قوله تعالى: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)}
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): (جواب القسم محذوف، كأنه قال: والنازعات لتبعثن ولتحاسبن، فاكتفى بقوله: {أإذا كنا عظاما نخرة (11)} من الجواب، كأنهم قالوا؛ لما قيل لهم لتبعثن: أنبعث.
{أإذا كنا عظاما نخرة}؟. وقال قوم: وقع القسم على قوله تعالى: {إن في ذلك لعبرة لمن يخشى(26)} وهذا قبيح؛ لأن الكلام قد طال فيما بينهما. وقال السجستاني: يجوز أن يكون هذا من التقديم والتأخير، كأنه قال: {فإذا هم بالساهرة (14)}، {والنازعات غرقا}. وهذا خطأ لأن الفاء لا يفتتح بها الكلام. {فإذا هم بالساهرة} تام.) [إيضاح الوقف والابتداء:2/964- 965]
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): (جواب القسم محذوف كأنه قال: والنازعات لتبعثن ولتحاسبن، فاكتفى بقوله: {أإذا كنا عظامًا نخرةً} من الجواب، كأنهم قالوا، لما قيل لتبعثن، أنبعث إذا كنا عظامًا نخرة.
{أبصارها خاشعة} تام، أي: ذليلة. {كرةٌ خاسرة} تام؛ لأنه انقضاء كلام منكري البعث، وما بعد ذلك من كلام الله تعالى.
{بالساهرة} تام. وبين ذلك وقوف كافية وحسنة.
حدثنا خلف بن إبراهيم قال: حدثنا أحمد بن محمد قال: حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا القاسم بن
سلام قال: حدثنا هشيم بن بشير قال: حدثنا حصين قال: حدثنا عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: {فإذا هم بالساهرة} قال: الأرض المقدسة.)[المكتفى: 606 -607]
قال أبو عبدِ الله محمدُ بنُ طَيْفُورَ الغزنويُّ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ): (لا وقف إلى قوله: {أمرًا (5)} م، لأن جواب القسم محذوف بعده، أي: أقسم بهذه الأشياء لتبعثن، والوقف عليه لازم، لأنه لو وصل صار {يوم} [ظرفًا للمدبرات]، وقد انقضى تدبير
[علل الوقوف: 3/1086]
الملائكة في ذلك اليوم، بل عامل {يوم}: {تتبعها}.
{الرادفة (7)} ط، {واجفة ( 8)} لا، لأن ما بعده صفتها.
{خاشعة (9)} م، لتناهي وصف القيامة، [وابتداء حكاية] قولهم في الدنيا.
{في الحافرة (10)} ط، لمن قرأ: {أإذا} مستفهمًا {نخرة (11)} ط، {خاسرة (12)} م، لتناهي قولهم بالإنكار، وابتداء إخبار الله تعالى تقدير ما أنكروا.
{واحدة (13)} لا، لتعلق {إذا} المفاجأة [فلا يوقف].
{بالساهرة (14)} ط، لتبدل الكلام لفظًا ومعنى، وابتداء الاستفهام. ). [علل الوقوف:3/1086 - 1087]
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (ولا وقف من أولها إلى {أمرًا} وهو(تام) إن جعل جواب القسم محذوفًا تقديره لتعيثن أو لتحشرن، فحذف هذا الجواب لأنَّ قوله يقولون أئنَّا لمردودن فيه دلالة على أنهم أنكروا البعث والحشر فحذف، لأن ما يدل على الشيء يقوم مقامه. قال الرضى: وإذا تكررت الواو بعد القسم نحو والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى، فذهب سيبويه والخليل أن المتكررة واو العطف. وقال بعضهم: هي واو القسم والأولى أصح، وتقدم أن سيبويه سأل شيخه الخليل بن أحمد: لم لم تكن الواو المتكررة بعد واو القسم كواو القسم، وتقدم الجواب عنه في والذاريات؟
فالقسم واحد والمقسم به متعدد، والقسم هو الطالب للجواب لا المقسم به فيكون جوابًا واحدًا، والقاعدة أن ما عطف بالفاء هو من وصف المقسم به قبل الفاء، وما عطف بالواو وهو مغاير لما قبلها ومشعر بالتغاير وهو موضوعه في لسان العرب، والمقسم بها هنا محذوفات أقيمت صفاتها مقامها؛ فقيل: النازعات ملائكة تنزع نفوس بني آدم، وقيل الناشطات ملائكة، وكذا قيل: والسائحات ملائكة تتصرف في الآفاق بأمر الله تعالى تجئ وتذهب، ونشطًا وسبحًا وسبقًا كلها مصادر. وقيل: الجواب ليس محذورًا بل هو تتبعها، أو هو هل أتاك أو هوان في ذلك لعبرة وهذا قبيح لأنَّ الكلام قد طال بين القسم والجواب. وقال السجستاني: يجوز أن يكون هذا من التقديم والتأخير؛ كأنه قال: فإذا هم بالساهرة، والنازعات غرقًا، وهذا خطأ لأن الفاء لا يفتتح بها الكلام، كقول الشاعر:
وإني متى أشرف على الجانب الذي = به أنت من بين الجوانب ناظر
أزادواني ناظر متى أشرف، وكقول الآخر:
يا أقرع بن حابس يا أقرع = إنك إن يصرع أخوك تصرع
أراد أنك تصرع إن يصرع أخوك، وهذا الذي قاله أبو حاتم: في الآية خطأ من وجهين؛ أحدهما ما تقدم، والثاني أن أوَّل السورة واو القسم وسبيل القسم أنه إذا ابتدئ به لا بد وأن يكون له جواب.
{خاشعة}حسن، على استئناف ما بعده، ولا يوقف على الحافرة؛ لأن لمردودون دليل العامل في إذا وأرادوا الحياة التي ماتوا بعدها.
{نخرة}حسن، على القراءتين؛ قرأ الأخوان وأبو بكر ناخرة بألف بعد النون، والباقون نخرة بدونها وهي المصوّنة (3). ولا يوقف على خاسرة لأن ما بعدها جوابه ما قبله؛ أي إن ردنا إلى الحافرة كانت ردتنا خاسرة.
{بالساهرة} حسن، وهي التي لم توطأ، وقيل: وجه الأرض. ). [منار الهدى: 416 - 417]
- تفسير