حيّان، نحو ذلك.
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، ثنا عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ قال: هنّ لحافٌ لكم، وأنتم لحافٌ لهنّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/316]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم
- حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن ابن أخي ابن وهبٍ، ثنا عمّي، ثنا ابن لهيعة، أنّ موسى بن جبيرٍ مولى بن سلمة حدّثه، أنّه سمع عبد اللّه بن كعب بن مالكٍ يحدّث، عن أبيه، أنّه قال: كان النّاس إذا صام الرّجل فنام، حرّم عليه الطّعام والشّراب حتّى يفطر من الغد، فرجع عمر بن الخطّاب من، عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ذات ليلةٍ، وقد سمر، عنده فوجد امرأته قد نامت فأيقظها، وأرادها فقالت:
إنّى نمت فقال: ما نمت، ثمّ وقع بها. وصنع كعب بن مالكٍ مثل ذلك. فغدا عمر بن الخطّاب إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبره، فأنزل اللّه تعالى علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم إلى قوله: أتمّوا الصّيام إلى اللّيل وروي، عن الحسن وعطاءٍ وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيّان وقتادة، نحو ذلك.
- أخبرنا عمرو بن ثورٍ القيساريّ فيما كتب إليّ، ثنا الفريابيّ، ثنا سفيان ، عن مجاهدٍ قوله: تختانون أنفسكم قال: تظلمون أنفسكم.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم أنّكم تقعون عليهنّ خيانةً). [تفسير القرآن العظيم: 1/316]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فتاب عليكم وعفا، عنكم
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي
[تفسير القرآن العظيم: 1/316]
الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم يعني بذلك الّذي فعل عمر بن الخطّاب فأنزل اللّه عفوه وقال: فتاب عليكم وعفا، عنكم). [تفسير القرآن العظيم: 1/317]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فالآن باشروهنّ
- حدّثنا أحمد بن عصامٍ الأنصاريّ، ثنا أبو عامرٍ العقديّ، ثنا سفيان، عن عاصمٍ، عن بكر بن عبد اللّه المزني، ابن عبّاسٍ، قال: المباشرة هو الجماع ولكنّ اللّه يكنّي.
وروي، عن مجاهدٍ وعطاءٍ والضّحّاك ومقاتل بن حيّان والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ وزيد بن أسلم، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/317]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وابتغوا ما كتب اللّه لكم
اختلف في تفسيره على أوجه:
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبد اللّه بن خراشٍ، يعني: أخا العوّام بن حوشبٍ لأمّه، عن العوّام، عن مجاهدٍ ، عن ابن عبّاسٍ وابتغوا ما كتب اللّه لكم قال: الولد.
وروي، عن أنسٍ وشريحٍ والحسن ومجاهدٍ وعطاءٍ والضّحّاك وسعيد بن جبيرٍ وعكرمة والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ، والحكم بن عتبة وقتادة وزيد بن أسلم مقاتل بن حيّان نحو ذلك.
والقول الثّاني:
وهو أحد قولي ابن عبّاسٍ.
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن محمّد بن عرعرة، ثنا معاذ بن هشامٍ، عن أبيه، عن عمرو بن مالكٍ، عن أبي الجوزاء، عن ابن عبّاسٍ وابتغوا ما كتب اللّه لكم قال: ليلة القدر). [تفسير القرآن العظيم: 1/317]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وكلوا واشربوا
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود يعني: اللّيل والنّهار وأحلّ لكم المجامعة والأكل والشّرب حتّى يتبيّن الصّبح، فإذا تبيّن الصّبح حرّم عليهم.
- أخبرنا عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ، ثنا زيدٌ، ثنا ابن ثورٍ، عن ابن جريجٍ وكلوا واشربوا قال: نزلت في أبي قيس بن صرمة من بني الخزرج). [تفسير القرآن العظيم: 1/318]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة، عن مجالدٍ، عن الشّعبيّ، عن عديّ بن حاتمٍ، قال: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأسلمت وعلّمني الإسلام، وقال: صلّ كذا وكذا فإذا جاء شهر رمضان فصم، فإذا كان اللّيل، فكل واشرب حتّى يتبيّن لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود. قال: فقلت: خيطين أبيض وأسود فجعلت أنظر إليهما، فجعلت أستبين كلّ واحدٍ منهما من صاحبه. فأتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرته، فضحك وقال: يا ابن حاتمٍ ألم أقل لك من الفجر؟
إنّما هو بياض النّهار، وسواد اللّيل.
- حدّثنا أبي، ثنا ابن أبي مريم، أنبأ أبو غسّان، يعني: محمّد بن مطرّفٍ حدّثني أبو حازمٍ، عن سهل بن سعدٍ، قال: نزلت هذه الآية وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود قال: ولم ينزل من الفجر، فكان رجالٌ إذا أرادوا الصّوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل ويشرب حتّى يتبيّن له رؤيتهما، فأنزل اللّه بعد ذلك من الفجر فعلموا إنّما يعني بذلك اللّيل والنّهار). [تفسير القرآن العظيم: 1/318]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: من الفجر
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن يونس، ثنا إسرائيل، عن جابرٍ، عن عامرٍ، عن عطاءٍ، وقال: ذاكرتهما الفجر، فقالا: الفجر الأبيض (..) الّذي تحته). [تفسير القرآن العظيم: 1/318]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل
- حدّثنا أبي، ثنا أبو الوليد الطّيالسيّ، ثنا عبيد اللّه بن إياد بن لقيطٍ، أخبرني إياد بن لقيطٍ، عن ليلى امرأة بشير بن الخصاصية، قالت: أردت أن أصوم يومين مواصلةً فمنعني بشيرٌ، وقال: إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، نهى، عن هذا وقال: يفعل ذلك النّصارى ولكن صوموا كما أمركم اللّه، أتمّوا الصّيام إلى اللّيل فإذا كان اللّيل فأفطروا.
- حدّثنا هارون بن إسحاق، ثنا عبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عاصم بن عمر، عن عمر، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، إذا أقبل الليل، وأخبر النّهار، وغابت الشّمس، فقد أفطرت). [تفسير القرآن العظيم: 1/319]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد هذا في الرّجل يعتكف في المسجد في رمضان أو غيره فحرّم اللّه عليه أن ينكح النّساء ليلا ونهارًا حتّى يقضي اعتكافه.
وروى ابن مسعودٍ والضّحّاك والحسن وعطاءٌ ومحمّد بن كعبٍ وقتادة ومجاهدٌ والسّدّيّ والرّبيع ومقاتلٌ، قالوا: لا يقربها وهو معتكفٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/319]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وأنتم عاكفون في المساجد
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حمّادٌ يعني: ابن سلمة، عن ثابتٍ، عن عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ، قال: قلت له ما أراني إلا مكلّم الأمير في هؤلاء الّذين ينامون في المسجد فيجنبون ويحدثون قال: فلا تفعل، فإنّ ابن عمر، سئل، عنهم، فقال: هم العاكفون). [تفسير القرآن العظيم: 1/319]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: تلك حدود الله
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ تلك حدود اللّه يعني: طاعة الله.
[تفسير القرآن العظيم: 1/319]
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، أمّا حدود اللّه: فشروطه.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن منيبٍ، ثنا أبو معاذٍ النّحويّ، ثنا عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك: تلك حدود اللّه قال: معصية اللّه يعني: المباشرة في الاعتكاف. وروي، عن مقاتلٍ، نحو قول الضّحّاك). [تفسير القرآن العظيم: 1/320]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فلا تقربوها
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمد بن علي بن الحسن ابن شقيقٍ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان فلا تقربوها يعني: الجماع). [تفسير القرآن العظيم: 1/320]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: كذلك
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: كذلك يعني: هكذا يبيّن اللّه آياته). [تفسير القرآن العظيم: 1/320]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: كذلك يبيّن اللّه إلى يتقون
[الوجه الأول]
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، قوله: كذلك يبيّن اللّه آياته للنّاس لعلّهم يتقون المعاصي: وعلى كل معتكف الصيام مادام معتكفًا.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ، ثنا أبو داود الحفريّ، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ لعلّهم يتّقون قال: يطيعون). [تفسير القرآن العظيم: 1/320]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كانوا يصومون فإذا أمسوا أكلوا وشربوا وجامعوا فإذا رقد أحدهم حرم ذلك عليه إلى مثلها من المقابلة وكان منهم رجال يختانون أنفسهم في ذلك فخفف الله عنهم وأحل لهم الطعام والشراب والجماع قبل النوم وبعده في الليل كله). [تفسير مجاهد: 96]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله الرفث
[تفسير مجاهد: 96]
يعني الجماع). [تفسير مجاهد: 97]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وابتغوا ما كتب الله لكم يعني الولد يقول إن لم تلد هذه فهذه ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد). [تفسير مجاهد: 97]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: قال ابن عباس وإذا اعتكف فلا يجامع النساء). [تفسير مجاهد: 97]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني عبد اللّه بن الحسين القاضي بمرو، ثنا الحارث بن أبي أسامة، ثنا أبو النّضر هاشم بن القاسم، ثنا المسعوديّ، حدّثني عمرو بن مرّة، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبلٍ رضي اللّه عنه، قال: أمّا أحوال الصّيام " فإنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قدم المدينة، فجعل يصوم من كلّ شهرٍ ثلاثة أيّامٍ، وصيام يوم عاشوراء، ثمّ إنّ اللّه فرض عليه الصّيام، فأنزل اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} [البقرة: 183] إلى هذه الآية {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} [البقرة: 184] فكان من شاء صام، ومن شاء أطعم مسكينًا فأجزأ ذلك عنه، ثمّ إنّ اللّه أنزل الآية الأخرى: {شهر رمضان الّذي أنزل فيه القرآن} [البقرة: 185] إلى قوله تعالى {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه} [البقرة: 185] فأثبت اللّه صيامه على المقيم الصّحيح، ورخّص فيه للمريض وللمسافر، وثبت الإطعام للكبير الّذي لا يستطيع الصّيام، فهذان حولان، وكانوا يأكلون ويشربون، ويأتون النّساء ما لم يناموا، فإذا ناموا امتنعوا، ثمّ إنّ رجلًا من الأنصار يقال له صرمة كان يعمل صائمًا حتّى أمسى، فجاء إلى أهله فصلّى العشاء ثمّ نام فلم يأكل، ولم يشرب حتّى أصبح فأصبح صائمًا............... فألقيت نفسي فنمت، وأصبحت صائمًا وكان عمر قد أصاب من النّساء من جاريةٍ أو حرّةٍ، بعدما نام، فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له، فأنزل اللّه: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} [البقرة: 187] إلى قوله {ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل} [البقرة: 187] «هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه» ). [المستدرك: 2/301] (م)
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن عبد اللّه الشّافعيّ، ثنا إسحاق بن الحسن، ثنا أبو حذيفة، ثنا سفيان، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، {هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ} [البقرة: 187] قال: «هنّ سكنٌ لكم، وأنتم سكنٌ لهنّ» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط البخاريّ، ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/302]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) البراء بن عازب رضي الله عنه: قال: لمّا نزل صوم رمضان، كانوا لا يقربون النساء رمضان كلّه، وكان رجالٌ يخونون
[جامع الأصول: 2/24]
أنفسهم، فأنزل اللّه تعالى: {علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم} [البقرة: 187] الآية» أخرجه البخاري.
[شرح الغريب]
(يخونون) أنفسهم: أي: يظلمونها بارتكاب ما حرّم عليهم. ويختانون: يفتعلون منه). [جامع الأصول: 2/25]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د) عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: قال: {يا أيّها الذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الذين من قبلكم} [البقرة: 183] قال: وكان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلّوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء، وصاموا إلى القابلة، فاختان رجلٌ نفسه فجامع امرأته وقد صلى العشاء ولم يفطر، فأراد الله أن يجعل ذلك يسراً لمن بقي ورخصة ومنفعة، فقال: {علم اللّه أنكم كنتم تختانون أنفسكم - الآية} [البقرة: 187] فكان هذا ممّا نفع الله به الناس، ورخص لهم ويسّر. أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
(القابلة) الليلة الآتية، وكذلك السنة الآتية). [جامع الأصول: 2/25]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ ت د س) البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، إذا كان الرجل صائماً، فحضر الإفطار، فنام قبل أن يفطر، لم يأكل ليلته ولا يومه، حتى يمسي، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائماً، فلما حضر الإفطار، أتى امرأته، فقال: أعندك طعامٌ؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل، فغلبته عينه، فجاءت امرأته، فلما رأته، قالت: خيبةً لك، فلما انتصف النهار، غشي عليه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية {أحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} [البقرة: 187] ففرحوا بها فرحاً شديداً، ونزلت {وكلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}.
هذه رواية البخاري والترمذي. وزاد أبو داود بعد قوله: «غشي عليه» قال: «فكان يعمل يومه في أرضه». وعنده: أنّ اسم الرجل «صرمة بن قيسٍ».
وفي رواية النسائي: أن أحدهم: كان إذا نام قبل أن يتعشّى، لم يحلّ له أن يأكل شيئاً، ولا يشرب ليلته ويومه من الغد حتى تغرب الشمس،
[جامع الأصول: 2/26]
حتى نزلت هذه الآية {وكلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} قال: ونزلت في قيس بن عمرو، أتى أهله وهو صائم بعد المغرب، فقال هل من شيءٍ؟ فقالت امرأته: ما عندنا شيءٌ. وذكر الحديث.
[شرح الغريب]
(الرّفث) هاهنا: الجماع. وقيل: هو كلمة جامعة لكل ما يريده الرّجل من المرأة). [جامع الأصول: 2/27]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م) سهل بن سعيد رضي الله عنه: قال: أنزلت {وكلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} ولم ينزل {من الفجر} فكان رجالٌ إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض، والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبين له رئيهما، فأنزل
[جامع الأصول: 2/27]
الله تعالى بعد {من الفجر} فعلموا أنّه إنّما يعني الليل والنّهار. أخرجه البخاري، ومسلم). [جامع الأصول: 2/28]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت د س) عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه: قال: نزلت: {حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود}، عمدت إلى عقالٍ أسود، وإلى عقالٍ أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، وجعلت أنظر من اللّيل، فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: «إنّما ذلك سواد الليل وبياض النّهار». هذه رواية البخاري ومسلم وأبي داود.
واختصر النسائي: أن عدي بن حاتم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} قال: «هو سواد الليل وبياض النّهار». وفي رواية الترمذي مختصراً مثله.
وله في أخرى بطوله، وفيه «فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً - لم يحفظه سفيان - فقال: إنّما هو الليل والنّهار».
وفي رواية البخاري، قال: أخذ عديٌّ عقالاً أبيض وعقالاً أسود،
[جامع الأصول: 2/28]
حتى كان بعض الليل نظر، فلم يستبينا، فلما أصبح، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جعلت تحت وسادتي خيطاً أبيض، وخيطاً أسود، قال: «إنّ وسادك لعريضٌ، أن كان الخيط الأبيض والخيط الأسود تحت وسادك».
وفي أخرى له قال: قلت: يا رسول الله، ما الخيط الأبيض، من الخيط الأسود، أهما الخيطان؟ قال: «إنك لعريض القفا؛ أن أبصرت الخيطين»، ثم قال: «لا، بل هما سواد الليل وبياض النهار ».
[شرح الغريب]
(عقال) العقال: الحبيل الذي تشدّ به ركبة البعير لئلا يهرب.
(وسادي) الوساد والوسادة: المخدّة.
(لعريض) والمراد بقوله: إنك لعريض الوسادة: إن نومك لعريض
[جامع الأصول: 2/29]
فكنّى بالوسادة عن النوم؛ لأن النائم يتوسد، كما يكنى بالثوب عن البدن، لأن الإنسان يلبسه، وقيل: كنى بالوساد عن موضع الوساد من رأسه وعنقه، يدلّ عليه قوله الآخر: «إنك لعريض القفا» وعرض القفا: كناية عن السّمن الذي يذهب الفطنة، وقيل: أراد من أكل مع الصبح في صومه: أصبح عريض القفا؛ لأن الصوم لا يضعفه ولا يؤثر فيه). [جامع الأصول: 2/30]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم} [البقرة: 187].
- «عن كعب بن مالكٍ قال: كان النّاس في رمضان إذا صام الرّجل فأمسى فنام، حرم عليه الطّعام والشّراب والنّساء حتّى يفطر من الغد.
فرجع عمر من عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ذات ليلةٍ وقد سمر عنده، فوجد امرأته قد نامت، فأرادها، فقالت: إنّي نمت، فقال: ما نمت. ثمّ وقع بها، وصنع كعب بن مالكٍ مثل ذلك، فغدا عمر إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبره فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم} [البقرة: 187]».
رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة وحديثه حسنٌ وقد ضعّف، وبقيّة رجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 6/317]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون.
أخرج وكيع، وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود والترمذي والنحاس في ناسخه، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي في "سننه" عن البراء بن عازب قال كان أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي وأن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما فكان يومه ذاك يعمل في أرضه فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال: هل عندك طعام قالت: لا ولكن انطلق فأطلب لك فغلبته عينه فنام وجاءت امرأته فلما رأته نائما قالت: خيبة لك أنمت فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية {أحل لكم ليلة الصيام الرفث} إلى قوله {من الفجر} ففرحوا بها فرحا كثيرا.
وأخرج البخاري عن البراء قال: لما نزل صوم شهر رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله فكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم}
[الدر المنثور: 2/272]
وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم بسند حسن عن كعب بن مالك قال كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد فرجع عمر بن الخطاب من عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد سمر عنده فوجد امرأته قد نامت فأيقظها وأرادها فقالت: إني قد نمت
فقال: ما نمت ثم وقع بها، وصنع كعب بن مالك مثل ذلك فغدا عمر بن الخطاب إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره فأنزل الله {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم}.
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال: كان المسلمون قبل أن تنزل هذه الآية إذا صلوا العشاء الآخرة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء حتى يفطروا وأن عمر أصاب أهله بعد صلاة العشاء وأن صرمة بن قيس غلبته عينه بعد صلاة المغرب فنام فلم يشبع من الطعام ولم يستيقظ حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء فقام فأكل وشرب فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فأنزل {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} يعني بالرفث مجامعة النساء {كنتم تختانون أنفسكم} يعني تجامعون النساء وتأكلون وتشربون بعد العشاء {فالآن باشروهن} يعني جامعوهن !
[الدر المنثور: 2/273]
{وابتغوا ما كتب الله لكم} يعني الولد {وكلوا واشربوا} فكان ذلك عفوا من الله ورحمة.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس أن المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة ثم إن ناسا من المسلمين أصابوا الطعام والنساء في رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {أحل لكم ليلة الصيام} إلى قوله {فالآن باشروهن} يعني انكحوهن.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان الناس أول ما أسلموا إذا صام أحدهم يصوم يومه حتى إذا أمسى طعم من الطعام حتى يمسي من الليلة القابلة وأن عمر بن الخطاب بينما هو نائم إذ سولت له نفسه فأتى أهله ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أعتذر إلى الله وإليك من نفسي هذه الخاطئة فإنها زينت لي فواقعت أهلي هل تجد لي من رخصة قال: لم تكن حقيقا بذلك يا عمر، فلم بلغ بيته أرسل إليه فأنبأه بعذره في آية من القرآن وأمر الله رسوله أن يضعها في المائة الوسطى من سورة البقرة فقال {أحل لكم ليلة الصيام} إلى قوله {تختانون أنفسكم} يعني بذلك الذي فعل
[الدر المنثور: 2/274]
عمر فأنزل الله عفوه فقال {فتاب عليكم} إلى قوله {من الخيط الأسود} فأحل لهم المجامعة والأكل والشرب حتى يتبين لهم الصبح.
وأخرج ابن جرير عن ثابت أن عمر بن الخطاب واقع أهله ليلة في رمضان فاشتد عليه ذلك فأنزل الله {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}.
وأخرج أبو داود والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} قال: فكان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إلى القابلة فاختان رجل نفسه فجامع امرأته وقد صلى العشاء ولم يفطر فأراد الله أن يجعل ذلك تيسيرا لمن بقي ورخصة ومنفعة فقال {علم الله أنكم كنتم تختانون} الآية، فرخص لهم ويسر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج {وكلوا واشربوا} قال: نزلت في أبي قيس بن صرمة من بني الخزرج.
وأخرج وكيع، وعبد بن حميد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال كانوا إذا صاموا فنام أحدهم قبل أن يطعم لم يأكل شيئا إلى مثلها من الغد وإذا نام قبل
[الدر المنثور: 2/275]
أن يجامع لم يجامع إلى مثلها فانصرف شيخ من الأنصار يقال له صرمة بن مالك ذات ليلة إلى أهله وهو صائم فقال: عشوني، فقالوا: حتى نجعل لك طعاما سخنا تفطر عليه فوضع الشيخ رأسه فغلبته عيناه فنام فجاؤوا بالطعام وقد نام فقالوا: كل، فقال: قد كنت نمت فترك الطعام وبات ليلته يتقلب ظهرا لبطن فلما أصبح أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله إني أردت أهلي البارحة على ما يريد الرجل أهله فقالت: إنها قد نامت فظننتها تعتل فواقعتها فأخبرتني أنها كانت نامت فأنزل الله في صرمة بن مالك {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} ونزل في عمر بن الخطاب {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} إلى آخر الآية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله {علم الله أنكم كنتم تختانون
[الدر المنثور: 2/276]
أنفسكم} قال: كان هذا قبل صوم رمضان أمروا بصيام ثلاثة أيام من كل شهر من كل عشرة أيام يوما وأمروا بركعتين غدوة وركعتين عشية فكان هذا بدء الصلاة والصوم فكانوا في صومهم هذا وبعد ما فرض الله رمضان إذا رقدوا لم يمسوا النساء والطعام إلى مثلها من القابلة وكان أناس من المسلمين يصيبون من
النساء والطعام بعد رقادهم وكانت تلك خيانة القوم أنفسهم فأنزل الله في ذلك القرآن {علم الله أنكم كنتم تختانون} الآية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد قال: كان أصحاب محمد يصوم الصائم في شهر رمضان فإذا أمسى أكل وشرب وجامع النساء فإذا رقد حرم ذلك عليه حتى مثلها من القابلة وكان منهم رجال يختانون أنفسهم في ذلك فعفا الله عنهم أحل لهم ذلك بعد الرقاد وقبله في الليل كله.
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم التيمي قال: كان المسلمون في أول الإسلام يفعلون كما يفعل أهل الكتاب إذا نام أحدهم لم يطعم حتى يكون القابلة فنزلت {وكلوا واشربوا} إلى آخر الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر.
وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عن ابن عباس قال: الرفث الجماع
[الدر المنثور: 2/277]
وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر قال: الرفث الجماع.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس قال: الدخول والتغشي والإفضاء والمباشرة والرفث واللمس والمس والمسيس: الجماع والرفث في الصيام: الجماع والرفث في الحج: الإغراء به.
وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} قال: هن سكن لكم وأنتم سكن لهن.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {هن لباس لكم} قال: هن سكن لكم تسكنون إليهن بالليل والنهار قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت نابغة بن ذبيان وهو يقول:
[الدر المنثور: 2/278]
إذا ما الضجيع ثنى عطفها * تثنت عليه فكانت لباسا.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن يحيى بن العلاء عن ابن أنعم أن سعد بن مسعود الكندي قال: أتى عثمان بن مظعون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لأستحي أن ترى أهلي عورتي، قال: لم وقد جعلك الله لهم لباسا وجعلهم لك قال: أكره ذلك، قال: لإغنهم يرونه مني وأراه منهم، قال: أنت يا رسول الله
قال: أنا، قال: أنت فمن بعدك إذا فلما أدبر عثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ابن مظعون لحيي ستير، وأخرجه ابن سعد عن سعد بن مسعود وعمارة بن غراب اليحصبي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {تختانون} فال: تقعون عليهن خيانة
[الدر المنثور: 2/279]
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {فالآن باشروهن} قال: انكحوهن.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر ابن وأبي حاتم والبيهقي من طرق عن ابن عباس قال: المباشرة الجماع ولكن الله كريم يستكني.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد قال: المباشرة في كل كتاب الله الجماع.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وابتغوا ما كتب الله لكم} قال: الولد.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد وقتادة والضحاك، مثله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وابتغوا ما كتب الله لكم} قال: ليلة القدر.
وأخرج البخاري في تاريخه عن أنس في قوله {وابتغوا ما كتب الله لكم} قال: ليلة القدر
[الدر المنثور: 2/280]
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله {وابتغوا ما كتب الله لكم} قال: وابتغوا الرخصة التي كتب الله لكم.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن عطاء قال: قلت لابن عباس كيف تقرأ هذه الآية {وابتغوا ما كتب الله لكم} قال: أو واتبعوا قال: أيتهما شئت عليك بالقراءة الأولى.
وأخرج مالك، وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي عن عائشة قالت قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم
[الدر المنثور: 2/281]
وأخرج مالك، وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أم سلمة أنها سئلت عن الرجل يصبح جنبا أيصوم فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من جماع غير احتلام في رمضان ثم يصوم.
وأخرج مالك والشافعي ومسلم وأبو داود والنسائي عن عائشة أن رجلا قال: يا رسول الله إني أصبح جنبا وأنا أريد الصيام فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: وأنا أصبح جنبا وأريد الصيام فأغتسل وأصوم ذلك اليوم فقال الرجل: إنك لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فغضب وقال: والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي.
وأخرج أبو بكر بن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء والطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} قال: بياض النهار من سواد الليل وهو الصبح إذا قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت قول أمية: الخيط الأبيض ضوء الصبح منغلق * والخيط الأسود لون الليل مكموم.
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن سهل بن سعد قال: أنزلت {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} ولم ينزل من الفجر فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط
[الدر المنثور: 2/282]
الأبيض والخيط الأسود فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله بعد {من الفجر} فعلموا إنما يعني الليل والنهار.
وأخرج سفيان بن عينية وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي عن عدي بن حاتم قال لما أنزلت هذه الآية {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} عمدت إلى عقالين أحدهما أسود والآخر أبيض فجعلتهما تحت وسادتي فجعلت أنظر إليهما فلا يتبين لي الأبيض من الأسود فلما أصبحت غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالذي صنعت فقال: إن وسادك إذا لعريض إنما ذاك بياض النهار من سواد الليل.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن عدي بن حاتم قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمني الإسلام ونعت لي الصلوات الخمس كيف أصلي كل صلاة لوقتها ثم قال: إذا جاء رمضان فكل واشرب حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط
الأسود من الفجر ثم أتم الصيام إلى الليل ولم أدر ما هو ففتلت خيطين من أبيض وأسود فنظرت فيهما عند الفجر فرأيتهما سواء فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
[الدر المنثور: 2/283]
فقلت: يا رسول الله كل شيء أوصيتني قد حفظت غير الخيط الأبيض من الخيط الأسود قال: وما منعك يا ابن حاتم وتبسم كأنه قد علم ما فعلت، قلت: فتلت خيطين من أبيض وأسود فنظرت فيهما من الليل فوجدتهما سواء فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رؤي نواجذه ثم قال: ألم أقل لك من الفجر إنما هو ضوء النهار من ظلمة الليل.
وأخرج عبد بن حميد والبخاري، وابن جرير عن عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود أهما الخيطان فقال: إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين ثم قال: لا بل هو سواد الليل وبياض النهار.
وأخرج ابن أبي شيبه، عن جابر الجعدي أنه سأل عن هذه الآيه {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} يعني الليل والنهار
[الدر المنثور: 2/284]
وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير عن علي بن أبي طالب أنه قال لابن عباس: متى أدع السحور فقال رجل: إذا شككت فقال ابن عباس: كل ما شككت حين يتبين لك.
وأخرج وكيع عن أبي الضحى قال: كانوا يرون أن الفجر المستفيض في السماء.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن ابن عباس قال: هما فجران فأما الذي يسطع في السماء فليس يحل ولا يحرم شيئا ولكن الفجر الذي يستبين على رؤوس الجبال هو الذي يحرم الشراب.
وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن جرير عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لايمنعكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر
[الدر المنثور: 2/285]
المستظهر في الأفق.
وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا يمنعكم أذان بلال من سحوركم فإنه ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وحسنه عن طلق بن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كلوا واشربوا ولا يمنعكم الساطع المصعد وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر.
وأخرج أحمد: ليس الفجر المستطيل في الأفق ولكنه المعترض الأحمر
[الدر المنثور: 2/286]
وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الفجر فجران فأما الذي كأنه ذنب السرحان فإنه لا يحل شيئا ولا يحرمه وأما المستطيل الذي يأخذ الأفق فإنه يحل الصلاة ويحرم الطعام وأخرجه الحاكم من طريقه، عن جابر موصولا.
وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: الفجر فجران فجر يحرم فيه الطعام والشراب ويحل فيه الصلاة وفجر يحل فيه الطعام ويحرم فيه الصلاة.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن
[الدر المنثور: 2/287]
أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أراد أن يصوم فليتسحر ولو بشيء.
وأخرج {ثم أتموا الصيام إلى الليل}.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد، فيمن أفطر ثم طلعت الشمس قال: يقضي لأن الله يقول {أتموا الصيام إلى الليل}.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي أمامة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتياني جبلا وعرا فقالا لي: اصعد، فقلت: إني لا أطيقه، فقالا: إنا سنسهله لك فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا أنا بأصوات شديدة فقلت: ما هذه الأصوات قالوا:
[الدر المنثور: 2/288]
هذا عواء أهل النار ثم انطلقا بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما، قلت: من هؤلاء قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم والطبراني عن ليلى امرأة بشير بن الخصاصية قالت أردت أن أصوم يومين مواصلة فمنعني بشير وقال: إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال: إنما يفعل ذلك النصارى ولكن صوموا كما أمركم الله وأتموا الصيام إلى الليل فإذا كان الليل فأفطروا.
وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن عساكر عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واصل يومين وليلة فأتاه جبريل فقال: إن الله قد قبل وصالك ولا يحل لأحد بعدك وذلك بأن الله قال: وأتموا الصيام إلى الليل.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد عن قتادة قال: قالت عائشة !
[الدر المنثور: 2/289]
{ثم أتموا الصيام إلى الليل} يعني أنها كرهت الوصال.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد عن أبي العالية، أنه ذكر عنده الوصال فقال: فرض الله الصوم بالنهار فقال {ثم أتموا الصيام إلى الليل} فإذا جاء الليل فأنت مفطر فإن شئت فكل وإن شئت فلا.
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر إن اليهود والنصارى يؤخرون.
وأخرج مالك والشافعي، وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر.
وأخرج مالك، وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال قالوا: إنك تواصل قال: لست
[الدر المنثور: 2/290]
مثلكم إني أطعم وأسقى.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري عن أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لا تواصلوا، قالوا: إنك تواصل قال: إني لست كأحد منكم إني أبيت أطعم وأسقى.
وأخرج البخاري وأبو داود عن أبي سعيد أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل حتى السحر، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله قال: إني لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني.
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن عائشة قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم فقالوا: إنك تواصل قال: إني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقيني.
وأخرج مالك، وابن أبي شيبة والبخاري والنسائي عن أبي هريرة قال نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله قال: وأيكم مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني
[الدر المنثور: 2/291]
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم إني صائم.
وأخرج البخاري والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال من لم يدع، وفي لفظ: إذا لم يدع الصائم قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رب قائم حظه من القيام السهر ورب صائم حظه من الصيام الجوع والعطش.
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال: الغيبة تخرق الصوم والاستغفار يرقعه فمن استطاع منكم أن يجيء غدا بصومه مرقعا فليفعل.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي، عن جابر بن عبد الله قال: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الخادم
[الدر المنثور: 2/292]
وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك ولا تجعل فطرك وصومك سواء.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن طلق بن قيس قال: قال أبو ذر: إذا صمت فتحفظ ما استطعت فكان طلق إذا كان يوم صومه دخل فلم يخرج إلا للصلاة.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن مجاهد قال: خصلتان من حفظهما يسلم له صومه الغيبة والكذب.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن أبي العالية قال: الصائم في عبادة ما لم يغتب.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صام من ظل يأكل لحوم الناس.
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: كانوا يقولون: الكذب يفطر الصائم.
وأخرج البيهقي عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لايقولن أحدكم: إني قمت رمضان كله وصمته، فلا أدري أكره التزكية أو قال:
[الدر المنثور: 2/293]
لابد من نومة أو رقدة.
وأخرج البيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون} قال: المباشرة الملامسة والمس الجماع ولكن الله يكني ما شاء بما يشاء.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولا تباشروهن} الآية، قال: هذا في الرجل يعتكف في المسجد في رمضان أو غير رمضان فحرم الله عليه أن ينكح النساء ليلا أو نهارا حتى يقضي اعتكافه.
وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن الضحاك قال: كانوا يجامعون وهم معتكفون حتى نزلت {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة قال: كان
[الدر المنثور: 2/294]
الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد جامع إن شاء فنزلت.
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال: كان ناس يصيبون نساءهم وهم عاكفون فنهاهم الله عن ذلك.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كانوا إذا اعتكفوا فخرج الرجل إلى الغائط جامع امرأته ثم اغتسل ثم رجع إلى اعتكافه فنهوا عن ذلك.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الآية قال: نهى عن جماع النساء في المساجد كما كانت الأنصار تصنع.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن عباس قال: إذا جامع المعتكف بطل اعتكافه ويستأنف.
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم في معتكف وقع بأهله قال: يستقبل اعتكافه ويستغفر الله ويتوب إليه ويتقرب ما استطاع.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد في المعتكف إذا جامع قال: قال: يتصدق بدينارين
[الدر المنثور: 2/295]
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن في رجل غشي امرأته وهو معتكف أنه بمنزلة الذي غشي في رمضان عليه على الذي في رمضان.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري قال: من أصاب امرأته وهو معتكف فعليه من الكفارة مثل ما على الذي يصيب في رمضان.
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: لا يقبل المعتكف ولا يباشر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: المعتكف لا يبيع ولا يبتاع). [الدر المنثور: 2/296]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وأنتم عاكفون في المساجد}.
وأخرج الدارقطني والبيهقي في شعب الإيمان من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب وعن عروة عن عائشة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده والسنة في المعتكف أن لا يخرج إلا لحاجة الإنسان ولا يتبع جنازة ولا يعود مريضا ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة والسنة إلى آخره، فقد قيل: أنه من قول عروة وقال الدارقطني: هو من كلام الزهري زمن أدرجه في الحديث فقد وهم.
وأخرج ابن ماجه والبيهقي وضعفه عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه
[الدر المنثور: 2/296]
قال في المعتكف أنه معتكف الذنوب ويجري له من الأجر كأجر عامل الحسنات كلها.
وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم وصححه والبيهقي وضعفه والخطيب في تاريخه عن ابن عباس أنه كان معتكفا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل في حاجة فقام معه وقال: سمعت صاحب هذا القبر يقول من مشى في حاجة أخيه وبلغ فيها كان خيرا من اعتكاف عشر سنين ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق أبعد مما بين الخافقين.
وأخرج البيهقي وضعفه عن علي بن حسين عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اعتكف عشرا في رمضان كان كحجتين وعمرتين.
وأخرج البيهقي عن الحسن قال: للمعتكف كل يوم حجة قال البيهقي: لا يقوله الحسن إلا عن بلاغ بلغه.
وأخرج البيهقي عن زياد بن السكن قال: كان زبيد اليامي وجماعة إذا
[الدر المنثور: 2/297]
كان يوم النيروز ويوم المهرجان اعتكفوا في مساجدهم ثم قالوا: إن هؤلاء قد اعتكفوا على كفرهم واعتكفنا على إيماننا فاغفر لنا.
وأخرج البيهقي عن عطاء الخراساني قال: إن مثل المعتكف مثل المحرم ألقى نفسه بين يدي الرحمن، فقال: والله لا أبرح حتى ترحمني.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب قضاء الجوائج عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى الحسين بن علي فسأله أن يذهب معه في حاجة فقال: إني معتكف فأتى الحسن فأخبره الحسن: لو مشى معك لكان خيرا له من اعتكافه والله لأن أمشي معك في حاجتك أحب إلي من أعتكف شهرا.
وأخرج البخاري في جزء التراجم بسند ضعيف جدا عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن
[الدر المنثور: 2/298]
أعتكف شهرا في مسجدي هذا ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجة حتى يقضيها ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام.
وأخرج عبد الرزاق عن محمد بن واسع الأزدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعان أخاه يوما كان خيرا له من اعتكاف شهر.
وأخرج الدارقطني عن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل مسجد له مؤذن وإمام فالإعتكاف فيه يصلح.
وأخرج ابن أبي شيبة عن المسيب قال: لا اعتكاف إلا في مسجد.
وأخرج الدارقطني والحاكم عن عائشة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا إعتكاف إلا بصيام.
وأخرج مالك عن القاسم بن محمد ونافع مولى ابن عمر قالا: لا إعتكاف إلا بصيام لقول الله تعالى {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض} إلى قوله {وأنتم عاكفون في المساجد} فإنما ذكر الله عز وجل
[الدر المنثور: 2/299]
الإعتكاف مع الصيام.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: المعتكف عليه الصوم.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن علي، قال: لا إعتكاف إلا بصوم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة عن من وجه آخر عن علي، وابن مسعود قالا: المعتكف ليس عليه صوم إلا أن يشرطه على نفسه.
وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه عن ابن عباس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه.
وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني عن علي رضي الله عنه قال: المعتكف يعود المريض ويشهد الجنازة ويأتي الجمعة ويأتي أهله ولا يجالسهم.
وأخرج مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجة عن عائشة قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا
[الدر المنثور: 2/300]
لحاجة إذا كان معتكفا.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود، وابن ماجة عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان.
وأخرج البخاري وأبو داود والنسائي، وابن ماجة عن أبي هريرة قال كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين.
وأخرج مالك عن أهل الفضل والدين أنهم كانوا إذا إعتكفوا العشر الأواخر من شهر رمضان لا يرجعون حتى يشهدوا العيد مع الناس.
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: كانوا يستحبون للمعتكف أن يبيت ليلة الفطر حتى يكون غدوه منه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي مجلز قال: بت ليلة الفطر في المسجد الذي اعتكفت فيه حتى يكون غدوك إلى مصلاك منه
[الدر المنثور: 2/301]
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر الرجل إلى أخيه على شوق خير من إعتكاف سنة في مسجدي هذا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة أن بعض أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم كانت مستحاضة وهي عاكف.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {تلك حدود الله} يعني طاعة الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك {تلك حدود الله} قال: معصية الله يعني المباشرة في الإعتكاف.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل {تلك حدود الله فلا تقربوها} يعني الجماع.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {كذلك} يعني هكذا يبين الله). [الدر المنثور: 2/302]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى وتدلوا بها إلى الحكام قال لا تدل بمال أخيك إلى الحاكم وأنت تعلم أنك ظالم فإن قضاءه لا يحل لك شيئا كان حراما عليك). [تفسير عبد الرزاق: 1/72]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام لتأكلوا فريقًا من أموال النّاس بالإثم وأنتم تعلمون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، (عن) ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ - في قوله عزّ وجلّ: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام} - قال: لا تخاصم، وأنت تعلم أنك ظالم). [سنن سعيد بن منصور: 2/706]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام لتأكلوا فريقًا من أموال النّاس بالإثم وأنتم تعلمون}.
[جامع البيان: 3/275]
يعني تعالى ذكره بذلك: ولا يأكل بعضكم مال بعضٍ بالباطل. فجعل تعالى ذكره بذلك أكل مال أخيه بالباطل كالآكل مال نفسه بالباطل، ونظير ذلك قوله تعالى: {ولا تلمزوا أنفسكم} وقوله: {ولا تقتلوا أنفسكم} بمعنى: لا يلمز بعضكم بعضًا، ولا يقتل بعضكم بعضًا؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره جعل المؤمنين إخوةً، فقاتل أخيه كقاتل نفسه، ولامزه كلامز نفسه، وكذلك تفعل العرب تكنّي عن أنفسها بأخواتها، وعن أخواتها بأنفسها، فتقول: أخي، وأخوك أيّنا أبطش، تعني أنا، وأنت نصطرع فننظر أيّنا أشدّ، فيكنّي المتكلّم عن نفسه بأخيه، لأنّ أخا الرّجل عندها كنفسه؛ ومن ذلك قول الشّاعر:
أخي وأخوك ببطن النّسير = ليس لنا من معدٍّ عريب
فتأويل الكلام: ولا يأكل بعضكم أموال بعضٍ فيما بينكم بالباطل، وأكله بالباطل أكله من غير الوجه الّذي أباحه اللّه لآكليه.
وأمّا قوله: {وتدلوا بها إلى الحكّام} فإنّه يعني: وتخاصموا بها، يعني بأموالهم إلى الحكّام لتأكلوا فريقًا، طائفةً من أموال النّاس بالإثم وأنتم تعلمون. ويعني بقوله: {بالإثم} بالحرام الّذي قد حرّمه اللّه عليكم {وأنتم تعلمون}.
[جامع البيان: 3/276]
أي وأنتم تتعمّدون أكل ذلك بالإثم على قصدٍ منكم إلى ما حرّم اللّه عليكم منه، ومعرفةٌ بأنّ فعلكم ذلك معصيةٌ للّه وإثمٌ.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام} فهذا في الرّجل يكون عليه مالٌ وليس عليه فيه بيّنةٌ فيجحد المال فيخاصمهم إلى الحكّام وهو يعرف أنّ الحقّ عليه، وهو يعلم أنّه آثمٌ آكلٌ حرامًا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه {وتدلوا بها إلى الحكّام} قال: لا تخاصم وأنت ظالمٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام} وكان يقال من مشى مع خصمه وهو له ظالمٌ فهو آثمٌ حتّى يرجع إلى الحقّ. واعلم يا ابن آدم، أنّ قضاء القاضي لا يحلّ لك حرامًا، ولا يحقّ لك باطلاً، وإنّما يقضي القاضي بنحو ما يرى، ويشهد به الشّهود، والقاضي بشرٌ يخطئ ويصيب.
[جامع البيان: 3/277]
واعلموا أنّه من قد قضي له بالباطل، فإنّ خصومته لم تنقض حتّى يجمع اللّه بينهما يوم القيامة، فيقضي على المبطل للمحقّ، بأجود ممّا قضي به للمبطل على المحقّ في الدّنيا.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {وتدلوا بها إلى الحكّام} قال لا تدل بمال أخيك إلى الحاكم وأنت تعلم أنّك ظالمٌ، فإنّ قضاءه لا يحلّ لك شيئًا كان حرامًا عليك.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام لتأكلوا فريقًا من أموال النّاس بالإثم وأنتم تعلمون} أمّا الباطل، يقول يظلم الرّجل منكم صاحبه، ثمّ يخاصمه ليقطع ماله وهو يعلم أنّه ظالمٌ، فذلك قوله: {وتدلوا بها إلى الحكّام}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني خالدٌ الواسطيّ، عن داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، قوله: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} قال هو الرّجل يشتري السّلعة فيردّها ويردّ معها دراهم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ،
[جامع البيان: 3/278]
قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام} يقول يكون أجدل منه وأعرف بالحجّة، فيخاصمه في ماله بالباطل ليأكل ماله بالباطل. وقرأ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً عن تراض منكم} قال: هذا القمار الّذي كان يعمل به أهل الجاهليّة.
وأصل الإدلاء: إرسال الرّجل الدّلو في سببٍ متعلّقًا به في البئر، فقيل للمحتجّ لدعواه أدلى بحجّة كيت، وكيت إذ كان حجّته الّتي يحتجّ بها سببًا له هو به متعلّقٌ في خصومته كتعلّق المستقى من بئرٍ بدلو قد أرسلها فيها بسببها الّذي الدّلو به متعلّقةٌ، يقال فيهما جميعًا، أعنّي من الاحتجاج، ومن إرسال الدّلو في البئر بسببٍ: أدلى فلانٌ بحجّته فهو يدلي بها إدلاءً، وأدلى دلوه في البئر فهو يدليها إدلاءً.
وأمّا قوله: {وتدلوا بها إلى الحكّام} فإنّ فيه وجهين من الإعراب، أحدهما: أن يكون قوله: {وتدلوا} جزمًا عطفًا على قوله: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} أي ولا تدلوا بها إلى الحكّام، وقد ذكر أنّ ذلك كذلك في قراءة أبي بتكرير حرف النّهي، ولا تدلوا بها إلى الحكّام.
والآخر منهما النّصب على الصرف، فيكون معناه حينئذٍ: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وأنتم تدلون بها إلى الحكّام، كما قال الشّاعر:
لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله = عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
[جامع البيان: 3/279]
يعني: لا تنه عن خلقٍ وأنت تأتي مثله.
وهو أن يكون في موضع جزمٍ على ما ذكر من قراءة أبي أحسن منه أن يكون نصبًا). [جامع البيان: 3/280]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام لتأكلوا فريقًا من أموال النّاس بالإثم وأنتم تعلمون (188)
قوله: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا أنزل اللّه: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل
[تفسير القرآن العظيم: 1/320]
فقال المسلمون: إنّ اللّه قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل والطّعام هو من أفضل أموالنا، فلا يحلّ لأحدٍ منّا أن يأكل، عند أحدٍ، فكفّ النّاس، عن ذلك، فأنزل اللّه بعد ذلك: ليس على الأعمى حرج
[الوجه الثاني]
- حدّثنا عليّ بن المنذر، ثنا ابن فضيلٍ، عن داود الأوديّ، عن عامرٍ، عن علقمة، عن عبد اللّه: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل قال: إنّها لمحكمةٌ ما نسخت ولا تنسخ إلى يوم القيامة.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء ابن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل يعني: بالظّلم، وذلك أنّ امرأ القيس بن عابسٍ وعبد اللّه بن أشوع الحضرميّ، اختصما في أرض، وأراد امرأ القيس أن يحلف ففيه نزلت ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وروي، عن السّدّيّ ومقاتل بن حيّان، نحو ذلك.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا حجّاجٌ الأنماطيّ، ثنا حمّادٌ، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، أنّ ابن عبّاسٍ، كان يكره أن يبيع الرّجل الثّوب، ويقول لصاحبه: إن كرهته فردّ معه درهمًا، فقال: هذا ممّا قال اللّه: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل). [تفسير القرآن العظيم: 1/321]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وتدلوا بها إلى الحكّام
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: وتدلوا بها إلى الحكّام قال: هذا في الرّجل يكون عليه مالٌ، وليس عليه فيه بيّنةٌ، فيجحد المال، ويخاصمهم إلى الحكّام، وهو يعرف أنّ الحقّ عليه، وقد علم أنّه آثمٌ آكلٌ حرامًا.
وروي، عن مجاهدٍ وسعيد بن جبيرٍ والحسن وقتادة ومقاتل بن حيّان قالوا: لا تخاصم وأنت تعلم أنك ظالم). [تفسير القرآن العظيم: 1/321]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: لتأكلوا فريقًا من أموال النّاس بالإثم
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء ابن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: لتأكلوا فريقًا يعني: طائفةً من أموال النّاس بالإثم). [تفسير القرآن العظيم: 1/322]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وأنتم تعلمون
وبه، عن سعيدٍ في قوله: وأنتم تعلمون يعني تعلمون أنكم تدعون الباطل). [تفسير القرآن العظيم: 1/322]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال
[تفسير مجاهد: 97]
نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وتدلوا بها إلى الحكام يقول لا تخاصم وأنت ظالم). [تفسير مجاهد: 98]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ولا تأكلوا
أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام} قال: هذا في الرجل يكون عليه مال وليس عليه فيه بينة فيجحد المال ويخاصمهم إلى الحكام وهو يعرف أن الحق عليه وقد علم أنه إثم أكل حرام.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد عن مجاهد في قوله {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام} قال: لا تخاصم وأنت تعلم أنك ظالم.
وأخرج ابن المنذر عن قتادة في الآية قال: لا تدل بمال أخيك إلى الحكام وأنت تعلم أنك ظالم فإن قضاءه لا يحل لك شيئا كان حراما عليك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} يعني بالظلم وذلك أن إمرأ القيس بن عابس وعبدان بن أشوع الحضرمي اختصما في أرض واراد إمرؤ القيس أن يحلف ففيه نزلت {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} وفي قوله {لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم} يعني طائفة {وأنتم تعلمون} يعني تعلمون أنكم تدعون الباطل
[الدر المنثور: 2/303]
وأخرج مالك والشافعي، وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن أم سلمة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار.
وأخرج أحمد عن أبي حميد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لإمرى ء أن يأخذ مال أخيه بغير حقه وذلك لما حرم الله مال المسلم على المسلم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه كان يكره أن يبيع الرجل الثوب ويقول لصاحبه: إن كرهته فرد معه دينارا فهذا مما قال الله {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}.
وأخرج اين أبي شيبة عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال: قلت لعبد الله بن عمرو: هذا ابن عمك يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل وأن نقتل أنفسنا وقد قال الله {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام} إلى آخر الآية، فجمع يديه
[الدر المنثور: 2/304]
فوضعهما على جبهته ثم قال: أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله). [الدر المنثور: 2/305]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 3 جمادى الأولى 1434هـ/14-03-2013م, 11:39 AM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {و إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ...}
قال المشركون للنبيّ صلى الله عليه وسلم: كيف يكون ربّنا قريبا يسمع دعاءنا، وأنت تخبرنا أن بيننا وبينه سبع سموات غلظ كلّ سماءٍ مسيرة خمسمائة عامٍ وبينهما مثل ذلك؟ !, فأنزل الله تبارك وتعالى: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ} أسمع ما يدعون .
{فليستجيبوا لي} : يقال: إنها التلبية). [معاني القرآن: 1/114]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فليستجيبوا لي}, أي: يجيبوني, قال كعب الغنويّ:
وداعٍ دعا يا من يجيب إلى النّدى ....... فلم يستجبه عند ذاك مجيب

أي: فلم يحبه عند ذاك مجيب). [مجاز القرآن: 1/67]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون}
قوله: {يرشدون}؛ لأنها من: "رشد" "يرشد" , ولغة للعرب "رشد" "يرشد" , وقد قرئت: {يرشدون}). [معاني القرآن: 1/127]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {لعلهم يرشدون} قالوا: رشد يرشد رشدا ورشودا ورشدا ورشادًا؛ وقالوا: هي الرشدة بالهاء). [معاني القرآن لقطرب: 346]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فليستجيبوا لي}, أي: يجيبوني، هذا قول أبي عبيدة، وأنشد:

وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى ....... فلم يستجبه عند ذاك مجيب
أي: فلم يجبه). [تفسير غريب القرآن: 74]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون}
المعنى: إذا قال قائل: أين اللّه؟, فالله عزّ وجلّ قريب, لا يخلو منه مكان
كما قال: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلّا هو رابعهم}, وكما قال: {وهو معكم أين ما كنتم}
{وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون}
وقوله عزّ وجلّ: {أجيب دعوة الدّاع إذا دعان}
إن شئت قلت: إذا دعاني بياء , وإن شئت بغير ياء إلا أن المصحف يتبع, فيوقف على الحرف كما هو فيه.
ومعنى الدعاء للّه عزّ وجلّ على ثلاثة أضرب:-
فضرب منها: توحيده , والثناء عليه كقولك : يا الله لا إله إلا أنت ,وقولك: ربّنا لك الحمد، فقد دعوته: بقولك ربنا، ثم أتيت بالثناء والتوحيد, ومثله: {وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين}
أي : يستكبرون عن توحيدي , والثناء عليّ، فهذا ضرب من الدعاء.
وضرب ثان: هو مسألة الله العفو والرحمة، وما يقرب منه , كقولك : اللهم اغفر لنا.
وضرب ثالث : هو مسألته من الدنياو كقولك: اللهم ارزقني مالا وولدا وما أشبه ذلك.
وإنما سمي هذا أجمع دعاء ؛ لأن الإنسان يصدر في هذه الأشياء بقوله: يا اللّه، ويا رب، ويا حي, فكذلك سمي :دعاء.
وقوله عزّ وجلّ:{فليستجيبوا لي }, أي: فليجيبوني.
قال الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندا....... فلم يستجبه عند ذاك مجيب

أي : فلم يجبه أحد). [معاني القرآن: 1/254-255]

تفسير قوله تعالى: {حِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم...}
وفي قراءة عبد الله :{فلا رفوث ولا فسوق}, وهو الجماع فيما ذكروا؛ رفعته بـ {أحل لكم}, لأنك لم تسمّ فاعله). [معاني القرآن: 1/114]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فالآن باشروهنّ...}
يقول: عند الرّخصة التي نزلت ولم تكن قبل ذلك لهم, وقوله: {وابتغوا ما كتب اللّه لكم وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم}, يقال: الولد، ويقال: "اتبعوا" بالعين, وسئل عنهما ابن عباس , فقال: سواء). [معاني القرآن: 1/114]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود...}
فقال رجل للنبيّ صلى الله عليه وسلم: أهو الخيط الأبيض , والخيط الأسود؟ , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: « إنك لعريض القفا؛ هو الليل من النهار».). [معاني القرآن: 1/114-115]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ليلة الصّيام}: مجازها ليل الصيام، والعرب تضع الواحد في موضع الجميع، قال عامر الخصفّي:
هم المولى وقد جنفوا علينا....... وإنّا من لقائهم لزور
{الرّفث}, أي: الإفضاء إلى نسائكم، أي: النكاح.
{هنّ لباسٌ لكم}: يقال لامرأة الرجل: هي فراشه، ولباسه وإزاره، ومحل إزاره، قال الجعديّ:
... ....... تثنّت عليه فكانت لباساً

). [مجاز القرآن: 1/67]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الخيط الأبيض من الخيط الأسود}: الخيط الأبيض: هو الصبح المصدّق، والخيط الأسود : هو الليل، والخيط: هو اللون). [مجاز القرآن: 1/68]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {الرفث إلى نسائكم} العرب تقول: أرفث الرجل، ورفث ورفث.
وكان ابن عباس يقول: الرفث الجماع.
وكان عطاء يقول: الرفث الجماع فما دونه من الفحش.
[معاني القرآن لقطرب: 346]
وحكي عن طاووس: أنه كان يقول: الرفث الإعرابة فما وراءها من شأن النساء، والإعرابة: الإفصاح بالجماع؛ ثم قال - بعد ذلك - طاووس: الإعرابة: التعريض ليس بالإعراب.
وقال ابن الزبير: معاربة الرجل امرأته من الرفث.
وقال ابن عباس أيضًا: المعاربة الرفث.
قال أبو علي: وسمعنا أن المعاربة هي المداعبة، عارب امرأته؛ و{عربا أترابا} من ذلك، لأن العروب: الغنجة من النساء؛ وكأن هذه المعاني كلها قريب بعضها من بعض.
وقوله عز وجل {هن لباس لكم} المعنى: أنها تصير لك لباسًا في القرب والمخالطة.
وقال الجعدي:
إذا ما الضجيع ثنى عطفها = تداعت فكانت عليه لباسا
قال: أنشدنا الثقة:
ألا أبلغ أبا حفص رسولا = فدى لك من أخي ثقة إزاري
فقال: إزاري؛ لأنها محل إزاره.
وقوله عز وجل {تختانون أنفسكم} أي تضرون بها وتهلكونها؛ من قوله: خانه يخونه؛ أي يتنقصه؛ وقوله {خائنة الأعين} من ذلك؛ أي ما تخون العين بنظرها؛ وهو النظر مسارقة.
[معاني القرآن لقطرب: 347]
وقوله {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسوط} وحكي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الليل من النهار"؛ والخيط عند العرب يقولون: هذا خيط الصبح؛ إذا تبين الصبح.
قال أبو داود:
فلما أضاءت لنا ظلمة = ولاح من الصبح خيط أنارا
وقال حميد الأرقط:
قد كاد يبدو أو بدت تباشره = وسدف الخيط البهيم ساتره
وقوله {وأنتم عاكفون في المساجد} قالوا: عكفه يعكفه عكفا وعكوفا: حبسه.
وقد قرأها أبو عمرو وأهل المدينة {يعكفون} بالكسر.
[وزاد محمد بن صالح في روايته]:
ولغة قيس: عكفت الطير عكوفًا؛ إلا الخفاجيين فإنهم يقولون: عكبت عكوبا بالباء.
وقوله {تلك حدود الله فلا تقربوها} المصدر: قربانا وقربانا وقربا وقربة). [معاني القرآن لقطرب: 348]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الخيط الأبيض من الخيط الأسود}: الليل من النهار). [غريب القرآن وتفسيره: 88]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الرّفث}: الجماع, ورفث القول هو الإفصاح بما يجب أن يكنى عنه من ذكر النكاح.
{تختانون أنفسكم}, أي : تخونونها بارتكاب ما حرّم اللّه عليكم.
{وابتغوا ما كتب اللّه لكم}, يعني من الولد, أمر تأديب , لا فرض.
{وكلوا واشربوا}: أمر إباحة.
{حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض} , وهو بياض النهار.
{من الخيط الأسود} , وهو سواد الليل, ويتبين هذا من هذا عند الفجر الثاني.
{عاكفون في المساجد}, أي : مقيمون, والعاكف: المقيم في المسجد الذي أوجب العكوف فيه على نفسه). [تفسير غريب القرآن: 74-75]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنّ وابتغوا ما كتب اللّه لكم وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود اللّه فلا تقربوها كذلك يبيّن اللّه آياته للنّاس لعلّهم يتّقون}
{الرفث}: كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من المرأة، والمعنى ههنا : كناية عن الجماع, أي : أحل لكم ليلة الصيام الجماع، لأنه كان في أول فرض الصيام الجماع محرما ًفي ليلة الصيام، والأكل والشرب بعد العشاء الآخرة والنوم, فأحل الله الجماع والأكل والشراب إلى وقت طلوع الفجر.
وقوله عزّ وجلّ: {هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ}
قد قيل فيه غير قول: قيل المعنى: فتعانقوهن , ويعانقنكم، وقيل : كل فريق منكم يسكن إلى صاحبه , ويلابسه , كما قال عزّ وجلّ: {وجعل منها زوجها ليسكن إليها}
والعرب تسمى المرأة لباسا ً, وإزارا ً, قال الشاعر:
إذا ما الضجيع ثنى عطفه ...... تثنّت فكانت عليه لباساً

وقال أيضا:
ألا أبلغ أبا حفص رسولاً ....... فدى لك من أخي ثقة إزاري

قال أهل اللغة: فدى لك امرأتي.
قوله عزّ وجلّ: {وابتغوا ما كتب اللّه لكم}
قالوا معناه : الولد, ويجوز أن يكون -, وهو الصحيح عندي , واللّه أعلم .
{ وابتغوا ما كتب اللّه لكم}: اتبعوا القرآن فيما أبيح لكم فيه , وأمرتم به, فهو المبتغى.
وقوله عزّ وجلّ:{حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} هما فجران:
أحدهما يبد, و أسود معترضا , وهو الخيط الأسود، والأبيض يطلع ساطعاً يملأ الأفق، وحقيقته حتّى يتبين لكم الليل من النهار، وجعل اللّه عزّ وجلّ حدود الصيام طلوع الفجر الواضح، إلا أن اللّه عزّ وجلّ بين في فرضه ما يستوي في علمه أكثر الناس.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد}
معنى الباشرة هنا: الجماع, وكان الرجل يخرج من المسجد, وهو معتكف , فيجامع , ثم يعود إلى المسجد، والاعتكاف أن يحبس الرجل نفسه في مسجد جماعة يتعبّد فيه، فعليه إذا فعل ذلك ألا يجامع , وألا يتصرّف إلا فيما لا بد له منه من حاجته.
وقوله عزّ وجلّ: {تلك حدود اللّه فلا تقربوها}
معنى الحدود: ما منع الله عزّ وجلّ من مخالفتها، ومعنى الحدّاد في اللغة: الحاجب، وكل من منع شيئا فهو حدّاد, وقولهم: أحدّت المرأة على زوجها , معناه: قطعت الزينة , وامتنعت منها، والحديد إنما سمي حديداً؛ لأنه يمتنع به من الأعداء, وحدّ الدّار هو ما يمنع غيرها أن تدخل فيها.
وقوله عزّ وجلّ: {كذلك يبيّن اللّه آياته للنّاس} أي: مثل البيان الذي ذكر، المعنى: ما أمرهم به يبين لهم). [معاني القرآن: 1/255-257]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ):{الرفث}: الجماع). [ياقوتة الصراط: 179]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ):{الرفث}: الجماع, ورفث القول: هو الإفصاح بالخنا عن الجماع, ونحوه.
{تختانون أنفسكم} : أي: تخونونها بارتكاب ما حرم الله عليكم.
{حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} تخرجون الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أي: سواد الليل من بياض الفجر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 36-37]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْخَيْطُ الأَبْيَضُ}: النهار, {الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} : الليل). [العمدة في غريب القرآن: 87-88]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وتدلوا بها إلى الحكّام}, وفي قراءة أبيّ:{ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولا تدلوا بها إلى الحكّام} فهذا مثل قوله: {ولا تلبسوا الحقّ بالباطل وتكتموا الحقّ}, معناه: ولا تكتموا, وإن شئت جعلته إذا ألقيت منه "لا" نصبا على الصرف؛ كما تقول: لا تسرق وتصدّق, معناه: لا تجمع بين هذين كذا وكذا؛ وقال الشاعر:


لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله ....... عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
والجزم في هذا البيت جائز , أي: لا تفعلن واحداً من هذين). [معاني القرآن: 1/115]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فريقاً}: الفريق : هي الطائفة). [مجاز القرآن: 1/68]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام لتأكلوا فريقاً مّن أموال النّاس بالإثم وأنتم تعلمون}
قال: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام}, جزم على العطف ونصب , إذا جعله جواباً بالواو). [معاني القرآن: 1/127-128]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}, أي: لا يأكل بعضكم مال بعض بشهادات الزور.
{وتدلوا بها إلى الحكّام},أي: تدلي بمال أخيك إلى الحاكم, ليحكم لك به , وأنت تعلم أنك ظالم له, فإن قضاءه باحتيالك في ذلك عليك , لا يحل لك شيئاً كان محرماً عليك.
وهو مثل قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وعلى آله: «فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار».).[تفسير غريب القرآن: 75]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام لتأكلوا فريقا من أموال النّاس بالإثم وأنتم تعلمون}
{تأكلوا} جزم بلا؛ لأن " لا " التي ينهي بها تلزم الأفعال دون الأسماء تأثيرها فيها بالجزم؛ لأن الرفع يدخلها، بوقوعها موضع الأسماء والنصب يدخلها لمضارعة الناصب فيها الناصب للأسماء، وليس فيها بعد هذين الحيزين إلا الجزم, ومعنى {بالباطل },أي: بالظلم.
{وتدلوا بها إلى الحكّام} أي: تعملون على ما يوجبه ظاهر الحكم , ويتركون ما قد علمتم أنه الحق، ومعنى تدلوا في اللغة: إنّما أصله من أدليت الدلو إذا أرسلتها للمليء، ودلوتها إذا أخرجتها، ومعنى أدلى لي فلان بحجته : أرسلها, وأتى بها على صحة، فمعنى {وتدلوا بها إلى الحكّام} أي: تعملون على ما يوجبه الإدلاء بالحجة، وتخونون في الأمانة.
{لتأكلوا فريقاً من أموال النّاس بالإثم وأنتم تعلمون} أي: وأنتم تعلمون أن الحجة عليكم في الباطن، وإن ظهرخلافها.
ويجوز أن يكون: موضع:{وتدلوا }جزماً, ونصباً, فأما الجزم , فعلى النهي.
معطوف على : {ولا تأكلوا},
ويجوز أن تكون: نصباً على ما تنصب الواو، وهو الذي يسميه بعض النحويين: الصرف، ونصبه بإضمار أن، المعنى : لا تجمعوا بين الأكل بالباطل , والإدلاء إلى الحكام، وقد شرحنا هذا قبل هذا المكان). [معاني القرآن: 1/257-258]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}, أي: شهادات الزور، {وتدلوا بها}, أي: تدلي بمال أخيك إلى الحاكم , وأنت تعلم أنك ظالم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 37]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م, 10:11 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) }
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وقال كعب بن سعد بن مالك الغنوي وبعضهم يقول لسهم الغنوي:
وداع دعا هل من مجيب إلى الندى.......فــلــم يـسـتـجـبـه عــنـــد ذاك مـجــيــب
...
...
وقوله: «فلم يستجبه» يريد: لم يجبه. وقد أنشد هذا البيت أبو عبيدة يستشهد به على قول الله عز وجل: {فليستجيبوا لي} ). [النوادر في اللغة: 218-219]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( وسَمِع حرف من الحروف التي تشبه الأضداد؛ يكون بمعنى وقع الكلام في أذنه أو قلبه، ويكون (سمع) بمعنى أجاب، من ذلك قولهم: سمع الله لمن حمده، معناه: أجاب الله من حمده، ومن هذا قوله عز وجل: {أجيب دعوة الداع إذا دعان}، قال بعض أهل العلم: معناه: أسمع دعاء الداعي إذا دعان.
وقالوا: يكون (سمع) بمعنى أجاب، وأجاب بمعنى سمع، كقولك للرجل: دعوت من لا يجيب؛ أي دعوت من لا يسمع. وأنشدنا أبو العباس:
دعوت الله حتى خفت ألا.......يكـون الله يسمـع مـا أقــول

أراد: يجيب ما أقول.
وقال جماعة من المفسرين: معنى الآية: أجيب دعوة الداع إذا دعان فيما الخيرة للداعي فيه؛ لأنه يقصد بالدعاء قصد صلاح شأنه؛ فإذا سئل ما لا صلاح له فيه كان صرفه عنه إجابة له في الحقيقة). [كتاب الأضداد: 136-137]

تفسير قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) }
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
وللـيـلـة مـنـهــا تـفـيــن لــنــا.......في غير ما رفث ولا إثم
...
(رفث) فحش). [شرح أشعار الهذليين: 2/974]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (فأما التأويل بالقرآن:
فكالبيض، يعبر بالنساء، لقول الله عز وجل: {كأنهن بيض مكنون}.
وكالخشب، يعبر بالنفاق؛ بقول الله عز وجل: {كأنهم خشب مسندة}.
وكالحجارة، تعبر بالقسوة، بقول الله عز وجل: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة}.
وكالسفينة، تعبر بالنجاة؛ لأن الله تعالى نجى بها نوحا عليه السلام ومن كان معه.
وكالماء، يعبر في بعض الأحوال بالفتنة؛ لقول الله تعالى: {لأسقيناهم ماء غدقا * لنفتنهم فيه}.
وكاللحم الذي يؤكل، يعبر بالغيبة؛ لقول الله عز وجل: {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا}.
وكالمستفتح بابا بمفتاح، يعبر بالدعاء؛ لقول الله عز وجل: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} يريد: أن تدعوا.
وكالمصيب مفتاحا في المنام –أو مفاتيح- يعبر بأنه يكسب مالا، لقوله عز وجل في قارون: {ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة} يريد: أمواله؛ سميت أموال الخزائن مفاتيح، لأن بالمفاتيح يوصل إليها.
وكالملك يرى في المحلة أو البلدة أو الدار، وقدرها يصغر عن قدره، وتنكر دخول مثلها مثله؛ يعبر ذلك بالمصيبة والذل ينال أهل ذلك الموضع، لقوله عز وجل: {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون}.
وكالحبل، يعبر بالعهد، لقوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا}.
ولقوله تعالى: {ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس} أي: بأمان وعهد.
والعرب تسمي العهد حبلا؛ قال الشاعر:

وإذا تــجـــوزهـــا حــــبـــــال قــبــيــلـــة.......أخذت من الأخرى إليك حبالها
وكاللباس، يعبر بالنساء؛ لقوله جل وعز: {هم لباس لكم وأنتم لباس لهن} ). [تعبير الرؤيا: 35-37] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واحدة المهيرات مهيرة، وهي الحرّة الممهورة، و"مفعول" يخرج إلى "فعيل" كمقتولٍ وقتيل، ومجروح وجريح، قال الأعشى:
ومنكوحةٍ غيـر ممهـورةٍ.......وأخرى يقال لها فادها
فهذا المعروف في كلام العرب، مهرت المرأة فهي ممهورةٌ، ويقال وليس بالكثير أمهرتها فهي ممهرةٌ، أنشدني المازنيّ:

أخذن اغتصابًا خطبةً عجرفيّة.......وأمهرن أرماحًا من الخط ذبّلا
وأهل الحجاز يرزن النكاح العقد دون الفعل، ولا ينكرونه في الفعل ويحتجّون بقول الله عزّ وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}، فهذا الأشيع في كلام العرب، قال الأعشى:
وأمتنعت نفسي من الغانيات....... إمّـــا نـكـاحًـا وإمـــا أزن
ومــن كــل بيـضـاء رعـبـوبـةٍ.......لـهـا بـشــرٌ نـاصــعٌ كالـلّـبـن
ويكون النّكاح الجماع، وهو في الأصل كناية، قال الراجز:
إذا زنيت فأجد نكاحًا.......وأعمل الغدوّ والرّواحـا

والكناية تقع عن هذا الباب كثيرًا، والأصل ما ذكرنا لك، وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أنا من نكاح لا من سفاح».
ومن خطب المسلمين: «إن الله عز وجل أحلّ النّكاح وحرم السّفاح».
والكناية تقع على جماع، قال الله عزّ وجل: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}، فهذه كناية عن الجماع، قال أكثر الفقهاء في قوله تبارك وتعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}، قالوا: كناية عن الجماع، وليس الأمر عندنا كذلك، وما أصف مذهب أهل المدينة، قد فرغ من النكاح تصريحًا، وإنما الملامسة أن يلمسها الرجل بيد أو بإدناء جسدٍ من جسد، فذلك ينقض الوضوء في قول أهل المدينة، لأنه قال تبارك وتعالى بعد ذكر الجنب: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}.
وقوله عزّ وجل: {كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ}، كنايةٌ بإجماع عن قضاء الحاجة، لأن كلّ من يأكل الطعام في الدنيا أنجى، يقال: نجا وأنجى، إذا قام لحاجة الإنسان. وكذلك: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا}. كناية عن الفروج، ومثله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}، فإنما الغائط كالوادي، وقال عمرو بن معدي كرب:
وكم من غائط من دون سلمى....... قلـيـل الإنــس لـيـس بـــه كـتـيـع
). [الكامل: 2/655-657] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ويروى أن عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة قال شعرًا، وكتب به إلى امرأةٍ محرمةٍ بحضرة ابن أبي عتيق، وهو:
ألما بذاتِ الخالِ فاستطلعا لنا.......على العهد باقٍ ودها أم تصرما
وقـــولاَ لــهــا إن الــنــوى أجـنـبـيـةٌ.......بنـا وبكـر قـد خفـت أن تتيممـا
قال: فقال له ابن أبي عتيقٍ: ماذا تريد إلى امرأةٍ مسلمةٍ محرمة تكتبُ إليها بمثل هذا الشعر! قال: فلما كان بعد مديدةٍ قال له ابن أبي ربيعة.

أعلمتَ أن الجوابَ جاء من عندِ ذاك الإنسان? فقال له: ما هو? فقال: كتبت:
أضحى قريضكَ بالهوى نماما ........فاقصد هديتَ وكـن لـه كتامـا
واعلم بأن الخال حين ذكرتـه....... قـعـد الـعـدو بــه علـيـك وقـامــا
ويكن من الكناية - وذاك أحسنها- الرغبةُ عن اللفظ الخسيس المفحش إلى ما يدل على معناه من غيره، قال الله - وله المثل الأعلى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} وقال: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} والملامسة في قول أهل المدينة - مالكٍ وأصحابه - غير كنايةٍ، إنما هو اللمسُ بعينه، يقولون في الرجلِ تقع يده على امرأته أو على جاريتهِ بشهوةٍ: إن وضوءه قد انتقض.
وكذلك قولهم في قضاء الحاجةِ: جاء فلان من الغائطِ، وإنما الغائط الوادي، وكذلك المرأةُ، قال عمروُ بن معدي كرِب الزبيديُّ:
وكم من غائطٍ من دون سلمى ....... قلـيـل الإنــس لـيـس بـــه كـتـيـعُ
وقال الله جل وعزَّ في المسيح ابن مريمَ وأمهِ صلى الله عليهما: {كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ}، وإنما هو كنايةٌ عن قضاء الحاجة. وقال: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا}؛ وإنما هي كناية عن الفروج. ومثل هذا كثيرٌ). [الكامل: 2/855-857]


تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) }

[لا يوجد]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 07:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 07:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 07:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 07:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عنّي} الآية، قال الحسن بن أبي الحسن: «سببها أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فنزلت»، وقال عطاء: «لما نزلت {وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60] قال قوم في أي ساعة ندعو؟ فنزلت {وإذا سألك عبادي عنّي}»، وقال مجاهد: «بل قالوا إلى أين ندعو فنزلت هذه الآية»، وقال قتادة: «بل قالوا: كيف ندعو؟ فنزلت{وإذا سألك عبادي}»، روي أن المشركين قالوا لما نزل {فإنّي قريبٌ}: كيف يكون قريبا وبيننا وبينه على قولك سبع سماوات في غلظ سمك كل واحدة خمسمائة عام وفيما بين كل سماء مثل ذلك؟ فنزلت: {أجيب دعوة الدّاع إذا دعان} أي فإني قريب بالإجابة والقدرة، وقال قوم: المعنى أجيب إن شئت، وقال قوم: إن الله تعالى يجيب كل الدعاء: فإما أن تظهر الإجابة في الدنيا، وإما أن يكفر عنه، وإما أن يدخر له أجر في الآخرة، وهذا بحسب حديث الموطأ: «ما من داع يدعو إلا كان بين إحدى ثلاث»، الحديث، وهذا إذا كان الدعاء على ما يجب دون اعتداء، فإن الاعتداء في الدعاء ممنوع، قال الله تعالى: {ادعوا ربّكم تضرّعاً وخفيةً إنّه لا يحبّ المعتدين} [الأعراف: 55] قال المفسرون: أي في الدعاء.
والوصف بمجاب الدعوة: وصف بحسن النظر والبعد عن الاعتداء، والتوفيق من الله تعالى إلى الدعاء في مقدور. وانظر أن أفضل البشر المصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم قد دعا أن لا يجعل بأس أمته بينهم، الحديث، فمنعها، إذ كان القدر قد سبق بغير ذلك.
وقوله تعالى: {فليستجيبوا لي} قال أبو رجاء الخراساني: «معناه فليدعوا لي».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «المعنى فليطلبوا أن أجيبهم»، وهذا هو باب استفعل، أي طلب الشيء، إلا ما شذ، مثل. استغنى الله، وقال مجاهد وغيره: «المعنى فليجيبوا لي فيما دعوتهم إليه من الإيمان، أي بالطاعة والعمل»، ويقال: أجاب واستجاب بمعنى، ومنه قول الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى النّدا ....... فلم يستجبه عند ذاك مجيب
أي لم يجبه، وقوله تعالى: {وليؤمنوا بي}، قال أبو رجاء: «في أني أجيب دعاءهم»، وقال غيره: «بل ذلك دعاء إلى الإيمان بجملته». وقرأ الجمهور يرشدون بفتح الياء وضم الشين. وقرأ قوم بضم الياء وفتح الشين. وروي عن ابن أبي عبلة وأبي حيوة فتح الياء وكسر الشين باختلاف عنهما قرآ هذه القراءة والتي قبلها).[المحرر الوجيز: 1/ 446-448]

تفسير قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنّ وابتغوا ما كتب اللّه لكم وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود اللّه فلا تقربوها كذلك يبيّن اللّه آياته للنّاس لعلّهم يتّقون (187)}
لفظة أحلّ تقتضي أنه كان محرما قبل ذلك، وليلة نصب على الظرف، وهي اسم جنس فلذلك أفردت، ونحوه قول عامر الرامي الحضرمي المحاربي:
هم المولى وقد جنفوا علينا ....... وإنّا من عداوتهم لزور
والرّفث كناية عن الجماع، لأن الله تعالى كريم يكني، قاله ابن عباس والسدي، وقرأ ابن مسعود «الرفوث»، والرّفث في غير هذا ما فحش من القول، ومنه قول الشاعر: عن اللّغا ورفث التّكلّم.
وقال أبو إسحاق: «الرفث كل ما يأتيه الرجل مع المرأة من قبل ولمس وجماع».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «أو كلام في هذه المعاني»، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من خطاياه كيوم ولدته أمه».
وسبب هذه الآية فيما قال ابن عباس وغيره: «أن جماعة من المسلمين اختانوا أنفسهم وأصابوا النساء بعد النوم، أو بعد صلاة العشاء، على الخلاف، منهم عمر بن الخطاب، جاء إلى امرأته فأرادها، فقالت له: قد نمت، فظن أنها تعتل، فوقع بها ثم تحقق أنها قد كانت نامت، وكان الوطء بعد نوم أحدهما ممنوعا، وقال السدي: جرى له هذا في جارية له، قالوا: فذهب عمر فاعتذر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجرى نحو هذا لكعب بن مالك الأنصاري، فنزل صدر الآية فيهم، فهي ناسخة للحكم المتقرر في منع الوطء بعد النوم»، وحكى النحاس ومكي أن عمر نام ثم وقع بامرأته، وهذا عندي بعيد على عمر رضي الله عنه، وروي أن صرمة بن قيس، ويقال صرمة بن مالك، ويقال أبو أنس قيس بن صرمة، نام قبل الأكل فبقي كذلك دون أكل حتى غشي عليه في نهاره المقبل، فنزل فيه من قوله تعالى: وكلوا واشربوا، واللباس أصله في الثياب ثم شبه التباس الرجل بالمرأة وامتزاجهما وتلازمهما بذلك، كما قال النابغة الجعدي:
إذا ما الضّجيع ثنى جيدها ....... تداعت فكانت عليه لباسا
وقال النابغة أيضا:
لبست أناسا فأفنيتهم ....... وأفنيت بعد أناس أناسا
فشبه خلطته لهم باللباس، نحا هذا المنحى في تفسير اللباس الربيع وغيره، وقال مجاهد والسدي: «لباسٌ: سكن، أي يسكن بعضهم إلى بعض»، وإنما سميت هذه الأفعال اختيانا لعاقبة المعصية وجزائها، فراكبها يخون نفسه ويؤذيها، وفتاب عليكم معناه من المعصية التي واقعتموها، وعفا عنكم يحتمل أن يريد عن المعصية بعينها فيكون ذلك تأكيدا، وتأنيسا بزيادة على التوبة، ويحتمل أن يريد عفا عما كان ألزمكم من اجتناب النساء فيما يؤتنف، بمعنى تركه لكم، كما تقول شيء معفو عنه أي متروك.
قال ابن عباس وغيره: «باشروهنّ كناية عن الجماع، مأخوذ من البشرة»، وقد ذكرنا لفظة «الآن» في ماضي قصة البقرة.
{وابتغوا ما كتب اللّه لكم}:قال ابن عباس ومجاهد والحكم بن عتيبة وعكرمة والحسن والسدي والربيع والضحاك: «معناه ابتغوا الولد». وروي أيضا عن ابن عباس وغيره أن المعنى وابتغوا ليلة القدر، وقيل: المعنى ابتغوا الرخصة والتوسعة، قاله قتادة، وهو قول حسن، وقرأ الحسن فيما روي عنه ومعاوية بن قرة «واتبعوا» من الاتباع، وجوزها ابن عباس، ورجح ابتغوا من الابتغاء.
{وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن}: نزلت بسبب صرمة بن قيس، وحتّى غاية للتبين، ولا يصح أن يقع التبين لأحد ويحرم عليه الأكل إلا وقد مضى لطلوع الفجر قدر، والخيط استعارة وتشبيه لرقة البياض أولا ورقة السواد الحاف به، ومن ذلك قول أبي داود:
فلمّا بصرن به غدوة ....... ولاح من الفجر خيط أنارا
ويروى فنارا، وقال بعض المفسرين: الخيط اللون، وهذا لا يطرد لغة، والمراد فيما قال جميع العلماء بياض النهار وسواد الليل، وهو نص قول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم في حديثه المشهور، ومن الأولى لابتداء الغاية، والثانية للتبعيض، والفجر مأخوذ من تفجر الماء، لأنه يتفجر شيئا بعد شيء، وروي عن سهل بن سعد وغيره من الصحابة أن الآية نزلت إلا قوله: {من الفجر} فصنع بعض الناس خيطين أبيض وأسود، فنزل قوله تعالى: {من الفجر}، وروي أنه كان بين طرفي المدة عام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «من رمضان إلى رمضان، تأخر البيان إلى وقت الحاجة»، وعدي بن حاتم جعل خيطين على وساده وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: «إن وسادك لعريض»، وروي أنه قال له: «إنك لعريض القفا»، ولهذه الألفاظ تأويلان، واختلف في الحد الذي بتبينه يجب الإمساك: فقال الجمهور وبه أخذ الناس ومضت عليه الأمصار والأعصار ووردت به الأحاديث الصحاح: «ذلك الفجر المعترض الآخذ في الأفق يمنة ويسرة، فبطلوع أوله في الأفق يجب الإمساك، وهو مقتضى حديث ابن مسعود وسمرة بن جندب»، وروي عن عثمان بن عفان وحذيفة بن اليمان وابن عباس وطلق بن علي وعطاء بن أبي رباح والأعمش وغيرهم أن الإمساك يجب بتبين الفجر في الطرق وعلى رؤوس الجبال، وذكر عن حذيفة أنه قال: «تسحرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو النهار، إلا أنّ الشمس لم تطلع»، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه صلى الصبح بالناس ثم قال: «الآن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود».
قال الطبري: «ومما قادهم إلى هذا القول أنهم يرون أن الصوم إنما هو في النهار، والنهار عندهم من طلوع الشمس لأن آخره غروبها، فكذلك أوله طلوعها».
وحكى النقاش عن الخليل بن أحمد أن النهار من طلوع الفجر، ويدل على ذلك قول الله تبارك وتعالى: {أقم الصّلاة طرفي النّهار} [هود: 114]، قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «والقول في نفسه صحيح، وقد ذكرت حجته في تفسير قوله تعالى: {واختلاف اللّيل والنّهار} [البقرة: 164، آل عمران: 190، الجاثية: 5]»، وفي الاستدلال بهذه الآية نظر، ومن أكل وهو يشك هل طلع الفجر أم لم يطلع فعليه عند مالك القضاء.
وقوله تعالى: {ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل} أمر يقتضي الوجوب، وإلى غاية، إذا كان ما بعدها من جنس ما قبلها فهو داخل في حكمه، كقولك اشتريت الفدان إلى حاشيته، وإذا كان من غير جنسه كما تقول اشتريت الفدان إلى الدار لم يدخل في المحدود ما بعد إلى، ورأت عائشة رضي الله عنها أن قوله: {إلى اللّيل} يقتضي النهي عن الوصال، وقد واصل النبي صلى الله عليه وسلم ونهى الناس عن الوصال، وقد واصل جماعة من العلماء وقد تقدم أن هذه الآية نسخت الحكم الذي في قوله: {كما كتب على الّذين من قبلكم} [البقرة: 183] على قول من رأى التشبيه في الامتناع من الوطء والأكل بعد النوم في قول بعضهم، وبعد صلاة العشاء في قول بعضهم، والليل الذي يتم به الصيام مغيب قرص الشمس، فمن أفطر وهو شاكّ هل غابت الشمس فالمشهور من المذهب أن عليه القضاء والكفارة.
وفي ثمانية أبي زيد: عليه القضاء فقط قياسا على الشك في الفجر، وهو قول جماعة من العلماء.
وقال إسحاق والحسن: «لا قضاء عليه كالناسي».
وقوله تعالى: {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد}، قالت فرقة: المعنى لا تجامعوهن.
وقال الجمهور: «ذلك يقع على الجماع فما دونه مما يتلذذ به من النساء»، و{عاكفون} ملازمون، يقال عكف على الشيء إذا لازمه مقبلا عليه، قال الراجز:
... ... ... ... ....... عكف النبيط يلعبون الفنزجا
وقال الشاعر:
وظلّ بنات اللّيل حولي عكّفا ....... عكوف البواكي بينهنّ صريع
وقال أبو عمرو وأبو حاتم: قرأ قتادة «عكفون» بغير ألف، والاعتكاف سنة، وقرأ الأعمش «في المسجد» بالإفراد، وقال: «وهو المسجد الحرام».
قال مالك رحمه الله وجماعة معه: «لا اعتكاف إلا في مساجد الجمعات»، وروي عن مالك أيضا أن ذلك في كل مسجد، ويخرج إلى الجمعة كما يخرج إلى ضروري أشغاله.
وقال قوم: لا اعتكاف إلا في أحد المساجد الثلاثة التي تشد المطي إليها حسب الحديث في ذلك.
وقالت فرقة لا اعتكاف إلا في مسجد نبي.
وقال مالك: «لا يعتكف أقل من يوم وليلة، ومن نذر أحدهما لزمه الآخر».
وقال سحنون: «من نذر اعتكاف ليلة لم يلزمه شيء».
وقالت طائفة: أيهما نذر اعتكفه ولم يلزمه أكثر.
وقال مالك: «لا اعتكاف إلا بصوم».
وقال غيره: يعتكف بغير صوم، وروي عن عائشة أنه يعتكف في غير مسجد.
{وتلك}: إشارة إلى هذه الأوامر والنواهي، والحدود: الحواجز بين الإباحة والحظر، ومنه قيل للبواب حداد لأنه يمنع، ومنه الجاد وهي المرأة الممتنعة من الزينة، والآيات: العلامات الهادية إلى الحق، ولعلّهم ترّج في حقهم، وظاهر ذلك عموم ومعناه خصوص فيمن يسره الله للهدى بدلالة الآيات التي تتضمن أن الله يضل من يشاء). [المحرر الوجيز: 1/ 448-457]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام لتأكلوا فريقاً من أموال النّاس بالإثم وأنتم تعلمون (188) يسئلونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس والحجّ وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون (189) وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين (190)}
الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى لا يأكل بعضكم مال بعض، فأضيفت الأموال إلى ضمير المنهي لما كان كل واحد منهيا عنه، وكما قال: {تقتلون أنفسكم} [البقرة: 85]، ويدخل في هذه الآية القمار والخداع والغصوب وجحد الحقائق وغير ذلك، ولا يدخل فيه الغبن في البيع مع معرفة البائع بحقيقة ما يبيع لأن الغبن كأنه وهبه.
وقال قوم: المراد بالآية ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل أي في الملاهي والقيان والشراب والبطالة، فتجيء على هذا إضافة المال إلى ضمير المالكين.
وقوله تعالى: {وتدلوا بها} الآية، يقال أدلى الرجل بالحجة أو بالأمر الذي يرجو النجاح به تشبيها بالذي يرسل الدلو في البئر يرجو بها الماء.
قال قوم: معنى الآية تسارعون في الأموال إلى المخاصمة إذا علمتم أن الحجة تقوم لكم، إما بأن لا تكون على الجاحد بينة، أو يكون مال أمانة كاليتيم ونحوه مما يكون القول فيه قوله، فالباء في بها باء السبب، وقيل: معنى الآية ترشوا بها على أكل أكثر منها، فالباء إلزاق مجرد، وهذا القول يترجح لأن الحكام مظنة الرشا إلا من عصم وهو الأقل، وأيضا فإن اللفظتين متناسبتان، تدلوا من أرسل الدلو والرشوة من الرشا، كأنها يمد بها لتقضى الحاجة، وتدلوا في موضع جزم عطفا على تأكلوا، وفي مصحف أبيّ «ولا تدلوا» بتكرار حرف النهي، وهذه القراءة تؤيد جزم تدلوا في قراءة الجماعة، وقيل: تدلوا في موضع نصب على الظرف، وهذا مذهب كوفي أن معنى الظرف هو الناصب، والذي ينصب في مثل هذا عند سيبويه «أن» مضمرة، والفريق: القطعة والجزء، وبالإثم معناه بالظلم والتعدي، وسمي ذلك إثما لما كان الإثم معنى يتعلق بفاعله، وأنتم تعلمون أي إنكم مبطلون آثمون، وهذه مبالغة في المعصية والجرأة).[المحرر الوجيز: 1/ 457-458]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 07:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 07:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري


تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون (186)}
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا يحيى بن المغيرة، أخبرنا جريرٌ، عن عبدة بن أبي برزة السّجستاني عن الصّلب بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيريّ، عن أبيه، عن جده، أن أعرابيًّا قال: «يا رسول اللّه، أقريبٌ ربّنا فنناجيه أم بعيدٌ فنناديه؟ فسكت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان}».
ورواه ابن مردويه، وأبو الشّيخ الأصبهانيّ، من حديث محمّد بن أبي حميدٍ، عن جريرٍ، به. وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا جعفر بن سليمان، عن عوفٍ، عن الحسن، قال: «سأل أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أين ربّنا؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان} الآية».
وقال ابن جريج عن عطاءٍ: «أنّه بلغه لمّا نزلت: {وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم} [غافرٍ: 60] قال النّاس: لو نعلم أيّ ساعةٍ ندعو؟ فنزلت: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان}».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الوهّاب بن عبد المجيد الثّقفيّ، حدّثنا خالدٌ الحذّاء، عن أبي عثمان النّهديّ، عن أبي موسى الأشعريّ، قال: «كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غزاة فجعلنا لا نصعد شرفًا، ولا نعلو شرفًا، ولا نهبط واديًا إلّا رفعنا أصواتنا بالتّكبير. قال: فدنا منّا فقال: «يا أيّها النّاس، أربعوا على أنفسكم؛ فإنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبًا، إنّما تدعون سميعًا بصيرًا، إنّ الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته. يا عبد اللّه بن قيسٍ، ألا أعلّمك كلمةً من كنوز الجنّة؟ لا حول ولا قوّة إلّا باللّه».
أخرجاه في الصّحيحين، وبقيّة الجماعة من حديث أبي عثمان النّهديّ، واسمه عبد الرّحمن بن مل، عنه، بنحوه.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا سليمان بن داود، حدّثنا شعبة، حدّثنا قتادة، عن أنسٍ رضي اللّه عنه: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: [يقول اللّه تعالى: أنا عند ظنّ عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني].
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عليّ بن إسحاق، أخبرنا عبد اللّه، أخبرنا عبد الرّحمن بن يزيد بن جابرٍ، حدّثنا إسماعيل بن عبيد اللّه، عن كريمة بنت الخشخاش المزنيّة، قالت: حدّثنا أبو هريرة: أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: [قال اللّه: أنا مع عبدي ما ذكرني، وتحرّكت بي شفتاه].
قلت: وهذا كقوله تعالى: {إنّ اللّه مع الّذين اتّقوا والّذين هم محسنون} [النّحل: 128]، وكقوله لموسى وهارون، عليهما السّلام: {إنّني معكما أسمع وأرى} [طه: 46]. والمراد من هذا: أنّه تعالى لا يخيب دعاء داعٍ، ولا يشغله عنه شيءٌ، بل هو سميع الدّعاء. وفيه ترغيبٌ في الدّعاء، وأنّه لا يضيع لديه تعالى، كما قال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد، حدّثنا رجلٌ أنّه سمع أبا عثمان -هو النّهديّ -يحدّث عن سلمان -يعني الفارسيّ -رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «إنّ اللّه تعالى ليستحيي أن يبسط العبد إليه يديه يسأله فيهما خيرًا فيردّهما خائبتين». قال يزيد: «سمّوا لي هذا الرّجل، فقالوا: جعفر بن ميمونٍ».
وقد رواه أبو داود، والتّرمذيّ، وابن ماجه من حديث جعفر بن ميمونٍ، صاحب الأنماط، به. وقال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌ. ورواه بعضهم، ولم يرفعه.
وقال الشّيخ الحافظ أبو الحجّاج المزّي، رحمه اللّه، في أطرافه: وتابعه أبو همّامٍ محمّد بن الزّبرقان، عن سليمان التّيميّ، عن أبي عثمان النّهديّ، به.
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا أبو عامرٍ، حدّثنا عليّ بن دؤاد أبو المتوكّل النّاجي، عن أبي سعيدٍ: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ما من مسلمٍ يدعو اللّه عزّ وجلّ بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعة رحمٍ، إلّا أعطاه اللّه بها إحدى ثلاث خصالٍ: إمّا أن يعجّل له دعوته، وإمّا أن يدّخرها له في الآخرة، وإمّا أن يصرف عنه من السّوء مثلها» قالوا: إذًا نكثر. قال: «اللّه أكثر ».
وقال عبد اللّه بن الإمام أحمد: حدّثنا إسحاق بن منصورٍ الكوسج، أخبرنا محمّد بن يوسف، حدّثنا ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحولٍ، عن جبير بن نفيرٍ، أنّ عبادة بن الصّامت حدّثهم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ما على ظهر الأرض من رجلٍ مسلم يدعو اللّه، عزّ وجلّ، بدعوةٍ إلّا آتاه اللّه إيّاها، أو كفّ عنه من السّوء مثلها، ما لم يدع بإثمٍ أو قطيعة رحمٍ».
ورواه التّرمذيّ، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن الدّارميّ، عن محمّد بن يوسف الفريابي، عن ابن ثوبان -وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان -به. وقال: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجه.
وقال الإمام مالكٌ، عن ابن شهابٍ، عن أبي عبيدٍ -مولى ابن أزهر -عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال:«يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي» . أخرجاه في الصّحيحين من حديث مالكٍ، به. وهذا لفظ البخاريّ، رحمه اللّه، وأثابه الجنّة.
وقال مسلمٌ أيضًا: حدّثني أبو الطّاهر، حدّثنا ابن وهبٍ، أخبرني معاوية بن صالحٍ، عن ربيعة ابن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثمٍ أو قطيعة رحمٍ ما لم يستعجل». قيل: يا رسول اللّه، ما الاستعجال؟ قال: «يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك، ويترك الدّعاء».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الصّمد، حدّثنا ابن هلالٍ، عن قتادة، عن أنسٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لا يزال العبد بخيرٍ ما لم يستعجل». قالوا: وكيف يستعجل؟ قال: «يقول: قد دعوت ربّي فلم يستجب لي».
وقال الإمام أبو جعفرٍ الطّبريّ في تفسيره: حدّثني يونس بن عبد الأعلى، حدّثنا ابن وهبٍ، حدّثني أبو صخرٍ: أنّ يزيد بن عبد اللّه بن قسيط حدّثه، عن عروة بن الزّبير، عن عائشة، رضي اللّه عنها، أنّها قالت: «ما من عبد مؤمنٍ يدعو اللّه بدعوةٍ فتذهب، حتّى تعجّل له في الدّنيا أو تدّخر له في الآخرة، إذا لم يعجّل أو يقنط». قال عروة: «قلت: يا أمّاه كيف عجلته وقنوطه؟» قالت: «يقول: سألت فلم أعط، ودعوت فلم أجب».
قال ابن قسيط: «وسمعت سعيد بن المسيّب يقول كقول عائشة سواءٌ».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حسنٌ، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثنا بكر بن عمرٍو، عن أبي عبد الرّحمن الحبليّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال: «القلوب أوعيةٌ، وبعضها أوعى من بعضٍ، فإذا سألتم اللّه أيّها النّاس فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإنّه لا يستجيب لعبدٍ دعاه عن ظهر قلبٍ غافلٍ».
وقال ابن مردويه: حدّثنا محمّد بن إسحاق بن أيّوب، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن أبيّ بن نافع ابن معد يكرب ببغداد، حدّثني أبيّ بن نافعٍ، حدثني أبي نافع بن معد يكرب، قال: «كنت أنا وعائشة سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الآية: {أجيب دعوة الدّاع إذا دعان} قال: «يا ربّ، مسألة عائشة». فهبط جبريل فقال: «اللّه يقرؤك السّلام، هذا عبدي الصالحٍ بالنّيّة الصّادقة، وقلبه نقيٌّ يقول: يا ربّ، فأقول: لبّيك. فأقضي حاجته».
هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه.
وروى ابن مردويه من حديث الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ: حدّثني جابر بن عبد اللّه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان} الآية. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اللّهمّ أمرت بالدّعاء، وتوكّلت بالإجابة، لبّيك اللّهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك، لبّيك إنّ الحمد والنّعمة لك، والملك لا شريك لك، أشهد أنّك فردٌ أحدٌ صمد لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوًا أحدٌ، وأشهد أنّ وعدك حقٌّ، ولقاءك حقٌّ، والجنّة حقٌّ، والنّار حقٌّ، والسّاعة آتيةٌ لا ريب فيها، وأنت تبعث من في القبور».
وقال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا الحسن بن يحيى الأرزيّ ومحمّد بن يحيى القطعي قالا حدّثنا الحجّاج بن منهال، حدّثنا صالحٍ المرّي، عن الحسن، عن أنسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «يقول اللّه تعالى: يا ابن آدم، واحدةٌ لك وواحدةٌ لي، وواحدةٌ فيما بيني وبينك؛ فأمّا التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئًا، وأمّا التي لك فما عملت من شيءٍ وفّيتكه وأمّا التي بيني وبينك فمنك الدّعاء وعليّ الإجابة».
وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدّعاء، متخلّلةً بين أحكام الصّيام، إرشادٌ إلى الاجتهاد في الدّعاء عند إكمال العدّة، بل وعند كلّ فطرٍ، كما رواه الإمام أبو داود الطّيالسيّ في مسنده:
حدّثنا أبو محمّدٍ المليكيّ، عن عمرو -هو ابن شعيب بن محمّد بن عبد اللّه بن عمرٍو، عن أبيه، عن جدّه عبد اللّه بن عمرٍو، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: «للصّائم عند إفطاره دعوةٌ مستجابةٌ». فكان عبد اللّه بن عمرٍو إذ أفطر دعا أهله، وولده ودعا.
وقال أبو عبد اللّه محمّد بن يزيد بن ماجه في سننه: حدّثنا هشام بن عمّارٍ، أخبرنا الوليد بن مسلمٍ، عن إسحاق بن عبيد اللّه المدنيّ، عن عبد اللّه بن أبي مليكة، عن عبد اللّه بن عمرو، قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ للصّائم عند فطره دعوةً ما تردّ». قال عبد اللّه بن أبي مليكة: سمعت عبد اللّه بن عمرو يقول إذا أفطر: «اللّهمّ إنّي أسألك برحمتك التي وسعت كلّ شيءٍ أن تغفر لي».
وفي مسند الإمام أحمد، وسنن التّرمذيّ، والنّسائيّ، وابن ماجه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: « ثلاثةٌ لا تردّ دعوتهم: الإمام العادل، والصّائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها اللّه دون الغمام يوم القيامة، وتفتح لها أبواب السّماء، ويقول: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين»). [تفسير ابن كثير: 1/ 505-509]


تفسير قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنّ وابتغوا ما كتب اللّه لكم وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود اللّه فلا تقربوها كذلك يبيّن اللّه آياته للنّاس لعلّهم يتّقون (187)}
هذه رخصة من اللّه تعالى للمسلمين، ورفع لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام، فإنّه كان إذا أفطر أحدهم إنّما يحلّ له الأكل والشّرب والجماع إلى صلاة العشاء أو ينام قبل ذلك، فمتى نام أو صلّى العشاء حرم عليه الطّعام والشّراب والجماع إلى اللّيلة القابلة. فوجدوا من ذلك مشقة كبيرةً. والرّفث هنا هو: الجماع. قاله ابن عبّاسٍ، وعطاءٌ، ومجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ، وطاوسٌ، وسالم بن عبد اللّه، وعمرو بن دينارٍ والحسن، وقتادة، والزّهريّ، والضّحّاك، وإبراهيم النّخعي، والسّدّيّ، وعطاءٌ الخراسانيّ، ومقاتل بن حيّان.
وقوله: {هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ} قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، والسّدّيّ، ومقاتل بن حيّان: «يعني هنّ سكن لكم، وأنتم سكنٌ لهنّ».
وقال الرّبيع بن أنسٍ: «هنّ لحافٌ لكم وأنتم لحافٌ لهنّ».
وحاصله أنّ الرّجل والمرأة كلٌّ منهما يخالط الآخر ويماسه ويضاجعه، فناسب أن يرخّص لهم في المجامعة في ليل رمضان، لئلّا يشقّ ذلك عليهم، ويحرجوا، قال الشّاعر
إذا ما الضّجيع ثنى جيدها ....... تداعت فكانت عليه لباسا

وكان السّبب في نزول هذه الآية كما تقدّم في حديث معاذٍ الطويل، وقال أبو إسحاق عن البراء ابن عازبٍ قال: «كان أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا كان الرّجل صائمًا فنام قبل أن يفطر، لم يأكل إلى مثلها، وإنّ قيس بن صرمة الأنصاريّ كان صائمًا، وكان يومه ذاك يعمل في أرضه، فلمّا حضر الإفطار أتى امرأته فقال: هل عندك طعامٌ؟ قالت: لا ولكن أنطلق فأطلب لك. فغلبته عينه فنام، وجاءت امرأته، فلمّا رأته نائمًا قالت: خيبةٌ لك! أنمت؟ فلمّا انتصف النّهار غشي عليه، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت هذه الآية: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} إلى قوله: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} ففرحوا بها فرحًا شديدًا».
ولفظ البخاريّ هاهنا من طريق أبي إسحاق: سمعت البراء قال: «لمّا نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النّساء، رمضان كلّه، وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل اللّه: {علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم}».
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: «كان المسلمون في شهر رمضان إذا صلّوا العشاء حرم عليهم النّساء والطّعام إلى مثلها من القابلة، ثمّ إنّ أناسًا من المسلمين أصابوا من النّساء والطّعام في شهر رمضان بعد العشاء، منهم عمر بن الخطّاب، فشكوا ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه تعالى: {علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنّ}». وكذا روى العوفيّ عن ابن عبّاسٍ.
وقال موسى بن عقبة، عن كريب، عن ابن عبّاسٍ، قال: «إنّ النّاس كانوا قبل أن ينزل في الصّوم ما نزل فيهم يأكلون ويشربون، ويحلّ لهم شأن النّساء، فإذا نام أحدهم لم يطعم ولم يشرب ولا يأتي أهله حتّى يفطر من القابلة، فبلغنا أنّ عمر بن الخطّاب بعدما نام ووجب عليه الصوم وقع على أهله، ثمّ جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: أشكو إلى اللّه وإليك الذي صنعت. قال: «وماذا صنعت؟»قال: إنّي سوّلت لي نفسي، فوقعت على أهلي بعد ما نمت وأنا أريد الصّوم. فزعموا أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ما كنت خليقًا أن تفعل». فنزل الكتاب: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم}».
وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قيس بن سعدٍ، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن أبي هريرة في قول اللّه تعالى {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} إلى قوله: {ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل} قال: «كان المسلمون قبل أن تنزل هذه الآية إذا صلّوا العشاء الآخرة حرم عليهم الطّعام والشّراب والنّساء حتّى يفطروا، وإنّ عمر بن الخطّاب أصاب أهله بعد صلاة العشاء، وأنّ صرمة بن قيسٍ الأنصاريّ غلبته عينه بعد صلاة المغرب، فنام ولم يشبع من الطّعام، ولم يستيقظ حتّى صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم العشاء، فقام فأكل وشرب، فلمّا أصبح أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبره بذلك، فأنزل اللّه عند ذلك: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} يعني بالرّفث: مجامعة النّساء {هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم} يعني: تجامعون النّساء، وتأكلون وتشربون بعد العشاء {فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنّ} يعني: جامعوهنّ {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} يعني: الولد {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل} فكان ذلك عفوًا من اللّه ورحمةً».
وقال هشيم، عن حصين بن عبد الرّحمن، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، قال: «قام عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، فقال: يا رسول اللّه، إنّي أردت أهلي البارحة على ما يريد الرجل أهله فقالت: إنّها قد نامت، فظننتها تعتلّ، فواقعتها، فنزل في عمر: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم}». وهكذا رواه شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن ابن أبي ليلى، به.
وقال أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثني المثنّى، حدّثنا سويدٌ، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، حدّثني موسى بن جبيرٍ -مولى بني سلمة -أنّه سمع عبد اللّه بن كعب بن مالكٍ يحدّث عن أبيه قال: «كان النّاس في رمضان إذا صام الرّجل فأمسى فنام، حرّم عليه الطّعام والشّراب والنّساء حتّى يفطر من الغد. فرجع عمر بن الخطّاب من عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ذات ليلةٍ وقد سمر عنده، فوجد امرأته قد نامت، فأرادها، فقالت: إنّي قد نمت! فقال: ما نمت! ثمّ وقع بها. وصنع كعب بن مالكٍ مثل ذلك. فغدا عمر بن الخطّاب إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبره، فأنزل اللّه: {علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنّ} الآية ».
وهكذا روي عن مجاهدٍ، وعطاءٍ، وعكرمة، والسّدّيّ، وقتادة، وغيرهم في سبب نزول هذه الآية في عمر بن الخطّاب ومن صنع كما صنع، وفي صرمة بن قيسٍ؛ فأباح الجماع والطّعام والشّراب في جميع اللّيل رحمةً ورخصةً ورفقًا.
وقوله: {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} قال أبو هريرة، وابن عبّاسٍ وأنسٌ، وشريح القاضي، ومجاهدٌ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، وعطاءٌ، والرّبيع بن أنسٍ، والسّدّيّ، وزيد بن أسلم، والحكم بن عتبة ومقاتل بن حيّان، والحسن البصريّ، والضّحّاك، وقتادة، وغيرهم: «يعني الولد».
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} «يعني: الجماع».
وقال عمرو بن مالكٍ النّكري، عن أبي الجوزاء، عن ابن عبّاسٍ: {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} قال: «ليلة القدر». رواه ابن أبي حاتمٍ، وابن جريرٍ.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر قال: قال قتادة: «وابتغوا الرّخصة التي كتب اللّه لكم». وقال سعيدٌ عن قتادة: {وابتغوا ما كتب اللّه لكم} يقول: «ما أحلّ اللّه لكم».
وقال عبد الرّزّاق أيضًا: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن عطاء بن أبي رباحٍ، قال: «قلت لابن عبّاسٍ: كيف تقرأ هذه الآية: {وابتغوا} أو: "اتّبعوا"؟ قال: «أيّتهما شئت: عليك بالقراءة الأولى».
واختار ابن جريرٍ أنّ الآية أعمّ من هذا كلّه.
وقوله: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل} أباح تعالى الأكل والشّرب، مع ما تقدّم من إباحة الجماع في أيّ اللّيل شاء الصائم إلى أن يتبيّن ضياء الصّباح من سواد اللّيل، وعبّر عن ذلك بالخيط الأبيض من الخيط الأسود، ورفع اللّبس بقوله: {من الفجر} كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أبو عبد اللّه البخاريّ: حدّثنا ابن أبي مريم، حدّثنا أبو غسّان محمّد بن مطرّف، حدّثني أبو حازمٍ، عن سهل بن سعدٍ، قال: «أنزلت: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} ولم ينزل {من الفجر} وكان رجالٌ إذا أرادوا الصّوم، ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل حتّى يتبيّن له رؤيتهما، فأنزل اللّه بعد: {من الفجر} فعلموا أنّما يعني: اللّيل والنّهار».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا هشيم، أخبرنا حصين، عن الشّعبيّ، أخبرني عديّ بن حاتمٍ قال: «لمّا نزلت هذه الآية: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} عمدت إلى عقالين، أحدهما أسود والآخر أبيض، قال: فجعلتهما تحت وسادتي، قال: فجعلت أنظر إليهما فلا تبيّن لي الأسود من الأبيض، ولا الأبيض من الأسود، فلمّا أصبحت غدوت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرته بالّذي صنعت. فقال: «إنّ وسادك إذًا لعريضٌ، إنّما ذلك بياض النّهار وسواد اللّيل».
أخرجاه في الصّحيحين من غير وجهٍ، عن عديّ. ومعنى قوله: «إنّ وسادك إذًا لعريضٌ» أي: إن كان يسع لوضع الخيط الأسود والخيط الأبيض المرادين من هذه الآية تحتها، فإنّهما بياض النّهار وسواد اللّيل. فيقتضي أن يكون بعرض المشرق والمغرب.
وهكذا وقع في رواية البخاريّ مفسّرًا بهذا: أخبرنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا أبو عوانة، عن حصين، عن الشّعبيّ، عن عديّ قال: «أخذ عدي عقالا أبيض وعقالا أسود، حتّى كان بعض اللّيل نظر فلم يتبيّنا. فلمّا أصبح قال: يا رسول اللّه، جعلت تحت وسادتي. قال: «إنّ وسادك إذًا لعريضٌ، إن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك».
وجاء في بعض الألفاظ: «إنّك لعريض القفا». ففسّره بعضهم بالبلادة، وهو ضعيفٌ. بل يرجع إلى هذا؛ لأنّه إذا كان وساده عريضًا فقفاه أيضًا عريضٌ، واللّه أعلم. ويفسّره رواية البخاريّ أيضًا: حدّثنا قتيبة، حدّثنا جريرٌ، عن مطرّف، عن الشّعبيّ، عن عديّ بن حاتمٍ قال: «قلت: يا رسول اللّه، ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أهما الخيطان؟ قال: «إنّك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين». ثمّ قال: «لا بل هو سواد اللّيل وبياض النّهار».
وفي إباحته تعالى جواز الأكل إلى طلوع الفجر، دليلٌ على استحباب السّحور؛ لأنّه من باب الرّخصة، والأخذ بها محبوبٌ؛ ولهذا وردت السّنّة الثّابتة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالحثّ على السّحور لأنّه من باب الرّخصة والأخذ بها ففي الصّحيحين عن أنسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «تسحّروا فإنّ في السّحور بركةٌ». وفي صحيح مسلمٍ، عن عمرو بن العاص رضي اللّه عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السّحر».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا إسحاق بن عيسى هو ابن الطّبّاع، حدّثنا عبد الرّحمن بن زيدٍ، عن أبيه، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «السّحور أكله بركةٌ؛ فلا تدعوه، ولو أنّ أحدكم يجرع جرعةً من ماءٍ، فإنّ اللّه وملائكته يصلّون على المتسحّرين».
وقد ورد في التّرغيب في السّحور أحاديث كثيرةٌ حتّى ولو بجرعةٍ من ماءٍ، تشبّهًا بالآكلين. ويستحبّ تأخيره إلى قريب انفجار الفجر، كما جاء في الصّحيحين، عن أنس بن مالكٍ، عن زيد بن ثابتٍ، قال: «تسحّرنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ قمنا إلى الصّلاة. قال أنسٌ: قلت لزيدٍ: كم كان بين الأذان والسّحور؟ قال: قدر خمسين آيةً».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا موسى بن داود، حدّثنا ابن لهيعة، عن سالم بن غيلان، عن سليمان بن أبي عثمان، عن عديّ بن حاتمٍ الحمصيّ، عن أبي ذرّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «لا تزال أمّتي بخيرٍ ما عجّلوا الإفطار وأخّروا السّحور». وقد ورد في أحاديث كثيرةٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سمّاه الغداء المبارك، وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد، والنّسائيّ، وابن ماجه من رواية حمّاد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبيشٍ، عن حذيفة بن اليمان قال: «تسحّرنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وكان النّهار إلّا أنّ الشّمس لم تطلع». وهو حديثٌ تفرّد به عاصم بن أبي النّجود، قاله النّسائيّ، وحمله على أنّ المراد قرب النّهار، كما قال تعالى: {فإذا بلغن أجلهنّ فأمسكوهنّ بمعروفٍ أو فارقوهنّ بمعروفٍ} [الطّلاق: 2] أي: قاربن انقضاء العدّة، فإمّا إمساكٌ أو ترك للفراق. وهذا الذي قاله هو المتعيّن حمل الحديث عليه: أنّهم تسحّروا ولم يتيقّنوا طلوع الفجر، حتّى أنّ بعضهم ظنّ طلوعه وبعضهم لم يتحقّق ذلك. وقد روي عن طائفةٍ كثيرةٍ من السّلف أنّهم تسامحوا في السّحور عند مقاربة الفجر. روي مثل هذا عن أبي بكرٍ، وعمر، وعليٍّ، وابن مسعودٍ، وحذيفة، وأبي هريرة، وابن عمر، وابن عبّاسٍ، وزيد بن ثابتٍ وعن طائفةٍ كثيرةٍ من التّابعين، منهم: محمّد بن عليّ بن الحسين، وأبو مجلز، وإبراهيم النّخعي، وأبو الضّحى، وأبو وائلٍ، وغيره من أصحاب ابن مسعودٍ وعطاءٌ، والحسن، والحكم بن عيينة ومجاهدٌ، وعروة بن الزّبير، وأبو الشّعثاء جابر بن زيد. وإليه ذهب الأعمش معمر بن راشدٍ. وقد حرّرنا أسانيد ذلك في كتاب الصّيام المفرد، وللّه الحمد.
وحكى أبو جعفر بن جريرٍ في تفسيره، عن بعضهم: أنّه إنّما يجب الإمساك من طلوع الشّمس كما يجوز الإفطار بغروبها.
قلت: وهذا القول ما أظنّ أحدًا من أهل العلم يستقرّ له قدم عليه، لمخالفته نصّ القرآن في قوله: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل} وقد ورد في الصّحيحين من حديث القاسم، عن عائشة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لا يمنعكم أذان بلالٍ عن سحوركم، فإنّه ينادي بليلٍ، فكلوا واشربوا حتّى تسمعوا أذان ابن أمّ مكتومٍ فإنّه لا يؤذّن حتّى يطلع الفجر». لفظ البخاريّ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا موسى بن داود، حدّثنا محمّد بن جابرٍ، عن قيس بن طلق، عن أبيه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: «ليس الفجر المستطيل في الأفق ولكنّه المعترض الأحمر». ورواه أبو داود، والتّرمذيّ ولفظهما: «كلوا واشربوا ولا يهيدنّكم السّاطع المصعد، فكلوا واشربوا حتّى يعترض لكم الأحمر».
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن المثنّى، حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، حدّثنا شعبة، عن شيخٍ من بني قشيرٍ: سمعت سمرة بن جندب يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يغرّنّكم نداء بلالٍ وهذا البياض حتّى ينفجر الفجر، أو يطلع الفجر».
ثمّ رواه من حديث شعبة وغيره، عن سوادة بن حنظلة، عن سمرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يمنعكم من سحوركم أذان بلالٍ ولا الفجر المستطيل، ولكنّ الفجر المستطير في الأفق».
قال: وحدّثني يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا ابن علية، عن عبد اللّه بن سوادة القشيري، عن أبيه، عن سمرة بن جندبٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يغرّنّكم أذان بلال ولا هذا البياض، تعمدوا الصبح حين يستطير».
ورواه مسلمٌ في صحيحه عن زهير بن حربٍ، عن إسماعيل بن إبراهيم -يعني ابن عليّة -مثله سواءً.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن حميد، حدّثنا ابن المبارك، عن سليمان التّيميّ، عن أبي عثمان النّهديّ، عن ابن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يمنعنّ أحدكم أذان بلالٍ عن سحوره -أو قال نداء بلالٍ -فإنّ بلالًا يؤذّن -أو قال ينادي -لينبّه نائمكم وليرجع قائمكم، وليس الفجر أن يقول هكذا أوهكذا، حتّى يقول هكذا».
ورواه من وجهٍ آخر عن التّيميّ، به.
وحدّثني الحسن بن الزّبرقان النّخعيّ، حدّثنا أبو أسامة عن محمّد بن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرّحمن، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الفجر فجران، فالذي كأنّه ذنب السّرحان لا يحرّم شيئًا، وأمّا المستطير الذي يأخذ الأفق، فإنّه يحلّ الصّلاة ويحرّم الطّعام». وهذا مرسلٌ جيّدٌ.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا ابن جريجٍ، عن عطاءٍ قال: سمعت ابن عبّاسٍ يقول: «هما فجران، فأمّا الذي يسطع في السّماء فليس يحلّ ولا يحرّم شيئًا، ولكنّ الفجر الذي يستبين على رؤوس الجبال، هو الذي يحرّم الشّراب». قال عطاءٌ: «فأمّا إذا سطع سطوعًا في السّماء، وسطوعه أن يذهب في السّماء طولًا فإنّه لا يحرم به شرابٌ لصيامٍ ولا صلاةٌ، ولا يفوت به حجٌّ ولكن إذا انتشر على رؤوس الجبال، حرّم الشّراب للصّيام وفات الحجّ».
وهذا إسنادٌ صحيحٌ إلى ابن عبّاسٍ وعطاءٍ، وهكذا روي عن غير واحدٍ من السّلف، رحمهم اللّه.
مسألةٌ: ومن جعله تعالى الفجر غايةً لإباحة الجماع والطّعام والشّراب لمن أراد الصّيام، يستدلّ على أنّه من أصبح جنبًا فليغتسل، وليتمّ صومه، ولا حرج عليه. وهذا مذهب الأئمّة الأربعة وجمهور العلماء سلفًا وخلفًا، لما رواه البخاريّ ومسلمٌ من حديث عائشة وأمّ سلمة، رضي اللّه عنهما، أنّهما قالتا: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصبح جنبًا من جماعٍ غير احتلامٍ، ثمّ يغتسل ويصوم». وفي حديث أمّ سلمة عندهما: «ثمّ لا يفطر ولا يقضي». وفي صحيح مسلمٍ، عن عائشة: أنّ رجلًا قال: يا رسول اللّه، تدركني الصّلاة وأنا جنبٌ، فأصوم؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «وأنا تدركني الصّلاة وأنا جنبٌ، فأصوم». فقال: لست مثلنا -يا رسول اللّه -قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر. فقال: «واللّه إنّي لأرجو أن أكون أخشاكم للّه وأعلمكم بما أتّقي». فأمّا الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، عن معمر، عن همّامٍ، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «إذا نودي للصّلاة -صلاة الصّبح -وأحدكم جنبٌ فلا يصم يومئذٍ» فإنّه حديثٌ جيّد الإسناد على شرط الشّيخين، كما ترى وهو في الصّحيحين عن أبي هريرة، عن الفضل بن عباس عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وفي سنن النّسائيّ عنه، عن أسامة بن زيدٍ، والفضل بن عبّاسٍ ولم يرفعه. فمن العلماء من علّل هذا الحديث بهذا، ومنهم من ذهب إليه، ويحكى هذا عن أبي هريرة، وسالمٍ، وعطاءٍ، وهشام بن عروة، والحسن البصريّ. ومنهم من ذهب إلى التّفرقة بين أن يصبح جنبًا نائمًا فلا عليه، لحديث عائشة وأمّ سلمة، أو مختارًا فلا صوم له، لحديث أبي هريرة. يحكى هذا عن عروة، وطاوسٍ، والحسن. ومنهم من فرّق بين الفرض فيتمّه ويقضيه وأمّا النّفل فلا يضرّه. رواه الثّوريّ، عن منصورٍ، عن إبراهيم النخعي. وهو روايةٌ عن الحسن البصريّ أيضًا، ومنهم من ادّعى نسخ حديث أبي هريرة بحديثي عائشة وأمّ سلمة، ولكن لا تاريخ معه.
وادّعى ابن حزمٍ أنّه منسوخٌ بهذه الآية الكريمة، وهو بعيدٌ أيضًا، وأبعد؛ إذ لا تاريخ، بل الظّاهر من التّاريخ خلافه. ومنهم من حمل حديث أبي هريرة على نفي الكمال «فلا صوم له» لحديث عائشة وأمّ سلمة الدّالّين على الجواز. وهذا المسلك أقرب الأقوال وأجمعها، واللّه أعلم.
وقوله تعالى: {ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل} يقتضي الإفطار عند غروب الشّمس حكمًا شرعيًّا، كما جاء في الصّحيحين، عن أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا أقبل اللّيل من هاهنا وأدبر النّهار من هاهنا، فقد أفطر الصّائم».
وعن سهل بن سعدٍ السّاعديّ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يزال النّاس بخيرٍ ما عجّلوا الفطر» أخرجاه أيضًا.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، حدّثنا الأوزاعيّ، حدّثنا قرّة بن عبد الرّحمن، عن الزّهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: [يقول اللّه، عزّ وجلّ: إنّ أحبّ عبادي إليّ أعجلهم فطرًا]. ورواه التّرمذيّ من غير وجهٍ، عن الأوزاعيّ، به. وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
وقال أحمد أيضًا: حدّثنا عفّان، حدّثنا عبيد اللّه بن إيادٍ، سمعت إياد بن لقيطٍ قال: سمعت ليلى امرأة بشير بن الخصاصيّة، قالت: أردت أن أصوم يومين مواصلةً، فمنعني بشيرٌ وقال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه. وقال: «يفعل ذلك النّصارى، ولكن صوموا كما أمركم اللّه، وأتمّوا الصيام إلى اللّيل، فإذا كان اللّيل فأفطروا».
وروى الحافظ ابن عساكر، حدّثنا بكر بن سهلٍ، حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، حدّثنا يحيى بن حمزة، عن ثور بن يزيد، عن عليّ بن أبي طلحة، عن عبد الملك بن أبي ذرٍّ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم واصل يومين وليلةً؛ فأتاه جبريل فقال: «إنّ اللّه قد قبل وصالك، ولا يحلّ لأحدٍ بعدك، وذلك بأنّ اللّه قال: {ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل} فلا صيام بعد اللّيل، وأمرني بالوتر قبل الفجر»، وهذا إسنادٌ لا بأس به، أورده في ترجمة عبد الملك بن أبي ذرٍّ في تاريخه .
ولهذا ورد في الأحاديث الصّحيحة النّهي عن الوصال، وهو أن يصل صوم يومٍ بيومٍ آخر، ولا يأكل بينهما شيئًا. قال الإمام أحمد:
حدّثنا عبد الرّزّاق، حدّثنا معمر، عن الزّهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تواصلوا». قالوا: يا رسول اللّه، إنّك تواصل. قال: «فإنّي لست مثلكم، إنّي أبيت يطعمني ربّي ويسقيني». قال: فلم ينتهوا عن الوصال، فواصل بهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يومين وليلتين، ثمّ رأوا الهلال، فقال: «لو تأخّر الهلال لزدتكم» كالمنكّل بهم.
وأخرجاه في الصّحيحين، من حديث الزّهريّ به. وكذلك أخرجا النّهي عن الوصال من حديث أنسٍ وابن عمر.
وعن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الوصال، رحمةً لهم، فقالوا: إنّك تواصل. قال: «إنّي لست كهيئتكم، إنّي يطعمني ربّي ويسقيني».
فقد ثبت النّهي عنه من غير وجهٍ، وثبت أنّه من خصائص النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنّه كان يقوّى على ذلك ويعان، والأظهر أنّ ذلك الطّعام والشّراب في حقّه إنّما كان معنويًّا لا حسّيًّا، وإلّا فلا يكون مواصلًا مع الحسّيّ، ولكن كما قال الشّاعر:

لها أحاديث من ذكراك تشغلها ....... عن الشّراب وتلهيها عن الزاد

وأمّا من أحبّ أن يمسك بعد غروب الشّمس إلى وقت السّحر فله ذلك، كما في حديث أبي سعيدٍ الخدريّ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تواصلوا، فأيّكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السّحر». قالوا: فإنّك تواصل يا رسول اللّه. قال: «إنّي لست كهيئتكم، إنّي أبيت لي مطعم يطعمني، وساقٍ يسقيني». أخرجاه في الصّحيحين أيضًا.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا أبو إسرائيل العبسي عن أبي بكر ابن حفصٍ، عن أمّ ولد حاطب بن أبي بلتعة: «أنّها مرّت برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يتسحّر، فدعاها إلى الطّعام. فقالت: إنّي صائمةٌ. قال: «وكيف تصومين؟» فذكرت ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: «أين أنت من وصال آل محمّدٍ، من السّحر إلى السّحر».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، حدّثنا إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن محمّد بن عليٍّ، عن عليٍّ: «أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يواصل من السّحر إلى السّحر».
وقد روى ابن جريرٍ، عن عبد اللّه بن الزّبير وغيره من السّلف، أنّهم كانوا يواصلون الأيّام المتعدّدة وقد روى ابن جريرٍ عن عبد اللّه بن الزّبير وغيره من السّلف وحمله منهم على أنّهم كانوا يفعلون ذلك رياضةً لأنفسهم، لا أنّهم كانوا يفعلونه عبادةً. واللّه أعلم. ويحتمل أنّهم كانوا يفهمون من النّهي أنّه إرشاد، أي من باب الشّفقة، كما جاء في حديث عائشة: «رحمةً لهم»، فكان ابن الزّبير وابنه عامرٌ ومن سلك سبيلهم يتجشّمون ذلك ويفعلونه، لأنّهم كانوا يجدون قوة عليه. وقد ذكر عنهم أنّهم كانوا أوّل ما يفطرون على السّمن والصّبر لئلّا تتخرّق الأمعاء بالطّعام أوّلًا. وقد روي عن ابن الزّبير أنّه كان يواصل سبعة أيّامٍ ويصبح في اليوم السّابع أقواهم وأجلدهم. وقال أبو العالية: «إنّما فرض اللّه الصّيام بالنّهار فإذا جاء باللّيل فمن شاء أكل ومن شاء لم يأكل».
وقوله تعالى: {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: «هذا في الرّجل يعتكف في المسجد في رمضان أو في غير رمضان، فحرّم اللّه عليه أن ينكح النّساء ليلًا ونهارًا حتّى يقضي اعتكافه».
وقال الضّحّاك: «كان الرّجل إذا اعتكف فخرج من المسجد، جامع إن شاء، فقال اللّه تعالى: {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد} أي: لا تقربوهنّ ما دمتم عاكفين في المسجد ولا في غيره». وكذا قال مجاهدٌ، وقتادة وغير واحدٍ: «إنّهم كانوا يفعلون ذلك حتّى نزلت هذه الآية».
قال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن ابن مسعودٍ، ومحمّد بن كعبٍ، ومجاهدٍ، وعطاءٍ، والحسن، وقتادة، والضّحّاك والسّدّي، والرّبيع بن أنسٍ، ومقاتلٍ، قالوا: «لا يقربها وهو معتكفٌ». وهذا الذي حكاه عن هؤلاء هو الأمر المتّفق عليه عند العلماء: أنّ المعتكف يحرم عليه النساء ما دام معتكفًا في مسجده، ولو ذهب إلى منزله لحاجةٍ لا بدّ له منها فلا يحلّ له أن يتلبّث فيه إلّا بمقدار ما يفرغ من حاجته تلك، من قضاء الغائط، أو أكلٍ، وليس له أن يقبّل امرأته، ولا يضمّها إليه، ولا يشتغل بشيءٍ سوى اعتكافه، ولا يعود المريض، لكن يسأل عنه وهو مارٌّ في طريقه.
وللاعتكاف أحكامٌ مفصّلةٌ في بابه، منها ما هو مجمعٌ عليه بين العلماء، ومنها ما هو مختلفٌ فيه. وقد ذكرنا قطعة صالحٍةً من ذلك في آخر كتاب الصّيام، وللّه الحمد.
ولهذا كان الفقهاء المصنّفون يتبعون كتاب الصّيام بكتاب الاعتكاف، اقتداءً بالقرآن العظيم، فإنّه نبّه على ذكر الاعتكاف بعد ذكر الصّوم. وفي ذكره تعالى الاعتكاف بعد الصّيام إرشادٌ وتنبيهٌ على الاعتكاف في الصّيام، أو في آخر شهر الصّيام، كما ثبتت السّنّة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أنّه كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان، حتّى توفّاه اللّه، عزّ وجلّ. ثمّ اعتكف أزواجه من بعده. أخرجاه من حديث عائشة أمّ المؤمنين، رضي اللّه عنها، وفي الصّحيحين أنّ صفيّة بنت حيي كانت تزور النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو معتكفٌ في المسجد، فتحدّثت عنده ساعةً، ثمّ قامت لترجع إلى منزلها -وكان ذلك ليلًا -فقام النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ليمشي معها حتّى تبلغ دارها، وكان منزلها في دار أسامة بن زيدٍ في جانب المدينة، فلمّا كان ببعض الطّريق لقيه رجلان من الأنصار، فلمّا رأيا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أسرعا -وفي روايةٍ: تواريا-أي حياءً من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لكون أهله معه، فقال لهما النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «على رسلكما إنّها صفيّة بنت حييٍّ» أي: لا تسرعا، واعلما أنّها صفيّة بنت حييٍّ، أي: زوجتي. فقالا سبحان اللّه يا رسول اللّه، فقال عليه الصّلاة والسّلام: «إنّ الشّيطان يجري من ابن آدم مجرى الدّم، وإنّي خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا» أو قال: «شرًّا».
قال الشّافعيّ، رحمه اللّه: «أراد، عليه السّلام، أن يعلّم أمّته التّبرّي من التّهمة في محلها، لئلّا يقعا في محذورٍ، وهما كانا أتقى للّه أن يظنّا بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم شيئًا. واللّه أعلم».
ثمّ المراد بالمباشرة: إنّما هو الجماع ودواعيه من تقبيلٍ، ومعانقةٍ ونحو ذلك، فأمّا معاطاة الشّيء ونحوه فلا بأس به؛ فقد ثبت في الصّحيحين، عن عائشة، رضي اللّه عنها، أنّها قالت: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدني إليّ رأسه فأرجّله وأنا حائضٌ، وكان لا يدخل البيت إلّا لحاجة الإنسان». قالت عائشة: «ولقد كان المريض يكون في البيت فما أسأل عنه إلّا وأنا مارّةٌ».
وقوله: {تلك حدود اللّه} أي: هذا الذي بيّنّاه، وفرضناه، وحدّدناه من الصّيام، وأحكامه، وما أبحنا فيه وما حرّمنا، وذكر غاياته ورخصه وعزائمه، حدود اللّه، أي: شرعها اللّه وبيّنها بنفسه {فلا تقربوها} أي: لا تجاوزوها، وتعتدوها.
وكان الضّحّاك ومقاتلٌ يقولان في قوله تعالى: {تلك حدود اللّه} «أي: المباشرة في الاعتكاف».
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: «يعني هذه الحدود الأربعة، ويقرأ {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} حتّى بلغ: {ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل} قال: وكان أبي وغيره من مشيختنا يقولون هذا ويتلونه علينا».
{كذلك يبيّن اللّه آياته للنّاس} أي: كما بيّن الصّيام وأحكامه وشرائعه وتفاصيله، كذلك يبيّن سائر الأحكام على لسان عبده ورسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم {للنّاس لعلّهم يتّقون} أي: يعرفون كيف يهتدون، وكيف يطيعون كما قال تعالى: {هو الّذي ينزل على عبده آياتٍ بيّناتٍ ليخرجكم من الظّلمات إلى النّور [وإنّ اللّه بكم لرءوفٌ رحيمٌ}. [الحديد: 9] ). [تفسير ابن كثير: 1/ 509-520]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام لتأكلوا فريقًا من أموال النّاس بالإثم وأنتم تعلمون (188)}
قال عليّ ابن أبي طلحة، وعن ابن عبّاسٍ: «هذا في الرّجل يكون عليه مالٌ، وليس عليه فيه بيّنة، فيجحد المال ويخاصم إلى الحكّام، وهو يعرف أنّ الحقّ عليه، وهو يعلم أنّه آثمٌ آكل حرامٍ».
وكذا روي عن مجاهدٍ، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والحسن، وقتادة، والسّدّيّ، ومقاتل بن حيّان، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم أنّهم قالوا: «لا تخاصم وأنت تعلم أنّك ظالمٌ». وقد ورد في الصّحيحين عن أمّ سلمة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:«ألا إنّما أنا بشر، وإنّما يأتيني الخصم فلعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعضٍ فأقضي له، فمن قضيت له بحقّ مسلمٍ، فإنّما هي قطعةٌ من نارٍ، فليحملها، أو ليذرها». فدلّت هذه الآية الكريمة، وهذا الحديث على أنّ حكم الحاكم لا يغيّر الشّيء في نفس الأمر، فلا يحلّ في نفس الأمر حرامًا هو حرامٌ، ولا يحرّم حلالًا هو حلالٌ، وإنّما هو يلزم في الظّاهر، فإن طابق في نفس الأمر فذاك، وإلّا فللحاكم أجره وعلى المحتال وزره؛ ولهذا قال تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام لتأكلوا فريقًا} أي: طائفةً {من أموال النّاس بالإثم وأنتم تعلمون} أي: تعلمون بطلان ما تدّعونه وتروّجون في كلامكم.
قال قتادة: «اعلم -يا ابن آدم -أنّ قضاء القاضي لا يحل لك حرامًا، ولا يحقّ لك باطلًا وإنّما يقضي القاضي بنحو ما يرى ويشهد به الشّهود، والقاضي بشر يخطئ ويصيب، واعلموا أنّ من قضي له بباطلٍ أنّ خصومته لم تنقض حتّى يجمع اللّه بينهما يوم القيامة، فيقضي على المبطل للمحقّ بأجود ممّا قضي به للمبطل على المحقّ في الدّنيا».
وقال أبو حنيفة: «حكم الحاكم بطلاق الزّوجة إذا شهد عنده شاهدا زورٍ في نفس الأمر، ولكنّهما عدلان عنده يحلّها للأزواج حتّى للشّاهدين ويحرّمها على زوجها الذي حكم بطلاقها منه، وقالوا: هذا كلعان المرأة، إنّه يبينها من زوجها ويحرّمها عليه، وإن كانت كاذبةً في نفس الأمر، ولو علم الحاكم بكذبها لحدّها ولما حرّمها وهذا أولى».
مسألةٌ: قال القرطبيّ: «أجمع أهل السّنّة على أنّ من أكل مالًا حرامًا ولو ما يصدق عليه اسم المال أنّه يفسق»، وقال بشر بن المعتمر في طائفةٍ من المعتزلة: «لا يفسق إلّا بأكل مائتي درهمٍ فما زاد، ولا يفسق بما دون ذلك»، وقال الجبائيّ: «يفسق بأكل درهمٍ فما فوقه إلّا بما دونه». [تفسير ابن كثير: 1/ 521]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:34 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة