العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الفاتحة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 ربيع الثاني 1434هـ/18-02-2013م, 07:30 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي تفسير قول الله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين}

تفسير قول الله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 07:10 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
Lightbulb

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين}.
قال أبو جعفرٍ: وتأويل قوله:
{إيّاك نعبد} لك اللّهمّ نخشع ونذلّ ونستكين إقرارًا لك يا ربّنا بالرّبوبيّة لا لغيرك. كما حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: «قال جبريل لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد: إيّاك نعبد، إيّاك نوحّد ونخاف ونرجو يا ربّنا لا غيرك».
وذلك من قول ابن عبّاسٍ بمعنى ما قلنا، وإنّما اخترنا البيان عن تأويله بأنّه بمعنى نخشع ونذلّ ونستكين، دون البيان عنه بأنّه بمعنى نرجو ونخاف، وإن كان الرّجاء والخوف لا يكونان إلاّ مع ذلّةٍ؛ لأنّ العبوديّة عند جميع العرب أصلها الذّلّة، وأنّها تسمّي الطّريق المذلّل الّذي قد وطئته الأقدام وذلّلته السّابلة: معبّدًا. ومن ذلك قول طرفة بن العبد:

تباري عتاقًا ناجياتٍ وأتبعت.......وظيفًا وظيفًا فوق مورٍ معبّد
يعني بالمور: الطّريق، وبالمعبّد: المذلّل الموطوء ومن ذلك قيل للبعير المذلّل بالرّكوب في الحوائج: معبّدٌ، ومنه سمّي العبد عبدًا لذلّته لمولاه. والشّواهد من أشعار العرب وكلامها على ذلك أكثر من أن تحصى، وفيما ذكرناه كفايةٌ لمن وفّق لفهمه إن شاء اللّه تعالى.
القول في تأويل قوله تعالى:
{وإيّاك نستعين}.
قال أبو جعفرٍ: ومعنى قوله:
{وإيّاك نستعين} وإيّاك يا ربّنا نستعين على عبادتنا إيّاك وطاعتنا في أمورنا كلّها، لا أحد سواك، إذ كان من يكفر بك يستعين في أموره بمعبوده الّذي يعبده من الأوثان دونك، ونحن بك نستعين في جميع أمورنا مخلصين لك العبادة.
- كالّذي حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثني بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ: {وإيّاك نستعين} قال: «إيّاك نستعين على طاعتك وعلى أمورنا كلّها».
فإن قال قائلٌ: وما معنى أمر اللّه عباده بأن يسألوه المعونة على طاعته؟ أو جائزٌ وقد أمرهم بطاعته أن لا يعينهم عليها؟ أم هل يقول قائلٌ لربّه: إيّاك نستعين على طاعتك، إلاّ وهو على قوله ذلك معانٌ، وذلك هو الطّاعة، فما وجه مسألة العبد ربّه ما قد أعطاه إيّاه؟
قيل: إنّ تأويل ذلك على غير الوجه الّذي ذهبت إليه؛ وإنّما الدّاعي ربّه من المؤمنين أن يعينه على طاعته إيّاه، داعٍ أن يعينه فيما بقي من عمره على ما كلّفه من طاعته، دون ما قد تقضّى ومضى من أعماله الصّالحة فيما خلا من عمره. وجازت مسألة العبد ربّه ذلك لأنّ إعطاء اللّه عبده ذلك مع تمكينه جوارحه لأداء ما كلّفه من طاعته وافترض عليه من فرائضه، فضلٌ منه جلّ ثناؤه تفضّل به عليه، ولطفٌ منه لطف له فيه؛ وليس في تركه التّفضّل على بعض عبيده بالتّوفيق مع اشتغال عبده بمعصيته وانصرافه عن محبّته، ولا في بسطه فضله على بعضهم مع إجهاد العبد نفسه في محبّته ومسارعته إلى طاعته، فسادٌ في تدبيرٍ ولا جورٌ في حكمٍ، فيجوز أن يجهل جاهلٌ موضع حكم الله، أمره عبده بمسألته عونه على طاعته.
وفي أمر اللّه جلّ ثناؤه عباده أن يقولوا:
{إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} بمعنى مسألتهم إيّاه المعونة على العبادة أدلّ الدّليل على فساد قول القائلين بالتّفويض من أهل القدر، الّذين أحلّوا أن يأمر اللّه أحدًا من عباده بأمرٍ أو يكلّفه فرض عملٍ إلاّ بعد إعطائه المعونة والقدرة على فعله وعلى تركه.
ولو كان الّذي قالوا من ذلك كما قالوا؛ لبطلت الرّغبة إلى اللّه في المعونة على طاعته، إذ كان على قولهم مع وجود الأمر والنّهي والتّكليف حقًّا واجبًا على اللّه للعبد إعطاؤه المعونة عليه، سأله عبده ذلك أو ترك مسألتة ذلك؛ بل ترك إعطائه ذلك عندهم منه جورٌ. ولو كان الأمر في ذلك على ما قالوا، لكان القائل:
{إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} إنّما يسأل ربّه أن لا يجور.
وفي إجماع أهل الإسلام جميعًا على تصويب قول القائل: اللّهمّ إنّا نستعينك؛ وتخطئتهم قول القائل: اللّهمّ لا تجر علينا، دليلٌ واضحٌ على خطأ ما قال الّذين وصفت قولهم، إن كان تأويل قول القائل عندهم: اللّهمّ إنّا نستعينك، اللّهمّ لا تترك معونتنا الّتي ترككها جورٌ منك.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل:
{إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} فقدّم الخبر عن العبادة، وأخّرت مسألة المعونة عليها بعدها؟ وإنّما تكون العبادة بالمعونة، فمسألة المعونة كانت أحقّ بالتّقديم قبل المعان عليه من العمل والعبادة بها.
قيل: لمّا كان معلومًا أنّ العبادة لا سبيل للعبد إليها إلاّ بمعونةٍ من اللّه جلّ ثناؤه، وكان محالاً أن يكون العبد عابدًا إلاّ وهو على العبادة معانٌ، وأن يكون معانًا عليها إلاّ وهو لها فاعلٌ؛ كان سواءً تقديم ما قدّم منهما على صاحبه، كما سواءٌ قولك لرّجل إذا قضى حاجتك فأحسن إليك في قضائها: قضيت حاجتي فأحسنت إليّ، فقدّمت ذكر قضائه حاجتك. أو قلت: أحسنت إليّ فقضيت حاجتي، فقدّمت ذكر الإحسان على ذكر قضاء الحاجة؛ لأنّه لا يكون قاضيًا حاجتك إلاّ وهو إليك محسنٌ، ولا محسنًا إليك إلاّ وهو لحاجتك قاضٍ. فكذلك سواءٌ قول القائل: اللّهمّ إنّا إيّاك نعبد فأعنّا على عبادتك، وقوله: اللّهمّ أعنّا على عبادتك فإنّا إيّاك نعبد.
قال أبو جعفرٍ: وقد ظنّ بعض أهل الغفلة أنّ ذلك من المقدّم الّذي معناه التّأخير، كما قال امرؤ القيس:

ولو أنّ ما أسعى لأدنى معيشةٍ.......كفاني ولم أطلب قليلٌ من المال
يريد بذلك: كفاني قليلٌ من المال ولم أطلب كثيرًا. وذلك من معنى التّقديم والتّأخير، ومن مشابهة بيت امرئ القيس بمعزلٍ؛ من أجل أنّه قد يكفيه القليل من المال ويطلب الكثير، فليس وجود ما يكفيه منه بموجبٍ له ترك طلب الكثير. فيكون نظير العبادة الّتي بوجودها وجود المعونة عليها، وبوجود المعونة عليها وجودها، ويكون ذكر أحدهما دالاً على الآخر، فيعتدل في صحّة الكلام تقديم ما قدّم منهما قبل صاحبه أن يكون موضوعًا في درجته ومرتّبًا في مرتبته.
فإن قال: فما وجه تكراره:
{إيّاك} مع قوله: {نستعين} وقد تقدّم ذلك قبل نعبد؟ وهلاّ قيل: إيّاك نعبد ونستعين، إذ كان المخبر عنه أنّه المعبود هو المخبر عنه أنّه المستعان؟
قيل له: إنّ الكاف الّتي مع إيّا، هي الكاف الّتي كانت تتّصل بالفعل، أعني بقوله:
{نعبد} لو كانت مؤخّرةً بعد الفعل. وهي كناية اسم المخاطب المنصوب بالفعل، فكثرت بإيّا متقدّمةٌ، إذ كان الأسماء إذا انفردت بأنفسها لا تكون في كلام العرب على حرفٍ واحدٍ، فلمّا كانت الكاف من إيّاك هي كناية اسم المخاطب الّتي كانت تكون كافًا وحدها متّصلةً بالفعل إذا كانت بعد الفعل، ثمّ كان حظّها أن تعاد مع كلّ فعلٍ اتّصلت به، فيقال: اللّهمّ إنّا نعبدك ونستعينك ونحمدك ونشكرك؛ وكان ذلك أفصح في كلام العرب من أن يقال: اللّهمّ إنّا نعبدك ونستعين ونحمد؛ كان كذلك إذا قدّمت كناية اسم المخاطب قبل الفعل موصولةً بإيّا، كان الأفصح إعادتها مع كلّ فعلٍ. كما كان الفصيح من الكلام إعادتها مع كلّ فعلٍ، إذا كانت بعد الفعل متّصلةً به، وإن كان ترك إعادتها جائزًا.
وقد ظنّ بعض من لم ينم النّظر أنّ إعادة إيّاك مع نستعين بعد تقدّمها في قوله:
{إيّاك نعبد} بمعنى قول عديّ بن زيدٍ العباديّ:

وجاعل الشّمس مصرًا لا خفاء به.......بين النّهار وبين اللّيل قد فصلا
وكقول أعشى همدان:

بين الأشجّ وبين قيسٍ باذخٌ.......بخ بخ لوالده وللمولود
وذلك جهلٌ من قائله؛ من أجل أنّ حظّ إيّاك أن تكون مكرّرةً مع كلّ فعلٍ لما وصفنا آنفًا من العلّة، وليس ذلك حكم بين لأنّها لا تكون إذا اقتضت اثنين إلاّ تكريرًا إذا أعيدت، إذ كانت لا تنفرد بالواحد. وأنّها لو أفردت بأحد الاسمين في حال اقتضائها اثنين كان الكلام كالمستحيل؛ وذلك أنّ قائلاً لو قال: الشّمس قد فصلت بين النّهار، لكان من الكلام خلفًا لنقصان الكلام عمّا به الحاجة إليه من تمامه الّذي يقتضيه بين. ولو قال قائلٌ: اللّهمّ إيّاك نعبد لكان ذلك كلامًا تامًّا. فكان معلومًا بذلك أنّ حاجة كلّ كلمةٍ كانت نظيرة {إيّاك نعبد} إلى إيّاك كحاجة نعبد إليها، وأنّ الصّواب أن تكون معها إيّاك، إذ كانت كلّ كلمةٍ منها جملة خبر مبتدأٍ، وبيّنا حكم مخالفة ذلك حكم بين فيما وفّق بينهما الّذي وصفنا قوله). [جامع البيان: 1/ 159-165]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إيّاك نعبد}
- حدّثنا عليّ بن طاهرٍ، ثنا محمّد بن العلاء، ثنا عثمان بن سعيدٍ، ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال: «قال جبريل عليه السّلام: قل يا محمّد، وهو جماع إيّاك نعبد. يعني إيّاك نوحّد ونخاف ونرجو يا ربّنا لا غيرك».
- حدّثنا عليّ بن حربٍ، ثنا زيد بن الحباب، عن حسين بن واقدٍ عن مطرٍ، عن قتادة: «{إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} دلّ على نفسه أنّه كذا فقولوا».
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا عبد الوهّاب عن سعيدٍ، عن قتادة في قوله: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} قال: «يأمركم أن تخلصوا له العبادة، وأن تستعينوه على أمركم» .
قوله:
{وإيّاك نستعين}
- حدّثنا عليّ بن طاهرٍ، ثنا محمّد بن العلاء، ثنا عثمان بن سعيدٍ، ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {وإيّاك نستعين} قال: «على طاعتك وعلى أمورنا كلّها»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 29]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين}.
-أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله
{إياك نعبد} «يعني: إياك نوحد ونخاف ونرجو ربنا لا غيرك {وإياك نستعين} على طاعتك وعلى أمورنا كلها».
-وأخرج وكيع والفريابي عن أبي رزين قال: سمعت عليا قرأ هذا الحرف وكان قرشيا عربيا فصيحا
{إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا} يرفعهما جميعا.
-وأخرج الخطيب في تاريخه عن أبي رزين أن عليا قرأ
{إياك نعبد وإياك نستعين} فهمز ومد وشد.
-وأخرج أبو القاسم البغوي والماوردي معا في معرفة الصحابة والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل عن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال
: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزو فلقي العدو فسمعته يقول: «يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين»،قال: فلقد رأيت الرجال تصرع، تضربها الملائكة من بين يديها ومن خلفها).[الدر المنثور: 1 /73-74]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 07:11 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (ومجاز {إيّاك نعبد}: إذا بدئ بكناية المفعول قبل الفعل جاز الكلام، فإن بدأت بالفعل: لم يجز، كقولك: نعبد إياك، قال العجّاج:
إيّاك أدعو فتقّبل ملقى
ولو بدأت بالفعل: لم يجز، كقولك: أدعو إيّاك، محالٌ، فإن زدت الكناية في آخر الفعل جاز الكلام: أدعوك إياك). [مجاز القرآن: 1 /24]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({إيّاك نعبد وإيّاك نستعين}
{إيّاك نعبد} فلأنه إذا قال "الحمد لمالك يوم الدين"، فإنه ينبغي أن يقول "إيّاه نعبد"، فإنما هذا على الوحي، وذلك أن الله تبارك وتعالى خاطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (قل يا محمد: الحمد لله، وقل: الحمد لمالك يوم الدين، وقل يا محمد: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين}).
وأما قوله: {إيّاك نعبد} ولم يقل "أنت نعبد"، فلأن هذا موضع نصب، وإذا لم يقدر في موضع النصب على الكاف أو الهاء وما أشبه ذلك من الإضمار الذي يكون للنصب، جعل "إياك" أو "إيّاه" أو نحو ذلك مما يكون في موضع نصب، قال: {وإنا أو إيّاكم لعلى هدًى}؛ لأن هذا موضع نصب، تقول: "إني أو زيداً منطلق" و{ضلّ من تدعون إلاّ إيّاه} هذا في موضع نصب، كقولك: "ذهب القوم إلا زيدا"، وإنما صارت {إيّاك} في {إيّاك نعبد} في موضع نصب من أجل {نعبد}، وكذلك: {إيّاك نستعين} أيضاً، وإذا كان موضع رفع جعلت فيه "أنت" و"أنتما" و"أنتم"، و"هو" و"هي" وأشباه ذلك). [معاني القرآن: 1/ 11]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين (5)}
معنى العبادة في اللغة: الطاعة مع الخضوع، يقال : "هذا طريق معّبد" إذا كان مذللاً بكثرة الوطء، و"بعير معبّد" إذا كان مطليّاً بالقطران.
فمعنى {إياك نعبد}: إياك نطيع الطاعة التي نخضع معها، وموضع {إيّاك} نصب بوقوع الفعل عليه، وموضع الكاف في {إيّاك} خفض بإضافة " إيّا " إليها، و " إيّا " اسم للمضمر المنصوب إلا أنه يضاف إلى سائر المضمرات، نحو: إيّاك ضربت، وإياه ضربت، وإياي حدّثت، ولو قلت: "إيا زيد" كان قبيحاً، لأنه خص به المضمر.
وقد روي عن بعض العرب، رواه الخليل: (إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيّا الشوابّ).
ومن قال: إن (إياك) بكماله الاسم، قيل له: لم نر اسما ًللمضمر ولا للمظهر يضاف، وإنّما يتغير آخره، ويبقى ما قبل آخره على لفظ واحد.
والدّليل على إضافته قول العرب: " إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب " يا هذا، وإجراؤهم الهاء في "إياه" : مجراها في "عصاه".
وقوله عزّ وجلّ: {وإيّاك نستعين}
الأصل في {نستعين}: نستعون؛ لأنه إنما معناه: من المعونة والعون.
ولكن الواو قلبت ياء لثقل الكسرة فيها، ونقلت كسرتها إلى العين، وبقيت الياء ساكنة، لأنّ هذا من الإعلال الذي يتبع بعضه بعضاً، نحو: أعان يعين، وأقام يقيم، وهذا يشرح في مكانه شرحاً مستقصى إن شاء اللّه). [معاني القرآن: 1/ 48-49]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {إياك نعبد} ولم يقل "نعبدك"؛ لأن هذا أوكد.
قال سيبويه: كأنهم إنما يقدمون الذي بيانه أهم إليهم، وهم ببيانه أعنى، وإن كانا جميعاً يهمانهم، ويعنيانهم .
والعبادة في اللغة: الطاعة مع تذلل وخضوع، يقال: "طريق معبد" إذا كان قد ذلل بالوطء، و"بعير معبد" إذا طلي بالقطران، أي: امتهن كما يمتهن العبد، قال طرفة:

إلى أن تحامتني العشيرة كلها.......أفردت إفراد البعير المعبد
أو يقال "عبد من كذا" أي: أنف منه، كما قال الشاعر:
وأعبد أن تهجى تميم بدارم
ثم قال تعالى: {وإياك نستعين}
أعاد {إياك} توكيدا ً، ولم يقل: "ونستعين" كما يقال المال بين زيد وبين عمرو، فتعاد بين توكيدا ً، وقال: {إياك} ولم يقل إياه؛ لأن المعنى: قل يا محمد: {إياك نعبد} .
على أن العرب ترجع من الغيبة إلى الخطاب كما قال الأعشى:
عنده الحزم والتقى وأسى الصر........ع وحمل لمضلع الأثقال
ثم قال -ورجع من الغيبة إلى الخطاب- :
ووفاء إذا أجرت فما غر........ت حبال وصلتها بحبال
وقال تعالى: {وسقاهم ربهم شرابا طهورا}، ثم قال: {إن هذا كان لكم جزاء}، وعكس هذا أن العرب ترجع من الخطاب إلى الغيبة كما قال تعالى: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة}.
وفي الكلام حذف، والمعنى: وإياك نستعين على ذلك). [معاني القرآن: 1/64-66]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 07:37 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)}
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت:175هـ): (وفي الحديث: كانَ عليّ بن أبي طالب يقرأ: {وإيّاك نَسْتَعينُ} فُيشبْعُ رفعَ النون إِشباعاً، وكانَ قُرَشيّا قَلْباً، أي: مَحْضاً). [العين:5/ 171]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت:370هـ): (وقال ابن الأنباري: «فلان عابد وهو الخاضع لربّه المستسلم لقضائه المنقاد لأمره».
وقوله {اعبدوا ربكم} أي: أطيعوا ربّكم. وقيل في قوله: {إياك نَعْبد}: إياك نوحد والعابد. الموحِّد). [تهذيب اللغة:عبد]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت:370هـ): (وقوله: {إياك نعبد} معناه: إياك نطيع الطاعة التي نخضع معها لك.
وقوله: {وإياك نستعين} أي: نطلب منك المعونة على ما أمرتنا به من طاعتك؛ فأعنّا بفضلك فإنه لا يعيننا عليها غيرك). [الزاهر:95]
قال أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي (ت:395هـ): (ويكون اللفظ خَبَراً، والمعنى دعاء وطلب مَرّ في الجملة ونحوه، {إيّاكَ نعبُد وإياكَ نستعين} معناه: فأعِنّا على عبادتك.
ويقول القائل: أستغفر الله والمعنى: اغْفِرْ. قال الله جلّ ثناؤه: {لا تثريبَ عليكم اليومَ يغفِرُ الله لكم}، ويقول الشاعر:
أستغفرُ اللهَ ذنباً لستُ مُحْصِيَهُ.......ربَّ العبادِ إليه الوَجهُ والعملُ
). [الصاحبي: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 22 جمادى الأولى 1435هـ/23-03-2014م, 07:18 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي تفاسير القرن الثالث

تفاسير القرن الثالث

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 22 جمادى الأولى 1435هـ/23-03-2014م, 07:18 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي تفاسير القرن الرابع

تفاسير القرن الرابع

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 22 جمادى الأولى 1435هـ/23-03-2014م, 07:19 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي تفاسير القرن الخامس

تفاسير القرن الخامس

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 22 جمادى الأولى 1435هـ/23-03-2014م, 07:19 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي تفاسير القرن السادس

تفاسير القرن السادس

تفسير قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) :
(وقوله تعالى: {إيّاك نعبد}.
نطق المؤمن به إقرار بالربوبية وتذلل وتحقيق لعبادة الله، إذ سائر الناس يعبدون سواه من أصنام وغير ذلك، وقدم المفعول على الفعل اهتماما، وشأن العرب تقديم الأهم.
ويذكر أن أعرابيا سبّ آخر فأعرض المسبوب عنه، فقال له السابّ: «إياك أعني» فقال الآخر: «وعنك أعرض» فقدّما الأهم.
وقرأ الفضل الرقاشي: «أياك» بفتح الهمزة، وهي لغة مشهورة وقرأ عمرو بن فائد: «إياك» بكسر الهمزة وتخفيف الياء، وذاك أنه كره تضعيف الياء لثقلها وكون الكسرة قبلها، وهذا كتخفيف «رب» و «إن».
وقرأ أبو السوار الغنوي: «هيّاك نعبد وهيّاك نستعين» بالهاء، وهي لغة.
واختلف النحويون في «إيّاك»؛ فقال الخليل: إيّا اسم مضمر أضيف إلى ما بعده للبيان لا للتعريف، وحكي عن العرب إذا بلغ الرجل الستين فإياه وايا الشواب.
وقال المبرد: إيّا اسم مبهم أضيف للتخصيص لا للتعريف،
وحكى ابن كيسان عن بعض الكوفيين أنّ إيّاك بكماله اسم مضمر، ولا يعرف اسم مضمر يتغير آخره غيره،
وحكي عن بعضهم أنه قال: الكاف والهاء والياء هي الاسم المضمر، لكنها لا تقوم بأنفسها ولا تكون إلا متصلات، فإذا تقدمت الأفعال جعل «إيّا» عمادا لها. فيقال «إياك» و «إياه» و «إيّاي»، وإذا تأخرت اتصلت بالأفعال واستغني عن «ايا».
وحكي عن بعضهم أن أيا اسم مبهم يكنى به عن المنصوب، وزيدت الكاف والياء والهاء تفرقة بين المخاطب والغائب والمتكلم، ولا موضع لها من الإعراب فهي كالكاف في ذلك وفي أرايتك زيدا ما فعل.
و{نعبد} معناه: نقيم الشرع والأوامر مع تذلل واستكانة، والطريق المذلل يقال له: معبد، وكذلك البعير. وقال طرفة:
تباري عتاق الناجيات وأتبعت ...... وظيفا وظيفا فوق مور معبد
). [المحرر الوجيز: 1/ 82-83]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وتكررت {إيّاك} بحسب اختلاف الفعلين، فاحتاج كل واحد منهما إلى تأكيد واهتمام.
و{نستعين} معناه: نطلب العون منك في جميع أمورنا، وهذا كله تبرؤ من الأصنام.
وقرأ الأعمش وابن وثاب والنخعي: «ونستعين» بكسر النون، وهي لغة لبعض قريش في النون والتاء والهمزة ولا يقولونها في ياء الغائب وإنما ذلك في كل فعل سمي فاعله فيه زوائد أو فيما يأتي من الثلاثي على فعل يفعل بكسر العين في الماضي وفتحها في المستقبل نحو علم وشرب، وكذلك فيما جاء معتل العين نحو خال يخال، فإنهم يقولون تخال وأخال.
و{نستعين} أصله نستعون نقلت حركة الواو إلى العين وقلبت ياء لانكسار ما قبلها، والمصدر استعانة أصله استعوانا نقلت حركة الواو إلى العين فلما انفتح ما قبلها وهي في نية الحركة انقلبت ألفا، فوجب حذف أحد الألفين الساكنين،
فقيل: حذفت الأولى لأن الثانية مجلوبة لمعنى، فهي أولى بالبقاء،
وقيل: حذفت الثانية لأن الأولى أصلية فهي أولى بالبقاء، ثم لزمت الهاء عوضا من المحذوف). [المحرر الوجيز: 1/ 83-84]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 22 جمادى الأولى 1435هـ/23-03-2014م, 07:19 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي تفاسير القرن السابع

تفاسير القرن السابع

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 22 جمادى الأولى 1435هـ/23-03-2014م, 07:19 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي تفاسير القرن الثامن

تفاسير القرن الثامن

تفسير قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إيّاك نعبد وإيّاك نستعين}.
[قرأ السّبعة والجمهور بتشديد الياء من {إيّاك} وقرأ عمرو بن فايدٍ بتخفيفها مع الكسر وهي قراءةٌ شاذّةٌ مردودةٌ؛ لأنّ "إيَا" ضوء الشّمس. وقرأ بعضهم: "أيّاك" بفتح الهمزة وتشديد الياء، وقرأ بعضهم: "هيّاك" بالهاء بدل الهمزة، كما قال الشّاعر:
فهيّاك والأمر الّذي إن تراحبت ...... موارده ضاقت عليك مصادره
و{نستعين} بفتح النّون أوّل الكلمة في قراءة الجميع سوى يحيى بن وثّابٍ والأعمش فإنّهما كسراها وهي لغة بني أسدٍ وربيعة وبني تميمٍ وقيسٍ]. العبادة في اللّغة من الذّلّة، يقال: طريقٌ معبّد، وبعيرٌ معبّد، أي: مذلّلٌ، وفي الشّرع: عبارةٌ عمّا يجمع كمال المحبّة والخضوع والخوف.
وقدّم المفعول وهو {إيّاك}، وكرّر؛ للاهتمام والحصر، أي: لا نعبد إلّا إيّاك، ولا نتوكّل إلّا عليك، وهذا هو كمال الطّاعة. والدّين يرجع كلّه إلى هذين المعنيين، وهذا كما قال بعض السّلف: الفاتحة سرّ القرآن، وسرّها هذه الكلمة: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين}فالأوّل تبرّؤٌ من الشّرك، والثّاني تبرّؤٌ من الحول والقوة، والتفويض إلى اللّه عزّ وجلّ. وهذا المعنى في غير آيةٍ من القرآن، كما قال تعالى: {فاعبده وتوكّل عليه وما ربّك بغافلٍ عمّا تعملون} [هود: 123] {قل هو الرّحمن آمنّا به وعليه توكّلنا} [الملك: 29] {ربّ المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتّخذه وكيلا} [المزّمّل: 9]، وكذلك هذه الآية الكريمة: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين}.
وتحوّل الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب، وهو مناسبةٌ، لأنّه لمّا أثنى على اللّه فكأنّه اقترب وحضر بين يدي اللّه تعالى؛ فلهذا قال: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} وفي هذا دليلٌ على أنّ أوّل السّورة خبرٌ من اللّه تعالى بالثّناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى، وإرشادٌ لعباده بأن يثنوا عليه بذلك؛ ولهذا لا تصحّ صلاة من لم يقل ذلك، وهو قادرٌ عليه، كما جاء في الصّحيحين، عن عبادة بن الصّامت أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب».
وفي صحيح مسلمٍ، من حديث العلاء بن عبد الرّحمن، مولى الحرقة، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يقول اللّه تعالى: [قسمت الصّلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، إذا قال العبد: {الحمد للّه ربّ العالمين} قال: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرّحمن الرّحيم} قال: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال: {مالك يوم الدّين} قال اللّه: مجّدني عبدي، وإذا قال: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهدنا الصّراط المستقيم * صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين} قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل]».
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «{إيّاك نعبد} يعني: إيّاك نوحّد ونخاف ونرجو يا ربّنا لا غيرك {وإيّاك نستعين} على طاعتك وعلى أمورنا كلّها».
وقال قتادة: «{إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} يأمركم أن تخلصوا له العبادة وأن تستعينوه على أمركم».
وإنّما قدّم: {إيّاك نعبد} على {وإيّاك نستعين} لأنّ العبادة له هي المقصودة، والاستعانة وسيلةٌ إليها، والاهتمام والحزم هو أن يقدّم ما هو الأهمّ فالأهمّ، واللّه أعلم.
فإن قيل: فما معنى النّون في قوله: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} فإن كانت للجمع فالدّاعي واحدٌ، وإن كانت للتّعظيم فلا تناسب هذا المقام؟
وقد أجيب: بأنّ المراد من ذلك الإخبار عن جنس العباد والمصلّي فردٌ منهم، ولا سيّما إن كان في جماعةٍ أو إمامهم، فأخبر عن نفسه وعن إخوانه المؤمنين بالعبادة الّتي خلقوا لأجلها، وتوسّط لهم بخيرٍ،
ومنهم من قال: يجوز أن تكون للتّعظيم، كأنّ العبد قيل له: إذا كنت في العبادة فأنت شريفٌ وجاهك عريضٌ فقل: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين}، وإذا كنت خارج العبادة فلا تقل: نحن ولا فعلنا، ولو كنت في مائة ألفٍ أو ألف ألفٍ لافتقار الجميع إلى اللّه عزّ وجلّ.
ومنهم من قال: ألطف في التّواضع من إيّاك أعبد، لما في الثّاني من تعظيمه نفسه من جعله نفسه وحده أهلًا لعبادة اللّه تعالى الّذي لا يستطيع أحدٌ أن يعبده حقّ عبادته، ولا يثني عليه كما يليق به، والعبادة مقامٌ عظيمٌ يشرف به العبد لانتسابه إلى جناب اللّه تعالى، كما قال بعضهم:

لا تدعني إلّا بيا عبدها ...... فإنّه أشرف أسمائي
وقد سمّى اللّه رسوله بعبده في أشرف مقاماته [فقال] {الحمد للّه الّذي أنزل على عبده الكتاب} [الكهف: 1] {وأنّه لمّا قام عبد اللّه يدعوه} [الجنّ: 19] {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلا} [الإسراء: 1] فسمّاه عبدًا عند إنزاله عليه وقيامه في الدّعوة وإسرائه به، وأرشده إلى القيام بالعبادة في أوقاتٍ يضيق صدره من تكذيب المخالفين له، حيث يقول: {ولقد نعلم أنّك يضيق صدرك بما يقولون * فسبّح بحمد ربّك وكن من السّاجدين * واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين} [الحجر: 97-99].
وقد حكى فخر الدّين في تفسيره عن بعضهم: أنّ مقام العبوديّة أشرف من مقام الرّسالة؛ لكون العبادة تصدر من الخلق إلى الحقّ والرّسالة من الحقّ إلى الخلق؛ قال: ولأنّ اللّه متولّي مصالح عبده، والرّسول متولّي مصالح أمّته وهذا القول خطأٌ، والتّوجيه أيضًا ضعيفٌ لا حاصل له، ولم يتعرّض له فخر الدّين بتضعيفٍ ولا ردّه.
وقال بعض الصّوفيّة: العبادة إمّا لتحصيل ثوابٍ وردّ عقابٍ؛ قالوا: وهذا ليس بطائلٍ إذ مقصوده تحصيل مقصوده، وإمّا للتّشريف بتكاليف اللّه تعالى، وهذا -أيضًا- عندهم ضعيفٌ، بل العالي أن يعبد اللّه لذاته المقدّسة الموصوفة بالكمال، قالوا: ولهذا يقول المصلّي: أصلّي للّه، ولو كان لتحصيل الثّواب ودرء العذاب لبطلت صلاته.
وقد ردّ ذلك عليهم آخرون وقالوا: كون العبادة للّه عزّ وجلّ، لا ينافي أن يطلب معها ثوابًا، ولا أن يدفع عذابًا، كما قال ذلك الأعرابيّ: أما إنّي لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذٍ إنّما أسأل اللّه الجنّة وأعوذ به من النّار، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «حولها ندندن»). [تفسير ابن كثير: 1 /134-136]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:35 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة