القول في الإمالة
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): (واعلم أن «حتى» لا يجوز أن تمال إلى الكسرة لأنها أداة بمنزلة «إلا» و«أما» والإمالة ممتنعة من الأدوات متلئبة في الأسماء والأفعال كقيامهم في الاسم «فتي» وفي الفعل «قضي». وإنما امتنعت الأدوات من الإمالة لأنها لا يعرف لها أصل من الياء ولا الواو فلزموا فيها الألف لخفتها، ولما عرفوا للاسم والفعل أصلا في الياء والواو دلوا على أصل الياء بالإمالة.
وأما «بلى» فإن حمزة والكسائي أمالاها. فإن قال قائل: لم أميلت وهي أداة؟ قيل [له] لأن أصلها «بل» فزيدت عليها الألف دلالة على أن السكوت عليها ممكن وأنها لا تعطف ما بعدها على ما قبلها كما تعطفه «بل»، فوقف عليها بالياء وصلحت إمالتها لأنها ألف تأنيث كالألف في «ليلى وحُبلى» فأمكن دخول علامة التأنيث على الأداة ههنا كما أمكن دخولها في «ربت وثمت» وكلتاهما أداة و«لات» مثلهما. ومن فتح «بلى» في كل حال آثر الأخف وغلب اللفظ، وكتبت «بلى» بالياء بناء على الإمالة. وكتبت «حتى» بالياء، وهي لا تمال فرقًا بين دخولها على الظاهر والمكني فلزم فيها لفظ الألف مع المكني في قولهم: «حتاي وحتاك وحتاه» وانصرف عن الألف إلى الياء مع الظاهر حين قالوا: «حتى زيد وحتى عمرو» وكذلك فعل بـ«على وإلى» فقيل: «على زيد وإلى زيد، وعليه وإليه». قال أبو العباس: بني ذلك على «قضي زيد وقضيت» لما كانت ألف قضى ألفًا في اللفظ، وياء مع المكني.وذلك أن حاجة «إلى وعلى وحتى» إلى ما بعدهن كحاجة «قضى» إلى فاعله، فلذلك ألحقن به. وأصل «قضى زيد». «قضي» فصارت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها ولم
تغير الياء في «قضيت» لأنه أصل ترجع إليه الفروع، ولو اعلت الأصول فسدت الفروع.
واعلم أن إمالة «حتى وأنى» ممكنة لأنهما بمعنى محلين، والمحال أسماء.
واعلم أن ألف «تترى» تحتمل ثلاثة أوجه: إحداهن أن تكون ألف التأنيث المقصورة، فتمنع الحرف الإجراء، ويقف عليها أصحاب الكسر بالإمالة لأنها كألف «التقوى والبقوى» والوجه الثاني أن تكون الألف مشبهة بالأصلية تلحق الحرف الذي هي فيه ببناء «جعفر ودرمك» فيصلح أن يوقف عليها بالفتح والإمالة. والوجه الثالث أن تكون الألف فيه بدلاً من التنوين فلا يوقف عليه إلا بالفتح لأن ألفه كألف «رأيت عمرًا» فكما لا يجوز «عمري»كذلك لا يصلح أن يقال «تتري». ووزنه على هذا الجواب «فعل» وأصله «وتر» فأبدلت التاء من الواو لما كانت تجانسها، كما أبدلت في «التراث» وأصله «الوراث»، و«التخمة» أصلها «الوخمة» لأنها من الوخامة. ورفع الحرف «تتر» وخفضه «تتر» ونصبه «تترا» في هذا الباب، وفي البابين الماضيين تثبت الألف عند الوقف في الرفع والنصب والخفض، وتنوين «تترى» على الجواب الأول لا يصلح وتنوينه على الوجه الثاني والوجه الثالث لا بد منه لأنه علامة جري الاسم، ووقفك في الجواب الأول على ألف التأنيث. وفي الجواب الثاني على الألف المشبهة بالأصلية. وفي المذهب الثالث على الراء في الرفع والخفض، وعلى الألف المبدلة من التنوين في النصب).[إيضاح الوقف والابتداء: 1/412-416]