أنواع النسخ في القرآن الكريم
النوع الأول: نسخ التلاوة والحكم
قال أبو عبدِ الله محمَّدُ بنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:320هـ): (فصل: وهو على ثلاثة أنواع: نسخ الخط والحكم
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كنا نقرأ سورة تعدل سورة التوبة ما أحفظ منها إلا هذه الآية [لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثا ولو أن له ثالثا لابتغى إليه رابعا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب] ). [الناسخ والمنسوخ لابن حزم:9]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (باب في النّاسخ والمنسوخ
اعلم أن النّسخ في كلام العرب هو الرّفع للشّيء وجاء الشّرع بما تعرف العرب إذ كان النّاسخ يرفع حكم المنسوخ والمنسوخ في كتاب الله تعالى على ثلاثة أضرب فمنه ما نسخ خطه وحكمه ومنه ما نسخ خطه وبقي حكمه، ومنه ما نسخ حكمه وبقي خطه
- فأما ما نسخ خطه وحكمه فمثل ما روي عن أنس بن مالك أنه قال: (كنّا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة نعدلها بسورة التّوبة ما أحفظ منها غير آية واحدة وهي {لو أن لأبن آدم واديين من ذهب لابتغى لهما ثالثا ولو أن له ثالثا لابتغى إليه رابعا ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التّراب ويتوب الله على من تاب}).
وروى عن عبد الله بن مسعود قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم آية أو قال سورة فحفظتها وكتبتها في مصحفي؛ فلمّا كان اللّيل رجعت إلى مضجعي فلم أرجع منها إلى شيء فغدوت إلى مصحفي فإذا الورقة بيضاء فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: (( يا ابن مسعود تلك رفعت البارحة )) ). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة:20-21].
قال أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي(ت:665هـ): (ما نسخ من القرآن
قلت: وأما ما نسخ من القرآن فعلى ثلاثة أضرب: منه ما نسخت تلاوته وبقي حكمه، ومنه ما نسخت تلاوته وحكمه، وذانك كآيتي الرجم والرضاع.
ففي صحيح البخاري عن عمر رضي الله عنه قال: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم فقرأتها وعقلتها ووعيتها.
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: كان مما أنزل من القرآن: "عشر رضعات معلومات يحرمن". ثم نسخن بـ"خمس معلومات يحرمن"، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن.
قال الحافظ البيهقي: فالعشر مما نسخ رسمه وحكمه، والخمس مما نسخ رسمه بدليل أن الصحابة حين جمعوا القرآن لم يثبتوها رسما، وحكمها باق عندنا.
قال: وقولها (وهن مما يقرأ من القرآن) يعني عند من لم يبلغه نسخ تلاوته قرآنا.
قلت: هذا تأويل حسن، ومثله ما في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث.
فمعناه، فعلها بعد النبي صلى الله عليه وسلم من لم يبلغه نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها. فلما اتصل ذلك بعمر رضي الله عنه نهى عنها لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها. فاشتهر ذلك وثبت، والله أعلم). [المرشد الوجيز:42-43]
قالَ جلالُ الدينِ عبدُ الرَّحمنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (القسم الثالث: ما نسخ رسمه وحكمه معاً، كما روى البخاري عن عائشة: (كان فيما أنزل: عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات). ) [التحبير في علم التفسير: 259-260]
قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (السابعة: النسخ في القرآن على ثلاثة أضرب:
أحدها: ما نسخ تلاوته وحكمه معا قالت عائشة: (كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن). رواه الشيخان.
وقد تكلموا في قولها وهن مما يقرأ فإن ظاهره بقاء التلاوة وليس كذلك.
وأجيب: بأن المراد: قارب الوفاة أو أن التلاوة نسخت أيضا ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوفي وبعض الناس يقرؤها.
وقال أبو موسى الأشعري: (نزلت ثم رفعت).
وقال مكي: هذا المثال: فيه المنسوخ غير متلو والناسخ أيضا غير متلو ولا أعلم له نظيرا. انتهى). [الإتقان في علوم القرآن: 1441-1440]