فقد ذكر عن عبد الله بن عبّاس أنه قال: لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض فان ذلك يوقع الشّك في قلوبكم
وذكر عن عبد الله بن عمر أن فقراء كانا جلوسًا بباب النّبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم ألم يقل الله كذا _ وقال بعضهم ألم يقل الله كذا _
قال فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج كأنّما فقئ في وجهه حب الرّمّان فقال: ((أبهذا أمرتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض _ إنّما ضلت الأمم قبلكم في مثل هذا انكم لستم ممّا هنا في شيء انظروا الّذي أمرتم به فاعملوا به وانظروا الّذي نهيتم عنه فانتهوا عنه))
وروي عن أبي هريرة عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مراء في القرآن كفر))
وروى عن أبي جهم - رجل من أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم - عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تماروا في القرآن فان مراء فيه كفر))
وقال عبد الله بن العبّاس قدم على عمر بن الخطاب رجل فجعل عمر يسأل عن النّاس فقال: يا أمير المؤمنين قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا
فقال ابن عبّاس فقلت: والله ما أحب أن يتسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة قال فنهرني عمر وقال مه
فانطلقت إلى منزلي مكتئبا حزينًا فبينما أنا كذلك إذ أتاني رجل فقال أجب أمير المؤمنين فخرجت فإذا هو بالباب ينتظرني فأخذ بيدي فخلا بي وقال: ما الّذي كرهت ممّا قال الرجل آنفا _
فقلت: يا أمير المؤمنين متى ما يتسارعوا هذه المسارعة يختلفوا ومتى ما يختلفوا يختصموا ومتى ما يختصموا يختلفوا ومتى ما اختلفوا يقتتلوا
قال: لله أبوك والله إن كنت لاكمتها النّاس حتّى جئت بها وروى عن جبير بن نفير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنكم لن ترجعوا بشيء أفضل ممّا خرج منه يعنى بالقرآن))
وروى عن عبد الله بن مسعود أنه قال: جردوا القرآن لا تكتبوا فيه شيئا إلّا كلام الله عز وجل
وروى عن عمر بن الخطاب أنه قال: هذا القرآن كلام الله فضعوه موضعه
وقال رجل للحسن البصريّ يا أبا سعيد أنى إذا قرأت كتاب الله وتدبرته كدت أن أياس وينقطع رجائي.
قال فقال الحسن: أن القرآن كلام الله وأعمال ابن آدم إلى الضعف والتّقصير فاعمل وأبشر
وقال فروة بن نوفل الأشجعيّ كنت جار الخبّاب وهو من أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم - فخرجت معه يومًا من المسجد وهو آخذ بيدي فقال: يا هذا تقرب لله بما استطعت فإنّك لن تتقرب إليه بشيء أحب من كلامه
وقال رجل للحكم ابن عتبة ما حمل أهل الأهواء على هذا _ قال الخصومات
وقال معاوية بن قرّة - وكان أبوه ممّن أتى النّبي صلى الله عليه وسلم -: إيّاكم وهذه الخصومات فإنّها تحبط الأعمال
وقال أبو قلابة - وكان قد أدرك غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجالسوا أصحاب الأهواء - أو قال أصحاب الخصومات - فأنّي لا آمن أن يغمسوكم في ظلالتهم ويلبسوا عليكم بعض ما تعرفون
ودخل رجلان من أصحاب الأهواء على محمّد بن سيرين فقالا يا أبكر نحدثك بحديث، فقالا: لا، قالا فنقرأ عليك آية من كتاب الله _
قال: لا لتقومان عني أو لا قوم عنكما
قالا فقال الرّجلان فخرجا فقال بعض القوم: يا أبا بكر وما عليك أن يقرا عليك آية من كتاب الله تعالى _ فقال له ابن سيرين: إنّي خشيت أن يقرأ عليّ آية فيحرفانها فيقر ذلك في قلبي.
وقال محمّد: لو أعلم أنّي أكون مبتلى السّاعة لتركتها، وقال رجل من أهل البدع لأيوب السجتياني يا أبا بكر أسألك عن كلمة
فولى وهو يقول بيده ولا نصف كلمة
وقال ابن طاوس لابن له بكلمة رجل من أهل البدع: يا بني ادخل إصبعيك في أذنيك لا تسمع ما يقول ثمّ قال أشدد
وقال عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل
وقال إبراهيم النّخعيّ: أن القوم لم يدخل عنهم شيء خير لكم لفضل عندكم
وكان الحسن رحمه الله يقول: شرّ داء خالط قلبا يعني الأهواء
وقال حذيفة بن اليمان - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -: اتّقوا الله معشر القرّاء وخذوا طريق من كان قبلكم والله لئن استقمتم لقد سبقتم بعيدا ولأن تركتموه يمينا وشمالًا لقد ضللتم ضلالا بعيدا - أو قال مبينًا -
قال أبي رحمه الله وإنّما تركت ذكرى الأسانيد لما تقدم من اليمين الّتي حلفت بها ممّا قد علمه أمير المؤمنون لولا ذلك لذكرتها بأسانيدها
وقد قال الله تعالى {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام الله}
وقال {ألا له الخلق والأمر} فأخبر بالخلق ثمّ قال والأمر فأخبر أن الأمر غير مخلوق
وقال عز وجل {الرّحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان}
فأخبر تعالى أن القرآن من علمه
وقال تعالى {ولن ترضى عنك اليهود ولا النّصارى حتّى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الّذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير}
وقال {ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنّك إذا لمن الظّالمين}
وقال تعالى {وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق}
فالقرآن من علم الله تعالى وفي هذه الآيات دليل على أن الّذي جاءه صلى الله عليه وسلم هو القرآن لقوله {ولئن اتبعت أهواءهم بعد الّذي جاءك من العلم}.
وقد روى عن غير واحد ممّن مضى ممّن سلفنا أنهم كانوا يقولون القرآن كلام الله ليس بمخلوق وهو الّذي أذهب إليه لست بصاحب كلام ولا ادري الكلام في شيء من هذا إلّا ما كان في كتاب الله أو حديث عن النّبي صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه أو عن التّابعين رحمهم الله فأما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود.). [سيرة الإمام أحمد: 116- 122]