قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (23) قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)}
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): ((التي كتب الله لكم) [21] وقف حسن.
(حتى يخرجوا منها) [22] حسن. (فإنا داخلون) مثله.
(من الذين يخافون أنعم الله عليهما) [23] غير تام لأن قوله: (ادخلوا عليهم الباب) حكاية ولا يتم الوقف على الحكاية دون المحكي. (ادخلوا عليهم الباب) حسن غير تام.
(فإنكم غالبون) أحسن منه وليس بتام أيضًا. (إن كنتم مؤمنين) أحسن من الأولين وليس بتام.
(قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي) [25] وقف حسن. و«الأخ» منسوق على «النفس» وزعم السجستاني
أن بعض المفسرين قال: الوقف (إلا نفسي) وأراد بقوله (وأخي): وأخي لا يملك إلا نفسه. وهذا قول فاسد لأنه لو كان كذا كان الكلام يدل على أن موسى لا يملك أخاه، والقرآن لا يدل على هذا، ولو كان كذا لقال: «لا أملك إلا نفسي وأخي وقومي» لأنه غير مالك لقومه كما أنه غير مالك لأخيه، فلأي معنى خص أخاه بالذكر وهو لا يملكه ولا يملك قومه، ولم يقل بها أحد يعرف من المفسرين. وسئل أبو العباس عنه فلم يعرفه ولم يجزه.
قال أبو بكر: فإن ذهب ذاهب إلى أن «الأخ» مستأنف مرفوع بما عاد من الفعل المضمر على معنى: «إني لا أملك إلا نفسي ولا أملك أمر بني إسرائيل وأخي قصته كقصتي في أنه لا يملك أمرهم ولا ينقادون لقوله ولا يقفون عند أمره
ونهيه» فهو مذهب يوجب لـ «الأخ» الاستئناف والأول أجود منه على الحالين كلتيهما. وفي إعراب «الأخ» خمسة أوجه: النصب بالنسق على (نفسي) والنصب بالنسق على الياء في (إني)، والرفع بالنسق على الياء أيضًا من أجل ضعف «إن» وأن النصب لا يظهر في الياء والرفع بالنسق على الضمير الذي في (أملك) والرفع على الاستئناف بما عاد من الضمير.
وقوله: (أربعين سنة) [26] ينصب من وجهين: إن شئت نصبتها بـ(محرمة عليهم) فلا يتم الوقف على (عليهم). وإن شئت نصبتها بـ(يتيهون في الأرض). فعلى هذا المذهب يتم الوقف على (عليهم).
[إيضاح الوقف والابتداء: 2/614-616]
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): (وقال نافع: {ممن خلق} تام. وقال: {وجعلكم ملوكًا} تام.
وهذا إذا جعل ما بعده لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو قول أبي مالك وسعيد بن جبير.
{التي كتب الله لكم} كاف. ومثله {حتى يخرجوا منها} ومثله {فإنا داخلون}. ومثله {فإنكم غالبون} وهو رأس آية في البصري. {إن كنتم مؤمنين} كاف.
وقال أحمد بن موسى اللؤلؤي: {إلا نفسي} تمام. ثم تبتدئ (وأخي) بتأويل: وأخي لا يملك إلا نفسه. وقد جاء التفسير بما قال.
حدثنا محمد بن عبد الله قال: حدثنا أبي قال: حدثنا علي بن الحسن قال: حدثنا أحمد بن موسى قال: حدثنا يحيى بن سلام قال: قال الكلبي في قوله: {إني لا أملك إلا نفسي وأخي} أي: وأخي لا يملك إلا نفسه. قال أبو عمرو: والوجه أن يكون الوقف على (وأخي) وهو كاف. فينسق على قوله: (إلا نفسي) أو على ما في قوله:
(لا أملك). والتقدير: لا أملك أنا وأخي إلا أنفسنا. وأكثر أهل التأويل على ذلك ولا يقطع من ذلك.
وقوله: {فإنها محرمة عليهم أربعين سنة} في ذلك وجهان من التفسير والإعراب. من قال: إن التحريم والتيه كان أربعين سنة، وهو قول ابن عباس والربيع والسدي نصب (أربعين) بـ (محرمة) على تفسير (التحريم). فعلى هذا يكون الوقف على قوله: (يتيهون في الأرض) وهو قول ابن عبد الرزاق وهو اختيار ابن جرير، وقيل الوقف على (أربعين سنة) ثم يستأنف (يتيهون في الأرض) ومن قال: إن (التحريم) كان أبدًا وإن (التيه) كان أربعين سنة، وهو قول عكرمة وقتادة، نصب (أربعين) بـ (يتيهون)، فعلى هذا يكون الوقف على
(محرمة عليهم) وهو قول نافع ويعقوب والأخفش وأبي حاتم، وهو اختياري.
حدثنا محمد بن عبد الله قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا علي بن الحسن قال: أخبرنا أحمد بن موسى قال: أخبرنا يحيى بن سلام قال: قال الكلبي: لما قالوا (إنا لن ندخلها أبدًا) قال الله عز وجل: (فإنها محرمة عليهم أبدًا) وهم مع ذلك يتيهون في الأرض أربعين سنة. قال: فلم يدخلها أحد ممن كان مع موسى هلكوا أجمعين إلا رجلين يوشع بن نون وكالوب بن نوفيا.
{الفاسقين} تام).[المكتفى: 235-237]
قال أبو عبدِ الله محمدُ بنُ طَيْفُورَ الغزنويُّ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ): ({ملوكًا- 20- ق} قد قيل، ولا يصح إلا ضرورة للعطف. {جبارين- 22} قد قيل لشبهة الابتداء بأن، ولكن انكسار ألف {وإنا} لمجيئه بعد القول معطوفًا على الأول. {حتى يخرجوا منها- 22- ج} لابتداء الشرط مع فاء التعقيب. {الباب- 23- ج} كذلك. {أربعين سنة – 26- ج} لأنها تصلح ظرفًا للتيه بعده، وللتحريم قبله). [علل الوقوف: 2/449]
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (عليكم ليس بوقف لتعلق إذ بما قبلها.
ملوكًا (حسن) إن جعل ما بعد لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وهو قول سعيد بن جبير وليس بوقف لمن قال إنَّه لقوم موسى وهو قول مجاهد يعني بذلك المنّ والسلوى وانفلاق البحر وانفجار الحجر والتظليل بالغمام وعليه فلا يوقف على ملاكًا لأنَّ ما بعده معطوف على ما قبله.
من العالمين (كاف)
كتب الله لكم (حسن) ومثله خاسرين وجبارين وحتى يخرجوا منها كلها حسان.
داخلون (كاف)
أنعم الله عليهما ليس بوقف لأنَّه لا يوقف على القول دون المقول وهو ادخلوا عليهم الباب.
عليهم الباب (كاف) وكذا غالبون وهو رأس آية عند البصريين.
مؤمنين (كاف)
ماداموا فيها (جائز)
قاعدون (كاف) واعلم أنَّ في وأخي ستة أوجه ثلاثة من جهة الرفع واثنان من جهة النصب وواحد من جهة الجر.
فالأول من أوجه الرفع عطفه على الضمير في أملك ذكره الزمخشري وجاز ذلك للفصل بينهما بالمفعول المحصور ويلزم من ذلك أنَّ موسى وهرون لا يملكان إلاَّ نفس موسى فقط وليس المعنى على ذلك بل الظاهر أن موسى يملك أمر نفسه وأمر أخيه أو المعنى وأخي لا يملك إلا نفسه لا يملك بني إسرائيل.
وقيل لا يجوز لأنَّ المضارع المبدوء بالهمز لا يرفع الاسم الظاهر لا تقول أقوم زيد الثاني عطفه على محل إن واسمها أي وأخي كذلك أي لا يملك إلا نفسه كما في قوله إنَّ الله بريء من المشركين ورسوله وكما في قوله إنَّ النفس بالنفس والعين بالرفع على قراءة الكسائي فقوله بالنفس متعلق بمحذوف خبر.
الثالث أن وأخي مبتدأ حذف خبره أي وأخي كذلك لا يملك إلا نفسه فقصته كقصتي والجملة في محل رفع خبر قاله محمد بن موسى اللؤلؤي
وخولف في ذلك لأنَّ المعنى إنَّ قوم موسى خالفوا عليه إلاَّ هرون وحده.
الوجه الأول من وجهي النصب أنه عطف على اسم إنَّ.
والثاني أنه عطف على نفسي الواقع مفعولاً ملك.
السادس أنه مجرور عطفًا على الياء المخفوضة بإضافة النفس على القول بالعطف على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض وهذا الوجه لا يجيزه البصريون فمن وقف على نفسي وقدر وأخي مبتدأ حذف خبره أي وأخي كذلك لا يملك إلاَّ نفسه فوقفه تام ومن وقف على وأخي عطفًا على نفسي أو عطفًا على الضمير في أملك أي لا أملك أنا وأخي إلاَّ أنفسنا أو على اسم إن أي أني وأخي كان حسنًا وهذا غاية في بيان هذا الوقف ولله الحمد.
الفاسقين (كاف) لأنَّه آخر كلام موسى عليه السلام يبنى الوقف على قوله عليهم أو على سنة والوصل على اختلاف أهل التأويل في أربعين هل هي ظرف للتيه بعده أو للتحريم قبله فمن قال إنَّ التحريم مؤبد وزمن التيه أربعون سنة وقف على محرمة عليهم ويكون على هذا أربعين منصوبًا على الظرف والعامل فيه يتيهون ومن قال إن زمن التحريم والتيه أربعون سنة فأربعين منصوب بمحرمة وقف على يتيهون في الأرض على أن يتيهون في موضع الحال فإن جعل مستأنفًا جاز الوقف على أربعين سنة وهذا قول ابن عباس وغيره وقال يحيى بن نصير النحوي إن كانوا دخلوا الأرض المقدسة بعد الأربعين فالوقف على سنة ثم حللها لهم بعد الأربعين وإن لم يكونوا دخلوها بعد الأربعين فالوقف على محرمة عليهم اهـ وقيل إنهم أقاموا في التيه أربعين سنة ثم سار موسى ببني إسرائيل وعلى مقدمته يوشع بن نون وكالب حتى قتل من الجبارين عوج بن عنق فقفز موسى في الهواء عشرة أذرع وطول عصاه عشرة أذرع فبلغ كعبه فضربه فقتله وقال محمد بن اسحق سار موسى ببني إسرائيل ومعه كالب زوج مريم أخت موسى وتقدم يوشع ففتح المدينة ودخل فقتل عوجا وقال قوم إنَّ موسى وهرون ما كانا مع بني إسرائيل في التيه لأنَّ التيه كان عقوبة وإنَّما اختصت العقوبة ببني إسرائيل لعتوهم وتمردهم كما اختصت بهم سائر العقوبات التي عوقبوا بها على يد موسى وكان موسى قال فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين وكان قدر التيه ستة فراسخ قال أبو العالية وكانوا ستمائة ألف سماهم الله فاسقين بهذه المعصية قال النكزاوي ولا عيب في ذكر هذا لأنَّه من متعلقات هذا الوقف والحكمة في هذا العدد أنهم عبدوا العجل أربعين يومًا فجعل لكل يوم سنة فكانوا يسيرون ليلهم أجمع حتى إذا أصبحوا إذا هم في الموضع الذي ابتدؤا منه ويسيرون النهار جادين حتى إذا أمسوا إذا هم بالموضع الذي ارتحلوا عنه.
يتيهون في الأرض (كاف)
الفاسقين (تام)).[منار الهدى: 117-118]
- أقوال المفسرين