التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا استعينوا بالصّبر والصّلاة إنّ اللّه مع الصّابرين (153)}
{يا أيّها} نداء مفرد مبهم , و {الذين} في موضع رفع صفة لـ{أيّها}, هذا مذهب الخليل, وسيبويه.
وأما مذهب الأخفش, فالذين صلة لأي , وموضع الذين رفع بإضمار الذكر العائد على أي , كأنّه على مذهب الأخفش بمنزلة قولك: يا من الذين، أي: يا من هم الذين.
و " ها " لازمة لأي عوض عما حذف منها للإضافة، وزيادة في التنبيه.
وأي في غير النداء لا يكون فيها " هاء " , ويحذف معها الذكر العائد عليها، تقول أضرب أيّهم أفضل، وأيّهم هو أفضل, تري:د الذي هو أفضل .
وأجاز المازني أن تكون صفة , أي: نصباً, فأجاز: يا أيها الرجل أقبل، وهذه الإجازة غير معروفة في كلام العرب،
ولم يجز أحد من النحويين هذا المذهب قبله، ولا تابعة عليه أحد بعده , فهذا مطروح مرذول لمخالفته كلام العرب, والقرآن, وسائر الأخبار.
ومعنى {استعينوا بالصبر والصلاة} أي: بالثبات على ما أنتم عليه, وإن نالكم فيه مكروه في العاجل، فإن الله مع الصابرين.
وتأويل إن اللّه معهم أي يظهر دينه على سائر الأديان.
لأن من كان الله معه , فهو الغالب, كما قال عزّ وجلّ: {فإنّ حزب اللّه هم الغالبون}.
ومعنى: استعينوا بالصلاة، أي: أنكم إذا صليتم , تلوتم في صلاتكم ما تعرفون به فضل ما أنتم عليه, فكان ذلك لكم عوناً). [معاني القرآن: 1/ 229]
تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أمواتٌ...}: رفع بإضمار مكني من أسمائهم؛ كقولك: لا تقولوا: هم أموات بل هم أحياء, ولا يجوز في الأموات النصب؛ لأن القول لا يقع على الأسماء إذا أضمرت وصوفها , أو أظهرت؛ كما لا يجوز قلت عبد الله قائما، فكذلك لا يجوز نصب الأموات؛ لأنك مضمر لأسمائهم، إنما يجوز النصب فيما قبله القول إذا كان الاسم في معنى قولٍ؛ من ذلك: قلت خيراً , وقلت شرّاً, فترى الخير والشرّ منصوبين؛ لأنهما قول، فكأنك قلت: قلت كلاما حسنا أو قبيحا. وتقول: قلت لك خيرا، وقلت لك خير، فيجوز، إن جعلت الخير قولا نصبته كأنك قلت: قلت لك كلاماً, فإذا رفعته فليس بالقول، إنما هو بمنزلة قولك: قلت لك مال, فابن على ذا ما ورد عليك؛ من المرفوع قوله: {سيقولون ثلاثةٌ رابعهم كلبهم} , و"خمسةٌ" و"سبعةٌ"، لا يكون نصباً؛ لأنه إخبار عنهم فيه أسماء مضمرة؛ كقولك: هم ثلاثة، وهم خمسة,
وأمّا قوله تبارك وتعالى :{ويقولون طاعةٌ}, فإنه رفع على غير هذا المذهب, وذلك أن العرب كانوا يقال لهم: لا بدّ لكم من الغزو في الشتاء والصيف، فيقولون: سمع وطاعة؛ معناه: منّا السمع والطاعة، فجرى الكلام على الرفع, ولو نصب على: نسمع سمعاً, ونطيع طاعة كان صواباً.
وكذلك قوله تبارك وتعالى في سورة محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم: {فأولى لهم طاعةٌ وقولٌ معروف}, عيّرهم , وتهدّدهم بقوله: "فأولى لهم"، ثم ذكر ما يقولون فقال: يقولون إذا أمروا "طاعة", "فإذا عزم الأمر" نكلوا وكذبوا فلم يفعلوا, فقال الله تبارك وتعالى: {فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم}، وربما قال بعضهم: إنما رفعت الطاعة بقوله: لهم طاعة، وليس ذلك بشيء, والله أعلم,ويقال أيضاً: "وذكر فيها القتال" و"طاعة" فأضمر الواو، وليس ذلك عندنا من مذاهب العرب، فإن يك موافقاً للتفسير , فهو صواب). [معاني القرآن: 1/ 93-94]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أمواتٌ بل أحياءٌ ولكن لاّ تشعرون}, قال: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أمواتٌ} على: ولا تقولوا هم أمواتٌ, وقال: {ولا تحسبنّ الّذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتاً} نصب على "تحسب"، ثم قال: {بل أحياءٌ}, أي: بل هم أحياءٌ, ولا يكون أن تجعله على الفعل؛ لأنه لو قال: "بل احسبوهم أحياء" ,كان قد أمرهم بالشك). [معاني القرآن: 1/ 120]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون (154)}: بإضمار مكنيهم، أي: لا تقولوا هم أموات، فنهاهم اللّه أن يسمّوا من قتل في سبيل الله ميتاً, وأمرهم بأن يسموهم شهداء فقال:{بل أحياء عند ربّهم يرزقون}, فأعلمنا أن من قتل في سبيل اللّه حي.
فإن قال قائل: فما بالنا نرى جثة غير متصرفة؟, فإن دليل ذلك : مثل ما يراه الإنسان في منامه، وجثته غير متصرفة على قدر ما يرى ,واللّه عزّ وجلّ قد توفى نفسه في نومه , فقال تعالى:
{اللّه يتوفّى الأنفس حين موتها والّتي لم تمت في منامها}, وينتبه المنتبه من نومه , فيدركه الانتباه , وهو في بقية من ذلك، فهذا دليل أن أرواح الشهداء جائز أن تفارق أجسامهم، وهم عند اللّه أحياء، فالأمر فيمن قتل في سبيل الله لا يجب أن يقال له : ميت , لكن يقال له: شهيد , وهو عند الله حي.
وقد قيل فيها قول غير هذا , وهذا القول الذي ذكرته آنفا هو الذي أختاره, قالوا : معنى الأموات , أي: لا تقولوا هم أموات في دينهم، بل قولوا : إنهم أحياء في دينهم.
وقال أصحاب هذا القول: دليلنا والله أعلم - قوله: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارج منها}, فجعل المهتدي حياً, وانّه حين كان على الضلالة كان ميتا، والقول الأول أشبه بالدين, وألصق بالتفسير.
قوله عزّ وجلّ: {ولنبلونكم بشي من الخوف والجوع}
اختلف النحويون في فتح هذه الواوي:
فقال سيبويه: إنها مفتوحة لالتقاء السّاكنين.
وقالّ غيره من أصحابه: أنها مبنية على الفتح، وقد قال سيبويه في لام يفعل؛ لأنها مع ذلك قد تبنى على الفتحة، فالذين قالوا من أصحابه إنها مبنية على الفتح غير خارجين من قول له,وكلا القولين جائز). [معاني القرآن: 1/ 229-230]
تفسير قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولنبلونّكم بشيءٍ مّن الخوف والجوع ونقصٍ مّن الأموال والأنفس والثّمرات...}
ولم يقل (بأشياء) لاختلافها, وذلك أن من تدلّ على أن لكل صنفٍ منها شيئا مضمراً, بشيء من الخوف وشيء من كذا، ولو كان بأشياء , لكان صواباً). [معاني القرآن: 1/ 94]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثّمرات وبشّر الصّابرين (155)}
ولم يقل بأشياء، فإنما جاء على الاختصار، والمعنى يدل على أنّه , وشيء من الخوف , وشيء من الجوع , وشيء من نقص الأموال والأنفس، وإنما جعل الله هذا لابتلاء ؛ لأنه أدعى لمن جاء بعد الصحابة , ومن كان في عصر صلى الله عليه وسلم إلى أتباعهم ؛ لأنهم يعلمون أنه لا يصبر على هذه الأشياء إلا من قد وضح له الحق , وبان له البرهان، -واللّه عزّ وجلّ يعطيهم ما ينالهم من المصائب في العاجل والآجل، وما هو أهم نفعاً لهم , فجمع بهذا الدلالة على البصيرة , وجوز الثواب للصابرين على ذلك الابتلاء , فقال عزّ وجلّ:
{وبشّر الصّابرين}: بالصلاة عليهم من ربّهم , والرحمة, وبأنهم المهتدون). [معاني القرآن: 1/ 231]
تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {قالوا إنّا للّه...}
لم تكسر العرب (إنا) إلا في هذا الموضع مع اللام في التوجّع خاصّة, فإذا لم يقولوا (للّه) فتحوا , فقالوا: إنا لزيد محبّون، وإنا لربّنا حامدون عابدون, وإنما كسرت في {إنّا للّه}؛ لأنها استعملت فصارت كالحرف الواحد، فأشير إلى النون بالكسر لكسرة اللام التي في "للّه"؛ كما قالوا: هالك وكافر، كسرت الكاف من كافر لكسرة الألف؛ لأنه حرف واحد، فصارت "إنا للّه" كالحرف الواحد ؛ لكثرة استعمالهم إياها، كما قالوا: الحمد للّه). [معاني القرآن: 1/ 94-95]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (فقال عزّ وجلّ: {الّذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا للّه وإنّا إليه راجعون}, أي: نحن وأموالنا للّه , ونحن عبيده يصنع بنا ما شاء، وفي ذلك صلاح لنا وخير.
{وإنّا إليه راجعون} أي: نحن مصدقون بأنا نبعث , ونعطي الثواب على تصديقنا، والصبر على ما ابتلانا به). [معاني القرآن: 1/ 231]
تفسير قوله تعالى:{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({عليهم صلوات من ربهم}أي: ترحم).[غريب القرآن وتفسيره: 84]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أولئك عليهم صلواتٌ من ربّهم} أي : مغفرة, والصلاة تتصرف على وجوه قد بينتها في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 66]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}
والصلاة في اللغة على ضربين:
1- أحدهما الركوع , والسجود،
2- والآخر: الرحمة ,والثناء , والدعاء,
فصلاة الناس على الميت إنما معناها: الدعاء , والثناء على الله صلاة،
والصلاة من اللّه عزّ وجلّ على أنبيائه, وعباده, معناها: الرحمة لهم، والثناء عليهم، وصلاتنا الركوع , والسجود كما وصفنا, والدعاء صلاة, قال الأعشى:
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي= نوماً فإن لجنب المرء مضطجعا
ويروى مثل الذي صليت، فمن قال عليك مثل الذي صليت، فمعناه: أنه يأمرها بأن تدعو له مثل الذي دعا لها, أي: تعيد الدعاء له, ومن روى عليك مثل الذي صليت؛ فهو رد عليها.
كأنه قال عليك مثل دعائك، أن ينالك من الخير مثل الذي أردت لي بهذه , ودعوت به لي.
وقال الشاعر:
صلى على يحيى وأشياعه ....... ربّ كريم وشفيع مطاع
المعنى: عليه الرحمة من اللّه , والثناء الجميل.
وأصل هذا كله عندي من اللزوم, يقال: صلي, وأصلى, واصطلى، إذا لزم, ومن هذا ما يصلى في النار، أي أنه يلزم.
وقال أهل اللغة في الصلاة: هي من الصّلوين، وهما مكتنفاًذنب الناقة, وأول موصل الفخذ من الإنسان، وكأنهما في الحقيقة مكتنف العصعص, والأصل عندي القول الأول.
ألا ترى أن الاسم للصيام هو: الإمساك عن الطعام والشراب،
وأصل الصيام: الثبوت على الإمساك عن الطعام،
وكذلك الصلاة: إنما هي لزوم ما فرض اللّه، والصلاة من أعظم الفرض الذي أمر بلزومه,
وأما المصلي الذي يأتي في أثر السابق من الخيل , فهو مسمى من الصلوين لا محالة، وهما مكتنفاذنب الفرس، فكأنة يأتي مع ذلك المكان.
قال الشاعر في الصيام الذي هو ثبوت على القيام:
خيل صيام وخيل غير صائمة ....... تحت العجاج وخيل تعلك اللجما
وقوله تعالى: {وإنّا إليه راجعون}
الأكثرون في قوله:{إنّا للّه}, تفخيم الألف ولزوم الفتح, وقد قيل: وهو كثير في كلام العرب: إنّ اللّه بإمالة الألف إلى الكسر، وكان ذلك في هذا الحرف بكثرة الاستعمال، وزعم بعض النحويين أن النون كسرت، ولم يفهم ما قاله القوم, إنما الألف ممالة إلى الكسرة.
وزعم أن هذا مثل قولهم:" الحمد لله "، فهذا صواب , أعني : قولهم (إنّا للّه) بالكسر , وقولهم " الحمد لله من أعظم الخطأ، فكيف يكون ما هو صواب بإجماع كالخطأ). [معاني القرآن: 1/ 232-233]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({صلوات} أي: مغفرة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 34]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({صَلَــــوَاتٌ}: رحمـــة). [العمدة في غريب القرآن: 85]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما...}
كان المسلمون قد كرهوا الطواف بين الصفا والمروة؛ لصنمين كانا عليهما، فكرهوا أن يكون ذلك تعظيماً للصنمين، فأنزل الله تبارك وتعالى: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما} , وقد قرأها بعضهم :{ألاّ يطّوف}, وهذا يكون على وجهين؛
أحدهما أن تجعل "لا" مع "أن" صلة على معنى الإلغاء؛ كما قال: {ما منعك ألاّ تسجد إذ أمرتك} , والمعنى: ما منعك أن تسجد,
والوجه الآخر أن تجعل الطواف بينهما يرخّص في تركه, والأوّل المعمول به). [معاني القرآن: 1/ 95]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن تطوّع خيراً...}
تنصب على جهة فعل, وأصحاب عبد الله وحمزة :{ومن يطّوّع}؛ لأنها في مصحف عبد الله:{يتطوع}). [معاني القرآن: 1/ 95]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({شعائر الله}: واحدتها شعيرة، وهي في هذا الموضع: ما أشعر لموقفٍ, أو مشعرٍ, أو منحرٍ , أي: أعلم لذاك, وفي موضع آخر: الهدى، إذا أشعرها، وهو أن يقلّدها، أو يحللّها, فأعلم أنها هدىٌ، والأصل: أن يشعرها بحديدة في سنامها من جانبها الأيمن: يطعنها حتى يخرج الدم). [مجاز القرآن: 1/ 62]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما ومن تطوّع خيراً فإنّ اللّه شاكرٌ عليمٌ}
قال: {فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما}, "إطّوّف" , "يطّوّف"؛ وهي من "تطوّف", فأدغم التاء في الطاء، فلما سكنت جعل قبلها ألفاً حتى يقدر على الابتداء بها, وإنما قال:{لا جناح عليه}؛ لأن ذلك كان مكروهاً في الجاهلية في الجاهلية, فأخبر أنه ليس بمكروه عنده). [معاني القرآن: 1/120]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {إن الصفا والمروة من شعائر الله} الواحد عند العرب: شعيرة؛ وهي قليلة؛ وقالوا: مشعر ومشعر ومشعر ثلاث لغات؛ وهو من قول العرب: أشعرت أشعرت الناقة إذا أوجأت في كتفيها شعارًا؛ فكأن معنى المشعر منه، وهو الأعلام فيها.
وكان الحسن يقول: شعائر الله: دين الله؛ وكان ابن عباس يقول: شعائر الله: الطواف والبدن والصفا والمروة، وسائر المناسك.
[وزاد محمد بن صالح]:
والشعر من ذلك اللفظ، وما شعرت من مشاعر؛ وحكي: شعار وشعار في الثوب؛ وشعار القوم بينهم.
[معاني القرآن لقطرب: 340]
وأما قوله {فمن حج البيت أو اعتمر} فإنهم يقولون: فلان محجوج مشفوه؛ أي يؤتي ويسأل بالشفة؛ فكأن الحج إلى البيت من ذلك، من حججنا الرجل، وحجه الناس؛ أي أتوه؛ والحج حجازية، والحج تميمية.
وما كلمته بينت شفة؛ أي بكلمة، فأضافها إلى الشفة لمخرجها منها، ويقال: لك في الناس شفة صالحة؛ أي ثناء حسن.
[وزاد محمد بن صالح]:
صيرانه فوضى بكل برح
يحججن بالقيظ خفاف الردح
حج النصارى العيد يوم الفصح
أي يزرن.
وقد يكون الحج في معنى آخر: وهو أن الحج الحلق أيضًا، يقال: احجج شجتك؛ وهو أن يقطع الشعر من نواحي الشجة فتقاس الشجة؛ وربما حلق ما حول الشجة ليدخل المقدح في الشجة، فتخرج العظام قليلاً قليلاً، ويقال: حججتها أحجها حجا.
قال أبو ذؤيب:
وصب عليها الطيب حتى كأنها = أسي على أم الدماغ حجيج
[معاني القرآن لقطرب: 341]
قال: هي حجيج، فيما يغلب علي من سماعي، فيكون المعنى في حج فلان أي حلق؛ والله أعلم.
ومن لفظ الحجة حاجته محاجة.
وأما العمرة: فهي في كلام عبد القيس: المسجد والبيعة والكنيسة، كلها عندهم عمر؛ والمعتمر أيضًا: المعتم، والمعتمر أيضًا: الزائر.
قالت الدعجاء بنت وهب الباهلية، وقد يروى لأعشى باهلة:
فجاشت النفس لما جاء جمعهم = راكب جاء من تثليث معتمر
والفلك: السفينة، والجميع أيضًا فلك، وقالوا: أيضًا: هي الفلك والفلك؛ وهو الفلك أيضًا بالتذكير.
[معاني القرآن لقطرب: 342]
وأما الفلك من قوله {كل في فلك يسبحون} فإنه حكي في التفسير: أنه ماء مكفوف، تجري فيه الشمس والقمر والليل والنهار.
[وزاد محمد بن صالح في روايته]:
الفلك مستدار قطب السماء، ومن لفظه: قالوا: هي الفلكة، وبعضهم: فلكة، فحرك وفلك، وقال:
وبنان نادر أطرافها = وعراقيب تفسا كالفلك
فذكره.
والله أعلم كيف هو). [معاني القرآن لقطرب: 343]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({شعائر الله} واحدتها شعيرة وهي في هذا الموضع ما أشعر لموقف أو مسعى أو منحر أي صير علما، والمشاعر المواضع التي صيرت أعلاما مثل عرفة والمزدلفة وغير ذلك، وهي في موضع آخر الهدى إذ أشعرتها، والأشعار أن تبضع من جانبها الأيمن حتى يخرج الدم.
والتقليد ما تقلد من نعل أو غيرها). [غريب القرآن وتفسيره: 85]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فلا جناح عليه}, أي: لا إثم عليه.
{أن يطّوّف بهما}, أي: يتطوّف, فأدغمت التاء في الطاء, وكان المسلمون في صدر الإسلام يكرهون الطواف بينهما، لصنمين كانا عليهما، حتى أنزل اللّه هذا, وقرأ بعضهم: ألا يطوف بهما, وفي هذه القراءة وجهان:
أحدهما: أن يجعل الطواف مرخّصا في تركه بينهما.
والوجه الآخر: أن يجعل «لا» مع «أن» صلة, كما قال: {ما منعك ألّا تسجد}, هذا قول الفراء). [تفسير غريب القرآن: 66-67]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما ومن تطوّع خيرا فإنّ اللّه شاكر عليم}
الصفا في اللغة: الحجارة الصلبة الصلدة التي لا تنبت شيئا، وهو جمع , واحدته: ضفاة وصفا، مث:ل حصاة وحصى،
والمروة والمرو: الحجارة اللينة.
وهذان الموضعان من شعائر اللّه، أي: من أعلام متعبداته , وواحدة الشعائر : شعيرة، والشعائر كلى ما كان من موقف , أو مسعى, أوذبح.
وإنما قيل شعائر : لكل علم لما تعبد به؛ لأن قولهم شعرت به: علمته، فلهذا سمّيت الأعلام التي هي متعبّدات شعائر.
وقوله عزّ وجلّ: {فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما}
وإنما كان المسلمون اجتنبوا الطواف بينهما لأن الأوثان كانت قبل الإسلام منصوبة بينهما، فقيل إنّ نصب الأوثان بيتهما قبل الإسلام لا يوجب اجتنابهما؛ لأن البيت الحرام والمشاعر طهّرت بالإسلام من الأوثان وغيرها.
فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن هذين من شعائره , وأنه لا جناح في الطواف بينهما , وأن من تطوع بذلك, فاللّه شاكر عليم.
والشكر من الله عزّ وجلّ: المجازاة والثناء الجميل، والحج والعمرة يكونان فرضا وتطوعا - والطواف بالبيت مجراه مجرى الصلاة إلا أنه يطوف بالبيت الحاجّ والمعتمر، وغير الحاجّ والمعتمر، ومعنى قولهم حججت في اللغة قصدت، وكل قاصد شيئا فقد حجّه، وكذلك كل قاصد شيئا فقد اعتمره، قال الشاعر:
يحج مأمومة في قعرها لجف ....... فاست الطبيب قذاها كالمغاريد
وقال الشاعر في قوله اعتمر أي قصد:
لقد سما ابن معمر حين اعتمر ....... مغزى بعيدا من بعيد وضبر
وقوله عزّ وجلّ: {فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما}
أي: لا إثم عليه،
والجناح: أخذ من جنح إذا مال, وعدل عن القصد, وأصل ذلك من جناح الطائر، و{أن يطّوّف بهما}, فيه غير وجه:
يجوز: أن يطوّف, وأن يطوّف، وأن يطوف بهما، فمن قرأ: أن يطوّف بهما, أراد: أن يتطوف , فأدمغت التاء في الطاء لقرب المخرجين،
ومن قرأ: أن يطوّف بهما, فهو من طوّف إذا أكثرا التّطواف.
وفي قوله عزّ وجلّ: {ومن تطوّع خيراً}, وجهان:-
إن شئت قلت: {ومن تطوّع خيراً} على لفظ المضي , ومعناه: الاستقبال؛ لأن الكلام شرط وجزاء, فلفظ الماضي فيه يؤول إلى معنى الاستقبال,
ومن قرأ: يطّوّع, فالأصل يتطوع , فأدغمت التاء في الطاء, ولست تدغم حرفاً من حرف إلا قلبته إلى لفظ المدغم فيه).[معاني القرآن: 1/ 233-235]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والجناح: الإثم). [ياقوتة الصراط: 178]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والشعائر: المناسك، واحدتها: شعيرة). [ياقوتة الصراط: 179]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فلا جناح}: فلا إثم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 34]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({شَعَائِرَ اللَّهِ}: مناســـك). [العمدة في غريب القرآن: 85]