هل سورة المزمل مكية أو مدنية؟
من حكى الإجماع على أنها مكية:
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (وهي مكية كلها بإجماعهم.
إلا أنه قد روي عن ابن عباس أنه قال: (سوى آيتين منها قوله تعالى: {واصبر على ما يقولون} والتي بعدها [المزمل: 10-11]).
وقال ابن يسار ومقاتل: (فيها آية مدنية وهي قوله تعالى: {إن ربك يعلم أنك تقوم} [المزمل: 20])). [زاد المسير: 8/387]
قالَ مُحَمَّد الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (قال ابن عطيّة: هي في قول الجمهور مكّيّةٌ إلّا قوله تعالى: {إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثي اللّيل} [المزمل: 20] إلى نهاية السّورة فذلك مدنيٌّ. وحكى القرطبيّ مثل هذا عن الثّعلبيّ.
وقال في "الإتقان": إنّ استثناء قوله: {إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثي اللّيل} إلى آخر السّورة يردّه ما أخرجه الحاكم عن عائشة (نزل بعد نزول صدر السّورة بسنةٍ وذلك حين فرض قيام اللّيل في أوّل الإسلام قبل فرض الصّلوات الخمس) اهـ.
يعني وذلك كلّه بمكّة، أي فتكون السّورة كلّها مكّيّةً فتعيّن أنّ قوله: {قم اللّيل} [المزمل: 2] أمر به في مكّة.
والرّوايات تظاهرت على أنّ قوله: {إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم} إلى آخر السّورة نزل مفصولًا عن نزول ما قبله بمدّةٍ مختلفٍ في قدرها، فقالت عائشة: (نزل بعد صدر السّورة بسنةٍ)، ومثله روى الطّبريّ عن ابن عبّاسٍ، وقال الجمهور: نزل صدر السّورة بمكّة ونزل {إنّ ربّك يعلم} إلى آخرها بالمدينة، أي بعد نزول أوّلها بسنين.
فالظّاهر أنّ الأصحّ أنّ نزول إنّ ربّك يعلم إلى آخر السّورة نزل بالمدينة لقوله تعالى: {وآخرون يقاتلون في سبيل اللّه} [المزمل: 20] إن لم يكن ذلك إنباءً بمغيّبٍ على وجه المعجزة.
وروى الطّبريّ عن سعيد بن جبيرٍ قال: (لمّا أنزل الله على نبيه صلّى الله عليه وسلّم {يا أيّها المزّمّل} [المزمل: 1] مكث النبي صلّى الله عليه وسلّم على هذا الحال عشر سنين يقوم اللّيل كما أمره اللّه وكانت طائفةٌ من أصحابه يقومون معه فأنزل اللّه بعد عشر سنين {إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم إلى وأقيموا الصّلاة} [المزمل: 20]) اهـ، أي نزلت الآيات الأخيرة في المدينة بناءً على أنّ مقام النّبي صلّى الله عليه وسلّم بمكّة كان عشر سنين وهو قولٌ جمٌّ غفيرٌ.
والرّوايات عن عائشة مضطربة فبعضها يقتضي أنّ السّورة كلّها مكّيّةٌ وأنّ صدرها نزل قبل آخرها بسنةٍ قبل فرض الصّلاة وهو ما رواه الحاكم في نقل صاحب "الإتقان". وذلك يقتضي أنّ أوّل السّورة نزل بمكّة، وبعض الرّوايات يقول فيها: (إنّها كانت تفرش لرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم حصيرًا فصلّى عليه من اللّيل فتسامع النّاس فاجتمعوا فخرج مغضبًا وخشي أن يكتب عليهم قيام اللّيل ونزل {يا أيّها المزّمّل * قم اللّيل إلّا قليلًا} [المزمل: 1، 2] فكتبت عليهم بمنزلة الفريضة ومكثوا على ذلك ثمانية أشهرٍ ثمّ وضع اللّه ذلك عنهم، فأنزل {إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثي اللّيل} إلى {فتاب عليكم} [المزمل: 20]، فردّهم إلى الفريضة ووضع عنهم النّافلة).
وهذا ما رواه الطّبريّ بسندين إلى أبي سلمة بن عبد الرحمان عن عائشة، وهو يقتضي أنّ السّورة كلّها مدنيّةٌ؛ لأنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم لم يبن بعائشة إلّا في المدينة؛ ولأنّ قولها: (فخرج مغضبًا) يقتضي أنّه خرج من بيته المفضي إلى مسجده، ويؤيّده أخبارٌ تثبت قيام اللّيل في مسجده.
ولعلّ سبب هذا الاضطراب اختلاط في الرّوايات بين فرض قيام اللّيل وبين التّرغيب فيه.
ونسب القرطبيّ إلى "تفسير الثّعلبيّ" قال: قال النّخعيّ في قوله تعالى: {يا أيّها المزّمّل} [المزمل: 1] (كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم متزمّلًا بقطيفة عائشة، وهي مرطٌ نصفه عليها وهي نائمةٌ ونصفه على النّبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يصلّي) اهـ، وإنّما بنى النّبي صلّى الله عليه وسلّم بعائشة في المدينة، فالّذي نعتمد عليه أنّ أوّل السّورة نزل بمكّة لا محالة كما سنبيّنه عند قوله تعالى: {إنّا سنلقي عليك قولًا ثقيلًا} [المزمل: 5].
وأنّ قوله: {إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم} إلى آخر السّورة نزل بالمدينة بعد سنين من نزول أوّل السّورة؛ لأنّ فيه ناسخًا لوجوب قيام اللّيل وأنّه ناسخٌ لوجوب قيام اللّيل على النّبي صلّى الله عليه وسلّم وأنّ ما رووه عن عائشة أنّ أوّل ما فرض قيام اللّيل قبل فرض الصّلاة غريبٌ.
وحكى القرطبيّ عن الماورديّ: أنّ ابن عبّاسٍ وقتادة قالا: (إنّ آيتين وهما {واصبر على ما يقولون} إلى قوله: {ومهّلهم قليلًا} [المزمل: 10، 11] نزلتا بالمدينة)). [التحرير والتنوير: 29/252-254]
من نص على أنها مكية:
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320هـ): (مكية). [الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 62]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338هـ): (حدّثنا يموت، بإسناده عن ابن عبّاسٍ،: " أنّها نزلت بمكّة فهي مكّيّةٌ إلّا آيتين منها فإنّهما نزلتا بالمدينة وهما قوله تعالى {إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثيّ اللّيل} [المزمل: 20] إلى آخرها "). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 3/126]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410هـ): (مكّيّة). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 186]
قَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيدٍ الدَّانِيُّ (ت: 444هـ): (مكية قال ابن عباس وعطاء إلا آية من آخرها وهي قوله تعالى: {إن ربك يعلم أنك تقوم} إلى آخر السورة فإنها نزلت بالمدينة). [البيان: 257]
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (مكية). [الوسيط: 4/371]
قالَ الحُسَيْنُ بنُ مَسْعُودٍ البَغَوِيُّ (ت: 516هـ): (مكّيّةٌ). [معالم التنزيل: 8/249]
قال أبو عبدِ الله محمدُ بنُ طَيْفُورَ الغزنويُّ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ): ( وهي مكية) . [علل الوقوف: 3/1057]
قالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ البَيْضَاوِيُّ (ت: 691هـ): (مكية). [أنوار التنزيل: 5/255]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774هـ): (وهي مكّيّةٌ). [تفسير القرآن العظيم: 8/249]
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911هـ): (مكية). [الدر المنثور: 15/35]
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911هـ): (أَخْرَج ابن الضريس، وَابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: (نزلت {يا أيها المزمل} بمكة). وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله). [الدر المنثور: 15/35]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911هـ): (مكية). [لباب النقول: 248]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (مكية). [لباب النقول: 278]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ): (مكية). [إرشاد الساري: 7/402]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيُّ (ت: 1250هـ): (وهي مكّيّةٌ). [فتح القدير: 5/417]
قَالَ رِضْوانُ بنُ مُحَمَّدٍ المُخَلِّلاتِيُّ (ت: 1311هـ): (مكية واستثنى ابن عباس وعطاء (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ) إلى آخر السورة فمدنية [وضمنها] بعضهم عن ابن عباس قوله تعالى: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ) إلى قوله (قَلِيلًا) ). [القول الوجيز: 328]
من نص على أنها مكية إلا آيات:
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ((مكّيّة) ما خلا آيتين من آخرها مدنية). [معاني القرآن:5/239]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّعْلَبيُّ (ت: 427هـ): (هي مكيّة إلّا قوله سبحانه: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ} الآية [المزمل: 20] إلى آخر السورة). [الكشف والبيان: 10/58]
قَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيدٍ الدَّانِيُّ (ت: 444هـ): (مكية قال ابن عباس وعطاء إلا آية من آخرها وهي قوله تعالى: {إن ربك يعلم أنك تقوم} إلى آخر السورة فإنها نزلت بالمدينة). [البيان: 257]م
قالَ مَحْمُودُ بْنُ عُمَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت: 538هـ): (مكية [إلا الآيات 10 و11 و20 فمدنية]). [الكشاف: 6/237]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 546هـ): (وهي مكية كلها في قول المهدوي وجماعة.
وقال الجمهور: هي مكية إلا قوله تعالى: {إنّ ربّك يعلم} [الزمل: 20] إلى آخر السورة، فإن ذلك نزل بالمدينة). [المحرر الوجيز: 29/439]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بْنِ جُزَيءٍ الكَلْبِيُّ (ت: 741هـ): (مكية إلا الآيات 10 و11 و20 فمدنية). [التسهيل: 2/422]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (قال مقاتل: (هي مكّيّة إلاّ قوله: {وآخرون يقاتلون في سبيل الله} [المزمل: 20])). [عمدة القاري: 19/379]
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911هـ): (وأخرج النحاس عن ابن عباس قال: (نزلت سورة المزمل بمكة إلا آيتين {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى} الآية [المزمل: 20])). [الدر المنثور: 15/35]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ): (مكية). [إرشاد الساري: 7/402]
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (مكية قيل إلا قوله إنَّ ربَّك يعلم أنَّك تقوم إلى آخرها فمدني ) . [منار الهدى: 407]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيُّ (ت: 1250هـ): (وهي مكّيّةٌ. قال الماورديّ: كلّها في قول الحسن وعكرمة وجابرٍ.
قال: وقال ابن عبّاسٍ وقتادة: (إلّا آيتين منها {واصبر على ما يقولون} الآية [المزمل: 10] والّتي تليها).
وقال الثّعلبيّ: (إلّا قوله: {إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم} [المزمل: 20] إلى آخر السّورة، فإنّه نزل بالمدينة).
وأخرج ابن الضّريس وابن مردويه والبيهقيّ عن ابن عبّاسٍ قال: (نزلت {يا أيّها المزّمّل} [المزمل: 1] بمكّة).
وأخرج ابن مردويه عن ابن الزّبير مثله.
وأخرج النّحّاس عن ابن عبّاسٍ قال: (نزلت سورة المزّمّل بمكّة إلّا آيتين {إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى} الآية [المزمل: 20])). [فتح القدير: 5/417]
قَالَ رِضْوانُ بنُ مُحَمَّدٍ المُخَلِّلاتِيُّ (ت: 1311هـ): (مكية واستثنى ابن عباس وعطاء (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ) إلى آخر السورة فمدنية [وضمنها] بعضهم عن ابن عباس قوله تعالى: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ) إلى قوله (قَلِيلًا) ). [القول الوجيز: 328]م