قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)}
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): ((الذين آمنوا) [10] وقف حسن. (قد أنزل الله إليكم ذكرا) حسن غير تام. وقال السجستاني: هو تام. وهذا خطأ لأن «الرسول» منصوب على الإتباع لـ «الذكر» ولا يحسن الوقف على متبوع دون تابع، ولو رفع رافع «الرسول» على معنى «هو رسول» حسن الوقف على «الذكر»، فإن قال قائل: كيف يكون «الرسول» تابعًا لـ «الذكر» و«الرسول» لا ينزل وإنما ينزل القرآن؟ قيل له: «أنزل» محمول على معنى «أظهر وبين» كما قال الشاعر:
إذا تغنى الحمام الورق هيجني = ولو تعزيت عنها أم عمار
فنصب «أم عمار» بـ«هيجني» بمعنى «ذكرني»، وقال بعض البصريين: الرسول منصوب على الإغراء بإضمار «عليكم رسولا، ابتغوا رسولا» وإنما صلح وقوع الإغراء بنكرة
لأنها وصلت بـ«يتلو» فأدنتها الصلة من المعرفة. فمن أخذ بهذا القول قال: الوقف على «ذكر» تام. وفي «رسول» وجه ثالث وهو أن ينصب بمشتق من «ذكر» يراد به «قد أنزل الله إليكم ذكرا يذكر رسولا» فمن أخذ بهذا قال: الوقف على «ذكر» حسن وليس بتام.
(وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور) [11] تام.
(ومن الأرض مثلهن) [12] حسن. (يتنزل الأمر بينهن) غير تام لأن اللام التي في (لتعلموا) لام كي، هي معلقة بما قبلها). [إيضاح الوقف والابتداء: 2/939- 940 ]
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): ({الذين آمنوا} كاف. وقيل: تام. ومثله {ذكرًا} وهو رأس آية. واختلف النحويون في نصب قوله: {رسولاً} فقال بعضهم: هو منصوب على الإغراء، والتقدير: عليكم رسولاً، وصلح الإغراء ههنا لأن النكرة وصلت بـ (يتلو) فأدناها ذلك من المعرفة، وعلى هذا يكون الوقف على قوله: (ذكرًا) تامًا. وقال آخرون: هو منصوب بفعل مضمر مشتق من (الذكر)، والتقدير: يذكر رسولاً. وقيل: هو منصوب بتقدير: أرسل رسولاً. وعلى
هذا يكون الوقف على قوله: (ذكرًا) كاف. وقيل: هو بدل من قوله: (ذكرًا) لأن (رسولاً) بمعنى رسالة كقوله: {إنما أنا رسول ربك}. وقيل: هو مفعول معه، والتقدير: قد أنزل الله إليكم ذكرًا مع رسول. وعلى هذين لا يكفي الوقف على قوله: (ذكرًا) ولا يحسن.
{من الظلمات إلى النور} تام. ومثله {له رزقًا}. {مثلهن} كاف). [المكتفى: 574-575]
قال أبو عبدِ الله محمدُ بنُ طَيْفُورَ الغزنويُّ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ): ({الألباب- 10- ج} {الذين} بدل {أولى} والوقف على {آمنوا} وقيل {الذين} منادي بحذف يا أيها، وهو غير سائغ. والأول أولى.
{ذكرًا- 10- لا} لأن {رسولاً} بدله، وقد قيل: يوقف على تقدير: وأرسل رسولاً، لأن الرسول لم يكن منزلاً.
{إلى النور- 11- ط} {أبدًا- 11- ط} {مثلهن- 12- ط}).
[علل الوقوف: 3/1025]
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (نكرًا (حسن) ومثله وبال أمرها
خسرًا (كاف) على استئناف ما بعده والوبال في كلام العرب الثقل وفي الحديث أيَّما مال زكي رفع الله وبلته ومنه قول الشاعر
محمد تفد نفسك كل نفس = إذا ما خفت من أمر وبالا
شديدًا (كاف) على استئناف ما بعده
الألباب (حسن) قاله بعضهم وقال نافع الوقف على الذين آمنوا وهو أليق لأنَّه يجعل الذين آمنوا متصلاً بأولي الألباب ثم يبتدئ قد أنزل الله إليكم ذكرًا وهو تام إن نصب رسولاً بالإغراء أي عليكم رسولاً أي اتبعوا رسولاً وكذا إن نصب بنحو أرسل رسولاً أو بعث رسولاً لأنَّ الرسول لم يكن منزَّلاً وليس بوقف إن نصب رسولاً بذكر أي أنزل عليكم أن تذكروا رسولاً أو على أنَّه بدل منه أو صفة ومعناه ذا رسول فحذف ذا وأقيم رسولاً مقامه نحو
واسأل القرية فعلى هذه التقديرات لا يوقف على ذكرًا ولا على مبينات لأنَّه لا يبتدأ بلام العلة
إلى النور (تام) ولا يوقف على الأنهار لأنَّ خالدين حال من جنات ولا يوقف على خالدين
وأبدًا (حسن)
له رزقًا (تام)
مثلهن (كاف) إن علق لتعلموا بقوله يتنزل أو بمحذوف وليس بوقف إن علق بخلق ولا يوقف على بينهن ولا على قدير
آخر السورة (تام) ). [منار الهدى: 396-397]
- أقوال المفسرين