قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14) }
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): ((لمن ضره أقرب من نفعه) [13] وقف حسن. وقال السجستاني: لا يكون (أقرب من نفعه) وقفًا تامًا لأن خبر المبتدأ لم يأت بعد. وإنما هو قوله: (لبئس المولى ولبئس العشير) و(يدعو) بمعنى «يقول» فإنكاره الوقف على قوله: (أقرب من نفعه) خطأ منه لأن (من) منصوبة بـ(يدعو) واللام لام اليمين كأنه قال «يدعو من لضره، أي: من والله لضره أقرب من نفعه». فنقلت اللام من الضر، فأدخلت على (من) لأنها حرف لا يتبين فيه الإعراب، حكي عن العرب: «عندي لما غيره خير منه» يعني «عندي ما لغيره». وسمعت أبا العباس يقول: كان الأخفش يقول: المعنى لمن ضره أقرب من نفعه إليه فحذف الإله، قال: وأخطأ الأخفش في هذا لأن المحلوف عليه لا يحذف إذا قلت: «والله لأخوك زيد» لم يحسن أن تحذف «زيد» لم يحسن أن تحذف «زيدا» فتقول: «لأخوك». وفي هذه المسألة أقوال كثيرة اكتفينا منها بهذا. (ولبئس العشير) تام.
(تجري من تحتها الأنهار) [14] [تام].)[إيضاح الوقف والابتداء: 2/780-782]
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): ({خسر الدنيا والآخرة} كاف.
وقال الدينوري: {ذلك هو الضلال البعيد * يدعو} تام يجعل (يدعو) من صلة (الضلال البعيد)، ويضمر الهاء فيه،
أي يدعوه، يعني الوثن، ثم يستأنف: {لمن ضره أقرب من نفعه}. قال الدينوري: كما يقال في الكلام على مذهب الجزاء: لما فعلت لهو خير لك.
قال أبو عمرو: والوجه في ذلك غير ما قاله، وهو أن تكون (من) منصوبة بـ (يدعو) واللام لام اليمين، والتقدير: يدعو من يضره، أو من –والله- لضره أقرب من نفعه فنقلت اللام من (الضر) إلى (من) إذ كان الإعراب لا يتبين فيها. ومثل ذلك قول العرب: عندي لما غيره خير منه، بمعنى: عندي ما لغيره خير منه.
وقال الأخفش: (لمن) مرفوعة بالابتداء، والخبر محذوف. و(يدعو) بمعنى: يقول. والتقدير: يقول لمن ضره أقرب من نفعه إلهه.
{أقرب من نفعه} كاف. {ولبئس العشير} تام. ومثله {من تحتها الأنهار} ومثله {ما يريد})[المكتفى: 391-392]
قال أبو عبدِ الله محمدُ بنُ طَيْفُورَ الغزنويُّ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ): ({على حرف- 11- ج} [للابتداء بالشرط] مع دخول الفاء {به- 11- ج} لعطف جملتي الشرط. {على وجهه- 11-} وقف إلا لمن قرأ: «خسر الدنيا» على الحال، أي: خاسرا في الدنيا ... {والآخرة- 11- ط}ز {ينفعه- 12- ط}. {البعيد- 12- ق} قيل يوصل بـ«يدعو» أي: يدعو ذلك الضلال [فيكون «الضلال» مفعول «يدعو» مقدما على «يدعو»]، وقوله: «هو» عماد، وهو تكلف ليجعل «لمن» مبتدأ، إذ لو كان كذلك لانتصب «الضلال البعيد»، لأن العماد لا يمنع الإعراب، كقوله: «تجدوه عند الله هو خيرا».
والوجه: أن يجعل «يدعو» تكرار لـ «يدعو» الأولى، فلا يقتضي مفعولاً آخر، على تقدير: يدعو ما لا يضره يدعو، للتأكيد، وجملة قوله: «ذلك هو الضلال البعيد» معترضة، فيصح الوقف على «يدعو»، ويكون «لمن» مبتدأ خبره محذوف دل عليه «لبئس المولى» أي: لمن ضره أقرب من نفعه مولاه لبئس المولى هو. {من نفعه- 13- ط}. {الأنهار- 14- ط}.)[علل الوقوف: 2/715-717]
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (على حرف (جائز) وفيه الفصل بين المفسر والمفسر لأنَّ قوله فإن أصابه الخ تفسير للحرف
اطمأنَّ به (تام) عند نافع
على وجهه (حسن)
والآخرة (كاف) ومثله المبين على استئناف ما بعده واختلف في إعراب يدعو الثانية وحاصله أنَّ فيه وجوهًا عشرة ذكرها أبو حيان والذي يخصنا منها ثلاثة وذلك أنَّ يدعوا إما أن تجعل مسلطة على الجملة من قوله لمن ضره أقرب من نفعه أولا فإن جعلت مسلطة عليها وأنَّ يدعو بمعنى يقول واللام للابتداء ومن اسم موصول مبتدأ وضره مبتدأ وأقرب خبر الثاني وخبر من محذوف تقديره يقول للذي ضره أقرب من نفعه إلهي كما قال الشاعر:
يدعو عنيتر والرماح كأنَّها = أشطان بين في لبان الأدهم
أراد يقول يا عنيتر فالجملة في محل نصب بيدعو لأنَّها مسلطة عليها فلا يوقف على يدعو لتعلق ما بعدها بما قبلها ولبئس المولى مستأنف ونسب هذا لأبي علي الفارسي وإن لم تجعل يدعو مسلطة على الجملة وأن يدعو الثانية توكيد ليدعو الأولى ولا معمول لها وفي تكريرها إيذان بأنَّه مقيم على الضلال فكأنَّه قيل يدعو من دون الله الذي لا يضره ولا ينفعه فتكون الجملة معترضة بين المؤكد والمؤكد فلا تقتضي مفعولاً ثانيًا وعلى هذا يحسن الوقف على يدعو وقوله لمن ضره مستأنف واللام للابتداء ومن مبتدأ وضره مبتدأ ثان وأقرب خبر الثاني والجملة خبر الأول أو الخبر محذوف دل عليه لبئس المولى والتقدير لمن ضره أقرب من نفعه إلهه والجملة صلة ويجوز أن يكون يدعو من متعلق الضلال وإن ذلك اسم موصول بمعنى الذي عند الكوفيين إذ يجيزون في أسماء الإشارة كلها أن تكون موصولة والبصريون لا يكون عندهم من أسماء الإشارة موصول إلاَّ ذا بشرط أن يتقدم عليها ما أو من الاستفهاميتان فهو مبتدأ والضلال خبره والجملة صلة والموصول وصلته في محل نصب مفعول يدعو والمعنى يدعو الذي هو الضلال البعيد وهذا تكلف إذ لو كان كذلك لانتصب الضلال وقوله هو عماد لا يمنع الإعراب كقوله تجدوه عند الله هو خيرًا فخيرًا مفعول ثان لتجدوه وعلى هذا يوقف على يدعو والكلام على بقية الوجوه يستدعي طولاً إذ لو أراد الإنسان استقصاء الكلام لاستفرغ عمره ولم يحكم أمره وهذا الوقف جدير بأن يخص بتأليف وفيما ذكر كفاية ولله الحمد
ولبئس العشير (تام)
الأنهار (حسن) وقيل كاف
ما يريد (تام))[منار الهدى: 254-255]
- أقوال المفسرين