العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 06:36 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (124) إلى الآية (126) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (124) إلى الآية (126) ]


{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 09:12 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال مجاهد في قول الله: {لا ينال عهدي الظالمين}، قال: «إذا كان ظالما فليس بإمامٍ» ).
[الجامع في علوم القرآن: 1/ 22]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن لهيعة عن ابن هبيرة، عن حنش بن عبد اللّه، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقول في هذه الآية: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلماتٍ فأتمهن}، قال: «عشرٌ؛ ستٌ في الإنسان وأربعٌ في المشاعر الّتي في الإنسان، حلق العانة، والختان، ونتف الإبطين» قال: فكان ابن هبيرة يقول: «هؤلاء ثلاث واحدة: وتقليم الأظافر، وقصّ الشّارب، والسّواك، وغسل يوم الجمعة، والأربعة المشاعر: الطواف بالبيت، والسعي بن الصفا والمروة، ورمي الجمارة، والإفاضة»). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 131]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر عمن سمع الحسن في قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربة بكلمات} قال: «ابتلاه بذبح ولده وبالنار وبالكواكب والشمس والقمر» ). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 57]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال قتادة قال ابن عباس: «ابتلاه الله بالنار»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 57]

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس في قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات} قال: «ابتلاه الله بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد في الرأس السواك والاستنشاق والمضمضة وقص الشارب وفرق الرأس وفي الجسد خمسة تقليم الأظافر وحلق العانة والختان والاستنجاء عند الغائط والبول ونتف الإبط» ). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 57]

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله لا ينال عهدي الظالمين قال:
«لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمون فأما في الدنيا فقد ناله الظالم وأمن به وأكل وأبصر وعاش» ). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 58]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن منصورٍ عن مجاهدٍ في قول الله جل وعز: «{وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمّهنّ قال إنّي جاعلك للنّاس إماما} تقتدى» ). [تفسير الثوري: 48]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {لا ينال عهدي الظّالمين}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عتّاب، عن خصيف، عن مجاهدٍ، في قوله عزّ وجلّ: {لا ينال عهدي الظّالمين} قال: «إنّه سيكون في ذرّيّتك ظالمٌ».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله عزّ وجلّ: {لا ينال عهدي الظّالمين} قال: «إذا كان ظالمًا، فليس بإمام يقتدى به» ). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 606]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ): (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وإذ ابتلى} وإذا اختبر، يقال منه: ابتليت فلانًا أبتليه ابتلاءً. ومنه قول اللّه عزّ وجلّ {وابتلوا اليتامى} يعني به: اختبروهم. وكان اختبار اللّه تعالى ذكره إبراهيم اختبارًا بفرائض فرضها عليه، وأمرٍ أمره به، وذلك هو الكلمات الّتي أوحاهنّ إليه وكلّفه العمل بهنّ امتحانًا منه له واختبارًا.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في صفة الكلمات الّتي ابتلى اللّه بها إبراهيم نبيّه وخليله صلوات اللّه عليه، فقال بعضهم: هي شرائع الإسلام، وهي ثلاثون سهمًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: في قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} قال: قال ابن عبّاسٍ: «لم يبتل أحدٌ بهذا الدّين فأقامه إلاّ إبراهيم، ابتلاه اللّه بكلماتٍ فأتمّهنّ؛ قال: فكتب اللّه له البراءة، فقال: {وإبراهيم الّذي وفّى} قال: عشرٌ منها في الأحزاب، وعشرٌ منها في براءة، وعشرٌ منها في المؤمنين؛ وسأل سائلٌ. وقال: إنّ هذا الإسلام ثلاثون سهمًا».
- حدّثنا إسحاق بن شاهين، قال: حدّثنا خالدٌ الطّحّان، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «ما ابتلي أحدٌ بهذا الدّين فقام به كلّه غير إبراهيم؛ ابتلي بالإسلام فأتمّه، فكتب اللّه له البراءة، فقال: {وإبراهيم الّذي وفّى} فذكر عشرًا في براءة، فقال: {التّائبون العابدون الحامدون} إلى آخر الآيات، وعشرًا في الأحزاب: {إنّ المسلمين والمسلمات}، وعشرًا في سورة المؤمنين، إلى قوله: {والّذين هم على صلواتهم يحافظون}، وعشرًا في سأل سائلٌ: {والّذين هم على صلاتهم يحافظون}».
- حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن شبوية، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن، قال: حدّثنا خارجة بن مصعبٍ، عن داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «الإسلام ثلاثون سهمًا، وما ابتلي بهذا الدّين أحدٌ فأقامه إلاّ إبراهيم قال اللّه: {وإبراهيم الّذي وفّى} فكتب اللّه له براءةً من النّار».
وقال آخرون: هي خصالٌ عشرٌ من سنن الإسلام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} قال: «ابتلاه اللّه بالطّهارة: خمسٌ في الرّأس، وخمسٌ في الجسد. في الرّأس: قصّ الشّارب، والمضمضة، الاستنشاق، والسّواك، وفرق الرّأس. وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر الغائط والبول بالماء».
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن الحكم بن أبان، عن القاسم بن أبي بزّة، عن ابن عبّاسٍ بمثله، ولم يذكر أثر البول.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا سليمان، قال: حدّثنا أبو هلالٍ، قال: حدّثنا قتادة: في قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} قال: «ابتلاه أمره بالختان، وحلق العانة، وغسل القبل والدّبر، والسّواك، وقصّ الشّارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط». قال أبو هلالٍ: «ونسيت خصلةً».
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن مطرٍ، عن أبي الخلد، قال: «ابتلي إبراهيم بعشرة أشياء هنّ في الإنسان: سنّة الاستنشاق، وقصّ الشّارب، والسّواك، ونتف الإبط، وقلم الأظفار، وغسل البراجم، والختان، وحلق العانة، وغسل الدّبر والفرج».
وقال بعضهم: بل الكلمات الّتي ابتلي بهنّ عشر خلالٍ؛ بعضهنّ في تطهير الجسد، وبعضهنّ في مناسك الحجّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا محمّد بن حربٍ، قال: حدّثنا ابن لهيعة، عن ابن هبيرة، عن حنشٍ، عن ابن عبّاسٍ: في قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ} قال: «ستّةٌ في الإنسان، وأربعةٌ في المشاعر؛ فالّتي في الإنسان: حلق العانة، والختان، ونتف الإبطين، وتقليم الأظفار، وقصّ الشّارب، والغسل يوم الجمعة. وأربعةٌ في المشاعر: الطّواف، والسّعي بين الصّفا والمروة، ورمي الجمار، والإفاضة».
وقال آخرون: بل ذلك: إنّي جاعلك للنّاس إمامًا ومناسك الحجّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: سمعت إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالحٍ في قوله: «{وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ} فمنهنّ: {إنّي جاعلك للنّاس إمامًا} وآيات النّسك».
- حدّثنا أبو السّائب قال: حدّثنا ابن إدريس قال: سمعت إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ مولى أمّ هانئٍ في قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} قال: «منهنّ: {إنّي جاعلك للنّاس إمامًا} ومنهنّ آيات النّسك: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت}».
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: «{وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ} قال اللّه لإبراهيم: إنّي مبتليك بأمرٍ، فما هو؟ قال: تجعلني للنّاس إمامًا. قال: نعم. قال: ومن ذرّيّتي؟ قال: لا ينال عهدي الظّالمين. قال: تجعل البيت مثابةً للنّاس. قال: نعم. وأمنًا. قال: نعم. وتجعلنا مسلمين لك، ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك. قال: نعم. وترينا مناسكنا وتتوب علينا. قال: نعم. قال: وتجعل هذا البلد آمنًا. قال: نعم. قال: وترزق أهله من الثّمرات من آمن. قال: نعم».
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ أخبره به عن عكرمة فعرضته على مجاهدٍ فلم ينكره.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ بنحوه. قال ابن جريجٍ: فاجتمع على هذا القول مجاهدٌ وعكرمة جميعًا.
- حدّثنا سفيان، قال: حدّثني أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ} قال: «ابتلي بالآيات الّتي بعدها: {إنّي جاعلك للنّاس إمامًا قال ومن ذرّيّتي قال لا ينال عهدي الظّالمين}».
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع في قوله: «{وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ} فالكلمات: {إنّي جاعلك للنّاس إمامًا} وقوله: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس} وقوله: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} وقوله: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل} الآية، وقوله: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} الآية قال: فذلك كلةٌ من الكلمات الّتي ابتلي بهنّ إبراهيم».
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: «{وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ} فمنهنّ: {إنّي جاعلك للنّاس إمامًا} ومنهنّ: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} ومنهنّ الآيات في شأن النّسك، والمقام الّذي جعل لإبراهيم، والرّزق الّذي رزق ساكنو البيت ومحمّدٍ بعث في ذرّيّتهما صلى الله عليهم».
وقال آخرون: بل ذلك مناسك الحجّ خاصّةً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا سلم بن قتيبة، قال: حدّثنا عمرو بن نبهان، عن قتادة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} قال: «مناسك الحجّ».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة قال: كان ابن عبّاسٍ يقول في قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} قال: «هى المناسك».
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة قال: قال ابن عبّاسٍ: «ابتلاه بالمناسك».
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه قال: بلغنا عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: «إنّ الكلمات الّتي ابتلي بها إبراهيم: المناسك».
- حدّثنا أحمد بن إسحاق قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} قال: «مناسك الحجّ».
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا الحمّانيّ قال: حدّثنا شريكٌ، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} قال: «منهنّ مناسك الحجّ».
وقال آخرون: هي أمورٌ منهنّ الختان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا سلم بن قتيبة، عن يونس بن أبي إسحاق، عن الشّعبيّ: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} قال: «منهنّ الختان».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا يونس بن أبي إسحاق، قال: سمعت الشّعبيّ يقول؛ فذكر مثله.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا يونس بن أبي إسحاق، قال: سمعت الشّعبيّ، وسأله أبو إسحاق عن قول اللّه: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} قال: «منهنّ الختان يا أبا إسحاق».
وقال آخرون: بل ذلك الخلال السّتّ: الكوكب، والقمر، والشّمس، والنّار، والهجرة، والختان، الّتي ابتلي بهنّ فصبر عليهنّ.
ذكر من قال ذلك
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، قال: قلت للحسن: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ} قال: «ابتلاه بالكوكب فرضي عنه، وابتلاه بالقمر فرضي عنه، وابتلاه بالشّمس فرضي عنه، وابتلاه بالنّار فرضي عنه، وابتلاه بالهجرة، وابتلاه بالختان».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كان الحسن يقول: «إي واللّه لابتلاه بأمرٍ فصبر عليه، ابتلاه بالكوكب، والشّمس، والقمر، فأحسن في ذلك، وعرف أنّ ربّه دائمٌ لا يزول، فوجّه وجهه للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفًا وما كان من المشركين، ثمّ ابتلاه بالهجرة فخرج من بلاده وقومه حتّى لحق بالشّام مهاجرًا إلى اللّه، ثمّ ابتلاه بالنّار قبل الهجرة فصبر على ذلك، فابتلاه اللّه بذبح ابنه وبالختان فصبر على ذلك».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عمّن سمع الحسن، يقول: في قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} قال: «ابتلاه اللّه بذبح ولده، وبالنّار، وبالكوكب، والشّمس، والقمر».
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا سلم بن قتيبة، قال: حدّثنا أبو هلال، عن الحسن: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} قال: «ابتلاه بالكوكب، وبالشّمس، والقمر، فوجده صابرًا».
وقال آخرون بما؛
- حدّثنا به، موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «الكلمات الّتي ابتلى بهنّ إبراهيم ربّه: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنّك أنت التّوّاب الرّحيم ربّنا وابعث فيهم رسولاً منهم}».
والصّواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنّ اللّه عزّ وجلّ أخبر عباده أنّه اختبر إبراهيم خليله بكلماتٍ أوحاهنّ إليه، وأمره أن يعمل بهنّ فعمل بهن وأتمّهنّ، كما أخبر اللّه جلّ ثناؤه عنه أنّه فعل.
وجائزٌ أن تكون تلك الكلمات جميع ما ذكره من ذكرنا قوله في تأويل الكلمات، وجائزٌ أن تكون بعضه؛ لأنّ إبراهيم صلوات اللّه عليه قد كان امتحن فيما بلغنا بكلّ ذلك، فعمل به وقام فيه بطاعة اللّه وأمره الواجب عليه فيه.
وإذ كان ذلك كذلك، فغير جائزٍ لأحدٍ أن يقول: عنى اللّه بالكلمات الّتي ابتلي بهنّ إبراهيم شيئًا من ذلك بعينه دون شيءٍ، ولا عنى به كلّ ذلك إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها من خبرٍ عن الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم، أو إجماعٍ من الحجّة؛ ولم يصحّ بشيءٌ من ذلك خبرٌ عن الرّسول بنقل الواحد، ولا بنقل الجماعة الّتي يجب التّسليم لما نقلته. غير أنّه روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في نظير معنى ذلك خبران لو ثبتا، أو أحدهما، كان القول به في تأويل ذلك هو الصّواب.
- أحدهما ما حدّثنا به أبو كريبٍ، قال: حدّثنا رشدين بن سعدٍ، قال: حدّثني زبان بن فائدٍ، عن سهل بن معاذ بن أنسٍ، عن أبيه، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «ألا أخبركم لم سمّى اللّه إبراهيم خليله الّذي وفّى؟ لأنّه كان يقول كلّما أصبح وكلّما أمسى: {فسبحان اللّه حين تمسون وحين تصبحون} حتّى يختم الآية».
- والآخر منهما ما حدّثنا به أبو كريبٍ، قال: حدّثنا الحسن بن عطيّة، قال: حدّثنا إسرائيل، عن جعفر بن الزّبير، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وإبراهيم الّذي وفّى} قال: «أتدرون ما وفّى؟» قالوا: اللّه ورسوله أعلم، قال: «وفّى عمل يومه أربع ركعاتٍ في النّهار».
فلو كان خبر سهل بن معاذٍ عن أبيه صحيحًا سنده. كان بيّنًا أنّ الكلمات الّتي ابتلي بهنّ إبراهيم فقام بهنّ هو قوله كلّما أصبح وأمسى: {فسبحان اللّه حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السّموات والأرض وعشيًّا وحين تظهرون} أو كان خبر أبي أمامة عدولاً نقلته، كان معلومًا أنّ الكلمات الّتي أوحين إلى إبراهيم فابتلي بالعمل بهنّ أن يصلّي كلّ يومٍ أربع ركعاتٍ. غير أنّهما خبران في أسانيدهما نظرٌ.
والصّواب من القول في معنى الكلمات الّتي أخبر اللّه أنّه ابتلى بهنّ إبراهيم ما بيّنّا آنفًا.
ولو قال قائلٌ في ذلك: إنّ الّذي قاله مجاهدٌ وأبو صالحٍ والرّبيع بن أنسٍ أولى بالصّواب من القول الّذي قاله غيرهم؛ كان مذهبًا، لأنّ قوله: {إنّي جاعلك للنّاس إمامًا} وقوله: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطّائفين} وسائر الآيات الّتي هي نظير ذلك كالبيان عن الكلمات الّتي ذكر اللّه أنّه ابتلى بهنّ إبراهيم). [جامع البيان: 2/ 498-508]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ): (القول في تأويل قوله تعالى: {فأتمّهنّ}:
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {فأتمّهنّ} فأتمّ إبراهيم الكلمات، وإتمامه إيّاهنّ إكماله إيّاهنّ بالقيام للّه بما أوجب عليه فيهنّ وهو الوفاء الّذي قال اللّه جلّ ثناؤه: {وإبراهيم الّذي وفّى} يعني وفى بما عهد إليه بالكلمات، فأمره به من فرائضه ومحنه فيها.
- كما حدّثني محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{فأتمّهنّ} أي فأدّاهنّ».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{فأتمّهنّ} أي عمل بهنّ، فأتمّهنّ».
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: «{فأتمّهنّ} أي عمل بهنّ وأتمّهنّ»). [جامع البيان: 2/ 508-509]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال إنّي جاعلك للنّاس إمامًا}:
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {إنّي جاعلك للنّاس إمامًا} فقال اللّه: يا إبراهيم إنّي مصيّرك للنّاس إمامًا يؤتمّ به ويقتدى به.
- كما حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: «{إنّي جاعلك للنّاس إمامًا} ليؤتمّ به، ويقتدى به».
يقال منه: أممت القوم فأنا أؤمّهم أمًّا وإمامةً إذا كنت إمامهم.
وإنّما أراد جلّ ثناؤه بقوله لإبراهيم: {إنّي جاعلك للنّاس إمامًا} إنّي مصيّرك تؤمّ من بعدك من أهل الإيمان بي وبرسلي، فتقدّمهم أنت، ويتّبعون هديك، ويستنّون بسنّتك الّتي تعمل بها بأمري إيّاك ووحيي إليك). [جامع البيان: 2/ 509]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ): (القول في تأويل قوله تعالى: {قال ومن ذرّيّتي}:
يعني جلّ ثناؤه بذلك قال إبراهيم لمّا رفع اللّه منزلته وكرّمه، فأعلمه ما هو صانعٌ به من تصييره إمامًا في الخيرات لمن في عصره ولمن جاء بعده من ذرّيّته وسائر النّاس غيرهم يهتدى بهديه ويقتدى بأفعاله وأخلاقه: يا ربّ ومن ذرّيّتي فاجعل أئمّةً يقتدى بهم كالّذي جعلتني إمامًا يؤتمّ به ويقتدى بي. مسألةً من إبراهيم ربّه سأله إيّاها.
- كما حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: «قال إبراهيم: {ومن ذرّيّتي} يقول: فاجعل من ذرّيّتي من يؤتمّ به ويقتدى به».
وقد زعم بعض النّاس أنّ قول إبراهيم: {ومن ذرّيّتي} مسألةٌ منه ربّه لعقبه أن يكونوا على عهده ودينه، كما قال: {واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام} فأخبر اللّه جلّ ثناؤه أنّ في عقبه الظّالم المخالف له في دينه بقوله: {لا ينال عهدي الظّالمين}.
والظّاهر من التّنزيل يدلّ على غير الّذي قاله صاحب هذه المقالة؛ لأنّ قول إبراهيم صلوات اللّه عليه: {ومن ذرّيّتي} في إثر قول اللّه جلّ ثناؤه: {إنّي جاعلك للنّاس إمامًا} فمعلومٌ أنّ الّذي سأله إبراهيم لذرّيّته لو كان غير الّذي أخبر ربّه أنّه أعطاه إيّاه لكان مبيّنًا؛ ولكنّ المسألة لمّا كانت ممّا جرى ذكره، اكتفي بالذّكر الّذي قد مضى من تكريره وإعادته، فقال: {ومن ذرّيّتي} بمعنى: ومن ذرّيّتي فاجعل مثل الّذي جعلتني به من الإمامة للنّاس). [جامع البيان: 2/ 510]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ): (القول في تأويل قوله تعالى: {قال لا ينال عهدي الظّالمين}:
وهذا خبرٌ من اللّه جلّ ثناؤه عن أنّ الظّالم لا يكون إمامًا يقتدي به أهل الخير، وهو من اللّه جلّ ثناؤه جوابٌ لأبراهيم في مسألته إيّاه أن يجعل من ذرّيّته أئمّةً مثله، فأخبر أنّه فاعلٌ ذلك إلاّ بمن كان من أهل الظّلم منهم، فإنّه غير مصيّره كذلك، ولا جاعله في محلّ أوليائه عنده بالتّكرمة بالإمامة؛ لأنّ الإمامة إنّما هي لأوليائه وأهل طاعته دون أعدائه والكافرين به.
واختلف أهل التّأويل في العهد الّذي حرّم اللّه جلّ ثناؤه الظّالمين أن ينالوه، فقال بعضهم: ذلك العهد هو النّبوّة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: {لا ينال عهدي الظّالمين} يقول: «عهدي: نبوّتي».
فمعنى تأويل هذا القول في تأويله الآية: لا ينال النّبوّة أهل الظّلم والشّرك.
وقال آخرون: معنى العهد عهد الإمامة.
فتأويل الآية على قولهم: لا أجعل من كان من ذرّيّتك يإبراهيم ظالمًا إمامًا لعبادي يقتدى به.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {قال لا ينال عهدي الظّالمين} قال: «لا يكون إمامٌ ظالمً».
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: قال اللّه: {لا ينال عهدي الظّالمين} قال: «لا يكون لى إمامٌا ظالمً».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن عكرمة، بمثله.
- حدّثنا محمد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عامر، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: في قوله {قال لا ينال عهدي الظّالمين} قال: «لا يكون إمامٌا ظالمٌ يقتدى به».
- حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا مشرف بن أبان الخطّاب، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ: في قوله: {لا ينال عهدي الظّالمين} قال: «لا أجعل إمامًا ظالمًا يقتدى به».- حدّثنا محمّد بن عبيدٍ المحاربيّ قال: حدّثنا مسلم بن خالد الزّنجيّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: في قوله: {لا ينال عهدي الظّالمين} قال: «لا أجعل إمامًا ظالمًا يقتدى به».
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {لا ينال عهدي الظّالمين} قال: «لا يكون إمامًا ظالمٌ».
قال ابن جريجٍ: وأمّا عطاءٌ فإنّه قال: «{إنّي جاعلك للنّاس إمامًا قال ومن ذرّيّتي} فأبى أن يجعل من ذرّيّته ظالمًا إمامًا» قلت لعطاءٍ: «ما عهده؟ قال: أمره».
وقال آخرون: معنى ذلك: أنّه لا عهد عليك لظالمٍ أن تطيعه في ظلمه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: قوله: «{لا ينال عهدي الظّالمين} يعني لا عهد لظالم عليك في ظلمه أن تطيعه فيه».
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن عبد اللّه، عن إسرائيل، عن مسلمٍ الأعور، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {قال لا ينال عهدي الظّالمين} قال: «ليس للظّالمين عهدٌ، وإن عاهدته فانقضه».- حدّثني القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن سفيان، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قال: «ليس لظالمٍ عهدٌ».
وقال آخرون: معنى العهد في هذا الموضع: الأمان.
فتأويل الكلام على معنى قولهم، قال اللّه: لا ينال أماني أعدائي، وأهل الظّلم لعبادي؛ أي لا أؤمّنهم من عذابي في الآخرة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{قال لا ينال عهدي الظّالمين} ذلكم عند اللّه يوم القيامة لا ينال عهده ظالمٌ، فأمّا في الدّنيا فقد نالوا عهد اللّه، فوارثو به المسلمين وعادوهم وناكحوهم به، فلمّا كان يوم القيامة قصر اللّه عهده وكرامته على أوليائه».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: في قوله: {لا ينال عهدي الظّالمين} قال: «لا ينال عهد اللّه في الآخرة الظّالمون، فأمّا في الدّنيا فقد ناله الظّالم فأمن به، وأكل به وعاش».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن عبد الله، عن إسرائيل، عن منصورٍ، عن إبراهيم: {قال لا ينال عهدي الظّالمين} قال: «لا ينال عهد اللّه في الآخرة الظّالمون، فأمّا في الدّنيا فقد ناله الظّالم فأمن به وأكل وأبصر وعاش».
وقال آخرون: بل العهد الّذي ذكره اللّه في هذا الموضع: دين اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: «قال اللّه لإبراهيم: {لا ينال عهدي الظّالمين} فقال: فعهد اللّه الّذي عهد إلى عباده: دينه. يقول: لا ينال دينه الظّالمين، ألا ترى أنّه قال: {وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذرّيّتهما محسنٌ وظالمٌ لنفسه مبينٌ} يقول: ليس كلّ ذرّيّتك يا إبراهيم على الحقّ».
- حدّثني محمد بن جعفرٍ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك: في قوله: {لا ينال عهدي الظّالمين} قال: «لا ينال طاعتى عدو عدوٌّ لي يعصيني، ولا أنحلها إلاّ وليًّا لى يطيعني».
وهذا الكلام وإن كان ظاهره ظاهر خبرٍ عن أنّه لا ينال من ولد إبراهيم صلوات اللّه عليه عهد اللّه الّذي هو النّبوّة والإمامة لأهل الخير، بمعنى الاقتداء به في الدّنيا، والعهد الّذي بالوفاء به الله ينجو في الآخرة، من وفّى للّه به في الدّنيا، من كان منهم ظالمًا متعدّيًا جائرًا عن قصد سبيل الحقّ. فهو إعلامٌ من اللّه تعالى ذكره لإبراهيم أنّ من ولده من يشرك به، ويزول عن قصد السّبيل، ويظلم نفسه وعباده.
- كالّذي حدّثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشّهيد، قال: حدّثنا عتّاب بن بشرٍ، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ: في قوله: {لا ينال عهدي الظّالمين} قال: «إنّه سيكون في ذرّيّتك ظالمون».
وأمّا نصب الظّالمين، فلأنّ العهد هو الّذي لا ينال الظّالمين. وذكر أنّه في قراءة ابن مسعودٍ: (لا ينال عهدي الظّالمون) بمعنى أنّ الظّالمين هم الّذين لا ينالون عهد اللّه.
وإنّما جاز الرّفع في الظّالمين والنّصب، وكذلك في العهد؛ لأنّ كلّ ما نال المرء فقد ناله المرء، كما يقال: نالني خير فلانٍ ونلت خيره، فيوجّه الفعل مرّةً إلى الخير ومرّةً إلى نفسه.
وقد بيّنّا معنى الظّلم فيما مضى فكرهنا إعادته). [جامع البيان: 2/ 511-516]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ}
اختلف أهل التّفسير في ذلك على أقوالٍ.
القول الأول:

فأحدها:
- ما حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عبّاسٍ: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} قال: «ابتلاه اللّه بالطّهارة خمسٌ في الرّأس، وخمسٌ في الجسد. في الرّأس. قصّ الشّارب، والمضمضة، والاستنشاق والسّواك وفرق الرّأس، وفي الجسد تقليم الأظافر، وحلق العانة، ونتف الإبط، وغسل أثر الغائط البول بالماء». وروى عن أبى صالحك وأبي الجلد ومجاهدٍ وسعيد بن المسيّب والنّخعيّ والشّعبيّ نحو ذلك.
وروي عن ابن عبّاسٍ قول آخر وهو:
القول الثّاني:
- حدّثنا عمران بن بكّارٍ البرّاد الحمصيّ ثنا الرّبيع بن روحٍ ثنا محمّد بن حربٍ ثنا الزّبيديّ عن عديٍّ عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: «
ما ابتلي أحدٌ بهذا الدّين فقال به كلّه إلا إبراهيم: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ} قلت له: وما الكلمات الّتي ابتلي إبراهيم بهنّ فأتمّهنّ. قال: الإسلام ثلاثون سهمًا منها عشر آياتٍ في براءة {التّائبون العابدون} إلى آخر الآية، وعشر آياتٍ في أوّل سورة: {قد أفلح المؤمنون} و{سأل سائلٌ بعذابٍ واقعٍ}، وعشر آياتٍ في الأحزاب: {إنّ المسلمين المسلمات} إلى آخر الآية. فأتمّهنّ كلّهنّ فكتب له براءةً قال اللّه: {وإبراهيم الّذي وفّى}».
والقول الثّالث:

وهو أحد الأقوال عن ابن عبّاسٍ:
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا عبد الرّحمن بن سلمة ثنا سلمة بن الفضل عن محمّد بن إسحاق عن محمّد بن أبي عن سعيد بن جبيرٍ، أو عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: «الكلمات الّتي ابتلي بهنّ إبراهيم فأتمّهنّ فراق قومه في اللّه حين أمر بفراقهم، ومحاجّته نمرود في اللّه حتّى وقفه على ما وقفه عليه من خطر الأمر الّذي فيه خلافهم، وصبره على قذفه إيّاه في النّار ليحرّقوه في اللّه على هول ذلك من أمرهم، والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده في اللّه حين أمره بالخروج عنهم، وما أمره به من الضّيافة والصّبر عليها، وماله وما ابتلي به من ذبح ولده حين أمره بذبحه، فلمّا مضى على ذلك من أمر اللّه كلّه وأخلصه البلاء، قال اللّه له:
أسلم، قال: أسلمت لربّ العالمين. على ما كان من خلاف النّاس وفراقهم».
والقول الرّابع:
وهو أحد الأقوال عن ابن عبّاسٍ:
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً أنبأ ابن وهبٍ أخبرني ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن حنش بن عبد اللّه الصّنعانيّ عن ابن عبّاسٍ: أنّه كان يقول في هذه الآية: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمهن} قال: «يا معشر. ستٌّ في الإنسان، وأربعٌ في المشاعر. فأمّا الّتي في الإنسان حلق العانة، ونتف الإبط، والختان، وكان ابن هبيرة يقول: هؤلاء الثّلاث واحدةٌ، وتقليم الأظافر، وقصّ الشّارب، والسّواك وغسل يوم الجمعة،
والأربعة الّتي في المشاعر: الطّواف بالبيت، والسّعي بين الصّفا والمروة، ورمي الجمار، والإفاضة».
والقول الخامس:

وهو أحد الأقوال عن ابن عبّاسٍ:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنبأ عبد الرّزّاق قال معمرٌ وقال قتادة: قال ابن عبّاسٍ: «ابتلاه اللّه بالمناسك».
وكذلك رواه شريكٌ عن أبي إسحاق عن التّميميّ عن ابن عبّاسٍ. وروي عن قتادة والرّبيع نحو ذلك.
والقول السّادس:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا إسماعيل بن عليّة عن أبي رجاءٍ عن الحسن: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} قال: «ابتلاه بالكوكب فرضي عنه، وابتلاه بالقمر فرضي عنه، وابتلاه بالشّمس فرضي عنه، وابتلاه بالمعجزة فرضي عنه، وابتلاه بالختان فرضي عنه، وابتلاه بابنه فرضي عنه».
والقول السّابع:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: «{وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ} قال الله لإبراهيم: اني مبتليكك بأمرٍ فما هو؟ قال تجعلني للنّاس إمامًا قال: نعم: قال ومن ذرّيّتي؟ قال: لا ينال عهدي الظّالمين. قال: تجعل البيت مثابةً للنّاس قال نعم. قال وأمنًا قال نعم. قال وتجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك. قال نعم. قال: وترينا مناسكنا وتتوب علينا ربّنا إنّك أنت التّوّاب الرّحيم. قال: نعم قال: وتجعل هذا البلد آمنًا قال: نعم، قال: وترزق أهله من الثّمرات من آمن باللّه قال: نعم». قال ابن أبي نجيحٍ: سمعت من عكرمة، فعرضته على مجاهدٍ فلم ينكره.
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ ثنا أبو أسامة عن النّضر عن مجاهدٍ في قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} قال: «قال له الرّبّ: يا إبراهيم إنّي قد خبأت
لك خبيئةً قال: خبّأت لي يا ربّ أنّك جاعلي للنّاس إمامًا؟ قال: نعم، وأنّك باعثٌ في أمّتي رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم. قال: نعم. فأتمّ اللّه ذلك له»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 219-222]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فأتمّهنّ}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم عن أبي جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية: «{
فأتمّهنّ}: أي عمل بهنّ». وروي عن قتادة، والرّبيع نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 222]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إنّي جاعلك للنّاس إمامًا}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ العسقلانيّ بها ثنا آدم بن أبي إياسٍ عن أبي جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية وقوله: «{إنّي جاعلك للنّاس إمامًا فجعله اللّه إمامًا} يؤتمّ ويقتدى به». وروي عن الحسن وعطاءٍ الخراسانيّ ومقاتل بن حيّان وقتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك).[تفسير القرآن العظيم: 1/ 222]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ومن ذرّيّتي}:
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا عبد الرّحمن بن سلمة ثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمّد بن أبي محمّدٍ عن سعيد بن جبيرٍ، أو عكرمة عن ابن عبّاسٍ: «{ومن ذرّيّتي} قال: {لا ينال عهدي الظّالمين} يخبره أي أنّه كان في ذرّيّته ظالمٌ لا ينال عهده ولا ينبغي له أن يولّيه شيئًا من أمره، وإن كانوا من ذرّيّة خليله ومحسنٌ ستنفذ فيه دعوته ويبلغ فيه ما أراب من مسألته».
- أخبرنا عمرو بن ثورٍ القيساريّ فيما كتب إليّ ثنا الفريابيّ ثنا إسرائيل ثنا سماك بن حربٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ: قال: «قال اللّه لإبراهيم- عليه الصّلاة والسّلام-: {إنّي جاعلك للنّاس إمامًا قال ومن ذرّيّتي} فأبى أن يفعل ثمّ قال: {لا ينال عهدي الظّالمين}».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم عن أبي جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية قال: «فقال إبراهيم: يا ربّ ومن ذرّيّتي يقول: اجعل من ذرّيّتي، من يؤتمّ به ويقتدى به. يقول: ليس كلّ ذرّيّتك يا إبراهيم على حقٍّ».
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا حجّاجٌ عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ في قوله: «{إنّي جاعلك للنّاس إمامًا قال ومن ذرّيّتي} فأبى أن يجعل ظالمًا إمامًا».
وروي عن مقاتلٍ نحو ذلك.
- حدّثني أبي ثنا مالك بن إسماعيل ثنا شريكٌ عن منصورٍ عن مجاهدٍ في قوله: {ومن ذرّيّتي} قال: «أمّا من كان منهم صالحًا فسأجعله إمامًا يقتدى به. وأمّا من كان منهم ظالمًا فلا، ولا نعمة عينٍ» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 222-223]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {قال لا ينال عهدي}:
اختلف في تفسيره على أوجه:
الوجه الأول:
فأحدها: من فسّره على أنّ عهده: دينه.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم عن أبي جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية قال: «قال اللّه: {لا ينال عهدي الظّالمين} فعهد اللّه الّذي عهد إلى عباده دينه قال:
لا ينال ديني الظّالمين». وروي عن الرّبيع بن أنسٍ مثل ذلك.
والوجه الثّاني
: أنّ عهده رحمته.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا عقبة بن خالدٍ حدّثني واصل بن السّائب قال: «سألت عطاءً عن قوله: {لا ينال عهدي الظالمين} قال: «هي رحمه لا ينالهما إلا المؤمنين أهل الجنّة، ورحمته في الدّنيا على الخلق كلّهم».
والوجه الثّالث: أنّ عهده: نبوّته.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: {لا ينال عهدي الظّالمين} يقول: «عهدي: نبوّتي».
والوجه الرّابع: أنّ عهده: طاعته.
- حدّثنا أبي ثنا الحكم بن موسى ثنا مروان ثنا جويبرٌ عن الضّحّاك: {لا ينال عهدي الظّالمين} يقول: «لا ينال طاعتي عدوٌّ لي ولا أنحلها إلا وليًّا لي يطيعني».
وروي عن مقاتل بن حيّان نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 223]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {الظّالمين}:
اختلف في تفسيره على أوجه:
الوجه الأول:
فمنهم من فسّره على الشّرك.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: {لا ينال عهدي الظّالمين} قال: «الظّالم في هذه الآية المشرك لا يكون إمام ظالما. يقول: لا يكون إمام مشركًا».
والوجه الثّاني:
: من فسّره على أنّه عدوّ اللّه.
- حدّثنا أبي ثنا الهيثم بن يمانٍ ثنا إسماعيل بن زكريّا عن جويبرٍ عن الضّحّاك في قوله: {لا ينال عهدي الظّالمين} قال: «لا ينال طاعتي عدوّي ولا أنحلها إلا وليًّا لي».
والوجه الثّالث: فسّره على ظاهر التّنزيل.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا إسحاق الأزرق ثنا سفيان عن هارون بن عنترة عن أبيه عن ابن عبّاسٍ في قوله: {لا ينال عهدي الظّالمين} قال: «ليس لظالمٍ عليك عهدٌ في معصية اللّه أن تطيعه». وروي عن مجاهدٍ، وعطاءٍ، ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ عن قتادة في قوله: {لا ينال عهدي الظّالمين} قال: «لا ينال عهد اللّه في الآخرة الظّالمين، فأمّا في الدّنيا فقد ناله الظّالم، فأمن به، وأكل، وعاش».
- وزاد شيبان في روايته عن قتادة: «فإذا كان يوم القيامة قضى اللّه عهده وكرامته على أوليائه». وروي عن الحسن، وعكرمة نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 224]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال حدثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح قال سمعت عكرمة مولى ابن عباس يقول: «قال الله لإبراهيم إني مبتليك بأمر فما هو فقال إبراهيم تجعلني للناس إماما فقال الله عز وجل نعم فقال إبراهيم وأمنا فقال الله نعم فقال إبراهيم وتجعلنا مسلمين لك فقال الله نعم فقال إبراهيم ومن ذريتنا أمة مسلمة لك قال الله نعم قال إبراهيم وتتوب علينا قال الله نعم قال إبراهيم وتجعل هذا بلدا آمنا قال الله نعم قال الله ومن كفر فأمتعه أيضا فإني أرزقه في الدنيا حين استرزق إبراهيم لمن آمن به ثم مصير الكافرين إلى النار»
قال ابن أبي نجيح سمعت هذا من عكرمة ثم عرضته على مجاهد فلم ينكره).
[تفسير مجاهد: 87-88]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (ابن طاوسٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، في قوله عزّ وجلّ: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} قال: « ابتلاه اللّه بالطّهارة، خمسٌ في الرّأس وخمسٌ في الجسد؛ في الرّأس: قصّ الشّارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسّواك، وفرق الرّأس، وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل مكان الغائط والبول بالماء». هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه ). [المستدرك: 2/ 293]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (قوله تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين}.
أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات} قال: «ابتلاه الله بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد في الرأس قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس، وفي الجسد تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل مكان الغائط والبول بالماء».

وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم فأتمهن فراق قومه في الله حين أمر بمفارقتهم ومحاجته نمرود في الله حين وقفه على ما وقفه عليه من خطر الأمر الذي فيه خلافهم وصبره على قذفهم إياه في النار ليحرقوه في الله والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده حين أمره بالخروج عنهم وما أمره به من الضيافة والصبر عليها وما بتلي به من ذبح ولده، فلما مضى على ذلك كله وأخلصه البلاء قال الله له: أسلم، قال: أسلمت لرب العالمين».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن ابي حاتم عن ابن عباس قال: «الكلمات التي ابتلى بها عشر ست في الإنسان وأربع في المشاعر، فأما التي في الإنسان فحلق العانة ونتف الإبط والختان وتقليم الأظفار وقص الشارب والسواك وغسل يوم الجمعة، والأربعة التي في المشاعر الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار والإفاضة».
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه، وابن عساكر عن ابن عباس قال: «ما ابتلي أحد بهذا الدين فقام به كله إلا إبراهيم قال: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} قيل ما الكلمات؟ قال: سهام الإسلام ثلاثون سهما، عشر في براءة {التائبون العابدون} إلى آخر الآية وعشر في أول سورة {قد أفلح} و{سأل سائل} {والذين يصدقون بيوم الدين} الآيات وعشر في الأحزاب {إن المسلمين والمسلمات} إلى آخر الآية فأتمهن كلهن فكتب له براءة قال تعالى: {وإبراهيم الذي وفى} [النجم الاية 37]».
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والحاكم من طرق عن ابن عباس: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} قال: «منهن مناسك الحج».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: «الكلمات {إني جاعلك للناس إماما} [البقرة الآية 124]، {وإذ يرفع إبراهيم القوعد} [البقرة الآية 127] والآيات في شأن المناسك والمقام الذي جعل لإبراهيم والرزق الذي رزق ساكنو البيت وبعث محمد في ذريتهما».
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات} قال: «ابتلى بالآيات التي بعدها».
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن الحسن قال: «ابتلاه بالكوكب فرضي عنه وابتلاه بالقمر فرضي عنه وابتلاه بالشمس فرضي عنه وابتلاه بالهجرة فرضي عنه وابتلاه بالختان فرضي عنه وابتلاه بابنه فرضي عنه».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {فأتمهن} قال: «فأداهن».
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من فطرة إبراهيم السواك».
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: «من فطرة إبراهيم غسل الذكر والبراجم».
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن مجاهد قال: «ست من فطرة إبراهيم قص الشارب والسواك والفرق وقص الأظفار والاستنجاء وحلق العانة قال: ثلاثة في الرأس وثلاثة في الجسد».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الفطرة خمس أو خمس من الفطرة، الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الآباط».
وأخرج البخاري والنسائي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من الفطرة حلق العانة وتقليم الأظفار وقص الشارب».
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك والاستنشاق بالماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الآباط وحلق العانة وانتفاض الماء يعني الاستنجاء بالماء»، قال مصعب: «نسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود، وابن ماجه عن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الفطرة المضمضة والاستنشاق والسواك وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الابط والاستنجاء وغسل البراجم والانتضاح والاختتان».
وأخرج البزار والطبراني عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطهارات أربع قص الشارب وحلق العانة وتقليم الأظفار والسواك».
وأخرج ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن أنس بن مالك قال: «وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قص الشارب وتقليم الأظفار وحلق العانة ونتف الابط أن لا تترك أكثر من أربعين يوما».
وأخرج أحمد والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: لقد أبطأ عنك جبريل، فقال: «ولم لا يبطى ء عني وأنتم حولي لا تستنون لا تقلمون أظفاركم ولا تقصون شواربكم ولا تنقون براجمكم».
وأخرج الترمذي وحسنه عن ابن عباس قال كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقص أو يأخذ من شاربه قال: «لأن خليل الرحمن إبراهيم يفعله».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه والنسائي عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يأخذ من شاربه فليس منا».
وأخرج مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب».
وأخرج البزار عن أنس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «خالفوا المجوس جزوا الشوارب وأعفوا اللحى».
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبيد الله بن عبد الله بن عبيد الله قال: جاء رجل من المجوس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حلق لحيته وأطال شاربه فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما هذا» قال: هذا في ديننا، قال: «ولكن في ديننا أن تجز الشارب وأن تعفي اللحية».
وأخرج البزار عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا وشاربه طويل فقال: «ائتوني بمقص وسواك فجعل السواك على طرفه ثم أخذ ما جاوز».
وأخرج البزرا والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان بسند حسن عن أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقلم أظفاره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يخرج إلى الصلاة».
وأخرج ابن عدي بسند ضعيف عن أنس قال: «وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق الرجل عانته كل أربعين يوما وأن ينتف ابطه كلما طلع ولا يدع شاربيه يطولان وأن يقلم أظفاره من الجمعة إلى الجمعة».
وأخرج ابن عساكر بسند ضعيف، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قصوا أظافيركم فإن الشيطان يجري ما بين اللحم والظفر».
وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن وابصة بن معبد قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل شيء حتى سألته عن الوسخ الذي يكون في الأظفار فقال: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك».
وأخرج البزار عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لي لا أهم ورفع أحدكم بين أنملته وظفره».
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن قيس بن حازم قال: صلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلاة فأوهم فيها فسأل فقال: «ما لي لا أهم ورفع أحدكم بين ظفره وأنملته».
وأخرج ابن ماجه والبيهقي بسند ضعيف عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ما جاءني جبريل إلا أوصاني بالسواك حتى خشيت أن يفرض علي وعلى أمتي ولولا أني أخاف أن أشق على أمتي لفرضته لهم وأني لأستاك حتى أني خشيت أن أحفي مقادم في».
وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ومجلاة للبصر».
وأخرج ابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان وضعفه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالسواك فإنه مطهرة للفم مرضاة للرب مفرحة للملائكة يزيد في الحسنات وهو من السنة يجلو البصر ويذهب الحفر ويشد اللثة ويذهب البلغم ويطيب الفم».
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة».
وأخرج أحمد بسند حسن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء وعند كل وضوء بسواك».
وأخرج البزار وأبويعلى والطبراني بسند ضعيف عن عائشة قالت: «ما زال النّبيّ صلى الله عليه وسلم يذكر بالسواك حتى خشينا أن ينزل فيه قرآن».
وأخرج أحمد والحرث بن أبي أسامة والبزار وأبو يعلى، وابن خزيمة والدارقطني والحاكم وصححه وأبو نعيم في كتاب السواك والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «فضل الصلاة بسواك على الصلاة بغير سواك سبعون ضعفا».
وأخرج البزار والبيهقي بسند جيد عن عائشة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك».
وأخرج أحمد وأبو يعلى بسند جيد عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لقد أمرت بالسواك حتى ظننت أنه ينزل علي به قرآن أو وحي».
وأخرج أحمد وأبو يعلى والطبراني بسند ضعيف عن ابن عمر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينام إلا السواك عنده فإذا استيقظ بدأ بالسواك».
وأخرج الطبراني بسند حسن عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مازال جبريل يوصيني بالسواك حتى خفت على أضراسي».
وأخرج البزار والترمذي الحكيم في نوادر الأصول عن كليح بن عبد الله الخطمي عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمس من سنن المرسلين الحياء والحلم والحجامة والسواك والتعطر».
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام ليلة ولا ينتبه إلا استن».
وأخرج الطبراني بسند حسن عن زيد بن خالد الجهني قال: «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من بيته لشيء من الصلوات حتى يستاك».
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود بسند ضعيف عن عائشة: «أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان لا يرقد من ليل ولا نهار فيستقيظ تسوك قبل أن يتوضأ».
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجه عن عائشة: «أنها سئلت بأي شيء كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يبدأ إذا دخل بيته قالت: كان إذا دخل يبدأ بالسواك».
وأخرج ابن ماجه عن علي بن أبي طالب قال: «إن أفواهكم طرق للقرآن فطيبوها بالسواك» وأخرجه أبو نعيم في كتاب السواك عن علي مرفوعا.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم معا في الطب النبوي عن أبي هريره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن السواك ليزيد الرجل فصاحة».
وأخرج ابن السني عن علي بن أبي طالب قال: «قراءة القرآن والسواك يذهب البلغم».
وأخرج أبو نعيم في معرفة الصحابة عن سمويه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نام ليلة حتى استن».
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأبو نعيم في كتاب السواك بسند ضعيف من طريق أبي عتيق، عن جابر: «أنه كان ليستاك إذا أخذ مضجعه وإذا قام من الليل وإذا خرج إلى الصلاة، فقلت له: لقد شققت على نفسك، فقال: إن أسامة أخبرني أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يستاك هذا السواك».
وأخرج أبو نعيم بسند حسن عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يستاكوا بالأسحار».
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن، عن علي، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء».
وأخرج الشافعي، وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وأبو يعلى وابن خزيمة، وابن حبان والحاكم والبيهقي عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب».
وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط بسند حسن عن ابن عمر ان النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بالسواك فإنه مطيبة للفم مرضاة للرب تبارك وتعالى».
وأخرج أحمد بسند ضعيف عن قثم أو تمام بن عباس قال: أتينا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «ما لكم تأتوني قلحا لا تسوكون لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك كما فرضت عليهم الوضوء».
وأخرج الطبراني، عن جابر قال: «كان السواك من أذن النّبيّ صلى الله عليه وسلم موضع القلم من أذن الكاتب».
وأخرج العقيلي في الضعفاء وأبو نعيم في السواك بسند ضعيف عن عائشة قالت: «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا سافر حمل السواك والمشط والمكحلة والقارورة والمرآة».
وأخرج أبو نعيم بسند واه عن رافع بن خديج مرفوعا: «السواك واجب».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: «لقد كنا نؤمر بالسواك حتى ظننا أنه سينزل به».
وأخرج ابن أبي شيبة عن حسان بن عطية مرفوعا: «الوضوء شطر الإيمان والسواك شطر الوضوء ولولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ركعتان يستاك بهما العبد أفضل من سبعين ركعة لا يستاك فيها».
وأخرج ابن أبي شيبة عن سليمان بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استاكوا وتنظفوا وأوتروا فإن الله وتر يحب الوتر».
وأخرج ابن عدي عن أنس: «أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بتعاهد البراجم عند الوضوء لأن الوسخ إليها سريع».
وأخرج الترمذي الحكيم في نوادر الأصول بسند فيه مجهول عن عبد الله بن بسر رفعه: «قصوا أظفاركم وادفنوا قلاماتكم ونقوا براجمكم».
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي، وابن ماجه عن ابن عباس قال: «كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم وكان المشركون يفرقون رؤوسهم وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به فسدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد».
وأخرج ابن ماجه والبيهقي بسند جيد عن أم سلمة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أطلى ولى (تابع) عانته بيده».
وأخرج البيهقي بسند ضعيف جدا عن أنس: «أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان لا يتنور وكان إذا كثر شعره حلقه».
وأخرج أحمد والبيهقي عن شداد بن أوس رفعه: «الختان سنة للرجال مكرمة للنساء».
وأخرج الطبراني في مسند الشاميين وأبو الشيخ في كتاب العقيقة والبيهقي من حديث ابن عباس، مثله.
وأخرج أبو داود عن عيثم بن كليب عن أبيه عن جده: أنه جاء إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: فقد أسلمت - فقال له: «ألق عنك شعر الكفر» - يقول: احلق قال: وأخبرني آخر أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لآخر معه: «ألق عنك شعر الكفر واختتن».
وأخرج البيهقي عن الزهري عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من أسلم فليختتن».
وأخرج أحمد والطبراني عن عثمان بن أبي العاص أنه دعي إلى ختان فقال: «ما كنا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ندعى له».
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال: «سبع من السنة في الصبي يوم السابع يسمى ويختن ويماط عنه الأذى ويعق عنه ويحلق رأسه ويلطخ من عقيقته ويتصدق بوزن شعر رأسه ذهبا أو فضة»
وأخرج أبو الشيخ في كتاب العقيقة والبيهقي عن جابر: «أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام».
وأخرج البيهقي عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه: «إن إبراهيم عليه السلام ختن إسحاق لسبعة أيام وختن اسماعيل عند بلوغه».
وأخرج ابن سعد عن حي بن عبد الله قال: «بلغني أن اسماعيل عليه السلام اختتن وهو ابن ثلاث عشر سنة».
وأخرج أبو الشيخ في العقيقة من طريق موسى بن علي بن رباح عن أبيه: «أن إبراهيم عليه السلام أمر أن يختتن وهو حينئذ ابن ثمانين سنة فعجل واختتن بالقدوم فاشتد عليه الوجع فدعا ربه فأوحى إليه إنك عجلت قبل أن نأمرك بآلته قال: يا رب كرهت أن أؤخر أمرك».
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثلاثين سنة بالقدوم».
وأخرج ابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان إبراهيم أول من اختتن وهو ابن عشرين ومائة سنة واختتن بالقدوم ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة».
وأخرج ابن سعد، وابن أبي شيبة والحاكم والبيهقي وصححاه من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: «اختتن إبراهيم خليل الله وهو ابن عشرين ومائة سنة بالقدوم ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة»، قال سعيد: «وكان إبراهيم أول من اختتن وأول من رأى الشيب فقال: يا رب ما هذا قال: وقار يا إبراهيم، قال: رب زدني وقارا، وأول من أضاف الضيف وأول من جز شاربه وأول من قص أظافيره وأول من استحد».
وأخرج ابن عدي والبيهقي عن أبي هريرة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن إبراهيم أول من اضاف الضيف وأول من قص الشارب وأول من رأى الشيب وأول من قص الأظافير وأول من اختتن بقدومه».
وأخرج البيهقي عن علي رضي الله عنه قال: «كانت هاجر لسارة فأعطت هاجر إبراهيم فاستبق اسماعيل واسحاق لنفسه فسبقه اسماعيل فقعد في حجر إبراهيم، قالت: سارة: والله لأغيرن منها ثلاثة أشراف فخشي إبراهيم أن تجدعها أو تخرم أذنيها فقال لها: هل لك أن تفعلي شيئا وتبري يمينك تثقبين أذنيها وتخفضينها فكان أول الخفاض هذا».
وأخرج البهقي عن سفيان بن عينية قال: «شكا إبراهيم عليه السلام إلى ربه ما يلقى من رداءة خلق سارة فأوحى الله إليه يا إبراهيم أول من تسرول وأول من فرق وأول من استحد وأول من اختتن وأول من قرى الضيف وأول من شاب».
وأخرج وكيع عن واصل مولى ابن عينية قال: «أوحى الله إلى إبراهيم يا إبراهيم إنك أكرم أهل الأرض إلي فإذا سجدت فلا تر الأرض عورتك، قال: فاتخذ سراويل».
وأخرج الحاكم عن أبي أمامة قال: «طلعت كف من السماء بين أصبعين من أصابعها شعرة بيضاء فجعلت تدنو من رأس إبراهيم ثم تدنو فألقتها في راسه وقالت: أشعل وقارا ثم أوحى الله إليها أن تظهر وكان أول من شاب واختتن، وأنزل الله على إبراهيم مما أنزل على محمد {التائبون العابدون الحامدون} [التوبة الآية 112] إلى قوله: {وبشر المؤمنين} و{قد أفلح المؤمنون} [المؤمنون الآيات 1 - 11] إلى قوله: {هم فيها خالدون} و{إن المسلمين والمسلمات} [الأحزاب الآية 35] الآية، والتي في {سأل} {والذين هم على صلاتهم دائمون} [المعارج الآيات 23 - 33] إلى قوله: {قائمون} فلم يف بهذه السهام إلا إبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم».
وأخرج ابن سعد في الطبقات عن سلمان قال: «سأل إبراهيم ربه خيرا فأصبح ثلثا رأسه أبيض فقال: ما هذا فقيل له: عبرة في الدنيا ونور في الآخرة».
وأخرج أحمد في الزهد عن سلمان الفارسي قال: «أوى إبراهيم إلى فراشه فسأل الله أن يؤتيه خيرا فأصبح وقد شاب ثلثا رأسه فساءه ذلك فقيل: لا يسوءنك فإنه عبرة في الدنيا ونور لك في الآخرة وكان أول شيب كان».
وأخرج الديلمي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول من خضب بالحناء والكتم إبراهيم عليه السلام».
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجه عن إبراهيم قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم».
وأخرج أبو داود والترمذي وصححه النسائي، وابن ماجه عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم».
وأخرج الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود».
وأخرج البزار عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشبهوا بالأعاجم غيروا اللحى».
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف والبزار عن سعد عن إبراهيم عن أبيه قال: «أول من خطب على المنبر إبراهيم عليه السلام حين أسر لوط واستأسرته الروم فعزا إبراهيم حتى اسنقذه من الروم» .
وأخرج البزار والطبراني بسند ضعيف عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أتخذ المنبر فقد اتخذه أبي إبراهيم وإن أتخذ العصا فقد اتخذها إبراهيم».
وأخرج ابن عساكر، عن جابر قال: «أول من قاتل في سبيل الله إبراهيم عليه السلام حين أسر لوط واستأسرته الروم فغزا إبراهيم حتى استنقذه من الروم».
وأخرج ابن عساكر عن حسان بن عطية قال: «أول من رتب العسكر في الحرب ميمنة وميسرة وقلبا إبراهيم عليه السلام لما سار لقتال الذين أسروا لوطا عليه السلام».
وأخرج ابن أبي شيبة عن يزيد بن أبي يزيد عن رجل قد سماه قال: «أول من عقد الألوية إبراهيم عليه السلام بلغه أن قوما أغاروا على لوط فسبوه فعقد لواء وسار إليهم بعبيده ومواليه حتى أدركهم فاستقذه وأهله».
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الرومي عن ابن عباس قال: «أول من عمل القسي إبراهيم عليه السلام».
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان أول من ضيف الضيف إبراهيم عليه السلام».
وأخرج ابن سعد، وابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان عن عكرمة قال: «كان إبراهيم خليل الرحمن يكنى أبا الضيفان وكان لقصره أربعة أبواب لكي لا يفوته أحد».
وأخرج البيهقي عن عطاء قال: «كان إبراهيم خليل الله عليه السلام إذا أراد أن يتغدى طلب من يتغدى معه إلى ميل».
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان والخطيب في تاريخه والديلمي في مسند الفردوس والغسولي في جزئه المشهور واللفظ له عن تميم الداري: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن معانقة الرجل الرجل إذا لقيه قال: «كانت تحية الأمم» وفي لفظ «كانت تحية أهل الإيمان وخالص ودهم وأول من عانق خليل الرحمن فإنه خرج يوما يرتاد لماشيته في جبال من جبال بيت المقدس إذ سمع صوت مقدس يقدس الله تعالى فذهل عما كان يطلب فقصد قصد الصوت فإذا هو بشيخ طوله ثمانية عشر ذراعا أهلب يوحد الله عز وجل فقال له إبراهيم: يا شيخ من ربك قال: الذي في السماء، قال: من رب الأرض قال: الذي في السماء، قال: فيها رب غيره قال: ما فيها رب غيره لا إله إلا هو وحده، قال إبراهيم: فأين قبلتك قال: إلى الكعبة، فسأله عن طعامه فقال: أجمع من هذه الثمرة في الصيف فآكله في الشتاء، قال: هل بقي معك أحد من قومك قال: لا، قال: أين منزلك قال: تلك المغارة، قال: اعبر بنا إلى بيتك، قال: بيني وبينها واد لا يخاض، قال: فكيف تعبره فقال: أمشي عليه ذاهبا وأمشي عليه عائدا، قال: فانطلق بنا فافعل الذي ذلله لك يذلله لي، فانطلقا حتى انتهيا فمشيا جميعا عليه كل واحد منهما يعجب من صاحبه فلما دخلا المغارة فإذا بقبلته قبلة إبراهيم قال له إبراهيم: أي يوم خلق الله أشد قال الشيخ: ذلك اليوم الذي يضع كرسيه للحساب يوم تسعر جهنم لا يبقى ملك مقرب ولانبي مرسل إلا خر يهمه نفسه، قال له إبراهيم: ادع الله يا شيخ أن يؤمني وإياك من هول ذلك اليوم، قال الشيخ: وما تصنع بدعائي ولي في السماء دعوة محبوسة منذ ثلاث سنين قال إبراهيم: ألا أخبرك ما حبس دعاءك قال: بلى، قال: إن الله عز وجل إذا أحب عبدا احتبس مسألته يحب صوته ثم جعل له على كل مسألة ذخرا لا يخطر على قلب بشر وإذا أبغض الله عبدا عجل له حاجته أو ألقى الأياس في صدره ليقبض صوته فما دعوتك التي هي في السماء محبوسة قال: مر بي ههنا شاب في راسه ذؤابة منذ ثلاث سنين ومعه غنم قلت: لمن هذه قال: لخليل الله إبراهيم، قلت: اللهم إن كان لك في الأرض خليل فأرنيه قبل خروجي من الدنيا، قال له إبراهيم عليه السلام: قد أجيبت دعوتك ثم اعتنقا فيومئذ كان أصل المعانقة وكان قبل ذلك السجود هذا لهذا وهذا لهذا ثم جاء الصفاح مع الإسلام فلم يسجد ولم يعانق ولن تفترق الأصابع حتى يغفر لكل مصافح».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد أبو نعيم في الحلية عن كعب قال: «قال إبراهيم عليه السلام: إنني ليحزنني أن لا أرى أحدا في الأرض يعبدك غيري فأنزل الله إليه ملائكته يصلون معه ويكونون معه».
وأخرج أحمد وأبو نعيم عن نوف البكالي قال: «قال إبراهيم عليه السلام: يا رب إنه ليس في الأرض أحد يعبدك غيري فأنزل الله عز وجل ثلاثة آلاف ملك فأمهم ثلاثة أيام».
وأخرج ابن سعد عن الكلبي قال: «إبراهيم عليه السلام أول من اضاف الضيف وأول من ثرد الثريد وأول من رأى الشيب وكان قد وسع عليه في المال والخدم».
وأخرج ابن أبي شيبة عن السدي قال: «أول من ثرد الثريد إبراهيم عليه السلام».
وأخرج الديلمي عن نبيط بن شريط قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول من اتخذ الخبز المبلقس إبراهيم عليه السلام».
وأخرج أحمد في الزهد عن مطرف قال: «أول من راغم إبراهيم عليه السلام حين راغم قومه إلى الله بالدعاء».
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف واللفظ له والبخاري ومسلم
والترمذي والنسائي عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أول الخلائق يلقى بثوب - يعني يوم القيامة - إبراهيم عليه السلام».
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: «يحشر الناس عراة حفاة فأول من يلقى بثوب إبراهيم».
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عبيد بن عمير قال: «يحشر الناس عراة حفاة فيقول الله: ألا أرى خليلي عريانا فيكسى يحشر الناس عراة حفاة ثوبا ابيض فهو أول من يكسى».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن عبد الله بن الحرث قال: «أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام قبطيتين ثم يكسى النّبيّ صلى الله عليه وسلم حلة الحيرة وهو على يمين العرش».
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والنسائي عن أنس قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا خير البرية، قال: «ذاك إبراهيم».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح قال: «انطلق إبراهيم عليه السلام يمتار فلم يقدر على الطعام فمر بسهلة حمراء فأخذ منها ثم رجع إلى أهله فقالوا: ما هذا قال: حنطه حمراء ففتحوها فوجدها حنطة حمراء فكان إذا زرع منها شيئا نبتت سنبلة من أصلها إلى فرعها حبا متراكبا».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية عن سلمان قال: «أرسل على إبراهيم عليه السلام أسدان مجوعان فلحساه وسجدا له».
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن أبي بن كعب أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أرسل إلي ربي أن أقرأ القرآن على حرف فرددت عليه يا رب هون على أمتي فرد على الثانية أن أقرأ على حرفين قلت: يا رب هون على أمتي فرد على الثالثة أن أقرأ على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتها مسألة فسلنيها، فقلت: اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة إلى يوم يرغب إلي فيه الخلائق حتى إبراهيم».
وأخرج أحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية عن كعب قال: «كان إبراهيم عليه السلام يقري الضيف ويرحم المسكين، وابن السبيل فابطأت عليه الأضياف حتى أشرأب بذلك فخرج إلى الطريق يطلب فجلس ملك الموت عليه السلام في صورة رجل فسلم عليه فرد السلام ثم سأله من أنت قال: أنا ابن السبيل قال: إنما قعدت ههنا لمثلك فأخذ بيده فقال له: انطلق، فذهب إلى منزله فلما رآه إسحاق عرفه فبكى إسحاق فلما رأت سارة إسحاق يبكي بكت لبكائه فلما رأى إبراهيم ساره تبكي فبكى لبكائها فلما رأى ملك الموت إبراهيم يبكي بكى لبكائه ثم صعد ملك الموت فلما ارتقى غضب إبراهيم فقال: بكيتم في وجه ضيفي حتى ذهب فقال إسحاق: لا تلمني يا أبت فإني رأيت ملك الموت معك لا أرى أجلك إلا قد حضر فارث في أهلك أي أوصه وكان لأبراهيم بيت يتعبد فيه فإذا خرج أغلقه لا يدخله غيره فجاء إبراهيم ففتح بيته الذي يتعبد فيه فإذا هو برجل جالس فقال إبراهيم: من أدخلك بإذن من دخلت قال: بإذن رب البيت، قال: رب البيت أحق به ثم تنحى في ناحية البيت فصلى ودعا كما كان يصنع وصعد ملك الموت فقيل له: ما رأيت قال: يا رب جئتك من عند عبدك ليس بعده في الأرض خير، قيل له: ما رأيت منه قال: ما ترك خلقا من خلقك إلا قد دعا له بخير في دينه وفي معيشته، ثم مكث إبراهيم عليه السلام ما شاء الله ثم جاء ففتح بابه فإذا هو برجل جالس قال له: من أنت قال: إنما أنا ملك الموت، قال إبراهيم: إن كنت صادقا فأرني آية أعرف أنك ملك الموت، قال: اعرض بوجهك يا إبراهيم قال: ثم أقبل فأراه الصورة التي يقبض بها المؤمنين فرأى شيئا من النور والبهاء لا يعلمه إلا الله ثم قال: انظر فأراه الصورة التي يقبض بها الكفار والفجار فرعب إبراهيم عليه السلام رعبا حتى ألصق بطنه بالأرض كادت نفس إبراهيم تخرج فقال: أعرف الذين أمرت به فامض له، فصعد ملك الموت فقيل له: تلطف بإبراهيم فأتاه وهو في عنب له وهو في صورة شيخ كبير لم يبق منه شيء فلما رآه إبراهيم رحمه فأخذ مكتلا ثم دخل عنبه فقطف من العنب في مكتله ثم جاء فوضعه بين يديه فقال: كل، فجعل يضع ويريه أن يأكل ويمجه على لحيته وعلى صدره فعجب إبراهيم فقال: ما أبقت السن منك شيئا كم أتى لك فحسب مدة إبراهيم فقال: أمالي كذا وكذا، فقال إبراهيم: قد أتي لي هذا إنما أنتظر أن أكون مثلك اللهم اقبضني إليك فطابت نفس إبراهيم على نفسه وقبض ملك الموت نفسه تلك الحال».
وأخرج الحاكم عن الواقدي قال: «ولد إبراهيم بغوطة دمشق في قرية يقال لها برزة ومن جبل يقال له قاسيون».
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي السكن الهجري قال: «مات خليل الله فجأة ومات داود فجأة ومات سليمان بن داود فجأة والصالحون وهو تخفيف على المؤمن وتشديد على الكافر».
وأخرج أن: «ملك الموت جاء إلى إبراهيم عليه السلام ليقبض روحه فقال إبراهيم: يا ملك الموت هل رأيت خليلا يقبض روح خليله فعرج ملك الموت إلى ربه فقال: قله له: هل رأيت خليلا يكره لقاء خليله فرجع قال: فاقبض روحي الساعة».
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جبير قال: «كان الله يبعث ملك الموت إلى الأنبياء عيانا فبعثه إلى إبراهيم عليه السلام ليقبضه فدخل دار إبراهيم في صورة رجل شاب جميل وكان إبراهيم غيورا فلما دخل عليه حملته الغيرة على أن قال له: يا عبد الله ما أدخلك داري قال: أدخلنيها ربها، فعرف إبراهيم أن هذا الأمر حدث قال يا إبراهيم: إني أمرت بقبض روحك، قال: أمهلني يا ملك الموت حتى يدخل إسحاق فأمهله فلما دخل إسحاق قام إليه فاعتنقه كل واحد منهما صاحبه فرق لهما ملك الموت فرجع إلى ربه فقال: يا رب رأيت خليلك جزع من الموت، قال: يا ملك الموت فائت خليلي في منامه فاقبضه فأتاه في منامه فقبضه».
وأخرج أحمد في الزهد والمروزي في الجنائز عن أبي مليكة: «أن إبراهيم لما لقي ربه قيل له: كيف وجدت الموت قال: وجدت نفسي كأنما تنزع بالسلي، قيل له: قد يسرنا عليك الموت».
وأخرج أحمد، وابن أبي الدنيا في العزاء، وابن أبي داود في البعث، وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أولاد المؤمنين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة عليهما السلام حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة».
وأخرج سعيد بن منصور عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن ذراري المسلمين في عصافير خضر في شجر في الجنة يكفلهم إبراهيم عليه السلام»). [الدر المنثور: 1/ 578-614]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {قال إني جاعلك للناس إماما} الآية.
أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس: «{قال إني جاعلك للناس إماما} يقتدى بدينك وهديك وسنتك {قال ومن ذريتي} إماما لغير ذريتي
{قال لا ينال عهدي الظالمين} أن يقتدى بدينهم وهديهم وسنتهم».
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: «هذا عند الله يوم القيامة لا ينال عهده ظالما فأما في الدنيا نالوا عهده فوارثوا به المسلمين وغازوهم وناكحوهم فلما كان يوم القيامة قصر الله عهده وكرامته على أوليائه».
وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله: «{إني جاعلك للناس إماما} يؤتم به ويقتدى قال إبراهيم: {ومن ذريتي} فاجعل من يؤتم به ويقتدى به».
وأخرج الفريابي، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «قال الله لإبراهيم {إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي} فأبى أن يفعل ثم {قال لا ينال عهدي الظالمين}».
وأخرج وكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {لا ينال عهدي الظالمين} قال: «لا أجعل إماما ظالما يقتدى به».
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: «يخبره أنه كائن في ذريته ظالم لا ينال عهده ولا ينبغي له أن يوليه شيئا من أمره».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {لا ينال عهدي الظالمين} قال: «ليس بظالم عليك عهد في معصية الله أن تطيعه».
وأخرج وكيع، وابن مردويه عن علي بن أبي طالب عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {لا ينال عهدي الظالمين} قال: «لا طاعة إلا في المعروف».
وأخرج عبد بن حميد عن عمران بن حصين سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا طاعة لمخلوق في معصية الله».
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: «لا طاعة مفترضة إلا لنبي» ). [الدر المنثور: 1/ 614-616]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (ابن طاوسٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، في قوله عزّ وجلّ: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} [البقرة: 124] قال: «ابتلاه اللّه بالطّهارة، خمسٌ في الرّأس وخمسٌ في الجسد؛ في الرّأس: قصّ الشّارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسّواك، وفرق الرّأس، وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل مكان الغائط والبول بالماء» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه). [المستدرك: 2/ 293]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين}:
أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات} قال: «ابتلاه الله بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد في الرأس قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس، وفي الجسد تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل مكان الغائط والبول بالماء».
وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم فأتمهن فراق قومه في الله حين أمر بمفارقتهم ومحاجته نمرود في الله حين وقفه على ما وقفه عليه من خطر الأمر الذي فيه خلافهم وصبره على قذفهم إياه في النار ليحرقوه في الله والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده حين أمره بالخروج عنهم وما أمره به من الضيافة والصبر عليها وما بتلي به من ذبح ولده، فلما مضى على ذلك كله وأخلصه البلاء قال الله له أسلم {قال أسلمت لرب العالمين} [البقرة الآية 131]».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن ابي حاتم عن ابن عباس قال: «الكلمات التي ابتلى بها عشر ست في الإنسان وأربع في المشاعر، فأما التي في الإنسان فحلق العانة ونتف الإبط والختان وتقليم الأظفار وقص الشارب والسواك وغسل يوم الجمعة، والأربعة التي في المشاعر الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار والإفاضة».
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه، وابن عساكر عن ابن عباس قال: «ما ابتلي أحد بهذا الدين فقام به كله إلا إبراهيم قال: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} قيل ما الكلمات قال: سهام الإسلام ثلاثون سهما، عشر في براءة {التائبون العابدون} إلى آخر الآية وعشر في أول سورة {قد أفلح} و{سأل سائل} {والذين يصدقون بيوم الدين} الآيات، وعشر في الأحزاب {إن المسلمين والمسلمات} إلى آخر الآية {فأتمهن} كلهن فكتب له براءة قال تعالى: {وإبراهيم الذي وفى} [النجم الاية 37]».
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والحاكم من طرق عن ابن عباس: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} قال: «منهن مناسك الحج».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: «الكلمات {إني جاعلك للناس إماما} [البقرة الآية 124]، {وإذ يرفع إبراهيم القوعد} [البقرة الآية 127] والآيات في شأن المناسك والمقام الذي جعل لإبراهيم والرزق الذي رزق ساكنو البيت وبعث محمد في ذريتهما».
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات} قال: «ابتلى بالآيات التي بعدها».
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن الحسن قال: «ابتلاه بالكوكب فرضي عنه وابتلاه بالقمر فرضي عنه وابتلاه بالشمس فرضي عنه وابتلاه بالهجرة فرضي عنه وابتلاه بالختان فرضي عنه وابتلاه بابنه فرضي عنه».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {فأتمهن} قال: «فأداهن».
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من فطرة إبراهيم السواك».
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: «من فطرة إبراهيم غسل الذكر والبراجم».
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن مجاهد قال: «ست من فطرة إبراهيم قص الشارب والسواك والفرق وقص الأظفار والاستنجاء وحلق العانة قال: ثلاثة في الرأس وثلاثة في الجسد».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الفطرة خمس أو خمس من الفطرة، الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الآباط».
وأخرج البخاري والنسائي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من الفطرة حلق العانة وتقليم الأظفار وقص الشارب».
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك والاستنشاق بالماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الآباط وحلق العانة وانتفاض الماء يعني الاستنجاء بالماء، قال مصعب: نسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود، وابن ماجه عن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الفطرة المضمضة والاستنشاق والسواك وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الابط والاستنجاء وغسل البراجم والانتضاح والاختتان».
وأخرج البزار والطبراني عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطهارات أربع قص الشارب وحلق العانة وتقليم الأظفار والسواك».
وأخرج ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن أنس بن مالك قال: وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «في قص الشارب وتقليم الأظفار وحلق العانة ونتف الابط أن لا تترك أكثر من أربعين يوما».
وأخرج أحمد والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: لقد أبطأ عنك جبريل، فقال: «ولم لا يبطى ء عني وأنتم حولي لا تستنون لا تقلمون أظفاركم ولا تقصون شواربكم ولا تنقون براجمكم».
وأخرج الترمذي وحسنه عن ابن عباس قال كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقص أو يأخذ من شاربه قال: «لأن خليل الرحمن إبراهيم يفعله».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه والنسائي عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يأخذ من شاربه فليس منا».
وأخرج مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب».
وأخرج البزار عن أنس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «خالفوا المجوس جزوا الشوارب وأعفوا اللحى».
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبيد الله بن عبد الله بن عبيد الله قال: جاء رجل من المجوس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حلق لحيته وأطال شاربه فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما هذا» قال: هذا في ديننا، قال: «ولكن في ديننا أن تجز الشارب وأن تعفي اللحية».
وأخرج البزار عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا وشاربه طويل فقال: «ائتوني بمقص وسواك فجعل السواك على طرفه ثم أخذ ما جاوز».
وأخرج البزرا والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان بسند حسن عن أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقلم أظفاره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يخرج إلى الصلاة».
وأخرج ابن عدي بسند ضعيف عن أنس قال: «وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق الرجل عانته كل أربعين يوما وأن ينتف ابطه كلما طلع ولا يدع شاربيه يطولان وأن يقلم أظفاره من الجمعة إلى الجمعة».
وأخرج ابن عساكر بسند ضعيف، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قصوا أظافيركم فإن الشيطان يجري ما بين اللحم والظفر».
وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن وابصة بن معبد قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل شيء حتى سألته عن الوسخ الذي يكون في الأظفار فقال: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك».
وأخرج البزار عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لي لا أهم ورفع أحدكم بين أنملته وظفره».
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن قيس بن حازم قال: صلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلاة فأوهم فيها فسأل فقال: «ما لي لا أهم ورفع أحدكم بين ظفره وأنملته».
وأخرج ابن ماجه والبيهقي بسند ضعيف عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ما جاءني جبريل إلا أوصاني بالسواك حتى خشيت أن يفرض علي وعلى أمتي ولولا أني أخاف أن أشق على أمتي لفرضته لهم وأني لأستاك حتى أني خشيت أن أحفي مقادم في».
وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ومجلاة للبصر».
وأخرج ابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان وضعفه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالسواك فإنه مطهرة للفم مرضاة للرب مفرحة للملائكة يزيد في الحسنات وهو من السنة يجلو البصر ويذهب الحفر ويشد اللثة ويذهب البلغم ويطيب الفم».
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة».
وأخرج أحمد بسند حسن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء وعند كل وضوء بسواك».
وأخرج البزار وأبو يعلى والطبراني بسند ضعيف عن عائشة قالت: «ما زال النّبيّ صلى الله عليه وسلم يذكر بالسواك حتى خشينا أن ينزل فيه قرآن».
وأخرج أحمد والحرث بن أبي أسامة والبزار وأبو يعلى، وابن خزيمة والدارقطني والحاكم وصححه وأبو نعيم في كتاب السواك والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «فضل الصلاة بسواك على الصلاة بغير سواك سبعون ضعفا».
وأخرج البزار والبيهقي بسند جيد عن عائشة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك».
وأخرج أحمد وأبو يعلى بسند جيد عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لقد أمرت بالسواك حتى ظننت أنه ينزل علي به قرآن أو وحي».
وأخرج أحمد وأبو يعلى والطبراني بسند ضعيف عن ابن عمر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينام إلا السواك عنده فإذا استيقظ بدأ بالسواك».
وأخرج الطبراني بسند حسن عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مازال جبريل يوصيني بالسواك حتى خفت على أضراسي».
وأخرج البزار والترمذي الحكيم في نوادر الأصول عن كليح بن عبد الله الخطمي عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمس من سنن المرسلين الحياء والحلم والحجامة والسواك والتعطر».
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام ليلة ولا ينتبه إلا استن».
وأخرج الطبراني بسند حسن عن زيد بن خالد الجهني قال: «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من بيته لشيء من الصلوات حتى يستاك».

وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود بسند ضعيف عن عائشة: «أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان لا يرقد من ليل ولا نهار فيستقيظ تسوك قبل أن يتوضأ».
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجه عن عائشة: «أنها سئلت بأي شيء كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يبدأ إذا دخل بيته قالت: كان إذا دخل يبدأ بالسواك».
وأخرج ابن ماجه عن علي بن أبي طالب قال: «إن أفواهكم طرق للقرآن فطيبوها بالسواك»، وأخرجه أبو نعيم في كتاب السواك عن علي مرفوعا.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم معا في الطب النبوي عن أبي هريره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن السواك ليزيد الرجل فصاحة».
وأخرج ابن السني عن علي بن أبي طالب قال: «قراءة القرآن والسواك يذهب البلغم».
وأخرج أبو نعيم في معرفة الصحابة عن سمويه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نام ليلة حتى استن».
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأبو نعيم في كتاب السواك بسند ضعيف من طريق أبي عتيق، عن جابر: «أنه كان ليستاك إذا أخذ مضجعه وإذا قام من الليل وإذا خرج إلى الصلاة، فقلت له: لقد شققت على نفسك، فقال: إن أسامة أخبرني أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يستاك هذا السواك».
وأخرج أبو نعيم بسند حسن عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يستاكوا بالأسحار».
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن، عن علي، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء».
وأخرج الشافعي، وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وأبو يعلى وابن خزيمة، وابن حبان والحاكم والبيهقي عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب».
وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط بسند حسن عن ابن عمر ان النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بالسواك فإنه مطيبة للفم مرضاة للرب تبارك وتعالى».
وأخرج أحمد بسند ضعيف عن قثم أو تمام بن عباس قال: أتينا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «ما لكم تأتوني قلحا لا تسوكون لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك كما فرضت عليهم الوضوء».
وأخرج الطبراني، عن جابر قال: «كان السواك من أذن النّبيّ صلى الله عليه وسلم موضع القلم من أذن الكاتب».
وأخرج العقيلي في الضعفاء وأبو نعيم في السواك بسند ضعيف عن عائشة قالت: «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا سافر حمل السواك والمشط والمكحلة والقارورة والمرآة».
وأخرج أبو نعيم بسند واه عن رافع بن خديج مرفوعا: «السواك واجب».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: «لقد كنا نؤمر بالسواك حتى ظننا أنه سينزل به».
وأخرج ابن أبي شيبة عن حسان بن عطية مرفوعا: «الوضوء شطر الإيمان والسواك شطر الوضوء ولولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ركعتان يستاك بهما العبد أفضل من سبعين ركعة لا يستاك فيها».
وأخرج ابن أبي شيبة عن سليمان بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استاكوا وتنظفوا وأوتروا فإن الله وتر يحب الوتر».
وأخرج ابن عدي عن أنس: «أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بتعاهد البراجم عند الوضوء لأن الوسخ إليها سريع».
وأخرج الترمذي الحكيم في نوادر الأصول بسند فيه مجهول عن عبد الله بن بسر رفعه: «قصوا أظفاركم وادفنوا قلاماتكم ونقوا براجمكم».
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي، وابن ماجه عن ابن عباس قال: «كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم وكان المشركون يفرقون رؤوسهم وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به فسدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد».
وأخرج ابن ماجه والبيهقي بسند جيد عن أم سلمة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أطلى ولى (تابع) عانته بيده».
وأخرج البيهقي بسند ضعيف جدا عن أنس: «أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان لا يتنور وكان إذا كثر شعره حلقه».
وأخرج أحمد والبيهقي عن شداد بن أوس رفعه: «الختان سنة للرجال مكرمة للنساء».
وأخرج الطبراني في مسند الشاميين وأبو الشيخ في كتاب العقيقة والبيهقي من حديث ابن عباس، مثله.
وأخرج أبو داود عن عيثم بن كليب عن أبيه عن جده: أنه جاء إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: فقد أسلمت - فقال له: «ألق عنك شعر الكفر» - يقول: احلق قال: وأخبرني آخر أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لآخر معه: «ألق عنك شعر الكفر واختتن».
وأخرج البيهقي عن الزهري عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من أسلم فليختتن».
وأخرج أحمد والطبراني عن عثمان بن أبي العاص أنه دعي إلى ختان فقال: «ما كنا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ندعى له».
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال: «سبع من السنة في الصبي يوم السابع يسمى ويختن ويماط عنه الأذى ويعق عنه ويحلق رأسه ويلطخ من عقيقته ويتصدق بوزن شعر رأسه ذهبا أو فضة».
وأخرج أبو الشيخ في كتاب العقيقة والبيهقي، عن جابر: «أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام».
وأخرج البيهقي عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه: «إن إبراهيم عليه السلام ختن إسحاق لسبعة أيام وختن اسماعيل عند بلوغه».
وأخرج ابن سعد عن حي بن عبد الله قال: «بلغني أن اسماعيل عليه السلام اختتن وهو ابن ثلاث عشر سنة».
وأخرج أبو الشيخ في العقيقة من طريق موسى بن علي بن رباح عن أبيه: «أن إبراهيم عليه السلام أمر أن يختتن وهو حينئذ ابن ثمانين سنة فعجل واختتن بالقدوم فاشتد عليه الوجع فدعا ربه فأوحى إليه إنك عجلت قبل أن نأمرك بآلته قال: يا رب كرهت أن أؤخر أمرك».
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثلاثين سنة بالقدوم».
وأخرج ابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان إبراهيم أول من اختتن وهو ابن عشرين ومائة سنة واختتن بالقدوم ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة».
وأخرج ابن سعد، وابن أبي شيبة والحاكم والبيهقي وصححاه من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: «اختتن إبراهيم خليل الله وهو ابن عشرين ومائة سنة بالقدوم ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة»، قال سعيد: «وكان إبراهيم أول من اختتن وأول من رأى الشيب فقال: يا رب ما هذا قال: وقار يا إبراهيم، قال: رب زدني وقارا، وأول من أضاف الضيف وأول من جز شاربه وأول من قص أظافيره وأول من استحد».
وأخرج ابن عدي والبيهقي عن أبي هريرة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن إبراهيم أول من اضاف الضيف وأول من قص الشارب وأول من رأى الشيب وأول من قص الأظافير وأول من اختتن بقدومه».
وأخرج البيهقي عن علي رضي الله عنه قال: «كانت هاجر لسارة فأعطت هاجر إبراهيم فاستبق اسماعيل واسحاق لنفسه فسبقه اسماعيل فقعد في حجر إبراهيم، قالت: سارة: والله لأغيرن منها ثلاثة أشراف فخشي إبراهيم أن تجدعها أو تخرم أذنيها فقال لها: هل لك أن تفعلي شيئا وتبري يمينك تثقبين أذنيها وتخفضينها فكان أول الخفاض هذا».
وأخرج البهقي عن سفيان بن عينية قال: «شكا إبراهيم عليه السلام إلى ربه ما يلقى من رداءة خلق سارة فأوحى الله إليه يا إبراهيم أول من تسرول وأول من فرق وأول من استحد وأول من اختتن وأول من قرى الضيف وأول من شاب».
وأخرج وكيع عن واصل مولى ابن عينية قال: «أوحى الله إلى إبراهيم يا إبراهيم إنك أكرم أهل الأرض إلي فإذا سجدت فلا تر الأرض عورتك، قال: فاتخذ سراويل».
وأخرج الحاكم عن أبي أمامة قال: «طلعت كف من السماء بين أصبعين من أصابعها شعرة بيضاء فجعلت تدنو من رأس إبراهيم ثم تدنو فألقتها في راسه وقالت: أشعل وقارا ثم أوحى الله إليها أن تظهر وكان أول من شاب واختتن، وأنزل الله على إبراهيم مما أنزل على محمد {التائبون العابدون الحامدون} [التوبة الآية 112] إلى قوله: {وبشر المؤمنين} و{قد أفلح المؤمنون} [المؤمنون الآيات 1 - 11] إلى قوله: {هم فيها خالدون} و{إن المسلمين والمسلمات} [الأحزاب الآية 35] الآية، والتي في {سأل} و{الذين هم على صلاتهم دائمون} [المعارج الآيات 23 - 33] إلى قوله: {قائمون} فلم يف بهذه السهام إلا إبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم».
وأخرج ابن سعد في الطبقات عن سلمان قال: «سأل إبراهيم ربه خيرا فأصبح ثلثا رأسه أبيض فقال: ما هذا فقيل له: عبرة في الدنيا ونور في الآخرة».
وأخرج أحمد في الزهد عن سلمان الفارسي قال: «أوى إبراهيم إلى فراشه فسأل الله أن يؤتيه خيرا فأصبح وقد شاب ثلثا رأسه فساءه ذلك فقيل: لا يسوءنك فإنه عبرة في الدنيا ونور لك في الآخرة وكان أول شيب كان».
وأخرج الديلمي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول من خضب بالحناء والكتم إبراهيم عليه السلام».
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجه عن إبراهيم قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم».
وأخرج أبو داود والترمذي وصححه النسائي، وابن ماجه عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم».
وأخرج الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود».
وأخرج البزار عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشبهوا بالأعاجم غيروا اللحى».
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف والبزار عن سعد عن إبراهيم عن أبيه قال: «أول من خطب على المنبر إبراهيم عليه السلام حين أسر لوط واستأسرته الروم فعزا إبراهيم حتى اسنقذه من الروم» .
وأخرج البزار والطبراني بسند ضعيف عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أتخذ المنبر فقد اتخذه أبي إبراهيم وإن أتخذ العصا فقد اتخذها إبراهيم».
وأخرج ابن عساكر، عن جابر قال: «أول من قاتل في سبيل الله إبراهيم عليه السلام حين أسر لوط واستأسرته الروم فغزا إبراهيم حتى استنقذه من الروم».
وأخرج ابن عساكر عن حسان بن عطية قال: «أول من رتب العسكر في الحرب ميمنة وميسرة وقلبا إبراهيم عليه السلام لما سار لقتال الذين أسروا لوطا عليه السلام».
وأخرج ابن أبي شيبة عن يزيد بن أبي يزيد عن رجل قد سماه قال: «أول من عقد الألوية إبراهيم عليه السلام بلغه أن قوما أغاروا على لوط فسبوه فعقد لواء وسار إليهم بعبيده ومواليه حتى أدركهم فاستقذه وأهله».
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الرومي عن ابن عباس قال: «أول من عمل القسي إبراهيم عليه السلام».
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان أول من ضيف الضيف إبراهيم عليه السلام».
وأخرج ابن سعد، وابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان عن عكرمة قال: «كان إبراهيم خليل الرحمن يكنى أبا الضيفان وكان لقصره أربعة أبواب لكي لا يفوته أحد».
وأخرج البيهقي عن عطاء قال: «كان إبراهيم خليل الله عليه السلام إذا أراد أن يتغدى طلب من يتغدى معه إلى ميل».
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان والخطيب في تاريخه والديلمي في مسند الفردوس والغسولي في جزئه المشهور واللفظ له عن تميم الداري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن معانقة الرجل الرجل إذا لقيه قال: «كانت تحية الأمم» وفي لفظ «كانت تحية أهل الإيمان وخالص ودهم وأول من عانق خليل الرحمن فإنه خرج يوما يرتاد لماشيته في جبال من جبال بيت المقدس إذ سمع صوت مقدس يقدس الله تعالى فذهل عما كان يطلب فقصد قصد الصوت فإذا هو بشيخ طوله ثمانية عشر ذراعا أهلب يوحد الله عز وجل فقال له إبراهيم: يا شيخ من ربك قال: الذي في السماء، قال: من رب الأرض قال: الذي في السماء، قال: فيها رب غيره قال: ما فيها رب غيره لا إله إلا هو وحده، قال إبراهيم: فأين قبلتك قال: إلى الكعبة، فسأله عن طعامه فقال: أجمع من هذه الثمرة في الصيف فآكله في الشتاء، قال: هل بقي معك أحد من قومك قال: لا، قال: أين منزلك قال: تلك المغارة، قال: اعبر بنا إلى بيتك، قال: بيني وبينها واد لا يخاض، قال: فكيف تعبره فقال: أمشي عليه ذاهبا وأمشي عليه عائدا، قال: فانطلق بنا فافعل الذي ذلله لك يذلله لي، فانطلقا حتى انتهيا فمشيا جميعا عليه كل واحد منهما يعجب من صاحبه فلما دخلا المغارة فإذا بقبلته قبلة إبراهيم قال له إبراهيم: أي يوم خلق الله أشد قال الشيخ: ذلك اليوم الذي يضع كرسيه للحساب يوم تسعر جهنم لا يبقى ملك مقرب ولانبي مرسل إلا خر يهمه نفسه، قال له إبراهيم: ادع الله يا شيخ أن يؤمني وإياك من هول ذلك اليوم، قال الشيخ: وما تصنع بدعائي ولي في السماء دعوة محبوسة منذ ثلاث سنين قال إبراهيم: ألا أخبرك ما حبس دعاءك قال: بلى، قال: إن الله عز وجل إذا أحب عبدا احتبس مسألته يحب صوته ثم جعل له على كل مسألة ذخرا لا يخطر على قلب بشر وإذا أبغض الله عبدا عجل له حاجته أو ألقى الأياس في صدره ليقبض صوته فما دعوتك التي هي في السماء محبوسة قال: مر بي ههنا شاب في راسه ذؤابة منذ ثلاث سنين ومعه غنم قلت: لمن هذه قال: لخليل الله إبراهيم، قلت: اللهم إن كان لك في الأرض خليل فأرنيه قبل خروجي من الدنيا، قال له إبراهيم عليه السلام: قد أجيبت دعوتك ثم اعتنقا فيومئذ كان أصل المعانقة وكان قبل ذلك السجود هذا لهذا وهذا لهذا ثم جاء الصفاح مع الإسلام فلم يسجد ولم يعانق ولن تفترق الأصابع حتى يغفر لكل مصافح».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد أبو نعيم في الحلية عن كعب قال: «قال إبراهيم عليه السلام: إنني ليحزنني أن لا أرى أحدا في الأرض يعبدك غيري فأنزل الله إليه ملائكته يصلون معه ويكونون معه».
وأخرج أحمد وأبو نعيم عن نوف البكالي قال: «قال إبراهيم عليه السلام: يا رب إنه ليس في الأرض أحد يعبدك غيري فأنزل الله عز وجل ثلاثة آلاف ملك فأمهم ثلاثة أيام».
وأخرج ابن سعد عن الكلبي: «قال إبراهيم عليه السلام أول من اضاف الضيف وأول من ثرد الثريد وأول من رأى الشيب وكان قد وسع عليه في المال والخدم».
وأخرج ابن أبي شيبة عن السدي قال: «أول من ثرد الثريد إبراهيم عليه السلام».
وأخرج الديلمي عن نبيط بن شريط قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول من اتخذ الخبز المبلقس إبراهيم عليه السلام».
وأخرج أحمد في الزهد عن مطرف قال: «أول من راغم إبراهيم عليه السلام حين راغم قومه إلى الله بالدعاء».
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف واللفظ له والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أول الخلائق يلقى بثوب - يعني يوم القيامة - إبراهيم عليه السلام».
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: «يحشر الناس عراة حفاة فأول من يلقى بثوب إبراهيم».
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عبيد بن عمير قال: «يحشر الناس عراة حفاة فيقول الله: ألا أرى خليلي عريانا فيكسى يحشر الناس عراة حفاة ثوبا ابيض فهو أول من يكسى».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن عبد الله بن الحرث قال: «أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام قبطيتين ثم يكسى النّبيّ صلى الله عليه وسلم حلة الحيرة وهو على يمين العرش».
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والنسائي عن أنس قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا خير البرية، قال: «ذاك إبراهيم».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح قال: «انطلق إبراهيم عليه السلام يمتار فلم يقدر على الطعام فمر بسهلة حمراء فأخذ منها ثم رجع إلى أهله فقالوا: ما هذا قال: حنطه حمراء ففتحوها فوجدها حنطة حمراء فكان إذا زرع منها شيئا نبتت سنبلة من أصلها إلى فرعها حبا متراكبا».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية عن سلمان قال: «أرسل على إبراهيم عليه السلام أسدان مجوعان فلحساه وسجدا له».
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن أبي بن كعب أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أرسل إلي ربي أن أقرأ القرآن على حرف فرددت عليه يا رب هون على أمتي فرد على الثانية أن أقرأ على حرفين قلت: يا رب هون على أمتي فرد على الثالثة أن أقرأ على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتها مسألة فسلنيها، فقلت: اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة إلى يوم يرغب إلي فيه الخلائق حتى إبراهيم».
وأخرج أحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية عن كعب قال: «كان إبراهيم عليه السلام يقري الضيف ويرحم المسكين، وابن السبيل فابطأت عليه الأضياف حتى أشرأب بذلك فخرج إلى الطريق يطلب فجلس ملك الموت عليه السلام في صورة رجل فسلم عليه فرد السلام ثم سأله من أنت قال: أنا ابن السبيل قال: إنما قعدت ههنا لمثلك فأخذ بيده فقال له: انطلق، فذهب إلى منزله فلما رآه إسحاق عرفه فبكى إسحاق فلما رأت سارة إسحاق يبكي بكت لبكائه فلما رأى إبراهيم ساره تبكي فبكى لبكائها فلما رأى ملك الموت إبراهيم يبكي بكى لبكائه ثم صعد ملك الموت فلما ارتقى غضب إبراهيم فقال: بكيتم في وجه ضيفي حتى ذهب فقال إسحاق: لا تلمني يا أبت فإني رأيت ملك الموت معك لا أرى أجلك إلا قد حضر فارث في أهلك أي أوصه وكان لأبراهيم بيت يتعبد فيه فإذا خرج أغلقه لا يدخله غيره فجاء إبراهيم ففتح بيته الذي يتعبد فيه فإذا هو برجل جالس فقال إبراهيم: من أدخلك بإذن من دخلت قال: بإذن رب البيت، قال: رب البيت أحق به ثم تنحى في ناحية البيت فصلى ودعا كما كان يصنع وصعد ملك الموت فقيل له: ما رأيت قال: يا رب جئتك من عند عبدك ليس بعده في الأرض خير، قيل له: ما رأيت منه قال: ما ترك خلقا من خلقك إلا قد دعا له بخير في دينه وفي معيشته، ثم مكث إبراهيم عليه السلام ما شاء الله ثم جاء ففتح بابه فإذا هو برجل جالس قال له: من أنت قال: إنما أنا ملك الموت، قال إبراهيم: إن كنت صادقا فأرني آية أعرف أنك ملك الموت، قال: اعرض بوجهك يا إبراهيم
قال: ثم أقبل فأراه الصورة التي يقبض بها المؤمنين فرأى شيئا من النور والبهاء لا يعلمه إلا الله ثم قال: انظر فأراه الصورة التي يقبض بها الكفار والفجار فرعب إبراهيم عليه السلام رعبا حتى ألصق بطنه بالأرض كادت نفس إبراهيم تخرج فقال: أعرف الذين أمرت به فامض له، فصعد ملك الموت فقيل له: تلطف بإبراهيم فأتاه وهو في عنب له وهو في صورة شيخ كبير لم يبق منه شيء فلما رآه إبراهيم رحمه فأخذ مكتلا ثم دخل عنبه فقطف من العنب في مكتله ثم جاء فوضعه بين يديه فقال: كل، فجعل يضع ويريه أن يأكل ويمجه على لحيته وعلى صدره فعجب إبراهيم فقال: ما أبقت
السن منك شيئا كم أتى لك فحسب مدة إبراهيم فقال: أمالي كذا وكذا، فقال إبراهيم: قد أتي لي هذا إنما أنتظر أن أكون مثلك اللهم اقبضني إليك فطابت نفس إبراهيم على نفسه وقبض ملك الموت نفسه تلك الحال».
وأخرج الحاكم عن الواقدي قال: «ولد إبراهيم بغوطة دمشق في قرية يقال لها برزة ومن جبل يقال له قاسيون».
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي السكن الهجري قال: «مات خليل الله فجأة ومات داود فجأة ومات سليمان بن داود فجأة والصالحون وهو تخفيف على المؤمن وتشديد على الكافر».
وأخرج: «أن ملك الموت جاء إلى إبراهيم عليه السلام ليقبض روحه فقال إبراهيم: يا ملك الموت هل رأيت خليلا يقبض روح
خليله فعرج ملك الموت إلى ربه فقال: قله له: هل رأيت خليلا يكره لقاء خليله فرجع قال: فاقبض روحي الساعة».
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جبير قال: «كان الله يبعث ملك الموت إلى الأنبياء عيانا فبعثه إلى إبراهيم عليه السلام ليقبضه فدخل دار إبراهيم في صورة رجل شاب جميل وكان إبراهيم غيورا فلما دخل عليه حملته الغيرة على أن قال له: يا عبد الله ما أدخلك داري قال: أدخلنيها ربها، فعرف إبراهيم أن هذا الأمر حدث قال يا إبراهيم: إني أمرت بقبض روحك، قال: أمهلني يا ملك الموت حتى يدخل إسحاق فأمهله فلما دخل إسحاق قام إليه فاعتنقه كل واحد منهما صاحبه فرق لهما ملك الموت فرجع إلى ربه فقال: يا رب رأيت خليلك جزع من الموت، قال: يا ملك الموت فائت خليلي في منامه فاقبضه فأتاه في منامه فقبضه».
وأخرج أحمد في الزهد والمروزي في الجنائز عن أبي مليكة: «أن إبراهيم لما لقي ربه قيل له: كيف وجدت الموت قال: وجدت نفسي كأنما تنزع بالسلي، قيل له: قد يسرنا عليك الموت».
وأخرج أحمد، وابن أبي الدنيا في العزاء، وابن أبي داود في البعث، وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أولاد المؤمنين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة عليهما السلام حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة».
وأخرج سعيد بن منصور عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن ذراري المسلمين في عصافير خضر في شجر في الجنة يكفلهم إبراهيم عليه السلام» ). [الدر المنثور: 1/ 578-614]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {قال إني جاعلك للناس إماما} الآية.
أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس {قال إني جاعلك للناس إماما} يقتدى بدينك وهديك وسنتك {قال ومن ذريتي} إماما لغير ذريتي ! {قال لا ينال عهدي الظالمين} أن يقتدى بدينهم وهديهم وسنتهم.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: «هذا عند الله يوم القيامة لا ينال عهده ظالما فأما في الدنيا نالوا عهده فوارثوا به المسلمين وغازوهم وناكحوهم فلما كان يوم القيامة قصر الله عهده وكرامته على أوليائه».
وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله: {إني جاعلك للناس إماما} يؤتم به ويقتدى قال إبراهيم: {ومن ذريتي} فاجعل من يؤتم به ويقتدى به.
وأخرج الفريابي، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «قال الله لإبراهيم: {إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي} فأبى أن يفعل ثم {قال لا ينال عهدي الظالمين}» .
وأخرج وكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {لا ينال عهدي الظالمين} قال: «لا أجعل إماما ظالما يقتدى به».
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: «يخبره أنه كائن في ذريته ظالم لا ينال عهده ولا ينبغي له أن يوليه شيئا من أمره».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {لا ينال عهدي الظالمين} قال: «ليس بظالم عليك عهد في معصية الله أن تطيعه».
وأخرج وكيع، وابن مردويه عن علي بن أبي طالب عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {لا ينال عهدي الظالمين} قال: «لا طاعة إلا في المعروف».
وأخرج عبد بن حميد عن عمران بن حصين سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا طاعة لمخلوق في معصية الله».
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: «لا طاعة مفترضة إلا لنبي» ). [الدر المنثور: 1/ 614-616]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني حفص عن أيوب أنه قال:
«من عكف نفسه في المسجد بعد المغرب إلى العشاء لا يتكلم كأنما عقب غزوة بعد غزوةٍ» ). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 36]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني يحيى بن أيّوب عن حميدٍ الطّويل عن أنس بن مالكٍ أنّ عمر بن الخطّاب قال:
«وافقني ربّي في ثلاثٍ، قال: قلت: يا رسول اللّه، لو اتّخذت مقام إبراهيم مصلًّى، فأنزل اللّه هذه الآية: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلى}، قال: قلت: إنّه يدخل عليك البرّ والفاجر، فلو أمرت أمّهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل اللّه آية الحجاب؛ قال: وبلغني بعض ما يؤذي رسول اللّه نساؤه، قال: فدخلت عليهنّ فجعلت أستقريهنّ واحدةً واحدةً فقلت: واللّه، لتنتهنّ أو ليبدلنّه اللّه خيرًا منكنّ حتّى انتهيت إلى زينب، فقالت: يا عمر، ما في رسول اللّه ما يعظ نساءه حتّى تعظهنّ، قال: فانصرفت، فأنزل اللّه: {عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلماتٍ}» ). [الجامع في علوم القرآن: 2/ 20-21]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} قال:
«مقامه عرفة و جمع ومنى ولا أعلمه إلا وقد ذكر مكة» ). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 58]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس} قال:
«لا يقضون منه وطرا» ). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 58]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله: {طهرا بيتي للطائفين} قال:
«من الشرك وعبادة الأوثان» ). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 58]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا الثوري عن أبي الهذيل عن سعيد بن جبير في قوله: {مثابة للناس} قال:
«يحجون ثم يحجون لا يقضون منه وطرا» ). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 59]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله:
{مقام إبراهيم} قال: «الحج كله مقام إبراهيم» ). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 59]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن أبي الهذيل عن سعيد بن جبيرٍ:
«{وإذ جعلنا البيت مثابة للناس} يثوبون إليه لا يقضون منه وطرا [الآية: 125]» ). [تفسير الثوري: 48-49]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن عبد الملك بن أبي سليامن عن مجاهدٍ قال:
«قال عمر بن الخطّاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم: لو اتخذنا بعد من مقام إبراهيم مصلًّى، فأنزل اللّه جلّ وعزّ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلى} [الآية: 125]» ). [تفسير الثوري: 49]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي نجيح وغيره، عن مجاهدٍ، في قوله: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}، مدّعى.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا حميد الطّويل، قال: نا أنس بن مالكٍ قال: قال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: «وافقت ربّي في ثلاثٍ، فقلت: يا رسول اللّه، لو اتّخذت من مقام إبراهيم مصلّى، فنزلت: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}، وقلت: يا رسول اللّه، يدخل على نسائك البرّ والفاجر، فلو أمرتهنّ أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب. واجتمع نساء رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقلت لهن: {عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجًا خيرًا منكنّ مسلماتٍ... } الآية، فنزلت».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد الرّحمن بن أبي الزّناد، عن أبي جعفرٍ مولى ابن عيّاش: «أنّه كان يقرأ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلى}»). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 609-612]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود}:

- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو الأحوص، عن سعيد بن مسروق، عن عطاءٍ، في قوله: {طهّرا بيتي للطّائفين} قال: «كانت فيه أصنامٌ، فأمرا أن يخرجاها منه» ). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 613]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}،
{مثابةً} يثوبون: يرجعون.
4483 - حدّثنا مسدّدٌ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن حميدٍ، عن أنسٍ، قال: قال عمر: « وافقت اللّه في ثلاثٍ، أو وافقني ربّي في ثلاثٍ، قلت: يا رسول اللّه لو اتّخذت مقام إبراهيم مصلًّى، وقلت: يا رسول اللّه، يدخل عليك البرّ والفاجر، فلو أمرت أمّهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل اللّه آية الحجاب، قال: وبلغني معاتبة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعض نسائه، فدخلت عليهنّ، قلت: إن انتهيتنّ أو ليبدّلنّ اللّه رسوله صلّى الله عليه وسلّم خيرًا منكنّ، حتّى أتيت إحدى نسائه، قالت: يا عمر، أما في رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ما يعظ نساءه، حتّى تعظهنّ أنت؟ فأنزل اللّه: {عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدّله أزواجًا خيرًا منكنّ مسلماتٍ} الآية » وقال ابن أبي مريم، أخبرنا يحيى بن أيّوب، حدّثني حميدٌ، سمعت أنسًا، عن عمر). [صحيح البخاري: 6/ 20]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}:

كذا لهم والجمهور على كسر الخاء من قوله: {واتّخذوا} بصيغة الأمر وقرأ نافع وبن عامرٍ بفتح الخاء بصيغة الخبر والمراد من اتّبع إبراهيم وهو معطوفٌ على قوله: {جعلنا} فالكلام جملةٌ واحدةٌ وقيل على {وإذ جعلنا} فيحتاج إلى تقدير إذ ويكون الكلام جملتين وقيل على محذوفٍ تقديره فثابوا أي رجعوا واتّخذوا وتوجيه قراءة الجمهور أنّه معطوفٌ على ما تضمّنه قوله مثابةً كأنّه قال ثوبوا واتّخذوا أو معمولٌ لمحذوفٍ أي وقلنا اتّخذوا ويحتمل أن يكون الواو للاستئناف قوله مثابةً يثوبون يرجعون.
قال أبو عبيدة قوله تعالى: «{مثابةً} مصدر يثوبون أي يصيرون إليه ومراده بالمصدر اسم المصدر» وقال غيره هو اسم مكانٍ، وروى الطّبريّ من طريق العوفيّ عن بن عبّاسٍ في قوله: {مثابةً} قال: «يأتونه ثمّ يرجعون إلى أهليهم ثمّ يعودون إليه لا يقضون منه وطرا» قال الفراء: «المثابة والمثاب بمعنًى واحدٍ كالمقام والمقامة» وقال البصريّون: «الهاء للمبالغة لما كثر من يثوب إليه» كما قالوا سيّارةٌ لمن يكثر السّير والأصل في مثابة مثوبةٌ فأعلّ بالنّقل والقلب ثمّ ذكر المصنّف حديث أنسٍ عن عمر قال: «وافقت ربّي في ثلاثٍ» وقد تقدّم في أوائل الصّلاة وتأتي قصّة الحجاب في تفسير الأحزاب والتّخيير في تفسير التّحريم وقوله في الحديث: «فانتهيت إلى إحداهنّ» يأتي الكلام عليه في باب غيرة النّساء من أواخر كتاب النّكاح قوله: وقال بن أبي مريم إلخ تقدّم أيضًا في الصّلاة وروى أبو نعيمٍ في الدّلائل من حديث بن عمر: أخذ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بيد عمر فمرّ به على المقام فقال له: «هذا مقام إبراهيم» قال: يا نبيّ اللّه ألا تتّخذه مصلًّى فنزلت تكملةٌ. قال بن الجوزيّ: «إنّما طلب عمر الاستنان بإبراهيم عليه السّلام مع النّهي عن النّظر في كتاب التّوراة لأنّه سمع قول اللّه تعالى في حق إبراهيم: {إنّي جاعلك للنّاس إمامًا} وقوله تعالى: {أن اتبع ملّة إبراهيم} فعلم أنّ الائتمام بإبراهيم من هذه الشّريعة ولكون البيت مضافًا إليه وأنّ أثر قدميه في المقام كرقم الباني في البناء ليذكر به بعد موته فرأى الصّلاة عند المقام كقراءة الطّائف بالبيت اسم من بناه» انتهى وهي مناسبةٌ لطيفةٌ ثمّ قال: «ولم تزل آثار قدمي إبراهيم حاضرةً في المقام معروفةً عند أهل الحرم حتّى قال أبو طالبٍ في قصيدته المشهورة وموطئ إبراهيم في الصّخر رطبة على قدميه حافيا غير ناعل» وفي موطأ بن وهب عن يونس عن بن شهابٍ عن أنسٍ قال: «رأيت المقام فيه أصابع إبراهيم وأخمص قدميه غير أنّه أذهبه مسح النّاس بأيديهم» وأخرج الطّبريّ في تفسيره من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في هذه الآية: «إنّما أمروا أن يصلّوا عنده ولم يؤمروا بمسحه» قال: «ولقد ذكر لنا من رأى أثر عقبه وأصابعه فيها فما زالوا يمسحونه حتّى اخلولق وانمحى وكان المقام من عهد إبراهيم لزق البيت إلى أن أخّره عمر رضي اللّه عنه إلى المكان الّذي هو فيه الآن» أخرجه عبد الرّزّاق في مصنّفه بسندٍ صحيحٍ عن عطاءٍ وغيره وعن مجاهدٍ أيضًا وأخرج البيهقيّ عن عائشة مثله بسندٍ قويٍّ ولفظه: «أنّ المقام كان في زمن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وفي زمن أبي بكرٍ ملتصقًا بالبيت ثمّ آخره عمر» وأخرج بن مردويه بسندٍ ضعيفٍ عن مجاهدٍ: «أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم هو الّذي حوّله» والأول أصح وقد أخرج بن أبي حاتم بسند صحيح عن بن عيينة قال: «كان المقام في سقع البيت في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فحوّله عمر فجاء سيلٌ فذهب به فردّه عمر إليه» قال سفيان: «لا أدري أكان لاصقًا بالبيت أم لا» انتهى ولم تنكر الصّحابة فعل عمر ولا من جاء بعدهم فصار إجماعًا وكان عمر رأى أنّ إبقاءه يلزم منه التّضييق على الطّائفين أو على المصلّين فوضعه في مكانٍ يرتفع به الحرج وتهيّأ له ذلك لأنّه الّذي كان أشار باتّخاذه مصلًّى وأوّل من عمل عليه المقصورة الموجودة الآن). [فتح الباري: 8/ 168-169]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله فيه
- ثنا مسدّد عن يحيى بن سعيد عن حميد عن أنس قال: «قال عمر وافقت الله في ثلاث» الحديث،
وقال ابن أبي مريم أنا يحيى بن أيّوب حدثني حميد سمعت أنسا عن عمر تقدم الكلام عليه في الصّلاة قوله فيه.
- ثنا يوسف بن راشد ثنا جرير وأبو أسامة واللّفظ لجرير عن الأعمش عن أبي صالح ح وقال أبو أسامة ثنا الأعمش ثنا أبو صالح
قلت ليس هذا معلّقا بل هو عنده عن يونس كذلك وفصل بيان تصريح الأعمش بتحديث أبي صالح له في رواية أبي أسامة هذه
وقد أسنده المؤلف في الإعتصام أيضا عن إسحاق بن منصور عن أبي أسامة به). [تغليق التعليق: 4/ 175-176]

- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (بابٌ قوله: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} :

أي: هذا باب، وليس في كثير من النّسخ لفظ: باب، وإنّما المذكور قوله تعالى: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلى} قوله: {واتخذوا}، بكسر الخاء المعجمة، أمر للجماعة على إرادة القول، أي: وقلنا اتّخذوا منه موضع صلاة، وهكذا هو عند الجمهور، وقرئ: واتّخذوا، بفتح الخاء: جملة فعلية ماضية، وهي قراءة نافع وابن عامر، أي: واتخذ النّاس من مكان إبراهيم، عطف على قوله: {وإذ جعلنا البيت مثابة للنّاس وأمنا واتّخذوا} الآية، ومقام إبراهيم هو الحجر الّذي عليه أثر قدميه، وعن عطاء، مقام إبراهيم عرفة والمزدلفة والجمار لأنّه قام في هذه المواضع ودعا فيها. قوله: {مصلى} أي: موضع صلاة تصلون فيه، وهو على وجه الاختيار والاستحباب دون الوجوب، وقيل: مصلى، أي: مدعى.
{مثابةً} يثوبون يرجعون،
هو في قوله: {وإذا جعلنا البيت مثابة} يعني: مرجعاً للنّاس من الحجّاج والعمار يتفرقون عنه ثمّ يثوبون إليه، والمثابة: الموضع الّذي يرجع إليه مرّة بعد أخرى، من ثاب ثوبا وثوبانا رجع بعد ذهابه، وأصله: مثوبة، نقلت حركة الواو إلى ما قبلها ثمّ قلبت ألفا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها، ونقل بعضهم عن أبي عبيدة: «أن مثوبة مصدر يثوبون». قلت: ليس بمصدر بل هو إسم للمصدر، ويجوز أن يكون مصدرا ميمياً). [عمدة القاري: 18/ 92]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}:

{مثابةً} يثوبون: يرجعون ، هذا (باب) بالتنوين {واتخذوا} وسقط لغير أبي ذر باب وقال بدله قوله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى}. بكسر خاء اتخذوا بلفظ الأمر فقيل عطف على اذكروا إذا قيل إن الخطاب هنا لبني إسرائيل أي: اذكروا نعمتي واتخذوا من مقام إبراهيم، وقرأ نافع وابن عامر: واتخذوا ماضيًا بلفظ الخبر قبل عطفًا على جعلنا أي: واتخذ الناس مقامه الموسوم به يعني الكعبة قبلة يصلون إليها {مثابة} قال أبو عبيدة في تفسيره: «يثوبون: يرجعون» وعن ابن عباس مما رواه الطبري قال:«يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم ثم يعودون إليه لا يقضون منه وطرًا».
- حدّثنا مسدّدٌ عن يحيى بن سعيدٍ، عن حميدٍ عن أنسٍ قال: قال عمر رضي الله عنه «وافقت اللّه في ثلاثٍ أو وافقنى ربّي في ثلاثٍ قلت: يا رسول اللّه لو اتّخذت من مقام إبراهيم مصلًّى؟ وقلت: يا رسول اللّه يدخل عليك البرّ والفاجر فلو أمرت أمّهات المؤمنين بالحجاب؟ فأنزل اللّه آية الحجاب، قال: وبلغني معاتبة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعض نسائه فدخلت عليهنّ قلت: إن انتهيتنّ أو ليبدّلنّ اللّه رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم خيرًا منكنّ، حتّى أتيت إحدى نسائه قالت: يا عمر أما في رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما يعظ نساءه حتّى تعظهنّ أنت فأنزل اللّه {عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدّله أزواجًا خيرًا منكنّ مسلماتٍ} [التحريم: 5] الآية». وقال ابن أبي مريم، أخبرنا يحيى بن أيّوب، حدّثني حميدٌ سمعت أنسًا عن عمر.
وبه قال: حدّثنا مسدد بالمهملات ابن مسرهد عن يحيى بن سعيد القطان عن حميد الطويل عن أنس أنه قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «وافقت الله» ولأبي الوقت: وافقت ربي «في ثلاث» أي قضايا «أو وافقني ربي في ثلاث» بالشك وذكر الثلاث لا يقتضي نفي غيرها، فقد روي عنه موافقات بلغت خمسة عشرًا كقصة الأساري «قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلّى» بين يدي القبلة يقوم الإمام عنده وسقط من في الفرع كأصله، وزاد في باب ما جاء في القبلة من كتاب الصلاة «فنزلت: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى} وقلت: يا رسول الله يدخل عليك» أي في حجر أمهات المؤمنين «البر والفاجر» أي الفاسق وهو مقابل البر «فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب» وجواب لو محذوف في الموضعن أو هي للتمني فلا تفتقر لجواب، وعند ابن مالك هي لو المصدرية أغنت عن فعل التمني «فأنزل الله آية الحجاب» وثبت قوله فأنزل الله آية الحجاب في اليونينية وسقط من فرعها «قال» أي عمر: «وبلغني معاتبة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بعض نسائه» حفصة وعائشة «فدخلت عليهن قلت: » ولأبي ذر فقلت بزيادة الفاء «إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم» سقطت التصلية لغير أبي ذر «خيرًا منكنّ حتى أتيت إحدى نسائه قالت: يا عمر أما» بالتخفيف «في رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم» سقطت التصلية أيضًا لغير أبي ذر «ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت» والقائلة هذا هي أم سلمة كما في سورة التحريم بلفظ فقالت أم سلمة: عجبًا لك يا ابن الخطاب دخلت في كل شيء حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم وأزواجه. وقال الخطيب: هي زينب بنت جحش وتبعه النووي «فأنزل الله: {عسى ربه إن طلقكنّ أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن مسلمات} [التحريم: 5] الآية». وهذا الحديث سبق في باب: ما جاء في القبلة من الصلاة.
وقال ابن أبي مريم: هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم المصري مما رواه المؤلّف في الصلاة مذاكرة أخبرنا يحيى بن أيوب الغافقي قال: حدّثني بالإفراد حميد الطويل قال: سمعت أنسًا عن عمر رضي الله تعالى عنهما. [إرشاد الساري: 7/ 13-14]

قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا الحجّاج بن منهالٍ، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن حميدٍ، عن أنسٍ، أنّ عمر قال: «يا رسول الله لو صلّينا خلف المقام، فنزلت {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}».
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. [سنن الترمذي: 5/ 56]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا أحمد بن منيعٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: حدّثنا حميدٌ الطّويل، عن أنسٍ، قال: قال عمر بن الخطّاب: «قلت يا رسول الله: لو اتّخذت من مقام إبراهيم مصلًّى، فنزلت {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}». هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وفي الباب عن ابن عمر. [سنن الترمذي: 5/ 56]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن جعفر بن محمّدٍ، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال: «سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم حين قدم مكّة طاف بالبيت سبعًا فقرأ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} فصلّى خلف المقام، ثمّ أتى الحجر فاستلمه، ثمّ قال: «نبدأ بما بدأ اللّه» وقرأ: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/ 60] (م)
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس وأمنًا} قال: «يثوبون إليه ويذهبون ويرجعون ولا يقضون منه وطرا»). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 69]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ وعطاءٍ قالا: في قوله عزّ وجلّ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلى} قال:
«مسجد الحرام كلّه مقام إبراهيم ومنًى وعرفة ومزدلفة» ). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 70]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}:
- أخبرنا هنّاد بن السّريّ، عن ابن أبي زائدة، أخبرنا حميدٌ الطّويل، عن أنسٍ، عن عمر رضي الله عنه قال:
«قلت: يا رسول الله، لو اتّخذت من مقام إبراهيم مصلًّى، فأنزل الله تبارك وتعالى: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}». [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 15]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس}:
أمّا قوله: {وإذ جعلنا البيت مثابةً} فإنّه عطفٌ بـ إذ على قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ}، وقوله: {وإذ ابتلى إبراهيم} معطوفٌ على قوله: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي} واذكروا إذ ابتلى إبراهيم ربّه.

{وإذ جعلنا البيت مثابةً}: والبيت الّذي جعله اللّه مثابةً للنّاس هو البيت الحرام. وأمّا المثابة فإنّ أهل العربيّة مختلفون في معناها والسّبب الّذي من أجله أنّثت؛ فقال بعض نحويّي البصرة: ألحقت الهاء في المثابة لمّا كثر من يثوب إليه، كما يقال سيّارةٌ لمن يكثر ذلك ونسّابةٌ. وقال بعض نحويّي الكوفة: بل المثاب والمثابة بمعنًى واحدٍ، نظيره المقام والمقامة ذكرٌ على قوله لأنّه يريد به الموضع الّذي يقام فيه، وأنّثت المقامة لأنّه أريد بها البقعة. وأنكر هؤلاء أن تكون المثابة للسّيّارة والنّسّابة نظيره، وقالوا: إنّما أدخلت الهاء في السّيّارة والنّسّابة تشبيهًا لها بالدّاهية.
والمثابة مفعلةٌ من ثاب القوم إلى الموضع: إذا رجعوا إليهم فهم يثوبون إليه مثابًا ومثابةً وثوابًا.
فمعنى قوله: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس} وإذ جعلنا البيت مرجعًا للنّاس ومعاذًا يأتونه كلّ عامٍ ويرجعون إليه، فلا يقضون منه وطرًا. ومن المثاب قول ورقة بن نوفلٍ في صفة الحرم:


مثابٌ لأفناء القبائل كلّها ....... تخبّ إليه اليعملات الصّلائح
ومنه قيل: ثاب إليه عقله، إذا رجع إليه بعد عزوبه عنه. وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: في قول اللّه: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس} قال: «لا يقضون منه وطرًا».
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس} قال: «يثوبون إليه: لا يقضون منه وطرًا».
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس} قال: «أمّا المثابة فهو الّذي يثوبون إليه كلّ سنةٍ لا يدعه الإنسان إذا أتاه مرّةً أن يعود إليه».
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس} قال: «لا يقضون منه وطرًا، يأتونه ثمّ يرجعون إلى أهليهم ثمّ يعودون إليه».
- وحدّثني عبد الكريم بن أبي عميرٍ، قال: حدّثني الوليد بن مسلمٍ، قال: قال أبو عمرٍو، حدّثني عبدة بن أبي لبابة: في قوله: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس} قال: «لا ينصرف عنه منصرفٌ وهو يرى أنّه قد قضى منه وطرًا».
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا عبد الملك، عن عطاءٍ: في قوله: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس} قال: «يثوبون إليه من كلّ مكانٍ، ولا يقضون منه وطرًا».
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن عبد الملك، عن عطاءٍ، مثله.
- حدّثني محمّد بن عمّارٍ الأسديّ، قال: حدّثنا سهل بن عامرٍ، قال: حدّثنا مالك بن مغولٍ، عن عطيّة: في قوله: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس} قال: «لا يقضون منه وطرًا».
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي الهذيل، قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ، يقول: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس} قال: «يحجّون ويثوبون».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن أبي الهذيل، عن سعيد بن جبيرٍ: في قوله: {مثابةً للنّاس} قال: «يحجّون ويثوبون».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن أبي الهذيل، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: {مثابةً للنّاس} قال: «يحجّون، ثم يحجون، ولا يقضون منه وطرا».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا ابن دكين، قال: حدّثنا مسعرٌ، عن غالبٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {مثابةً للنّاس} قال: «يثوبون إليه».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس وأمنًا} قال: «مجمعًا».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {مثابةً للنّاس} قال: «يثوبون إليه».
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {مثابةً للنّاس} قال: «يثوبون إليه».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس} قال: «يثوبون إليه من البلدان كلّها ويأتونه» ). [جامع البيان: 2/ 516-520]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأمنًا}:
والأمن: مصدرٌ من قول القائل أمن يأمن أمنًا وإنّما سمّاه اللّه أمنًا لأنّه كان في الجاهليّة معاذًا لمن استعاذ به، وكان الرّجل منهم لو لقي به قاتل أبيه أو أخيه لم يهجه ولم يعرض له حتّى يخرج منه، وكان كما قال اللّه جلّ ثناؤه: {أولم يروا أنّا جعلنا حرمًا آمنًا ويتخطّف النّاس من حولهم}.
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {وأمنًا} قال: «من أمّ إليه فهو آمنٌ؛ كان الرّجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فلا يعرض له».
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «أمّا {وأمنًا} فمن دخله كان آمنًا».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: في قول اللّه: {وأمنًا} قال: «تحريمه لا يخاف فيه من دخله».
- ذكر من قال ذلك حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: قوله: {وأمنًا} يقول: «أمنًا من العدوّ أن يحمل فيه السّلاح، وقد كان في الجاهليّة يتخطّف النّاس من حولهم وهم آمنون لا يسبون».
- حدّثت عن المنجاب، قال: أخبرنا بشرٌ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: في قوله: {وأمنًا} قال: «أمنًا للنّاس».
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: في قوله: {وأمنًا} قال: «تحريمه لا يخاف فيه من دخله»). [جامع البيان: 2/ 521-522]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}:
اختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعضهم: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} بكسر الخاء على وجه الأمر باتّخاذه مصلًّى؛ وهي قراءة عامّة المصرين الكوفة والبصرة، وقراءة عامّة قرّاء أهل مكّة وبعض قرّاء أهل المدينة.
وذهب الّذين قرءوا ذلك إلى الخبر الّذي؛
- حدّثنا أبو كريبٍ، ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حميدٌ، عن أنس بن مالكٍ، قال: قال عمر بن الخطّاب: «قلت: يا رسول اللّه، لو اتّخذت المقام مصلًّى؟ فأنزل اللّه: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}».
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، وحدّثني يعقوب قال: حدّثنا ابن عليّة جميعًا، عن حميدٍ، عن أنسٍ، عن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مثله.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ قال: حدّثنا حميدٌ، عن أنسٍ، قال: قال عمر بن الخطّاب:«قلت: يا رسول اللّه» فذكر مثله.
قالوا: فإنّما أنزل اللّه تعالى ذكره هذه الآية أمرًا منه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم باتّخاذ مقام إبراهيم مصلًّى؛ فغير جائزٍ قراءتها وهي أمرٌ على وجه الخبر.
وقد زعم بعض نحويّي البصرة أنّ قوله: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} جزم معطوفٌ على قوله: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي} {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} فكان الأمر بهذه الآية وباتّخاذ المصلّى من مقام إبراهيم على قول هذا القائل لليهود من بني إسرائيل الّذين كانوا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال الرّبيع بن أنسٍ، بما حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيع بن أنس قال: «من الكلمات الّتي ابتلي بهنّ إبراهيم قوله: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} فأمرهم أن يتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى، فهم يصلّون خلف المقام».
فتأويل قائل هذا القول: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ قال إنّي جاعلك للنّاس إمامًا} وقال: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}
والخبر الّذي ذكرناه عن عمر بن الخطّاب، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل، يدلّ على خلاف الّذي قاله هؤلاء، وأنّه أمرٌ من اللّه تعالى ذكره بذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمؤمنين به وجميع الخلق المكلّفين.
وقرأه بعض قرّاء أهل المدينة والشّام: (واتّخذوا) بفتح الخاء على وجه الخبر.
ثمّ اختلف في الّذي عطف عليه بقوله: (واتّخذوا) إذا قرئ كذلك على وجه الخبر، فقال بعض نحويّي البصرة: تأويله إذا قرئ كذلك: وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس وأمنًا وإذ اتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى.
وقال بعض نحويّي الكوفة: بل ذلك معطوفٌ على قوله: {جعلنا} فكان معنى الكلام على قوله: وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس واتّخذوه مصلًّى.
والصّواب من القول والقراءة في ذلك عندنا: {واتّخذوا} بكسر الخاء، على تأويل الأمر باتّخاذ مقام إبراهيم مصلًّى؛ للخبر الثّابت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي ذكرناه آنفًا.
- وأنّ عمرو بن عليٍّ حدّثنا قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: حدّثنا جعفر بن محمّدٍ، قال: حدّثني أبي، عن جابر بن عبد اللّه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} وفي مقام إبراهيم. فقال بعضهم: مقام إبراهيم: هو الحجّ كلّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ: في قوله: {مقام إبراهيم} قال: «الحجّ كلّه مقام إبراهيم».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} قال: «الحجّ كلّه».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، قال: «الحجّ كلّه مقام إبراهيم».
وقال آخرون: مقام إبراهيم عرفة والمزدلفة والجمار.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن عطاء بن أبي رياحٍ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} قال: «لأنّي قد جعلته إمامًا فمقامه عرفة والمزدلفة والجمار».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: في قوله: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} قال: «مقامه جمعٌ وعرفة ومنًى؛ لا أعلمه إلاّ وقد ذكر مكّة».
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ: في قوله: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} قال: «مقامه عرفة».
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا داود، عن الشّعبيّ، قال: «نزلت عليه وهو واقفٌ بعرفة مقام إبراهيم {اليوم أكملت لكم دينكم} الآية».
- حدّثنا عمرٌو قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، قال: حدّثنا داود، عن الشّعبيّ، مثله.
وقال آخرون: مقام إبراهيم: الحرم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن حمّاد بن زيدٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: في قوله: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} قال: «الحرم كلّه مقام إبراهيم».
وقال آخرون: مقام إبراهيم: الحجر الّذي قام عليه إبراهيم حين ارتفع بناؤه، وضعف عن رفع الحجارة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن سنانٌ القزّاز، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن عبد المجيد الحنفيّ، قال: حدّثنا إبراهيم بن نافعٍ، قال: سمعت كثير بن كثيرٍ، يحدّث عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «جعل إبراهيم يبنيه، وإسماعيل يناوله الحجارة، ويقولان: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم} فلمّا ارتفع البنيان وضعف الشّيخ عن رفع الحجارة، قام على حجرٍ، فهو مقام إبراهيم».
وقال آخرون: بل مقام إبراهيم، هو مقامه الّذي هو في المسجد الحرام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} إنّما أمروا أن يصلّوا عنده ولم يؤمروا بمسحه، ولقد تكلّفت هذه الأمّة شيئًا مّا تكلّفته الأمم قبلها، ولقد ذكر لنا بعض من رأى أثر عقبه وأصابعه، فما زالت هذه الأمم يمسحونه حتّى اخلولق وانمحى».
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: «{واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} يأمرهم أن يتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى فهم يصلّون خلف المقام».
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} وهو الصّلاة عند مقامه في الحجّ والمقام: هو الحجر الّذي كانت زوجة إسماعيل وضعت تحت قدم إبراهيم حين غسلت رأسه، فوضع إبراهيم رجله عليه وهو راكبٌ، فغسلت شقّه ثمّ رفعته من تحته وقد غابت رجله في الحجر، فوضعته تحت الشّقّ الآخر فغسلته، فغابت رجله أيضًا فيه، فجعلها اللّه من شعائره، فقال: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}».
وأولى هذه الأقوال بالصّواب عندنا ما قاله القائلون: إنّ مقام إبراهيم: هو المقام المعروف بهذا الاسم، الّذي هو في المسجد الحرام؛ لمّا روّينا آنفًا عن عمر بن الخطّاب.
- ولما حدّثنا يوسف بن سليمان، قال: حدّثنا حاتم بن إسماعيل، قال: حدّثنا جعفر بن محمّدٍ، عن أبيه، عن جابرٍ، قال: «استلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الرّكن، فرمل ثلاثًا ومشى أربعًا، ثمّ نفذ إلى مقام إبراهيم فقرأ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} فجعل المقام بينه وبين البيت فصلّى ركعتين».
فهذان الخبران ينبئان أنّ اللّه تعالى ذكره إنّما عنى بمقام إبراهيم الّذي أمرنا باتّخاذه مصلًّى منه هو الّذي وصفنا. ولو لم يكن على صحّة ما اخترنا في تأويل ذلك خبرٌ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، لكان الواجب فيه من القول ما قلنا؛ وذلك أنّ الكلام محمولٌ معناه على ظاهره المعروف دون باطنه المجهول، حتّى يأتي ما يدلّ على خلاف ذلك ممّا يجب التّسليم له. ولا شكّ أنّ المعروف في النّاس بمقام إبراهيم هو ما وصفت دون جميع الحرم، ودون مواقف الحج كلها.
وأما المصلّى الّذي قال اللّه تعالى ذكره: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} فإنّ أهل التّأويل مختلفون في معناه، فقال بعضهم: هو المدّعى.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} قال: «مصلّى إبراهيم مدّعًى».
وقال آخرون: معنى ذلك: اتّخذوا مصلًّى تصلّون عنده.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: «أمروا أن يصلّوا عنده».
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «هو الصّلاة عنده».
فكأنّ الّذين قالوا تأويل المصلّى ها هنا المدّعى، وجّهوا المصلّى إلى أنّه مفعّلٌ من قول القائل: صلّيت بمعنى دعوت. وقائلو هذه المقالة هم الّذين قالوا: إنّ مقام إبراهيم هو الحجّ كلّه.
فكأن معناه في تأويل هذه الآية: واتّخذوا عرفة والمزدلفة والمشعر والجمارت وسائر أماكن الحجّ الّتي كان إبراهيم يقوم بها مدعي تدعونني عندها، وتأتمّون بإبراهيم خليلي عليه السّلام فيها، فإنّي قد جعلته لمن بعده من أوليائي وأهل طاعتي إمامًا يقتدون به وبآثاره، فاقتدوا به.
وأمّا تأويل القائلين القول الآخر، فإنّه: اتّخذوا أيّها النّاس من مقام إبراهيم مصلًّى تصلّون عنده، عبادةً منكم، وتكرمةً منّي لإبراهيم.
وهذا القول هو أولى بالصّواب لما ذكرنا من الخبر عن عمر بن الخطّاب وجابر بن عبد اللّه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 2/ 522-530]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي}
يعني تعالى ذكره بقوله: {وعهدنا} وأمرنا.
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: «قلت لعطاءٍ: ما عهده؟ قال: أمره».
- حدّثني يونس، قال: أخبرني ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {وعهدنا إلى إبراهيم} قال: «أمرناه».
فمعنى الآية: وأمرنا إبراهيم وإسماعيل بتطهير بيتي للطّائفين. والتّطهير الّذي أمرهما اللّه به في البيت، هو تطهيره من الأصنام وعبادة الأوثان فيه ومن الشّرك باللّه.
فإن قال قائلٌ: وما معنى قوله: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطّائفين} وهل كان أيّام إبراهيم قبل بنائه البيت بيتٌ يطهّر من الشّرك وعبادة الأوثان في الحرم، فيجوز أن يكونا أمرا بتطهيره؟
قيل: لذلك وجهان من التّأويل، قد قال بكلّ واحدٍ من الوجهين جماعةٌ من أهل التّأويل، أحدهما: أن يكون معناه: وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن ابنيا بيتي مطهّرًا من الشّرك والرّيب، كما قال تعالى ذكره: {أفمن أسّس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوانٍ خيرٌ أم من أسّس بنيانه على شفا جرفٍ هارٍ}، فكذلك قوله: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي} أي ابنيا بيتي على طهرٍ من الشّرك بي والرّيب.
- كما حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي} يقول: «ابنيا بيتي للطائفين».
فهذا أحد وجهيه.
والوجه الآخر منهما أن يكونا أمرا بأن يطهّرا مكان البيت قبل بنائه والبيت بعد بنائه ممّا كان أهل الشّرك باللّه يجعلونه فيه على عهد نوحٍ ومن قبله من الأوثان، ليكون ذلك سنّةً لمن بعدهما، إذ كان اللّه تعالى ذكره قد جعل إبراهيم إمامًا يقتدى به بعده.
- كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {أن طهّرا} قال: «من الأصنام الّتي يعبدون، الّتي كان المشركون يعظّمونها».
ذكر من قال: معنى قوله: {أن طهّرا بيتي} أى: طهراه من الشرك والريب.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي جريج، عن عطاءٍ، عن عبيد بن عميرٍ: {أن طهّرا، بيتي للطّائفين} قال: «من الآفات والرّيب».
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، عن عبيد بن عميرٍ، مثله.
- حدّثني أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: «من الشّرك».
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي حصينٍ، عن مجاهدٍ: {طهّرا بيتي للطّائفين} قال: «من الأوثان».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: في قوله: {طهّرا بيتي للطّائفين} قال: «من الشّرك وعبادة الأوثان».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، بمثله، وزاد فيه: «وقول الزّور»). [جامع البيان: 2/ 530-533]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {للطّائفين}:
اختلف أهل التّأويل في معنى الطّائفين في هذا الموضع، فقال بعضهم: هم الغرباء الّذين ينتابون البيت الحرام من غربةٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، قال: حدّثنا أبو حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: في قوله: {للطّائفين} قال: «من أتاه من غربةٍ».
وقال آخرون: بل الطّائفون هم الّذين يطوفون به غريبا كان أو من أهله.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن العلاء، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن أبي بكرٍ الهذليّ، عن عطاءٍ: {للطّائفين} قال: «إذا كان طائفًا بالبيت، فهو من الطّائفين».
وأولى التّأويلين بالآية ما قاله عطاءٌ؛ لأنّ الطّائف هو الّذي يطوف بالشّيء دون غيره، والطّارئ من غربةٍ لا يستحقّ اسم طائفٍ بالبيت إن لم يطف به). [جامع البيان: 2/ 533-534]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والعاكفين}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {والعاكفين} والمقيمين به، والعاكف على الشّيء: هو المقيم عليه، كما قال نابغة بني ذبيان:


عكوفًا لدى أبياتهم يثمدونهم ....... رمى اللّه في تلك الأكفّ الكوانع

وإنّما قيل للمعتكف معتكفٌ من أجل مقامه في الموضع الّذي حبس فيه نفسه للّه تعالى.
ثمّ اختلف أهل التّأويل فيمن عنى اللّه بقوله: {والعاكفين} فقال بعضهم: عنى به الجالس في البيت الحرام بغير طوافٍ ولا صلاةٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن أبي بكرٍ الهذليّ، عن عطاءٍ، قال: «إذا كان طائفًا بالبيت فهو من الطّائفين، وإذا كان جالسًا فهو من العاكفين».
وقال بعضهم: العاكفون هم المعتكفون المجاورون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، وعكرمة: {طهّرا بيتي للطّائفين والعاكفين} قال: «العاكفون المجاورون».
وقال بعضهم: العاكفون هم أهل البلد الحرام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، قال: حدّثنا أبو حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: في قوله: {والعاكفين} قال: «أهل البلد».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {والعاكفين} قال: «العاكفون: أهله».
وقال آخرون: العاكفون: هم المصلّون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: في قوله: {طهّرا بيتي للطّائفين والعاكفين} قال: «العاكفون: المصلّون».
وأولى هذه التّأويلات بالصّواب ما قاله عطاءٌ: «وهو أنّ العاكف في هذا الموضع: المقيم في البيت مجاورًا فيه بغير طوافٍ ولا صلاةٍ»، لأنّ صفة العكوف ما وصفنا من الإقامة بالمكان. والمقيم بالمكان قد يكون مقيمًا به وهو جالسٌ ومصلٍّ وطائفٌ ونائمٌ، وعلى غير ذلك من الأحوال؛ فلمّا كان تعالى ذكره قد ذكر في قوله: {أن طهّرا بيتي للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود} المصلّين والطّائفين، علم بذلك أنّ الحال الّتي عنى اللّه تعالى ذكره من العاكف غير حال المصلّي والطّائف، وأنّ الّذى عنى من أحواله هو العكوف بالبيت على سبيل الجوار فيه، وإن لم يكن مصلّيًا فيه ولا راكعًا ولا ساجدًا). [جامع البيان: 2/ 534-536]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والرّكّع السّجود}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {والرّكّع} جماعة القوم الرّاكعين فيه له، واحدهم راكعٌ.
وكذلك السّجود هم جماعة القوم السّاجدين فيه له واحدهم ساجدٌ، كما يقال: رجلٌ قاعدٌ ورجالٌ قعودٌ ورجلٌ جالسٌ ورجالٌ جلوسٌ؛ فكذلك رجلٌ ساجدٌ ورجالٌ سجودٌ.
وقيل: عنى بالرّكّع السّجود: المصلّين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن أبي بكرٍ الهذليّ، عن عطاءٍ: {والرّكّع السّجود} قال: «إذا كان يصلّي فهو من الرّكّع السّجود».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{والرّكّع السّجود} أهل الصّلاة».
وقد بيّنّا فيما مضى بيان معنى الرّكوع والسّجود، فأغنى ذلك عن إعادته). [جامع البيان: 2/ 536-537]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس وأمنًا واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود (125)}
قوله: {وإذ جعلنا البيت}:
- ذكر لي عن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ عن الحسين بن واقدٍ عن زيد بن أسلم في قوله: {وإذ جعلنا البيت} قال: «وهي الكعبة».
- حدّثنا أبي ثنا إبراهيم بن المنذر ثنا زيد بن حبابٍ عن حسين بن واقدٍ الخراسانيّ قاضي مرو قال: حدّثني أبو الزّبير عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ قال: «كان البيت من ياقوتةٍ حمراء». قال: «ويقولون: زمرّدةٌ خضراء» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 224-225]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {مثابةً للنّاس}:
اختلف في تفسيره على وجهين:
الوجه الأول:
فأحدهما:
- حدّثنا أبي ثنا عبد اللّه بن رجاءٍ أنبأ إسرائيل عن مسلمٍ عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس} قال: «يثوبون إليه ثمّ يرجعون».
وروي عن أبي العالية، وسعيد بن جبيرٍ في إحدى روايته وعطاءٍ ومجاهدٍ، والحسن، وعطيّة، والرّبيع بن أنسٍ والسّدّيّ، والضّحّاك نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: {مثابةً للنّاس} يقول: «مجمعًا للنّاس». وروي عن عكرمة وعطاءٍ الخراسانيّ وقتادة نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 225]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وأمنًا}:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة بن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس وأمنًا} قال: «أمنًا للنّاس».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم عن أبي جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس وأمنًا} يقول: «أمنًا من العدوّ وأن يحمل فيه السّلاح، وقد كانوا في الجاهليّة يتخطّف النّاس من حولهم، وهم آمنون لا يسبون».
وروي عن مجاهدٍ وعطاءٍ والسّدّيّ وقتادة والرّبيع بن أنسٍ قالوا: «من دخله كان آمنًا».
- حدّثنا أبي ثنا ابن نفيلٍ الحرّانيّ ثنا أبو معاوية عن مالك بن مغولٍ عن عطيّة في قوله: {وأمنًا} قال: «لا يؤخذ فيه صاحب حدٍّ حتّى يخرج» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 225]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ عن ابن جريجٍ عن جعفر بن محمّدٍ عن أبيه، سمع جابرًا يحدّث عن حجّة النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «لمّا طاف النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم قال له عمر: «هذا مقام أبينا إبراهيم؟» قال: «نعم» قال: «أفلا تتّخذه مصلًّى». فأنزل اللّه تعالى: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلى} »). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 226]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {مقام إبراهيم}:
الوجه الأول:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا حجّاجٌ عن ابن جريجٍ قال: «
سألت عطاءً عن: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} فقال: «سمعت ابن عبّاسٍ قال: أمّا مقام إبراهيم الّذي ذكر هاهنا فمقام إبراهيم هذا الّذي في المسجد»، قال: «ومقام إبراهيم يعد كثيرٌ مقام إبراهيم الحجّ كلّه». ثمّ فسّر في عطاءٌ فقال: «التّعريف وصلاتان بعرفة والمشعر ومنًى، ورمي الجمار والطّواف بين الصّفا والمروة». فقلت: فسّره ابن عبّاسٍ: قال: «لا ولكن قال: مقام إبراهيم الحجّ كلّه». قلت: أسمعت ذلك لهذا أجمع؟ قال: «نعم سمعت منه».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عمر بن شبّه النّميريّ ثنا أبو خلفٍ- يعني عبد اللّه بن عيسى- ثنا داود بن أبي هند عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} قال: «مقام إبراهيم الحرم كلّه». وروي عن مجاهدٍ وعطاءٍ مثل ذلك.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا قبيصة ثنا سفيان عن عبد اللّه بن مسلمٍ عن سعيد بن جبيرٍ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} قال: «الحجر مقام إبراهيم ليّنه اللّه، قد جعله رحمةً، فكان يقوم عليه ويناوله إسماعيل الحجارة، ولو غسل رأسه كما يقولون لاختلف رجلاه».
- حدّثنا أبي ثنا ابن أبي عمر العدنيّ قال: قال سفيان: «كان المقام في سقع البيت على عهد النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- فحوّله عمر إلى مكانه بعد النّبيّ- صلي الله علي وسلّم-». وبعد قوله: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} قال: «ذهب السّيل به بعد تحويل عمر إياه من موضعه هذا، فرده عمر إليه». وقال سفيان: «لا أدري كم بينه وبين الكعبة قبل تحويله». قال سفيان: «لا أدري أكان لاصقًا بها أم لا»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 226-227]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {مصلى}:
الوجه الأول:
- حدّثنا سهل بن بحرٍ العسكريّ بالرّيّ ثنا جعفر بن حميدٍ أنبأ ابن المبارك عن زكريّا بن إسحاق عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} قال: «مدعًا»
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: «{
واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} فهو الصّلاة عند مقامه في الحجّ» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 227]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وعهدنا إلى إبراهيم}:
- حدّثنا الحسن بن أحمد ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ حدّثني سرور بن المغيرة عن عبّاد بن منصورٍ قوله: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل} قال: «أمرهما اللّه أن يطهّراه من الأذى والنّجس، ولا يصيبه من ذلك شيءٌ» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 227]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {أن طهرا بيتي}:
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ بن طلحة ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: «{
طهّرا بيتي} ابنيا بيتي».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن عصامٍ الأنصاريّ ثنا أبو عاصمٍ النّبيل ثنا عبد اللّه بن هرمز عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ في قوله: {طهّرا بيتي للطّائفين والعاكفين} قال: «من الأوثان».
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا ابن نميرٍ عن عبد اللّه بن مسلم بن هرمز عن مجاهدٍ وسعيد بن جبيرٍ: «{طهرا بيتي للطائفين} أنّ ذلك من الأوثان والرّيب، وقول الزّور والرجس».
- حدّثنا أبي ثنا عمرو بن رافعٍ ثنا عمرو بن أبجر عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ: «{طهّرا بيتي}: بلا إله إلا اللّه من الشّرك» وروي عن عبيد بن عميرٍ وأبي العالية وقتادة ومجاهدٍ وعطاءٍ نحوه). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 227-228]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {للطائفين}:
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ وعمرٌو الأوديّ قالا: ثنا وكيعٌ عن أبي بكرٍ الهذليّ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ قال: «إذا كان قائمًا فهو من الطّائفين».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا أبو بكرٍ الهذليّ عن عطاءٍ في قوله: {طهّرا بيتي للطّائفين} قال: «من طاف به فهو من الطّائفين». وروي عن مقاتل بن حيّان نحو ذلك.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا يحي بن خلفٍ ثنا عبد الأعلى عن سعيدٍ عن قتادة {للطائفين} قال: «الطائفون من يعتنقه».
الوجه الرابع:
- حدثنا أبي ثنا عليّ بن إسحاق السّمرقنديّ أنبأ أبو بكرٍ- يعني ابن عيّاشٍ عن أبي حصينٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: {للطائفين} قال: «من أتاه من غربةٍ» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 228]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {والعاكفين}:
الوجه الأول:

- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا وكيعٌ عن أبي بكرٍ الهذليّ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ: {والعاكفين} قال: «إذا كان جالسًا فهو من العاكفين». وروي عن عطاءٍ مثله.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم عن أبي جعفرٍ الرّازيّ قال قتادة:
{والعاكفين} قال: «العاكفون هم أهله». وروي عن سعيد بن جبيرٍ وقتادة والرّبيع نحو ذلك.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسن ثنا مسدّدٌ ثنا يحيى بن سعيدٍ القطّان عن عبد الملك عن عطاءٍ في قوله: {العاكفين} قال: «من انتابه من الأمصار، فأقام عنده»، وقال: «لنا ونحن مجاورون، أنتم من العاكفين».
والوجه لرابع:
- حدّثنا أبي ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حمّاد بن سلمة ثنا ثابتٌ قال:
قلت لعبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ: «ما أراني إلا مكلّم الأمير أن يمنع الّذين ينامون في المسجد الحرام فإنّهم يجنبون ويحدثون؟. قال: لا تفعل فإنّ ابن عمر سئل عنهم فقال: هم العاكفون» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 228-229]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {والرّكّع السّجود}:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا وكيعٌ عن أبي بكرٍ الهذليّ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ: {والرّكّع السّجود} قال: «إذا كان مصلّيًا فهو من الرّكّع السّجود». وروي عن عطاءٍ ومقاتل بن حيّان وقتادة نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 229]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال حدثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح قال سمعت عكرمة مولى ابن عباس يقول: «قال الله لإبراهيم: إني مبتليك بأمر فما هو؟ فقال إبراهيم: تجعلني للناس إماما، فقال الله عز وجل: نعم، فقال إبراهيم: وأمنا، فقال الله: نعم، فقال إبراهيم: وتجعلنا مسلمين لك، فقال الله: نعم، فقال إبراهيم: ومن ذريتنا أمة مسلمة لك، قال الله: نعم، قال إبراهيم: وتتوب علينا، قال الله: نعم، قال إبراهيم: وتجعل هذا بلدا آمنا، قال الله: نعم، قال الله: ومن كفر فأمتعه أيضا فإني أرزقه في الدنيا حين استرزق إبراهيم لمن آمن به ثم مصير الكافرين إلى النار» قال ابن أبي نجيح سمعت هذا من عكرمة ثم عرضته على مجاهد فلم ينكره). [تفسير مجاهد: 87-88] (م)
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {مثابة للناس} ويقول:
«لا يقضون منه وطرا أبدا وأمنا يقول لا يخاف من دخله» ). [تفسير مجاهد: 88]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن عطاء بن أبي رباح في قوله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} قال:
«مقامه عرفة والمزدلفة والجمار» ). [تفسير مجاهد: 88-89]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو عمرٍو عثمان بن أحمد بن السّمّاك ببغداد، عن مكرمٍ البزّاز، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ القاسم بن أبي أيّوب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال اللّه لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: {طهّرا بيتي للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود} فالطّواف قبل الصّلاة، وقد قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «الطّواف بالبيت بمنزلة الصّلاة، إلّا أنّ اللّه قد أحلّ فيه المنطق، فمن نطق فلا ينطق إلّا بخيرٍ» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرّجاه " وإنّما يعرف هذا الحديث، عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبير). [المستدرك: 2/ 293]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثناه أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا محمّد بن إسحاق الصّغانيّ، ثنا الحسن بن موسى الأشيب، ثنا حمّاد بن سلمة، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: قال اللّه تعالى لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: {طهّرا بيتي للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود} فالطّواف قبل الصّلاة هذا متابعٌ لنصف المتن، والنّصف الثّاني من حديث القاسم بن أبي أيّوب ). [المستدرك: 2/ 293]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرناه الحسين بن الحسن بن أيّوب، ثنا عبد اللّه بن أحمد بن أبي مسرّة، ثنا عبد اللّه بن الزّبير الحميديّ، ثنا فضيل بن عياضٍ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الطّواف بالبيت صلاةٌ، إلّا أنّ اللّه أحلّ فيه النّطق، فمن نطق فيه فلا ينطق إلّا بخيرٍ»). [المستدرك: 2/ 293]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو جعفرٍ محمّد بن عليٍّ الشّيبانيّ بالكوفة، ثنا أحمد بن حازمٍ الغفاريّ، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمّد بن فضيلٍ، ثنا عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: «أتاه رجلٌ فقال: أبدأ بالصّفا قبل المروة، أو أبدأ بالمروة قبل الصّفا، وأصلّي قبل أن أطوف، أو أطوف قبل أن أصلّي، وأحلق قبل أن أذبح، أو أذبح قبل أن أحلق؟ فقال ابن عبّاسٍ: خذ ذاك من كتاب اللّه فإنّه أجدر أن يحفظ، قال اللّه تعالى: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه} [البقرة: 158] فالصّفا قبل المروة، وقال: {لا تحلقوا رءوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه} فالذّبح قبل الحلق وقال: {طهّرا بيتي للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود} [البقرة: 125] فالطّواف قبل الصّلاة» هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه). [المستدرك: 2/ 297] (م)
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت) - أنس بن مالك رضي الله عنه: «أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله، لو صلّينا خلف المقام؟ فنزلت: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى} [البقرة: 125]». هذا طرفٌ من حديثٍ أخرجه البخاري ومسلم.
وأوّل حديثهما، قال عمر: «وافقت ربّي في ثلاثٍ» هذا أحدها. والحديث مذكورٌ في فضائل عمر، في كتاب الفضائل من حرف الفاء، والذي أخرجه الترمذي: هو هذا القدر مفرداً، فيكون متفقاً بينهم. وفي رواية أخرى للترمذي. قال: «قال عمر: قلت: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلّى؟ فنزلت». [جامع الأصول: 2/ 9]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}
- عن ابن عمر «أنّ عمر قال: يا رسول اللّه، لو اتّخذنا من مقام إبراهيم مصلًّى؟ فنزلت: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}».
رواه الطّبرانيّ، وفيه جعفر بن محمّد بن جعفرٍ المدائنيّ ولم أعرفه، وبقيّة رجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 6/ 316]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا أبو أسامة، عن زكريّا، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة: «قال عمر- رضي اللّه عنه-: يا رسول اللّه، هذا مقام خليل ربّنا. قال: أفلا نتّخذه مصلّى؟ فنزلت: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}». [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/ 180]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال أبو بكرٍ: حدثنا أبو أسامة، عن زكريّا، عن الشّعبيّ، عن أبي ميسرة قال: «قال عمر رضي الله عنه: يا رسول اللّه، هذا مقام خليل ربّنا، أفلا تتخذه مصلًّى، فنزلت:{واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}». [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/ 508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرنا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود}:
أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله: {وإذ جعلنا البيت} قال: «الكعبة».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {مثابة للناس} قال: «يثوبون إليه ثم يرجعون».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {مثابة للناس} قال: «لا يقضون منه وطرا يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم ثم يعودون إليه».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عطاء في قوله: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس} قال: «يأتون إليه من كل مكان».
وأخرج سفيان بن عينية وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد في قوله: {مثابة للناس} قال: «يأتون إليه لا يقضون منه وطرا أبدا يحجون ثم يعودون» {وأمنا} قال: «تحريمه لا يخاف من دخله».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وأمنا} قال: «أمنا للناس».

وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: {وأمنا} قال: «أمنا من العدوان يحمل فيه السلاح وقد كانوا في الجاهلية يتخطف الناس من حولهم وهم آمنون» ). [الدر المنثور: 1/ 617-618]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (أما قوله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}:
أخرج عبد بن حميد عن أبي إسحاق أن أصحاب عبد الله كانوا يقرؤون {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} قال: «أمرهم أن يتخذوا».
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: سمعت سعيد بن جبير قرأها {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} بخفض الخاء.
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والعدني والدارمي والبخاري والترمذي والنسائي، وابن ماجه، وابن أبي داود في المصاحف، وابن المنذر، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والطحاوي، وابن حبان والدارقطني في الأفراد والبيهقي في "سننه" عن أنس بن مالك قال:
«قال عمر بن الخطاب: وافقت ربي في ثلاث أو واقفني ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزلت: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} وقلت: يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهم البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب، واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة فقلت لهن {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن} [التحريم الآية 5] فنزلت كذلك».
وأخرج مسلم، وابن أبي داود وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في "سننه"، عن جابر: «أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم رمل ثلاثة أشواط ومشى أربعا حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين ثم قرأ {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}».
وأخرج ابن ماجه، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن جابر قال: «لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة عند مقام إبراهيم قال له عمر: يا رسول الله هذا مقام إبراهيم الذي قال الله {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} قال: «نعم».
وأخرج الطبراني والخطيب في تاريخه عن ابن عمر: «أن عمر قال: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}».
وأخرج عبد بن حميد والترمذي عن أنس: «أن عمر قال: يا رسول الله لوصلينا خلف المقام فنزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}.
وأخرج ابن أبي داود عن مجاهد قال: «كان المقام إلى لزق البيت فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله لو نحيته إلى البيت ليصلي إليه الناس ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}».
وأخرج ابن أبي داود، وابن مردويه عن مجاهد قال: «قال عمر يا رسول الله صلينا خلف المقام فأنزل الله {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} فكان المقام عند البيت فحوله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضعه هذا» قال مجاهد: «وقد كان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن».
وأخرج ابن مردويه من طريق عمر بن ميمون عن عمر: «أنه مر بمقام إبراهيم فقال: يا رسول الله أليس نقوم مقام إبراهيم خليل ربنا قال: «بلى»، قال: أفلا نتخذه مصلى فلم يلبث إلا يسيرا حتى نزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}».

وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده والدارقطني في الأفراد عن أبي ميسرة قال: «قال عمر يا رسول الله هذا مقام خليل ربنا أفلا نتخذه مصلى فنزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «أما مقام إبراهيم الذي ذكر ههنا فمقام إبراهيم هذا الذي في المسجد ومقام إبراهيم بعد كثير مقام إبراهيم الحج كله».
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «مقام إبراهيم الحرم كله» واخرج ابن سعد، وابن المنذر عن عائشة قالت: «ألقي المقام من السماء».
وأخرج ابن أبي حاتم والأزرقي عن ابن عمر قال: «إن المقام ياقوتة من ياقوت الجنة محي نوره ولولا ذلك لأضاء ما بين السماء والأرض والركن مثل ذلك».
وأخرج الترمذي، وابن حبان والحاكم والبيهقي في الدلائل عن ابن عمرو قال: قال رسول الله: «الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت
الجنة طمس الله نورهما ولولا ذلك لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب».
وأخرج الحاكم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة».
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن ابي حاتم عن سعيد بن جبير قال: «الحجر مقام إبراهيم لينه الله فجعله رحمة وكان يقوم عليه ويناوله اسماعيل الحجارة».
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الركن والمقام من ياقوت الجنة ولولا ما مسهما من خطايا بني آدم لأضاءا ما بين المشرق والمغرب ومل مسهما من ذي عاهة ولا سقيم إلا شفي».
وأخرج البيهقي عن ابن عمر رفعه: «ولولا ما مسه من أنجاس الجاهلية ما مسه ذو عاهة إلا شفي وما على وجه الأرض شيء من الجنة غيره».
وأخرج الجندي في فضائل مكة عن سعيد بن المسيب قال: «الركن والمقام حجران من حجارة الجنة».
وأخرج الأزرقي في تاريخ مكة والجندي عن مجاهد قال: «يأتي الحجر والمقام يوم القيامة كل واحد منهما مثل أحد لهما عينان وشفتان يناديان بأعلى أصواتهما يشهدان لمن وافاهما بالوفاء».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الزبير: «أنه رأى قوما يمسحون المقام فقال: لم تؤمروا بهذا إنما أمرتم بالصلاة عنده».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والأزرقي عن قتادة: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} قال: «إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه ولقد تكلفت هذه الأمة شيئا ما تكلفته الأمم قبلها وقد ذكر لنا بعض من رأى أثر عقبه وأصابعه فما زالت هذه الأمة تمسحه حتى اخلولق وانمحى».
وأخرج الأزرقي عن نوفل بن معاوية الديلمي قال: «رأيت في المنام في عهد عبد المطلب مثل المهاة» قال أبو محمد الخزاعي: «المهاة خرزة بيضاء».
وأخرج الأزرقي عن ابي سعيد الخدري قال: «سألت عبد الله بن سلام عن الأثر الذي في المقام فقال: كانت الحجارة على ما هي عليه اليوم إلا أن الله أراد أن يجعل المقام آية من آياته فلما أمر إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج قام على المقام وارتفع المقام حتى صار أطول الجبال وأشرف على ما تحته فقال: يا ايها الناس أجيبوا ربكم فأجابه الناس فقالوا: لبيك اللهم لبيك فكان أثره فيه لما أراد الله فكان ينظر عن يمينه وعن شماله أجيبوا ربكم فلما فرغ أمر بالمقام فوضعه قبله فكان يصلي إليه مستقبل الباب فهو قبلته إلى ما شاء الله ثم كان إسماعيل بعد يصلي إليه إلى باب الكعبة ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أن يصلي إلى بيت المقدس فصلى إليه قبل أن يهاجر وبعدما هاجر ثم أحب الله أن يصرفه إلى قبلته التي رضي لنفسه ولأنبيائه فصلى إلى الميزاب وهو بالمدينة ثم قدم مكة فكان يصلي إلى المقام ما كان بمكة».
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} قال: «مدعى».
وأخرج الأزرقي عن كثير بن ابي كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي عن أبيه عن جده قال: «كانت السيول تدخل المسجد الحرام من باب بني شيبة الكبير قبل أن يردم عمر الردم الأعلى فكانت السيول ربما رفعت المقام عن موضعه وربما نحته إلى وجه الكعبة حتى جاء سيل أم نهشل في خلافة عمر بن الخطاب فاحتمل المقام من موضعه هذا فذهب به حتى وجد بأسفل مكة فأتي به فربط إلى أستار الكعبة وكتب في ذلك إلى عمر فأقبل فزعا في شهر رمضان وقد عفى موضعه وعفاه السيل فدعا عمر بالناس فقال: أنشد الله عبدا علم في هذا المقام، فقال المطلب بن أبي وداعة: أنا يا أمير المؤمنين عندي ذلك قد كنت أخشى عليه هذا فأخذت قدره من موضعه إلى الركن ومن موضعه إلى باب الحجر ومن موضعه إلى زمزم بمقاط وهو عندي في البيت، فقال له عمر: فاجلس عندي وأرسل إليه، فجلس عنده وأرسل فأتي بها فمدها فوجدها مستوية إلى موضعه هذا فسأل الناس وشاورهم فقالوا: نعم هذا موضعه، فلما استثبت ذلك عمر وحق عنده أمر به فأعلم ببناء ربضه تحت المقام ثم حوله فهو في مكانه هذا إلى اليوم».
وأخرج الأزرقي من طريق سفيان بن عينية عن حبيب بن الأشرس قال: «كان سيل أم نهشل قبل أن يعمل عمر الردم بأعلى مكة فاحتمل المقام من مكانه فلم يدر أين موضعه فلما قدم عمر بن الخطاب سأل من يعلم موضعه فقال عبد المطلب بن أبي وداعة: أنا يا أمير المؤمنين قد كنت قدرته وذرعته بمقاط وتخوفت عليه هذا من الحجر إليه ومن الركن إليه ومن وجه الكعبة، فقال: ائت به، فجاء به فوضعه في موضعه هذا وعمل عمر الردم» عند ذلك قال سفيان: «فذلك الذي حدثنا هشام ابن عروة عن ابيه أن المقام كان عند سقع البيت فأما موضعه الذي هو موضعه فموضعه الآن وأما ما يقول الناس: أنه كان هنالك موضعه فلا».
وأخرج الأزرقي عن ابن أبي مليكة قال: «موضع المقام هذا هو الذي به اليوم هو موضعه في الجاهلية وفي عهد النّبيّ وأبي بكر وعمر إلا أن السيل ذهب به في خلافة عمر فجعل في وجه الكعبة حتى قدم عمر فرده بمحضر الناس».
وأخرج البيهقي في "سننه" عن عائشه: «أن المقام كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم زمان أبي بكر ملتصقا بالبيت ثم أخره عمر بن الخطاب».
وأخرج ابن سعد عن مجاهد: «قال عمر بن الخطاب: من له علم بموضع المقام حيث كان فقال أبو وداعة بن صبيرة السهمي: عندي يا أمير المؤمنين قدرته إلى الباب وقدرته إلى ركن الحجر وقدرته إلى الركن الأسود وقدرته إلى زمزم فقال عمر: هاته، فأخذه عمر فرده إلى موضعه اليوم للمقدار الذي جاء به أبو وداعة».
وأخرج الحميدي، وابن النجار، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من طاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين وشرب من ماء زمزم غفرت له ذنوبه كلها بالغة ما بلغت».
وأخرج الأزرقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرء يريد الطواف بالبيت أقبل يخوض الرحمة فإذا دخلته غمرته ثم لا يرفع قدما ولا يضع قدما إلا كتب الله له بكل قدم خمسمائة حسنة وحط عنه خمسمائة سيئة ورفعت له خمسمائة درجة فإذا فرغ من طوافه فأتى مقام إبراهيم فصلى ركعتين دبر المقام خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وكتب له أحر عتق عشر رقاب من ولد اسماعيل واستقبله ملك على الركن فقال له: استأنف العمل فيما بقي فقد كفيت ما مضى وشفع في سبعين من أهل بيته».
وأخرج أبو داود عن أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة طاف بالبيت وصلى ركعتين خلف المقام يعني يوم الفتح».
وأخرج البخاري وأبو داود والنسائي، وابن ماجه عن عبد الله بن أبي أوفى: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين».
وأخرج الأزرقي عن طلق بن حبيب قال: «كنا جلوسا مع عبد الله بن عمرو بن العاص في الحجر إذ قلص الظل وقامت المجالس إذا نحن ببريق أيم طلع من هذا الباب - يعني من باب بني شيبة والأيم الحية الذكر - فاشرأبت له أعين الناس فطاف بالبيت سبعا وصلى ركعتين وراء المقام فقمنا إليه فقلنا: أيها المعتمر قد قضى الله نسكك وإن بأرضنا عبيدا وسفهاء وإنما نخشى عليك منهم فكوم برأسه كومة بطحاء فوضع ذنبه عليها فسما بالسماء حتى ما نراه».
وأخرج الأزرقي عن أبي الطفيل قال: «كانت امرأة من الجن في الجاهلية تسكن ذا طوى وكان لها ابن ولم يكن لها ولد غيره فكانت تحبه حبا شديدا وكان شريفا في قومه فتزوج وأتى زوجته فلما كان يوم سابعه قال لأمه: يا أماه إني أحب أن أطوف بالكعبة سبعا نهارا، قالت له أمه: أي بني إني أخاف عليك سفهاء قريش فقال: أرجو السلامة، فأذنت له فولى في صورة جان فمضى نحو الطواف فطاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين ثم أقبل منقلبا فعرض له شاب من بني سهم فقتله فثارت بمكة غبرة حتى لم يبصر لها الجبال، قال أبو الطفيل: بلغنا أنه إنما تثور تلك الغبرة عند موت عظيم من الجن، قال: فأصبح من بني سهم على فرشهم موتى كثير من قتل الجن فكان فيهم سبعون شيخا أصلع سوى الشاب».
وأخرج الأزرقي عن الحسن البصري قال: «ما أعلم بلدا يصلى فيه حيث أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم إلا بمكة، قال الله {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}» قال: «ويقال: يستجاب الدعاء بمكة في خمسة عشر موضعا عند الملتزم وتحت الميزاب وعند الركن اليماني وعلى الصفا وعلى المروة وبين الصفا والمروة وبين الركن والمقام وفي جوف الكعبة وبمنى وبجمع وبعرفات وعند الجمرات الثلاث».
وأمّا قوله تعالى: {وعهدنا إلى إبراهيم} الآية.
أخرج ابن جرير عن عطاء: {وعهدنا إلى إبراهيم} قال: «أمرناه».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أن طهرا بيتي} قال: «من الأوثان».
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد وسعيد بن جبير في قوله: {أن طهرا بيتي} قالا: «من الأوثان والريب وقول الزور والرجس».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله: {أن طهرا بيتي} قال: «من عبادة الأوثان والشرك وقول الزور»، وفي قوله: {والركع السجود} قال: «هم من أهل الصلاة».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «إذا كان قائما فهو من الطائفبن وإذا كان جالسا فهو من العاكفين وإذا كان مصليا فهو من الركع السجود».
وأخرج عبد بن حميد عن سويد بن غفلة قال: «من قعد في المسجد وهو طاهر فهو عاكف حتى يخرج منه».
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ثابت قال: قلت لعبد الله بن عبيد الله بن عمير: «ما أراني إلا مكلم الأمير أن أمنع الذين ينامون في المسجد الحرام فإنهم يجنبون ويحدثون، قال: لا تفعل فإن ابن عمر سئل عنهم فقال: هم العاكفون».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابي بكر بن أبي موسى قال: «سئل ابن عباس عن الطواف أفضل أم الصلاة فقال: أما أهل مكة فالصلاة وأما أهل الأمصار فالطواف».
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: «الطواف للغرباء أحب إلي من الصلاة».
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: «الصلاة لأهل مكة أفضل والطواف لأهل العراق».
وأخرج ابن أبي شيبة عن حجاج قال: سألت عطاء فقال: «أما أنتم فالطواف وأما أهل مكة فالصلاة».
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: «الطواف أفضل من عمرة بعد الحج»، وفي لفظ: «طوافك بالبيت أحب إلي من الخروج إلى العمرة» ). [الدر المنثور: 1/ 618-634]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن الزهري في قوله: {رب اجعل هذا بلدا آمنا} قال: قال النبي: «إن الناس لم يحرموا مكة ولكن الله حرمها فهي حرام إلى يوم القيامة وإن أعتى الناس على الله ثلاثة رجل قتل في الحرم ورجل قتل غير قاتله ورجل أخذ بنحول أهل الجاهلية» ). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 58]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن خصيفٍ عن مجاهدٍ في قوله جلّ وعزّ: {وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر} قال إبراهيم: «لمن آمن منهم
».
قال اللّه جلّ وعزّ: {ومن كفر فأمتّعه قليلا ثمّ أضطرّه إلى عذاب النار} [الآية: 126] ). [تفسير الثوري: 49]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتّعه قليلًا ثمّ أضطرّه إلى عذاب النّار وبئس المصير}:
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، قال: «استرزق اللّه عزّ وجلّ إبراهيم لأهل البلد لمن آمن»، قال: {وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر}، قال اللّه عزّ وجلّ: ومن كفر فإنّي أرزقه أيضًا؛ أمتّعه قليلًا، ثمّ أضطرّه إلى عذاب النار). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 614]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ): (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلدًا آمنًا}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلدًا آمنًا} واذكروا إذ قال إبراهيم: ربّ اجعل هذا البلد بلدًا آمنًا، يعني بقوله: {آمنًا}: آمنًا من الجبابرة وغيرهم أن يسلّطوا عليه، ومن عقوبة اللّه أن تناله، كما تنال سائر البلدان، من خسفٍ، وائتفاكٍ، وغرقٍ، وغير ذلك من سخط اللّه ومثلاته الّتي تصيب سائر البلاد غيره.
- كما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة قال: «ذكر لنا أنّ الحرم، حرمٌ بحياله إلى العرش، وذكر لنا أنّ البيت هبط مع آدم حين هبط، قال اللّه له: أهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي. فطاف حوله آدم ومن كان بعده من المؤمنين، حتّى إذا كان زمان الطّوفان حين أغرق اللّه قوم نوحٍ رفعه وطهّره ولم تصبه عقوبة أهل الأرض، فتتبّع منه إبراهيم أثرًا فبناه على أساسٍ قديمٍ كان قبله».
فإن قال لنا قائلٌ: أوما كان الحرم آمنًا إلاّ بعد أن سأل إبراهيم ربّه له الأمان؟ قيل قد اختلف في ذلك، فقال بعضهم: لم يزل الحرم آمنًا من عقوبة اللّه وعقوبة جبابرة خلقه، منذ خلقت السّماوات والأرض.
واعتلّوا في ذلك بما؛
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني سعيد بن أبي سعيدٍ المقبريّ، قال: سمعت أبا شريحٍ الخزاعيّ، يقول: لمّا افتتحت مكّة قتلت خزاعة رجلاً من هذيلٍ، فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خطيبًا فقال: «يا أيّها النّاس إنّ اللّه حرّم مكّة يوم خلق السّماوات والأرض، فهي حرامٌ بحرام اللّه إلى يوم القيامة؛ لا يحلّ لامرئٍ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يسفك فيها دمًا، أو يعضّد بها شجرًا
وإنّها لا تحلّ لأحدٍ بعدي لا تحلّ لي إلاّ هذه السّاعة غضبًا على أهلها. ألا فهي قد رجعت على حالها بالأمس. ألا ليبلّغ الشّاهد الغائب، فمن قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد قتل بها، فقولوا: إنّ اللّه قد أحلّها لرسوله ولم يحلّها لك».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحيم بن سليمان، وحدّثنا ابن حميدٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا جريرٌ، جميعًا، عن يزيد بن أبي زيادٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمكّة حين افتتحها: «هذه حرمٌ حرّمها اللّه يوم خلق السّموات والأرض وخلق الشّمس والقمر ووضع هذين الأخشبين، لم تحلّ لأحدٍ قبلي، ولا تحلّ لأحدٍ بعدي، أحلّت لي ساعةً من نهارٍ».
قالوا: فمكّة منذ خلقت حرمٌ آمنٌ من عقوبة اللّه وعقوبة الجبابرة.
قالوا: وقد أخبرت عن صحّة ما قلنا من ذلك الرّواية الثّابتة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّتي ذكرناها.
قالوا: ولم يسأل إبراهيم ربّه أن يؤمّنه من عقوبته وعقوبة الجبابرة، ولكنّه سأله أن يؤمّن أهله من الجدوب والقحوط، وأن يرزق ساكنيه من الثّمرات، كما أخبر ربّه عنه أنّه سأله بقوله: {وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم باللّه واليوم الآخر}.
قالوا: وإنّما سأل ربّه ذلك، لأنّه أسكن فيه ذرّيّته، وهو غير ذي زرعٍ ولا ضرعٍ، فاستعاذ ربّه من أن يهلكهم بها جوعًا وعطشًا، فسأله أن يؤمّنهم ممّا حذر عليهم منه.
قالوا: وكيف يجوز أن يكون إبراهيم سأل ربّه تحريم الحرم، وأن يؤمّنه من عقوبته وعقوبة جبابرة خلقه، وهو القائل حين حلّه ونزله بأهله وولده: {ربّنا إنّي أسكنت من ذرّيّتي بوادٍ غير ذي زرعٍ عند بيتك المحرّم}؟
قالوا: فلو كان إبراهيم هو الّذي حرّم الحرم أو سأل ربّه تحريمه لما قال: {عند بيتك المحرّم} عند نزوله به، ولكنّه حرّم قبله، وحرّم بعده.
وقال آخرون: كان الحرم حلالاً قبل دعوة إبراهيم كسائر البلاد غيره، وإنّما صار حرامًا بتحريم إبراهيم إيّاه، كما كانت مدينة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حلالاً قبل تحريم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إيّاها فصارت حراما بتحريم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إيّاها.
قالوا: والدّليل على ما قلنا من ذلك ما؛
- حدّثنا به ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي الزّبير، عن جابر بن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ إبراهيم حرّم بيت اللّه وأمّنه، وإنّي حرّمت المدينة ما بين لابتيها لا يصاد صيدها ولا تقطع عضاهها».
- حدّثنا أبو كريبٍ، وأبو السّائب، قالا: حدّثنا ابن إدريس، وحدّثنا أبو كريبٍ، قالا: حدّثنا عبد الرّحيم الرّازيّ، قالا جميعا سمعنا أشعث، عن نافعٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى للّه عليه وسلّم: «إنّ إبراهيم كان عبد اللّه وخليله، وإنّي عبد اللّه ورسوله، وإنّ إبراهيم حرّم مكّة وإنّي حرّمت المدينة ما بين لابتيها عضاها وصيدها، ولا يحمل فيها سلاحٌ لقتالٍ، ولا يقطع منها شجرٌ إلاّ لعلف بعيرٍ».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بكر بن مضرٍ، عن ابن الهاد، عن أبي بكر بن محمّدٍ، عن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان، عن رافع بن خديجٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ إبراهيم حرّم مكّة، وإنّي أحرّم ما بين لابتيها».
وما أشبه ذلك من الأخبار الّتي يطول باستيعابها الكتاب.
قالوا: وقد أخبر اللّه تعالى ذكره في كتابه أنّ إبراهيم قال: {ربّ اجعل هذا البلد آمنًا} ولم يخبر عنه أنّه سأل أن يجعله آمنًا من بعض الأشياء دون بعضٍ، فليس لأحدٍ أن يدّعي أنّ الّذي سأله من ذلك الأمان له من بعض الأشياء دون بعضٍ إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها.
قالوا: وأمّا خبر أبي شريحٍ وابن عبّاسٍ فخبران لا تثبت بهما حجّةٌ لما في أسانيدهما من الأسباب الّتي يجب التّثبيت فيها من أجلها.
والصّواب من القول في ذلك عندنا: أنّ اللّه تعالى ذكره جعل مكّة حرمًا حين خلقها وأنشأها، كما أخبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه حرّمها يوم خلق السّماوات والأرض بغير تحريمٍ منه لها على لسان أحدٍ من أنبيائه ورسله، ولكن بمنعه من أرادها بسوءٍ، وبدفعه عنها من الآفات والعقوبات، وعن ساكنيها ما أحلّ بغيرها وغير ساكنيها من النّقمات؛ فلم يزل ذلك أمرها حتّى بوّأها اللّه إبراهيم خليله، وأسكن بها أهله هاجر وولده إسماعيل، فسأل حينئذٍ إبراهيم ربّه إيجاب فرض تحريمها على عباده على لسانه، ليكون ذلك سنّةً لمن بعده من خلقه، يستنّون به فيها، إذ كان تعالى ذكره قد اتّخذه خليلاً، وأخبره أنّه جاعله للنّاس إمامًا يقتدى به، فأجابه ربّه إلى ما سأله، وألزم عباده حينئذٍ فرض تحريمه على لسانه.
فصارت مكّة بعد أن كانت ممنوعةً بمنع اللّه إيّاها بغير إيجاب اللّه فرض الامتناع منها على عباده، ومحرّمةٌ بدفع اللّه عنها بغير تحريمه إيّاها على لسان أحدٍ من رسله فرض تحريمها على خلقه على لسان خليله إبراهيم عليه السّلام، وواجبٌ على عباده الامتناع من استحلالها، واستحلال صيدها وعضاهها، بإيجابه الامتناع من ذلك ببلاغ إبراهيم رسالة اللّه إليك بذلك إليهم؛ فلذلك أضيف تحريمها إلى إبراهيم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ إبراهيم حرّم مكّة لأنّ فرض تحريمها الّذي ألزم اللّه عباده على وجه العبادة له به، دون التّحريم الّذي لم يزل الله منفردا لها به على وجه الكلاءة والحفظ لها قبل ذلك؛ كان عن مسألة إبراهيم ربّه إيجاب فرض ذلك على لسانه، لزم العباد فرضه دون غيره.
فقد تبيّن إذًا بما قلنا صحّة معنى الخبرين، أعني خبر أبي شريحٍ وابن عبّاسٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «إنّ اللّه حرّم مكّة يوم خلق الشّمس والقمر». وخبر جابرٍ وأبى هريرة ورافع بن خديجٍ وغيرهم، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «اللّهمّ إنّ إبراهيم حرّم مكّة» وأن ليس أحدهما دافعًا صحّة معنى الآخر كما ظنّه بعض الجهّال.
وغير جائزٍ في أخبار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يكون بعضها دافعًا بعضًا إذا ثبت صحّتها، وقد جاء الخبران اللّذان رويا في ذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مجيئًا ظاهرًا مستفيضًا يقطع عذر من بلغه.
وأما قول إبراهيم عليه السّلام: {ربّنا إنّي أسكنت من ذرّيّتي بوادٍ غير ذي زرعٍ عند بيتك المحرّم} فإنّه إن يكن قال ذلك قبل إيجاب اللّه فرض تحريمه على لسانه على خلقه، فإنّما عنى بذلك تحريم اللّه إيّاه الّذي حرّمه بحياطته إيّاه وكلاءته من غير تحريمه إيّاه على خلقه على وجه التّعبّد لهم بذلك. وإن يكن قال ذلك بعد تحريم اللّه إيّاه على لسانه على خلقه على وجه التّعبّد، فلا مسألة لأحدٍ علينا في ذلك). [جامع البيان: 2/ 537-543]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ): (القول في تأويل قوله تعالى: {وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم باللّه واليوم الآخر}:
وهذه مسألةٌ من إبراهيم ربّه أن يرزق مؤمني أهل مكّة من الثّمرات دون كافريهم. وخصّ بمسألة ذلك للمؤمنين دون الكافرين لما أعلمه اللّه عند مسألته إيّاه أن يجعل من ذرّيّته أئمّةً يقتدى بهم أنّ منهم الكافر الّذي لا ينال عهده، والظّالم الّذي لا يدرك ولايته. فلمّا علم أنّ من ذرّيّته الظّالم والكافر، خصّ بمسألته ربّه أن يرزق من الثّمرات من سكّان مكّة المؤمن منهم دون الكافر، وقال اللّه له: إنّي قد أجبت دعاءك، وسأرزق مع مؤمني أهل هذا البلد كافرهم، فأمتّعه به قليلاً.
فأمّا من في قوله: {من آمن منهم باللّه واليوم الآخر} فإنّه نصب على التّرجمة والبيان عن الأهل، كما قال تعالى: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه} بمعنى: يسألونك عن قتالٍ، في الشّهر الحرام، وكما قال تعالى ذكره: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً} بمعنى: وللّه حجّ البيت على من استطاع إليه سبيلاً.
وإنّما سأل إبراهيم ربّه ما سأل من ذلك؛ لأنّه حلّ بوادٍ غير ذي زرعٍ ولا ماءٍ ولا أهلٍ، فسأل أن يرزق أهله ثمرًا، وأن يجعل أفئدة من النّاس تهوي إليهم، فذكر أنّ إبراهيم لمّا سأل ذلك ربّه نقل اللّه الطّائف من فلسطين.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق بن الحجّاج، قال: حدّثنا هشامٌ، قال: «قرأت على محمّد بن مسلمٍ أنّ إبراهيم، لمّا دعا للحرم {وارزق أهله من الثّمرات} نقل اللّه الطّائف من فلسطين» ). [جامع البيان: 2/ 543-544]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ): (القول في تأويل قوله تعالى: {قال ومن كفر فأمتّعه قليلاً}:
اختلف أهل التّأويل في قائل هذا القول وفي وجه قراءته، فقال بعضهم: قائل هذا القول ربّنا تعالى ذكره، وتأويله على قولهم: {قال ومن كفر فأمتّعه قليلاً} برزقي من الثّمرات في الدّنيا إلى أن يأتيه أجله. وقرأ قائل هذه المقالة ذلك: {فأمتّعه قليلاً} بتشديد التّاء ورفع العين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: حدّثني أبو العالية، عن أبيّ بن كعبٍ: في قوله: {ومن كفر فأمتّعه قليلاً ثمّ أضطرّه إلى عذاب النّار} قال: «هو قول الرّبّ تبارك وتعالى».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: «لمّا قال إبراهيم: {ربّ اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم باللّه واليوم الآخر} وعزل الدّعوة عمّن أبى اللّه أن يجعل له الولاية، انقطاعًا إلى اللّه ومحبّتةً وفراقًا لمن خالف أمره، وإن كانوا من ذرّيّته حين عرف أنّه كائن منهم ظالمٌ لا ينال عهده، بخبره عن ذلك حين أخبره فقال اللّه: {ومن كفر} فإنّي أرزق البرّ والفاجر {فأمتّعه قليلاً}».
وقال آخرون: بل قال ذلك إبراهيم خليل الرّحمن على وجه المسألة منه ربّه أن يرزق الكافر أيضًا من الثّمرات بالبلد الحرام، مثل الّذي يرزق به المؤمن ويمتّعه بذلك قليلاً فى حياته حتى تخترمه منيته. وقرأ قائلوا ذلك، {ومن كفر فأمتّعه قليلاً ثمّ أضطرّه إلى عذاب النّار} بتخفيف التّاء وجزم العين وفتح الرّاء من اضطرّه، ووصل ثمّ اضطرّه بغير قطع ألفها، على وجه الدّعاء من إبراهيم ربّه لهم والمسألة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: قال أبو العالية: كان ابن عبّاسٍ يقول: «ذلك قول إبراهيم يسأل ربّه أنّ من كفر فأمتّعه قليلاً».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {ومن كفر فأمتّعه قليلاً} يقول: «ومن كفر فأرزقه أيضًا ثمّ أضطرّه إلى عذاب النّار».
والصّواب من القراءة في ذلك عندنا والتّأويل، ما قاله أبيّ بن كعبٍ وقرأ به، لقيام الحجّة بالنّقل المستفيض وراثةً بتصويب ذلك، وشذوذ ما خالفه من القراءة. وغير جائزٍ الاعتراض بمن كان جائزًا عليه في نقله الخطأ والسّهو، على من كان ذلك غير جائزٍ عليه في نقله.
وإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الآية: قال اللّه: يا إبراهيم قد أجبت دعوتك، ورزقت مؤمني أهل هذا البلد من الثّمرات وكفّارهم متاعًا لهم إلى بلوغ آجالهم، ثمّ أضطرّ كفّارهم بعد ذلك إلى النّار.
وأمّا قوله: {فأمتّعه قليلاً} يعني: فأجعل ما أرزقه من ذلك في حياته متاعًا يتمتّع به إلى وقت مماته.
وإنّما قلنا إنّ ذلك كذلك؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره إنّما قال ذلك لإبراهيم جوابًا لمسألته ما سأل من رزق الثّمرات لمؤمني أهل مكّة، فكان معلومًا بذلك أنّ الجوّاب إنّما هو فيما سأله إبراهيم لا في غيره. وبالّذي قلنا في ذلك قال مجاهدٌ، وقد ذكرنا الرّواية بذلك عنه.
وقال بعضهم: تأويله: فأمتّعه بالبقاء في الدّنيا.
وقال غيره: فأمتّعه قليلاً في كفره ما أقام بمكّة، حتّى أبعث محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم فيقتله إن أقام على كفره أو يجليه عنها. وذلك وإن كان وجهًا يحتمله الكلام فإنّ دليل ظاهر الكلام على خلافه لما وصفنا). [جامع البيان: 2/ 544-547]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ): (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ أضطرّه إلى عذاب النّار}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {ثمّ أضطرّه إلى عذاب النّار} ثمّ أدفعه إلى النّار وأسوقه إليها، كما قال تعالى ذكره: {يوم يدعّون إلى نار جهنّم دعًّا} ومعنى الاضطرار: الإكراه، يقال: اضطررت فلانًا إلى هذا الأمر: إذا ألجأته إليه وحملته عليه. فذلك معنى قوله: {ثمّ أضطرّه إلى عذاب النّار} أدفعه إليها، وأسوقه سحبًا وجرًّا على وجهه). [جامع البيان: 2/ 547]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ): (القول في تأويل قوله تعالى: {وبئس المصير}:
قد دلّلنا على أنّ بئس أصله بئس من البؤس، سكّن ثانيه ونقلت حركة ثانيه إلى أوّله، كما قيل للكبد كبدٌ، وما أشبه ذلك.
فمعنى الكلام: وساء المصير عذاب النّار، بعد الّذي كانوا فيه من متاع الدّنيا الّذي متّعتهم فيها.
وأمّا المصير فإنّه مفعلٌ من قول القائل: صرت مصيرًا صالحًا، وهو الموضع الّذي يصير إليه من جهنم. فتأويل الكلام: وبئس المكان الذى يصير إليه الكافر باللّه من عذاب النّار). [جامع البيان: 2/ 547-548]

قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم باللّه واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتّعه قليلًا ثمّ أضطرّه إلى عذاب النّار وبئس المصير (126)}
قوله: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنًا}:
- حدّثنا أبي ثنا إبراهيم ثنا حاتم بن إسماعيل عن أبي صخرٍ عن عمّارٍ الدّهنيّ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ في قوله: {اجعل هذا بلدًا آمنًا} قال: «كان إبراهيم يحجرها على المؤمنين دون النّاس».
- حدّثنا الحسن بن أحمد ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ حدّثني سرور بن المغيرة عن عبّاد بن منصورٍ عن الحسن قوله: {وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلدًا آمنًا} قال: «هذا دعاءٌ، دعا به إبراهيم فاستجاب له دعاءه فجعله بلدًا آمنًا» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 229]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم باللّه واليوم الآخر}:

حدّثنا أبي ثنا هشام بن عمّارٍ ثنا حاتم بن إسماعيل عن حميدٍ- يعني أبا صخرٍ- عن عمّارٍ الدّهنيّ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ في قوله: {اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم باللّه واليوم الآخر} قال: «كان إبراهيم يحجرها على المؤمنين.
فأنزل اللّه ومن كفر- أيضًا- أرزقهم كما أرزق المؤمنين، أخلق خلقًا لا أرزقهم أمتّعهم قليلا ثمّ اضطرّهم إلى عذاب النّار».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم عن ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ قال: سمعت عكرمة قال: «قال إبراهيم: وترزق أهله من الثّمرات من آمن منهم باللّه؟ قال اللّه: نعم».
- حدّثنا أبي ثنا عيسى بن مرحومٍ العطّار ثنا يحيى بن سليمٍ قال: سمعت عبد الرّحمن بن عليّ بن نافع بن جبيرٍ وهو يقول: سمعت الزّهريّ يقول: «إن اللّه نقل قريةً من قرى الشّام فوضعها في الطّائف لدعوة إبراهيم خليل اللّه».
- ذكر أبي عن هشام بن عبيد اللّه عن محمّد بن مسلمٍ الطّائفيّ قال: «بلغني أنّ إبراهيم- صلّى اللّه عليه وسلّم- لمّا دعا للحرم: وارزق أهله من الثّمرات نقل اللّه الطّائف من فلسطين» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 229-230]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {من آمن منهم باللّه واليوم الآخر}:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: {من آمن منهم باللّه واليوم الآخر} «يعني: من وحّد اللّه وآمن باليوم الآخر» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 230]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {قال ومن كفر}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم عن أبي جعفرٍ عن الرّبيع قال أبو العالية:
قال أبيّ بن كعبٍ: « {ومن كفر} أنّ هذا من قول الرّبّ قال: {ومن كفر فأمتّعه قليلا}» وقال ابن عبّاسٍ: «هذا من قول إبراهيم يسأل ربّه أنّ من كفر فأمتّعه قليلا».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم عن ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ قال: سمعت عكرمة قال: «قال اللّه: ومن كفر أيضًا فإنّي أرزقه من الدّنيا حين استرزق إبراهيم لمن آمن» قال ابن أبي نجيحٍ: «سمعت هذا من عكرمة، ثمّ عرضته على مجاهدٍ فلم ينكره» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 230]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فأمتّعه قليلا}:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا إبراهيم بن موسى أنبأ ابن أبي زائدة أنبأ إسرائيل عن خصيفٍ عن سعيد بن جبيرٍ وعكرمة ومجاهدٍ: {فأمتعه قليلا} قال: «أرزقه قليلا» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 231]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ثمّ أضطرّه إلى عذاب النّار وبئس المصير
- حدّثنا الحجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ قوله: ثمّ أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير} قال: «ثمّ مصير الكافر إلى النّار» قال ابن أبي نجيحٍ: «سمعته من عكرمة، فعرضته على مجاهدٍ فلم ينكره» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 231]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال حدثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح قال سمعت عكرمة مولى ابن عباس يقول: «قال الله لإبراهيم: إني مبتليك بأمر فما هو؟ فقال إبراهيم: تجعلني للناس إماما، فقال الله عز وجل: نعم، فقال إبراهيم: وأمنا، فقال الله: نعم، فقال إبراهيم: وتجعلنا مسلمين لك، فقال الله: نعم، فقال إبراهيم: ومن ذريتنا أمة مسلمة لك، قال الله: نعم، قال إبراهيم: وتتوب علينا، قال الله: نعم، قال إبراهيم: وتجعل هذا بلدا آمنا، قال الله: نعم، قال الله: ومن كفر فأمتعه أيضا فإني أرزقه في الدنيا حين استرزق إبراهيم لمن آمن به ثم مصير الكافرين إلى النار» قال ابن أبي نجيح: «سمعت هذا من عكرمة ثم عرضته على مجاهد فلم ينكره» ). [تفسير مجاهد: 87-88] (م)
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ): (قوله تعالى: {ربّ اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم باللّه واليوم الآخر}:
- قال ابن عبّاسٍ: «كان إبراهيم احتجرها دون النّاس، فأنزل اللّه: {ومن كفر} أيضًا فأنا أرزقهم كما أرزق المؤمنين، أخلق خلقًا لا أرزقهم، أمتّعهم قليلًا ثمّ أضطرّهم إلى عذاب النّار». ثمّ قرأ ابن عبّاسٍ: {كلًّا نمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربّك وما كان عطاء ربّك محظورًا} [الإسراء: 20]. رواه الطّبرانيّ، ورجاله رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد: 6/ 315-316]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (قوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار ولبئس المصير}:
أخرج أحمد ومسلم والنسائي، وابن جرير، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابيتها فلا يصاد صيدها ولا يقطع عضاهها».
وأخرج مسلم، وابن جرير عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم ما بين لابتيها».
وأخرج أحمد عن ابي قتادة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم صلى بأرض سعد بأرض الحرة عند بيوت السقيا ثم قال: «اللهم إن إبراهيم خليلك وعبدك ونبيك دعاك لأهل مكة وأنا محمد عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة مثل ما دعاك إبراهيم بمكة أدعوك أن تبارك لهم في صاعهم ومدهم وثمارهم اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة واجعل ما بها من وراء خم اللهم إني حرمت ما بين لا بتيها كما حرمت على لسان إبراهيم الحرم».
وأخرج البخاري ومسلم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف على المدينة فقال: «اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما أحرم به إبراهيم مكة اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم».
وأخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإني عبدك ونبيك وأنه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة ومثله معه».
وأخرج الطبراني في الأوسط عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك دعاك لأهل مكة بالبركة وأنا محمد عبدك ورسولك وإني أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في صاعهم ومدهم مثل ما باركت لأهل مكة واجعل مع البركة بركتين».
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها وحرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ودعوت لها في مدها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم مكة».
وأخرج البخاري والجندي في فضائل مكة عن عائشة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم إن إبراهيم عبدك ونبيك دعاك لأهل مكة وأنا أدعوك لأهل المدينة بمثل ما دعاك إبراهيم لأهل مكة».
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما بمكة من البركة».
وأخرج الأزرقي في تاريخ مكة والجندي عن محمد بن الأسود: «أن إبراهيم عليه السلام هو أول من نصب أنصاب الحرم أشار له جبريل إلى مواضعها».
وأخرج الجندي عن ابن عباس قال: «إن في السماء لحرما على قدر حرم مكة».
وأخرج الأزرقي والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستة لعنتهم وكل نبي مجاب، الزائد في كتاب الله والمكذب بقدر الله والمتسلط بالجبروت ليذل من أعز الله ويعز من أذل الله والتارك لسنتي والمستحل من عترتي ما حرم الله عليه والمستحل لحرم الله».
وأخرج البخاري تعليقا، وابن ماجه عن صيفة بنت شيبة قالت: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب عام الفتح فقال: «يا أيها الناس إن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السموات والأرض وهي حرام إلى يوم القيامة ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا يأخذ لقطتها إلا منشد»فقال العباس: إلا الإذخر فإنه للبيوت والقبور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا الإذخر».
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والأزرقي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض والشمس والقمر ووضع هذين الأخشبين فهو حرام بحرمة
الله إلى يوم القيامة وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولا يحل لأحد بعدي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا يلتقط لقطتها إلا من عرفها»، قال العباس: إلا إلاذخر فإنه لقينهم وبيوتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا الإذخر».
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن أبي هريرة قال: «لما فتح الله مكة على رسوله قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليه رسوله والمؤمنين وإنما أحلت لي ساعة من النهار ثم هي حرام إلى يوم القيامة لا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا تحل لقمتها إلا لمنشد ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفدي وإما أن يقتل»، فقام رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاه فقال له: يا رسول الله اكتب لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اكتبوا لأبي شاه» ، فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقبورنا وبيوتا: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا الإذخر».
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مكة حرم حرمها الله لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها».
وأخرج الأزرقي في تاريخ مكة عن الزهري في قوله: {رب اجعل هذا البلد آمنا} قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الناس لم يحرموا مكة ولكن الله حرمها فهي حرام إلى يوم القيامة وإن من أعتى الناس على الله رجل قتل في الحرم ورجل قتل غير قاتله ورجل أخذ بذحول الجاهلية».
وأخرج الأزرقي عن قتادة قال: «ذكر لنا أن الحرم حرم بحياله إلى العرش».
وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال: «إن هذا الحرم حرم مناه من السموات السبع والأرضين السبع وإن هذا رابع أربعة عشر بيتا في كل سماء بيت وفي كل أرض بيت ولو وقعن وقعن بعضهن على بعض».
وأخرج الأزرقي عن الحسن قال: «البيت بحذاء البيت المعمور وما بينهما بحذائه إلى السماء السابعة وما أسفل منه بحذائه إلى الأرض السابعة حرام كله».
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «البيت المعمور الذي في السماء يقال له الصراخ وهو على بناء الكعبة يعمره كل يوم سبعون ألف ملك لم تزره قط وأن للسماء السابعة لحرما على منى حرم مكة».
وأخرج ابن سعد والأزرقي عن ابن عباس قال: «أول من نصب أنصاب الحرم إبراهيم عليه السلام يريه ذلك جبريل عليه السلام فلما كان يوم الفتح بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم بن أسد الخزاعي فجدد ما رث منها».
وأخرج الأزرقي عن حسين بن القاسم قال: «سمعت بعض أهل العلم يقول: إنه لما خاف آدم على نفسه من الشيطان استعاذ بالله فأرسل الله ملائكته حفوا بمكة من كل جانب ووقفوا حواليها قال: فحرم الله الحرم من حيث كانت الملائكة وقفت، قال: ولما قال إبراهيم عليه السلام: ربنا أرنا مناسكنا نزل إليه جبريل فذهب به فأراه المناسك ووقفه على حدود الحرم فكان إبراهيم يرضم الحجارة وينصب الأعلام ويحثي عليها التراب فكان جبريل يقفه على الحدود، قال: وسمعت أن غنم اسماعيل كانت ترعى في الحرم ولا تجاوزه ولا تخرج فإذا بلغت منتهاه من ناحية رجعت صابة في الحرم».
وأخرج الأزرقي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: «إن إبراهيم عليه السلام نصب أنصاب الحرم يريه جبريل عليه السلام ثم لم تحرك حتى كان قصي فجددها ثم لم تحرك حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث عام الفتح تميم بن أسد الخزاعي فجددها».
وأخرج البزار والطبراني عن محمد بن الأسود بن خلف عن أبيه: «أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمره أن يجدد أنصاب الحرم».
وأخرج الأزرقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: «أيها الناس إن هذا البيت لاق ربه فسائله عنكم ألا فانظروا فيما هو سائلكم عنه من أمره ألا واذكروا الله إذ كان أحدكم ساكنه لا تسفكون فيه دماء ولا تمشون فيه بالنميمة».
وأخرج البزار عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بنفر من قريش وهم جلوس بفناء الكعبة فقال: «انظروا ما تعملون فيها فإنها مسئولة عنكم فتخبر عن أعمالكم واذكروا إذ ساكنها من لا يأكل الربا ولا يمشي بالنميمة».
وأخرج الأزرقي عن أبي نجيح قال: «لم يكن كبار الحيتان تأكل صغارها في الحرم زمن الغرق».
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي عن جويرية بن أسماء عن عمه قال: «حججت مع قوم فنزلنا منزلا ومعنا امرأة فانتبهت وحية منطوية عليها جمعت رأسها مع ذنبها بين ثدييها فهالنا ذلك وارتحلنا فلم تزل منطوية عليها لا تضرها شيئا حتى دخلنا أنصاب الحرم فانسابت فدخلنا مكة فقضينا نسكنا وانصرفنا حتى إذا كنا بالمكان الذي تطوقت عليها فيه الحية وهو المنزل الذي نزلنا فنامت فاستيقظت والحية منطوية عليها ثم صفرت الحية فإذا بالوادي يسيل علينا حيات فنهشنها حتى بقيت عظاما فقلت لجارية كانت معها: ويحك أخبرينا عن هذه المرأة قال: بغت ثلاث مرات كل مرة تلد ولدا فإذا وضعته سجرت التنور ثم ألقته فيه».
وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال: «من أخرج مسلما من ظله في حرم الله من غير ضرورة أخرجه الله من ظل عرشه يوم القيامة».
وأخرج ابن أبي شيبة والأزرقي عن عبد الله بن الزبير قال: «إن كانت الأمة من بني إسرائيل لتقدم مكة فإذا بلغت ذا طوى خلعت نعليها تعظيما للحرم».
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن مجاهد قال: «كان يحج من بني إسرائيل مائة ألف فإذا بلغوا أنصاب الحرم خلعوا نعالهم ثم دخلوا الحرم حفاة».
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: «كانت الأنبياء إذا أتت علم الحرم نزعوا نعالهم».
وأخرج الأزرقي، وابن عساكر عن ابن عباس قال: «حج الحواريون فلما دخلوا الحرم مشوا تعظيما للحرم».
وأخرج الأزرقي عن عبد الرحمن بن سابط قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينطلق إلى المدينة استلم الحجر وقام وسط المسجد والتفت إلى البيت فقال: «إني لأعلم ما وضع الله في الأرض بيتا أحب إليه منك وما في الأرض بلد أحب إليه منك وما خرجت عنك رغبة ولكن الذين كفروا هم أخرجوني».
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة: «أما والله إني لأخرج وإني لأعلم أنك أحب البلاد إلى الله وأكرمها على الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت».
وأخرج الترمذي والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: «ما أطيبك وأحبك إلي ولولا أن قومك أخرجوني ما سكنت غيرك».
وأخرج ابن سعد وأحمد والترمذي وصححه والنسائي، وابن ماجه والأزرقي والجندي عن عبد الله بن عدي بن الحمراء قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته واقف بالحزورة يقول لمكة: «والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله
ولولا أخرجت ما خرجت».
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال: «كان بمكة حي يقال لهم العماليق فكانوا في عز وثروة وكثرة فكانت أموالهم كثيرة من خيل وإبل وماشية، فكانت ترعى بمكة وما حولها من مر ونعمان وما حول ذلك، فكانت الحرف عليهم مظلة والأربعة مغدقة والأودية بحال والعصاه ملتفة والأرض مبقلة فكانوا في عيش رخى، فلم يزل بهم البغي والإسراف على أنفسهم بالظلم والجهار بالمعاصي والاضطهاد لمن قاربهم حتى سلبهم الله ذلك فنقصهم بحبس المطر وتسليط الجدب عليهم وكانوا يكرون بمكة الظل ويبيعون الماء فأخرجهم الله من مكة بالذي سلطه عليهم حتى خرجوا من الحرم فكانوا حوله ثم ساقهم الله بالجدب يضع الغيث أمامهم ويسوقهم بالجدب حتى ألحقهم بمساقط رؤوس آبائهم وكانوا قوما غرباء من حمير فلما دخلوا بلاد اليمن تفرقوا وهلكوا فأبدل الله الحرم بعدهم جرهم فكانوا سكانه حتى بغوا فيه واستخفوا بحقه فأهلكهم الله جميعا».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سابط قال: «كان إذا كان الموسم بالجاهلية خرجوا فلم يبق أحد بمكة وأنه تخلف رجل سارق فعمد إلى قطعة من ذهب ثم دخل ليأخذ أيضا فلما أدخل رأسه سرة البيت فوجدوا رأسه في البيت واسته خارجه فألقوه للكلاب واصلحوا البيت».
وأخرج الأزرقي والطبراني عن حويطب بن عبد العزى قال: «كنا جلوسا بفناء الكعبة في الجاهلية فجاءت امرأة إلى البيت تعوذ به من زوجها فجاء زوجها فمد يده إليها فيبست يده فلقد رأيته في الإسلام وإنه لأشل».
وأخرج الأزرقي عن ابن جريج قال: «الحطيم ما بين الركن والمقام وزمزم والحجر وكان أساف ونائلة رجلا وامرأة دخلا الكعبة فقبلها فيها فمسخا حجرين فأخرجا من الكعبة فنصب أحدهما في مكان زمزم ونصب الآخر في وجه الكعبة ليعتبر بهما الناس ويزدجروا عن مثل ما ارتكبا فسمي هذا الموضع الحطيم لأن الناس كانوا يحطمون هنالك بالإيمان ويستجاب فيه الدعاء على الظالم للمظلوم فقل من دعا هنالك على ظالم إلا هلك وقل من حلف هنالك آثما إلا عجلت عليه العقوبة وكان ذلك يحجز بين الناس عن الظلم ويتهيب الناس الإيمان هنالك فلم يزل ذلك كذلك حتى جاء الله بالإسلام فأخر الله ذلك لما أراد إلى يوم القيامة».
وأخرج الأزرقي عن أيوب بن موسى: «أن امرأة كانت في الجاهلية معها ابن عم لها صغير تسب عليه فقالت له: يا بني إني أغيب عنك وإني أخاف عليك أن ظلمك ظالم فإن جاءك ظالم بعدي فإن لله بيتا لا يشبهه شيء من البيوت ولا يقاربه مفاسد وعليه ثياب فإن ظلمك ظالم يوما فعذ به فإن له ربا يسمعك، قال: فجاءه رجل فذهب به فاسترقه فلما رأى الغلام البيت عرف الصفة فنزل يشتد حتى تعلق بالبيت وجاءه سيده فمد يده إليه ليأخذه فيبست يده فمد الأخرى فيبست فاستفتى في الجاهلية فافتي ينحر عن كل واحدة من يديه بدنة ففعل فانطلقت له يداه وترك الغلام وخلى سبيله».
وأخرج الأزرقي عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث قال: «غدا رجل من بني كنانة من هذيل في الجاهلية على ابن عم له يظلمه واضطهده فناشده بالله والرحم فأبى إلا ظلمه فلحق بالحرم فقال: اللهم إني أدعوك دعاء جاهد مضطر على فلان ابن عمي لترمينه بداء لا دواء له، قال: ثم انصرف فوجد ابن عمه قد رمي في بطنه فصار مثل الزق فمازالت تنتفخ حتى اشتق» قال عبد المطلب: فحدثت هذا الحديث ابن عباس فقال: «رأيت رجلا دعا على ابن عم له بالعمى فرأيته يقاد أعمى».
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب أنه قال: «يا أهل مكة اتقوا الله في حرمكم هذا أتدرون من كان ساكن حرمكم هذا من قبلكم كان فيه بنو فلان فأحلوا حرمته فهلكوا وبنو فلان فأحلوا حرمته فهلكوا حتى عد ما شاء ثم قال: والله لأن أعمل عشر خطايا بغيره أحب إلي من أن أعمل واحدة بمكة».
وأخرج الجندي، عن طاووس قال: «إن أهل الجاهلية لم يكونوا يصيبون في الحرم شيئا إلا عجل لهم ويوشك أن يرجع الأمر إلى ذلك».
وأخرج الأزرقي والجندي، وابن خزيمة عن عمر بن الخطاب أنه قال لقريش: «إنه كان ولاة هذا البيت قبلكم طسم فاستخفوا بحقه واستحلوا حرمته فأهلكهم الله ثم ولى بعدهم جرهم فاستخفوا بحقه واستحلوا حرمته فأهلكهم الله فلا تهاونوا به وعظموا حرمته».
وأخرج الأزرقي والجندي عن عمر بن الخطاب قال: «لأن أخطئ سبعين خطيئة مزكية أحب إلي من أن أخطئ خطيئة واحدة بمكة».
وأخرج الجندي عن مجاهد قال: «تضاعف بمكة السيئات كما تضاعف الحسنات».
وأخرج الأزرقي عن ابن جريج قال: «بلغني أن الخطيئة بمكة مائة خطيئة والحسنة على نحو ذلك».
وأخرج أبو بكر الواسطي في فضائل بيت المقدس عن عائشة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن مكة بلد عظمه الله وعظم حرمته خلق مكة وحفها بالملائكة قبل أن يخلق شيئا من الأرض يومئذ كلها بألف عام ووصل المدينة ببيت المقدس ثم خلق الأرض كلها بعد ألف عام خلقا واحدا» ). [الدر المنثور: 1/ 634-650]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (أما قوله تعالى: {وارزق أهله من الثمرات}:
أخرج الأرزرقي عن محمد بن المنكدر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «لما وضع الله الحرم نقل له الطائف من فلسطين».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم الطائفي قال: «بلغني أنه لما دعا إبراهيم للحرم {وارزق أهله من الثمرات} نقل الله الطائف من فلسطين».
وأخرج الن أبي حاتم والأزرقي عن الزهري قال: «إن الله نقل قرية من قرى الشام فوضعها بالطائف لدعوة إبراهيم عليه السلام».
وأخرج الأزرقي عن سعيد بن المسيب بن يسار قال: سمعت بعض ولد نافع بن جبير بن مطعم وغيره يذكرون: «أنهم سمعوا أنه لما دعا إبراهيم بمكة أن يرزق أهله من الثمرات نقل الله أرض الطائف من الشام فوضعها هنالك رزقا للحرم».
وأخرج الأزرقي عن محمد بن كعب القرظي قال: «دعا إبراهيم للمؤمنين وترك الكفرا لم يدع لهم بشيء فقال: {ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير}».
وأخرج سفيان بن عينية عن مجاهد في قوله: {وارزق أهله من الثمرات من آمن} قال: «استرزق إبراهيم لمن آمن بالله وباليوم الآخر قال الله: ومن كفر فأنا أرزقه».
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {من آمن منهم بالله} قال: «كان إبراهيم احتجرها على المؤمنين دون الناس فأنزل في قوله: {ومن كفر} أيضا فأنا أرزقهم كما أرزق المؤمنين أخلق خلقا لأرزقهم {فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار} ثم قرأ ابن عباس {كلا نمد هؤلاء} [الإسراء الآية 20] الآية».

وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال أبي بن كعب في قوله: «{ومن كفر}: «إن هذا من قول الرب قال: {ومن كفر فأمتعه قليلا}» وقال ابن عباس: «هذا من قول إبراهيم يسأل ربه إن من كفر فأمتعه قليلا» قلت: كان ابن عباس يقرأ {فأمتعه} بلفظ الأمر فلذلك قال هو من قول إبراهيم.) [الدر المنثور: 1/ 650-652]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 09:42 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ...}

يقال: أمره بخلالٍ عشرٍ من السّنّة؛ خمسٌ في الرأس، وخمس في الجسد؛
فأما اللاتي في الرأس: فالفرق، وقصّ الشّارب، والاستنشاق، والمضمضة، والسّواك,
وأما اللاتي في الجسد: فالختان، وحلق العانة، وتقليم الأظافر، ونتف الرفغين, يعني: الإبطين, قال الفرّاء: ويقال للواحد "رفغ"، والاستنجاء.
{فأتمّهنّ}: عمل بهنّ؛ فقال الله تبارك وتعالى: {إنّي جاعلك للنّاس إماماً}: يهتدى بهديك ويستنّ بك، فقال: ربّ {ومن ذرّيّتي} على المسألة).
[معاني القرآن: 1/ 76]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {لا ينال عهدي الظّالمين...} يقول: لا يكون للمسلمين إمام مشرك, وفي قراءة عبد الله: (لا ينال عهدي الظّالمون), وقد فسّر هذا؛ لأن ما نالك فقد نلته، كما تقول: نلت خيرك، ونالني خيرك). [معاني القرآن: 1/ 76]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وإذا ابتلى إبراهيم ربّه} أي: اختبره). [مجاز القرآن: 1/ 54]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ قال إنّي جاعلك للنّاس إماماً قال ومن ذرّيّتي قال لا ينال عهدي الظّالمين}
قال: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} أي: اختبره, و{إبراهيم} هو المبتلي؛ فلذلك انتصب,
وقال: {لا ينال عهدي الظّالمين}؛ لأنّ العهد هو الذي لا ينالهم، وقال بعضهم: (لا ينال عهدي الظالمون), والكتاب بالياء, وإنما قالوا: (الظالمون)؛ لأنهم جعلوهم الذين لا ينالون).
[معاني القرآن: 1/ 113]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو عمرو {لا ينال عهدي الظالمين} يحرك الياء.
ابن أبي إسحاق {عهدي الظالمين} لا يحرك الياء، ويسكن ويجزم؛ وسنخبر عن ياء الإضافة وما فيها، إن شاء الله). [معاني القرآن لقطرب: 257]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {ومن ذريتي} فإنهم يقولون: هذه ذرية وذرية، مثل علية وعلية، والأصل عندنا من ذر يذر). [معاني القرآن لقطرب: 333]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} أي: اختبر اللّه إبراهيم بكلمات, يقال: هي عشر من السّنّة, {فأتمّهنّ} أي: عمل بهن كلّهن). [تفسير غريب القرآن: 63]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمّهنّ قال إنّي جاعلك للنّاس إماما قال ومن ذرّيّتي قال لا ينال عهدي الظّالمين} المعنى: اذكروا إذ ابتلى إبراهيم ربه.
ومعنى {فأتمهن}: وفّى بما أمر به فيهن، وقد اختلفوا في الكلمات:
1- فقال قوم: تفسيرها أنه أمره بخمس خلال في الرأس، وخمس خلال في البدن،
فأمّا اللاتي في الرأس: فالفرق, وقص الشارب , والسواك، والمضمضة، والاستنشاق،
وأمّا التي في البدن : فالختان , وحلق العانة , والاستنجاء , وتقليم الأظافر , ونتف الإبط, فهذا مذهب قوم , وعليه كثير من أهل التفسير.
2- وقال قوم: أن الذي ابتلاه به: ما أمره به من ذبح ولده, وما كان من طرحه في النار، وأمر النجوم التي جرى ذكرها في القرآن في قوله عزّ وجلّ: {فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكباً}, وما جرى بعد الكواكب من ذكر القمر والشمس، فهذا مذهب قوم.
وجميع هذه الخلال قد ابتلي بها إبراهيم، وقد وفّى بما أمر به, وأتى بما يأتي به المؤمن, بل البر المصطفى المختار، ومعنى {ابتلى}: اختبر.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّي جاعلك للنّاس إماماً}؛ الأم: في اللغة القصد، تقول: أممت كذا وكذا، إذا قصدته, وكذلك قوله: {فتيمّموا صعيداً طيّباً}, أي: فاقصدوا, والإمام: الذي يؤتم به, فيفعل أهله وأمته كما فعل، أي: يقصدون لما يقصد.
{قال ومن ذرّيّتي قال لا ينال عهدي الظّالمين}: فأعلم اللّه إبراهيم أن في ذريته الظالم، وقد قرئت (لا ينال عهدي الظالمون), والمعنى في الرفع والنصب واحد؛ لأن النّيل مشتمل على العهد
وعلى الظالمين إلا أنه منفي عنهم، والقراءة الجيّدة هي على نصب الظالمين؛ لأن المصحف هكذا فيه، وتلك القراءة جيدة باللغة إلا أني لا أقرأ بها، ولا ينبغي أن يقرأ بها؛ لأنها خلاف المصحف؛ ولأن المعنى: أن إبراهيم عليه السلام كأنّه قال: واجعل الإمامة تنال ذريتي, واجعل هذا العهد ينال ذريتي، قال اللّه: {لا ينال عهدي الظالمين}, فهو على هذا أقوى أيضاً).[معاني القرآن: 1/ 205]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات} أي: اختبره، والكلمات هي عشر:خمس في الرأس، وخمس في البدن: فالتي في الرأس هي: الفرق، وقص الشارب، والاستنشاق، والمضمضة، والسواك.
والتي في البدن هي: الختان، ونتف الإبط، وتقليم الظفر، وحلق العانة، والاستنجاء بالماء.
{فأتمهن} أي: عمل بهن). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 33]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذ جعلنا البيت مثابةً لّلنّاس...} يثوبون إليه -من المثابة والمثاب- أراد: من كل مكان. والمثابة في كلام العرب كالواحد؛ مثل: المقام والمقامة.
وقوله: {وأمناً...}
يقال: إن من جنى جناية أو أصاب حدّا ثم عاذ بالحرم لم يقم عليه حدّه حتى يخرج من الحرم، ويؤمر بألاّ يخالط, ولا يبايع، وأن يضيّق عليه حتى يخرج؛ ليقام عليه الحدّ، فذلك أمنه, ومن جنى من أهل الحرم جناية, أو أصاب حدّا, أقيم عليه في الحرم). [معاني القرآن: 1/ 76-77]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واتّخذوا من مّقام إبراهيم مصلًّى...} وقد قرأت القرّاء بمعنى الجزم, والتفسير مع أصحاب الجزم, ومن قرأ: (واتّخَذوا), ففتح الخاء كان خبراً, يقول: جعلناه مثابة لهم واتخذوه مصلى، وكلّ صواب إن شاء الله).[معاني القرآن: 1/ 77]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أن طهّرا بيتي...} يريد: من الأصنام ألاّ تعلّق فيه.
وقوله: {للطّائفين والعاكفين...} يعني: أهله, {والرّكّع السّجود} يعني: أهل الإسلام).
[معاني القرآن: 1/ 77]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({مثابةً} مصدر (يثوبون إليه) أي: يصيرون إليه.
{والعاكفين} العاكف أي: المقيم. {والركّع السّجود}: الذين يركعون , ويسجدون , والراكع: العاثر من الدواب, قال الشاعر:
على قرواء تركع في الظّراب
الظراب: الجبال الصغار؛ قال لبيد:

أخبّر أخبار القرون التي مضت ....... أدبّ كأنّي كلما قمت راكع

).[مجاز القرآن: 1/ 54]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذ جعلنا البيت مثابةً لّلنّاس وأمناً واتّخذوا من مّقام إبراهيم مصلًّى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود}
قال: {وإذ جعلنا البيت مثابةً لّلنّاس وأمناً} على {اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم}, {وإذ جعلنا البيت مثابةً لّلنّاس}, وألحقت الهاء في "المثابة" لما كثر من يثوب إليه، كما تقول: "نسّابة" و"سيّارة" لمن يكثر ذلك منه.
وقال: {واتّخذوا من مّقام إبراهيم مصلًّى} يريد (واتّخذوا) كأنّه يقول: واذكروا نعمتي , وإذ اتّخذوا مصلى من مقام إبراهيم, و{اتّخِذوا} بالكسر , وبها نقرأ ؛ لأنّها تدلّ على الغرض.
وقال: {والرّكّع السّجود} , فـ{السّجود} جماعة "السّاجد" كما تقول: "قومٌ قعودٌ" , و"جلوسٌ"). [معاني القرآن: 1/ 113-114]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا عنه {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} على الأمر؛ وهي قراءة الحسن وأبي عمرو.
وقراءة العامة {واتخذوا} على الخبر). [معاني القرآن لقطرب: 257]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {مثابة للناس وآمنا} فإنهم يقولون: هذه مثابة الساقي وهي مقامه عند البئر؛ والمثابة من ثاب يثوب إليه؛ فكأن قوله {مثابة} من: يثوب إليه الناس من كل موضع، وكذلك مثابة الساقي التي يثوب إليها: يرجع إليها.
وقال الأغلب:
وماء قد وردت بوهن ليل قليل = الإنس ليس به مثاب
وواحد المثاب من الركية: مثابة، وهو يكون أيضًا أسفل الركية، عند منتهى الماء، وهو أضيق ما يكون من الركية؛ وقال ابن عباس {مثابة} يثوبون إليه من كل وجه). [معاني القرآن لقطرب: 333]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({مثابة للناس}: مصيرا يصيرون إليه لا يقضون منه وطرا. والعاكف: المقيم). [غريب القرآن وتفسيره: 81-82]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({جعلنا البيت مثابةً للنّاس} أي: معاداً لهم، من قولك: ثبت إلى كذا وكذا، عدت إليه, وثاب إليه جسمه بعد العلة، أي: عاد. أراد: أن الناس يعودون إليه مرة بعد مرة.
{العاكفين}: المقيمين, يقال: عكف على كذا، إذا أقام عليه. ومنه قوله: {وانظر إلى إلهك الّذي ظلت عليه عاكفاً}, ومنه الاعتكاف، إنما هو: الإقامة في المساجد على الصلاة , والذكر للّه). [تفسير غريب القرآن: 63]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ جعلنا البيت مثابة للنّاس وأمنا واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود}
{مثابة}: يثوبون إليه، والمثاب والمثابة واحد، وكذلك المقام والمقامة.
قال الشاعر:

وإنّي لقوّام مقاوم لم يكن ....... جرير ولا مولى جرير يقومها

وواحد المقاوم "مقام", وقال زهير:

وفيهم مقامات حسان وجوهها ....... وأندية ينتابها القول والفعل

وواحد المقامات "مقامة",

و الأصل في مثابة "مثوبة", ولكن حركة الواو نقلت إلى التاء، وتبعت الواو الحركة فانقلبت ألفا، وهذا إعلال إتباع، تبع مثابة باب "ثاب" وأصل ثاب "ثوب"، ولكن الواو قلبت ألفا لتحركها, وانفتاح ما قبلها لا اختلاف بين النحويين في ذلك.
وهذا الباب فيه صعوبة إلا أن كتابنا هذا يتضمن شرح الإعراب والمعاني , فلا بد من استقصائها على حسب ما يعلم.
ومعنى قوله {وأمنا}؛ قيل: كان من جنى جناية ثم دخل الحرم لم يقم عليه الحد، ولكن لا يبايع , ولا يكلم حتى يضطر إلى الخروج منه، فيقام عليه الحد.
وقوله عزّ وجلّ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى} قرئت {واتخذوا} بالفتح والكسر: واتخذوا، واتّخذوا .
روى أن عمر بن الخطاب قال للنبي صلى الله عليه وسلم, وقد وقفا على مقام إبراهيم:«أليس هذا مقام خليل ربنا؟» وقال بعضهم: «مقام أبينا, أفلا نتخذه مصلى؟»؛ فأنزل الله عزّ وجلّ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى}, فكان الأمر.
والقراءة: {واتخذوا} بالكسر على هذا الخبر أبين, ولكن ليس يمتنع (واتخَذوا)؛ لأن الناس اتخذوا هذا، فقال: {وإذ جعلنا البيت مثابة}, (واتخَذوا), فعطف بجملة على جملة.
وقوله عزّ وجلّ: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود}
معنى "طهّراه": امنعاه من تعليق الأصنام عليه، و"الطائفون": هم الذين يطوفون بالبيت، و"العاكفون": المقيمون به، ويقال: قد عكف يعكف , ويعكف على الشيء عكوفاً, أي: أقام عليه، ومن هذا قول الناس: فلان معتكف على الحرام، أي: مقيم عليه.
{والرّكع السجود}: سائر من يصلي فيه من المسلمين.
و{بيتي}: الأجود فيه فتح الياء، وإن شئت سكّنتها، و{الرّكع}: جمع راكع، مثل: غاز وغزى، و{السجود} جمع ساجد، كقولك: ساجد وسجود، وشاهد وشهود). [معاني القرآن: 1/ 206-207]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مثابة للناس} أي: معاداً يعودون إليه, و"العاكف": المقيم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 33]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَثَابَةً}: مصير, "الْعَاكِفُونَ": المقيمون). [العمدة في غريب القرآن: 83]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن كفر..}
من قول الله تبارك وتعالى: {فأمتّعه} على الخبر, وفي قراءة أبيّ: (ومن كفر فنمتّعه قليلاً ثمّ نضطرّه إلى عذاب النار), فهذا وجه, وكان ابن عباس يجعلها متّصلة بمسألة إبراهيم -صلى الله عليه- على معنى: "ربّ ومن كفر فأمتعه قليلا ثم اضطرّه", منصوبة موصولة, يريد: ثم اضطرره؛ فإذا تركت التضعيف نصبت، وجاز في هذا المذهب كسر الراء في لغة الذين يقولون مده, وقرأ يحيى بن وثّاب: (فإمتعه قليلا ثم إضطرّه) بكسر الألف كما تقول: أنا أعلم ذلك). [معاني القرآن: 1/ 78]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم باللّه واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتّعه قليلاً ثمّ أضطرّه إلى عذاب النّار وبئس المصير}
قال: {وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم} , فـ{من آمن} بدل على التبيان كما تقول: "أخذت المال نصفه" , و"رأيت القوم ناساً منهم", ومثل ذلك {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه}, يريد: عن قتالٍ فيه، وجعله بدلاً, ومثله: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً}, ومثله: {قال الملأ الّذين استكبروا من قومه للّذين استضعفوا لمن آمن منهم}, لشبيه هذا أيضاً إلاّ أنه قدر فيه حرف الجرّ.
وقال: {ومن كفر فأمتعه قليلاً} على الأمر {ثمّ أضطره} فجزم {فأمتعه} على الأمر , وجعل الفاء جواب المجازاة,
وقال بعضهم: {فأمتّعه}, وبها نقرأ رفع على الخبر , وجواب المجازاة الفاء). [معاني القرآن: 1/ 114]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة ابن عباس رحمه الله "فأمتعه قليلا ثم اضطره" على الأمر المجزوم.
[معاني القرآن لقطرب: 257]
قراءة الحسن وأبي عمرو {ثم اضطره} على الخبر.
قراءة الحسن والحارث بن أبي ربيعة وشيبة ونافع وأبي جعفر {فأمتعه} من متع على الخبر.
قراءة أخرى {فأمتعه قليلا} من أمتع). [معاني القرآن لقطرب: 258]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم باللّه واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتّعه قليلا ثمّ أضطرّه إلى عذاب النّار وبئس المصير} المعنى: واذكروا إذ قال إبراهيم. {وأمنا}: ذا أمن.
وقوله عزّ وجل: {وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم...} {من} نصب بدل من {أهله}، المعنى: أرزق من آمن من أهله دون غيرهم؛ لأن الله تعالى قد أعلمه أن في ذريته غير مؤمن، لقوله: عزّ وجل: {لا ينال عهدي الظّالمين}.
وقوله عزّ وجلّ: {قال ومن كفر فأمتّعه قليلا ثمّ أضطرّه إلى عذاب النار} أكثر القراءة على: {فأمتّعه قليلاً ثم أضطره} على الإخبار، وقد قرئ أيضاً: (فأمتعه ثم اضطرّه) على الدعاء، ولفظ الدعاء كلفظ الأمر مجزوم، إلا أنه استعظم أن يقال "أمر"، فمسألتك من فوقك -نحو: أعطني، واغفر لي- دعاء ومسألة، ومسألتك من دونك أمر، كقولك لغلامك: افعل كذا وكذا, والراء مفتوحة في قوله: (ثم اضطرّه), لسكونها , وسكون الراء التي قبلها الأصل: ثم اضطرره، ويجوز: (ثم أضطره) , ولا أعلم أحداً قرأ بها).
[معاني القرآن: 1/ 207-208]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م, 09:32 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]
تفسير قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخلت عليه عجوز فسأل بها

فأحفى، وقال:
«إنها كانت تأتينا في زمان خديجة وإن حسن العهد من الإيمان».
هو من حديث ابن المبارك قال: بلغني ذلك عنه عن إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن زيد بن مهاجر يرفعه.
والعهد في أشياء مختلفة.
فمنها الحفاظ ورعاية الحرمة والحق، وهو هذا الذي في الحديث ومنه الوصية، وهو أن يوصي الرجل إلى غيره كقول سعيد حين خاصم عبد بن زمعة في ابن أمته فقال: ابن أخي عهد فيه إلي أخي، أي أوصى إلي فيه.
وقال الله تبارك وتعالى: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم} يعني الوصية والأمر.
ومن العهد أيضا الأمان، قال الله تعالى: {لا ينال عهدي الظالمين} وقال: {فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم}.
ومن العهد أيضا: اليمين يحلف بها الرجل، يقول: علي عهد الله.
ومن العهد أيضا: أن تعهد الرجل على حال أو في مكان، فتقول: عهدي به في مكان كذا وكذا وبحال كذا وكذا، وعهدي به يفعل كذا وكذا.
وأما قول الناس: أخذت عليه عهد الله وميثاقه، فإن العهد هاهنا اليمين، وقد ذكرناه). [غريب الحديث: 2/ 580-583] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) }
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (


ولا ألفينـكـم تعـكـفـون بـقـنـة بتثليث أنتم جندها وقطينها

يقال: عكف الرجل بالمكان يعكف ويعكف، بضم الكاف وكسرها، وذلك إذا أقام به كالحابس نفسه. ومن ذلك الاعتكاف في المساجد). [شرح ديوان كعب بن زهير: 207]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (والمقام: الإقامة بالضم والمقام بالفتح الموضع، ويقال المقام بالفتح مقام ساعة، وهو من قول الله عز ذكره: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلىً}). [شرح المفضليات: 493]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وقال ذو الرمة:


وأنّي متى أشرف على الجانب الذيبـــه أنـــت مـــن بــيــن الـجـوانــب نــاظــر

أي ناظرٌ متى أشرف فجاز هذا في الشعر وشبهوه بالجزاء إذا كان جوابه منجزماً لأن المعنى واحد كما شبه الله يشكرها وظالم فإذا هم يقنطون جعله بمنزلة يظلم ويشكرها الله كما كان هذا بمنزلة قنطوا وكما قالوا في اضطرارٍ إن تأتني أنا صاحبك يريد معنى الفاء فشبهه ببعض ما يجوز في الكلام حذفه وأنت تعنيه.
وقد يقال إن أتيتني آتك وإن لم تأتني أجزك لأن هذا في موضع الفعل المجزوم وكأنه قال إن تفعل أفعل.
ومثل ذلك قوله عز وجل: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها} فكان فعل وقال الفرزدق


دسّت رسولاً بأنًّ القوم إن قدرواعليك يشفوا صدوراً ذات توغيـر

وقال الأسود بن يعفر:


ألا هــل لـهـذا الـدّهـر مـــن متـعـلّـلعن النّاس مهما شاء بالناس يفعل

وقال إن تأتني فأكرمك أي فأنا أكرمك فلا بد من رفع فأكرمك إذا سكت عليه لأنه جواب وإنما ارتفع لأنه مبني على مبتدأ.
ومثل ذلك قوله عز وجل: {ومن عاد فينتقم الله منه} ومثله: {ومن كفر فأمتعه قليلا} ومثله: {فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا}). [الكتاب: 3/ 68-69] (م)


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 11:58 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 11:59 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 11:59 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 11:59 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والعامل في إذ فعل، تقديره: واذكر إذ، وابتلى معناه اختبر، وإبراهيم يقال إن تفسيره بالعربية أب رحيم، وقرأ ابن عامر في جميع سورة البقرة «أبراهام»، وقدم على الفاعل للاهتمام، إذ كون الرب مبتليا معلوم، فإنما يهتم السامع بمن ابتلى، وكون ضمير المفعول متصلا بالفاعل موجب تقديم المفعول، فإنما بني الكلام على هذا الاهتمام.
واختلف أهل التأويل في الكلمات، فقال ابن عباس: «هي ثلاثون سهما، هي الإسلام كله لم يتمه أحد كاملا إلا إبراهيم صلوات الله عليه، عشرة منها في براءة {التّائبون العابدون} [التوبة: 112]، وعشرة في الأحزاب {إنّ المسلمين والمسلمات} [الأحزاب: 35]، وعشرة في {سأل سائلٌ} [المعارج: 1]» وقال ابن عباس أيضا وقتادة: «الكلمات عشر خصال خمس منها في الرأس المضمضة والاستنشاق وقص الشارب والسواك وفرق الرأس، وقيل بدل فرق الراس: إعفاء اللحية، وخمس في الجسد تقليم الظفر، وحلق العانة، ونتف الإبط، والاستنجاء بالماء، والاختتان» وقال ابن عباس أيضا: «هي عشرة خصال، ست في البدن وأربع في الحج: الختان، وحلق العانة، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب، والغسل يوم الجمعة، والطواف بالبيت، والسعي، ورمي الجمار، والإفاضة» وقال الحسن بن أبي الحسن: «هي الخلال الست التي امتحن بها، الكوكب، والقمر، والشمس، والنار، والهجرة، والختان» وقيل بدل الهجرة: الذبح، وقالت طائفة: هي مناسك الحج خاصة، وروي أن الله عز وجل أوحى إليه أن تطهر، فتمضمض، ثم أن تطهر فاستنشق، ثم أن تطهر فاستاك، ثم أن تطهر فأخذ من شاربه، ثم أن تطهر ففرق شعره، ثم أن تطهر فاستنجى، ثم أن تطهر فحلق عانته، ثم أن تطهر فنتف إبطه، ثم أن تطهر فقلم أظفاره، ثم أن تطهر فأقبل على جسده ينظر ما يصنع فاختتن بعد عشرين ومائة سنة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله وفي البخاري: «أنه اختتن وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم».
وقال الراوي: «فأوحى الله إليه إنّي جاعلك للنّاس إماماً يأتمون بك في هذه الخصال، ويقتدي بك الصالحون».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا أقوى الأقوال في تفسير هذه الآية، وعلى هذه الأقوال كلها فإبراهيم عليه السلام هو الذي أتم».
وقال مجاهد وغيره: «إن الكلمات هي أن الله عز وجل قال لإبراهيم: إني مبتليك بأمر فما هو؟ قال إبراهيم: تجعلني للناس إماما، قال الله: نعم، قال إبراهيم: تجعل البيت مثابة، قال الله: نعم، قال إبراهيم وأمنا، قال الله: نعم، قال إبراهيم: وترينا مناسكنا وتتوب علينا، قال الله: نعم، قال إبراهيم: تجعل هذا البلد آمنا، قال الله: نعم، قال إبراهيم: وترزق أهله من الثمرات، قال الله: نعم».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «فعلى هذا القول فالله تعالى هو الذي أتم»، وقد طول المفسرون في هذا، وذكروا أشياء فيها بعد فاختصرتها، وإنما سميت هذه الخصال كلمات، لأنها اقترنت بها أوامر هي كلمات، وروي أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لما أتم هذه الكلمات أو أتمها الله عليه كتب الله له البراءة من النار، فذلك قوله تعالى: {وإبراهيم الّذي وفّى} [النجم: 37].
والإمام القدوة، ومنه قيل لخيط البناء: إمام، وهو هنا اسم مفرد، وقيل في غير هذا الموضع: هو جمع آم وزنه فاعل أصله آمم، فيجيء مثل قائم وقيام وجائع وجياع ونائم ونيام.
وجعل الله تعالى إبراهيم إماما لأهل طاعته، فلذلك أجمعت الأمم على الدعوى فيه، وأعلم الله تعالى أنه كان حنيفا، وقول إبراهيم عليه السلام: {ومن ذرّيّتي} هو على جهة الدعاء والرغبى إلى الله، أي ومن ذريتي يا رب فاجعل، وقيل: هذا منه على جهة الاستفهام عنهم، أي ومن ذريتي يا رب ماذا يكون؟ والذرية مأخوذة من ذرا يذرو أو من ذرى يذري أو من ذر يذر أو من ذرأ يذرأ، وهي أفعال تتقارب معانيها، وقد طول في تعليلها أبو الفتح وشفى.
وقوله تعالى: {قال لا ينال عهدي} أي قال الله، والعهد فيما قال مجاهد: «الإمامة»، وقال السدي: «النبوءة»، وقال قتادة:«الأمان من عذاب الله»، وقال الربيع والضحاك: «العهد الدين: دين الله تعالى».
وقال ابن عباس: «معنى الآية لا عهد عليك لظالم أن تطيعه، ونصب الظّالمين لأن العهد ينال كما ينال»، وقرأ قتادة وأبو رجاء والأعمش «الظالمون» بالرفع، وإذا أولنا العهد الدين أو الأمان أو أن لا طاعة لظالم فالظلم في الآية ظلم الكفر، لأن العاصي المؤمن ينال الدين والأمان من عذاب الله وتلزم طاعته إذا كان ذا أمر، وإذا أولنا العهد النبوءة أو الإمامة في الدين فالظلم ظلم المعاصي فما زاد). [المحرر الوجيز: 1/ 339-342]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس وأمناً واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود (125) وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم باللّه واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتّعه قليلاً ثمّ أضطرّه إلى عذاب النّار وبئس المصير (126)}
قوله وإذ عطف على إذ المتقدمة والبيت الكعبة، ومثابةً يحتمل أن تكون من ثاب إذا رجع لأن الناس يثوبون إليها أي ينصرفون، ويحتمل أن تكون من الثواب أي يثابون هناك، قال الأخفش: دخلت الهاء فيها للمبالغة لكثرة من يثوب أي يرجع، لأنه قل ما يفارق أحد البيت إلا وهو يرى أنه لم يقض منه وطرا، فهي كنسابة وعلامة، وقال غيره: هي هاء تأنيث المصدر، فهي مفعلة أصلها مثوبة نقلت حركة الواو إلى الثاء فانقلبت الواو ألفا لانفتاح ما قبلها، وقيل: هو على تأنيث البقعة، كما يقال: مقام ومقامة، وقرأ الأعمش «مثابات» على الجمع، وقال ورقة بن نوفل في الكعبة:
مثاب لأفناء القبائل كلّها ....... تخبّ إليها اليعملات الطلائح
{وأمناً} معناه أن الناس يغيرون ويقتتلون حول مكة وهي آمنة من ذلك، يلقى الرجل بها قاتل أبيه فلا يهيجه، لأن الله تعالى جعل لها في النفوس حرمة وجعلها أمنا للناس والطير والوحوش، وخصص الشرع من ذلك الخمس الفواسق، على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي «واتخذوا» بكسر الخاء على جهة الأمر، فقال أنس بن مالك وغيره: «معنى ذلك ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: وافقت ربي في ثلاث، في الحجاب، وفي {عسى ربّه إن طلّقكنّ} [التحريم: 5]، وقلت يا رسول الله: لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «فهذا أمر لأمة محمد صلى الله عليه وسلم»، وقال المهدوي: «وقيل ذلك عطف على قوله: {اذكروا} فهذا أمر لبني إسرائيل»، وقال الربيع بن أنس: «ذلك أمر لإبراهيم ومتبعيه، فهي من الكلمات، كأنه قال: {إنّي جاعلك للنّاس إماماً} [البقرة: 124] {واتّخذوا}»، وذكر المهدوي رحمه الله: «أن ذلك عطف على الأمر الذي يتضمنه قوله: {جعلنا البيت مثابةً} لأن المعنى: توبوا»، وقرأ نافع وابن عامر «واتخذوا» بفتح الخاء على جهة الخبر عمن اتخذه من متبعي إبراهيم، وذلك معطوف على قوله: {وإذ جعلنا}، كأنه قال: وإذ اتخذوا، وقيل هو معطوف على جعلنا دون تقدير إذ، فهي جملة واحدة، وعلى تقدير إذ فهي جملتان.
واختلف في مقام إبراهيم، فقال ابن عباس وقتادة وغيرهما، وخرجه البخاري: «إنه الحجر الذي ارتفع عليه إبراهيم حين ضعف عن رفع الحجارة التي كان إسماعيل يناوله إياها في بناء البيت وغرقت قدماه فيه».
وقال الربيع بن أنس: «هو حجر ناولته إياه امرأته فاغتسل عليه وهو راكب، جاءته به من شق ثم من شق فغرقت رجلاه فيه حين اعتمد عليه»، وقال فريق من العلماء: المقام المسجد الحرام، وقال عطاء بن أبي رباح: «المقام عرفة والمزدلفة والجمار»، وقال ابن عباس: «مقامه مواقف الحج كلها»، وقال مجاهد: «مقامه الحرم كله».
و{مصلًّى} موضع صلاة، هذا على قول من قال: المقام الحجر، ومن قال بغيره قال مصلًّى مدعى، على أصل الصلاة.
وقوله تعالى: {وعهدنا} العهد في اللغة على أقسام، هذا منها الوصية بمعنى الأمر، وأن في موضع نصب على تقدير بأن وحذف الخافض، قال سيبويه: «إنها بمعنى أي مفسرة، فلا موضع لها من الإعراب»، و{طهّرا} قيل معناه: ابنياه وأسساه على طهارة ونية طهارة، فيجيء مثل قوله: {أسّس على التّقوى} [التوبة: 108] وقال مجاهد: «هو أمر بالتطهير من عبادة الأوثان»، وقيل: من الفرث والدم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا ضعيف لا تعضده الأخبار»، وقيل: من الشرك، وأضاف الله البيت إلى نفسه تشريفا للبيت، وهي إضافة مخلوق إلى خالق ومملوك إلى مالك، و{للطّائفين}: «ظاهره أهل الطواف»، وقاله عطاء وغيره، وقال ابن جبير: «معناه للغرباء الطارئين على مكة»، و{العاكفين} قال ابن جبير: «هم أهل البلد المقيمون»، وقال عطاء: «هم المجاورون بمكة»، وقال ابن عباس: «المصلون»، وقال غيره: المعتكفون.
والعكوف في اللغة اللزوم للشيء والإقامة عليه، كما قال الشاعر العجاج
... ... ... ... ....... عكف النبيط يلعبون الفنزجا
فمعناه لملازمي البيت إرادة وجه الله العظيم، و{الرّكّع السّجود} المصلون، وخص الركوع والسجود بالذكر لأنهما أقرب أحوال المصلي إلى الله تعالى، وكل مقيم عند بيت الله إرادة ذات الله فلا يخلو من إحدى هذه الرتب الثلاث، إما أن يكون في صلاة أو في طواف فإن كان في شغل من دنياه فحال العكوف على مجاورة البيت لا يفارقه). [المحرر الوجيز: 1/ 343-346]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم} الآية، دعا إبراهيم عليه السلام لذريته وغيرهم بمكة بالأمن ورغد العيش، و{اجعل} لفظه الأمر وهو في حق الله تعالى رغبة ودعاء، و{آمناً} معناه من الجبابرة والمسلطين والعدو المستأصل والمثلاث التي تحل بالبلاد.
وكانت مكة وما يليها حين ذلك قفرا لا ماء فيه ولا نبات، فبارك الله فيما حولها كالطائف وغيره، ونبتت فيها أنواع الثمرات.
وروي أن الله تعالى لما دعاه إبراهيم أمر جبريل صلوات الله عليه فاقتلع فلسطين، وقيل قطعة من الأردن فطاف بها حول البيت سبعا وأنزلها بوجّ، فسميت الطائف بسبب ذلك الطواف.
واختلف في تحريم مكة متى كان؟ فقالت فرقة: جعلها الله حراما يوم خلق السموات والأرض، وقالت فرقة: حرمها إبراهيم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «والأول قاله النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته ثاني يوم الفتح، والثاني قاله أيضا النبي صلى الله عليه وسلم»، ففي الصحيح عنه: «اللهم إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة، ما بين لابتيها حرام»، ولا تعارض بين الحديثين، لأن الأول إخبار بسابق علم الله فيها وقضائه، وكون الحرمة مدة آدم وأوقات عمارة القطر بإيمان، والثاني إخبار بتجديد إبراهيم لحرمتها وإظهاره ذلك بعد الدثور، وكل مقال من هذين الإخبارين حسن في مقامه، عظم الحرمة ثاني يوم الفتح على المؤمنين بإسناد التحريم إلى الله تعالى، وذكر إبراهيم عند تحريمه المدينة مثالا لنفسه، ولا محالة أن تحريم المدينة هو أيضا من قبل الله تعالى ومن نافذ قضائه وسابق علمه، ومن بدل من قوله أهله، وخص إبراهيم المؤمنين بدعائه.
وقوله تعالى: {ومن كفر} الآية قال أبي بن كعب وابن إسحاق وغيرهما: «هذا القول من الله عز وجل لإبراهيم»، وقرؤوا «فأمتّعه» بضم الهمزة وفتح الميم وشد التاء، «ثم اضطرّه» بقطع الألف وضم الراء، وكذلك قرأ السبعة حاشا ابن عامر، فإنه قرأ «فأمتعه» بضم الهمزة وسكون الميم وتخفيف التاء، «ثمّ أضطرّه» بقطع الألف، وقرأ يحيى بن وثاب «فأمتعه» كما قرأ ابن عامر «ثم اضطره» بكسر الهمزة على لغة قريش في قولهم لا إخال، وقرأ أبي بن كعب «فنمتعه» «ثم نضطره»، ومن شرط والجواب في فأمتّعه، وموضع من رفع على الابتداء والخبر، ويصح أن يكون موضعها نصبا على تقدير وأرزق من كفر، فلا تكون شرطا.
وقال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: «هذا القول هو من إبراهيم صلى الله عليه وسلم»، وقرؤوا «فأمتعه» بفتح الهمزة وسكون الميم «ثم اضطره» بوصل الألف وفتح الراء، وقرئت بالكسر، ويجوز فيها الضم، وقرأ ابن محيصن «ثم اطّره» بإدغام الضاد في الطاء، وقرأ يزيد بن أبي حبيب «ثم اضطره» بضم الطاء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «فكأن إبراهيم عليه السلام دعا للمؤمنين وعلى الكافرين».
و{قليلًا} معناه مدة العمر، لأن متاع الدنيا قليل، وهو نعت إما لمصدر كأنه قال: متاعا قليلا، وإما لزمان، كأنه قال: وقتا قليلا أو زمنا قليلا، والمصير مفعل كموضع من صار يصير، و «بيس» أصلها بئس، وقد تقدمت في «بئسما»، و{أمتعه} معناه أخوله الدنيا وأبقيه فيها بقاء قليلا، لأنه فان منقض، وأصل المتاع الزاد، ثم استعمل فيما يكون آخر أمر الإنسان أو عطائه أو أفعاله، قال الشاعر سليمان بن عبد الملك:
وقفت على قبر غريب بقفرة ....... متاع قليل من حبيب مفارق
ومنه تمتيع الزوجات، ويضطر الله الكافر إلى النار جزاء على كفره). [المحرر الوجيز: 1/ 346-349]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 12:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 12:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ قال إنّي جاعلك للنّاس إمامًا قال ومن ذرّيّتي قال لا ينال عهدي الظّالمين (124)}:
يقول تعالى منبّهًا على شرف إبراهيم خليله -عليه السّلام- وأنّ اللّه تعالى جعله إمامًا للنّاس يقتدى به في التّوحيد، حتّى قام بما كلّفه اللّه تعالى به من الأوامر والنّواهي؛ ولهذا قال: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} أي: واذكر -يا محمّد- لهؤلاء المشركين وأهل الكتابين الّذين ينتحلون ملّة إبراهيم وليسوا عليها، وإنّما الذي هو عليها مستقيمٌ فأنت والّذين معك من المؤمنين، اذكر لهؤلاء ابتلاء اللّه إبراهيم، أي: اختباره له بما كلّفه به من الأوامر والنّواهي {فأتمّهنّ} أي: قام بهنّ كلّهنّ، كما قال تعالى: {وإبراهيم الّذي وفّى} [النّجم: 37]، أي: وفّى جميع ما شرع له، فعمل به صلوات اللّه عليه، وقال تعالى: {إنّ إبراهيم كان أمّةً قانتًا للّه حنيفًا ولم يك من المشركين* شاكرًا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراطٍ مستقيمٍ* وآتيناه في الدّنيا حسنةً وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين* ثمّ أوحينا إليك أن اتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} [النّحل: 120 -123]، وقال تعالى: {قل إنّني هداني ربّي إلى صراطٍ مستقيمٍ دينًا قيمًا ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} [الأنعام: 161]، وقال تعالى: {ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين* إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين} [آل عمران: 67، 68]
وقوله تعالى: {بكلماتٍ} أي: بشرائع وأوامر ونواهٍ، فإنّ الكلمات تطلق، ويراد بها الكلمات القدريّة، كقوله تعالى عن مريم -عليها السّلام-: {وصدّقت بكلمات ربّها وكتبه وكانت من القانتين} [التّحريم: 12]. وتطلق ويراد بها الشّرعيّة، كقوله تعالى: {وتمّت كلمة ربّك صدقًا وعدلا لا مبدّل لكلماته} [الأنعام: 115] أي: كلماته الشّرعيّة. وهي إمّا خبر صدقٍ، وإمّا طلب عدلٍ إن كان أمرًا أو نهيًا، ومن ذلك هذه الآية الكريمة: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ} أي: قام بهنّ. قال: {إنّي جاعلك للنّاس إمامًا} أي: جزاءً على ما فعل، كما قام بالأوامر وترك الزّواجر، جعله اللّه للنّاس قدوةً وإمامًا يقتدى به، ويحتذى حذوه.
وقد اختلف العلماء في تفسير الكلمات التي اختبر اللّه بها إبراهيم الخليل -عليه السّلام-؛
- فروي عن ابن عبّاسٍ في ذلك رواياتٍ:

فقال عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن قتادة، قال ابن عبّاسٍ: «ابتلاه اللّه بالمناسك». وكذا رواه أبو إسحاق السّبيعي، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ.
وقال عبد الرّزّاق -أيضًا-: أخبرنا معمرٌ، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} قال: «ابتلاه اللّه بالطّهارة: خمسٌ في الرّأس، وخمسٌ في الجسد؛ في الرّأس: قص الشّارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسّواك، وفرق الرّأس. وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر الغائط والبول بالماء».
قال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن سعيد بن المسيّب، ومجاهدٍ، والشّعبيّ، والنّخعي، وأبي صالحٍ، وأبي الجلد، نحو ذلك.
قلت: وقريبٌ من هذا ما ثبت في صحيح مسلمٍ، عن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «عشرٌ من الفطرة: قصّ الشّارب، وإعفاء اللّحية، والسّواك، واستنشاق الماء، وقصّ الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء» قال مصعبٌ: «ونسيت العاشرة إلّا أن تكون المضمضة».
قال وكيع: «انتقاص الماء، يعني: الاستنجاء».
وفي الصّحيح، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال:
«الفطرة خمسٌ: الختان، والاستحداد، وقصّ الشّارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط». ولفظه لمسلمٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: أنبأنا يونس بن عبد الأعلى، قراءةً، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني ابن لهيعة، عن ابن هبيرة، عن حنش بن عبد اللّه الصّنعانيّ، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقول في هذه الآية: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ} قال: «عشرٌ، ستٌّ في الإنسان، وأربعٌ في المشاعر. فأمّا التي في الإنسان: حلق العانة، ونتف الإبط، والختان -وكان ابن هبيرة يقول: هؤلاء الثّلاثة واحدةٌ-، وتقليم الأظفار، وقصّ الشّارب، والسّواك، وغسل يوم الجمعة. والأربعة التي في المشاعر: الطّواف، والسّعي بين الصّفا والمروة، ورمي الجمار، والإفاضة».
وقال داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: «ما ابتلي بهذا الدين أحد فقام به كلّه إلّا إبراهيم، قال اللّه تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ} قلت له: وما الكلمات التي ابتلى اللّه إبراهيم بهنّ فأتمهنّ؟ قال: الإسلام ثلاثون سهمًا، منها عشر آياتٍ في براءةٍ: {التّائبون العابدون الحامدون} [التّوبة: 112] إلى آخر الآية، وعشر آياتٍ في أوّل سورة {قد أفلح المؤمنون} و{سأل سائلٌ بعذابٍ واقعٍ}، وعشر آياتٍ في الأحزاب: {إنّ المسلمين والمسلمات} [الآية: 35] إلى آخر الآية، فأتمهنّ كلّهنّ، فكتبت له براءةٌ. قال اللّه: {وإبراهيم الّذي وفّى} [النّجم: 37]».
هكذا رواه الحاكم، وأبو جعفر بن جريرٍ، وأبو محمّد بن أبي حاتمٍ، بأسانيدهم إلى داود بن أبي هندٍ، به. وهذا لفظ ابن أبي حاتمٍ.
وقال محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيدٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «الكلمات التي ابتلى اللّه بهنّ إبراهيم فأتمّهنّ: فراق قومه في اللّه حين أمر بمفارقتهم. ومحاجّته نمروذ في اللّه حين وقفه على ما وقفه عليه من خطر الأمر الذي فيه خلافه. وصبره على قذفه إيّاه في النّار ليحرقوه في اللّه على هول ذلك من أمرهم. والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده في اللّه حين أمره بالخروج عنهم، وما أمره به من الضّيافة والصّبر عليها بنفسه وماله، وما ابتلي به من ذبح ابنه حين أمره بذبحه، فلمّا مضى على ذلك من اللّه كلّه وأخلصه للبلاء قال اللّه له: {أسلم قال أسلمت لربّ العالمين} على ما كان من خلاف النّاس وفراقهم».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا إسماعيل بن عليّة، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن -يعني البصريّ-: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ} قال: «ابتلاه بالكوكب فرضي عنه، وابتلاه بالقمر فرضي عنه، وابتلاه بالشّمس فرضي عنه، وابتلاه بالهجرة فرضي عنه، وابتلاه بالختان فرضي عنه، وابتلاه بابنه فرضي عنه».
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا بشر بن معاذٍ، حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كان الحسن يقول: «أي واللّه، ابتلاه بأمرٍ فصبر عليه: ابتلاه بالكوكب والشّمس والقمر، فأحسن في ذلك، وعرف أنّ ربّه دائمٌ لا يزول، فوجّه وجهه للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما كان من المشركين. ثمّ ابتلاه بالهجرة فخرج من بلاده وقومه حتّى لحق بالشّام مهاجرًا إلى اللّه، ثمّ ابتلاه بالنّار قبل الهجرة فصبر على ذلك. وابتلاه اللّه بذبح ابنه والختان فصبر على ذلك».
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عمّن سمع الحسن يقول في قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ} قال: «ابتلاه اللّه بذبح ولده، وبالنّار، والكوكب والشّمس، والقمر».
وقال أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا سلم بن قتيبة، حدّثنا أبو هلالٍ، عن الحسن {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} قال: «ابتلاه بالكوكب، والشّمس، والقمر، فوجده صابرًا».
وقال العوفيّ في تفسيره، عن ابن عبّاسٍ: «{وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ} فمنهنّ: {إنّي جاعلك للنّاس إمامًا} ومنهنّ: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} ومنهنّ: الآيات في شأن المنسك والمقام الذي جعل لإبراهيم، والرّزق الذي رزق ساكنو البيت، ومحمّدٌ بعث في دينهما».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، حدّثنا شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ في قوله تعالى:«{وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ} قال اللّه لإبراهيم: إنّي مبتليك بأمرٍ فما هو؟ قال: تجعلني للنّاس إمامًا. قال: نعم. قال: ومن ذرّيّتي؟ {قال لا ينال عهدي الظّالمين} قال: تجعل البيت مثابةً للنّاس؟ قال: نعم. قال: وأمنًا. قال: نعم. قال: وتجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك؟ قال: نعم. قال: وترزق أهله من الثّمرات من آمن منهم باللّه؟ قال: نعم».
قال ابن أبي نجيح: سمعته من عكرمة، فعرضته على مجاهدٍ، فلم ينكره. وهكذا رواه ابن جريرٍ من غير وجهٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ.
وقال سفيان الثّوريّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ} قال: «ابتلي بالآيات التي بعدها: {إنّي جاعلك للنّاس إمامًا قال ومن ذرّيّتي قال لا ينال عهدي الظّالمين}».
وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ} قال: «الكلمات: {إنّي جاعلك للنّاس إمامًا} وقوله: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس وأمنًا} وقوله {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} وقوله: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل} الآية، وقوله: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} الآية، قال: فذلك كلّه من الكلمات التي ابتلي بهنّ إبراهيم».
قال السّدّيّ: «الكلمات التي ابتلى بهنّ إبراهيم ربّه: {ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك}، {ربّنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك}».
وقال القرطبيّ: وفي الموطّأ وغيره، عن يحيى بن سعيدٍ أنّه سمع سعيد بن المسيّب يقول: «إبراهيم، عليه السّلام، أوّل من اختتن وأوّل من ضاف الضّيف، وأوّل من استحدّ، وأوّل من قلّم أظفاره، وأوّل من قصّ الشّارب، وأوّل من شاب فلمّا رأى الشّيب، قال: ما هذا؟ قال: وقارٌ، قال: يا ربّ، زدني وقارًا». وذكر ابن أبي شيبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، قال: «أوّل من خطب على المنابر إبراهيم عليه السّلام»، قال غيره: وأوّل من برّد البريد، وأوّل من ضرب بالسّيف، وأوّل من استاك، وأوّل من استنجى بالماء، وأوّل من لبس السّراويل، وروي عن معاذ بن جبلٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«إن أتّخذ المنبر فقد اتّخذه أبي إبراهيم، وإن أتّخذ العصا فقد اتّخذها أبي إبراهيم» قلت: هذا حديثٌ لا يثبت، واللّه أعلم. ثمّ شرع القرطبيّ يتكلّم على ما يتعلّق بهذه الأشياء من الأحكام الشّرعيّة.
قال أبو جعفر بن جريرٍ ما حاصله: «أنّه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميع ما ذكر، وجائزٌ أن يكون بعض ذلك، ولا يجوز الجزم بشيءٍ منها أنّه المراد على التّعيين إلّا بحديثٍ أو إجماعٍ. قال: ولم يصحّ في ذلك خبرٌ بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذي يجب التّسليم له».
قال: غير أنّه قد روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في نظير معنى ذلك خبران، أحدهما: ما حدّثنا به أبو كريب، حدّثنا رشدين بن سعدٍ، حدّثني زبّان بن فائدٍ، عن سهل بن معاذ بن أنسٍ، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول:
«ألا أخبركم لم سمّى اللّه إبراهيم خليله {الّذي وفّى} [النّجم: 37]؟ لأنّه كان يقول كلّما أصبح وكلّما أمسى: {فسبحان اللّه حين تمسون وحين تصبحون} [الرّوم: 17] حتّى يختم الآية».
قال: والآخر منهما: حدّثنا به أبو كريبٍ، أخبرنا الحسن، عن عطيّة، أخبرنا إسرائيل، عن جعفر بن الزّبير، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«{وإبراهيم الّذي وفّى} أتدرون ما وفّى؟» قالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: «وفّى عمل يومه، أربع ركعاتٍ في النّهار».
ورواه آدم في تفسيره، عن حمّاد بن سلمة. وعبد بن حميدٍ، عن يونس بن محمّدٍ، عن حمّاد بن سلمة، عن جعفر بن الزّبير، به.
ثمّ شرع ابن جريرٍ يضعّف هذين الحديثين، وهو كما قال؛ فإنّه لا تجوز روايتهما إلّا ببيان ضعفهما، وضعفهما من وجوهٍ عديدةٍ، فإنّ كلًّا من السّندين مشتملٌ على غير واحدٍ من الضّعفاء، مع ما في متن الحديث ممّا يدلّ على ضعفه واللّه أعلم.
ثمّ قال ابن جريرٍ: ولو قال قائلٌ: إنّ الذي قاله مجاهدٌ وأبو صالحٍ والربيع بن أنس أولى بالصّواب من القول الذي قاله غيرهم كان مذهبًا، فإنّ قوله: {إنّي جاعلك للنّاس إمامًا} وقوله: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطّائفين} وسائر الآيات التي هي نظير ذلك، كالبيان عن الكلمات التي ذكر اللّه أنّه ابتلى بهنّ إبراهيم.
قلت: والذي قاله أوّلًا من أنّ الكلمات تشمل جميع ما ذكر، أقوى من هذا الذي جوّزه من قول مجاهدٍ ومن قال مثله؛ لأنّ السّياق يعطي غير ما قالوه واللّه أعلم.
وقوله: {قال ومن ذرّيّتي قال لا ينال عهدي الظّالمين} لمّا جعل اللّه إبراهيم إمامًا، سأل اللّه أن تكون الأئمة من بعده من ذرّيّته، فأجيب إلى ذلك وأخبر أنّه سيكون من ذرّيّته ظالمون، وأنّه لا ينالهم عهد اللّه، ولا يكونون أئمّةً فلا يقتدى بهم، والدّليل على أنّه أجيب إلى طلبته قول اللّه تعالى في سورة العنكبوت: {وجعلنا في ذرّيّته النّبوّة والكتاب} [العنكبوت: 27] فكلّ نبيٍّ أرسله اللّه وكلّ كتابٍ أنزله اللّه بعد إبراهيم ففي ذرّيّته صلوات اللّه وسلامه عليه.
وأمّا قوله تعالى: {قال لا ينال عهدي الظّالمين} فقد اختلفوا في ذلك، فقال خصيف، عن مجاهدٍ في قوله: {قال لا ينال عهدي الظّالمين} قال: «إنّه سيكون في ذرّيّتك ظالمون».
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ: {قال لا ينال عهدي الظّالمين} قال: «لا يكون لي إمامٌ ظالمٌ يقتدى به». وفي روايةٍ: «لا أجعل إمامًا ظالمًا يقتدى به». وقال سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ في قوله تعالى: {قال لا ينال عهدي الظّالمين} قال: «لا يكون إمامٌ ظالمٌ يقتدى به».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثني أبي، حدّثنا مالك بن إسماعيل، حدّثنا شريكٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ومن ذرّيّتي} قال: «أمّا من كان منهم صالحًا فسأجعله إمامًا يقتدى به، وأمّا من كان ظالمًا فلا ولا نعمة عينٍ».
وقال سعيد بن جبيرٍ: «{لا ينال عهدي الظّالمين} المراد به المشرك، لا يكون إمامٌ ظالمٌ. يقول: لا يكون إمامٌ مشركٌ».
وقال ابن جريج، عن عطاءٍ، قال: «{إنّي جاعلك للنّاس إمامًا قال ومن ذرّيّتي} فأبى أن يجعل من ذرّيّته إمامًا ظالمًا». قلت لعطاءٍ: «ما عهده؟ قال: أمره».
وقال ابن أبي حاتمٍ: أخبرنا عمرو بن ثورٍ القيساريّ فيما كتب إليّ، حدّثنا الفريابيّ، حدّثنا إسرائيل، حدّثنا سماك بن حربٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «قال اللّه لإبراهيم: {إنّي جاعلك للنّاس إمامًا قال ومن ذرّيّتي} فأبى أن يفعل، ثمّ قال: {لا ينال عهدي الظّالمين}».
وقال محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيدٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{قال ومن ذرّيّتي قال لا ينال عهدي الظّالمين} يخبره أنّه كائنٌ في ذرّيّته ظالمٌ لا ينال عهده -ولا ينبغي له أن يولّيه شيئًا من أمره وإن كان من ذرّيّة خليله -ومحسنٌ ستنفذ فيه دعوته، وتبلغ له فيه ما أراد من مسألته».
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {لا ينال عهدي الظّالمين} قال: «يعني لا عهد لظالمٍ عليك في ظلمه، أن تطيعه فيه».
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا المثنّى، حدّثنا إسحاق، حدّثنا عبد الرّحمن بن عبد اللّه، عن إسرائيل، عن مسلمٍ الأعور، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: {لا ينال عهدي الظّالمين} قال: «ليس للظّالمين عهدٌ، وإن عاهدته فانتقضه».
وروي عن مجاهدٍ، وعطاءٍ، ومقاتل بن حيّان، نحو ذلك.
وقال الثّوريّ، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، قال: «ليس لظالم عهدٌ».
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: {لا ينال عهدي الظّالمين} قال: «لا ينال عهد اللّه في الآخرة الظّالمين، فأمّا في الدّنيا فقد ناله الظّالم فأمن به، وأكل وعاش».
وكذا قال إبراهيم النّخعيّ، وعطاءٌ، والحسن، وعكرمة.
وقال الرّبيع بن أنسٍ: «عهد اللّه الذي عهد إلى عباده: دينه، يقول: لا ينال دينه الظّالمين، ألا ترى أنّه قال: {وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذرّيّتهما محسنٌ وظالمٌ لنفسه مبينٌ} [الصافات: 113]، يقول: ليس كلّ ذرّيّتك يا إبراهيم على الحقّ».
وكذا روي عن أبي العالية، وعطاءٍ، ومقاتل بن حيّان.
وقال جويبرٌ، عن الضّحّاك: «لا ينال طاعتي عدوٌّ لي يعصيني، ولا أنحلها إلّا وليًّا لي يطيعني».
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّد بن حامدٍ، حدّثنا أحمد بن عبد اللّه بن سعيدٍ الأسديّ، حدّثنا سليم بن سعيدٍ الدّامغانيّ، حدّثنا وكيع، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: {لا ينال عهدي الظّالمين} قال:
«لا طاعة إلّا في المعروف».
وقال السّدّيّ: {لا ينال عهدي الظّالمين} يقول: «عهدي نبوّتي».
فهذه أقوال مفسّري السّلف في هذه الآية على ما نقله ابن جريرٍ، وابن أبي حاتمٍ، رحمهما اللّه تعالى. واختار ابن جريرٍ: «أنّ هذه الآية -وإن كانت ظاهرةً في الخبر -أنّه لا ينال عهد اللّه بالإمامة ظالمًا. ففيها إعلامٌ من اللّه لإبراهيم الخليل، عليه السّلام، أنّه سيوجد من ذرّيّتك من هو ظالمٌ لنفسه»، كما تقدّم عن مجاهدٍ وغيره، واللّه أعلم ).[تفسير ابن كثير: 1/ 405-412]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس وأمنًا واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى (125)}
قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: قوله تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس} يقول: «لا يقضون منه وطرًا، يأتونه، ثمّ يرجعون إلى أهليهم، ثمّ يعودون إليه». وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {مثابةً للنّاس} يقول: «يثوبون». رواهما ابن جريرٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: أخبرنا أبي، أخبرنا عبد اللّه بن رجاءٍ، أخبرنا إسرائيل، عن مسلمٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس} قال: «يثوبون إليه ثمّ يرجعون». قال: وروي عن أبي العالية، وسعيد بن جبيرٍ-في روايةٍ -وعطاءٍ، ومجاهدٍ، والحسن، وعطيّة، والرّبيع بن أنسٍ، والضّحّاك، نحو ذلك. وقال ابن جريرٍ: حدّثني عبد الكريم بن أبي عميرٍ، حدّثني الوليد بن مسلمٍ قال: قال أبو عمرٍو -يعني الأوزاعيّ -حدّثني عبدة بن أبي لبابة، في قوله تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس} قال: «لا ينصرف عنه منصرفٌ وهو يرى أنّه قد قضى منه وطرًا».
وحدّثني يونس، عن ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس} قال: «يثوبون إليه من البلدان كلّها ويأتونه».
وما أحسن ما قال الشّاعر في هذا المعنى، أورده القرطبيّ:

جعل البيت مثابًا لهم.......ليس منه الدّهر يقضون الوطر

وقال سعيد بن جبيرٍ -في الرّواية الأخرى -وعكرمة، وقتادة، وعطاءٌ الخراسانيّ {مثابةً للنّاس} «أي: مجمعًا».
{وأمنًا} قال الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: «أي أمنًا للنّاس».
وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية: {وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس وأمنًا} يقول: «أمنًا من العدوّ، وأن يحمل فيه السّلاح، وقد كانوا في الجاهليّة يتخطّف النّاس من حولهم، وهم آمنون لا يسبون».
وروي عن مجاهدٍ، وعطاءٍ، والسّدّيّ، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ، قالوا: «من دخله كان آمنًا».
ومضمون ما فسّر به هؤلاء الأئمّة هذه الآية: أنّ اللّه تعالى يذكر شرف البيت وما جعله موصوفًا به شرعًا وقدرًا من كونه مثابةً للنّاس، أي: جعله محلا تشتاق إليه الأرواح وتحنّ إليه، ولا تقضي منه وطرًا، ولو ترددت إليه كلّ عامٍ، استجابةً من اللّه تعالى لدعاء خليله إبراهيم، عليه السّلام، في قوله: {فاجعل أفئدةً من النّاس تهوي إليهم} إلى أن قال: {ربّنا وتقبّل دعاء} [إبراهيم: 37 -40] ويصفه تعالى بأنّه جعله أمنًا، من دخله أمن، ولو كان قد فعل ما فعل ثمّ دخله كان آمنًا.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: «كان الرّجل يلقى قاتل أبيه وأخيه فيه فلا يعرض له، كما وصفها في سورة المائدة بقوله تعالى {جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قيامًا للنّاس} [المائدة: 97] أي: يرفع عنهم بسبب تعظيمها السوء»، كما قال ابن عبّاسٍ: «لو لم يحجّ الناس هذا البيت لأطبق اللّه السماء على الأرض، وما هذا الشّرف إلّا لشرف بانيه أوّلًا وهو خليل الرّحمن، كما قال تعالى: {وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئًا} [الحجّ: 26] وقال تعالى: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا وهدًى للعالمين* فيه آياتٌ بيّناتٌ مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنًا} [آل عمران: 96، 97]».
وفي هذه الآية الكريمة نبّه على مقام إبراهيم مع الأمر بالصّلاة عنده. فقال: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} وقد اختلف المفسّرون في المراد بالمقام ما هو؟ فقال ابن أبي حاتمٍ: أخبرنا عمر بن شبّة النّميريّ، حدّثنا أبو خلفٍ -يعني عبد اللّه بن عيسى-حدّثنا داود بن أبي هندٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} قال: «مقام إبراهيم: الحرم كلّه». وروي عن مجاهدٍ وعطاءٍ مثل ذلك.
وقال أيضًا حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: «سألت عطاءً عن {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} فقال: سمعت ابن عبّاسٍ قال:
أمّا مقام إبراهيم الذي ذكر هاهنا، فمقام إبراهيم هذا الذي في المسجد، ثمّ قال: ومقام إبراهيم يعدّ كثيرٌ، مقام إبراهيم الحجّ كلّه. ثمّ فسّره لي عطاءٌ فقال: التّعريف، وصلاتان بعرفة، والمشعر، ومنًى، ورمي الجمار، والطّواف بين الصّفا والمروة. فقلت: أفسّره ابن عبّاسٍ؟ قال: لا ولكن قال: مقام إبراهيم: الحجّ كلّه. قلت: أسمعت ذلك؟ لهذا أجمع. قال: نعم، سمعته منه».
وقال سفيان الثّوريّ، عن عبد اللّه بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} قال: «الحجر مقام إبراهيم نبيّ اللّه، قد جعله اللّه رحمةً، فكان يقوم عليه ويناوله إسماعيل الحجارة. ولو غسل رأسه كما يقولون لاختلف رجلاه».
وقال السّدّيّ: «المقام: الحجر الذي وضعته زوجة إسماعيل تحت قدم إبراهيم حتّى غسلت رأسه». حكاه القرطبيّ، وضعّفه ورجّحه غيره، وحكاه الرّازيّ في تفسيره عن الحسن البصريّ وقتادة والرّبيع بن أنسٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، حدّثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ، عن ابن جريج، عن جعفر بن محمّدٍ، عن أبيه، سمع جابرًا يحدّث عن حجّة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لمّا طاف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال له عمر: هذا مقام أبينا إبراهيم؟ قال: «نعم»، قال: أفلا نتّخذه مصلًّى؟ فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}.
وقال عثمان بن أبي شيبة: أخبرنا أبو أسامة، عن زكريّا، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة قال: قال عمر: قلت: يا رسول اللّه، هذا مقام خليل ربّنا؟ قال: «نعم»، قال: أفلا نتّخذه مصلًّى؟ فنزلت: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}.
وقال ابن مردويه: حدّثنا دعلج بن أحمد، حدّثنا غيلان بن عبد الصّمد، حدّثنا مسروق بن المرزبان، حدّثنا زكريّا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمونٍ عن عمر بن الخطّاب أنّه مرّ بمقام إبراهيم فقال: يا رسول اللّه، أليس نقوم مقام خليل ربّنا ؟ قال:
«بلى». قال: أفلا نتّخذه مصلًّى؟ فلم يلبث إلّا يسيرًا حتّى نزلت: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}
وقال ابن مردويه: حدّثنا محمّد بن أحمد بن محمّدٍ القزوينيّ، حدّثنا عليّ بن الحسين الجنيد، حدّثنا هشام بن خالدٍ، حدّثنا الوليد، عن مالك بن أنسٍ، عن جعفر بن محمّدٍ عن أبيه، عن جابرٍ، قال: لمّا وقف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم فتح مكّة عند مقام إبراهيم، قال له عمر: يا رسول اللّه، هذا مقام إبراهيم الذي قال اللّه: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}؟ قال:
«نعم». قال الوليد: قلت لمالكٍ: هكذا حدّثك {واتّخذوا} قال: نعم. هكذا وقع في هذه الرّواية. وهو غريبٌ. وقد روى النّسائيّ من حديث الوليد بن مسلمٍ نحوه.
وقال البخاريّ: باب قوله: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} مثابة يثوبون يرجعون.
حدّثنا مسدّد، حدّثنا يحيى، عن حميدٍ، عن أنس بن مالكٍ. قال: «قال عمر بن الخطّاب: وافقت ربّي في ثلاثٍ، أو وافقني ربّي في ثلاثٍ، قلت: يا رسول اللّه، لو اتّخذت من مقام إبراهيم مصلًّى؟ فنزلت: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} وقلت: يا رسول اللّه يدخل عليك البرّ والفاجر، فلو أمرت أمّهات المؤمنين بالحجاب؟ فأنزل اللّه آية الحجاب. وقال: وبلغني معاتبة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعض نسائه، فدخلت عليهنّ فقلت: إن انتهيتنّ أو ليبدلن اللّه رسوله خيرًا منكنّ، حتّى أتيت إحدى نسائه، فقالت: يا عمر، أما في رسول اللّه ما يعظ نساءه حتّى تعظهن أنت؟! فأنزل اللّه: {عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجًا خيرًا منكنّ} الآية [التّحريم: 5]».
وقال ابن أبي مريم: أخبرنا يحيى بن أيّوب، حدّثني حميدٌ، قال: سمعت أنسًا عن عمر، رضي اللّه عنهما.
هكذا ساقه البخاريّ هاهنا، وعلّق الطّريق الثّانية عن شيخه سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم المصريّ. وقد تفرّد بالرّواية عنه البخاريّ من بين أصحاب الكتب السّتّة. وروى عنه الباقون بواسطةٍ، وغرضه من تعليق هذا الطّريق ليبيّن فيه اتّصال إسناد الحديث، وإنّما لم يسنده؛ لأنّ يحيى بن أبي أيّوب الغافقيّ فيه شيءٌ، كما قال الإمام أحمد فيه: هو سيّئ الحفظ، واللّه أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا هشيم، حدّثنا حميد، عن أنسٍ، قال: «قال عمر رضي اللّه عنه وافقت ربّي عزّ وجلّ في ثلاثٍ، قلت: يا رسول اللّه، لو اتّخذنا من مقام إبراهيم مصلًّى؟ فنزلت: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} وقلت: يا رسول اللّه، إن نساءك يدخل عليهنّ البرّ والفاجر، فلو أمرتهنّ أن يحتجبن؟ فنزلت آية الحجاب. واجتمع على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نساؤه في الغيرة فقلت لهنّ: {عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجًا خيرًا منكنّ} [التّحريم: 5] فنزلت كذلك» ثمّ رواه أحمد، عن يحيى وابن أبي عديٍّ، كلاهما عن حميدٍ، عن أنسٍ، عن عمر أنّه قال: «وافقت ربّي في ثلاثٍ، أو وافقني ربّي في ثلاثٍ» فذكره.
وقد رواه البخاريّ عن عمرو بن عون والتّرمذيّ عن أحمد بن منيعٍ، والنّسائيّ عن يعقوب بن إبراهيم الدّورقيّ، وابن ماجه عن محمّد بن الصّبّاح، كلّهم عن هشيم بن بشيرٍ، به. ورواه التّرمذيّ -أيضًا-عن عبد بن حميد، عن حجّاج بن منهال، عن حمّاد بن سلمة، والنّسائيّ عن هنّادٍ، عن يحيى بن أبي زائدة، كلاهما عن حميدٍ، وهو ابن تيرويه الطّويل، به. وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ. ورواه الإمام عليّ بن المدينيّ عن يزيد بن زريع، عن حميدٍ به. وقال: هذا من صحيح الحديث، وهو بصريٌّ، ورواه الإمام مسلم بن الحجّاج في صحيحه بسندٍ آخر، ولفظٍ آخر، فقال: حدّثنا عقبة بن مكرم، أخبرنا سعيد بن عامرٍ، عن جويرية بن أسماء، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن عمر، قال: وافقت ربّي في ثلاثٍ: في الحجاب، وفي أسارى بدرٍ، وفي مقام إبراهيم.
وقال أبو حاتمٍ الرّازيّ: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الأنصاريّ، حدّثنا حميدٌ الطّويل عن أنس بن مالكٍ قال: قال عمر بن الخطّاب: وافقني ربّي في ثلاثٍ -أو وافقت ربّي-قلت يا رسول اللّه، لو اتّخذت من مقام إبراهيم مصلًّى؟ فنزلت: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} وقلت: يا رسول اللّه لو حجبت النّساء؟ فنزلت آية الحجاب. والثّالثة: لمّا مات عبد اللّه بن أبيٍّ جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليصلّي عليه. قلت: يا رسول اللّه، تصلّي على هذا الكافر المنافق! فقال:
«إيهًا عنك يا بن الخطّاب»، فنزلت: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره}[التّوبة: 84].
وهذا إسنادٌ صحيحٌ أيضًا، ولا تعارض بين هذا ولا هذا، بل الكلّ صحيحٌ، ومفهوم العدد إذا عارضه منطوقٌ قدم عليه، واللّه أعلم.
وقال ابن جريجٍ أخبرني جعفر بن محمّدٍ، عن أبيه عن جابرٍ: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رمل ثلاثة أشواطٍ، ومشى أربعًا، حتّى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلّى خلفه ركعتين، ثمّ قرأ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}».
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا يوسف بن سلمان حدّثنا حاتم بن إسماعيل، حدّثنا جعفر بن محمّدٍ عن أبيه، عن جابرٍ قال: «استلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الرّكن، فرمل ثلاثًا، ومشى أربعًا، ثمّ تقدّم إلى مقام إبراهيم، فقرأ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} فجعل المقام بينه وبين البيت، فصلّى ركعتين». وهذا قطعةٌ من الحديث الطّويل الذي رواه مسلمٌ في صحيحه، من حديث حاتم بن إسماعيل.
وروى البخاريّ بسنده، عن عمرو بن دينارٍ، قال: سمعت ابن عمر يقول: «قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فطاف بالبيت سبعًا، وصلّى خلف المقام ركعتين».
فهذا كلّه ممّا يدلّ على أنّ المراد بالمقام إنّما هو الحجر الذي كان إبراهيم عليه السلام، يقوم عليه لبناء الكعبة، لمّا ارتفع الجدار أتاه إسماعيل، عليه السّلام، به ليقوم فوقه ويناوله الحجارة فيضعها بيده لرفع الجدار، كلّما كمّل ناحيةً انتقل إلى النّاحية الأخرى، يطوف حول الكعبة، وهو واقفٌ عليه، كلّما فرغ من جدارٍ نقله إلى النّاحية التي تليها هكذا، حتّى تمّ جدارات الكعبة، كما سيأتي بيانه في قصّة إبراهيم وإسماعيل في بناء البيت، من رواية ابن عبّاسٍ عند البخاريّ. وكانت آثار قدميه ظاهرةٌ فيه، ولم يزل هذا معروفًا تعرفه العرب في جاهليّتها؛ ولهذا قال أبو طالبٍ في قصيدته المعروفة اللّاميّة:

وموطئ إبراهيم في الصّخر رطبةٌ.......على قدميه حافيًا غير ناعل

وقد أدرك المسلمون ذلك فيه أيضًا. وقال عبد اللّه بن وهبٍ: أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهابٍ: أنّ أنس بن مالكٍ حدّثهم، قال: «رأيت المقام فيه أثر أصابعه عليه السّلام، وإخمص قدميه، غير أنّه أذهبه مسح النّاس بأيديهم».

وقال ابن جريرٍ: حدّثنا بشر بن معاذٍ، حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} إنّما أمروا أن يصلّوا عنده ولم يؤمروا بمسحه. ولقد تكلّفت هذه الأمّة شيئًا ما تكلّفته الأمم قبلها، ولقد ذكر لنا من رأى أثر عقبه وأصابعه فيه فما زالت هذه الأمّة يمسحونه حتّى اخلولق وانمحى».
قلت: وقد كان المقام ملصقًا بجدار الكعبة قديمًا، ومكانه معروفٌ اليوم إلى جانب الباب ممّا يلي الحجر يمنة الدّاخل من الباب في البقعة المستقلّة هناك، وكان الخليل، عليه السّلام لمّا فرغ من بناء البيت وضعه إلى جدار الكعبة أو أنّه انتهى عنده البناء فتركه هناك؛ ولهذا -واللّه أعلم-أمر بالصّلاة هناك عند فراغ الطّواف، وناسب أن يكون عند مقام إبراهيم حيث انتهى بناء الكعبة فيه، وإنّما أخّره عن جدار الكعبة أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه وهو أحد الأئمّة المهديّين والخلفاء الرّاشدين، الّذين أمرنا باتّباعهم، وهو أحد الرّجلين اللّذين قال فيهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«اقتدوا باللّذين من بعدي أبي بكرٍ وعمر». وهو الذي نزل القرآن بوفاقه في الصّلاة عنده؛ ولهذا لم ينكر ذلك أحدٌ من الصّحابة، رضي اللّه عنهم أجمعين.
قال عبد الرّزّاق، عن ابن جريج، حدّثني عطاءٌ وغيره من أصحابنا: قالوا: «أوّل من نقله عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه» وقال عبد الرّزّاق أيضًا عن معمر عن حميد الأعرج، عن مجاهد قال: «أول من أخر المقام إلى موضعه الآن، عمر بن الخطاب رضي الله عنه».
وقال الحافظ أبو بكرٍ أحمد بن الحسين بن عليٍّ البيهقيّ أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطّان، أخبرنا القاضي أبو بكرٍ أحمد بن كاملٍ، حدّثنا أبو إسماعيل محمّد بن إسماعيل السّلميّ، حدّثنا أبو ثابتٍ، حدّثنا الدّراورديّ، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللّه عنها: «أنّ المقام كان في زمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وزمان أبي بكرٍ ملتصقًا بالبيت، ثمّ أخّره عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه»وهذا إسنادٌ صحيحٌ مع ما تقدّم.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا ابن أبي عمر العدني قال: قال سفيان -يعني ابن عيينة وهو إمام المكّيّين في زمانه-: «كان المقام في سقع البيت على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فحوّله عمر إلى مكانه بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وبعد قوله: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} قال: ذهب السّيل به بعد تحويل عمر إيّاه من موضعه هذا، فردّه عمر إليه».
وقال سفيان: «لا أدري كم بينه وبين الكعبة قبل تحويله». قال سفيان: «لا أدري أكان لاصقًا بها أم لا».
فهذه الآثار متعاضدةٌ على ما ذكرناه، واللّه أعلم.
وقد قال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدّثنا أبو عمرو، حدّثنا محمّد بن عبد الوهّاب، حدّثنا آدم، حدّثنا شريكٌ، عن إبراهيم بن مهاجرٍ، عن مجاهدٍ، قال: قال عمر: «يا رسول اللّه لو صلّينا خلف المقام؟ فأنزل اللّه: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} فكان المقام عند البيت فحوّله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى موضعه هذا». قال مجاهدٌ:«قد كان عمر يرى الرّأي فينزل به القرآن».
هذا مرسلٌ عن مجاهدٍ، وهو مخالفٌ لما تقدّم من رواية عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن حميدٍ الأعرج، عن مجاهدٍ: «أنّ أوّل من أخّر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه» وهذا أصحّ من طريق ابن مردويه، مع اعتضاد هذا بما تقدّم، واللّه أعلم).[تفسير ابن كثير: 1/ 412-418]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود (125) وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم باللّه واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتّعه قليلا ثمّ أضطرّه إلى عذاب النّار وبئس المصير (126) وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم (127) ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنّك أنت التّوّاب الرّحيم (128)}
قال الحسن البصريّ: قوله: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل} قال: «أمرهما اللّه أن يطهّراه من الأذى والنّجس ولا يصيبه من ذلك شيءٌ».
وقال ابن جريجٍ: «قلت لعطاءٍ: ما عهده؟ قال: أمره».
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: «{وعهدنا إلى إبراهيم} أي: أمرناه». كذا قال. والظّاهر أنّ هذا الحرف إنّما عدّي بإلى، لأنّه في معنى تقدّمنا وأوحينا.
وقال سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أن طهّرا بيتي للطّائفين والعاكفين} قال: «من الأوثان».
وقال مجاهدٌ وسعيد بن جبير: «{طهّرا بيتي للطّائفين} إنّ ذلك من الأوثان والرّفث وقول الزّور والرّجس».
قال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن عبيد بن عميرٍ، وأبي العالية، وسعيد بن جبيرٍ، ومجاهدٍ، وعطاءٍ وقتادة: «{أن طهّرا بيتي} أي: بلا إله إلّا اللّه، من الشّرك».
وأمّا قوله تعالى: {للطّائفين} فالطّواف بالبيت معروفٌ. وعن سعيد بن جبيرٍ أنّه قال في قوله تعالى: «{للطّائفين} يعني: من أتاه من غربة» {والعاكفين} المقيمين فيه. وهكذا روي عن قتادة، والرّبيع بن أنسٍ: «أنّهما فسّرا العاكفين بأهله المقيمين فيه»، كما قال سعيد بن جبيرٍ.
وقال يحيى بن القطّان، عن عبد الملك -هو ابن أبي سليمان-عن عطاءٍ في قوله: {والعاكفين} قال: «من انتابه من الأمصار فأقام عنده وقال لنا -ونحن مجاورون-: أنتم من العاكفين».
وقال وكيعٌ، عن أبي بكرٍ الهذليّ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ قال: «إذا كان جالسًا فهو من العاكفين».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا حمّاد بن سلمة، حدّثنا ثابتٌ قال: قلنا لعبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ: «ما أراني إلّا مكلّم الأمير أن أمنع الّذين ينامون في المسجد الحرام فإنّهم يجنبون ويحدثون. قال: لا تفعل، فإنّ ابن عمر سئل عنهم، فقال: هم العاكفون».
ورواه عبد بن حميدٍ عن سليمان بن حربٍ عن حمّاد بن سلمة، به.
قلت: وقد ثبت في الصّحيح أنّ ابن عمر كان ينام في مسجد الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم وهو عزب.
وأمّا قوله تعالى: {والرّكّع السّجود} فقال وكيعٌ، عن أبي بكرٍ الهذليّ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ {والرّكّع السّجود} قال: «إذا كان مصلّيًا فهو من الرّكّع السّجود». وكذا قال عطاءٌ وقتادة.
وقال ابن جرير رحمه اللّه: «فمعنى الآية: وأمرنا إبراهيم وإسماعيل بتطهير بيتي للطّائفين. والتّطهير الذي أمرهما به في البيت هو تطهيره من الأصنام وعبادة الأوثان فيه ومن الشّرك». ثمّ أورد سؤالًا فقال: فإن قيل: فهل كان قبل بناء إبراهيم عند البيت شيءٌ من ذلك الذي أمر بتطهيره منه؟ وأجاب بوجهين: أحدهما: أنّه أمرهما بتطهيره ممّا كان يعبد عنده زمان قوم نوحٍ من الأصنام والأوثان ليكون ذلك سنّة لمن بعدهما إذ كان اللّه تعالى قد جعل إبراهيم إمامًا يقتدى به كما قال عبد الرّحمن بن زيدٍ: {أن طهّرا بيتي} قال: «من الأصنام التي يعبدون، التي كان المشركون يعظّمونها».
قلت: وهذا الجواب مفرّع على أنّه كان يعبد عنده أصنامٌ قبل إبراهيم عليه السّلام، ويحتاج إثبات هذا إلى دليلٍ عن المعصوم محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم.
الجواب الثّاني: أنّه أمرهما أن يخلصا في بنائه للّه وحده لا شريك له، فيبنياه مطهّرًا من الشّرك والرّيب، كما قال جلّ ثناؤه: {أفمن أسّس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوانٍ خيرٌ أم من أسّس بنيانه على شفا جرفٍ هارٍ} [التّوبة: 109] قال: فكذلك قوله: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي} أي: ابنيا بيتي على طهرٍ من الشّرك بي والرّيب، كما قال السّدّيّ: «{أن طهّرا بيتي} ابنيا بيتي للطّائفين».
وملخّص هذا الجواب: أنّ اللّه تعالى أمر إبراهيم وإسماعيل عليهما السّلام، أن يبنيا الكعبة على اسمه وحده لا شريك له للطّائفين به والعاكفين عنده، والمصلّين إليه من الرّكّع السّجود، كما قال تعالى: {وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئًا وطهّر بيتي للطّائفين والقائمين والرّكّع السّجود} الآيات [الحجّ: 26 -37].
وقد اختلف الفقهاء: أيّما أفضل، الصّلاة عند البيت أو الطّواف؟ فقال مالكٌ: «الطّواف به لأهل الأمصار أفضل من الصّلاة عنده»، وقال الجمهور: «الصّلاة أفضل مطلقًا»، وتوجيه كلٍّ منهما يذكر في كتاب الأحكام.
والمراد من ذلك الرّدّ على المشركين الّذين كانوا يشركون باللّه عند بيته، المؤسّس على عبادته وحده لا شريك له، ثمّ مع ذلك يصدّون أهله المؤمنين عنه، كما قال تعالى: {إنّ الّذين كفروا ويصدّون عن سبيل اللّه والمسجد الحرام الّذي جعلناه للنّاس سواءً العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحادٍ بظلمٍ نذقه من عذابٍ أليمٍ} [الحجّ: 25].
ثمّ ذكر أنّ البيت إنّما أسّس لمن يعبد اللّه وحده لا شريك له، إمّا بطوافٍ أو صلاةٍ، فذكر في سورة الحجّ أجزاءها الثّلاثة: قيامها، وركوعها، وسجودها، ولم يذكر العاكفين لأنّه تقدّم {سواءً العاكف فيه والباد} وفي هذه الآية الكريمة ذكر الطّائفين والعاكفين، واجتزأ بذكر الرّكوع والسّجود عن القيام؛ لأنّه قد علم أنّه لا يكون ركوعٌ ولا سجودٌ إلّا بعد قيامٍ. وفي ذلك -أيضًا-ردّ على من لا يحجّه من أهل الكتابين: اليهود والنّصارى؛ لأنّهم يعتقدون فضيلة إبراهيم الخليل وعظمته، ويعلمون أنّه بنى هذا البيت للطّواف في الحجّ والعمرة وغير ذلك وللاعتكاف والصّلاة عنده وهم لا يفعلون شيئًا من ذلك، فكيف يكونون مقتدين بالخليل، وهم لا يفعلون ما شرع اللّه له؟ وقد حجّ البيت موسى بن عمران وغيره من الأنبياء عليهم السّلام، كما أخبر بذلك المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى {إن هو إلا وحيٌ يوحى} [النّجم: 4].
وتقدير الكلام إذًا: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل} أي: تقدّمنا لوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل {أن طهّرا بيتي للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود} أي: طهّراه من الشّرك والرّيب وابنياه خالصًا للّه، معقلًا للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود. وتطهير المساجد مأخوذٌ من هذه الآية، ومن قوله تعالى: {في بيوتٍ أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال}[النّور: 36] ومن السّنة من أحاديث كثيرةٍ، من الأمر بتطهيرها وتطييبها وغير ذلك، من صيانتها من الأذى والنّجاسات وما أشبه ذلك. ولهذا قال عليه السّلام:
«إنّما بنيت المساجد لما بنيت له». وقد جمعت في ذلك جزءًا على حدةٍ وللّه الحمد والمنّة.
وقد اختلف النّاس في أوّل من بنى الكعبة، فقيل: «الملائكة قبل آدم»، وروي هذا عن أبي جعفرٍ الباقر محمّد بن عليّ بن الحسين، ذكره القرطبيّ وحكى لفظه، وفيه غرابةٌ، وقيل: «آدم عليه السّلام» رواه عبد الرّزّاق عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ وسعيد بن المسيّب وغيرهم: أنّ آدم بناه من خمسة أجبلٍ: من حراءٍ وطور سيناء وطور زيتا وجبل لبنان والجوديّ، وهذا غريبٌ أيضًا. وروي نحوه عن ابن عبّاسٍ وكعب الأحبار وقتادة وعن وهب بن منبّهٍ: «أنّ أوّل من بناه شيث عليه السّلام»، وغالب من يذكر هذا إنّما يأخذه من كتب أهل الكتاب، وهي ممّا لا يصدّق ولا يكذّب ولا يعتمد عليها بمجرّدها، وأمّا إذا صحّ حديث في ذلك فعلى الرأس والعين). [تفسير ابن كثير: 1/ 418-421]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم باللّه واليوم الآخر}:
قال الإمام أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهدي، حدّثنا سفيان، عن أبي الزّبير، عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«إنّ إبراهيم حرّم بيت اللّه وأمّنه وإنّي حرّمت المدينة ما بين لابتيها فلا يصاد صيدها ولا يقطع عضاهها».
وهكذا رواه النّسائيّ، عن محمّد بن بشّارٍ عن بندار به.
وأخرجه مسلمٌ، عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعمرو النّاقد، كلاهما عن أبي أحمد الزّبيريّ، عن سفيان الثّوريّ.
وقال ابن جريرٍ -أيضًا-: حدّثنا أبو كريب وأبو السّائب قالا حدّثنا ابن إدريس، وحدّثنا أبو كريبٍ، حدّثنا عبد الرّحيم الرّازيّ، قالا جميعًا: سمعنا أشعث عن نافعٍ عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«إنّ إبراهيم كان عبد اللّه وخليله وإنّي عبد اللّه ورسوله وإنّ إبراهيم حرّم مكّة وإنّي حرّمت المدينة ما بين لابتيها، عضاهها وصيدها، لا يحمل فيها سلاحٌ لقتالٍ، ولا يقطع منها شجرةً إلّا لعلف بعيرٍ»
.
وهذه الطّريق غريبةٌ، ليست في شيءٍ من الكتب السّتّة، وأصل الحديث في صحيح مسلمٍ من وجهٍ آخر، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: كان النّاس إذا رأوا أول الثمر، جاؤوا به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإذا أخذه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«اللّهمّ بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدّنا، اللّهمّ إنّ إبراهيم عبدك وخليلك ونبيّك، وإنّي عبدك ونبيّك وإنّه دعاك لمكّة وإنّي أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكّة ومثله معه
» ثمّ يدعو أصغر وليدٍ له، فيعطيه ذلك الثّمر. وفي لفظٍ: "بركةً مع بركةٍ" ثمّ يعطيه أصغر من يحضره من الولدان. لفظ مسلمٍ.
ثمّ قال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا بكر بن مضرٍ، عن ابن الهاد، عن أبي بكر بن محمّدٍ، عن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان، عن رافع بن خديج، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«إنّ إبراهيم حرّم مكّة، وإنّي أحرّم ما بين لابتيها
».
انفرد بإخراجه مسلمٌ، فرواه عن قتيبة، عن بكر بن مضرٍ، به. ولفظه كلفظه سواء. وفي الصّحيحين عن أنس بن مالكٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأبي طلحة:
«التمس لي غلامًا من غلمانكم يخدمني» فخرج بي أبو طلحة يردفني وراءه، فكنت أخدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كلّما نزل. وقال في الحديث: ثمّ أقبل حتّى إذا بدا له أحد قال: «هذا جبلٌ يحبّنا ونحبّه». فلمّا أشرف على المدينة قال:«اللّهمّ إنّي أحرّم ما بين جبليها، مثلما حرّم به إبراهيم مكّة، اللّهمّ بارك لهم في مدّهم وصاعهم
». وفي لفظٍ لهما: "اللّهمّ بارك لهم في مكيالهم، وبارك لهم في صاعهم، وبارك لهم في مدّهم". زاد البخاريّ: يعني: أهل المدينة.
ولهما أيضًا عن أنسٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«اللّهمّ اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلته بمكّة من البركة» وعن عبد اللّه بن زيد بن عاصمٍ، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم: «إن إبراهيم حرّم مكّة ودعا لها، وحرّمت المدينة كما حرّم إبراهيم مكّة، ودعوت لها في مدّها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم لمكّة
».
رواه البخاريّ وهذا لفظه، ومسلمٌ ولفظه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«إنّ إبراهيم حرّم مكّة ودعا لأهلها. وإنّي حرّمت المدينة كما حرّم إبراهيم مكّة، وإنّي دعوت لها في صاعها ومدّها بمثل ما دعا إبراهيم لأهل مكّة
».
وعن أبي سعيدٍ، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«اللّهمّ إنّ إبراهيم حرّم مكّة فجعلها حرامًا، وإنّي حرّمت المدينة حرامًا ما بين مأزميها، لا يهراق فيها دمٌ، ولا يحمل فيها سلاحٌ لقتالٍ، ولا يخبط فيها شجرةٌ إلّا لعلفٍ. اللّهمّ بارك لنا في مدينتنا، اللّهمّ بارك لنا في صاعنا، اللّهمّ بارك لنا في مدّنا، اللّهمّ اجعل مع البركة بركتين
». الحديث رواه مسلمٌ.
والأحاديث في تحريم المدينة كثيرةٌ، وإنّما أوردنا منها ما هو متعلّقٌ بتحريم إبراهيم، عليه السّلام، لمكّة، لما في ذلك في مطابقة الآية الكريمة.
وتمسّك بها من ذهب إلى أنّ تحريم مكّة إنّما كان على لسان إبراهيم الخليل، وقيل: إنّها محرّمةٌ منذ خلقت مع الأرض وهذا أظهر وأقوى.
وقد وردت أحاديث أخر تدلّ على أنّ اللّه تعالى حرّم مكة قبل خلق السموات والأرض، كما جاء في الصّحيحين، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم فتح مكّة:
«إنّ هذا البلد حرّمه اللّه يوم خلق السّموات والأرض، فهو حرامٌ بحرمة اللّه إلى يوم القيامة. وإنّه لم يحل القتال فيه لأحدٍ قبلي، ولم يحلّ لي إلّا ساعة من نهار، فهو حرامٌ بحرمة اللّه إلى يوم القيامة. لا يعضد شوكه ولا ينفّر صيده، ولا تلتقط لقطته إلّا من عرّفها، ولا يختلى خلاها» فقال العبّاس: يا رسول الله، إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم. فقال: «إلّا الإذخر
» وهذا لفظ مسلمٍ.
ولهما عن أبي هريرة نحوٌ من ذلك.
ثمّ قال البخاريّ بعد ذلك: قال أبان بن صالحٍ، عن الحسن بن مسلمٍ، عن صفيّة بنت شيبة: سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، مثله.
وهذا الذي علّقه البخاريّ رواه الإمام أبو عبد اللّه بن ماجه، عن محمّد بن عبد اللّه بن نمير، عن يونس بن بكير، عن محمّد بن إسحاق، عن أبان بن صالحٍ، عن الحسن بن مسلم بن ينّاق، عن صفيّة بنت شيبة، قالت: سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يخطب عام الفتح، فقال:
«يا أيّها النّاس، إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام إلى يوم القيامة، لا يعضد شجرها ولا ينفّر صيدها، ولا يأخذ لقطتها إلّا منشد» فقال العبّاس: إلّا الإذخر؛ فإنّه للبيوت والقبور. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:«إلّا الإذخر
».
وعن أبي شريح العدوي أنّه قال لعمرو بن سعيد -وهو يبعث البعوث إلى مكّة -: ائذن لي -أيّها الأمير -أن أحدثك قولًا قام به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلّم به، إنّه حمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: «إنّ مكّة حرمها الله ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئٍ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحدٌ ترخّص بقتال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقولوا: إنّ اللّه أذن لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ولم يأذن لكم. وإنّما أذن لي فيها ساعةً من نهارٍ، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، فليبلّغ الشاهد الغائب». فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريحٍ، إنّ الحرم لا يعيذ عاصيًا، ولا فارًّا بدمٍ، ولا فارًّا بخربة.
رواه البخاريّ ومسلمٌ، وهذا لفظه.
فإذا علم هذا فلا منافاة بين هذه الأحاديث الدّالّة على أنّ اللّه حرّم مكّة يوم خلق السموات والأرض، وبين الأحاديث الدّالّة على أنّ إبراهيم، عليه السّلام، حرّمها؛ لأنّ إبراهيم بلّغ عن اللّه حكمه فيها وتحريمه إيّاها، وأنّها لم تزل بلدًا حرامًا عند اللّه قبل بناء إبراهيم، عليه السّلام، لها، كما أنّه قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مكتوبًا عند اللّه خاتم النّبيّين، وإنّ آدم لمنجدل في طينته، ومع هذا قال إبراهيم، عليه السّلام: {ربّنا وابعث فيهم رسولا منهم} وقد أجاب اللّه دعاءه بما سبق في علمه وقدره. ولهذا جاء في الحديث أنّهم قالوا: يا رسول اللّه، أخبرنا عن بدء أمرك. فقال:
«دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى ابن مريم، ورأت أمّي كأنّه خرج منها نور أضاء ت له قصور الشّام».
أي: أخبرنا عن بدء ظهور أمرك. كما سيأتي قريبًا، إن شاء اللّه.
وأمّا مسألة تفضيل مكّة على المدينة، كما هو قول الجمهور، أو المدينة على مكّة، كما هو مذهب مالكٍ وأتباعه، فتذكر في موضعٍ آخر بأدلّتها، إن شاء اللّه، وبه الثّقة.
وقوله: تعالى إخبارًا عن الخليل أنّه قال: {ربّ اجعل هذا بلدًا آمنًا} أي: من الخوف، لا يرعب أهله، وقد فعل اللّه ذلك شرعًا وقدرًا. كقوله تعالى: {ومن دخله كان آمنًا}[آل عمران: 97] وقوله: {أولم يروا أنّا جعلنا حرمًا آمنًا ويتخطّف النّاس من حولهم} [العنكبوت: 67] إلى غير ذلك من الآيات. وقد تقدّمت الأحاديث في تحريم القتال فيها. وفي صحيح مسلمٍ عن جابرٍ: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: «لا يحلّ لأحدٍ أن يحمل بمكّة السّلاح». وقال في هذه السّورة: {ربّ اجعل هذا بلدًا آمنًا} أي: اجعل هذه البقعة بلدًا آمنًا، وناسب هذا؛ لأنّه قبل بناء الكعبة. وقال تعالى في سورة إبراهيم: {وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلدًا آمنًا} [إبراهيم: 35] وناسب هذا هناك لأنّه، واللّه أعلم، كأنّه وقع دعاءً ثانيًا بعد بناء البيت واستقرار أهله به، وبعد مولد إسحاق الذي هو أصغر سنًّا من إسماعيل بثلاث عشرة سنةٍ؛ ولهذا قال في آخر الدّعاء: {الحمد للّه الّذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إنّ ربّي لسميع الدّعاء} [إبراهيم: 39]
وقوله تعالى: {وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم باللّه واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتّعه قليلا ثمّ أضطرّه إلى عذاب النّار وبئس المصير}:
قال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ: {قال ومن كفر فأمتّعه قليلًا ثمّ أضطرّه إلى عذاب النّار وبئس المصير} قال: «هو قول اللّه تعالى». وهذا قول مجاهدٍ وعكرمة وهو الذي صوّبه ابن جريرٍ، رحمه اللّه تعالى: قال: «وقرأ آخرون: {قال ومن كفر فأمتّعه قليلا ثمّ أضطرّه إلى عذاب النّار وبئس المصير} فجعلوا ذلك من تمام دعاء إبراهيم»، كما رواه أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية قال: كان ابن عبّاسٍ يقول: «ذلك قول إبراهيم، يسأل ربّه أنّ من كفر فأمتّعه قليلًا».
وقال أبو جعفرٍ، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن مجاهدٍ: {ومن كفر فأمتّعه قليلا} يقول: «ومن كفر فأرزقه أيضًا» {ثمّ أضطرّه إلى عذاب النّار وبئس المصير}.
وقال محمّد بن إسحاق: لمّا عزل إبراهيم، عليه السّلام، الدّعوة عمّن أبى اللّه أن يجعل له الولاية -انقطاعًا إلى اللّه ومحبّته، وفراقًا لمن خالف أمره، وإن كانوا من ذرّيّته، حين عرف أنّه كائنٌ منهم أنّه ظالمٌ ألّا يناله عهده، بخبر اللّه له بذلك -قال اللّه: ومن كفر فإنّي أرزق البرّ والفاجر وأمتّعه قليلًا.
وقال حاتم بن إسماعيل عن حميد الخرّاط، عن عمّار الدّهني، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {ربّ اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم باللّه واليوم الآخر} قال ابن عبّاسٍ:
«كان إبراهيم يحجرها على المؤمنين دون النّاس، فأنزل اللّه ومن كفر أيضًا أرزقهم كما أرزق المؤمنين أأخلق خلقًا لا أرزقهم؟! أمتّعهم قليلًا ثمّ أضطرّهم إلى عذاب النّار وبئس المصير». ثمّ قرأ ابن عبّاسٍ: {كلا نمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربّك وما كان عطاء ربّك محظورًا} [الإسراء: 20]. رواه ابن مردويه. وروي عن عكرمة ومجاهدٍ نحو ذلك أيضًا. وهذا كقوله تعالى: {إنّ الّذين يفترون على اللّه الكذب لا يفلحون* متاعٌ في الدّنيا ثمّ إلينا مرجعهم ثمّ نذيقهم العذاب الشّديد بما كانوا يكفرون} [يونس: 69، 70]، وقوله تعالى: {ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبّئهم بما عملوا إنّ اللّه عليمٌ بذات الصّدور* نمتّعهم قليلا ثمّ نضطرّهم إلى عذابٍ غليظٍ} [لقمان: 23، 24]، وقوله: {ولولا أن يكون النّاس أمّةً واحدةً لجعلنا لمن يكفر بالرّحمن لبيوتهم سقفًا من فضّةٍ ومعارج عليها يظهرون* ولبيوتهم أبوابًا وسررًا عليها يتّكئون* وزخرفًا وإن كلّ ذلك لمّا متاع الحياة الدّنيا والآخرة عند ربّك للمتّقين} [الزّخرف: 33، 35].
وقوله {ثمّ أضطرّه إلى عذاب النّار وبئس المصير} أي: ثمّ ألجئه بعد متاعه في الدّنيا وبسطنا عليه من ظلّها إلى عذاب النّار وبئس المصير. ومعناه: أنّ اللّه تعالى ينظرهم ويمهلهم ثمّ يأخذهم أخذ عزيزٍ مقتدرٍ، كقوله تعالى: {وكأيّن من قريةٍ أمليت لها وهي ظالمةٌ ثمّ أخذتها وإليّ المصير} [الحجّ: 48]، وفي الصّحيحين:
«لا أحد أصبر على أذًى سمعه من اللّه؛ إنّهم يجعلون له ولدًا، وهو يرزقهم ويعافيهم» وفي الصّحيح أيضًا: «إنّ اللّه ليملي للظّالم حتّى إذا أخذه لم يفلته
». ثمّ قرأ قوله تعالى: {وكذلك أخذ ربّك إذا أخذ القرى وهي ظالمةٌ إنّ أخذه أليمٌ شديدٌ} [هودٍ: 102]). [تفسير ابن كثير: 1/ 422-426]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:17 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة