قوله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)}
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): (قوله تعالى: (وأنه تعالى جد ربنا) [3] كان علقمة ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي ينصبون «أن» في جميع السورة إلا قوله: (إنما أدعو ربي) [20] وما بعده فإنهم كانوا يكسرونه غير قوله: (ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم) [28] وكذلك روى أبو عمر عن عاصم، فعلى هذا المذهب لا يتم الوقف إلى قوله: (إلا بلاغا من الله ورسالاته) فبلوغ الوقف التام في هذه السورة لا يطيقه القارئ ولكنه يتعمد الوقف على رؤوس الآي. وكان عاصم في رواية أبي بكر عنه يكسرها كلها إلا قوله: (وأن المساجد لله) [18] فإنها عنده بالنصب. فعلى هذه القراءة يتم الوقف على قوله: (فلا تدعوا مع الله أحدا) وكان أبو عمرو يكسرهن كلهن حتى ينتهي إلى قوله (وألوا استقاموا) [16] فإنه كان ينصبها وما بعدها، فعلى هذه القراءة لا يتم الوقف إلى قوله: (إلا بلاغا من الله ورسالاته)
(من أضعف ناصرا وأقل عددا) [24] تام أيضًا.
فمن فتح (أن) في جميع السورة جعلها نسقًا على قوله: (آمنا به) و(أنه تعالى جد ربنا). ومن كسر نسقها على (فقالوا إنا) [1] ويجوز لمن فتح أن يجعلها نسقًا على قوله: (قل أوحي إلي أنه استمع) (وأنه تعالى جد ربنا) وإن كان فيها ما لا يحسن عطفه على (آمنا به) وحمل على معنى «ألهمنا وخبرنا وأقسمنا وما أشبه ذلك». ومن كسر الحروف وفتح (وألو استقاموا على الطريقة) «أضمر يمينا
تأويلها: والله أن لو استقاموا على الطريقة». كما يقال في الكلام: والله أن لو قمت لقمت، والله لو قمت لقمت، كما قال الشاعر:
أما والله أن لو كنت حرا = وما بالحر أنت ولا العتيق
ومن فتح ما قبل «أن» المخففة نسقها على المخففة على (أوحي إلي أنه) و(أن لو استقاموا) وعلى (آمنا به) وبـ(أن لو استقاموا)، ويجوز لمن كسر الحروف كلها إلى «أن» الخفيفة أن يعطف المخففة وما بعدها على (أوحي إلي أنه) أو على (آمنا به) ويستغني عن إضمار اليمين.) [إيضاح الوقف والابتداء: 2/950 - 952]
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): ((لنفتنهم فيه} تام. ومثله {صعدا} ومثله
{ورسالاته} ومثله {فيها أبدا}. ومثله {وأقل عددا}.
ومن قرأ {قل إنما أدعو ربي} على الأمر فالوقف قبله كاف. ومن قرأ (قال) فليس بكاف لأن (قال) مسند إلى (عبد الله) الذي تقدم.
{ربي أمدا} كاف إذا رفع (عالم الغيب) بتقدير: هو عالم الغيب، ولم يجعل نعتًا لـ (ربي) ). [المكتفى: 589 - 590]
قال أبو عبدِ الله محمدُ بنُ طَيْفُورَ الغزنويُّ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ): ({لبدًا- 19- ط}] {ملتحدًا- 22- لا} للاستثناء.
{ورسالاته- 23- ط} {فيها أبدًا- 23- ط} [{أحدًا- 26- لا}] {رصدًا- 27- لا} لتعلق اللام.) [علل الوقوف: 3/1056]
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (لبدًا (حسن)
أدعو ربي ليس بوقف لاتساق ما بعده
أحدًا (كاف) ومثله رشدًا
من الله أحدًا ليس بوقف لاتساق ما بعده
ملتحدًا ليس بوقف للاستثناء
ورسالاته (تام) للابتداء بالشرط ومثله أبدًا إن علقت حتى بمحذوف أو جعلت حرف ابتداء يصلح أن يجيء بعدها المبتدأ والخبر ومع ذلك فيها معنى الغاية فهي متعلقة بقوله لبدًا أي يكونون متظاهرين حتى إذا رأوا العذاب فسيعلمون عند حلوله من أضعف ناصرًا وأقل عددًا
وعددًا (كاف) ومثله أمدًا إن رفع عالم الغيب خبر مبتدأ محذوف أي هو عالم وليس بوقف إن جعل نعتًا لربي أو بدلاً منه ولا يوقف على من رسول للاستثناء ومنهم من جعل إلا بمعنى الواو وأن التقدير فلا يظهر على غيبه أحدًا ومن ارتضى من رسول فإنَّه يسلك قاله الهمداني وهو يفيد نفي إطلاع الرسل على غيبه لأنَّ غيبه مفرد مضاف فيعم كل فردٍ فرد من المخلوقات إذا الغيوب كلها لم يطلع عليها أحدٌ من خلقه وهو مخالف للآية ومفاد الآية على أنَّه متصل فلا يظهر على غيبه المخصوص أحدًا إلاَّ من ارتضى من رسول وقد ارتضى نبينا صلى الله عليه وسلم وأطلعه على بعض من غيبه لأنَّ من الدليل على صدق الرسالة إخبار الرسل بالغيب وأما البقية من الرسل والأنبياء والأولياء فلا يظهرهم على ذلك المخصوص بل على غيره
و من خلفه رصدًا ليس بوقف لتعلق اللام
رسالات ربهم (جائز) ومثله بما لديهم
آخر السورة (تام)) [منار الهدى: 406]
- تفسير