تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عنّي} الآية، قال الحسن بن أبي الحسن: «سببها أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فنزلت»، وقال عطاء: «لما نزلت {وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60] قال قوم في أي ساعة ندعو؟ فنزلت {وإذا سألك عبادي عنّي}»، وقال مجاهد: «بل قالوا إلى أين ندعو فنزلت هذه الآية»، وقال قتادة: «بل قالوا: كيف ندعو؟ فنزلت{وإذا سألك عبادي}»، روي أن المشركين قالوا لما نزل {فإنّي قريبٌ}: كيف يكون قريبا وبيننا وبينه على قولك سبع سماوات في غلظ سمك كل واحدة خمسمائة عام وفيما بين كل سماء مثل ذلك؟ فنزلت: {أجيب دعوة الدّاع إذا دعان} أي فإني قريب بالإجابة والقدرة، وقال قوم: المعنى أجيب إن شئت، وقال قوم: إن الله تعالى يجيب كل الدعاء: فإما أن تظهر الإجابة في الدنيا، وإما أن يكفر عنه، وإما أن يدخر له أجر في الآخرة، وهذا بحسب حديث الموطأ: «ما من داع يدعو إلا كان بين إحدى ثلاث»، الحديث، وهذا إذا كان الدعاء على ما يجب دون اعتداء، فإن الاعتداء في الدعاء ممنوع، قال الله تعالى: {ادعوا ربّكم تضرّعاً وخفيةً إنّه لا يحبّ المعتدين} [الأعراف: 55] قال المفسرون: أي في الدعاء.
والوصف بمجاب الدعوة: وصف بحسن النظر والبعد عن الاعتداء، والتوفيق من الله تعالى إلى الدعاء في مقدور. وانظر أن أفضل البشر المصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم قد دعا أن لا يجعل بأس أمته بينهم، الحديث، فمنعها، إذ كان القدر قد سبق بغير ذلك.
وقوله تعالى: {فليستجيبوا لي} قال أبو رجاء الخراساني: «معناه فليدعوا لي».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «المعنى فليطلبوا أن أجيبهم»، وهذا هو باب استفعل، أي طلب الشيء، إلا ما شذ، مثل. استغنى الله، وقال مجاهد وغيره: «المعنى فليجيبوا لي فيما دعوتهم إليه من الإيمان، أي بالطاعة والعمل»، ويقال: أجاب واستجاب بمعنى، ومنه قول الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى النّدا ....... فلم يستجبه عند ذاك مجيب
أي لم يجبه، وقوله تعالى: {وليؤمنوا بي}، قال أبو رجاء: «في أني أجيب دعاءهم»، وقال غيره: «بل ذلك دعاء إلى الإيمان بجملته». وقرأ الجمهور يرشدون بفتح الياء وضم الشين. وقرأ قوم بضم الياء وفتح الشين. وروي عن ابن أبي عبلة وأبي حيوة فتح الياء وكسر الشين باختلاف عنهما قرآ هذه القراءة والتي قبلها).[المحرر الوجيز: 1/ 446-448]
تفسير قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنّ وابتغوا ما كتب اللّه لكم وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود اللّه فلا تقربوها كذلك يبيّن اللّه آياته للنّاس لعلّهم يتّقون (187)}
لفظة أحلّ تقتضي أنه كان محرما قبل ذلك، وليلة نصب على الظرف، وهي اسم جنس فلذلك أفردت، ونحوه قول عامر الرامي الحضرمي المحاربي:
هم المولى وقد جنفوا علينا ....... وإنّا من عداوتهم لزور
والرّفث كناية عن الجماع، لأن الله تعالى كريم يكني، قاله ابن عباس والسدي، وقرأ ابن مسعود «الرفوث»، والرّفث في غير هذا ما فحش من القول، ومنه قول الشاعر: عن اللّغا ورفث التّكلّم.
وقال أبو إسحاق: «الرفث كل ما يأتيه الرجل مع المرأة من قبل ولمس وجماع».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «أو كلام في هذه المعاني»، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من خطاياه كيوم ولدته أمه».
وسبب هذه الآية فيما قال ابن عباس وغيره: «أن جماعة من المسلمين اختانوا أنفسهم وأصابوا النساء بعد النوم، أو بعد صلاة العشاء، على الخلاف، منهم عمر بن الخطاب، جاء إلى امرأته فأرادها، فقالت له: قد نمت، فظن أنها تعتل، فوقع بها ثم تحقق أنها قد كانت نامت، وكان الوطء بعد نوم أحدهما ممنوعا، وقال السدي: جرى له هذا في جارية له، قالوا: فذهب عمر فاعتذر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجرى نحو هذا لكعب بن مالك الأنصاري، فنزل صدر الآية فيهم، فهي ناسخة للحكم المتقرر في منع الوطء بعد النوم»، وحكى النحاس ومكي أن عمر نام ثم وقع بامرأته، وهذا عندي بعيد على عمر رضي الله عنه، وروي أن صرمة بن قيس، ويقال صرمة بن مالك، ويقال أبو أنس قيس بن صرمة، نام قبل الأكل فبقي كذلك دون أكل حتى غشي عليه في نهاره المقبل، فنزل فيه من قوله تعالى: وكلوا واشربوا، واللباس أصله في الثياب ثم شبه التباس الرجل بالمرأة وامتزاجهما وتلازمهما بذلك، كما قال النابغة الجعدي:
إذا ما الضّجيع ثنى جيدها ....... تداعت فكانت عليه لباسا
وقال النابغة أيضا:
لبست أناسا فأفنيتهم ....... وأفنيت بعد أناس أناسا
فشبه خلطته لهم باللباس، نحا هذا المنحى في تفسير اللباس الربيع وغيره، وقال مجاهد والسدي: «لباسٌ: سكن، أي يسكن بعضهم إلى بعض»، وإنما سميت هذه الأفعال اختيانا لعاقبة المعصية وجزائها، فراكبها يخون نفسه ويؤذيها، وفتاب عليكم معناه من المعصية التي واقعتموها، وعفا عنكم يحتمل أن يريد عن المعصية بعينها فيكون ذلك تأكيدا، وتأنيسا بزيادة على التوبة، ويحتمل أن يريد عفا عما كان ألزمكم من اجتناب النساء فيما يؤتنف، بمعنى تركه لكم، كما تقول شيء معفو عنه أي متروك.
قال ابن عباس وغيره: «باشروهنّ كناية عن الجماع، مأخوذ من البشرة»، وقد ذكرنا لفظة «الآن» في ماضي قصة البقرة.
{وابتغوا ما كتب اللّه لكم}:قال ابن عباس ومجاهد والحكم بن عتيبة وعكرمة والحسن والسدي والربيع والضحاك: «معناه ابتغوا الولد». وروي أيضا عن ابن عباس وغيره أن المعنى وابتغوا ليلة القدر، وقيل: المعنى ابتغوا الرخصة والتوسعة، قاله قتادة، وهو قول حسن، وقرأ الحسن فيما روي عنه ومعاوية بن قرة «واتبعوا» من الاتباع، وجوزها ابن عباس، ورجح ابتغوا من الابتغاء.
{وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن}: نزلت بسبب صرمة بن قيس، وحتّى غاية للتبين، ولا يصح أن يقع التبين لأحد ويحرم عليه الأكل إلا وقد مضى لطلوع الفجر قدر، والخيط استعارة وتشبيه لرقة البياض أولا ورقة السواد الحاف به، ومن ذلك قول أبي داود:
فلمّا بصرن به غدوة ....... ولاح من الفجر خيط أنارا
ويروى فنارا، وقال بعض المفسرين: الخيط اللون، وهذا لا يطرد لغة، والمراد فيما قال جميع العلماء بياض النهار وسواد الليل، وهو نص قول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم في حديثه المشهور، ومن الأولى لابتداء الغاية، والثانية للتبعيض، والفجر مأخوذ من تفجر الماء، لأنه يتفجر شيئا بعد شيء، وروي عن سهل بن سعد وغيره من الصحابة أن الآية نزلت إلا قوله: {من الفجر} فصنع بعض الناس خيطين أبيض وأسود، فنزل قوله تعالى: {من الفجر}، وروي أنه كان بين طرفي المدة عام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «من رمضان إلى رمضان، تأخر البيان إلى وقت الحاجة»، وعدي بن حاتم جعل خيطين على وساده وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: «إن وسادك لعريض»، وروي أنه قال له: «إنك لعريض القفا»، ولهذه الألفاظ تأويلان، واختلف في الحد الذي بتبينه يجب الإمساك: فقال الجمهور وبه أخذ الناس ومضت عليه الأمصار والأعصار ووردت به الأحاديث الصحاح: «ذلك الفجر المعترض الآخذ في الأفق يمنة ويسرة، فبطلوع أوله في الأفق يجب الإمساك، وهو مقتضى حديث ابن مسعود وسمرة بن جندب»، وروي عن عثمان بن عفان وحذيفة بن اليمان وابن عباس وطلق بن علي وعطاء بن أبي رباح والأعمش وغيرهم أن الإمساك يجب بتبين الفجر في الطرق وعلى رؤوس الجبال، وذكر عن حذيفة أنه قال: «تسحرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو النهار، إلا أنّ الشمس لم تطلع»، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه صلى الصبح بالناس ثم قال: «الآن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود».
قال الطبري: «ومما قادهم إلى هذا القول أنهم يرون أن الصوم إنما هو في النهار، والنهار عندهم من طلوع الشمس لأن آخره غروبها، فكذلك أوله طلوعها».
وحكى النقاش عن الخليل بن أحمد أن النهار من طلوع الفجر، ويدل على ذلك قول الله تبارك وتعالى: {أقم الصّلاة طرفي النّهار} [هود: 114]، قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «والقول في نفسه صحيح، وقد ذكرت حجته في تفسير قوله تعالى: {واختلاف اللّيل والنّهار} [البقرة: 164، آل عمران: 190، الجاثية: 5]»، وفي الاستدلال بهذه الآية نظر، ومن أكل وهو يشك هل طلع الفجر أم لم يطلع فعليه عند مالك القضاء.
وقوله تعالى: {ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل} أمر يقتضي الوجوب، وإلى غاية، إذا كان ما بعدها من جنس ما قبلها فهو داخل في حكمه، كقولك اشتريت الفدان إلى حاشيته، وإذا كان من غير جنسه كما تقول اشتريت الفدان إلى الدار لم يدخل في المحدود ما بعد إلى، ورأت عائشة رضي الله عنها أن قوله: {إلى اللّيل} يقتضي النهي عن الوصال، وقد واصل النبي صلى الله عليه وسلم ونهى الناس عن الوصال، وقد واصل جماعة من العلماء وقد تقدم أن هذه الآية نسخت الحكم الذي في قوله: {كما كتب على الّذين من قبلكم} [البقرة: 183] على قول من رأى التشبيه في الامتناع من الوطء والأكل بعد النوم في قول بعضهم، وبعد صلاة العشاء في قول بعضهم، والليل الذي يتم به الصيام مغيب قرص الشمس، فمن أفطر وهو شاكّ هل غابت الشمس فالمشهور من المذهب أن عليه القضاء والكفارة.
وفي ثمانية أبي زيد: عليه القضاء فقط قياسا على الشك في الفجر، وهو قول جماعة من العلماء.
وقال إسحاق والحسن: «لا قضاء عليه كالناسي».
وقوله تعالى: {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد}، قالت فرقة: المعنى لا تجامعوهن.
وقال الجمهور: «ذلك يقع على الجماع فما دونه مما يتلذذ به من النساء»، و{عاكفون} ملازمون، يقال عكف على الشيء إذا لازمه مقبلا عليه، قال الراجز:
... ... ... ... ....... عكف النبيط يلعبون الفنزجا
وقال الشاعر:
وظلّ بنات اللّيل حولي عكّفا ....... عكوف البواكي بينهنّ صريع
وقال أبو عمرو وأبو حاتم: قرأ قتادة «عكفون» بغير ألف، والاعتكاف سنة، وقرأ الأعمش «في المسجد» بالإفراد، وقال: «وهو المسجد الحرام».
قال مالك رحمه الله وجماعة معه: «لا اعتكاف إلا في مساجد الجمعات»، وروي عن مالك أيضا أن ذلك في كل مسجد، ويخرج إلى الجمعة كما يخرج إلى ضروري أشغاله.
وقال قوم: لا اعتكاف إلا في أحد المساجد الثلاثة التي تشد المطي إليها حسب الحديث في ذلك.
وقالت فرقة لا اعتكاف إلا في مسجد نبي.
وقال مالك: «لا يعتكف أقل من يوم وليلة، ومن نذر أحدهما لزمه الآخر».
وقال سحنون: «من نذر اعتكاف ليلة لم يلزمه شيء».
وقالت طائفة: أيهما نذر اعتكفه ولم يلزمه أكثر.
وقال مالك: «لا اعتكاف إلا بصوم».
وقال غيره: يعتكف بغير صوم، وروي عن عائشة أنه يعتكف في غير مسجد.
{وتلك}: إشارة إلى هذه الأوامر والنواهي، والحدود: الحواجز بين الإباحة والحظر، ومنه قيل للبواب حداد لأنه يمنع، ومنه الجاد وهي المرأة الممتنعة من الزينة، والآيات: العلامات الهادية إلى الحق، ولعلّهم ترّج في حقهم، وظاهر ذلك عموم ومعناه خصوص فيمن يسره الله للهدى بدلالة الآيات التي تتضمن أن الله يضل من يشاء). [المحرر الوجيز: 1/ 448-457]
تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام لتأكلوا فريقاً من أموال النّاس بالإثم وأنتم تعلمون (188) يسئلونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس والحجّ وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون (189) وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين (190)}
الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى لا يأكل بعضكم مال بعض، فأضيفت الأموال إلى ضمير المنهي لما كان كل واحد منهيا عنه، وكما قال: {تقتلون أنفسكم} [البقرة: 85]، ويدخل في هذه الآية القمار والخداع والغصوب وجحد الحقائق وغير ذلك، ولا يدخل فيه الغبن في البيع مع معرفة البائع بحقيقة ما يبيع لأن الغبن كأنه وهبه.
وقال قوم: المراد بالآية ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل أي في الملاهي والقيان والشراب والبطالة، فتجيء على هذا إضافة المال إلى ضمير المالكين.
وقوله تعالى: {وتدلوا بها} الآية، يقال أدلى الرجل بالحجة أو بالأمر الذي يرجو النجاح به تشبيها بالذي يرسل الدلو في البئر يرجو بها الماء.
قال قوم: معنى الآية تسارعون في الأموال إلى المخاصمة إذا علمتم أن الحجة تقوم لكم، إما بأن لا تكون على الجاحد بينة، أو يكون مال أمانة كاليتيم ونحوه مما يكون القول فيه قوله، فالباء في بها باء السبب، وقيل: معنى الآية ترشوا بها على أكل أكثر منها، فالباء إلزاق مجرد، وهذا القول يترجح لأن الحكام مظنة الرشا إلا من عصم وهو الأقل، وأيضا فإن اللفظتين متناسبتان، تدلوا من أرسل الدلو والرشوة من الرشا، كأنها يمد بها لتقضى الحاجة، وتدلوا في موضع جزم عطفا على تأكلوا، وفي مصحف أبيّ «ولا تدلوا» بتكرار حرف النهي، وهذه القراءة تؤيد جزم تدلوا في قراءة الجماعة، وقيل: تدلوا في موضع نصب على الظرف، وهذا مذهب كوفي أن معنى الظرف هو الناصب، والذي ينصب في مثل هذا عند سيبويه «أن» مضمرة، والفريق: القطعة والجزء، وبالإثم معناه بالظلم والتعدي، وسمي ذلك إثما لما كان الإثم معنى يتعلق بفاعله، وأنتم تعلمون أي إنكم مبطلون آثمون، وهذه مبالغة في المعصية والجرأة).[المحرر الوجيز: 1/ 457-458]