قوله تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)}
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): ((ولها عرش عظيم) [23] وقف حسن. ولا يجوز أن تقف على العرش وتبتدئ: (عظيم وجدتها) [23، 24] إلا على قبح لأن «عظيما» نعت لـ «العرش» ولو كان معلقًا بـ(وجدتها) لقلت: عظيمة وجدتها. وهذا محال من كل وجه.
166- حدثني أبو بكر محمد بن الحسن بن شهريار قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن الأسود العجلي عن بعض أهل
العلم أنه قال: الوقف (ولها عرش) والابتداء: (عظيم) على معنى «عظيم عبادتهم الشمس والقمر». قال أبو بكر: وقد سمعت من ييد هذا المذهب ويحتج بأن عرشها أحقر وأدق شأنًا من أن يصفه الله بالعظم، والاختيار عندي ما ذكرته أولاً أنه ليس على إضمار عبادة الشمس والقمر دليل، وغير منكر أن يصف الهدهد عرشها بالعظم إذ رآه متناهي الطول والعرض. وجريه على إعراب عرش دليل على أنه نعته. (فهم لا يهتدون) غير تام لمن شدد (ألا) [25] لأن المعنى «زين لهم الشيطان ألا يسجدوا». ومن قرأ: (ألا) بالتخفيف وقف (فهم لا يهتدون ألايا) وابتدأ: (اسجدوا) على معنى «اسجدوا لله» بالأمر.)[إيضاح الوقف والابتداء: 2/815-816]
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): ( وقال نافع: {ولها عرش} تام.
حدثنا محمد بن أحمد قال: حدثنا ابن الأنباري قال: حدثنا محمد بن الحسين قال:
حدثنا الحسين بن الأسود عن بعض أهل العلم أنه قال: الوقف (ولها عرش) والابتداء (عظيم) على معنى: عظيم عبادتهم للشمس. قال: وقد سمعت من يؤيد هذا المذهب ويحتج بأن عرشها أحقر وأدق شأنًا من أن يصفه الله عز وجل بالتعظيم.
قال المقرئ أبو عمرو: فيرتفع قوله: (عظيم) على هذا المذهب بالابتداء، والخبر في قوله: (وجدتها). والتقدير: عظيم وجودي إياها وقومها ساجدين للشمس من دون الله، لأن الذي استعظم سجودهم لغير الله لا للعرش لعلمه بما آتى الله نبيه سليمان عليه السلام، من الملك العظيم والأمر الجسيم الذي لم يؤته أحد. والأوجه في ذلك عند أهل التمام أن يكون (عظيم) تابعًا للـ{عرش} وصفة له إذ غير مستنكر أن يصفه الهدهد بذلك لما رأى من تناهي طوله وعرضه وما كان فيه من كل الزينة، وإن كان قد شاهد من ملك سليمان ما يدق ذلك عنده، والله أعلم. والوجه الأول جيد بالغ، وإن كان التفسير يؤيد الوجه الثاني.
حدثنا محمد بن عبد الله قال: حدثنا أبي قال: حدثنا علي بن الحسن قال: حدثنا
أحمد بن موسى قال: حدثنا يحيى بن سلام في قوله عز وجل: {ولها عرش عظيم} أي: سرير حسن قال: وقال قتادة: كان من ذهب وقوائمه لؤلؤ وجوهر، وكان مستترًا بالديباج والحرير، وكانت عليه سبعة مغاليق، وكانت دونه سبعة أبواب مغلقة.
{فهم لا يهتدون} كاف على قراءة من قرأ (ألا تسجدوا) مخففًا. ومن قرأ {ألا يسجدوا} بالتشديد لاندغام النون فيها، فليس بوقف، لأن العامل في (أن) ما قبلها، فلا يقطع منه.)[المكتفى: 427-429]
قال أبو عبدِ الله محمدُ بنُ طَيْفُورَ الغزنويُّ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ): ({الهدهد- 20- ز} على معنى: أكان من الغائبين، على التهديد. والأصح أن {أم} متصل، بمعنى الاستفهام في: {مالي}، أي: أنا لا أراه أو هو غائب.
{لا يهتدون- 24- لا} لأن التقدير: فصدهم لئلا يسجدوا. ومن خفف {ألا} وقف مطلقًا، لأن التنبيه للابتداء، تقديره: ألا يا هؤلاء أسجدوا.)[علل الوقوف: 2/767]
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (الهدهد (جائز)
من الغائبين (كاف) على استئناف ما بعده واللام في لأعذبنه جواب قسم محذوف وليس بوقف إن جعل ما بعده متصلاً بما قبله ورسموا أو لأذبحنه بزيادة ألف بعد لام ألف كما ترى ولا تعرف زيادتها من جهة اللفظ بل من جهة المعنى
بسلطان مبين (كاف)
غير بعيد (جائز)
بما لم تحط به (حسن)
بنبأ يقين (تام) على استئناف ما بعده وإلاَّ كان جائزًا لكونه رأس آية
من كل شيء (حسن) وقد أغرب بعضهم وزعم أنَّ الوقف على عرش ويبتدئ بعظيم وجدتها وليس بشيء لأنَّه جعل العبادة لغير الله عظيمة وكان قياسه على هذا أن يقول عظيمة وجدتها إذ لمستعظم إنَّما هو سجودهم لغير الله وأمَّا عرشها فهو أذل وأحقر أن يصفه الله بالعظم وفيه أيضًا قطع نعت النكرة وهو قليل
عظيم (حسن)
من دون الله (جائز)
لا يهتدون (تام) على قراءة الكسائي ألاَّ بفتح الهمزة وتخفيف اللام وعلى قراءته يوقف على أعمالهم وعلى يهتدون ومن قرأ بتشديد إلاَّ لا يقف على أعمالهم ولا على لا يهتدون ولا على إلاَّ لأنَّ الياء على قراءتها بالتشديد من بنية الكلمة فلا تقطع وأصل ألا إن لأدغمت النون في اللام فأنَّ هي الناصبة للفعل وهو يسجدوا وحذف النون علامة النصب قال أبو حاتم ولولا أنَّ المراد ما ذكر لقال إلاَّ يسجدون بإثبات النون كقوله قوم فرعون ألا يتقون فإن قلت ليس في مصحف عثمان ألف بين السين والياء قلنا حذفت الألف في الكتابة كما حذفت من ابن بين العلمين ولو وقف على قراءة الكسائي الايا ثم ابتدأ اسجدوا جاز لأنَّ تقديره ألا يا هؤلاء اسجدوا وكثير ممن يدعى هذا الفن يتعمد الوقف على ذلك ويعده وقفًا حسنًا مختارًا وليس هو كذلك بل هو جائز وليس بمختار ومن وقف مضطرًا على يأثم قال اسجدوا على الأمر جاز والتقدير ألا يا هؤلاء اسجدوا وحذف المنادى لأنَّ حرف النداء يدل عليه وقد كثر مباشرة يا لفعل الأمر وقد سمع ألا يا ارحمونا ألا يا تصدقوا علينا بمعنى ألا يا هؤلاء افعلوا هذا أي السجود لله تعالى
والأرض (حسن) لمن قرأ إلاَّ بالتشديد
وما يعلنون (تام)
إلاَّ هو (جائز) بتقدير هو رب العرش وليس بوقف إن رفع بدلاً من الجلالة
العظيم (كاف) )[منار الهدى: 284]
- أقوال المفسرين