تقسيم الأشموني
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (ويتنوع الوقف نظرًا للتعلق خمسة أقسام لأنه لا يخلو إما أن لا يتصل ما بعد الوقف بما قبله لا لفظًا ولا معنى فهو التام، أو يتصل ما بعده بما قبله لفظًا ومعنى وهو القبيح، أو يتصل ما بعده بما قبله معنى لا لفظًا وهو الكافي، أو لا يتصل ما بعده بما قبله معنى ويتصل لفظًا وهو الحسن، والخامس متردد بين هذه الأقسام فتارة يتصل بالأول وتارة بالثاني، على حسب اختلافهما قراءة وإعرابًا وتفسيرًا، لأنه قد يكون الوقف تامًا على تفسير وإعراب وقراءة غير تام على غير ذلك وأمثلة ذلك تأتي مفصلة في محلها.
وأشرت إلى مراتبه بتام وأتم وكاف وأكفى وحسن وأحسن وصالح وأصلح وقبيح وأقبح، فالكافي والحسن يتقاربان، والتام فوقهما، والصالح دونهما في الرتبة، فأعلاها: الأتم، ثم الأكفى، ثم الأحسن، ثم الأصلح ويعبر عنه بالجائز، وأما وقف البيان وهو أن يبين معنى لا يفهم بدونه كالوقف على قوله تعالى{ويوقروه} فرق بين الضميرين؛ فالضمير في {ويوقروه} للنبي صلى الله عليه وسلم، وفي {ويسبحوه} لله تعالى، والوقف أظهر هذا المعنى المراد، والتام على قوله {وأصيلاً} وكالوقف على قوله {لا تثريب عليكم} ثم يبتدئ {اليوم يغفر الله لكم} بين الوقف على عليكم أن الظرف بعده متعلق بمحذوف وليس متعلقًا باسم لا لأن اسمها حينئذ شبيه بالمضاف فيجب نصبه وتنوينه).[منار الهدى: 10]
الوقف التام
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (قال في الإتقان فالتام سمى تامًا لتمام لفظه بعد تعلقه وهو ما يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده ولا يتعلق ما بعده بشيء مما قبله لا لفظًا ولا معنى وأكثر ما يوجد عند رؤوس الآي غالبًا، وقد يوجد قرب آخرها كقوله {وجعلوا أعزة أهلها أذلة} هنا التمام لأنه آخر كلام بلقيس، ثم قال تعالى: {وكذلك يفعلون} وهو أتم ورأس آية أيضًا، ولا يشترط في التام أن يكون آخر قصة كقوله {محمد رسول الله} فهو تام لأنه مبتدأ وخبر، وإن كانت الآيات إلى آخر السورة قصة واحدة ونحوه {لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني} هنا التمام لأنه آخر كلام الظالم أبيّ بن خلف، ثم قال تعالى {وكان الشيطان للإنسان خذولاً} وهو أتم ورأس آية أيضًا، وقد يوجد بعد رأس الآية كقوله { مصبحين وبالليل} هنا التام لأنه معطوف على المعنى؛ أي تمرون عليهم بالصبح وبالليل فالوقف عليه تام، وليس رأس آية وإنما رأسها {مصبحين} و{أفلا تعقلون} أتم لأنه آخر القصة، ومثله {يتكؤن} {وزخرفًا} رأس الآية {يتكؤن} {وزخرفًا} هو التمام لأنه معطوف على سقفًا، ومن مقتضيات الوقف التام الابتداء بالاستفهام ملفوظًا به أو مقدرًا، ومنها: أن يكون آخر كل قصة وابتداء أخرى كل سورة والابتداء بيا النداء غالبًا أو الابتداء بفعل الأمر أو الابتداء بلام القسم أو الابتداء بالشرط لأن الابتداء به ابتداء كلام مؤتنف أو الفصل بين آية عذاب بآية رحمة أو العدول عن الأخبار إلى الحكاية أو الفصلين الصفتين المتضادتين أو تناهى الاستثناء أو تناهي القول أو الابتداء بالنفي أو النهي وقد يكون الوقف تامًا على تفسير وإعراب وقراءة غير تام على آخر نحو وما يعلم تأويله إلاَّ الله تام إن كان والراسخون مبتدأ خبره يقولون على أن الراسخين لم يعلموا تأويل المتشابه غير تام إن كان معطوفًا على الجلالة وإن الراسخين يعلمون تأويل المتشابه كما سيأتي بأبسط من هذا في محله).[منار الهدى: 10]
الوقف الكافي
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): ((والكافي) ما يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده إلاَّ أن له به تعلقًا ما من جهة المعنى فهو منقطع لفظًا متصل معنى وسمي كافيًا لاكتفائه واستغنائه عما بعده واستغناء ما بعده عنه بأن لا يكون مقيدًا له وعود الضمير على ما قبل الوقف لا يمنع من الوقف لأن جنس التام والكافي جميعه كذلك والدليل عليه ما صح عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ عليّ فقلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل فقال إني أحب أن أسمعه من غيري قال فافتتحت سورة النساء فلما بلغت شهيدًا فقال لي حسبك ألا ترى أن الوقف على شهيدًا كاف وليس بتام والتام ولا يكتمون الله حديثًا لأنه آخر القصة وهو في الآية الثانية وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقف دون التام مع قربه فدل هذا دلالة واضحة على جواز الوقف على الكافي لأنَّ قوله يومئذ الخ ليس قيدًا لما قبله وفي الحديث نوع إشارة إلى أن ابن مسعود كان صيتًا قال عثمان النهدي صلى بنا ابن مسعود المغرب بقل هو الله أحد فوددنا أنه لو قرأ سورة البقرة من حسن صوته وترتيله وكان أبو موسى الأشعري كذلك ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوته وهو يقرأ القرآن فقال لقد أوتي هذا مزمارًا من مزامير آل داود كان داود عليه السلام إذا قرأ الزبور تدنو إليه الوحوش حتى تؤخذ بأعناقها والمراد بقوله وآتاه الله الملك هو الصوت الحسن قاله السمين وعلامته أن يكون ما بعده مبتدأ أو فعلاً مستأنفًا أو مفعولاً لفعل محذوف نحو وعد الله وسنة الله أو كان ما بعده نفيًا أو أن المكسورة أو استفهامًا أو بل أو ألاَّ المخففة أو السين أو سوف لأنها للوعيد ويتفاضل في الكفاية نحو في قلوبهم مرض صالح فزادهم الله مرضًا أصلح منه بما كانوا يكذبون أصلح منهما وقد يكون كافيًا على تفسير وإعراب وقراءة غير كاف على آخر نحو يعلمون الناس السحر كاف إن جعلت ما نافية حسن إن جعلتها موصولة وتأتي أمثلة ذلك مفصلة في محالها
).[منار الهدى: 10]
الوقف الحسن
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): ((والحسن) ما يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده إذ كثيرًا ما تكون آية تامة وهي متعلقة بما بعدها ككونها استثناء والأخرى مستثنى منها إذ ما بعده مع ما قبله كلام واحد من جهة المعنى كما تقدم أو من حيث كونه نعتًا لما قبله أو بدلاً أو حالاً أو توكيدًا نحو الحمد لله حسن لأنه في نفسه مفيد يحسن الوقف عليه دون الابتداء بما بعده للتعلق اللفظي وإن رفع رب على إضمار مبتدأ أو نصب على المدح وبه قرئ وحكى سيبويه الحمد لله أهل الحمد برفع اللام ونصبها فلا يقبح الابتداء به كأن يكون رأس آية نحو رب العالمين يجوز الوقف عليه لأنه رأس آية وهو سنة وإن تعلق ما بعده بما قبله لما ثبت متصل الإسناد إلى أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ قطع قراءته يقول بسم الله الرحمن الرحيم ثم يقف ثم يقول الحمد لله رب العالمين ثم يقف ثم يقول الرحمن الرحيم ثم يقف وهذا أصل معتمد في الوقف على رؤوس الآي وإن كان ما بعد كل مرتبطًا بما قبله ارتباطًا معنويًا ويجوز الابتداء بما بعده لمجيئه عن النبي صلى الله عليه وسلم (وقد يكون) الوقف حسنًا على قراءة غير حسن على أخرى نحو الوقف على مترفيها فمن قرأ أمرنا بالقصر والتخفيف وهي قراءة العامة من الأمر أي أمرنا هم بالطاعة فخالفوا فلا يقف على مترفيها ومن قرأ آمرنا بالمد والتخفيف بمعنى كثرنا أو قرأ أمرنا بالقصر والتشديد من الإمارة بمعنى سلطنًا حسن الوقف على مترفيها وهما شاذتان لا تجوز القراءة بهما وقد يكون الوقف حسنًا والابتداء قبيحًا نحو يخرجون الرسول وإياكم الوقف حسن والابتداء بإياكم قبيح لفساد المعنى إذ يصير تحذيرًا عن الإيمان بالله تعالى ولا يكون الابتداء إلاَّ بكلام موف للمقصود).[منار الهدى: 12]
الوقف الجائز
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): ((والجائز) هو ما يجوز الوقف عليه وتركه نحو وما أنزل من قبلك فإنَّ واو العطف تقتضي عدم الوقف وتقديم المفعول على الفعل يقتضي الوقف فإن التقدير ويوقنون بالآخرة لأن الوقف عليه يفيد معنى وعلامته أن يكون فاصلاً بين كلامين من متكلمين وقد يكون الفصل من متكلم واحد كقوله لمن الملك اليوم الوقف جائز فلما لم يجبه أحد أجاب نفسه بقوله لله الواحد القهار وكقوله وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم هنا الوقف ثم يبتدئ رسول الله على أنه منصوب بفعل مقدر لأنَّ اليهود لم يقروا بأن عيسى رسول الله فلو وصلنا عيسى ابن مريم برسول الله لذهب فهم من لا مساس له اليهود لم يقروا بأن عيسى رسول الله فلو وصلنا عيسى ابن مريم برسول الله لذهب فهم من لا مساس له بالعلم أنه من تتمة كلام اليهود فيفهم من ذلك أنهم مقرون أنه رسول الله وليس الأمر كذلك وهذا التعليل يرقيه ويقتضي وجوب الوقف على ابن مريم ويرفعه إلى التام).[منار الهدى: 12]
الوقف القبيح
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): ((والقبيح) وهو ما اشتد تعلقه بما قبله لفظًا ومعنى ويكون بعضه أقبح من بعض نحو إن الله لا يستحيي فويل للمصلين فإنه يوهم غير ما أراده الله تعالى فإنه يوهم وصفًا لا يليق بالباري سبحانه وتعالى ويوهم أن الوعيد بالويل للفريقين وهو لطائفة مذكورين بعده ونحو لا تقربوا الصلاة يوهم إباحة ترك الصلاة بالكلية فإن رجع ووصل الكلام بعضه ببعض غير معتقد لمعناه فلا إثم عليه وإلاَّ أثم مطلقًا وقف أم لا ومما يوهم الوقف على الكلام المنفصل الخارج عن حكم ما وصل به نحو إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى لأن الموتى لا يسمعون ولا يستجيبون إنما أخبر الله عنهم أنهم يبعثون ومنه وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ونحو للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له ونحو من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل ونحو فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا ونحو فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني وشبه ذلك من كل ما هو خارج عن حكم الأول من جهة المعنى لأنه سوى بالوقف بين حال من آمن ومن كفر وبين من ضل ومن اهتدى فهذا جليّ الفساد ويقع هذا كثيرًا ممن يقرأ تلاوته لحرصه على النفس فيقف على بعض الكلمة دون بعض ثم يبنى على صوت غيره ويترك ما فاته ومثل ذلك ما لو بنى كل واحد على قراءة نفسه إذ لابد أن يفوته ما قرأه بعضهم والسنة المدارسة وهو أن يقرأ شخص حزبًا ويقرأ آخر عين ما قرأه الأول وهكذا فهذه هي السنة التي كان يدارس جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بها في رمضان فكان جبريل يقرأ أولاً ثم يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم عين ما قرأه جبريل قال تعالى فإذا قرأناه أي على لسان جبريل فاتبع قرآنه ).[منار الهدى: 12]
الوقف الأقبح
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (وأما الأقبح فلا يخلوا ما أن يكون الوقف والابتداء قبيحين أو يكون حسنًا والابتداء قبيحًا فالأول كأن يقف بين القول والمقول نحو وقال اليهود ثم يبتدئ يد الله مغلولة أو لقد كفر الذين قالوا ثم يبتدئ إن الله ثالث ثلاثة وشبه ذلك من كل ما يوهم خلاف ما يعتقده المسلم). [منار الهدى: 13]