قوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6)}
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): (قال أبو بكر: قد ذكرنا ما في «لا» من الاختلاف في صدر الكتاب. وجواب القسم محذوف، كأنه قال: لتبعثن لتحاسبن، فدل قوله: (أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه) [3] على الجواب فحذف (ألن نجمع عظامه).
(بلى) [4] وقف حسن، ثم تبتدئ: (قادرين) على معنى «بل نجمعها قادرين». أنشدنا أبو العباس للفرزدق:
على قسم لا أشتم الدهر مسلما = ولا خارجًا من في زور كلام
أراد: لا أشتم ولا يخرج، فلما صرف يخرج إلى خارج نصب. بني على هذا بعض النحويين وقال: نصب (قادرين) لأنه صرف عن يقدر. فرد الفراء هذا وقال: يلزم قائليه أن يجيزوا «قائمًا أنت» يريدون: أتقوم أنت. ونصب «قائم» في هذا الموضع محال بإجماع إلا أنه يصلح نصب (قادرين) على التكرير «بلى فليحسبنا قادرين» ويجوز في النحو «بلى قادرون» بتأويل: بلى نحن قادرون. وأما بيت الفرزدق فإنه «خارجا» فيه منسوق على موضع «أشتم»، والتقدير «عاهدت ربي لا شاتما ولا خارجا»، لأن البيت الأول:
ألم ترني عاهدت ربي وأنني = لبين رتاج قائمًا ومقام)[إيضاح الوقف والابتداء: 2/957-958]
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): (قوله عز وجل: {لا أقسم بيوم القيامة} قيل: (لا) زائدة. وقيل: هي جحد لكلام متقدم في سورة أخرى. و(أقسم) قسم وجوابه محذوف، وتقديره: لتبعثن، ولتحاسبن، وحذف الجواب لدلالة {أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه} عليه.
{عظامه * بلى} كاف، وقيل: تام. وينتصب (قادرين) على الحال بمعنى: نجمعها قادرين. {بنانه} أكفى منه. {أيان يوم القيامة} كاف)[المكتفى: 597]
قال أبو عبدِ الله محمدُ بنُ طَيْفُورَ الغزنويُّ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ): (بسم الله الرحمن الرحيم
{عظامه- 3- ط} [أي: بلى] نجمعها قادرين.
{أمامه- 5- ج} لأن {يسأل} يصلح مستأنفًا وحالاً، أي: ليفجر أمامه سائلاً.
{القيامة- 6- ط}.)[علل الوقوف: 3/1066-1067]
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (اختلف في لا فقيل زائدة تمهيدًا للنفي وتنبيهًا من أوَّل الأمر على أنَّ المقسم به نفى وإنَّما جاز أن تلغى في أوائل السور لأنَّ القرآن كله كالسورة الواحدة ويؤيد زيادتها قراءة قنبل والبزي لأقسم بحذف الألف جوابًا لقسم مقدر أي والله لأقسم والفعل للحال ولذلك لم تأت نون التوكيد وهذا مذهب الكوفيين وأما البصريون فلا يجيزون أن يقع فعل الحال جوابًا للقسم وجوَّز بعضهم حذف النون من القسم وإن كان بمعنى الاستقبال ووقع القسم بين نفيين تأكيدًا للانتفاء ولذلك حكموا بزيادة لا في مثل ذلك في قوله فلا وربك لا يؤمنون أراد بناء الكلام على النفي من أوّل وهلة فصدر الجملة بأداة النفي غير قاصد لنفي القسم بل مؤكد النفي المقسم عليه ومن ذلك فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون أنَّه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر وتأمل لا أقسم بيوم القيامة كيف اقترن القسم بأداة النفي لما تضمن نفي صحة حسبان الإنسان أنَّ الله لا يجمع عظامه ومنه فلا أقسم بالخنس هو أيضًا متضمن لنفي ما قاله الكفار أنَّه كذاب وساحر ومجنون ولم تجئ في القرآن إلاَّ مع صريح فعل القسم بغير الله نحو لا أقسم بهذا البلد لا أقسم بيوم القيامة لا أقسم بمواقع النجوم قصد التأكيد القسم وتعظيم المقسم به ولم يسمع زيادة لا مع القسم بالله إذا كان الجواب مثبتًا فدل ذلك على أنَّ زيادتها لتوطئة القسم وقيل نافية لكلام تقدَّم عن الكفار من إنكار البعث فقيل لهم لا ليس الأمر كما زعمتم فعلى هذا يحسن الوقف على لا وليس بوقف لمن جعلها زائدة وقيل أنَّها لام الابتداء وليست لام القسم ولم يقع خلاف في قوله هنا ولا أقسم الثانية إنَّه بألف بعد لا لأنَّها لم ترسم إلا كذا بخلاف الأولى وكذلك لا أقسم بهذا البلد لم يختلف فيه أنَّه بألف بعد لا وجواب القسم محذوف تقديره لتبعثن دلَّ عليه أيحسب الإنسان وقيل الجواب أيحسب وقيل هو بلى قادرين وهذه الأقوال شاذة منكرة لا تصح عن قائلها لخروجها عن لسان العرب والكلام على ضعفها يستدعي طولاً وذكرتها للتنبيه على ضعفها والمعتمد الأوّل انظر السمين ففيه العجب العجاب وأشبعت القول لهذا الوقف وهو جدير بأن يخص بتأليف وهذا غاية في بيانه ولله الحمد
اللوَّامة (كاف) ومثله عظامه بجعل بلى متعلقة بما بعدها وقال أبو عمر والوقف على بلى كاف والمعنى بلى نجمعها قادرين وقادرين حال من ضمير نجمعها وقدَّره غيره بلى نقدر قادرين فحذف الفعل كما قال الفرزدق
ألم ترني عاهدت ربي أنَّني = لبين رتاج قائم ومقام
على حلفة لا أشتم الدهر مسلمًا = ولا خارجًا من فيّ زور كلام
أراد ولا يخرج خارجًا وقيل خارجًا منصوب على موضع لا أشتم كأنَّه قال لا شاتمًا ولا خارجًا ومن ذلك قول الشاعر
بات يعشيها بعضب باتر = يقصد في أسوقها وجائر
أراد بيقصد قاصد وجائز
بنانه (كاف) ومثله أمامه
يوم القيامة (تام))[منار الهدى: 410-411]
- تفسير