التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({خطوات الشّيطان}, هي الخطى، واحدتها: خطوة، ومعناها: أثر الشيطان). [مجاز القرآن: 1/ 63]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما {خطوات الشيطان} فالواحد: خطوة؛ وهو أثره، ما تتبع أثره وطريقه). [معاني القرآن لقطرب: 343]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({خطوات الشيطان}: قالوا خطاه، وكل معصية فهي من خطوات الشيطان). [غريب القرآن وتفسيره: 86]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان}, أي: لا تتبعوا سبيله, ومسلكه, وهي جمع خطوة, والخطوة: ما بين القدمين - بضم الخاء - , والخطوة: الفعلة الواحدة، بفتح الخاء. واتباعهم خطواته: أنهم كانوا يحرمون أشياء قد أحلها اللّه، ويحلون أشياء حرمها الله). [تفسير غريب القرآن: 68]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{يا أيّها النّاس كلوا ممّا في الأرض حلالا طيّبا ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان إنّه لكم عدوّ مبين}
هذا على ضربين: أحدهما الإباحة لأكل جميع الأشياء إلا ما قد حظر الله عزّ وجلّ من الميتة , وما ذكر معها، فيكون {طيّباً}نعتاً للحلال، ويكون طيباً نعتا لما يستطاب، والأجود أن يكون {طيّباً} من حيث يطيب لكم، أي: لا تأكلوا وتنفقوا مما يحرم عليكم , كقوله عزّ وجلّ: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون}، وقوله عزّ وجلّ: {ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان}: أكثر القراءة خطوات بضم الخاء والطاء، وإن شئت أسكنت الطاء.
{خطوات} لثقل الضمة، وإن شئت خطوات، وهي قراءة شاذة , ولكنها جائزة في العربية قوية، وأنشد الخليل, وسيبويه, وجميع البصريين النحويين:
ولما رأونا باديا ركباتنا ....... على موطن لا نخلط الجدّ بالهزل
ومعنى {خطوات الشيطان}: طرقه، أي: لا تسلكوا الطريق الذي يدعوكم إليه الشيطان). [معاني القرآن: 1/ 241]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({خطوات الشيطان}, أي: سبيله , ومسلكه، وهو جمع خطوة, والخطوة: ما بين القدمين, والخطوة بالفتح: الفعلة الواحدة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({خُطُــــوَاتِ}: طرق المعاصــي). [العمدة في غريب القرآن: 86]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)}
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {يأمركم بالسوء والفحشاء} فالفحشاء عند العرب: الفحش بعينه؛ وقد أفحش الرجل وفحش يفحش). [معاني القرآن لقطرب: 343]
تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أولو كان آباؤهم...}
تنصب هذه الواو؛ لأنها ولو عطفٍ أدخلت عليها ألف الاستفهام، وليست بـ (أو) التي واوها ساكنة؛ لأن الألف من , أو لا يجوز إسقاطها، وألف الاستفهام تسقط؛ فتقول: ولو كان، أو لو كان إذا استفهمت.
وإنما عيّرهم الله بهذا لما قالوا: {بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا} , قال الله تبارك وتعالى: يا محمد قل {أولو كان آباؤهم}, فقال "آباؤهم" لغيبتهم، ولو كانت "آباؤكم" لجاز؛ لأن الأمر بالقول يقع مخاطبا؛ مثل قولك: قل لزيد يقم، وقل له قم, ومثله:{أولو كان الشّيطان يدعوهم}، {أولم يسيروا}.
ومن سكّن الواو من قوله: {أو آباؤنا الأوّلون} في الواقعة , وأشباه ذلك في القرآن، جعلها "أو" التي تثبت الواحد من الاثنين, وهذه الواو في فتحها بمنزلة قوله: {أثمّ إذا ما وقع} دخلت ألف الاستفهام على "ثمّ" , وكذلك :{أفلم يسيروا}). [معاني القرآن: 1/ 98]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ألفينا عليه آباءنا}: أي: وجدنا). [مجاز القرآن: 1/ 63]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً}, الألف ليست ألف الاستفهام, أو الشك، إنما خرجت مخرج الاستفهام تقريراً بغير الاستفهام,{أولو كان آباؤهم لا يعلقون شيئاً}, أي: وإن كان آباؤهم.
{ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع}, إنما الذي ينعق الراعي، ووقع المعنى على المنعوق به وهي الغنم؛ تقول: كالغنم التي لا تسمع التي ينعق بها راعيها؛ والعرب تريد الشيء فتحوّله إلى شيء من سببه، يقولون: أعرض الحوض على الناقة وإنما تعرض الناقة على الحوض، ويقولون: هذا القميص لا يقطعني، ويقولون: أدخلت القلنسوة في رأسي، وإنما أدخلت رأسك في القلنسوة، وكذلك الخفّ، وهذا الجنس؛ وفي القرآن:{ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة}, ما إنّ العصبة لتنوء بالمفاتح: أي: تثقلها, والنعيق: الصياح بها، قال الأخطل:
انعق بضأنك يا جرير فإنما ....... منّتك نفسك في الخلاء ضلالا ). [مجاز القرآن: 1/ 63-64]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {ألفينا عليه آباءنا} إلفاءً؛ أي وجدناهم عليه، إلفاءً). [معاني القرآن لقطرب: 343] قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): (في التفسير {ألفينا}: وجدنا). [غريب القرآن وتفسيره: 86]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا}, أي: وجدنا عليه آباءنا). [تفسير غريب القرآن: 68]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل اللّه قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون}
معنى: {ألفينا}: صادفنا، فعنّفهم اللّه , وعاب عليهم تقليدهم آباءهم.
فقال: {أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون}
المعنى: أيتبعون آباءهم , وإن كانوا جهالاً, وهذه الواو مفتوحة ؛ لأنها واو عطف، دخلت عليها ألف التوبيخ، وهي ألف الاستفهام , فبقيت الواو مفتوحة على ما يجب لها). [معاني القرآن: 1/ 242]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ألفينا عليه آباءنا},أي: وجدنا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَلْفَيْنَـــا}: وجدنـــا). [العمدة في غريب القرآن: 86]
تفسير قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق...}
أضاف المثل إلى الذين كفروا، ثم شبّههم بالراعي,ولم يقل: كالغنم, والمعنى - والله أعلم - : مثل الذين كفرواكمثل البهائم التي لا تفقه ما يقول الراعي أكثر من الصوت، فلو قال لها: ارعي أو اشربي، لم تدر ما يقول لها, فكذلك مثل الذين كفروا فيما يأتيهم من القرآن , وإنذار الرسول, فأضيف التشبيه إلى الراعي، والمعنى - والله أعلم - في المرعي, وهو ظاهر في كلام العرب أن يقولوا: فلان يخافك كخوف الأسد، والمعنى: كخوفه الأسد؛ لأن الأسد هو المعروف بأنه المخوف, وقال الشاعر:
لقد خفت حتى ما تزيد مخافتي ....... على وعلٍ في ذى المطارة عاقل
والمعنى: حتى ما تزيد مخافة , وعلٍ على مخافتي,وقال الآخر:
كانت فريضة ما تقول كما ....... كان الزناء فريضة الرّجم
والمعنى: كما كان الرجم فريضة الزناء, فيتهاون الشاعر بوضع الكلمة على صحّتها ؛ لإتّضاح المعنى عند العرب, وأنشدني بعضهم:
إن سراجا لكريم مفخره ....... تحلى به العين إذا ما تجهره
والعين: لا تحلى به، إنما يحلى هو بها.
وفيها معنىً آخر: تضيف المثل إلى الذين كفروا, وإضافته في المعنى إلى الوعظ؛ كقولك : مثل وعظ الذين كفروا , وواعظهم كمثل الناعق؛ كما تقول: إذا لقيت فلاناً, فسلّم عليه تسليم الأمير, وإنما تريد به: كما تسلّم على الأمير,وقال الشاعر:
فلست مسلّما ما دمت حيّاً ....... على زيدٍ بتسليم الأمير
وكلٌّ صواب). [معاني القرآن: 1/ 99-100]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون...}
رفع؛ وهو وجه الكلام؛ لأنه مستأنف خبرٍ، يدلّ عليه قوله: {فهم لا يعقلون} كما تقول في الكلام: هو أصمّ فلا يسمع، وهو أخرس فلا يتكلّم, ولو نصب على الشتمّ مثل الحروف في أوّل سورة البقرة في قراءة عبد الله:{وتركهم في ظلماتٍ لا يبصرون صمّاً بكماً عمي}لجاز). [معاني القرآن: 1/ 100]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {كمثل الذي ينعق} أي يصوت {بما لا يسمع} أي لا يعقل؛ وهي الشاة والبعير والبقرة تسمع الصوت ولا تفهمه؛ وقالوا في الفعل: نعق ينعق،
[معاني القرآن لقطرب: 343]
ونعق ينعق، نعيقًا ونعاقا ونعقانا؛ وهو الصياح بضرب من التصويب بالشاء، فهو النعيق والنعاق والنعقان.
وقالوا المعنى: كالذي ينعق، والذي ينعق وهو الراعي، والمعنى: على المنعوق به؛ فقال: ناعق؛ أي كالغنم التي لا تسمع بنعق راعيها.
وقال الشاعر:
انعق بضأنك يا جرير فإنما = منتك نفسك في الخلاء ضلالا
وقال الآخر:
فإن كنت قد سوقت معزى حبلق = أبا مالك فانعق إليك بشائكا). [معاني القرآن لقطرب: 344]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({كمثل الذي ينعق}: يصوت للغنم، كالراعي. شبه النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه من لا يتفهم عنه بالراعي يصوت للغنم). [غريب القرآن وتفسيره: 86]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلّا دعاءً}, أراد: مثل الذين كفروا ومثلنا في وعظهم, فحذف «ومثلنا» اختصاراً, إذ كان في الكلام ما يدل عليه، على ما بينت في «تأويل المشكل».
{كمثل الّذي ينعق}, وهو: الراعي، يقال: نعق بالغنم ينعق بها إذا صاح بها.
{بما لا يسمع} , يعني: الغنم.
{إلّا دعاءً ونداءً}حسب، ولا يفهم قولاً). [تفسير غريب القرآن: 68-69]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلّا دعاء ونداء صمّ بكم عمي فهم لا يعقلون}
وضرب اللّه عزّ وجلّ لهم هذا المثل، وشبههم بالغنم المنعوق بها بما لا يسمع منه إلا الصوت، فالمعنى: مثلك يا محمد، ومثلهم كمثل الناعق والمنعوق به، بما لا يسمع، لأن سمعهم ما كان ينفعهم، فكانوا في شركهم ,وعدم قبول ما يسمعون بمنزلة من لم يسمع، والعرب تقول لمن يسمع , ولا يعمل بما يسمع: أصم.
قال الشاعر:
....... أصمّ عمّا ساءه سميع
وقوله عزّ وجلّ :{صمّ بكم عمي}
وصفهم بالبكم , وهو الخرس، وبالعمى؛ لأنهم في تركهم ما يبصرون من الهداية بمنزلة العمي, وقد شرحنا هذا في أول السورة شرحا كافيا إن شاء اللّه). [معاني القرآن: 1/ 242]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ومثل الذين كفروا.. }الآية, أراد: ومثل الذين كفروا , ومثلنا في وعظهم كمثل الراعي الذي ينعق بما لا يسمع، وهي الغنم, وفي الكلام حذف, واختصار معجز). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لاَ يَعْقِلُونَ}: لا يميزون, {يَنْعِقُ}: يصيح بالغنم). [العمدة في غريب القرآن: 86]
تفسير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)}
[لا يوجد]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير...}
نصب لوقوع "حرّم" عليها, وذلك أن قولك "إنّما" على وجهين:-
أحدهم: ا أن تجعل "إنّما" حرفا واحدا، ثم تعمل الأفعال التي تكون بعدها في الأسماء، فإن كانت رافعة رفعت، وإن كانت ناصبة نصبت؛ فقلت: إنما دخلت دارك، وإنما أعجبتني دارك، وإنّما مالي مالك, فهذا حرف واحد.
وأمّا الوجه الآخر: فأن بجعل "ما" منفصلة من (إنّ) , فيكون "ما" على معنى الذي، فإذا كانت كذلك وصلتها بما يوصل به الذي، ثم يرفع الاسم الذي يأتي بعد الصلة؛ كقولك إنّ ما أخذت مالك، إن ما ركبت دابّتك, تريد: إن الذي ركبت دابتك، وإن الذي أخذت مالك, فأجرهما على هذا.
وهو في التنزيل في غير ما موضع؛ من ذلك قوله تبارك وتعالى: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ}، {إنّما أنت نذيرٌ} فهذه حرف واحد، هي وإنّ، لأن "الذي" لا تحسن في موضع "ما".
وأمّا التي في مذهب (الذي) فقوله: {إنّما صنعوا كيد ساحرٍ}, معناه: إن الذي صنعوا كيد ساحرٍ, ولو قرأ قارئ:{إنما صنعوا كيد ساحر}, نصباً, كان صواباً إذا جعل إنّ وما حرفاً واحداً, وقوله: {إنّما اتّخذتم من دون اللّه أوثاناً مودّة بينكم} قد نصب المودّة قوم، ورفعها آخرون على الوجهين اللذين فسّرت لك, وفي قراءة عبد الله:{إنما مودّة بينكم في الحياة الدنيا}, فهذه حجّة لمن رفع المودّة؛ لأنها مستأنفة لم يوقع الاتّخاذ عليها، فهو بمنزلة قولك: إن الذي صنعتموه ليس بنافع، مودّة بينكم ثم تنقطع ببعد , فإن شئت رفعت المودّة بـ "بين"؛ وإن شئت أضمرت لها اسماً قبلها يرفعها؛ كقوله :{سورةٌ أنزلناها}, وكقوله: {لم يلبثوا إلاّ ساعةً من نهارٍ بلاغٌ فهل يهلك}.
فإذا رأيت "إنّما" في آخرها اسم من الناس, وأشباههم ممّا يقع عليه "من" فلا تجعلنّ "ما" فيه على جهة (الذي)؛ لأن العرب لا تكاد تجعل "ما" للناس. من ذلك: إنّما ضربت أخاك، ولا تقل: أخوك؛ لأن "ما" لا تكون للناس.
فإذا كان الاسم بعد "إنّما" وصلتها من غير الناس جاز فيه لك الوجهان؛ فقلت: إنّما سكنت دارك., وإن شئت: دارك, وقد تجعل العرب "ما" في بعض الكلام للناس، وليس بالكثير.
وفي قراءة عبد الله: {والنّهار إذا تجلّى والذّكر والأنثى}, وفي قراءتنا: {وما خلق الذّكر والأنثى}, فمن جعل {ما خلق} للذكر والأنثى , جاز أن يخفض "الذكر والأنثى", كأنه قال : والذي خلق الذكر والأنثى., ومن نصب "الذكر" جعل "ما" و"خلق" كقوله: وخلقه الذكر والأنثى، يوقع خلق عليه, والخفض فيه على قراءة عبد الله حسن، والنصب أكثر.
ولو رفعت {إنّما حرّم عليكم الميتة}, كان وجهاً,
وقد قرأ بعضهم: {إنما حرّم عليكم المّيتة}, ولا يجوز هاهنا إلا رفع الميتة , والدم؛ لأنك إن جعلت "إنّما"حرفا واحدا رفعت الميتة والدم؛ لأنه فعل لم يسمّ فاعله، وإن جعلت "ما" على جهة (الذي) رفعت الميتة والدم؛ لأنه خبر لـ"ما"). [معاني القرآن: 1/ 100-102]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وما أهلّ به لغير اللّه...}
الإهلال: ما نودي به لغير الله على الذباح , وقوله: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ}, غير في هذا الموضع حال للمضطرّ؛ كأنك قلت: فمن اضطرّ , لا باغياً, ولا عادياً, فهو له حلال, والنصب ها هنا بمنزلة قوله: {أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلاّ ما يتلى عليكم غير محلّي الصّيد}, ومثله : {إلاّ أن يؤذن لكم إلى طعامٍ غير ناظرين إناه} , و"غير" ها هنا لا تصلح , "لا" في موضعها؛ لأنّ "لا" تصلح في موضع غير. وإذا رأيت "غير" يصلح "لا" في موضعها , فهي مخالفة "لغير" التي لا تصلح "لا" في موضعها.
ولا تحلّ الميتة للمضطرّ إذا عدا على الناس بسيفه، أو كان في سبيل من سبل المعاصي, ويقال: إنه لا ينبغي لآكلها أن يشبع منها، ولا أن يتزوّد منها شيئاً, إنما رخّص له فيما يمسك نفسه). [معاني القرآن: 1/ 103]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وما أهلّ به},أي: وما أريد به، وله مجاز آخر، أي: ما ذكر عليه من أسماء آلهتهم، ولم يرد به الله عز وجل, جاء في الحديث: أرأيت من لا شرب , ولا أكل , ولا صاح , فاستهلّ : أليس مثل ذلك يطل؟.
{غير باغٍ ولا عادٍ}, أي: لا يبغي , فيأكله غير مضطر إليه، ولا عادٍ شبعه). [مجاز القرآن: 1/64]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير اللّه فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه إنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ}
قال: {إنّما حرّم عليكم الميتة} , وإنما هي "الميّتة" خففت , وكذلك قوله: {بلدةً ميتاً} , يريد به "ميّتا" , ولكن يخففون الياء كما يقولون في "هيّن" , و"ليّن": هين" و"لين" خفيفة, قال الشاعر:
ليس من مات فاستراح بميتٍ = إنّما الميت ميّت الأحياء
فثقل وخفف في معنى واحد, فأما {الميتة}, فهي الموت). [معاني القرآن: 1/ 122]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة أبي جعفر وشيبة {حرم عليكم الميتة} يثقل.
[معاني القرآن لقطرب: 260]
قراءة نافع {الميتة} يخفف كل ما في القرآن، وهما يثقلان كل ما في القرآن.
أبو عمرو وعاصم {فمن اضطر} يكسر النون.
شيبة ونافع والأعمش {فمن اضطر} يرفع نون "منط.
ولغة عكل {فمن اضطر} بكسر الطاء في كل مضاعف لم يسم فاعله؛ وكذلك يقولون: قد صد، ورد؛ كأنهم توهموا اضطرر، ثم ألقوا حركة الراء الأولى على الطاء.
والذين قالوا: {اضطر}، تركوها على ضمتها في الأصل، إذا قلت: اضطر فضاعفت، وليس هذا موضع تضعيف؛ وكأن الضمة أقيس وأحسن عندنا؛ وكذلك صد ورد على الضمة في الأصل؛ لأن الأصل ردد وصدد، فأظهرت الأصل وإن كان لا يتكلم به، ولكنه تمثيل لتعرفه). [معاني القرآن لقطرب: 261]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {غير باغ ولا عاد} فيكون عاد فاعلاً من: عدا عليه، يعدوا عدوا وعدوا). [معاني القرآن لقطرب: 345]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {وما أهل به لغير الله} فإنهم يقولون: أهل إهلالاً؛ إذا لم يكن على لا إله إلا الله، على التوحيد؛ وقال: أهل بالحج، إذا أظهره؛ وفي الحديث: "أرأيت من لا شرب ولا أكل، ولا صاح ولا استهل" في الجنين.
قال ابن أحمر:
يهل بالفرقد ركبانها = كما يهل الراكب المعتمر
وقالوا: أهل الصبي إهلالاً: صاح؛ فيكون "ولا صاح فاستهل" من ذلك؛ ويقال: أهل زيد: طلع؛ وأهللت الهلال أيضًا أنا، وأهل هو، واستهللته أيضًا: رأيته؛ وقالوا أيضًا: قد أهللت البرق من هذه الناحية؛ أي رأيته). [معاني القرآن لقطرب: 346]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أهل به}: أريد به.
{غير باغ ولا عاد}: لا يبغي فيأكله غير مضطر إليه ولا عاد شبعه). [غريب القرآن وتفسيره: 87]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فمن اضطرّ غير باغٍ}, أي: غير باغ على المسلمين، مفارق لجماعتهم، ولا عاد عليهم بسيفه, ويقال: غير عاد في الأكل حتى يشبع , ويتزوّد.
{وما أهلّ به لغير اللّه},أي: ما ذبح لغير اللّه, وإنما قيل ذلك: لأنه يذكر عند ذبحه غير اسم اللّه، فيظهر ذلك، أو يرفع الصوت به, وإهلال الحج منه، إنما هو إيجابه بالتّلبية, واستهلال الصبيّ منه إذا ولد، أي: صوته بالبكاء). [تفسير غريب القرآن: 69]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير اللّه فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إنّ اللّه غفور رحيم}
النّصب في {الميتة}, وما عطف عليها هو القراءة، ونصبه لأنه مفعول به، دخلت " ما " تمنع إنّ من العمل، ويليها الفعل، وقد شرحنا دخول ما مع إن، ويجوز : إنما حرم عليكم الميتة، والذي أختاره أن يكون ما تمنع أن من العمل، ويكون المعنى : ما حرم عليكم إلا الميتة، والدم , ولحم الخنزير؛ لأن " إنما " تأتي إثباتاً لما يذكر بعدها لما سواه.
قال الشاعر:
أنا الزائد الحامي الذمار وإنما ....... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
المعنى: ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا أو مثلي، فالاختيار ما عليه جماعة القراء ؛ لإتباع السنة، وصحته في المعنى..
ومعنى {ما أهلّ به لغير الله} أي: ما رفع فيه الصوت بتسمية غير الله عليه , وهذا موجود في اللغة, ومنه الإهلال بالحج , إنما هو رفع الصوت بالتلبية.
والميتة: أصلها الميّتة، فحذقت الياء الثانية استخفافاً, لثقل الياءين , والكسرة , والأجود في القراءة الميتة بالتخفيف.
وكذلك في قوله: {أومن كان ميتاً فأحييناه} أصله: أو من كان ميّتا بالتشديد، وتفسير الحذف, والتخفيف فيه كتفسيره في الميتة.
وقوله عزّ وجلّ: {فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد}
في تفسيرها ’ ومعناها ثلاثة أوجه:
1- قال بعضهم: {فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد}, أي : فمن اضطر جائعاً غير باغ - غير آكلها تلذذا - ولا عاد, ولا مجاوز ما يدفع عن نفسه الجوع، فلا إثم عليه.
2- وقالوا: {غير باغ}: غير مجاوز قدر حاجته , وغير مقصر عما يقيم به حياته،
3- وقالوا: أيضا: معنى غير باغ على إمام, وغير متعد على أمته.
ومعنى البغي في اللغة: قصد الفساد، يقال: بغى الجرح يبغي بغياً, إذا ترامى إلى فساد، هذا إجماع أهل اللغة, ويقال: بغى الرجل حاجته يبغيها بغاء., والعرب تقول خرج في بغاء إبله , قال الشاعر:
لا يمنعنك من بغاء الخير تعقاد التمائم= إنّ الأشائم كالأيامن والأيامن كالأشائم
ويقال: بغت المرأة تبغي بغاء إذا فجرت, قال اللّه عزّ وجلّ: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصّناً}أي: على الفجور .
ويقال: ابتغى لفلان أن يفعل كذا, أي: صلح له أن يفعل كذا, وكأنه قال: طلب فعل كذا , فانطلب له، أي: طاوعه، ولكن اجتزئ , بقولهم ابتغى،
والبغايا في اللغة شيئان:
1- البغايا الفواجر.
2- والبغايا الإماء، قال الأعشى:
والبغايا يركضن أكسية الأ ....... ضريج والشرعبيّ ذا الأذيال
ونصب {غير باغ} على الحال). [معاني القرآن: 1/ 244]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({وما أهل به لغير الله} أي: ما ذبح لغير الله تبارك وتعالى). [ياقوتة الصراط: 179]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({غير باغ}, أي: على المسلمين، مفارق للجماعة، {ولا عاد} عليهم بسيفه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أُهِلَّ بِهِ}: أريد به, {بَاغٍ}: يأكل من غير مجاعة, {عَادٍ}: يشبع منها). [العمدة في غريب القرآن: 87]