قوله تعالى: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)}
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): (قال قوم: اللام في «إيلاف» صلة لقوله: (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) وذلك أنه ذكر أهل مكة نعمه عليهم في إنجائه إياهم من أهل الحبشة وإهلاك الحبشة، ثم قال: (لإيلاف قريش) [1] أي ذلك نعته عليهم في رحلة الشتاء والصيف أي نعمة إلى نعمة ونعمة لنعمة. وقال قوم: اللام صلة لقوله: {فجعلهم كعصف مأكول} [الفيل: 5] أي جعلهم كذلك لتأتلف قريش. فعلى هذا المذهب الأول والثاني لا يحسن الوقف على قوله: (فجعلهم كعصف مأكول) لأن أول لإيلاف متعلق أول سورة الفيل وآخرها، وقال قوم: اللام صلة لفعل مضمر كأنه قال: اعجب يا محمد لنعم الله على قريش في إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، فلا تتشاغلن بذلك عن الإيمان بالله واتباعك، الدليل على هذا قوله (فليعبدوا رب هذا البيت. الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) [3، 4] أنشد هشام بن معاوية حجة لأن اللام من صلة التعجب:
أتخذل ناصري وتعز عبسا = أيربوع بن غيظ للمعن
فمعناه «اعجبوا للمعن»، والمعن المعترض. والوقف على (إيلاف قريش) قبيح لأن «الإيلاف» الثاني مخفوض على الإتباع لـ «الإيلاف» الأول. واجتمعت القراء على (إلافهم) [2]، وروي عن أبي جعفر (ألفهم) و(إيلافهم)
فمن قرأ (إيلافهم) أخذه من «آلف، يولف، إيلافا» كما قال ذو الرمة يصف ظبية:
من المؤلفات الرمل أدماء حرة = شعاع الضحى في لونها يتوضح
ويروى «في متنها» وقال آخر:
المطعمين إذا النجوم تحيرت = والظاعنين لرحلة الإيلاف
ومن قرأ (إلافهم) أخذه من «ألفت، ألف إفًا وإلافا»، وكلك من قرأ (إلفهم). وقال الفراء: يجوز أن يكون الإلف من يولفون، وأجود من ذلك أن يكون من «يألفون» ومعنى يولفون «يهيئون ويجهزون». ويجوز في العربية (لإيلاف قريش إلا فهم) بنصب الثاني على أنه مصدر لـ «الإيلاف» الأول كما تقول: العجب لدخولك دخولاً دارنا. ويجوز (إيلافهم رحلة الشتاء والصيف) بخفض «الرحلة» على أن تجعلها تابعة لـ «الإيلاف» وكأنك قلت: العجب لرحلتهم شتاء وصيفا، وقال الشاعر:
زعمتم أن إخوتكم قريشًا = لهم إلف وليس لكم إلاف
فجمع بين اللغتين.)[إيضاح الوقف والابتداء: 2/985- 988]
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): (قال الفراء: اللام في قوله عز وجل: {لإيلاف قريش} متعلقة بفعل مضمر، والتقدير: اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف وتركهم عبادة رب هذا البيت. والمعنى ذلك عند الخليل وسيبويه: فليعبدوا رب هذا البيت لإيلاف قريش، أي: ليجعلوا عبادتهم شكرًا لهذه النعمة واعترافًا بها. واللام متعلقة بقوله: {فليعبدوا}.
وقال الأخفش: اللام متعلقة بآخر الفيل، والمعنى عنده: فعل بهم ذلك ليؤلف قريشًا. وهذا خطأ بين، وذلك أن لو كان كما قال لكان (لإيلاف قريش) بعض آيات (ألم تر) وفي إجماع المسلمين على الفصل بينهما، وأنهما سورتان دليل على خطئه. والوقف على: {والصيف} كاف على قول الفراء، ولا تمام دون آخرها). [المكتفى: 629-630]
قال أبو عبدِ الله محمدُ بنُ طَيْفُورَ الغزنويُّ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ): (بسم الله الرحمن الرحيم
{والصيف- 2- ج} لأن تعلق اللام من: {لإيلاف} بالسورة الأولى، أي: جعلهم متمزقين ليؤلف قريشًا، أو: ليؤلف قريش أمرهم وجمعهم وقد قيل:
المعنى: فليعبدوا رب هذا8 البيت لإيلافه قريشًا، ولا وقف على:
{الصيف}. وقد قيل: خبر اللام محذوف، أي: لإيلاف قريش فعلنا ما فعلنا- مكتفيًا ببيانه في السورة الأولى-. وقد قيل: اللام لام تعجب، والمعنى: أعجبوا لإيلاف قريش.
أبو علي: قال: لو كان كذلك متصلاً لما فصل بالتسمية بين السورتين [والأول أصح].
[{البيت- 3- لا}]. [علل الوقوف: 3/1160- 3/1164]
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (بأصحاب الفيل (جائز) فصلاً بين الاستفهامين
في تضليل ليس بوقف لعطف ما بعده على ما قبله
ومثله في عدم الوقف أبابيل لأنَّ الجملة بعده صفة وهكذا إلى آخر السورة والإجماع على أنَّهما سورتان وإن اللام في لإيلاف في معنى التعجب والتقدير أعجب يا محمد لنعم الله على قريش لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف ولذلك فصل بين السورتين بالبسملة وقيل لا وقف في سورة الفيل ولا في آخرها بل هي متصلة بقوله لئلاف قريش وإن اللام متعلقة بتر كيف أو بقوله فجعلهم والمعنى أهلكنا أصحاب الفيل لتبقى قريش وتألف رحلتيها وذلك أنَّه كانت لهم رحلتان رحلة في الشتاء إلى اليمن ورحلة في الصيف إلى الشام فجعل الله هذا منة على قريش لأن يشكروه عليها فعلى هذا لا يجوز الوقف على مأكول وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّه قرأ السورتين متصلتين في ركعة من المغرب وعن جماعة من التابعين أيضًا
والصيف (كاف) إن لم تتعلق لام لئلاف بقوله فليعبدوا على معنى التأخير أي فليعبدوا رب هذا البيت لئلاف قريش فعلى هذا لا يكون في هذه السورة وقف لاتصال الكلام بعضه ببعض ولا يوقف على البيت ولا على من جوع لقطع الصفة عن موصوفها في الأول وللعطف في الثاني
وآخر السورة (تام))[منار الهدى: 434 - 435](م)
- تفسير