التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]
تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا بابٌ من أبواب إن
تقول قال عمرو إن زيدا خيرٌ منك وذلك لأنك أردت أن تحكي قوله ولا يجوز أن تعمل قال في إن كما لا يجوز لك أن تعملها في زيد وأشباهه إذا قلت قال زيدٌ عمروٌ خير الناس فأن لا تعمل فيها قال كما لا تعمل قال فيما تعمل فيه أن لأن أن تجعل الكلام شأنا وأنت لا تقول قال الشأن متفاقماً كما تقول زعم الشأن متفاقماً فهذه الأشياء بعد قال حكايةٌ.
ومثل ذلك: {وإذا قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}.
وقال أيضا: {قال الله إني منزلها عليكم} وكذلك جميع ما جاء من ذا في القرآن). [الكتاب: 3 / 142]
تفسير قوله تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (وقالوا: رجل بين الرُّجلة، والرُّجولة، والرُّجلية.
ثم هو: كهل بين الاكتهال، وامرأة كهلة، قال الراجز:
أمارس الكهلة والصبيا
والعزب المنفة الأميا.
ثم: المرأة عوان للنصف، وقد عونت المرأة تعوينا: صارت عوانا.
ثم: شيخ بين الشَّيِخ، والشِّياخ، والشَّيخوخة.
وحكي عن ابن مسعود: الشيخ والشيخة للعجوز وقال عبيد:
باتت على إرم رابئة كأنها شيخة رقوب
). [الفرق في اللغة: 96]
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (والمشب من الثيران: الذكر المسن، وهو أيضا: الشبب، والقهب، والهبرج: الشبوب.
وقال بعضهم: المشب: الشاب منها، وقال أبو خراش:
بموركتين من صلوى مشب مـن الثيـران عقدهمـا جميـل
والفارض: الهَرَمة أيضا، وقالوا: الفارض: الفطيمة، وقالوا: قد فَرَضَت تفرض فروضا، وفَرُضت لغتان، وقال الراجز:
لها رجاج ولهاة فارض
خدلاء كالوطب نحاه الماخض
وقال خفاف بن ندبة:
لعمري قد أعطيت ضيفك فارضا تـسـاق إلـيـه مــا تـقــوم عـلــى رِجْـــل
). [الفرق في اللغة: 110-111]
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وقالوا بقرة فارض من بقر فوارض وهي السمينة، وبقرة عوان من بقر عُون، وهي التي نتجت بعد بطنها البكر. ويقال أعوان بقرتكم أم بكر. يقول أنتجتموها بعد البطن الأول شيئا). [النوادر في اللغة: 539]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وأمر مصعب بن الزبير رجلاً من بني أسد بن خزيمة بقتل مرة بن محكان السعدي، فقال مرة في ذلك:
بــنــي أســــد إن تقـتـلـونـي تـحــاربــوا تميمًا إذا الحرب العوان اشمعلت
ولـســت وإن كـانــت إلــــي حـبـيـبـةً بـبــاكٍ عـلــى الـدنـيـا إذا مـــا تــولــت
قوله: "إذا الحرب العوان" فهي التي تكون بعد حربٍ قد كانت قبلها، وكذلك أصل العوان في المرأة إنما هي التي قد تزوجت، ثم عاودت فخرجت عن حد البكر، وقول الله عز وجل في كتابه العزيز: {لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} هو تمام الكلام، ثم استأنف فقال: {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} والفارض ههنا: المسنة، والبكر الصغيرة، ويقال: لهاةٌ فارضٌ أي واسعة، وفرض القوس موضع معقد الوتر، وكل حز فرضٌ، والفرضة متطرقٌ إلى النهر، قال الراجز:
لها زجاجٌ ولهاة فارض
). [الكامل: 1 / 257]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( ومن الأضداد أيضا الفارض والفوارض؛ يقال: الفارض للبقر العظام اللاتي لسن بصغار ولا مراض. ويقال الفارض للمراض، وقد يقال: فارض لغير البقر، قال أبو محمد الفقعسي:
لـــــــه زجــــــــاج ولــــهــــاة فــــــــارض هدلاء كالوطب نحاه الماخض
وقال الله عز وجل: {إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك}، أراد بالفارض المسنة، وبالبكر الصغيرة، وبالعوان التي هي بين الصغيرة والكبيرة، قال الشاعر:
لعمري لقد أعطيت ضيفك فارضا تـســاق إلـيــه لا تـقــوم عــلــى رجــــل
ولـــم تـعـطـه بـكــرا فـيـرضـى سمـيـنـة فـكـيـف يـجــازي بالعـطـيـة والــبــذل
ويقال: امرأة عوان، إذا كانت ثيبا، وحرب عوان، إذا قوتل فيها مرة بعد مرة، وحاجة عوان إذا طلبت مرة بعد مرة، قال الشاعر:
قعودا لدى الأبواب طـلاب حاجـة عوان من الحاجات أو حاجة بكرا
وقال آخر، وهو قيس بن الخطيم:
فهلا لدى الحرب العوان صبرتم لوقعتنـا والبـأس صعـب المـراكـب
وقال كعب بن مالك:
فــلا وأبـيـك الخـيـر مــا بـيـن واســط إلـى ركـن سلـع مـن عـوان ولا بـكـر
أحـب إلـى كـعـب حديـثـا ومجلـسـا من اخت بني النجار لو أنها تدري
وحكى المعنيين الأولين في الفوارض قطرب). [كتاب الأضداد: 376-377]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (والعون: جمع عوان وهي الثيب، يقال للحرب: عوان إذا كان قد قوتل فيها مرة بعد مرة). [الأمالي: 1 / 97]
تفسير قوله تعالى: (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) )
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (وقالوا في تفسير قوله تعالى: {بقرة صفراء}، أي: سوداء). [الأضداد: 147]
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (
تبين في عينيك من حمرة استها بــروق ومصـفـر مــن الـلــون فـاقــع
...
والفاقع الشديد الصفرة من قوله تعالى: {صفراء فاقع لونها} ). [نقائض جرير والفرزدق: 691]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ومما يشبه الأضداد الأصفر؛ يقع على الأصفر، وربما أوقعته العرب على الأسود، قال الله عز وجل: {صفراء فاقع لونها}، فقال بعض المفسرين: هي صفراء، حتى ظلفها وقرنها أصفران. وقال آخرون: الصفراء السوداء. وقال جل اسمه: {كأنه جمالة صفر}، فقال عدة من المفسرين: الصفر: السود. وقال الفراء: إنما قالت العرب للجمل الأسود: أصفر؛ لأن سواده تعلوه صفرة، فسموه أصفر، كما قالوا للظبي الأبيض: آدم، لأن بياضه تعلوه ظلمة.
وأخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا يوسف القطان، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، قال: حدثنا إسماعيل بن مسلم، عن الحسن في قوله: {كأنه جمالة صفر} قال: الصفر: السود. وأنشد أبو عبيد للأعشى:
تلك خيلي منة وتل ركابيهن صفر ألوانهـا كالزبيـب
أراد: هن سود، والذين فسروا قوله جل وعز: {صفراء فاقع لونها}، فقالوا: هي صفراء فاقع لونها، احتجوا بقوله: جل وعز: {فاقع}، فقالوا: الفقوع خلوص الصفرة، فكيف توصف بهذا وهي سوداء! واحتج عليهم أصحاب القول الآخر بأن الفقوع قد توصف به الصفرة والبياض والسواد، فيقال: أصفر فاقع، وأسود فاقع، وأبيض فاقع، وأخضر فاقع. قال محمد بن الحكم، عن أبي الحسن اللحياني: يقال في الألوان كلها فاقع وناصع، خالص.
وقال غيره: يقال: أسود فاحم، وحلبوب، ودجوجي، وخداري، وغربيب، وحالك، وحانك. ومثل حلك الغراب، وحنكه؛ فحلكه: سواده، وحنكه: منقاره. ويقال: أسود حلكوك ومحلولك، وسحكوك ومسحنكك، قال الراجز:
تضحك مني شيخة ضحوك واستـنـوكـت وللـشـبـاب نـــوك
). [كتاب الأضداد: 160-161]
تفسير قوله تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) }
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
يطرحن سخل الخيل في كل منزلٍ تــبـــيـــن مــــنـــــه شـــقـــرهـــا وورادهـــــــــا
ويروى: تبين منه فمن رفع أراد تتبين وهو كما قرئ: {إن البقر تشابهَ علينا} وتشابهُ: من نصب ذكر البقر ومن رفه أنث البقر وهي لغة أهل الحجاز (تقرأ تشابهُ علينا ولا يجوز في هذا نصب الهاء) ). [شرح المفضليات: 745]
تفسير قوله تعالى: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) }
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (
ألــذ وأشـفـى للـفـؤاد مــن الـجـوى وأغيظ للواشين منه ذوي المحل
الواشي المبلغ الكلام يريد به الشر يقول العرب وشى بينهم يشي وشاية ووشى الثوب يشيه وشيا ووشية حسنة قال أبو عبد الله لا يقال وشى حتى يزينه ويغيره عن حاله والمحل التبليغ والتحريش بالنميمة قال أبو عبد الله: يقال نَمّ الحديث ينمه إذا حكاه فإذا غيره ولونه قيل وشى ومن هذا الوشي في الثوب من التلوين وقوله عز وجل: {لا شية فيها} أي لون فيها غير الصفرة ). [نقائض جرير والفرزدق: 160]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والذل ضد الصعوبة يقال دابة ذلول بين الذل إذا لم يكن صعبا والذل ضد العز يقال رجل ذليل بين الذل والذلة والمذلة). [إصلاح المنطق: 33]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
غيـارا وإشماسـا ومـا كـان مقفلـي ولكن حمى ذل الطريق المراهب
...
ويقال: (ذلول بين الذِّل). (وذليل بين الذُّل والذِّلَّة والذَّلالة) إذا كان ضعيفا، والأول إذا كان سهلا لينا. رجع إلى قول الأصمعي قال: (ذِلُّ الطريق) سهولته). [شرح أشعار الهذليين: 1/456]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (وأخفيت حرف من الأضداد؛ يقال: أخفيت الشيء، إذا سترته، وأخفيته إذا أظهرته، قال الله عز وجل: {إن الساعة آتية أكاد أخفيها}، فمعناه أكاد أسترها، وفي قراءة أبي: (أكاد أخفيها من نفسي
فكيف أطلعكم عليها)، فتأويل (من نفسي) (من قبلي) و(من غيبي)، كما قال: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك}، ويقال: معنى الآية: إن الساعة آتية أكاد أظهرها. ويقال: خفيت الشيء، إذا أظهرته.
ولا يقع هذا –أعني الذي لا ألف فيه- على الستر والتغطية.
قال الفراء: حدثنا الكسائي، عن محمد بن سهل، عن وقاء، عن سعيد بن جبير أنه قرأ: (أكاد أَخْفيها) فمعنى (أخفيها) أظهرها. وقال عبدة بن الطبيب يذكر ثورا يحفر كناسا، ويستخرج ترابه فيظهره:
يخفـي التـراب بأظـلاف ثمانـيـة في أربع مسهن الأرض تحليل
أراد يظهر التراب. وقال الكندي:
فإن تدفنـوا الـداء لا نخفـه وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
أراد لا نظهره، وقال النابغة:
يـخـفـي بـأظـلافـه حــتــى إذا بـلـغــت يبس الكثيب تدانى الترب وانهدما
أراد يظهر.
قال أبو بكر: يجوز أن يكون معنى الآية: إن الساعة آتية أكاد آتي بها؛ فحذف (آتي) لبيان معناه، ثم
ابتدأ فقال: (أخفيها لتجزى كل نفس)، قال ضابئ البرجمي:
هممت ولم أفعل وكدت وليتنـي تركت على عثمان تبكي حلائله
أراد: وكدت أقتله، فحذف ما حذف، إذ كان غير ملبس. ويجوز أن يكون المعنى: إن الساعة آتية أريد أخفيها، قال الله عز وجل: {كذلك كدنا ليوسف}، فيقال: معناه أردنا. وأنشدنا أبو علي العنزي للأفوه:
فـــــإن تـجــمــع أوتـــــاد وأعـــمـــدة وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا
معناه الذي أرادوا. وقال الآخر:
كادت وكـدت وتلـك خيـر إرادة لو عاد من لهو الصبابة ما مضى
معناه أرادت وأردت. ويجوز أن يكون معنى الآية: إن الساعة آتية أخفيها لتجزى كل نفس؛ فيكون (أكاد) مزيدا للتوكيد، قال الشاعر:
سريعا إلى الهيجاء شاك سلاحه فــمـــا إن يــكـــاد قـــرنـــه يـتـنــفــس
أراد: فما كاد قرنه. وقال أبو النجم:
وإن أتــــــاك نــعــيــي فــانــدبـــن أبـــــــا قد كاد يضطلع الأعداء والخطبا
معناه قد يضطلع. وقال الآخر:
وألا ألوم النفس فيما أصابني وألا أكاد بالـذي نلـت أبجـح
معناه: وألا أبجح بالذي نلت. وقال حسان:
وتكاد تكل أن تجـيء فراشهـا في جسم خرعبة وحسن قوام
معناه: وتكسل أن تجيء فراشها.
وقال أبو بكر: والمشهور في (كدت) مقاربة الفعل، كدت أفعل كذا وكذا: قاربت الفعل ولما أفعله. وما كدت أفعله، معناه فعلته بعد إبطاء. قال الله عز وجل: {فذبحوها وما كادوا يفعلون}، معناه فعلوا بعد إبطاء لغلائها، قال قيس بن الخطيم:
أتـعـرف رسـمـا كـاطـراد الـمـذاهـب لعمـرة وحشـا غـيـر مـوقـف راكــب
ديار التي كادت ونحن على منىتــحــل بــنــا لــــولا نــجــاء الـركـائــب
معناه قاربت الحلول ولم تحل. وقال ذو الرمة:
وقفت على ربع لمية ناقتي فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبثه تكلمني أحجـاره وملاعبـه
معناه: قارب الكلام ولم يكن كلام. وقال الآخر:
وقـد كـدت يـوم الحـزن لمـا ترتمـت هــتــوف الـضـحــى مـحـزونــة بـالـتـرنـم
أمـــوت لمـبـكـاهـا أســــي إن عـولـتــي ووجدي بسعدى شجوه غير منجم
معناه مقلع. وأراد بقوله: (كدت) قاربت الموتى ولم أمت، ويقال: خفا البرق يخفو، إذا ظهر، وهو من قولهم: خفيت الشيء، إذا أظهرته، قال حميد بن ثور:
أرقت لبرق في نشاص خفت به ســواجــم فــــي أعـنـاقـهـن بــســوق
بسوق: طول، بسق الرجل إذا طال). [كتاب الأضداد: 95-99] (م)
تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (ومما يدغم إذا كان الحرفان من مخرج واحد وإذا تقارب المخرجان قولهم يطوعون في يتطوعون ويذكرون في يتذكرون ويسمعون في يتسمعون والإدغام في هذا أقوى إذ كان يكون في الانفصال والبيان فيهما
عربيٌ حسن لأنهما متحركان كما حسن ذلك في يختصمون ويهتدون وتصديق الإدغام قوله تعالى: {يطيروا بموسى} و: {يذكرون}.
فإن وقع حرفٌ مع ما هو من مخرجه أو قريبٌ من مخرجه مبتدأ أدغم وألحقوا الألف الخفيفة لأنهم لا يستطيعون أن يبتدئوا بساكن وذلك قولهم في فعل من تطوع اطوع ومن تذكر إذ ذكر دعاهم إلى إدغامه أنهما في حرفٍ وقد كان يقع الإدغام فيهما في الانفصال.
ودعاهم إلى إلحاق الألف في اذكروا واطوعوا ما دعاهم إلى إسقاطها حين حركوا الخاء في خطف والقاف في قتلوا فالألف هنا يعني في اختطف لازمةٌ ما لم يعتل الحرف كما تدخل ثمة إذا اعتل الحرف.
وتصديق ذلك قوله عز وجل: {فادارأتم فيها} يريد فتدارأتم: {وازينت} إنما هي تزينت وتقول في المصدر ازيناً وادارأً ومن ذلك قوله عز وجل: {اطيرنا بك}.
وينبغي على هذا أن تقول في تترس اترس فإن بينت فحسن البيان كحسنه فيما قبله، فإن التقت التاءان في تتكلمون وتتترسون فأنت بالخيار إن شئت أثبتهما وإن شئت حذفت إحداهما وتصديق ذلك قوله عز وجل: {تتنزل عليهم الملائكة} و: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع}
وإن شئت حذفت التاء الثانية وتصديق ذلك قوله تبارك وتعالى: {تنزل الملائكة والروح فيها} وقوله: {ولقد كنتم تمنون الموت} وكانت الثانية أولى بالحذف لأنها هي التي تسكن وتدغم في قوله تعالى: {فادارأتم} و: {ازينت} وهي التي يفعل بها ذلك في يذكرون فكما اعتلت هنا كذلك تحذف هناك). [الكتاب: 4 / 474 -476] (م)
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (وحدثني ابن مهدي أيضا عن محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة عن مجاهد عن قيس بن السائب عن أبيه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم شريكي فكان خير شريك لا يدارئ ولا يماري».
وفي حديث سفيان قال السائب للنبي عليه السلام: «كنت شريكي فكنت خير شريك لا تدارئ ولا تماري».
...
وأما قوله: «كنت لا تدارئ ولا تماري».
فإن المدارأة ههنا مهموزة من دارأت، وهي المشاغبة والمخالفة على صاحبك. ومنها قول الله عز وجل: {وإذ قتلتم نفسا فادرأتم فيها} يعني اختلافهم في القتيل.
ومن ذلك حديث إبراهيم أو الشعبي -شك أبو عبيد- في المختلعة إذا كان الدرء من قبلها فلا بأس أن يأخذ منها.
والمحدثون يقولون: هو الدرو بغير همزة، وإنما هو الدرؤ يا هذا من درأت، إذا كان الدرء من قبلها فلا بأس أن يأخذ منها، وإن كان من قبله فلا يأخذ يعني بالدرء النشوز والاعوجاج والاختلاف.
وكل من دفعته عنك فقد درأته وقال أبو زبيد يرثي ابن أخيه:
كان عني يـرد درأك بعـد الـلــه شغب المستضعف المريد
يعني دفعك.
وفي حديث آخر أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «كان لا يشاري ولا يماري». فالمشاراة: الملاجة، يقال للرجل: قد استشرى إذا لج في الشيء، وهو شبيه بالمدارأة.
وأما المداراة في حسن الخلق والمعاشرة مع الناس فليس من هذا، هذا غير مهموز وذلك مهموز، وزعم الأحمر أن مداراة الناس تهمز ولا تهمز، والوجه عندنا ترك الهمز، وهو مأخوذ من الدرية، وهو الشيء يستتر به الصائد). [غريب الحديث: 3 / 350 -352]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (أعلم أن الحرفين المثلين إذا كانا ملتقيين في كلمة، وكلاهما متحرك، وقبل المتحرك الأول ساكن، طرحت حركة المتحرك الأول على ذلك الساكن، وأغمت كنحو ما ذكرت لك. اقتتلوا. فإذا التقيا وهما سواء أو متقاربان، والأول منهما أول الكلمة أدخلت ألف الوصل وأدغمت وذلك: اطير زيد إنما كانت تطير، فأسكنت التاء، فلم يجز أن تبتدئ بساكن، فأدخلت ألف الوصل، ثم أدغمت التاء في الطاء.
وكذلك اترس زيد إذا أردته تترس.
فدخول الألف هاهنا كسقوطها من اقتتلوا إذا قلت: قتلوا، فالتحريك يسقطها، كما أن الإسكان يجلبها.
ومن ذلك قوله: {وإذ قتلتم نفساً فادارأتم فيها} وإنما كان تدارأتم فيها، فأدغمت التاء في الدال، فاحتجت إلى ألف الوصل لاستحالة الابتداء بساكن، ومثله {قالوا اطيرنا بك وبمن ومعك} ). [المقتضب: 1 / 377 -378]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: "ودرأ بالبينات والأيمان" إنما هو دفع، من ذلك قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«ادرأوا الحدود بالشبهات»، وقال الله عز وجل: {قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وقال: {فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} أي تدافعتم). [الكامل: 1/23-24] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ودرأه يريد خلافه ومدافعته وقد تدارأ القوم في الأمر تدافعوا واختلفوا. ومنه قول الله عز وجل: {فادارأتم} بمعنى: تدارأتم فأدغم ومثله قوله جل وعلا: {حتى إذا اداركوا فيها جميعًا}. من دارأته: فهذا من المهموز ومن المداراة غير مهموز تقول داريته). [شرح المفضليات: 732]
تفسير قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) }
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (والآيات: العلامات واحدتها آية). [الأمالي: 2 / 318] (م)
تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) }
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (فأما التأويل بالقرآن:
فكالبيض، يعبر بالنساء، لقول الله عز وجل: {كأنهن بيض مكنون}.
وكالخشب، يعبر بالنفاق؛ بقول الله عز وجل: {كأنهم خشب مسندة}.
وكالحجارة، تعبر بالقسوة، بقول الله عز وجل: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة}.
وكالسفينة، تعبر بالنجاة؛ لأن الله تعالى نجى بها نوحا عليه السلام ومن كان معه.
وكالماء، يعبر في بعض الأحوال بالفتنة؛ لقول الله تعالى: {لأسقيناهم ماء غدقا * لنفتنهم فيه}.
وكاللحم الذي يؤكل، يعبر بالغيبة؛ لقول الله عز وجل: {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا}.
وكالمستفتح بابا بمفتاح، يعبر بالدعاء؛ لقول الله عز وجل: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} يريد: أن تدعوا.
وكالمصيب مفتاحا في المنام –أو مفاتيح- يعبر بأنه يكسب مالا، لقوله عز وجل في قارون: {ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة} يريد: أمواله؛ سميت أموال الخزائن مفاتيح، لأن بالمفاتيح يوصل إليها.
وكالملك يرى في المحلة أو البلدة أو الدار، وقدرها يصغر عن قدره، وتنكر دخول مثلها مثله؛ يعبر ذلك بالمصيبة والذل ينال أهل ذلك الموضع، لقوله عز وجل: {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون}.
وكالحبل، يعبر بالعهد، لقوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا}.
ولقوله تعالى: {ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس} أي: بأمان وعهد.
والعرب تسمي العهد حبلا؛ قال الشاعر:
وإذا تــجـــوزهـــا حــــبـــــال قــبــيــلـــة أخذت من الأخرى إليك حبالها
وكاللباس، يعبر بالنساء؛ لقوله جل وعز: {هم لباس لكم وأنتم لباس لهن} ). [تعبير الرؤيا: 35-37] (م)
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال أبو العباس في قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا}: مقتدرًا {إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} قال: الفراء يقول: بل يزيدون. وغيره يقول: ويزيدون عندكم.
{لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} أي تضعفون وتعنفون.
{أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} قال: أو، إنما هو لنا). [مجالس ثعلب: 112] (م)