العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 05:31 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (92) إلى الآية (96) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (92) إلى الآية (96) ]

{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 09:03 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد جاءكم موسى بالبيّنات ثمّ اتّخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {ولقد جاءكم موسى بالبيّنات} أي: جاءكم بالبيّنات الدّالّة على صدقه وحقّيّة نبوّته؛ كالعصا الّتي تحوّلت ثعبانًا مبينًا، ويده الّتي أخرجها بيضاء للنّاظرين، وفلق البحر، ومصير أرضه له طريقًا يبسًا، والجراد والقمّل والضّفادع، وسائر الآيات الّتي بيّنت صدقه وحقّيّة نبوّته. وإنّما سمّاها اللّه بيّناتٍ لتبيّنها للنّاظرين إليها أنّها معجزةٌ لا يقدر على أن يأتي بها بشرٌ إلاّ بتسخير اللّه ذلك له، وإنّما هي جمع بيّنةٍ مثل طيّبةٍ وطيّباتٍ.
ومعنى الكلام: ولقد جاءكم يا معشر يهود بني إسرائيل موسى بالآيات البيّنات على أمره وصدقه وحقّيّقة نبوّته.
وقوله: {ثمّ اتّخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون}. يقول جلّ ثناؤه لهم: ثمّ اتّخذتم العجل من بعد موسى، فالهاء الّتي في قوله: {من بعده} من ذكر موسى. وإنّما قال: من بعد موسى، لأنّهم اتّخذوا العجل من بعد أن فارقهم موسى ماضيًا إلى ربّه لموعده، على ما قد بيّنّا فيما مضى من كتابنا هذا.

وقد يجوز أن تكون الهاء الّتي في {بعده} من ذكر المجيء، فيكون تأويل الكلام حينئذٍ: ولقد جاءكم موسى بالبيّنات ثمّ اتّخذتم العجل من بعد مجيء موسى بالبيّنات وأنتم ظالمون، كما تقول: جئتني فكرهتك؛ يعني كرهت مجيئك.
وأمّا قوله: {وأنتم ظالمون} فإنّه يعني بذلك أنّكم فعلتم ما فعلتم من عبادة العجل، وليس ذلك لكم وعبدتم غير الّذي كان ينبغي لكم أن تعبدوه؛ لأنّ العبادة لا تنبغي لغير اللّه. وهذا توبيخٌ من اللّه لليهود، وتعييرٌ منه لهم، وإخبارٌ منه لهم أنّهم إذ كانوا قد فعلوا ما فعلوا من اتّخاذ العجل إلهًا وهو لا يملك لهم ضرًّا ولا نفعًا، بعد الّذي علموا أنّ ربّهم هو الرّبّ الّذي يفعل من الأعاجيب وبدائع الأفعال ما أجراه على يدي موسى صلوات اللّه عليه من الأمور الّتي عاينوها التى لا يقدر عليها أحدٍ من خلق اللّه، ولم يقدر عليها فرعون وجنده مع بطشه وكثرة أتباعه، وقرب عهدهم بما عاينوا من عجائب حكم اللّه؛ فهم إلى تكذيب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وجحود ما في كتبهم الّتي زعموا أنّهم بها مؤمنون من صفته ونعته مع بعد ما بينهم وبين عهد موسى من المدّة أسرع، وإلى التّكذيب بما جاءهم به موسى من ذلك أقرب). [جامع البيان: 2/ 260-262]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولقد جاءكم موسى بالبيّنات ثمّ اتّخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون (92)}
قوله: {ولقد جاءكم موسى بالبيّنات ثمّ اتّخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون}
- حدّثنا أبي، ثنا النّفيليّ، ثنا يونس بن راشدٍ، عن خصيفٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {بالبينات} قال: «هو الطّوفان والجراد والقمّل والضّفادع والدّم والعصا واليد ونقصٌ من الثّمرات والسّنين».
- حدّثنا محمد بن نحيى أبو غسّان، ثنا سلمة، قال: قال محمّد بن إسحاق، حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «ثمّ أنبأهم رفع الطّور عليهم، واتّخاذ العجل إلهًا دون ربّهم»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 175]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وأنتم ظالمون}
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة، قال: قال محمّد بن إسحاق -يعني قوله: {وأنتم ظالمون}-: «أي: المنافقين الّذين يظهرون بألسنتهم الطّاعة وقلوبهم مصرّةٌ على المعصية»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 175]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر، عن قتادة، في قوله: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم} قال:
«أشربوا حبه حتى خلص ذلك إلى قلوبهم»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 52]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطّور خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {وإذ أخذنا ميثاقكم} واذكروا إذ أخذنا عهودكم بأن خذوا ما آتيناكم من التّوراة الّتي أنزلتها إليكم أن تعملوا بما فيها من أمري، وتنتهوا عمّا نهيتكم فيها بجدٍّ منكم في ذلك ونشاطٍ، فأعطيتم على العمل بذلك ميثاقكم، إذ رفعنا فوقكم الجبل.
أمّا قوله: {واسمعوا} فإنّ معناه: واسمعوا ما أمرتكم به، وتقبّلوه بالطّاعة كقول الرّجل للرّجل يأمره بالأمر: سمعت وأطعت، يعني بذلك: سمعت قولك وأطعت أمرك. كما قال الرّاجز:

السّمع والطّاعة والتّسليم ....... خيرٌ وأعفى لبني تميم
يعني بقوله: (السّمع): قبول ما يسمع والطّاعة لما يؤمر. فكذلك معنى قوله: {واسمعوا}: أقبلوا ما سمعتم واعملوا به.
قال أبو جعفرٍ: فمعنى الآية: وإذ أخذنا ميثاقكم أن خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ، واعملوا بما سمعتم، وأطيعوا اللّه، ورفعنا فوقكم الطّور من أجل ذلك.
وأمّا قوله: {قالوا سمعنا} فإنّ الكلام خرج مخرج الخبر عن الغائب بعد أن كان الابتداء بالخطاب، فإنّ ذلك كما وصفنا من أنّ ابتداء الكلام إذا كان حكايةً فالعرب تخاطب فيه ثمّ تعود فيه إلى الخبر عن الغائب وتخبر عن الغائب ثمّ تخاطب كما بيّنّا ذلك فيما مضى قبل. فكذلك ذلك في هذه الآية؛ لأنّ قوله: {وإذ أخذنا ميثاقكم} بمعنى: قلنا لكم فأجبتمونا. وأمّا قوله: {قالوا سمعنا} فإنّه خبرٌ من اللّه عن اليهود الّذين أخذ ميثاقهم أن يعملوا بما في التّوراة وأن يطيعوا اللّه فيما يسمعون منها أنّهم قالوا حين قيل لهم ذلك: سمعنا قولك وعصينا أمرك). [جامع البيان: 2/ 262-263]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك؛

فقال بعضهم: وأشربوا في قلوبهم حبّ العجل. ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: حدّثنا معمرٌ، عن قتادة: {وأشربوا في قلوبهم العجل} قال: «أشربوا حبّه حتّى خلص ذلك إلى قلوبهم».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {وأشربوا في قلوبهم العجل} قال: «أشربوا حبّ العجل بكفرهم».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {وأشربوا في قلوبهم العجل} قال: «أشربوا حبّ العجل في قلوبهم».
وقال آخرون: معنى ذلك أنّهم سقوا الماء الّذي ذرّي فيه سحالة العجل. ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «لمّا رجع موسى إلى قومه أخذ العجل الّذي وجدهم عاكفين عليه فذبحه، ثمّ حرّقه بالمبرد، ثمّ ذرّاه في اليمّ، فلم يبق بحرٌ يومئذٍ يجري إلاّ وقع فيه شيءٌ منه. ثمّ قال لهم موسى: اشربوا منه. فشربوا منه، فمن كان يحبّه خرج على شاربه الذّهب؛ فذلك حين يقول اللّه عزّ وجلّ: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم}».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: «لمّا سحل فألقي في اليمّ استقبلوا جرية الماء، فشربوا حتّى ملئوا بطونهم، فأورث ذلك من فعله منهم جبنًا».
قال أبو جعفرٍ: وأولى التّأويلين اللّذين ذكرت بقول اللّه جلّ ثناؤه: {وأشربوا في قلوبهم العجل} تأويل من قال: وأشربوا في قلوبهم حبّ العجل؛ لأنّ الماء لا يقال منه: أشرب فلانٌ في قلبه، وإنّما يقال ذلك في حبّ الشّيء، فيقال منه: أشرب قلب فلانٍ حبّ كذا، بمعنى سقي ذلك حتّى غلب عليه وخالط قلبه؛ كما قال زهيرٌ:

فصحوت عنها بعد حبٍّ داخلٍ ....... والحبّ يشربه فؤادك داء
ولكنّه ترك ذكر الحبّ اكتفاءً بفهم السّامع لمعنى الكلام، إذ كان معلومًا أنّ العجل لا يشرب القلب، وأنّ الّذي يشرب القلب منه حبّه، كما قال جلّ ثناؤه: {واسألهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر}، {واسأل القرية الّتي كنّا فيها والعير الّتي أقبلنا فيها} وكما قال الشّاعر:
حسبت بغام راحلتي عناقًا ....... وما هي ويب غيرك بالعناق
يعني بذلك: حسبت بغام راحلتى بغام عناقً.
وكما قال: طرفه بن العبد:

ألا إنّني سقّيت أسود حالكًا ....... ألا بجلي من الشّراب ألا بجل
يعني بذلك سمًّا أسود، فاكتفى بذكر أسود عن ذكر السّمّ لمعرفة السّامع معنى ما أراد بقوله: (سقيت أسود)، ويروى:
ألا إنّني سقيت أسود سالخا
وقد تقول العرب: إذا سرّك أن تنظر إلى السّخاء فانظر إلى هرمٍ أو إلى حاتمٍ، فتجتزئ بذكر الاسم من ذكر فعله إذا كان معروفًا بشجاعةٍ أو سخاءٍ أو ما أشبه ذلك من الصّفات. ومنه قول الشّاعر:
يقولون جاهد يا جميل بغزوةٍ ....... وإنّ جهادًا طيّئٌ وقتالها
). [جامع البيان: 2/ 263-266]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: قل يا محمّد ليهود بني إسرائيل: بئس الشّيء يأمركم به إيمانكم إن كان يأمركم بقتل أنبياء اللّه ورسله، والتّكذيب بكتبه، وجحود ما جاء من عنده.

ومعنى إيمانهم: تصديقهم الّذي زعموا أنّهم به مصدّقون من كتاب اللّه، إذ قيل لهم: آمنوا بما أنزل اللّه، فقالوا: نؤمن بما أنزل علينا.
وقوله: {إن كنتم مؤمنين} أي: إن كنتم مصدّقين كما زعمتم بما أنزل اللّه عليكم.
وإنّما كذّبهم اللّه بذلك لأنّ التّوراة تنهى عن ذلك كلّه وتأمر بخلافه، فأخبرهم أنّ تصديقهم بالتّوراة إن كان يأمرهم بذلك فبئس الأمر تأمر به.

وإنّما ذلك نفيٌ من اللّه تعالى ذكره عن التّوراة أن تكون تأمر بشيءٍ ممّا يكرهه اللّه من أفعالهم، وأن يكون التّصديق بها يدلّ على شيءٍ من مخالفة أمر اللّه، وإعلامٍ منه جلّ ثناؤه أنّ الّذي يأمرهم بذلك أهواؤهم، والّذي يحملهم عليه البغيّ والعدوان). [جامع البيان: 2/ 266-267]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطّور خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين (93) قل إن كانت لكم الدّار الآخرة عند اللّه خالصةً من دون النّاس فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين (94)}
قوله: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطّور خذوا ما آتيناكم بقوة} قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 1 /176]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا}
- حدّثنا أبي، ثنا شهاب بن عبّادٍ، ثنا إبراهيم بن حميدٍ الرّؤاسيّ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ: {قالوا سمعنا وعصينا} يقول: «قد سمعنا ما تقول وعصيناك»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 176]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم} إلى قوله: {مؤمنين}
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمارة بن عبدٍ وأبي عبد الرّحمن السّلميّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ، قال: «عمد موسى إلى العجل فوضع عليه المبارد، فبرده بها وهو على شاطئ نهرٍ، فما شرب أحدٌ من ذلك الماء ممّن كان يعبد العجل إلا اصفرّ وجهه مثل الذّهب».
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبيرٍ: {وأشربوا في قلوبهم العجل} قال: «لمّا أحرق العجل برد ثمّ نسف فحسوا الماء حتّى عادت وجوههم كالزّعفران».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «أخذ موسى العجل فذبحه البرد، ثمّ ذرّ في البحر فلم يبق بحرٌ يجري يومئذٍ إلا وقع فيه شيءٌ، ثمّ قال لهم موسى: اشربوا منه، فشربوا فمن كان يحبّه خرج على شاربيه الذّهب، فذلك حين يقول: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم}».
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {وأشربوا في قلوبهم العجل} قال: «أشربوا حبّه حتّى خلص ذلك إلى قلوبهم».
- وروي عن أبي العالية، والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1 /176]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين}.
- أخرج عبد الرزاق، وابن جرير، عن قتادة، في قوله: {وأشربوا في قلوبهم العجل} قال: «أشربوا حبه حتى خلص ذلك إلى قلوبهم»). [الدر المنثور: 1/ 472]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن عكرمة، في قوله: {فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} قال: قال ابن عباس: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه، فبلغ ذلك رسول الله، فقال:
«لو فعل لأخذته الملائكة عيانا».

قال: وقال ابن عباس: «لو تمنى اليهود الموت لماتوا، ولو خرج الذين يباهلون النبي لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 52]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل إن كانت لكم الدّار الآخرة عند اللّه خالصةً من دون النّاس فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين}
قال أبو جعفرٍ: وهذه الآية ممّا احتجّ اللّه بها لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم على اليهود الّذين كانوا بين ظهراني مهاجره، وفضح بها أحبارهم وعلماءهم.

وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه أمر نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يدعوهم إلى قضيّةٍ عادلةٍ بينه وبينهم فيما كان بينه وبينهم من الخلاف، كما أمره اللّه أن يدعو الفريق الآخر من النّصارى إذ خالفوه في عيسى صلوات اللّه عليه وجادلوا فيه إلى فاصلةٍ بينه وبينهم من المباهلة. وقال لفريق اليهود: إن كنتم محقّين فتمنّوا الموت، فإنّ ذلك غير ضارّكم إن كنتم محقّين فيما تدّعون من الإيمان وقرب المنزلة من اللّه، بل إن أعطيتم أمنيّتكم من الموت إذا تمنّيتم فإنّما تصيرون إلى الرّاحة من تعب الدّنيا ونصبها وكدر عيشها والفوز بجوار اللّه في جنانه، إن كان الأمر كما تزعمون أنّ الدّار الآخرة لكم خالصةً دوننا. وإن لم تعطوها علم النّاس أنّكم المبطلون ونحن المحقّون في دعوانا وانكشف أمرنا وأمركم لهم. فامتنعت اليهود من إجابة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى ذلك؛ لعلمها أنّها إن تمنّت الموت هلكت فذهبت دنياها وصارت إلى خزي الأبد في آخرتها. كما امتنع فريق النّصارى الّذين جادلوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في عيسى، إذ دعوا إلى المباهلة، من المباهلة، فبلغنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لو أنّ اليهود تمنّوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النّار، ولو خرج الّذين يباهلون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا مالاً». حدّثنا بذلك أبو كريبٍ، قال: حدّثنا زكريّا بن عديٍّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن عمرٍو، عن عبد الكريم، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثّام بن عليٍّ، عن الأعمش، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين} قال: «لو تمنّوا الموت لشرق أحدهم بريقه».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن عبد الكريم الجزريّ، عن عكرمة، في قوله: {فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين} قال: قال ابن عبّاسٍ: «لو تمنّى اليهود الموت لماتوا».
- حدّثني موسى، قال: أخبرنا عمروٌ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، قال أبو جعفرٍ فيما أروي: أنبأنا عن سعيدٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «لو تمنّوه يوم قال لهم ذلك، ما بقي على ظهر الأرض يهوديٌّ إلاّ مات».
قال أبو جعفرٍ: فانكشف -لمن كان مشكلاً عليه أمر اليهود يومئذٍ- كذبهم وبهتهم وبغيهم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وظهرت حجّة رسول اللّه وحجّة أصحابه عليهم، ولم تزل والحمد للّه ظاهرةً عليهم وعلى غيرهم من سائر أهل الملل.

وإنّما أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقول لهم: {فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين} لأنّهم فيما ذكر لنا قالوا: {نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه}، وقالوا: {لن يدخل الجنّة إلاّ من كان هودًا أو نصارى}، فقال اللّه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهم إن كنتم صادقين فيما تزعمون فتمنّوا الموت. فأبان اللّه كذبهم بامتناعهم من تمنّي ذلك، وأفلج حجّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقد اختلف أهل التّأويل في السّبب الّذي من أجله أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يدعو اليهود أن يتمنّوا الموت، وعلى أيّ وجهٍ أمروا أن يتمنّوه.

فقال بعضهم: أمروا أن يتمنّوه على وجه الدّعاء على الفريق الكاذب منهما. ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيدٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «قال اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل إن كانت لكم الدّار الآخرة عند اللّه خالصةً من دون النّاس فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين} أي: ادعوا بالموت على أيّ الفريقين أكذب».
وقال آخرون بما حدّثني بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «قوله: {قل إن كانت لكم الدّار الآخرة عند اللّه خالصةً من دون النّاس}، وذلك أنّهم قالوا: {لن يدخل الجنّة إلاّ من كان هودًا أو نصارى}، وقالوا: {نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه}، فقيل لهم: {فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين}».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: «قالت اليهود: {لن يدخل الجنّة إلاّ من كان هودًا أو نصارى}، وقالوا: {نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه}، فقال اللّه: {قل إن كانت لكم الدّار الآخرة عند اللّه خالصةً من دون النّاس فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين} فلم يفعلوا».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثني أبن أبى جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: «قوله: {قل إن كانت لكم الدّار الآخرة عند اللّه خالصةً} الآية، وذلك بأنّهم قالوا: {لن يدخل الجنّة إلاّ من كان هودًا أو نصارى}، وقالوا: {نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه}».

وأمّا تأويل قوله: {قل إن كانت لكم الدّار الآخرة عند اللّه خالصةً} فإنّه يقول: قل يا محمّد إن كان نعيم الدّار الآخرة ولذّاتها لكم يا معشر اليهود عند اللّه. فاكتفى بذكر الدّار من ذكر نعيمها لمعرفة المخاطبين بالآية معناها.
وقد بيّنّا معنى الدّار الآخرة فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وأمّا تأويل قوله: {خالصةً} فإنّه يعني به صافيةً، كما يقال: خلص لي هذا الأمر بمعنى صار لي وحدي وصفا لي؛ يقال منه: خلص لي هذا الشّيء، فهو يخلص خلوصًا وخالصةً، والخالصة مصدرٌ مثل العافية، ويقال للرّجل: هذا خلصاني، يعني خالصتي من دون أصحابي.
وقد روي عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يتأوّل قوله: {خالصةً} خاصّة، وذلك تأويلٌ قريبٌ من معنى التّأويل الّذي قلناه في ذلك.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {قل إن كانت لكم الدّار الآخرة} قال: «قل يا محمّد لهم، يعني اليهود، إن كانت لكم الدّار الآخرة، يعني الخير {عند اللّه خالصةً} يقول: خاصّةً لكم».
وأمّا قوله: {من دون النّاس} فإنّ الّذي يدلّ عليه ظاهر التّنزيل أنّهم قالوا: لنا الدّار الآخرة عند اللّه خالصةً من دون جميع النّاس. ويبيّن أنّ ذلك كان قولهم من غير استثناءٍ منهم من ذلك أحدًا من بني آدم إخبار اللّه عنهم أنّهم قالوا: {لن يدخل الجنّة إلاّ من كان هودًا أو نصارى}. إلاّ أنّه روي عن ابن عبّاسٍ قولٌ غير ذلك. ذكر ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {من دون النّاس} يقول: «من دون محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه الّذين استهزأتم بهم، وزعمتم أنّ الحقّ في أيديكم، وأنّ الدّار الآخرة لكم دونهم».
وأمّا قوله: {فتمنّوا الموت} فإنّ تأويله: تشهّوه وأريدوه، وقد روي عن ابن عبّاسٍ أنّه قال في تأويله: فسلوا الموت. ولا يعرف التّمنّي بمعنى المسألة في كلام العرب، ولكن أحسب أنّ ابن عبّاسٍ وجّه معنى الأمنيّة إذ كانت محبّة النّفس وشهوتها إلى معنى الرّغبة والمسألة، إذ كانت المسألة هي رغبة السّائل إلى اللّه فيما سأله.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «{فتمنّوا الموت} فسلوا الموت {إن كنتم صادقين}»). [جامع البيان: 2/ 267-272]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {قل إن كانت لكم الدّار الآخرة عند اللّه خالصةً من دون الناس}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ العسقلانيّ، ثنا آدم -يعني ابن أبي إياسٍ-، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، قال: «قال اللّه تعالى لليهود: {إن كانت لكم الدّار الآخرة عند اللّه خالصةً من دون النّاس فتمنّوا الموت}، فلم يفعلوا حيث قالوا: {لن يدخل الجنّة إلا من كان هودًا أو نصارى} وقالوا: {نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه} فقال اللّه لهم ذلك».

وروي عن قتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 176-177]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين}
- حدّثنا أبي، ثنا عليّ بن محمّدٍ الطّنافسيّ، ثنا عثّامٌ، قال: سمعت الأعمش، قال: لا أظنّه إلا عن المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «لو تمنّوا الموت لشرق أحدهم بريقه».
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، قال: قال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن (ابن) عبّاسٍ: «يقول اللّه لنبيّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: {قل إن كانت لكم الدّار الآخرة عند اللّه خالصةً من دون النّاس فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين} أي: ادعوا بالموت على أيّ الفريقين أكذب، فأبوا ذلك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم».
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن عبد الكريم الجزريّ، عن عكرمة، في قوله: {فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين} قال: وقال ابن عبّاسٍ: «لو تمنّى اليهود الموت لماتوا»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 177]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إن كنتم صادقين}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «{إن كنتم صادقين} بما تقولون إنّه كما تقولون»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 177]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {فتمنّوا الموت}.
- عن ابن عبّاسٍ، قال: قال أبو جهلٍ: لئن رأيت محمّدًا يصلّي لأطأنّ على عنقه، فقيل: هو ذاك، قال: ما أراه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لو فعل لأخذته الملائكة عيانًا، ولو أنّ اليهود تمنّوا الموت لماتوا».

قلت: هو في الصّحيح بغير سياقه.
رواه البزّار، ورجاله رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد: 6/ 314]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا محمّد بن عبد الرّحيم، ثنا زكريّا بن عديٍّ، ثنا عبيد اللّه بن عمرٍو، عن عبد الكريم، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال أبو جهلٍ: لئن رأيت محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم لأطأنّ على عنقه، فيقول هو ذاك هو، قال: ما أراه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لو فعل لأخذته الملائكة عيانًا، ولو أنّ اليهود تمنّوا الموت لماتوا».
قلت: هو في الصّحيح، وغيره بغير هذا السّياق). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/ 40-41]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {قل إن كانت لكم الدار
الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين * ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين}.
- أخرج ابن جرير عن أبي العالية، قال: «قالوا: {لن يدخل الجنة إلا من كان هود أو نصارى}، وقالوا: {نحن أبناء الله وأحباؤه} [المائدة: 18]، فأنزل الله: {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين}، فلم يفعلوا».
- وأخرج ابن جرير عن قتادة، مثله.
- وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس في هذه الآية، قال: قل لهم يا محمد: {إن كانت لكم الدار الآخرة} يعني الجنة كما زعمتم {خالصة من دون الناس} يعني المؤمنين {فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} إنها لكم خالصة من دون المؤمنين، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن كنتم في مقالتكم صادقين؛ قولوا: اللهم أمتنا، فوالذي نفسي بيده لا يقولها رجل منكم إلا غص بريقه، فمات مكانه»، فأبوا أن يفعلوا وكرهوا ما قال لهم، فنزل: {ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم} يعني: عملته أيديهم {والله عليم بالظالمين} أنهم لن يتمنوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزول هذه الآية: «والله لا يتمنونه أبدا».
- وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس، في قوله: {فتمنوا الموت}: «أي: ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب، فأبوا ذلك، ولو تمنوه يوم قال ذلك ما بقي على وجه الأرض يهودي إلا مات».
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {قل إن كانت لكم الدار الآخرة}: «يعني الجنة {خالصة} خاصة {فتمنوا الموت} فاسألوا الموت {ولن يتمنوه أبدا} لأنعم يعلمون أنهم كاذبون»، {بما قدمت} قال: «أسلفت».
- وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس، قال: «لو تمنى اليهود الموت لماتوا».
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه».
- وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن مردويه وأبو نعيم عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا، ولرأوا مقاعدهم من النار»). [الدر المنثور: 1/ 472-474]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولن يتمنّوه أبدًا بما قدّمت أيديهم والله عليمٌ بالظّالمين}
وهذا خبرٌ من اللّه جلّ ثناؤه عن اليهود وكراهتهم الموت وامتناعهم عن الإجابة إلى ما دعوا إليه من تمنّي الموت، لعلمهم بأنّهم إن فعلوا ذلك فالوعيد بهم نازلٌ والموت بهم حالٌّ، ولمعرفتهم بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه رسولٌ من اللّه إليهم مرسلٌ وهم به مكذّبون، وأنّه لم يخبرهم خبرًا إلاّ كان حقًّا كما أخبر، فهم يحذرون أن يتمنّوا الموت خوفًا أن يحلّ بهم عقاب اللّه بما كسبت أيديهم من الذّنوب.
- كالّذي حدّثني محمّد بن حميدٍ،
قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، فيما يروي أبو جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{قل إن كانت لكم الدّار الآخرة} الآية، أي: ادعوا بالموت على أيّ الفريقين أكذب، فأبوا ذلك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. يقول اللّه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {ولن يتمنّوه أبدًا بما قدّمت أيديهم} أي: لعلمهم بما عندهم من العلم بك والكفر بذلك».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «{ولن يتمنّوه أبدًا} يقول: يا محمّد ولن يتمنّوه أبدًا لأنّهم يعلمون أنّهم كاذبون، ولو كانوا صادقين لتمنّوه ورغبوا في التّعجيل إلى كرامتي، فليس يتمنّونه أبدًا بما قدّمت أيديهم».
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: «قوله: {فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين} وكانت اليهود أشدّ الناس فرارًا من الموت، ولم يكونوا ليتمنّوه أبدًا».
وأمّا قوله: {بما قدّمت أيديهم} فإنّه يعني به بما أسلفته أيديهم. وإنّما ذلك مثلٌ على نحو ما تتمثّل به العرب في كلامها، فتقول للرّجل يؤخذ بجريرةٍ جرّها أو جنايةٍ جناها فيعاقب عليها: نالك هذا بما جنت يداك، وبما كسبت يداك، وبما قدّمت يداك؛ فتضيف ذلك إلى اليد، ولعلّ الجناية الّتي جناها فاستحقّ عليها العقوبة كانت باللّسان أو بالفرج أو بغير ذلك من أعضاء جسده سوى اليد.
وإنّما قيل ذلك بإضافته إلى اليد؛ لأنّ عظم جنايات النّاس بأيديهم، فجرى الكلام باستعمال إضافة الجنايات الّتي يجنيها النّاس إلى أيديهم حتّى أضيف كلّ ما عوقب عليه الإنسان ممّا جناه بسائر أعضاء جسده إلى أنّها عقوبةٌ على ما جنته يداه،

فلذلك قال جلّ ثناؤه للعرب: {ولن يتمنّوه أبدًا بما قدّمت أيديهم} يعني به: ولن يتمنّى اليهود الموت بما قدّموا أمامهم من حياتهم من كفرهم باللّه في مخالفتهم أمره وطاعته في اتّباع محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وما جاءهم به من عند اللّه، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة، ويعلمون أنّه نبيٌّ مبعوثٌ. فأضاف جلّ ثناؤه ما انطوت عليه قلوبهم وأضمرته أنفسهم ونطقت به ألسنتهم من حسد محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، والبغي عليه، وتكذيبه، وجحود رسالته إلى أيديهم، وأنّه ممّا قدّمته أيديهم، لعلم العرب معنى ذلك في منطقها وكلامها، إذ كان جلّ ثناؤه إنّما أنزل القرآن بلسانها وبلغتها خاطبها.
- وروي عن ابن عبّاسٍ في ذلك ما
حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {بما قدّمت أيديهم} يقول: «بما أسلفت أيديهم».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {بما قدّمت أيديهم} قال: «إنّهم عرفوا أنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم نبيٌّ فكتموه».
وأمّا قوله: {واللّه عليمٌ بالظّالمين} فإنّه يعني جلّ ثناؤه: واللّه ذو علمٍ بظلمة بني آدم: يهودها ونصاراها وسائر أهل مللها غيرهم، وما يعملون.
وظلم اليهود كفرهم باللّه في خلافهم أمره وطاعته في اتّباع محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بعد أن كانوا يستفتحون به وبمبعثه، وجحودهم نبوّته وهم عالمون أنّه نبيّ اللّه ورسوله إليهم.
وقد دلّلنا على معنى الظّالم فيما مضى بما أغنى عن إعادته فى هذا الموضوع). [جامع البيان: 2/ 272-275]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولن يتمنّوه أبدًا بما قدّمت أيديهم واللّه عليمٌ بالظّالمين (95)}
قوله: {ولن يتمنّوه أبدًا بما قدّمت أيديهم واللّه عليمٌ بالظّالمين}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، قال: قال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «يقول اللّه لنبيّه: {ولن يتمنّوه أبدًا بما قدّمت أيديهم واللّه عليمٌ بالظّالمين} أي: يعلمهم بما عندهم من العلم بك، والكفر بذلك، ولو تمنّوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على الأرض يهوديٌّ إلا مات».
- حدثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم، عن عبد اللّه بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، قال: قول اللّه: {ولن يتمنّوه أبدًا بما قدّمت أيديهم} فقلت: أرأيت لو أنّهم أحبّوا الموت حين قال لهم فتمنّوا أراهم كانوا ميّتين؟ قال: «لا. واللّه ما كانوا ليموتوا لو تمنّوا الموت، وما كانوا ليتمنّوه، وقد قال اللّه ما سمعت:{ولن يتمنّوه أبدًا بما قدّمت أيديهم واللّه عليمٌ بالظّالمين}»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 177-178]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {واللّه عليمٌ}
- حدّثنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان بن عبد الرّحمن، عن قتادة، قوله: {واللّه عليمٌ} قال: «عالمٌ»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 178]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {بالظّالمين}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضحاك، عن ابن عباس: «{بالظالمين} الكافرين»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 178]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين * ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين}.
- أخرج ابن جرير عن أبي العالية، قال: «قالوا:{لن يدخل الجنة إلا من كان هود أو نصارى}، وقالوا:{نحن أبناء الله وأحباؤه} [المائدة: 18]، فأنزل الله:{قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين}، فلم يفعلوا».
- وأخرج ابن جرير عن قتادة، مثله.
- وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس في هذه الآية، قال: قل لهم يا محمد:{إن كانت لكم الدار الآخرة} يعني الجنة كما زعمتم{خالصة من دون الناس} يعني المؤمنين {فتمنوا الموت إن كنتم صادقين}إنها لكم خالصة من دون المؤمنين، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن كنتم في مقالتكم صادقين؛ قولوا: اللهم أمتنا، فوالذي نفسي بيده لا يقولها رجل منكم إلا غص بريقه، فمات مكانه»، فأبوا أن يفعلوا وكرهوا ما قال لهم، فنزل: {ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم} يعني: عملته أيديهم {والله عليم بالظالمين} أنهم لن يتمنوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزول هذه الآية: «والله لا يتمنونه أبدا».
- وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس، في قوله: {فتمنوا الموت}: «أي: ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب، فأبوا ذلك، ولو تمنوه يوم قال ذلك ما بقي على وجه الأرض يهودي إلا مات».
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {قل إن كانت لكم الدار الآخرة}:«يعني الجنة{خالصة}خاصة{فتمنوا الموت}فاسألوا الموت{ولن يتمنوه أبدا}لأنعم يعلمون أنهم كاذبون»،{بما قدمت} قال: «أسلفت».
- وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس، قال: «لو تمنى اليهود الموت لماتوا».
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه».
- وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن مردويه وأبو نعيم عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا، ولرأوا مقاعدهم من النار»
). [الدر المنثور: 1/ 472-474] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)}
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (قال سفيان [الثوري] في قوله: {ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياة} قال:
«اليهود»). [تفسير الثوري: 47]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري]، عن ابن عباس، في قوله: {يود أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ}:
«يقول أحدهم: أعيش هزار سال»). [تفسير الثوري: 47]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ([قوله تعالى: {ومن الّذين أشركوا يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر}]
- نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله عزّ وجلّ: {يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ}، قال: «هو قول الأعاجم إذا عطس أحدهم يقال له: زه هزار سال، يعني: ألف سنةٍ»). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 573]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياةٍ}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياةٍ} اليهود، يقول: يا محمّد لتجدنّ أشدّ النّاس حرصًا على الحياة في الدّنيا وأشدّهم كراهةً للموت اليهود.
- كما حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، فيما يروي أبو جعفرٍ عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياةٍ} يعني اليهود».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الربيع، عن أبي العالية: «{ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياةٍ} يعني اليهود».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وإنّما كراهتهم الموت لعلمهم بما لهم في الآخرة من الخزي والهوان الطّويل). [جامع البيان: 2/ 275]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن الّذين أشركوا}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {ومن الّذين أشركوا} وأحرص من الّذين أشركوا على الحياة، كما يقال: هو أشجع النّاس ومن عنترة، بمعنى: هو أشجع من النّاس ومن عنترة، فكذلك قوله: {ومن الّذين أشركوا} لأنّ معنى الكلام: ولتجدنّ يا محمّد اليهود من بني إسرائيل أحرص من النّاس على حياةٍ ومن الّذين أشركوا. فلمّا أضيف (أحرص) إلى (النّاس)، وفيه تأويل من أظهرت بعد حرف العطف ردًّا على التّأويل الّذي ذكرناه.
وإنّما وصف اللّه جلّ ثناؤه اليهود بأنّهم أحرص النّاس على الحياة لعلمهم بما قد أعدّ لهم في الآخرة على كفرهم بما لا يقرّ به أهل الشّرك، فهم للموت أكره من أهل الشّرك الّذين لا يؤمنون بالبعث؛ لأنّهم يؤمنون بالبعث، ويعلمون ما لهم هنالك من العذاب، وأنّ المشركين لا يصدّقون بالبعث، ولا العقاب. فاليهود أحرص منهم على الحياة وأكره للموت.
وقيل: إنّ الّذين أشركوا الّذين أخبر اللّه تعالى ذكره أنّ اليهود أحرص منهم في هذه الآية على الحياة هم المجوس.

وقيل: هم الّذين لا يصدّقون بالبعث.
ذكر من قال هم المجوس:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «{ومن الّذين أشركوا يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ} يعني المجوس».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {ومن الّذين أشركوا يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ} قال: «المجوس».
- حدّثني يونس، قال: أخبرني ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {ومن الّذين أشركوا} قال: «يهود أحرص من هؤلاء على الحياة».
ذكر من قال: هم الّذين ينكرون البعث:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، فيما يري أبو جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياةٍ ومن الّذين أشركوا} وذلك أنّ المشرك لا يرجو بعثًا بعد الموت فهو يحبّ طول الحياة، وأنّ اليهوديّ قد عرف ما له في الآخرة من الخزي لما ما يضع بمّا عنده من العلم»). [جامع البيان: 2/ 276-277]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ}
وهذا خبرٌ من اللّه جلّ ثناؤه عن الّذين أشركوا، الّذين أخبر أنّ اليهود أحرص منهم على الحياة،
يقول جلّ ثناؤه: يودّ أحد هؤلاء الّذين أشركوا لأسه فناء دنياه وانقضاء أيّام حياته من أن يكون له بعد ذلك نشورٌ أو محيا أو فرحٌ أو سرورٌ لو يعمّر فى الدنيا ألف سنةٍ؛ حتّى جعل بعضهم تحيّة بعضٍ عشرة آلاف عامٍ حرصًا منهم على الحياة.
- كما حدّثنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، قال: سمعت أبي عليًّا، يقول: أخبرنا أبو حمزة، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: في قوله: {يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ} قال: «هو قول الأعاجم: هزار سال زه نوروز مهرجان درٌّ».
- وحدّثت عن نعيمٍ النّحويّ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ: {يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ} قال: «هو قول أهل الشّرك بعضهم لبعضٍ إذا عطس: زه هزار سال».
- حدّثنا إبراهيم بن سعيدٍ، ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدّثنا إسماعيل ابن عليّة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن قتادة: في قوله: {يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ} قال: «حبّبت إليهم الخطيئة طول العمر».
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: حدّثني ابن معبدٍ، عن ابن عليّة، عن ابن أبي نجيحٍ في قوله: {يودّ أحدهم} فذكر مثله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياةٍ} حتّى بلغ: {لو يعمّر ألف سنةٍ}: «يهود أحرص من هؤلاء على الحياة، وقد ودّ هؤلاء لو يعمّر أحدهم ألف سنةٍ».
- وحدّثت عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن سعيدٍ، عن ابن عبّاسٍ: في قوله: {يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ} قال: «هو قول أحدهم إذا عطس زه هزار سال، يقول: عش آلف سنةٍ»). [جامع البيان: 2/ 277-279]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر} وما التّعمير، وهو طول البقاء، بمزحزحه من عذاب اللّه.
وقوله: {هو} عمادٌ لطلب وما الاسم أكثر من طلبها الفعل، كما قال الشّاعر:

فهل هو مرفوعٌ بما ههنا رأس
وأنّ الّتي في: {أن يعمّر} رفع بمزحزحه، و(هو) الّتي مع (ما) من ذكره عمادٍ للفعل لاستقباح العرب النّكرة قبل المعرفة.
- وقد قال بعضهم إنّ (هو) الّذي مع (ما) كناية ذكر العمر، كأنّه قال: يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ، وما ذلك العمر بمزحزحه من العذاب. وجعل (أن يعمّر) مترجمًا عن (هو)، يريد: ما هو بمزحزحه التّعمير.
- وقال بعضهم: قوله: {وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر} نظير قولك: ما زيدٌ بمزحزحه أن يعمّر.
- وأقرب هذه الأقوال عندنا إلى الصّواب ما قلنا، وهو أن يكون (هو) عمادًا نظير قولك: ما هو قائمٌا عمرٌو.
وقد قال قومٌ من أهل التّأويل: إنّ (أن) الّتي في قوله: {أن يعمّر} بمعنى: وإن عمّر، وذلك قولٌ لمعاني كلام العرب المعروف مخالفٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر} يقول: «وإن عمّر».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع مثله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: «{أن يعمّر} ولو عمّر».
وأمّا تأويل قوله: {بمزحزحه} فإنّه بمبعده ومنجيه، كما قال الحطيئة:

وقالوا تزحزح ما بنا فضل حاجةٍ ....... إليك وما منّا لوهيك راقع
يعني بقوله: (تزحزح): تباعد، يقال منه: زحزحه يزحزحه زحزحةً وزحزاحًا، وهو عنك متزحزحٌ، أي: متباعدٌ.
فتأويل الآية: وما طول العمر بمبعده من عذاب اللّه ولا منجيه منه؛ لأنّه لا بدّ للعمر من الفناء ومصيره إلى اللّه.
- كما حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، فيما أروي عن سعيد بن جبيرٍ أو عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر} أي: ما هو بمنحّيه من العذاب».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر} يقول: «وإن عمّر، فما ذاك بمغيثه من العذاب ولا منجيه».
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: «{يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ وما هو بمزحزحه من العذاب} فهم الّذين عادوا جبريل عليه السّلام».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: «{يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر}ويهود أحرص على الحياة من هؤلاء، وقد ودّ هؤلاء لو يعمّر أحدهم ألف سنةٍ، وليس بمزحزحه من العذاب لو عمّر كما عمّر إبليس لم ينفعه ذلك، إذا كان كافرًا لم يزحزحه ذلك عن العذاب»). [جامع البيان: 2/ 279-282]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه بصيرٌ بما يعملون}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {واللّه بصيرٌ بما يعملون} واللّه ذو إبصارٍ بما يعملون، لا يخفى عليه شيءٌ من أعمالهم، بل هو بجميعها محيطٌ ولها حافظٌ ذاكرٌ حتّى يذيقهم بها العقاب جزاءها.
وأصل بصيرٍ مبصرٌ من قولك: أبصرت فأنا مبصرٌ؛ ولكن صرف إلى فعيلٍ، كما صرف مسمعٍ إلى سميعٍ، وعذابٌ مؤلمٌ إلى أليمٍ، ومبدع السّموات إلى بديعٍ، وما أشبه ذلك). [جامع البيان: 2 /283]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياةٍ ومن الّذين أشركوا يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر واللّه بصيرٌ بما يعملون (96)}
قوله: {ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياةٍ}
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن الأعمش، عن مسلمٍ البطين، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياةٍ} قال: «اليهود».

وروي عن أبي العالية، والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشار، حدثني سرور ابن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، قال: {ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياةٍ} قال: «المنافق أحرص النّاس على حياةٍ، وهو أحرص على الحياة من المشرك»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 178]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ومن الّذين أشركوا}
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن الأعمش، عن مسلمٍ البطين، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ومن الّذين أشركوا} قال: «الأعاجم»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 178]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {يودّ أحدهم}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «{يودّ أحدهم} يعني المجوس»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 179]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {لو يعمّر ألف سنةٍ}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ وأحمد بن سنانٍ وأبو سعيد بن نحيى بن سعيدٍ القطّان، قالوا: ثنا ابن نميرٍ عبد اللّه، عن الأعمش، عن مسلمٍ البطين، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ} قال: «هو كقول الفارسيّ: زه هزار سال، يقول: عشرة آلاف سنةٍ».
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا إسماعيل بن عطيّة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ} قال: «حبّبت إليهم الخطيئة طول العمر».

وروي عن سعيد بن جبيرٍ نحو ما روي عن ابن عبّاسٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 179]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر واللّه بصيرٌ بما يعملون}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، قال: قال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{وما هو بمزحزحه من العذاب} أي: ما هو بمنجيه وذلك أنّ المشرك لا يرجو بعثًا بعد الموت، فهو يحبّ طول الحياة، وأنّ اليهوديّ قد عرف ماله في الآخرة من الخزي بما ضيّع ما عنده من العلم».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «{وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر} يقول: وإن عمّر فما ذاك بمغنيه من العذاب ولا منجيه منه»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 179]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أبو جعفرٍ محمّد بن عليّ بن دحيمٍ الشّيبانيّ بالكوفة، ثنا أحمد بن حازمٍ، عن أبي غرزة الغفاريّ، ثنا قبيصة بن عقبة، ثنا سفيان، عن الأعمش، عن مسلمٍ البطين، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، {ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياةٍ} قال: «اليهود» {ومن الّذين أشركوا} قال: «الأعاجم»، «قد اتّفق الشّيخان على سند تفسير الصّحابيّ، وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرطهما، ولم يخرّجاه»). [المستدرك: 2 /289]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا يحيى بن محمّدٍ العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: {يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ} قال: «هو قول الأعاجم إذا عطس أحدهم ده هز أرسال» رواه قيس بن الرّبيع، عن الأعمش، عن جعفر بن إياسٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما في قوله تعالى بزيادة ألفاظٍ). [المستدرك: 2/ 290]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرناه أبو زكريّا العنبريّ، ثنا إبراهيم بن إسحاق، ثنا محمّد بن سهل بن عسكرٍ، ثنا محمّد بن يوسف، ثنا قيس بن الرّبيع، عن الأعمش، عن جعفر بن إياسٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، في قوله تعالى: {ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياةٍ} قال: «هم هؤلاء أهل الكتاب»، {ومن الّذين أشركوا يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر} قال: «هو قول أحدهم لصاحبه: هز إرسال سرور مهرجان بخور»). [المستدرك: 2/ 290]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون}.
- أخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه، عن ابن عباس، في قوله: {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة} قال: «اليهود»، {ومن الذين أشركوا} قال: «الأعاجم».
- وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة}: «يعني اليهود {ومن الذين أشركوا} وذلك أن المشرك لا يرجو بعثا بعد الموت، فهو يحب طول الحياة، وإن اليهودي قد عرف ما له في الآخرة من الخزي بما صنع بما عنده من العلم»، {وما هو بمزحزحه} قال: «بمنجية».
- وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر والحاكم، عن ابن عباس، في قوله: {يود أحدهم لو يعمر ألف سنة} قال: «هو قول الأعاجم إذا عطس أحدهم: زه هزا رسال، يعني ألف سنة».
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس، في قوله: {وما هو بمزحزحه} قال: «هم الذين عادوا جبريل»). [الدر المنثور: 1/ 474-475]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 09:15 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {سمعنا وعصينا...} معناه: سمعنا قولك, وعصينا أمرك). [معاني القرآن: 1/ 61]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم...} فإنه أراد: حبّ العجل، ومثل هذا مما تحذفه العرب كثيرٌ؛ قال الله: {واسأل القرية التي كنّا فيها والعير التي أقبلنا فيها}, والمعنى: سل أهل القرية وأهل العير؛ وأنشدني المفضّل:
حسبت بغام راحلتي عناقاً ....... وما هي ويب غيرك بالعناق
ومعناه: بغام عناق؛ ومثله من كتاب الله: {ولكنّ البرّ من آمن باللّه}, معناه -والله أعلم-: ولكنّ البرّ برّ من فعل هذه الأفاعيل التي وصف الله. والعرب قد تقول: إذا سرّك أن تنظر إلى السّخاء فانظر إلى هرم أو إلى حاتم, وأنشدني بعضهم:
يقولون جاهد يا جميل بغزوةٍ ....... وإنّ جهاداً طيّءٌ وقتالها
يجزئ ذكر الاسم من فعله إذا كان معروفا بسخاء, أو شجاعة, وأشباه ذلك). [معاني القرآن: 1/ 61-62]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وأشربوا في قلوبهم العجل}: سقوه حتى غلب عليهم؛ مجازه مجاز المختصر؛
{أشربوا في قلوبهم العجل}: حبّ العجل، وفي القرآن: {وسل القرية} مجازها: أهل القرية، وقال النابغة الذبياني:
كأنك من جمال بنى أقيشٍ ....... يقعقع خلف رجليه بشنّ
أقيش: حي من الجن، أضمر جملاً يقعقع خلف رجليه بشن، وقال الأسديّ:
كذبتم وبيت الله لا تنكحونها ....... بنى شاب قرناها تصرّ وتحلب
أضمر "التي" شاب قرناها؛
وقال أبو أسلم: وأوتى بطعام قبل طعام، فقال: الذي قبل أطيب). [مجاز القرآن: 1/ 47-48]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {وأشربوا في قلوبهم العجل} إشرابًا، فكان ابن عباس يقول: أدخل قلوبهم؛ ويقولون: اشرب عني ما أقول لك؛ أي اقبله وعه؛ فكأنه يقول: أسقوه؛ وحكى بعضهم: شرب علي زيد شربا؛ كذب). [معاني القرآن لقطرب: 327]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم} أي: حبّ العجل). [تفسير غريب القرآن: 58]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطّور خذوا ما آتيناكم بقوّة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين} قد بيّنّاه فيما مضى.
وقوله عزّ وجلّ: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم} معناه: سقوا حبّ العجل، فحذف "حب" وأقيم "العجل" مقامه.
كما قال الشاعر:

وكيف تواصل من أصبحت ....... خلالته كأبي مرحب
أي: كخلالته أبي مرحب، وكما قال:
وشر المنايا ميّت بين أهله ....... كهلك الفتى قد أسلم الحيّ حاضره
المعنى: وشر المنايا منيّة ميت....
وقوله عزّ وجلّ {بكفرهم} أي: فعل الله ذلك بهم مجازاة لهم على الكفر، كما قال: {بل طبع اللّه عليها بكفرهم}.
وقوله: {بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين} قد فسرناه، أي: ما كنتم مؤمنين، فبئس الإيمان يأمركم بالكفر). [معاني القرآن: 1 /175-176]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({الطور}: الجبل). [ياقوتة الصراط: 174]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (و{سمعنا}: قولك، {وعصينا}: أمرك). [ياقوتة الصراط: 176]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وأشربوا في قلوبهم العجل} أي: سقوه حتى غلب عليهم حبه، يريد: حب العجل). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 31]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَأُشْرِبُوا}: غلب عليهم). [العمدة في غريب القرآن: 80]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {قل إن كانت لكم الدّار الآخرة عند اللّه خالصةً مّن دون النّاس فتمنّوا الموت...}
يقول: إن كان الأمر على ما تقولون من أن الجنة لا يدخلها إلا من كان يهودياً أو نصرانيًا, {فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين} فأبوا، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والله لا يقوله أحد إلا غصّ بريقه»,
ثم إنه وصفهم, فقال: {ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياةٍ ومن الّذين أشركوا}, معناه- والله أعلم-: وأحرص من الذين أشركوا على الحياة, ومثله أن تقول: هذا أسخى النّاس, ومن هرم؛ لأن التأويل للأوّل هو أسخى من الناس, ومن هرم؛
ثمّ إنه وصف المجوس فقال: {يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ}, وذلك أن تحيتهم فيما بينهم: (زه هزار سال), فهذا تفسيره: عش ألف سنة.
وأما قوله: {قل من كان عدوّاً لّجبريل فإنّه نزّله...} يعني: القرآن، {على قلبك}: هذا أمرٌ أمر الله به محمدا صلى الله عليه وسلم، فقال: قل لهم لما قالوا عدوّنا جبريل, وأخبره الله بذلك، فقال: {قل من كان عدوّاً لّجبريل فإنّه نزّله على قلبك} يعني: قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فلو كان في هذا الموضع "على قلبي" وهو يعني محمداً صلى الله عليه وسلم لكان صواباً, ومثله في الكلام: لا تقل للقوم إن الخير عندي، وعندك؛ أمّا "عندك" فجاز؛ لأنه كالخطاب، وأمّا "عندي" فهو قول المتكلم بعينه, يأتي هذا من تأويل قوله: "ستغلبون" , و"سيغلبون" بالتاء والياء). [معاني القرآن: 1/ 62-63]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قل إن كانت لكم الدّار الآخرة عند اللّه خالصة من دون النّاس فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين} قيل لهم هذا لأنهم قالوا: {لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى}, وقالوا: {نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه}, فقيل لهم: إن كنتم عند أنفسكم صادقين فيما تدّعون, فتمنوا الموت، فإن من كان لا يشك في أنه صائر إلى الجنة، فالجنة عنده آثر من الدنيا، فإن كنتم صادقين, فتمنوا الأثرة والفضل.
وللنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين في هذه الآية أعظم حجة, وأظهر آية, وأدلة على الإسلام، وعلى صحة تثبيت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قال لهم: تمنّوا الموت وأعلمهم أنهم لن يتمنوه أبداً, فلم يتمنّه منهم واحد؛ لأنهم لو تمنوه لماتوا من ساعتهم، فالدليل على علمهم بأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم حق؛ أنهم كفوا عن التمني, ولم يقدم واحد منهم عليه, فيكون إقدامه دفعاً لقوله: {ولن يتمنوه أبداً}, أو يعيش بعد التمني, فيكون قد ردّ ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم, فالحمد للّه الذي أوضح الحق وبيّنه، وقمع الباطل وأزهقه). [معاني القرآن: 1/ 176-177]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {ولن يتمنّوه أبدا بما قدّمت أيديهم واللّه عليم بالظّالمين} يعني: ما قدمت من كفرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كفروا, وهم يعلمون أنه حق, وأنهم إن تمنوه ماتوا، ودليل ذلك إمساكهم عن تمنيه,
وقوله عزّ وجلّ {واللّه عليم بالظّالمين}: اللّه عزّ وجلّ عليم بالظالمين وغير الظالمين، وإنما الفائدة ههنا إنّه عليم بمجازاتهم, وهذا جرى في كلام الناس المستعمل بينهم إذا أقبل الرجل على رجل قد أتى إليه منكرا، قال: أنا أعرفك، وأنا بصير بك، تأويله: أنا أعلم ما أعاملك به، وأستعمله معك.
فالمعنى: إنه عليم بهم, وبصير بما يعملون، أي: يجازيهم عليه بالقتل في الدنيا, أو بالذلّة والمسكنة وأداء الجزية، ونصب {لن} كما تنصب (أن), وقد شرحنا نصبها فيما مضى, وذكرنا ما قاله النحويون فيه.
ونصب {أبداً} لأنه ظرف من الزمان، المعنى: لن يتمنوه في طول عمرهم إلى موتهم، وكذلك قولك: لا أكلمك أبدا، المعنى: لا أكلمك ما عشت.
ومعنى {بما قدمت أيديهم} أي: بما تقدمه أيديهم, ويصلح أن يكون: بالذي قدمته أيديهم). [معاني القرآن: 1/ 177]

تفسير قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({بمزحزحه}: بمبعده). [مجاز القرآن: 1 /48]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياةٍ ومن الّذين أشركوا يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر واللّه بصيرٌ بما يعملون}
قوله: {وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر} فهو نحو "ما زيدٌ بمزحزحه أن يعمّر", و"ما زيدٌ بضارّه أن يقوم"، فـ"أن يعمّر" في موضع رفع, وقد حسنت الباء كما تقول: "ما عبد الله بملازمه زيدٌ".
{قل من كان عدوّاً لّجبريل فإنّه نزّله على قلبك بإذن اللّه مصدّقاً لّما بين يديه وهدًى وبشرى للمؤمنين}
قوله: {من كان عدوّاً لّجبريل} ومن العرب من يقول (لجبرئيل) فيهمزون ولا يهمزون، وكذلك "إسرائيل" منهم من يهمز, ومنهم من لا يهمز، ويقولون "ميكائيل" فيهمزون, ولا يهمزون , ويقولون: {ميكال} كما قالوا: {جبريل}, وقال بعضهم: "جَبْرَئِل", ولا أعلم وجهه إلا أني قد سمعت "إسراءل", وقال بعضهم :"آسراييل" فأمال الراء, قال أبو الحسن: في "جِبْرِيل" ست لغات:
جبرآييل, وجَبْرَئيل, وجَبْرَئل, وجَبرِيل، وجِبْرِيل، وجَبْراءِل، جَبْرَاعِيل, وجَبرعيل, جَبرعِل: فَعْلِيل فِعْليل, جَبْرَاعِل). [معاني القرآن: 1/ 107]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {بمزحزحه من العذاب} فإنه يقال: زحزح عنه زحزحة وزحزاحًا، وما هو منك بزحزح). [معاني القرآن لقطرب: 327]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({بمزحزحه}: بمبعده). [غريب القرآن وتفسيره: 77]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياةٍ} يعني: اليهود.
{ومن الّذين أشركوا} يعني: المجوس, وشركهم: أنهم قالوا: بإلهين: النور والظلمة.
{يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ} أراد معنى قولهم لملوكهم في تحيتهم: «عش ألف سنة وألف نوروز».
{وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر} أي: بمباعده من العذاب طول عمره، لأن عمره ينقضي, وإن طال، ويصير إلى عذاب اللّه). [تفسير غريب القرآن: 58]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياة ومن الّذين أشركوا يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر واللّه بصير بما يعملون} يعني به علماء اليهود هؤلاء،
المعنى: أنك تجدهم في حال دعائهم إلى تمنى الموت, أحرص الناس على حياة.
ومعنى {لتجدنّهم}: لتعلمنّهم.
ومعنى {ومن الّذين أشركوا} أي: ولتجدنهم أحرص من الذين أشركوا، وهذا نهاية في التمثيل, و"الذين أشركوا" هم المجوس، ومن لا يؤمن بالبعث.
وقوله عزّ وجلّ: {يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنة} ذكرت الألف؛ لأنها نهاية ما كانت المجوس تدعو به لملوكها، كان الملك يحيّا بأن يقال: عش ألف نيروز وألف مهرجان.
يقول: فهؤلاء الذين يزعمون أن لهم الجنة، وأنّ نعيم الجنة له الفضل لا يتمنون الموت, وهم أحرص ممّن لا يؤمن بالبعث، وكذلك يجب أن يكون هؤلاء؛ لأنهم كفّار بالنبي صلى الله عليه وسلم, وهو عندهم حق، فيعلمون أنهم صائرون إلى النار لا محالة، فهم أحرص لهذه العلة، ولأنهم يعلمون أنهم لو تمنوا الموت لماتوا، لأنهم علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم حق, لولا ذلك لما أمسكوا عن التمني، لأن التمني من واحد منهم كان يثبت قولهم.
وإنما بالغنا في شرح هذه الآيات؛ لأنها نهاية في الاحتجاج في تثبيت أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله عزّ وجلّ: {وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر} هذا كناية عن {أحدهم} الذي جرى ذكره، كأنه قال: وما أحدهم بمزحزحه من العذاب تعميره،
ويصلح أن تكون "هو" كناية عما جرى ذكره من طول العمر، فيكون: وما تعميره بمزحزحه من العذاب، ثم جعل أن يعمر مبنياً عن "هو" كأنّه قال: ذلك الذي ليس بمزحزحه أن يعمر.
وقد قال قوم: إن (هو) لمجهول,
وهذا عند قوم لا يصلح في "ما" إذا جاء في خبرها الباء مع الجملة، لا يجيز البصريون: "ما هو قائماً زيد" يريدون: ما الأمر قائما زيد، و"لا كان هو قائما زيد"، يريدون: ما الأمر قائما زيد؛ و"لا كان هو قائما زيد"، يريدون: كان الأمر قائما زيد، وكذلك لا يجيزون "ما هو بقائم زيد"، يريدون: ما الأمر.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه بصير بما يعملون} شرحه تقدم في الآية التي قبل هذه.
وتقول في "يود": وددت الرجل أَودة وُدًّا أو وِدادًا ومودة وودادة،
وحكى الكسائي: ودَدْتُ الرجل,
والذي يعرفه جميع الناس وددته، ولم يحك إلا ما سمع إلا أنه سمع ممن لا يجب أن يؤخذ بلغته، لأن الإجماع على تصحيح أودّ، وأودّ لا يكون ماضيه وددت, فالإجماع يبطل وددت, أعني الإجماع في قولهم أود). [معاني القرآن: 1/ 178-179]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لو يعمر ألف سنة} وذلك من شدة حبهم للحياة، فاليهود أحرص على الحياة من هؤلاء المذكورين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 31]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بِمُزَحْزِحِهِ}: بمبعده). [العمدة في غريب القرآن: 80]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م, 09:16 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)}

قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (أعناقها مسربات في قرن
ويروى: مشربات.
...
و«المشربات»: المدخلات من قوله: {وأشربوا في قلوبهم العجل}.
...
ومن روى مسربات؛ فإنه يذهب إلى أنها تسرب في القرن وهو الحبل، أي: تذهب وتجيء، من قوله تعالى: {وسارب بالنهار}). [النوادر في اللغة: 344]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94)}

تفسير قوله تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)}

تفسير قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)}
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (و«الألف» ذكر من عدد المؤنث ومن غيره. ولو كان أنثى لقيل: ثلاث آلاف. فإذا سمعت القائل يقول: هذه ألف، فإنه جائز يذهب به إلى الدراهم لا إلى الألف). [المذكور والمؤنث: 75]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (الأصمعي: عمر يعمر عمرًا أي عاش. وعمر فلان بيته يعمره. وعمر مال فلان يعمر. والعمارة بالكسر الحي العظيم. والعمور اللحم الذي بين الأسنان. والإعمار الشيء تعمره. وأتيت الأرض فأعمرتها أي: وجدتها عامرة). [الغريب المصنف: 3/ 958]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 03:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 03:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 03:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 03:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولقد جاءكم موسى بالبيّنات ثمّ اتّخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون (92) وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطّور خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين (93) قل إن كانت لكم الدّار الآخرة عند اللّه خالصةً من دون النّاس فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين (94) ولن يتمنّوه أبداً بما قدّمت أيديهم واللّه عليمٌ بالظّالمين (95)}
البينات: التوراة والعصا وفرق البحر، وغير ذلك من آيات موسى عليه السلام.
وقوله تعالى: {ثمّ اتّخذتم}؛ تدل (ثم) على أنهم فعلوا ذلك بعد مهلة من النظر في الآيات، وذلك أعظم في دينهم، وقد تقدمت قصة اتخاذهم العجل،
والضمير في قوله: {من بعده} عائد على موسى عليه السلام، أي: من بعده حين غاب عنكم في المناجاة،
ويحتمل أن يعود الضمير في {بعده} على المجيء. وهذه الآية رد عليهم في أن من آمن بما نزل عليه لا يتخذ العجل، وقد تقدم ذكر أخذ الميثاق ورفع الطور). [المحرر الوجيز: 1/ 285]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ} يعني التوراة والشرع، و{بقوّةٍ} أي: بعزم ونشاط وجد.
{واسمعوا} معناه هنا: وأطيعوا، وليس معناه الأمر بإدراك القول فقط.
وقالت طائفة من المفسرين: إنهم قالوا سمعنا وعصينا. ونطقوا بهذه الألفاظ مبالغة في التعنت والمعصية.
وقالت طائفة: ذلك مجاز ولم ينطقوا بـ(سمعنا وعصينا)، ولكن فعلهم اقتضاه، كما قال الشاعر:
امتلأ الحوض وقال قطني ....... ... ... ... ...
وهذا أيضا احتجاج عليهم في كذب قولهم: {نؤمن بما أنزل علينا} [البقرة: 91]،
وقوله تعالى: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم} التقدير: حب العجل، والمعنى: جعلت قلوبهم تشربه، وهذا تشبيه ومجاز، عبارة عن تمكن أمر العجل في قلوبهم،
وقال قوم: إن معنى قوله: {وأشربوا في قلوبهم العجل}: شربهم الماء الذي ألقى فيه موسى برادة العجل، وذلك أنه برده بالمبرد ورماه في الماء، وقيل لبني إسرائيل: اشربوا من ذلك الماء فشرب جميعهم، فمن كان يحب العجل خرجت برادة الذهب على شفتيه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول يرده قوله تعالى: {في قلوبهم}،
وروي أن الذين تبين فيهم حب العجل أصابهم من ذلك الماء الجبن،
وقوله تعالى: {بكفرهم} يحتمل أن تكون باء السبب، ويحتمل أن تكون بمعنى مع،
وقوله تعالى: {قل بئسما} الآية، أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم بأنه بئس هذه الأشياء التي فعلتم وأمركم بها إيمانكم الذي زعمتم في قولكم: {نؤمن بما أنزل علينا} [البقرة: 91]،
- و«ما» في موضع رفع، والتقدير: بئس الشيء قتل واتخاذ عجل وقول سمعنا وعصينا،
- ويجوز أن تكون «ما» في موضع نصب، و(إن كنتم مؤمنين) شرط. وقد يأتي الشرط والشارط يعلم أن الأمر على أحد الجهتين، كما قال الله تعالى عن عيسى عليه السلام: {إن كنت قلته فقد علمته} [المائدة: 116]، وقد علم عيسى عليه السلام أنه لم يقله، وكذلك: {إن كنتم مؤمنين}، والقائل يعلم أنهم غير مؤمنين، لكنه إقامة حجة بقياس بيّن،
- وقال قوم: (إن) هنا نافية بمنزلة «ما» كالتي تقدمت،
وقرأ الحسن ومسلم بن جندب: «يأمركم بهو إيمانكم» برفع الهاء). [المحرر الوجيز: 1/ 285-287]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قل إن كانت لكم الدّار الآخرة} الآية، أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم، والمعنى: إن كان لكم نعيمها وحظوتها وخيرها فذلك يقتضي حرصكم على الوصول إليها فتمنّوا الموت،
و(الدّار) اسم (كانت)، و(خالصةً) خبرها، ويجوز أن يكون نصب (خالصةً) على الحال، و(عند اللّه) خبر كان،
و(من دون النّاس): يحتمل أن يراد بـ(النّاس): محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعه،
ويحتمل أن يراد العموم التام وهو قول اليهود فيما حفظ عنهم،
وقرأ ابن أبي إسحاق بكسر الواو من «تمنوا» للالتقاء، وحكى الأهوازي عن أبي عمرو أنه قرأ «تمنوا الموت» بفتح الواو، وحكي عن غيره اختلاس الحركة في الرفع، وقراءة الجماعة بضم الواو.
وهذه آية بينة أعطاها الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم لأن اليهود قالت: نحن أبناء الله وأحباؤه، وشبه ذلك من القول، فأمر الله نبيه أن يدعوهم إلى تمني الموت، وأن يعلمهم أنه من تمناه منهم مات، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فعلم اليهود صدقه، فأحجموا عن تمنيه، فرقا من الله لقبح أعمالهم ومعرفتهم بكذبهم في قولهم: نحن أبناء الله وأحباؤه، وحرصا منهم على الحياة.
- وقيل: إن الله تعالى منعهم من التمني وقصرهم على الإمساك عنه، لتظهر الآية لنبيه صلى الله عليه وسلم.
والمراد بقوله: «تمنوا» أريدوه بقلوبكم واسألوه، هذا قول جماعة من المفسرين،
- وقال ابن عباس: «المراد فيه السؤال فقط وإن لم يكن بالقلب»،
- وقال أيضا هو وغيره: «إنما أمروا بالدعاء بالموت على أردأ الحزبين من المؤمنين أو منهم»،
وذكر المهدوي وغيره أن هذه الآية كانت مدة حياة النبي صلى الله عليه وسلم وارتفعت بموته.
- والصحيح أن هذه النازلة من موت من تمنى الموت إنما كانت أياما كثيرة عند نزول الآية، وهي بمنزلة دعائه النصارى من أهل نجران إلى المباهلة،
- وقالت فرقة: إن سبب هذا الدعاء إلى تمني الموت أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد به هلاك الفريق المكذب أو قطع حجتهم، لا أن علته قولهم نحن أبناء الله). [المحرر الوجيز: 1/ 287-288]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أخبر تعالى عنهم بعجزهم وأنهم لا يتمنونه، و(أبداً) ظرف زمان،
وإذا كانت «ما» بمعنى (الذي) فتحتاج إلى عائد تقديره: قدمته، وإذا كانت مع (قدمت) بمثابة المصدر غنيت عن الضمير، هذا قول سيبويه،
والأخفش يرى الضمير في المصدرية،
وأضاف ذنوبهم واجترامهم إلى الأيدي وأسند تقديمها إليها إذ الأكثر من كسب العبد الخير والشر إنما هو بيديه، فحمل جميع الأشياء على ذلك.
وقوله تعالى: {واللّه عليمٌ بالظّالمين} ظاهرها الخبر ومضمنها الوعيد، لأن الله عليم بالظالمين وغيرهم، ففائدة تخصيصهم حصول الوعيد). [المحرر الوجيز: 1/ 289]

تفسير قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياةٍ ومن الّذين أشركوا يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر واللّه بصيرٌ بما يعملون (96) قل من كان عدوًّا لجبريل فإنّه نزّله على قلبك بإذن اللّه مصدّقاً لما بين يديه وهدىً وبشرى للمؤمنين (97) من كان عدوًّا للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنّ اللّه عدوٌّ للكافرين (98) ولقد أنزلنا إليك آياتٍ بيّناتٍ وما يكفر بها إلاّ الفاسقون (99)}
«وجد» في هذا المعنى تتعدى إلى مفعولين لأنها من أفعال النفس، ولذلك صح تعديها إلى ضمير المتكلم في قول الشاعر:
تلفّت نحو الحيّ حتّى وجدتني ....... وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الضب: «إنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه»، وحرصهم على الحياة لمعرفتهم بذنوبهم وأن لا خير لهم عند الله تعالى.
وقوله تعالى: {ومن الّذين أشركوا}؛
- قيل: المعنى وأحرص من الذين أشركوا، لأن مشركي العرب لا يعرفون إلا هذه الحياة الدنيا، ألا ترى إلى قول امرئ القيس:
تمتّع من الدنيا فإنك فان
والضمير في (أحدهم) يعود في هذا القول على اليهود،
- وقيل: إن الكلام تم في قوله: {حياةٍ}، ثم استؤنف الإخبار عن طائفة من المشركين أنهم يودّ أحدهم وهي المجوس، لأن تشميتهم للعاطس لفظ بلغتهم معناه «عش ألف سنة» فكأن الكلام: ومن المشركين قوم يودّ أحدهم، وفي هذا القول تشبيه بني إسرائيل بهذه الفرقة من المشركين، وقصد «الألف» بالذكر لأنها نهاية العقد في الحساب.
وقوله تعالى: {وما هو بمزحزحه} اختلف النحاة في (هو)،
- فقيل: هو ضمير الأحد المتقدم الذكر، فالتقدير: وما أحدهم بمزحزحه، وخبر الابتداء في المجرور، و(أن يعمّر) فاعل بمزحزح،
- وقالت فرقة: هو ضمير التعمير، والتقدير: وما التعمير بمزحزحه والخبر في المجرور، و(أن يعمّر) بدل من التعمير في هذا القول،
- وقالت فرقة: هو ضمير الأمر والشأن، وقد رد هذا القول بما حفظ عن النحاة من أن الأمر والشأن إنما يفسر بجملة سالمة من حرف جر، وقد جوز أبو علي ذلك في بعض مسائله الحلبيات،
- وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت: هو عماد،
- وقيل: (ما) عاملة حجازية، و(هو) اسمها، والخبر في (بمزحزحه)،
والزحزحة: الإبعاد والتنحية.
وفي قوله: {واللّه بصيرٌ بما يعملون} وعيد، والجمهور على قراءة «يعملون» بالياء من أسفل، وقرأ قتادة والأعرج ويعقوب «تعملون» بالتاء من فوق، وهذا على الرجوع إلى خطاب المتوعدين من بني إسرائيل). [المحرر الوجيز: 1/ 289-291]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 03:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 03:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولقد جاءكم موسى بالبيّنات} أي: بالآيات الواضحات والدّلائل القاطعة على أنّه رسول اللّه، وأنّه لا إله إلّا اللّه.
والبيّنات هي: الطّوفان، والجراد، والقمّل، والضّفادع، والدّم، والعصا، واليد، وفلق البحر، وتظليلهم بالغمام، والمنّ والسّلوى، والحجر، وغير ذلك من الآيات التي شاهدوها.
{ثمّ اتّخذتم العجل} أي: معبودًا من دون اللّه في زمان موسى وآياته.
وقوله: {من بعده} أي: من بعد ما ذهب عنكم إلى الطّور لمناجاة اللّه كما قال تعالى: {واتّخذ قوم موسى من بعده من حليّهم عجلا جسدًا له خوارٌ} [الأعراف: 148]،
{وأنتم ظالمون} [أي: وأنتم ظالمون] في هذا الصّنيع الذي صنعتموه من عبادتكم العجل، وأنتم تعلمون أنّه لا إله إلّا اللّه، كما قال تعالى: {ولمّا سقط في أيديهم ورأوا أنّهم قد ضلّوا قالوا لئن لم يرحمنا ربّنا ويغفر لنا لنكوننّ من الخاسرين} [الأعراف: 149]). [تفسير ابن كثير: 1/ 329]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطّور خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين (93)}
يعدّد -تبارك وتعالى- عليهم خطأهم ومخالفتهم للميثاق وعتوّهم وإعراضهم عنه، حتّى رفع الطّور عليهم حتّى قبلوه ثمّ خالفوه؛ ولهذا قال: {قالوا سمعنا وعصينا} وقد تقدّم تفسير ذلك.
{وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم} قال عبد الرّزّاق، عن معمر، عن قتادة: {وأشربوا في قلوبهم العجل [بكفرهم]} قال: «أشربوا [في قلوبهم] حبّه، حتّى خلص ذلك إلى قلوبهم». وكذا قال أبو العالية، والرّبيع بن أنسٍ.
- وقال الإمام أحمد: حدّثنا عصام بن خالدٍ، حدّثني أبو بكر بن عبد اللّه بن أبي مريم الغسّانيّ، عن خالد بن محمّدٍ الثّقفيّ، عن بلال بن أبي الدّرداء، عن أبي الدّرداء، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «حبّك الشّيء يعمي ويصم».
ورواه أبو داود عن حيوة بن شريحٍ عن بقيّة، عن أبي بكر بن عبد اللّه بن أبي مريم، به.
- وقال السّدّيّ: «أخذ موسى -عليه السّلام- العجل فذبحه ثمّ حرقه بالمبرد، ثمّ ذرّاه في البحر، فلم يبق بحرٌ يجري يومئذٍ إلّا وقع فيه شيءٌ منه، ثمّ قال لهم موسى: اشربوا منه. فشربوا، فمن كان يحبّه خرج على شاربيه الذّهب. فذلك حين يقول اللّه تعالى: {وأشربوا في قلوبهم العجل}».
- وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، حدّثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن عمارة بن عبدٍ وأبي عبد الرّحمن السّلميّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ، قال: «عمد موسى إلى العجل، فوضع عليه المبارد، فبرده بها، وهو على شاطئ نهرٍ، فما شرب أحدٌ من ذلك الماء ممّن كان يعبد العجل إلّا اصفرّ وجهه مثل الذّهب».
- وقال سعيد بن جبيرٍ: {وأشربوا في قلوبهم العجل} قال: «لمّا أحرق العجل برد ثمّ نسف، فحسوا الماء حتّى عادت وجوههم كالزّعفران».
- وحكى القرطبيّ عن كتاب القشيريّ: أنّه ما شرب منه أحدٌ ممّن عبد العجل إلّا جنّ، [ثمّ قال القرطبيّ] وهذا شيءٌ غير ما هاهنا؛ لأنّ المقصود من هذا السّياق، أنّه ظهر النّقير على شفاههم ووجوههم، والمذكور هاهنا: أنّهم أشربوا في قلوبهم حبّ العجل، يعني: في حال عبادتهم له، ثمّ أنشد قول النّابغة في زوجته عثمة:
تغلغل حبّ عثمة في فؤادي ....... فباديه مع الخافي يسير
تغلغل حيث لم يبلغ شرابٌ ....... ولا حزنٌ ولم يبلغ سرور
أكاد إذا ذكرت العهد منها ....... أطير لو انّ إنسانًا يطير
وقوله: {قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين} أي: بئسما تعتمدونه في قديم الدّهر وحديثه، من كفركم بآيات اللّه ومخالفتكم الأنبياء، ثمّ اعتمادكم في كفركم بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم -وهذا أكبر ذنوبكم، وأشدّ الأمور عليكم- إذ كفرتم بخاتم الرّسل وسيّد الأنبياء والمرسلين المبعوث إلى النّاس أجمعين، فكيف تدّعون لأنفسكم الإيمان وقد فعلتم هذه الأفاعيل القبيحة، من نقضكم المواثيق، وكفركم بآيات الله، وعبادتكم العجل؟). [تفسير ابن كثير: 1 /329-330]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل إن كانت لكم الدّار الآخرة عند اللّه خالصةً من دون النّاس فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين (94) ولن يتمنّوه أبدًا بما قدّمت أيديهم واللّه عليمٌ بالظّالمين (95) ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياةٍ ومن الّذين أشركوا يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر واللّه بصيرٌ بما يعملون (96)}
- قال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «يقول اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل إن كانت لكم الدّار الآخرة عند اللّه خالصةً من دون النّاس فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين} أي: ادعوا بالموت على أيّ الفريقين أكذب. فأبوا ذلك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم {ولن يتمنّوه أبدًا بما قدّمت أيديهم واللّه عليمٌ بالظّالمين} أي: بعلمهم بما عندهم من العلم بك، والكفر بذلك، ولو تمنّوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على الأرض يهوديٌّ إلّا مات».
- وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «{فتمنّوا الموت} فسلوا الموت».
- وقال عبد الرّزّاق، عن معمر، عن عبد الكريم الجزريّ، عن عكرمة، قوله: {فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين} قال: قال ابن عبّاسٍ: «لو تمنّى اليهود الموت لماتوا».
- وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عليّ بن محمّدٍ الطّنافسي، حدّثنا عثّامٌ، سمعت الأعمش -قال: لا أظنّه إلّا عن المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ- عن ابن عباس، قال: «لو تمنّوا الموت لشرق أحدهم بريقه».
وهذه أسانيد صحيحةٌ إلى ابن عبّاسٍ.
- وقال ابن جريرٍ في تفسيره: وبلغنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لو أنّ اليهود تمنّوا الموت لماتوا. ولرأوا مقاعدهم من النّار. ولو خرج الّذين يباهلون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لرجعوا لا يجدون أهلًا ولا مالًا». حدّثنا بذلك أبو كريب، حدّثنا زكريّا بن عديٍّ، حدّثنا عبيد اللّه بن عمرٍو، عن عبد الكريم، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ورواه الإمام أحمد عن إسماعيل بن يزيد الرّقّيّ [أبي يزيد] حدّثنا فراتٌ، عن عبد الكريم، به.
- وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الحسن بن أحمد [قال]: حدّثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشار، حدّثنا سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، قال: «قول اللّه ما كانوا ليتمنّوه بما قدّمت أيديهم». قلت: أرأيتك لو أنّهم أحبّوا الموت حين قيل لهم: تمنّوا، أتراهم كانوا ميّتين؟ قال: «لا واللّه ما كانوا ليموتوا ولو تمنّوا الموت، وما كانوا ليتمنّوه، وقد قال اللّه ما سمعت: {ولن يتمنّوه أبدًا بما قدّمت أيديهم واللّه عليمٌ بالظّالمين}»،وهذا غريبٌ عن الحسن.
ثمّ هذا الذي فسّر به ابن عبّاسٍ الآية هو المتعيّن، وهو الدّعاء على أيّ الفريقين أكذب منهم أو من المسلمين على وجه المباهلة، ونقله ابن جريرٍ عن قتادة، وأبي العالية، والرّبيع بن أنسٍ، رحمهم اللّه.
ونظير هذه الآية قوله تعالى في سورة الجمعة: {قل يا أيّها الّذين هادوا إن زعمتم أنّكم أولياء للّه من دون النّاس فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين* ولا يتمنّونه أبدًا بما قدّمت أيديهم واللّه عليمٌ بالظّالمين* قل إنّ الموت الّذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم ثمّ تردّون إلى عالم الغيب والشّهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون} [الجمعة: 6-8] فهم -عليهم لعائن اللّه- لمّا زعموا أنّهم أبناء اللّه وأحبّاؤه، وقالوا: لن يدخل الجنّة إلّا من كان هودًا أو نصارى، دعوا إلى المباهلة والدّعاء على أكذب الطّائفتين منهم، أو من المسلمين. فلمّا نكلوا عن ذلك علم كلّ أحدٍ أنّهم ظالمون؛ لأنّهم لو كانوا جازمين بما هم فيه لكانوا أقدموا على ذلك، فلمّا تأخّروا علم كذبهم.
وهذا كما دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وفد نجران من النّصارى بعد قيام الحجّة عليهم في المناظرة، وعتوّهم وعنادهم إلى المباهلة، فقال تعالى: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين} [آل عمران: 61] فلمّا رأوا ذلك قال بعض القوم لبعضٍ: واللّه لئن باهلتم هذا النّبيّ لا يبقى منكم عينٌ تطرف. فعند ذلك جنحوا للسّلم وبذلوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، فضربها عليهم. وبعث معهم أبا عبيدة بن الجرّاح، رضي اللّه عنه، أمينًا.
ومثل هذا المعنى أو قريبٌ منه قوله تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقول للمشركين: {قل من كان في الضّلالة فليمدد له الرّحمن مدًّا} [مريم: 75]، أي: من كان في الضّلالة منّا أو منكم، فزاده اللّه ممّا هو فيه ومدّ له، واستدرجه، كما سيأتي تقريره في موضعه، إن شاء اللّه.
فأمّا من فسّر الآية على معنى: {قل إن كانت لكم الدّار الآخرة عند اللّه خالصةً من دون النّاس فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين} أي: إن كنتم صادقين في دعواكم، فتمنّوا الآن الموت. ولم يتعرّض هؤلاء للمباهلة كما قرّره طائفةٌ من المتكلّمين وغيرهم، ومال إليه ابن جريرٍ بعد ما قارب القول الأوّل؛ فإنّه قال: القول في تفسير قوله تعالى: {قل إن كانت لكم الدّار الآخرة عند اللّه خالصةً من دون النّاس فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين} وهذه الآية ممّا احتجّ اللّه به لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم على اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجره، وفضح بها أحبارهم وعلماءهم؛ وذلك أنّ اللّه تعالى أمر نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى قضيّةٍ عادلةٍ بينه وبينهم، فيما كان بينه وبينهم من الخلاف، كما أمره أن يدعو الفريق الآخر من النّصارى إذا خالفوه في عيسى ابن مريم -عليه السّلام- وجادلوه فيه، إلى فاصلةٍ بينه وبينهم من المباهلة. فقال لفريقٍ [من] اليهود: إن كنتم محقّين فتمنّوا الموت، فإنّ ذلك غير ضارٍّ بكم إن كنتم محقّين فيما تدّعون من الإيمان وقرب المنزلة من اللّه، بل أعطيكم أمنيتكم من الموت إذا تمنّيتم، فإنّما تصيرون إلى الرّاحة من تعب الدّنيا ونصبها وكدر عيشها، والفوز بجوار اللّه في جنّاته إن كان الأمر كما تزعمون: من أنّ الدّار الآخرة لكم خالصةً دوننا. وإن لم تعطوها علم النّاس أنّكم المبطلون ونحن المحقّون في دعوانا، وانكشف أمرنا وأمركم لهم فامتنعت اليهود من الإجابة إلى ذلك لعلمها أنّها إن تمنّت الموت هلكت، فذهبت دنياها وصارت إلى خزي الأبد في آخرتها، كما امتنع فريقٌ [من] النّصارى.
فهذا الكلام منه أوّله حسنٌ، وأمّا آخره فيه نظرٌ؛ وذلك أنّه لا تظهر الحجّة عليهم على هذا التّأويل، إذ يقال: إنّه لا يلزم من كونهم يعتقدون أنّهم صادقون في دعواهم أنّهم يتمنوا الموت فإنّه لا ملازمة بين وجود الصّلاح وتمنّي الموت، وكم من صالحٍ لا يتمنّى الموت، بل يودّ أن يعمّر ليزداد خيرًا وترتفع درجته في الجنّة، كما جاء في الحديث: «خيركم من طال عمره وحسن عمله». [وجاء في الصّحيح النّهي عن تمنّي الموت، وفي بعض ألفاظه: «لا يتمنّين أحدكم الموت لضرٍّ نزل به إمّا محسنًا فلعلّه أن يزداد، وإمّا مسيئًا فلعلّه أن يستعتب»]. ولهم مع ذلك أن يقولوا على هذا: فها أنتم تعتقدون -أيّها المسلمون- أنّكم أصحاب الجنّة، وأنتم لا تتمنّون في حال الصّحّة الموت؛ فكيف تلزمونا بما لا نلزمكم؟
وهذا كلّه إنّما نشأ من تفسير الآية على هذا المعنى، فأمّا على تفسير ابن عبّاسٍ فلا يلزم عليه شيءٌ من ذلك، بل قيل لهم كلامٌ نصف: إن كنتم تعتقدون أنّكم أولياء اللّه من دون النّاس، وأنّكم أبناء اللّه وأحبّاؤه، وأنّكم من أهل الجنّة ومن عداكم [من] أهل النّار، فباهلوا على ذلك وادعوا على الكاذبين منكم أو من غيركم، واعلموا أنّ المباهلة تستأصل الكاذب لا محالة. فلمّا تيقّنوا ذلك وعرفوا صدقه نكلوا عن المباهلة لما يعلمون من كذبهم وافترائهم وكتمانهم الحقّ من صفة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم ونعته، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ويتحقّقونه. فعلم كلّ أحدٍ باطلهم، وخزيهم، وضلالهم وعنادهم -عليهم لعائن اللّه المتتابعة إلى يوم القيامة.
[وسمّيت هذه المباهلة تمنّيًا؛ لأنّ كلّ محقٍّ يودّ لو أهلك اللّه المبطل المناظر له ولا سيّما إذا كان في ذلك حجّةً له فيها بيان حقّه وظهوره، وكانت المباهلة بالموت؛ لأنّ الحياة عندهم عزيزةٌ عظيمةٌ لما يعلمون من سوء مآلهم بعد الموت].
ولهذا قال تعالى: {ولن يتمنّوه أبدًا بما قدّمت أيديهم واللّه عليمٌ بالظّالمين* ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياةٍ}). [تفسير ابن كثير: 1/ 331-334]

تفسير قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياةٍ} أي: [أحرص الخلق على حياةٍ، أي]: على طول عمر، لما يعلمون من مآلهم السّيّئ وعاقبتهم عند اللّه الخاسرة؛ لأنّ الدّنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، فهم يودّون لو تأخّروا عن مقام الآخرة بكلّ ما أمكنهم. وما يحذرون واقعٌ بهم لا محالة، حتّى وهم أحرص [النّاس] من المشركين الّذين لا كتاب لهم. وهذا من باب عطف الخاصّ على العامّ.
- قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن سنانٍ، حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن الأعمش، عن مسلمٍ البطين، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ومن الّذين أشركوا} قال: «الأعاجم».
ورواه الحاكم في مستدركه من حديث الثّوريّ، وقال: صحيحٌ على شرطهما، ولم يخرّجاه. قال: وقد اتّفقا على سند تفسير الصّحابيّ. - وقال الحسن البصريّ: {ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياةٍ} قال: «المنافق أحرص النّاس على حياةٍ، وهو أحرص على الحياة من المشرك {يودّ أحدهم} أي: أحد اليهود، كما يدلّ عليه نظم السّياق».
- وقال أبو العالية: «{يودّ أحدهم} يعني: المجوس، وهو يرجع إلى الأوّل».
- {لو يعمّر ألف سنةٍ} قال الأعمش، عن مسلمٍ البطين، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباس: {يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ} قال: «هو كقول الفارسيّ: "زه هزارسال" يقول: عشرة آلاف سنةٍ». وكذا روي عن سعيد بن جبيرٍ نفسه أيضًا.
- وقال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ قال: سمعت أبي يقول: حدّثنا أبو حمزة، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله تعالى: {يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ} قال:«هو ؟ الأعاجم: "هزارسال نوروزر مهرجان"».
- وقال مجاهدٌ: {يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ} قال: «حبّبت إليهم الخطيئة طول العمر».
- وقال محمّد بن إسحاق، عن محمّدٍ، عن سعيدٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر} أي: ما هو بمنجيه من العذاب. وذلك أنّ المشرك لا يرجو بعثًا بعد الموت، فهو يحبّ طول الحياة وأنّ اليهوديّ قد عرف ما له في الآخرة من الخزي بما صنع بما عنده من العلم».
- وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر} قال: «هم الّذين عادوا جبريل».
- وقال أبو العالية وابن عمر: «فما ذاك بمغيثه من العذاب ولا منجيه منه».
- وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم [في هذه الآية]: «يهود أحرص على [هذه] الحياة من هؤلاء، وقد ودّ هؤلاء أن يعمّر أحدهم ألف سنةٍ، وليس ذلك بمزحزحه من العذاب لو عمّر، كما عمّر إبليس لم ينفعه إذ كان كافرًا».
{واللّه بصيرٌ بما يعملون} أي: خبيرٌ بما يعمل عباده من خيرٍ وشرٍّ، وسيجازي كلّ عاملٍ بعمله). [تفسير ابن كثير: 1/ 334-335]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:53 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة