العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > الناسخ والمنسوخ

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 جمادى الآخرة 1434هـ/29-04-2013م, 07:09 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيْرِ ٱللَّهِ ۖ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍۢ وَلَا عَادٍۢ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌ(173)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): ( الآية السادسة: قوله تعالى: {إنما حرم عليكم الميتة والدم...} الآية [173 مدنية / البقرة / 2] فنسخ بالسنة بعض الميتة وبعض الدم بقوله (ص) أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد والكبد والطحال وقال سبحانه: {وما أهل به لغير الله} ثم رخص للمضطر إذ كان غير باغ ولا عاد بقوله تعالى: {فلا إثم عليه}.) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]

قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية التّاسعة قوله تعالى {إنّما حرم عليكم الميتة والدّم} الآية نسخ الله تعالى بالسنة بعض الميتة والدّم بقوله عليه السّلام أحلّت لنا ميتتان ودمان السّمك والجراد والكبد والطحال ثمّ قال {وما أهلًّ به لغير الله} ثمّ رخص للمضطر وللجائع غير الباغي والعادي بقوله تعالى {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه}). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الحادية عشرة: قوله تعالى: {إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير} الآية.
ذهب جماعةٌ من مفسّري القرآن إلى أنّ أوّل هذه الآية منسوخٌ بقوله [تعالى] {فمن
اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ} وزعم بعضهم أنّه إنّما نسخ منها حكم الميتة والدّم بقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "أحلّت لنا ميتتان ودمان، السّمك والجراد، والكبد والطّحال" وكلا القولين باطلٌ، لأنّ اللّه تعالى: استثنى من التّحريم حال الضّرورة والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم استثنى بالتّخصيص ما ذكره في الحديث ولا وجه للنسخ بحال
). [نواسخ القرآن:125- 236]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 جمادى الآخرة 1434هـ/29-04-2013م, 07:32 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِى ٱلْقَتْلَى ۖ ٱلْحُرُّ بِٱلْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلْأُنثَىٰ بِٱلْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِىَ لَهُۥ مِنْ أَخِيهِ شَىْءٌۭ فَٱتِّبَاعٌۢ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَٰنٍۢ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌۭ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌۭ ۗ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ(178)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية السابعة: قوله تعالى: {كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} [178 / البقرة] وها هنا موضع النسخ من الآية الأنثى وباقيها محكم وناسخها قوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} الآية [45 / المائدة] وقيل ناسخها قوله في سورة بني إسرائيل {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل} [33 مدنية / الإسراء / 17] وقتل الحر بالعبد إسراف وكذلك قتل المسلم بالكافر.) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الرّابعة
{يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيءٌ فاتّباعٌ بالمعروف وأداءٌ إليه بإحسانٍ ذلك تخفيفٌ من ربّكم ورحمةٌ فمن اعتدى بعد ذلك فله عذابٌ أليمٌ} [البقرة: 178]
في هذه الآية موضعان أحدهما {الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} [البقرة: 178] فيه خمسة أقوالٍ منها:
ما حدّثناه عليل بن أحمد، قال: حدّثنا محمّد بن هشامٍ السّدوسيّ، قال: حدّثنا عاصم بن سليمان، قال: حدّثنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ،
{الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} [البقرة: 178] قال: " نسختها {وكتبنا عليهم فيها أنّ النّفس بالنّفس} [المائدة: 45]
" وروى ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: " كان الرّجل لا يقتل بالمرأة ولكن يقتل الرّجل بالرّجل والمرأة بالمرأة فنزلت {أنّ النّفس بالنّفس} [المائدة: 45]
" قال أبو جعفرٍ: فهذا قولٌ
وقال الشّعبيّ: نزلت في قومٍ تقاتلوا فقتل بينهم خلقٌ فنزل هذا لأنّهم قالوا: لا نقتل بالعبد منّا إلّا الحرّ ولا بالأنثى إلّا الذّكر
وقال السّدّيّ: نزلت في فريقين وقعت بينهم قتلى فأمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يقاصّ بينهم ديات النّساء بديات النّساء وديات الرّجال بديات الرّجال
والقول الرّابع قول الحسن البصريّ، رواه عنه قتادة، وعوفٌ، وزعم أنّه قول عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه قال:
هذا على التّراجع إذا قتل رجلٌ امرأةً كان أولياء المرأة بالخيار إن شاءوا قتلوا الرّجل وأدّوا نصف الدّية وإن شاءوا أخذوا نصف الدّية فإذا قتلت امرأةٌ رجلًا فإن شاء أولياء الرّجل قتلوا المرأة وأخذوا نصف الدّية وإن شاءوا أخذوا الدّية كاملةً، وإذا قتل رجلٌ عبدًا فإن شاء مولى العبد أن يقتل الرّجل ويؤدّي بقيّة الدّية بعد ثمن العبد، وإذا قتل عبدٌ رجلًا فإن شاء أولياء الرّجل أن يقتلوا العبد ويأخذوا بقيّة الدّية وإن شاءوا أخذوا الدّية
والقول الخامس: إنّ الآية معمولٌ بها يقتل الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى بهذه الآية ويقتل الرّجل بالمرأة، والمرأة بالرّجل، والحرّ بالعبد، والعبد بالحرّ لقوله جلّ وعزّ {ومن قتل مظلومًا فقد جعلنا لوليّه سلطانًا} [الإسراء: 33] ولقول رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم الّذي نقله الجماعة: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم» وهو صحيحٌ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
كما قرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن، عن قيس بن عبّادٍ، قال: انطلقت أنا والأشتر إلى عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه فقلنا: هل عهد إليك نبيّ اللّه صلّى الله عليه وسلّم شيئًا لم يعهده إلى النّاس؟ قال: لا إلّا ما في كتابي هذا، فأخرج كتابًا من قراب سيفه فإذا فيه «المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يدٌ على من سواهم ويسعى بذمّتهم أدناهم، لا يقتل مؤمنٌ بكافرٍ ولا ذو عهدٍ في عهده، من أحدث حدثًا فعلى نفسه ومن آوى محدثًا فعليه لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين»
قال أبو جعفرٍ: فسوّى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بين المؤمنين في الدّماء شريفهم ووضيعهم وحرّهم وعبدهم وهذا قول الكوفيّين في العبد خاصّةً فأمّا في الذّكر والأنثى فلا اختلاف بينهم إلّا ما ذكرناه من التّراجع
والموضع الآخر قوله تعالى {فمن عفي له من أخيه شيءٌ فاتّباعٌ بالمعروف}[البقرة: 178] الآية قيل: هي ناسخةٌ لما كان عليه بنو إسرائيل من القصاص بغير ديةٍ
كما حدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق،
قال: أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، وابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " كان القصاص في بني إسرائيل ولم تكن الدّية فقال اللّه جلّ وعزّ لهذه الأمّة {فمن عفي له من أخيه شيءٌ} [البقرة: 178] قال: والعفو أن تقبل الدّية في العمد، {فاتّباعٌ بالمعروف} [البقرة: 178] من الطّالب ويؤدّي إليه المطلوب بإحسانٍ {ذلك تخفيفٌ من ربّكم ورحمةٌ} [البقرة: 178] عمّا كتب على من كان قبلكم "
قال أبو جعفرٍ: يكون التّقدير فمن صفح له عن الواجب عليه من الدّم فأخذت منه الدّية، وقيل: عفي بمعنى كثر من قوله جلّ وعزّ {حتّى عفوا} [الأعراف: 95]
وقيل: كتب بمعنى فرض على التّمثيل، وقيل: كتب عليكم في اللّوح المحفوظ وكذا كتب في آية الوصيّة وهي الآية الخامسة
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية العاشرة قوله تعالى {يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحرّ} الآية وذلك أن حيين اقتتلا قبل الإسلام بقليل وكان لأحدهما على الآخر طول فلم يقتصّ أحدهما من صاحبه حتّى جاء الإسلام فقال الأكثرون لا نرضى أن يقتل بالعبد منا إلّا الحر منهم وبالمرأة منا إلّا الرجل منهم فسوى الله تعالى بينهما في القصاص ونزل {كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} إلى ههناموضع النّسخ وباقي الآية محكم وأجمع المفسّرون على نسخ ما فيها من المنسوخ واختلفوا في ناسخها قال العراقيّون وجماعة ناسخها الآية الّتي في المائدة وهي قوله تعالى {وكتبنا عليهم فيها أنّ النّفس بالنّفس} الآية فإن قيل هذا كتب على بني إسرائيل كيف يلزمنا حكمه فالجواب على ذلك أن آخر الآية ألزمنا ذلك وهو قوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظّالمون}وقال الحجازيون وجماعة إن ناسخها الآية الّتي في بني إسرائيل وهي قوله تعالى {ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطانا فلا يسرف في القتل} وقتل المسلم بالكافر إسراف وكذلك قتل الحر بالعبد لا يجوز عند جماعة من النّاس ,,وقال العراقيّون يجوز واحتجّوا بحديث ابن البيلماني أن النّبي (صلى الله عليه وسلم) قتل مسلما بكافر معاهد وقال أنا أحق من وفي بعهده). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (
قوله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى} الآية.
يجب من ظاهر لفظ الآية أن لا يقتل الرّجل بالمرأة، ولا المرأة بالرّجل، ولا العبد بالحرّ ولا الحرّ بالعبد.
وقال ابن عباس: هذا منسوخٌ بقوله في المائدة: {النّفس بالنّفس} [المائدة: 45].
فهذه الآية أوجبت قتل الرّجل بالمرأة، والمرأة بالرّجل، والعبد
بالحرّ، وهذا لا يجوز عند جماعةٍ من العلماء؛ لأنّ ما فرضه الله علينا لا ينسخه ما حكى الله لنا من شريعة غيرنا؛ إنّما أخبرنا الله -في المائدة- بما شرع لغيرنا، لم يفرضه علينا، فيكون ناسخًا لما تقدّم من سنّة الفرض علينا.
ولكن: الآيتان محكمتان لا نسخ في واحدةٍ منهما، على ما نبيّنه بعد -إن شاء الله تعالى-.
وفي هذه الآية أربعة أقوالٍ غير القول الأول الذي ذكرناه:
الأول: قاله الشعبي وغيره، قالوا: آية البقرة مخصوصةٌ نزلت في قوم تقاتلوا، فقتل منهم خلقٌ كثيرٌ وكانت إحدى الطّائفتين أعزّ من الأخرى، فقالت العزيزة: لا يقتل العبد منّا إلا بالحرّ منكم، ولا بالأنثى منّا إلا بالرّجل منكم، فنزلت الآية في ذلك، ثم هي في كلّ من أراد أن يفعل كفعلهم، فهي محكمة.
الثاني: قاله السّدّي، قال: هي مخصوصةٌ في فريقين تقاتلا
على عهد النبي عليه السلام ووقع بينهما قتلى، فأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يفادى بينهم، ديّات النّساء بديّات النّساء، وديّات الرّجال بديّات الرّجال، فهي في شيءٍ بعينه، وهي تعبّدٌ لمن يأتي بعدهم، فهي محكمة.
الثالث: قاله الحسن البصريّ، قال: نزلت آية البقرة في نسخ التّراجع الذي كانوا يفعلونه، وذلك أنهم كانوا يحكمون فيما بينهم أنّ الرّجل إذا قتل امرأةً، كان أولياء المرأة بالخيار، إن شاؤوا قتلوا الرّجل، وأدّوا نصف ديته، وإن شاؤا أخذوا نصف دية رجل. وإذا قتلت المرأة رجلاً، كان أولياء الرجل مخيّرين إن شاءوا قتلوا المرأة وأخذوا نصف دية الرجل وإن شاءوا أخذوا الدّية كاملةً، ولم يقتلوا المرأة، فنسخ الله ذلك من فعلهم. وقد روي هذا القول عن عليٍّ -رضي الله عنه- فتكون هذه الآية -على هذا القول- محكمةً ناسخةً لما كانوا يفعلونه.
الرابع: قاله أبو عبيد، قال: آية المائدة مفسّرةٌ لآية البقرة؛ لأن أنفس الأحرار متساويةٌ فيما بينهم.
وعلى هذا أكثر الفقهاء.
يقتل الحرّ بالحرّ والأنثى بالأنثى بآية البقرة وآية المائدة.
ويقتل الرّجل بالمرأة، والمرأة بالرّجل بآية المائدة.
والآية -عند مالك- محكمةٌ، وروي عنه أنه قال: أحسن ما سمعت في هذه الآية، أنها يراد بها الجنس، الذّكر والأنثى فيه سواء. وأشار أبو عبيدٍ إلى أن قوله هو مذهب ابن عباس.
ومعنى قوله تعالى: {فمن عفي له من أخيه شيءٌ فاتّباعٌ بالمعروف} [البقرة: 178] الآية:
قال مؤلفو النّاسخ والمنسوخ: هذا ناسخٌ لما كان عليه بنو إسرائيل من امتناع أخذ الدّية، فخفّف الله عن هذه الأمّة، وأباح لهم العفو عن القاتل عمدًا وأخذ الدّية.
قال أبو محمد: وقد كان يجب ألاّ يذكروا هذه الآية وشبهها في الناسخ والمنسوخ؛ لأنها كآي القرآن كلّها التي نسخت شرائع الكفار وأهل الكتاب، ولو نسخت آيةً أخرى لوجب ذكرها. وقد بيّنا هذا.
وفي هذه الآية إشكالٌ -على مذهب مالك- نبيّنه إن شاء الله تعالى: المعروف من مذهب مالكٍ وأصحابه: أن المعفوّ له بالديّة وليّ الدّم، عفي له بديّة أعطيها عوضًا من قتل القاتل فقبلها والعافي: القاتل عفا عن نفسه بأن بذل الديّة.
والتقدير: فمن أعطي ديّة فقبلها فعليه أن يتبع المعطي بالمعروف، وعلى المعطي أن يؤدّي ما بذل بإحسانٍ.
فـ "من". في قوله: {فمن عفي له}: اسم وليّ الدم.
فاتّباعٌ بالمعروف: أمرٌ للوليّ أن يتبع القاتل فيما بذل له من الدّية بمعروف.
وقوله: وأداءٌ إليه بإحسان: أمرٌ للقاتل أمر أن يؤدّي إلى الوليّ ما بذل له من الدّية بإحسان.
وفي رجوع الهاءات بيان هذا المعنى: فالهاء في "له" وفي "أخيه"، وفي "إليه" يعدن على الوليّ.
والأخ: هو القاتل.
وعفي له -على هذا القول- معناه: يسّر.
فهذا مذهب مالكٍ وأصحابه.
وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: معناها:
من أعطي له من أخيه شيءٌ من العقل فرضي به فليتبعه بالمعروف، وليؤدّه إليه القاتل بإحسان.
ومذهب غير مالكٍ:
أن المعفوّ له: هو القاتل.
والعافي: وليّ الدم.
وعفي: بمعنى: ترك -على هذا القول-.
فاتباع بالمعروف: أمر للوليّ - مثل القول الأول -.
وأداء إليه بإحسان: أمرٌ للقاتل - كالقول الأول -.
والأخ - في هذا القول -: وليّ الدم.
و "من" - في هذا القول -: اسم القاتل.
والهاء في "له" وفي "أخيه" - على هذا القول -: تعودان على القاتل.
والهاء في "إليه" تعود على الوليّ - كالقول الأول -.
فأما الترجيح بين المذهبين فليس هذا موضع ذكره.
وقد قال مالك في قوله تعالى: {أو يعفو الّذي بيده عقدة النكاح} [البقرة: 237]:
إن العافي: الوليّ بترك ما وجب لابنته البكر أو لأمته سمّي عافيًا، لأنه ترك ما وجب له، وهو ضدّ قوله في هذه الآية.
وقال غيره: العافي: هو الزوج.
قال أبو محمد: ولا عفو له إذا أدّى ما عليه.
وهو ضدّ قوله في آية القتل.
فكلّ واحدٍ على ضدّ قوله في الآية الأخرى.
وإنما شرحت معناها على المذهبين؛ لأني ما رأيت أحدًا بيّن ذلك ولا كشفه.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الثّانية عشرة: قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى}.
ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ دليل خطاب هذه الآية منسوخٌ، لأنّه لمّا قال: {الحرّ بالحرّ} اقتضى أن لا يقتل العبد بالحرّ، وكذا لمّا قال: {والأنثى بالأنثى} اقتضى، أن لا يقتل الذّكر بالأنثى من جهة دليل الخطاب، وذلك منسوخٌ بقوله تعالى {وكتبنا عليهم فيها أنّ النّفس بالنّفس} وإلى هذا أشار ابن عبّاسٍ فيما رواه عثمان بن عطاءٍ عن أبيه عن ابن عبّاسٍ قال: نسختها الآية الّتي في المائدة {أنّ النّفس بالنّفس} وإلى نحو هذا ذهب سعيد بن جبيرٍ ومقاتلٌ.
أخبرنا المبارك بن عليٍّ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريشٍ، قال أبنا أبو إسحق البرمكيّ، قال: أبنا أبو بكرٍ محمد بن إسماعيل إذنا قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: أبنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا يحيى بن
عبد اللّه بن بكيرٍ، قال: حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، عن عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، أنّ حيّين من العرب اقتتلوا في الجاهليّة قبل الإسلام بقليلٍ، فكان بينهم قتلٌ وجراحاتٌ، حتّى قتلوا (العبيد والنّساء) فلم يأخذ بعضهم من بعضٍ حتّى أسلموا وكان أحد الحيّين يتطاولون على الآخر في العدّة والأموال فحلفوا أن لا نرضى حتّى نقتل بالعبد منّا الحرّ منهم، وبالمرأة منّا الرّجل منهم فنزل فيهم {الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} فرضوا بذلك فصارت آية {الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} منسوخة نسخها {أنّ النّفس بالنّفس}.
قلت: وهذا (القول) ليس بشيءٍ لوجهين:
أحدهما: أنّه إنّما ذكر في آية المائدة ما كتبه على أهل التّوراة وذلك لا يلزمنا وإنّما نقول في إحدى الرّوايتين عن أحمد: إنّ شرع من قبلنا شرعٌ لنا ما لم يثبت نسخه، وبخطابنا بعد خطابهم قد ثبت النّسخ، فتلك الآية أولى أن تكون منسوخةً بهذه من هذه بتلك.
والثّاني: أنّ دليل الخطاب عند الفقهاء حجّةٌ ما لم يعارضه دليلٌ أقوى منه، وقد ثبت بلفظ الآية أنّ الحرّ يوازي الحر فلأن يوازي العبد أولى، ثمّ إنّ أوّل الآية يعمّ، وهو قوله: {كتب عليكم القصاص} وإنّما الآية نزلت فيمن كان يقتل حرًّا بعبدٍ وذكرًا بأنثى فأمروا بالنّظر في التّكافؤ.
أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن عبد اللّه بن حبيبٍ قال: أبنا عليّ بن الفضل، قال: أبنا محمّد بن عبد الصّمد، قال: أبنا عبد اللّه بن أحمد السّرخسيّ، قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا يونس عن شيبان، عن قتادة {يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى}.
قال: كان أهل الجاهليّة فيهم بغيٌ وطاعةٌ (للشّيطان) فكان الحيّ منهم إذا كان فيهم عددٌ وعدّةٌ، فقتل لهم عبدٌ قتله عبد قومٍ آخرين. قالوا: لن نقتل به إلا حرًّا تعزّزًا وتفضّلا على غيرهم في أنفسهم. وإذا قتلت لهم أنثى قتلتها امرأةٌ. قالوا: (لن نقتل) بها إلا رجلا فأنزل اللّه هذه الآية يخبرهم أنّ الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، وينهاهم عن البغي ثمّ أنزل في سورة المائدة {وكتبنا عليهم فيها أنّ النّفس بالنّفس} إلى قوله: {والجروح قصاصٌ}.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (
التاسعة: {كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ} . ذهب بعضهم إلى أن دليل الخطاب منسوخ لأنه لما قال {الحرّ بالحرّ} اقتضى أنه لا يقتل العبد بالحرّ وكذا لمّا قال {والأنثى بالأنثى} اقتضى أن لا يقتل الذّكر بالأنثى من جهة دليل الخطاب فذلك منسوخ بقوله {وكتبنا عليهم فيها أنّ النّفس بالنّفس} وهذا ليس بشيء يعول عليه لوجهين أحدهما أنه إنما ذكر في المائدة ما كتبه أهل التوراة وذلك لا يلزمنا فإن قيل شرع من قبلنا شرعٌ لنا ما لم يثبت نسخه وخطابنا بعد خطابهم قد ثبت النّسخ فتلك الآية أولى أن تكون منسوخةً بهذه من هذه بتلك والثّاني أنّ دليل الخطاب إنما يكون حجة ما لم يعارضه دليل أقوى منه وقد ثبت بلفظ الآية أنّ الحرّ يوازي الحرة فلأن يوازي العبد أولى.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (ومن هذا قول الحسن البصري في قوله عز وجل: {الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} الآية [البقرة: 178] أنها نزلت في نسخ التراجع الذي كانوا يفعلونه إذا قتل الرجل امرأة كان أولياؤها بالخيار بين قتله مع تأدية نصف ديته، وبين أخذ نصف دية الرجل وتركه، وإن كان قاتل الرجل امرأة كان أولياء المقتول بالخيار بين قتل المرأة وأخذ نصف دية الرجل، وإن شاءوا أخذوا الدية كاملة ولم يقتلوها.
قال: فنسخت هذه الآية ما كانوا يفعلونه، فإن كانت هذه الآية نزلت في ذلك فهي محكمة، ولا يقال إنها ناسخة لفعلهم؛ لأن فعلهم ذلك لم يكن بقرآن ترك، ولا هو حكم من أحكام الله عز وجل، ولا يقال أيضا لذلك الفعل الذي كانوا يفعلونه منسوخ؛ لأنه لم يكن حكما ثابتا بخطاب سابق لهذا الخطاب.
وعن ابن عباس أن هذه الآية منسوخة بقوله عز وجل في "المائدة": {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} الآية [المائدة: 45] فهذه أوجبت قتل الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل، والحر بالعبد والعبد بالحر، وليس هذا مما أصححه عن ابن عباس رحمه الله؛ لأن هذه الآية إنما هي إخبار من الله عز وجل بما أنزل في التوراة.
فإن قيل: فقد قال بعد ذلك: {ومن لم يحكم بما أنزل الله} الآية [المائدة: 45].
قلت: أراد سبحانه أن اليهود إذا خالفوا التوراة ولم يحكموا بها، وقد قال بعد ذلك: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} الآية [المائدة: 48] فأعلمنا سبحانه أن لنا شرعة تخالف شرعتهم، ومنهاجا يخالف منهاجهم.
قال الشعبي وغيره: آية البقرة نزلت في قوم اقتتلوا، فقتل بينهم جماعة كثيرة، وكانت إحدى الطائفتين تعاظمت على الأخرى وأرادت أن تقتل بالعبد منها الحر من الأخرى، وبالأنثى الرجل، فنزلت.
ثم هي لمن أراد مثل ما طلبوا.
قال هؤلاء: فهي محكمة. وليس هذا بصحيح؛ فإن الرجل يقتل بالمرأة عند عامة الفقهاء إلا ما ذكر عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري وعطاء وعكرمة، إلا أن يريدوا قتل الرجل الحر بالأمة فيكون قول الله عز وجل: {والأنثى بالأنثى} الآية [البقرة: 178] أي الأنثى من الإماء بالأنثى منهن.
أي: لا يقتل بالأمة الرجل الحر، إنما يقتل بها أنثى مثلها، أو عبد مثلها، وفيه بعد؛ لأن قوله عز وجل: {والأنثى بالأنثى} الآية [البقرة: 178] يقتضي ألا يقتل أنثى إلا بأنثى.
وقيل: إنهم أرادوا قتل امرأتين بامرأة، وقتل رجلين برجل فعلى هذا يصح معنى الآية.
وقال السدي وغيره: اقتتل فريقان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم في ديات قتلاهم: ديات النساء بديات النساء، وديات الرجال بديات الرجال.
قال هؤلاء: فهي في شيء بعينه، وهي على هذا الحكم باقية لمن أتى بعدهم، وهي محكمة، وعلى هذا الذي ذكره يصح تأويل الآية ومعناها أيضا.
وذهب سعيد بن المسيب، والثوري، والنخعي، والشعبي، وقتادة، وأبو حنيفة وأصحابه إلى أن آية البقرة منسوخة بقوله عز وجل: {أن النفس بالنفس} الآية [المائدة: 45] فأجروا القصاص بين الحر والعبد، والذكر والأنثى، وقد مر الكلام على أنها منسوخة، وأن آية المائدة لا تصلح أن تكون ناسخة.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20 جمادى الآخرة 1434هـ/30-04-2013م, 06:23 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلْأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ(180)}

قال الوليد بن محمد الموقّري الأموي (ت:182هـ): حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شِهَاب الزهري(124هـ) قال: (قوله تعالى: {إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين}. نسخت بآية الميراث.). [الناسخ والمنسوخ للزهري: 18-22]
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ):
(
الآية الثامنة: قوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} [180 مدنية / البقرة / 2] هذه الآية منسوخة وناسخها قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} [11 مدنية / النساء / 4].) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الخامسةقال اللّه جلّ وعزّ {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف حقًّا على المتّقين} [البقرة: 180]
في هذه الآية خمسة أقوالٍ:
فمن قال: إنّ القرآن يجوز أن ينسخ بالسّنّة، قال: نسخها:
«لا وصيّة لوارثٍ»
ومن قال من الفقهاء: لا يجوز أن ينسخ القرآن إلّا قرآنٌ قال: نسختها الفرائض
كما حدّثنا عليّ بن الحسين، عن الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا حجّاجٍ، عن ابن جريجٍ، وعثمان بن عطاءٍ، عن عطاءٍ،
عن ابن عبّاسٍ، في قوله جلّ وعزّ {الوصيّة للوالدين والأقربين} [البقرة: 180] قال: " كان ولد الرّجل يرثونه وللوالدين والأقربين الوصيّة فنسخها {للرّجال نصيبٌ ممّا ترك الوالدان والأقربون وللنّساء نصيبٌ ممّا ترك الوالدان والأقربون} [النساء: 7]
" وقال مجاهدٌ: " نسختها {يوصيكم اللّه في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين} [النساء: 11] "
والقول الثّالث قاله الحسن قال:
«نسخت الوصيّة للوالدين وثبتت للأقربين الّذين لا يرثون»، وكذا روى ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ
وقال الشّعبيّ، والنّخعيّ: «الوصيّة للوالدين والأقربين على النّدب لا على الحتم»
والقول الخامس: إنّ الوصيّة للوالدين والأقربين واجبةٌ بنصّ القرآن إذا كانوا لا يرثون
قال أبو جعفرٍ: وهذا قول الضّحّاك، وطاوسٍ
قال طاوسٍ: «من أوصى لأجنبيّين وله أقرباء انتزعت الوصيّة فردّت إلى الأقرباء»
وقال الضّحّاك: «من مات وله شيءٌ ولم يوص لأقربائه فقد مات عن معصيةٍ للّه جلّ وعزّ»
وقال الحسن: «إذا أوصى رجلٌ لقومٍ غرباء بثلثه وله أقرباء أعطي الغرباء ثلث الثّلث وردّ الباقي على الأقرباء»
قال أبو جعفرٍ: فتنازع العلماء معنى هذه الآية وهي متلوّةٌ فالواجب أن لا يقال: إنّها منسوخةٌ؛ لأنّ حكمها ليس بنافٍ حكم ما فرضه اللّه جلّ وعزّ من الفرائض فوجب أن يكون {كتب عليكم إذا حضر أحدكم} [البقرة: 180] الآية
كقوله {كتب عليكم الصّيام} [البقرة: 183]
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الحادية عشرة قوله تعالى {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف حقّاً على المتّقين} نسخت بالكتاب والسّنة فالكتاب قوله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم} الآية والسّنة قوله عليه السّلام ألا لا وصيّة لوارث
وقد ذهب طائفة إلى أن النّبي (صلى الله عليه وسلم) قال من لم يوصي لقرابته فقد ختم عمله بمعصية
وقال جماعة الآية كلها محكمة ذهب إلى ذلك الحسن البصريّوطاووس وقتادة والعلاء بن زيد ومسلم بن يسار
). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {الوصيّة للوالدين والأقربين}:
[الأشهر في هذه الآية أنها منسوخةٌ. واختلف في الناسخ لها ما هو؟ فمن أجاز أن تنسخ السّنة المتواترة القرآن قال: نسخ فرض الوصية للوالدين ما تواتر نقله من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وصيّة لوارث)). - وقد حكاه أبو الفرج عن مالك كذلك -. ونسخت آية المواريث فرض الوصيّة للأقربين.
ومن منع نسخ القرآن بالسّنة قال:
نسخت الوصيّة للوالدين بقوله: {ولأبويه لكلّ واحد منهما السّدس} [النساء: 11] -وكذلك قال مالك في الموطأ- ونسخت الوصيّة للأقربين بالمواريث.
ولا حجّة لمن قال هذا على من قال له: ولم لا تثبت الوصيّة والفرض لهما؟ -لأنّه مطلقٌ في الموضعين لم يقل: لا شيء لوالديه إلا السّدسان فيكون ذلك ناسخًا للوصية. إنما قال: لهما السدسان فرضًا، وقال: لهما الوصية -.
فلا بدّ من استعمال قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا وصيّة لوارث)).
وقد يحتجّ من قال: نسخت آية المواريث الوصيّة بأن المواريث قد حدّ فيها قدرًا معروفًا، والوصيّة لم يحد فيها قدرًا معروفًا، فكان المحدود أولى من غير المحدود، وله من الحجّة غير ذلك.
وقد روى ابن وهبٍ وابن القاسم عن مالك أنه قال: نزلت هذه الآية قبل الفرائض، ثم أنزل الله فرائض المواريث، فنسخت المواريث الوصية للوالدين ولكل وارث، إلا أن يأذن الورثة -وكذلك قال ابن شهاب والحسن وعطاء وزيد بن أسلم-.
وقيل: الأحسن: أن يكون نسخ الوصية للوالدين قوله: ((لا وصية لوارث)). لأن الله لما ذكر فرض الوالدين، قال بعده: {من بعد وصيّةٍ}، فقد كان يجوز أن يثبت لهما الفرض المذكور من بعد ما يوصي لهما به بنصّ القرآن، فنسخ الوصية للوالدين بآية المواريث فيه إشكال لاتّصال قوله: {من بعد وصيّةٍ يوصي بها أو دين} بفرض الوالدين. فالنّسخ بالسنّة أولى به إذ لا إشكال في ذلك.
- على أنه قد أجمع المفسرون أنّ قوله: {الوصيّة للوالدين} نزل قبل نزول آية المواريث، ففي هذا قوّةٌ لنسخ الوصيّة للوالدين بآية المواريث-.
وكذلك الكلام في نسخ الوصيّة للزّوجات، في قوله: {وصيّةً لأزواجهم} [البقرة: 240]؛ لأن بعد فرضهنّ: {من بعد وصيّةٍ}، فنسخ ذلك بالسّنة أولى وأحسن عند قوم لما ذكرنا أولاً فافهمه.
وقد قيل: بل نسخ الوصيّة للأقربين التخصيص في قوله: {وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى} [النساء: 8] -الآية-.
فحضّ الله على أن يعطوا إذا حضروا، ولو لم يفرض لهم ذلك، بدلالة الإجماع على أن اليتامى والمساكين المذكورين مع أولي القربى إذا حضروا القسمة لا فرض لهم يعطونه، وقد عطفوا على الأقربين، فالحكم فيهم واحد لا فرض لجميعهم. ولكنّه ندبٌ نسخ ما كان فرضًا من الوصيّة للأقربين. وبيّنت السّنّة أنّا غير مخيّرين في الوصيّة للوالدين المنسوخة وتركها؛ إذ قال -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وصيّة لوارثٍ)).
وبقي التّخيير لنا في الوصيّة للأقربين غير الوارثين المنسوخة، إن شئنا فعلنا ذلك، وإن شئنا لم نفعله، وفعله أفضل كصوم عاشوراء - وهذا قول مالك وأصحابه وهو مروي عن ابن عباس، وهو قول مجاهد وابن زيد، وهو قول ابن عمر والسّدّي-.وقال قتادة والحسن في هذه الآية: نسخ منها الوصية للوالدين بآية المواريث، وبقي فرض الوصية للأقربين ممّن لا يرث، وهو اختيار الطبري.
وقد قال الضحاك: من مات ولم يوص لذي قرابته فقد ختم عمله بمعصية.
وقال الحسن: إذا أوصى الرّجل لغير ذي قرابته بثلثه فلهم ثلث الثلث، والباقي من الثلث لقرابته -وقاله طاووس-.
وقال الشعبي والنخعي: الوصيّة للوالدين والأقربين في الآية على الندب لا على الفرض. فمنعت السنة من جواز الوصية للوالدين وبقيت الوصيّة للأقربين على الندب.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (
ذكر الآية الثّالثة عشرة: قوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين}.
اختلف المفسّرون في هذه الوصيّة، هل كانت واجبةً أم لا على قولين:
أحدهما: أنّها كانت ندبًا لا واجبةً، وهذا مذهب جماعةٍ منهم الشّعبيّ والنّخعيّ واستدلّوا بقوله (بالمعروف) قالوا: المعروف لا يقتضي الإيجاب وبقوله: (على المتقين) والواجب لا يختصّ به المتّقون.
والثّاني: (أنّها كانت فرضًا ثمّ نسخت، وهو قول جمهور المفسّرين، واستدلوا بقوله: {كتب} وهو بمعنى فرض كقوله تعالى: {كتب عليكم الصّيام} وقد نصّ أحمد في رواية الفضل بن زيادٍ، على نسخ هذه الآية، فقال: الوصيّة للوالدين، منسوخةٌ.
وأجاب أرباب هذا القول أهل القول الأوّل، فقالوا: ذكر المعروف لا يمنع الوجوب، لأنّ المعروف بمعنى العدل الذي لا شطط فيه ولا تقصير كقوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف} ولا خلاف في وجوب هذا [الرّزق والكسوة، فذكر المعروف في الوصيّة لا يمنع وجوبها بل يؤكّده، وكذلك تخصيص الأمر بالمتّقين دليلٌ على توكيده لأنّها إذا وجبت على المتقّين كان وجوبها على غيرهم أولى، وإنّما خصّهم بالذّكر، لأنّ فعل ذلك من تقوى اللّه تعالى، والتّقوى لازمةٌ لجميع الخلق.
فصلٌ: ثمّ اختلف القائلون، بإيجاب الوصيّة ونسخها بعد ذلك، في المنسوخ من الآية على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنّ جميع ما في الآية من إيجاب الوصيّة منسوخٌ، قاله ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما. أخبرنا عبد الوهّاب الحافظ، قال: أبنا أبو الفضل ابن خيرون، وأبو طاهرٍ الباقلاويّ، قالا: أخبرنا بن شاذان، قال: أبنا أحمد ابن كاملٍ، قال: أبنا محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي الحسين بن الحسن بن عطيّة قال: حدّثني أبي عن جدّي عن عبد اللّه بن عبّاسٍ
رضي اللّه عنهما {إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين}. قال: "نسخت الفريضة الّتي للوالدين والأقربين (الوصية) ".
أخبرنا ابن ناصرٍ، قال: أبنا ابن أيّوب، قال: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا أبو بكرٍ النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا الحسن بن محمّدٍ. وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه البقّال، قال: أبنا
عليّ بن محمّد بن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد الكاذيّ قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، قال: حدثني أبي قال بنا حجاج قال:بنا ابن جريجٍ عن عطاءٍ الخراسانيّ عن ابن عبابس رضي اللّه عنهما {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصيّة} نسختها {للرّجال نصيبٌ ممّا ترك الوالدان} الآية.
أخبرنا عبد الحقّ بن عبد الخالق بن يوسف قال: أبنا محمّد بن مرزوقٍ، قال: أبنا أبو بكرٍ الخطيب، قال: أبنا ابن رزقٍ، قال: أبنا أحمد ابن سلمان، قال: بنا أبو داود، قال: بنا أحمد بن محمّدٍ، هو المروزيّ، قال: حدّثني عليّ بن الحسين بن واقدٍ، عن أبيه عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين} فكانت الوصيّة كذلك حتّى نسختها آية الميراث.
أخبرنا أبو بكرٍ العامريّ، قال: أبنا عليّ بن الفضل، قال: أبنا ابن عبد الصّمد، قال: أبنا ابن حموية، قال: بنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: أبنا النّضر بن شميلٍ، قال: أبنا ابن عونٍ عن ابن سيرين، قال: كان ابن عبّاسٍ يخطب، فقرأ هذه الآية {إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين} فقال: هذه نسخت.
قال عبد الحميد: وحدّثنا يحيى بن آدم عن ابن حمّادٍ الحنفيّ عن جهضمٍ عن عبد اللّه بن بدرٍ الحنفيّ، قال: سمعت ابن عمر يسأل عن هذه الآية {الوصيّة للوالدين والأقربين} قال: نسختها آية المواريث.
قال عبد الحميد: وحدّثنا يحيى بن آدم عن محمد بن الفضيل، عن أشعث عن الحسن {إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين} قال: نسختها آية الفرائض.
قال عبد الحميد وأخبرني شبابة عن ورقاء عن (ابن أبي نجيحٍ) عن مجاهدٍ قال: كان الميراث للولد، والوصيّة للوالدين والأقربين، فهي منسوخة، وكذلك قال: سعيد بن جبيرٍ: {إن ترك خيراً الوصيّة} قال: نسخت).
القول الثّاني: أنّه نسخ منها الوصيّة للوالدين.
أخبرنا عبد الوهّاب، قال: أبنا أبو ظاهرٍ الباقلاويّ، قال: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا عبد الرّحمن
ابن الحسن، قال: بنا إبراهيم بن الحسين، قال: بنا آدم عن الورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ {إن ترك خيراً الوصيّة} قال: كان الميراث للولد، والوصيّة للوالدين والأقربين ثمّ نسخ منه الوالدين.
أخبرنا إسماعيل، قال: أبنا أبو الفضل البقال قال: أبنا بن بشران، قال: أبنا إسحاق الكاذيّ، قال: أخبرنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، قال: حدّثني أبي، قال: بنا أسود بن عامر، قال: بنا إسرائيل، عن مغيرة عن إبراهيم، قال: "كانت الوصيّة للوالدين فنسختها آية الميراث، وصارت الوصيّة للأقربين".
قال أحمد: وحدّثنا أبو داود عن زمعة عن ابن طاؤس عن أبيه قال: "نسخت الوصيّة عن الوالدين، وجعلت للأقربين".
قال أبو داود: وحدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن أبي ميمونة، قال:
سألت العلاء بن زيادٍ ومسلم بن يسارٍ عن الوصيّة، فقالا: "هي للقرابة".
القول الثّالث: أنّ الّذي نسخ من الآية الوصيّة (لمن) يرث ولم ينسخ الأقربون الّذين لا يرثون. رواه عكرمة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، وهو قول الحسن والضّحّاك وأبي العالية.
أخبرنا أبو بكرٍ العامريّ، قال: أبنا علي بن الفضل، قالت: أبنا ابن عبد الصّمد، قال: أبنا عبد اللّه بن أحمد، قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا مسلم بن إبراهيم عن همّام بن يحيى، عن قتادة قال: أمر أن يوصي لوالديه، وأقربيه ثمّ نسخ الوالدين وألحق لكلّ ذي ميراثٍ نصيبه منها، وليست لهم منه وصيّةٌ فصارت الوصيّة لمن لا يرث من قريبٍ أو غير قريبٍ.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا أبو الفضل البقال، قال: بنا أبو الحسن بن بشران قال: أبنا إسحاق الكاذي، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أبنا يونس عن الحسن، قال: كانت الوصيّة للوالدين والأقربين فنسخ ذلك، وأثبتت لهما نصيبهما في سورة النّساء وصارت الوصيّة للأقربين الّذين لا يرثون، ونسخ من الأقربين كلّ وارثٍ.
قال أحمد: وحدّثنا عبد الوهّاب عن سعيدٍ عن قتادة {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت} قال: "أمر اللّه أن يوصي لوالديه وأقربائه ثمّ نسخ ذلك في سورة النّساء فألحق لهم نصيبًا معلومًا، وألحق لكلّ ذي ميراث نصيبه منه وليست لهم وصيّةٌ، فصارت الوصيّة لمن لا يرث من قريبٍ أو بعيدٍ".
أخبرنا أبو بكرٍ العامريّ، قال: أبنا عليّ بن الفضل، قال: أبنا ابن عبد الصّمد قال: أبنا ابن حمّوية، قال: أبنا إبراهيم، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا يحيى بن آدم، قال: بنا إسماعيل بن عياش، قال: بنا شرحبيل بن مسلمٍ، قال: سمعت أبا أمامة الباهليّ يقول سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: ((إنّ اللّه قد أعطى كلّ ذي حقٍّ حقّه فلا وصيّة لوارث))
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (العاشرة: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصيّة} . ذهب كثير من العلماء إلى نسخها بآية الميراث. ونصأحمد على ذلك فقال: الوصية للوالدين منسوخة.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وقوله عز وجل: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} الآية [البقرة: 180]، يجوز أن تكون منسوخة بآية الميراث وأن تكون محكمة: قالوا: كانت الوصية للوالدين والأقربين ثم نسخ ذلك.
وقيل: معناها أن يوصى للوالدين والأقربين بإمضاء ما فرض الله لهم، وسوغه من مال الميت، وألا يتعدى حكم الله فيه، فتكون على هذا محكمة.
قالوا: ومما يؤيد أنها منسوخة أنها نزلت قبل أن ينزل ما في "النساء".
وقال طاووس والحسن وغيرهما: هي محكمة.
وقيل: بعضها منسوخ وهو قوله تعالى: {للوالدين} وبعضها محكم وهو {الوصية للأقربين} وممن قال ذلك الشعبي والنخعي، واختاره الطبري، ويروي ذلك عن الحسن وعن قتادة والضحاك، وقال الضحاك: من مات ولم يوص للأقربين فقد ختم عمله بمعصية.
وقال الحسن وطاووس: إذا أوصى بثلث ماله لأجنبي فلقرابته من ذلك الثلثان وللأجنبي الثلث.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 20 جمادى الآخرة 1434هـ/30-04-2013م, 06:41 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)}

قال الوليد بن محمد الموقّري الأموي (ت:182هـ): حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شِهَاب الزهري(124هـ) قال: (وقال أيضاً: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}. كانوا في أول الصيام إذا صلى الناس العتمة ونام أحدهم حرم عليه الطعام والشراب والنساء، وصلوا الصيام حتى الليلة المقبلة. فاختان رجلٌ نفسه فجامع أهله بعدما صلى العتمة فنسخ ذلك فقال: {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم}. وهو عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وامرأته الأنصارية أم عاصم بن عمر واسمها جميلة بنت أبي عاصم الذي حماه الدبر أن يؤخذ رأسه وقتلوا يومئذ أبا الجيلان بن هذيل وأسروا خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة، فنسخ شأن الصوم والنساء فقال تعالى: {فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل}.
والذي أنزلت فيه آية الصوم هو صرمة بن أبي إياس، غلبته عينه فنام فحرم عليه الطعام والشراب حتى الليلة المقبلة فأنزل الله عز وجل الرخصة في الصوم والفرح والنسوة، وذلك [قوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} ]. *
). [الناسخ والمنسوخ للزهري: 18-22]
قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) عن همّام بن يحيى البصري قال: (وعن قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات إلى قوله من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} كانت فيها رخصة الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما لا يطيقان الصوم أن يطعما مكان كل يوم مسكينا أو يفطرا ثم نسخ تلك الآية التي بعدها فقال : {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} فنسختها هذه الآية فكان أهل العلم يرون ويرجون أن الرخصة قد ثبتت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا لم يطيقا القيام أن يطعما مكان كل يوم مسكينا وللحبلى إذا خشيت على ما في بطنها والمرضع إذا خشيت على ولدها
حدثنا قتادة عن يزيد بن عبد الله أخي مطرف بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للحبلى والمرضع
). [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/31-38]

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية التاسعة: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} الآية [183 مدنية / البقرة / 2] منسوخة وذلك أنهم كانوا إذا فطروا أكلوا وشربوا وجامعوا النساء ما لم يصلوا العشاء الأخيرة ويناموا قبل ذلك ثم نسخ الله ذلك بقوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} ... إلى قوله: {وابتغوا ما كتب الله لكم} [187 / البقرة] في شأن عمر رضي الله عنه والأنصاري لأنهما جامعا معا ونزل في صرفه {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [187 مدنية / البقرة / 2]. ) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (كقوله {كتب عليكم الصّيام} [البقرة: 183]
باب ذكر قوله جلّ وعزّ {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون}[البقرة: 183]
وهي الآية السّادسة
قال أبو جعفرٍ: في هذه الآية خمسة أقوالٍ:
قال جابر بن سمرة: «هي ناسخةٌ لصوم يوم عاشوراء»، يذهب إلى أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمر بصوم يوم عاشوراء فلمّا فرض صيام شهر رمضان نسخ ذلك فمن شاء صام يوم عاشوراء ومن شاء أفطره
وإن كان قد صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من حديث أبي قتادة «صوم يوم عاشوراء يكفّر سنةً مستقبلةً»
وقال عطاءٌ: {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} [البقرة: 183] «كتب عليكم صيام ثلاثة أيّامٍ من كلّ شهرٍ»
قال أبو جعفرٍ: فهذان قولان على أنّ الآية ناسخةٌ
وقال أبو العالية والسّدّي: هي منسوخةٌ؛ لأنّ اللّه جلّ وعزّ كتب على من قبلنا إذا نام بعد المغرب لم يأكل ولم يقرب النّساء، ثمّ كتب ذلك علينا فقال جلّ ثناؤه {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} [البقرة: 183] ثمّ نسخه بقوله جلّ وعزّ {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} [البقرة: 187] وبما بعده
والقول الرّابع: إنّ اللّه جلّ وعزّ كتب علينا الصّيام شهرًا كما كتب على الّذين من قبلنا وأن نفعل كما كانوا يفعلون من ترك الوطء والأكل بعد النّوم ثمّ أباح الوطء والأكل بعد النّوم إلى طلوع الفجر
والقول الخامس: إنّه كتب علينا الصّيام وهو شهر رمضان كما كتب صوم شهر رمضان على من قبلنا
قال مجاهدٌ: كتب اللّه جلّ وعزّ صوم شهر رمضان على كلّ أمّةٍ
وقال قتادة: كتب اللّه جلّ وعزّ صوم شهر رمضان على من قبلنا وهم النّصارى
قال أبو جعفرٍ: وهذا أشبه بما في الآية، وفيه حديثٌ يدلّ على صحّته قد مرّ قبل هذا غير مسندٍ ثمّ كتبناه مسندًا
عن محمّد بن محمّد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا اللّيث بن الفرج، قال: حدّثنا معاذ بن هشام بن أبي عبد اللّه الدّستوائيّ، قال: حدّثني أبي، عن قتادة، عن الحسن، عن دغفل بن حنظلة، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: " كان على النّصارى صوم شهرٍ فمرض رجلٌ منهم فقالوا: لئن اللّه جلّ وعزّ شفاه لنزيدنّ عشرًا، ثمّ كان ملكٌ آخر فأكل لحمًا فأوجع فاه فقالوا: لئن اللّه جلّ وعزّ شفاه لنزيدنّ سبعًا، ثمّ كان ملكٌ آخر فقال: لنتمّنّ هذه السّبعة الأيّام ونجعل صومنا في الرّبيع " قال: فصار خمسين " قال أبو جعفرٍ: أمّا قول عطاءٍ: إنّها ناسخةٌ لصوم ثلاثة أيّامٍ فغير معروفٍ وقول من قال: إنّه نسخ منها ترك الأكل والوطء بعد النّوم لا يمتنع، وقد تكون الآية ينسخ منها الشّيء كما قيل في الآية السّابعة
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون} الآية.
قال ابن حبيب: هذا من قوله: {فبهداهم اقتده} [الأنعام: 90] وكان المسلمون يقتدون بصيام أهل الكتاب وفعلهم، فكانوا إذا صلّوا العشاء حرم عليهم الطعام والشّراب والوطء إلى مثلها من اللّيلة القابلة.
وقيل: كان يلزمهم ذلك إذا ناموا.
فخفّف الله ذلك عنهم، ونسخه بقوله: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} [البقرة: 187] الآية. وبقوله: {أحلّ لكم ليلة الصيام الرّفث إلى نسائكم} [البقرة 187] الآية.
ونسخ فرض صيام من كان قبلنا بفرض رمضان.
قلت: فالآية على قوله منسوخةٌ، أعلمنا الله فيها أنه فرض علينا مثل ما فرض على من كان قبلنا. ثم نسخ ذلك. وهو قول السّدّي وأبي العالية.
وقيل: الآية ناسخةٌ وليست بمنسوخةٍ واختلف في ذلك:
فقيل: هو ناسخٌ لما فرض النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على أمته من صوم يوم عاشوراء. قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان يوم عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية، فلمّا قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، صامه وأمر بصيامه. فلما فرض رمضان كان هو الفريضة. وترك صيام يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه" -وقاله جابر بن سمرة وغيره-.
وقد قال قومٌ: إن فرض صوم يوم عاشوراء باقٍ إلى الآن،
وهو قول شاذٌّ، غير معمولٍ به.
والنّسخ لصوم يوم عاشوراء كان بالمدينة لحديث عائشة -رضي الله عنها- وقولها: فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صامه، وأمر الناس بصيامه؛ لأن صوم رمضان بالمدينة فرض.
وقال ابن عباس: هذا ناسخ لما كان أمر به النبي صلى الله عليه وسلم كان أمر بصيام ثلاثة أيام من كلّ شهر في أوّل قدومه المدينة، وقاله معاذٌ وغيره وقال عطاء: هو ناسخٌ لما فرض على من كان قبلنا، كان فرض عليهم صوم ثلاثة أيام من كلّ شهر، وهو قول قتادة.
قال أبو محمد: وقوله تعالى: {علم الله أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا} [البقرة: 187]، يدلّ على أن الله فرض علينا ما كان فرضه على من كان قبلنا من الصيام وترك الطّعام والشراب والوطء بعد النوم. فهو منسوخٌ بما بعده، دليل ذلك أن الخيانة لا تلحق إلاّ من ترك ما أمر به وفعل ما نهي عنه.
وقوله: {فتاب عليكم}، يدلّ على ذنبٍ اكتسبوه وهو الوطء والأكل والشّرب بعد النوم في ليالي الصيام.
وكذلك قوله: {وعفا عنكم} يدلّ على أنهم أذنبوا ذنبًا عفا لهم عنه، وهو ما ذكرنا. ولا يكون الذّنب إلاّ عن ركوب نهيٍ أو ترك أمر، فدلّ على أنه كان مفروضًا عليهم، ثم نسخ بإباحة الأكل والشرب والوطء بعد النوم.
وقد قال الشعبي والحسن ومجاهد: الآية محكمةٌ غير ناسخة ولا منسوخة. وذلك أن الله جلّ ذكره كان قد افترض على من كان قبلنا من النصارى صوم رمضان، فحولّوه عن وقته، ثم زاد كل قرنٍ يومًا في أوله للاستبراء والاحتياط ويومًا في آخره حتّى صار إلى خمسين يومًا، ففرض الله علينا صومه خاصّة كما كان فرضًا عليهم بقوله: {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتّقون} [البقرة: 183].والكلام في إعراب الكاف من قوله: {كما كتب}، يصرح بالمعنى وببيّنه، وقد ذكرناه في غير هذا الكتاب.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الرّابعة عشرة: قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم}.
أمّا قوله كتب، فمعناه: فرض.والّذين من قبلنا، هم أهل الكتاب وفي كاف التّشبيه في قوله: (كما) ثلاثة أقوال:
أحدها: أنّها ترجع إلى حكم الصّوم وصفته لا إلى عدده.
أخبرنا عبد الحقّ بن عبد الخالق، قال: أبنا محمّد بن مرزوقٍ، قال: أبنا أحمد بن عليّ بن ثابتٍ، قال: أبنا عبد اللّه بن يحيى السّكّريّ، قال: أبنا جعفرٌ الخلديّ، وقال: أبنا أبو علاثة محمّد بن عمرو بن خالد، قال: بنا أبي قال: بنا يونس بن راشدٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما.
وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، وقال: بنا أبو الفضل البقّال، قال: أبنا أبو الحسين بن بشران قال: بنا إسحاق الكاذي قال: بنا عبد اللّه بن أحمد قال حدثني أبي قال: بنا حجّاجٌ عن ابن جريجٍ عن عطاءٌ عن ابن عبّاسٍ رضي
اللّه عنهما ولم يذكر عكرمة.
قال: {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} يعني بذلك: أهل الكتاب، وكان كتابه على أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّ الرّجل كان يأكل ويشرب، وينكح، ما بينه وبين أن يصلّي العتمة، أو يرقد وإذا صلّى العتمة أو رقد منع ذلك إلى مثلها، فنسختها هذه الآية {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم}.
أخبرنا محمّد بن أبي منصورٍ قال: أبنا عليّ بن أبي أيّوب، قال: أبنا أبو عليّ بن شاذان، قال: أخبرنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السّجستانيّ، قال: أبنا نصر بن علي، قال: بنا أبو أحمد، قال: بنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء، قال: كان الرّجل إذا صام فنام لم يأكل إلى مثلها من القابلة، وأنّ قيس بن صرمة، أتى امرأته، وكان صائمًا فقال: عندك شيءٌ قالت: لعلّي أذهب فأطلب لك، فذهبت وغلبته عينه فجاءت فقالت: خيبةٌ لك فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم،
فنزلت {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} إلى قوله {من الفجر}.
وقال سعيد بن جبيرٍ: "كتب عليهم إذا نام أحدهم قبل أن يطعم لم يحلّ له أن يطعم إلى القابلة، والنّساء عليهم حرامٌ ليلة الصّيام، وهو عليهم ثابتٌ وقد أرخص لكم". فعلى هذا القول تكون الآية منسوخةً بقوله تعالى: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} الآية.
وقد روي أنّ قيس بن صرمة أكل بعدما نام، وأن عمربن الخطّاب جامع زوجته بعد أن نامت، فنزل فيهما قوله تعالى: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} الآية.
القول الثّاني: أنّها ترجع إلى عدد الصّوم لا إلى صفته، ولأرباب هذا القول في ذلك ثلاثة أقواله:
أمّا الأوّل: فأخبرنا أبو بكر بن حبيب، قالت: أبنا عليّ بن الفضل العامريّ قال: أبنا ابن عبد الصّمد، قال: أبنا ابن حمّوية، قال: أبنا إبراهيم ابن خريم قال: حدّثنا عبد الحميد، قال: بنا هاشم بن القاسم، قال بنا محمّد بن طلحة عن الأعمش، قال: قال ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما كتب على النّصارى الصّيام كما كتب عليكم، فكان أوّل أمر النّصارى أن قدموا يوماً قالوا: حتى لا نخطئ.
قال: ثمّ آخر أمرهم صار إلى أن قالوا: نقدّمه عشرًا ونؤخر عشراً حتى لا نخطئ. فضلّوا، وقال دغفل بن حنظلة كان على
النّصارى صوم رمضان فمرض ملكهم (فقالوا) إن شفاه الله تعالى لنزيدن
عشرةً، ثمّ كان بعده ملكٌ آخر فأكل اللّحم فوجع فوه فقال: إن شفاه ليزيدنّ سبعة أيّامٍ ثمّ ملكٌ بعده ملكٌ، فقال: ما ندع من هذه الثّلاثة الأيّام أن نتمّها، ونجعل صومنا في الرّبيع، ففعل فصارت خمسين يومًا.
وروى السّدّيّ عن أشياخه، قال: اشتدّ على النّصارى صيام رمضان، وجعل يتقلّب عليهم في الشّتاء والصّيف، فلمّا رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا صيامًا في الفصل بين الشّتاء والصّيف، وقالوا نزيد عشرين يومًا نكفّر بها ما صنعنا فجعلوا صيامهم خمسين يومًا فعلى هذا البيان الآية محكمةٌ غير منسوخةٍ.
وأمّا الثّاني: فأخبرنا عبد الوهّاب، قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون، وأبو طاهرٍ الباقلاويّ، قالا. أخبرنا أبو عليّ بن شاذان، قال: أبنا أحمد بن كاملٍ، قال: أبنا محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثنا أبي قال حدّثني عمّي الحسين ابن الحسن بن عطيّة، قال: حدّثني أبي عن جدّي عن ابن عباس رضي الله
عنهما {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} فكان ثلاثة أيّامٍ في
كلّ شهرٍ، ثمّ نسخ ذلك ما أنزل من صيام رمضان وقال قتادة: كتب الله عز وجل على النّاس قبل نزول شهر رمضان ثلاثة أيّامٍ من كلّ شهرٍ.
وأمّا الثّالث: فقد روى (النّزّال) بن سبرة عن ابن مسعودٍ، أنّه قال: ثلاثة أيّامٍ من كلّ شهرٍ، ويوم (عاشوراء) وقد زعم أرباب هذا القول، أنّ الآية منسوخةٌ بقوله: {شهر رمضان} وفي هذا بعدٌ كثيرٌ، لأنّ قوله {شهر رمضان} جاء عقيب قوله {كتب عليكم الصّيام} فهو كالتّفسير للصّيام والبيان له.
القول الثّالث: إنّ التّشبيه راجعٌ إلى نفس الصّوم لا إلى صفته ولا إلى عدده، وبيان ذلك، أنّ قوله تعالى: {كما كتب على الّذين من قبلكم} لا يدلّ على عددٍ ولا صفةٍ، ولا وقتٍ، وإنّما يشير إلى نفس الصّيام كيف وقد عقّبه اللّه بقوله تعالى {أيّاماً معدوداتٍ} فتلك يقع على يسير الأيّام وكثيرها.
فلمّا قال تعالى: في نسق التّلاوة شهر رمضان، بيّن عدد الأيّام المعدودات ووقتها، وأمر بصومها فكان التّشبيه الواقع في نفس الصّوم. والمعنى كتب عليكم أن تصوموا كما كتب عليهم، وأمّا صفة الصّوم وعدده فمعلومٌ من وجوهٍ أخر لا من نفس الآية.وهذا المعنى مرويٌّ عن ابن أبي ليلى وقد أشار إليه السّدّيّ والزّجّاج، والقاضي أبو يعلى، وما رأيت مفسّرًا يميل إلى التحقيق إلا وقد أومأ إليه، وهو الصّحيح. وما ذكره المفسّرون فإنّه شرح حال صوم المتقدمين، وكيف كتب عليهم لا أنه تفسيرٌ للآية وعلى هذا البيان لا تكون الآية منسوخةً أصلا.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الثّانية عشرة قوله تعالى {يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} اختلف النّاس في الإشارة إلى من هي فقال بعضهم الإشارة إلى الأمم الخالية وهو قول الأكثرين وذلك أن الله تعالى ما أرسل نبيا إلّا فرض عليه وعلى أمته صيام شهر رمضان فكفرت به الأمم كلها وآمنت به أمة محمّد (صلى الله عليه وسلم) فيكون التّنزيل على هذا الوجه مدحا لهذه الأمة وقال بعضهم الإشارة إلى النّصارى وذلك أنهم كانوا إذا أفطروا وأكلوا وشربوا جامعوا النّساء ما لم يناموا وكان المسلمين كذلك وزيادة عليهم كانوا إذا أفطروا وأكلوا وشربوا جامعوا النّساء ما لم يناموا ويصلوا العشاء الآخرة فعمد أربعون رجلا من المهاجرين والأنصار فجامعوا نساءهم بعد النّوم منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك
أنه رواد امرأته عن نفسها فقالت إنّي كنت قد نمت وكان أي الزّوجين إذا نام حرم على الآخر فلم يلتفت إلى قولها فجامعها فجاءت الأنصار فأقرت على أنفسها عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بفعالها وأقر عمر على نفسه بفعله فقال له النّبي (صلى الله عليه وسلم) لقد كنت يا عمر جديرًا أن لا تفعل فقام يبكي وكان النّبي (صلى الله عليه وسلم) يمشي بالمدينة فرأى شيخا كبيرا من الأنصار يقال له صرمة بن قيس يكنى أبا قيس من بني النجار وهو يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان الأرض خطا فقال له النّبي (صلى الله عليه وسلم) ما لي أراك يا أبا قيس طليحا قال الشّيخ هبة الله والطليح الضّعيف فقال يا رسول أنّي دخلت على امرأتي البارحة فقالت عليّ رسلك أبا قيس حتّى أسخن لك طعاما قد صنعته لك فمضت لإسخانه فحملتني عيناي فنمت فجائتني بالطّعام فقالت الخيبة الخيبة حرم واللهعليك الطّعام والشراب فأصبحت طاويا وعملت في أرضي فغشي عليّ من الضعف فرق له النّبي (صلى الله عليه وسلم) حتّى دمعت عيناه وكان قصّة صرمة قبل قصّة عمر والأنصار فبدأ الله بقصّة عمر والأنصار لأن الجناح في الوطء أعظم منه في الأكل والشرب فنزل {أحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} إلى قوله {فتاب عليكم وعفا عنكم} في شأن عمر والأنصار ونزل في قصّة صرمة قوله تعالى {وكلوا واشربوا} إلى قوله {ثمّ أتمّوا الصيام إلى الليل} فصارت هذه الآية ناسخة لقوله تعالى {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} الآية
). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الحادية عشرة: {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} ذهب بعضهم إلى أن الإشارة إلى صفة الصوم وكان قد كتب على من قبلنا أنه إذا نام أحدهم في الليل لم يجز له الأكل إذا انتبه بالليل ولا الجماع فنسخ ذلك عنا بقوله {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} الآية والصحيح أن الإشارة إلى نفس الصوم والمعنى كتب على من قبلكم أن يصوموا وليست الإشارة إلى صفة الصوم ولا إلى عدده فالآية على هذا محكمة.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وقال قوم في قوله عز وجل: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} الآية [البقرة: 183] إن الآية منسوخة، وإن المسلمين كانوا يقتدون بفعل أهل الكتاب في صومهم، فكانوا إذا ناموا حرم بعد نومهم أن يأكلوا أو يشربوا أو يقربوا النساء، وكذلك بعد صلاة العشاء الآخرة وإن لم يناموا، وليس هذا القول بشيء، وإنما المعنى: فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم. أي: أوجبه الله تعالى عليكم كما أوجبه على الذين من قبلكم.
قال علي رضي الله عنه: (أولهم آدم وجميع الأمم مفروض عليهم الصوم).
وقال قوم: أراد بقوله: {أياما معدودات} الآية [البقرة: 184] يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، كتب على رسول الله صلى الله عليه وسلم صيامها حين هاجر، ثم نسخ بشهر رمضان، وهذا غير صحيح؛ لأنه بين الأيام المعدودات بقوله عز وجل: {شهر رمضان} الآية [البقرة: 185].
وأما قوله عز وجل: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين) قيل: إنها منسوخة، وكانوا: من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا عن كل يوم، ثم نسخ ذلك بقوله عز وجل: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} الآية [البقرة: 185]، وقد قيل إنها محكمة.
وقوله: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} الآية [البقرة: 185] يريد: من أفطر لمرض ثم صح فأطاق القضاء فلم يقض حتى أدركه فرض الصوم لعام آخر فإنه يصوم الذي أدركه فإذا فرغ منه قضى الذي فاته وأطعم عن كل يوم مدا، وأما من اتصل به المرض فلم يطق أن يقضي حتى جاء الصوم الآخر، فإنه يقضي، إذا أطاق بعد ذلك ولا إطعام عليه، وهذا القول قول زيد بن أسلم وابن شهاب ومالك رحمه الله في رواية ابن وهب عنه.
ويجوز – والله أعلم – أن تكون محكمة، ويكون معنى قوله: {وعلى الذين يطيقونه} الآية [البقرة: 184] أي الذين يتعمدون الفطر من غير عذر فإنهم يلزمهم إطعام ستين مسكينا، أو العتق، أو صوم شهرين. والسنة بينت الإطعام وزادت العتق والصيام.
وليس التأويل الأول: كانوا من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم – بمتفق عليه بين الصحابة – إنما ذلك قول معاذ بن جبل رحمه الله، وقد خالفه ابن عباس وأبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقرأ: (وعلى الذين يطوقونه) بضم الياء وفتح الطاء وتشديد الواو.
وقال ابن عباس رحمه الله: (نزلت في الكبيرين اللذين لا يقدران على الصوم والمريض)، وعلى هذه القراءة أيضا عائشة رضي الله عنها وعطاء وابن جبير وعكرمة.
وعن مجاهد: (يطوقونه) بفتح الواو وتشديد الطاء والواو، أي يتكلفونه.
ومعنى الأولى يكلفونه على جهد وعسر، ولو كانوا في صدر الإسلام على ما قيل من التأويل الأول لمنع شهرة ذلك من وقوع هذا الخلاف.
وأنا أذكر بعون الله الآيات التي قيل إنها منسوخة ولها وجه تحمل عليه فتكون محكمة.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20 جمادى الآخرة 1434هـ/30-04-2013م, 06:50 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: {أَيَّامًۭا مَّعْدُودَٰتٍۢ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍۢ فَعِدَّةٌۭ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدْيَةٌۭ طَعَامُ مِسْكِينٍۢ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًۭا فَهُوَ خَيْرٌۭ لَّهُۥ ۚ وَأَن تَصُومُوا۟ خَيْرٌۭ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(184)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية العاشرة: قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [184 مدنية / البقرة / 2] هذه الآية نصفها منسوخ وناسخها قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [185 / البقرة] يعني فمن شهد منكم الشهر حيا بالغا صحيحا عاقلا فليصمه.) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية السّابعةقال جلّ وعزّ {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ فمن تطوّع خيرًا فهو خيرٌ له وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون} [البقرة: 184]
قال أبو جعفرٍ: في هذه الآية أقوالٌ أصحّها أنّها منسوخةٌ، سياق الآية يدلّ على ذلك والنّظر والتّوقيف من رجلين من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم
كما قرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن قتيبة بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن بكيرٍ، عن يزيد، مولى سلمة بن الأكوع، عن سلمة بن الأكوع، قال: " لمّا نزلت هذه الآية {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} [البقرة: 184] كان من شاء منّا صام ومن شاء أن يفتدي فعل حتّى نسختها الآية الّتي بعدها "
قال أبو جعفرٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، عن الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، وعثمان بن عطاءٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه تبارك وتعالى {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} [البقرة: 184] قال: " كان الرّجل يصبح صائمًا أو المرأة في شهر رمضان ثمّ إن شاء أفطر وأطعم مسكينًا فنسختها {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه} [البقرة: 185] " قال أبو جعفرٍ: فهذا قولٌ
وقال السّدّيّ {وعلى الّذين يطيقونه} [البقرة: 184] كان الرّجل يصوم من رمضان ثمّ يعرض له العطاش فأطلق له الفطر وكذلك الشّيخ الكبير والمرضع يفطرون ويطعمون عن كلّ يومٍ مسكينًا {فمن تطوّع خيرًا} [البقرة: 184] فأطعم مسكينين فهو خيرٌ له
وقال الزّهريّ {فمن تطوّع خيرًا} [البقرة: 184] صام وأطعم مسكينًا فهو خيرٌ له
وقيل: المعنى الّذين يطيقونه على جهدٍ قال أبو جعفرٍ: الصّواب أن يقال: الآية منسوخةٌ بقوله جلّ وعزّ {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه} [البقرة: 185]؛ لأنّ من لم يجعلها منسوخةً جعله مجازًا وقال المعنى: يطيقونه على جهدٍ أو قال: كانوا يطيقونه فأضمر كان وهو مستغنٍ عن هذا وقد اعترض قومٌ بقراءة من قرأ «يطوّقونه»، «ويطّوّقونه»
ولا يجوز لأحدٍ أن يعترض بالشّذوذ على ما نقله جماعة المسلمين في قراءتهم وفي مصاحفهم ظاهرًا مكشوفًا وما نقل على هذه الصّورة فهو الحقّ الّذي لا شكّ فيه أنّه من عند اللّه جلّ وعزّ ومحظورٌ على المسلمين أن يعارضوا ما تثبت به الحجّة أنّه من عند اللّه بالظّنون والأوهام والشّذوذ، وما لا يوقف منه على حقيقةٍ
غير أنّ العلماء قد احتجّوا بهذه الآية وإن كانت منسوخةً؛ لأنّها ثابتةٌ في الخطّ وهذا لا يمتنع، فقد أجمع العلماء على أنّ قوله جلّ وعزّ: {واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم} [النساء: 15] أنّه منسوخٌ
وثبّتوا منها شهادة أربعةٍ في الزّنا فكذا {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} [البقرة: 184]
وإن كانت منسوخةً ففيها غير حجّةٍ وذلك أنّه قد أجمع العلماء على أنّ المشايخ والعجائز الّذين هم لا يطيقون الصّيام أو يطيقونه على مشقّةٍ شديدةٍ فلهم الإفطار، وقال ربيعة، ومالكٌ: لا شيء عليهم إذا أفطروا غير أنّ مالكًا قال: لو أطعموا عن كلّ يومٍ مسكينًا مدًّا كان أحبّ إليّ، وقال أنس بن مالكٍ، وابن عبّاسٍ، وقيس بن السّائب، وأبو هريرة عليهم الفدية
وهو قول الشّافعيّ اتّباعًا منه لقول الصّحابة وهذا أصلٌ من أصوله
وحجّةٌ أخرى فيمن قال: عليهم الفدية: إنّ هذا ليس بمرضٍ ولا هم مسافرون فوجبت عليهم الفدية لقول اللّه جلّ وعزّ {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} [البقرة: 184]
والحجّة لمن قال: لا شيء عليهم أنّه من أفطر ممّن أبيح له الفطر فإنّما عليه القضاء إذا وصل إليه وهؤلاء لا يصلون إلى القضاء، وأموال النّاس محظورةٌ إلّا بحجّةٍ يجب التّسليم لها ولم يأت ذلك
وممّا وقع فيه الاختلاف أيضًا الحبلى والمرضع إذا خافتا على ولديهما
فأفطرتا فمن النّاس من يقول: عليهما القضاء بلا كفّارةٍ هذا قول الحسن، وعطاءٍ، والضّحّاك، وإبراهيم، وهو قول أهل المدينة
وقول ابن عمر، ومجاهدٍ عليهما القضاء والكفّارة وهو قول الشّافعيّ
وقول ابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وعكرمة عليهما الفدية ولا قضاء عليهما
والحجّة لمن قال عليهما القضاء بلا كفّارةٍ أنّ من أفطر وهو مأذونٌ له في الفطر فإنّما عليه يومٌ يصومه كاليوم الّذي أفطره
وحجّة من قال: عليهما القضاء والكفّارة أنّهما أفطرتا من أجل غيرهما فعليهما القضاء لتكملا العدّة وعليهما الكفّارة لقول اللّه جلّ وعزّ {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} [البقرة: 184] وحجّة من قال: عليهما الفدية بغير قضاءٍ الآية أيضًا وليس في الآية قضاءٌ فاحتجّ العلماء بالآية وإن كانت منسوخةً وكان بعضهم يقول: ليست بمنسوخةٍ، والصّحيح أنّها
منسوخةٌ والآية الثّامنة ناسخةٌ بإجماعٍ
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الثّالثة عشرة قوله تعالى {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} وهذه الآية نصفها منسوخ ونصفها محكم وقد قرأت {يطوقونه} فمن قرأ {يطيقونه} أراد يطيقون صيامه ومن قرأ يطوّقونه يعني يكلفونهوكان الرجل في بدء الإسلام مخيّرا إن شاء صام وإن شاء أفطر وأطعم مكان يومه مسكينا حتّى قال الله تعالى فمن تطوع خيرا وأطعم مسكينا بمكان يومه كان أفضل والإطعام مد من طعام على قول أهل الحجاز وعلى قول أهل العراق نصف صاع حتّى أنزل الله تعالى الآية الّتي تليها وهي قوله تعالى {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} وهذا الظّاهر يحتاج إلى كشف ومعناه والله أعلم من شهد منكم الشّهر حاضرا عاقلا بالغا صحيحا فليصمه فصار هذا ناسخا لقوله تعالى {وعلى الّذين يطيقونه}). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (
قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين} الآية:
الأشهر المعوّل عليه في هذه الآية أنها منسوخةٌ بقوله تعالى: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه} [البقرة: 185].
وذلك أن الله جلّ ذكره فرض صوم شهر رمضان، وكان قد أباح بهذه الآية للمقيم القادر على الصّوم أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينًا، بقوله: {وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مساكين} أي: على الذين يطيقون الصّوم ويفطرون فديةٌ، ثم بيّن الفدية، فقال: طعام مسكين يعني: عن كل يوم.
ثم نسخ ذلك بقوله: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}، أي: فمن شهده في المصر صحيحًا فليصمه فأوجب عليه الصّوم.
قال معاذ بن جبل: لما قال الله جلّ ذكره: {وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مساكين}، كان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينًا عن
كلّ يوم. قال: ثمّ أوجب الله الصّيام على الصحيح المقيم بقوله: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}، وثبت الإطعام على من لا يطيق الصّوم إذا أفطر من كبرٍ - وهو قول ابن عمر وعكرمة والحسن وعطاء، وعليه جماعةٌ من العلماء -.
وقال مالك: الآية منسوخةٌ والإطعام على الكبير إذا أفطر ولم يطق الصّوم، وروي عنه أنه استحبّ الإطعام للكبيرين إذا أفطرا ولم يطيقا الصوم من غير إيجاب.
وأما الحامل تخاف على نفسها فتفطر فعليها القضاء إذا وضعت. ولا إطعام عليها لأنها مريضةٌ.
والمرضع إذا خشيت على ولدها فأفطرت فالإطعام عليها مع القضاء إيجابٌ، بخلاف الحامل والكبيرين؛ ولأنها صحيحةٌ، وإنما أفطرت من أجل ولدها.
فأما المريض فلا إطعام عليه إذا أفطر ولم يقدر على الصّوم، وعليه القضاء إذا صحّ. وكذلك المسافر لقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضًا أو على سفرٍ فعدّةٌ من أيّامٍ أخر} [البقرة: 184] أي: فعليه صوم عدّة ما أفطر من أيام أخر، لا غير.
وقد روى ابن وهب، قال، قال لي مالكٌ في الآية:
إنما ذلك في الرّجل يمرض فيفطر ثمّ يبرأ فلا يقضي ما أفطر حتّى يدركه رمضانٌ آخر من قابل، فعليه أن يبدأ برمضان الذي أدركه، ثم يقضي الذي فاته بعد ذلك، ويطعم عن كلّ يوم مدًّا من حنطة.
قال مالك: وأما رجل اتّصل به المرض إلى أن دخل عليه رمضان المقبل، فليس عليه إطعام وعليه القضاء على كلّ حال.
قال أبو محمد: وهذا التأويل يدلّ على أن الآية: محكمة عنده في هذه الرّواية، ومعنى {الّذين يطيقونه} - على هذا التأويل -: أي: يطيقون قضاء ما عليهم فلا يقضون حتى يأتي رمضانٌ آخر فعليهم صوم الداخل وقضاء الفائت بعد ذلك وإطعام مدٍّ عن كل يوم فهي محكمة على هذا التأويل وهو قول زيد بن أسلم. وقاله ابن شهاب أيضًا. وعنه أنها منسوخةٌ.
وقال قتادة: إنما كانت الرّخصة في الإفطار والإطعام للكبيرين يطيقان الصّوم، ثم نسخ ذلك بقوله: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}، قال: والرّخصة باقية للكبيرين اللّذين لا يطيقان الصوم، يفطران ويطعمان. وقد روي مثل ذلك عن ابن عباس. روي عنه أنه قال: نزلت في
الكبيرين اللّذين لا يطيقان الصّوم والمريض فهي محكمةٌ غير منسوخةٍ - على هذا القول -.
قال أبو محمد: وهذا التأويل إنما يصحّ على قراءة من قرأ: {وعلى الذين يطوّقونه} بالتشديد وفتح الطاء على معنى: يكلفون الصّوم ولا يقدرون عليه فيفطرون، وهي قراءة مرويةٌ عن عائشة رضي الله عنها وبذلك قرأ ابن جبير وعطاء وعكرمة.
وقرأ مجاهد: {وعلى الذين يطّوّقونه} بفتح الياء وتشديد الطّاء والواو على معنى: يتكلفونه. أي: يتكلفون الصوم ولا يقدرون عليه.
فهي محكمةٌ غير منسوخة هاتين القراءتين. وقد روي عن ابن عباس أنه قرأ: يطيّقونه - بفتح الياء الأولى وبياء مشددة مفتوحة بعد الطاء -.
وقد طعن في هذه القراءة بالياء؛ لأن الفعل عينه "واو" ومعناها كمعنى القراءتين اللّتين قبلها في أن الآية محكمةٌ في الكبيرين والمريض.
يفطرون إذا لم يقدروا على الصّوم ويطعمون، إلا أنّ المريض يقضي إذا صحّ، ولا يقضي الكبيران؛ لأنهما لا ينتقلان إلى غير الكبر إلاّ أن يكونا مريضين، أو كانا صحيحين يقدران على الصوم فيفطرن للمرض، فلا بدّ من القضاء عليهما.
وأكثر الناس على أنه لا إطعام على المريض.
وقد ذكر الأشعريّ عن الحسن في هذه الآية قولاً غريبًا قال: إن المعنى: وعلى الذين يطيقون الإطعام ويعجزون عن الصّيام طعام مساكين وقال: هذا قولٌ مروي عن السّلف وهو قول الحسن.
وذكر ذلك ابن الأنباري ولم يذكر الحسن.
قال: وذهب ذاهبون إلى أن الهاء راجعةٌ على الفداء، وقدّروه: وعلى الذين يطيقون الفداء إذا كرهوا الصّوم فديةٌ طعام مساكين فنسخ ذلك بما بعده.
قال: وبنى آخرون على أن الهاء تعود على الفداء أيضًا. والآية غير منسوخة. وقالوا: نزلت الرّخصة في الشيخ الفاني والعجوز الهرمة فالمعنى على هذا القول: وعلى الذين يطيقون الفداء، ولا يطيقون الصوم فديةٌ طعام مساكين. وهذا هو قول الأشعري الذي حكينا عنه. قال ابن الأنباري: وإنما رجعت الهاء على الفداء، وإن لم يتقدّم ذكره، كما رجعت الهاء في قوله: {فأصلح بينهم} [البقرة: 182] على غير مذكورين، يريد أن الخطاب يدلّ على صاحب الإضمار، وقد ذكرنا حكم الشيخ والعجوز وشبههما في الإفطار إذا لم يطيقوا الصوم.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (
ذكر الآية الخامسة عشرة: قوله تعالى: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ}.
اختلف المفسّرون في معنى الآية على قولين:
أحدهما: أنه يقتضي التخيير بين الصوم وبين الإفطار مع الإطعام، لأنّ معنى الكلام: وعلى الّذين يطيقونه ولا يصومونه فديةٌ، فعلى هذا يكون الكلام منسوخًا بقوله تعالى: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا أبو الفضل البقّال، قال: أبنا بن بشران، قال: بنا الكاذي، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي أحمد بن حنبلٍ، قال: بنا عبد الرازق قال: بنا معمرٌ عن أيّوب عن ابن سيرين عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {وعلى الّذين يطيقونه} قالت: نسختها {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}.
قال أحمد: وحدّثنا حجّاجٌ عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ الخراسانيّ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {وعلى الّذين يطيقونه} وكانت الإطاقة أنّ الرّجل والمرأة يصبح صائمًا، ثمّ إن شاء أفطر وأطعم لذلك مسكينًا فنسختها {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}.
قال أحمد: وحدّثنا عبد اللّه بن إدريس، قال: بنا الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة {وعلى الّذين يطيقونه} قال: نسختها {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}.
قال أحمد: وحدثنا وكيع، قال: بنا محمّد بن سليمٍ عن ابن سيرين عن عبيدة {وعلى الّذين يطيقونه} قال: نسختها الّتي بعدها والّتي
تليها.
أخبرنا أبو بكر بن حبيبٍ، قال: أبنا عليّ بن الفضل، قال: أبنا ابن عبد الصمد، قال. بنا عبد اللّه بن أحمد، قال: بنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قالت أبنا عبيد اللّه موسى عن إسرائيل عن منصورٍ، عن إبراهيم عن علقمة قال: كانوا إذا أراد الرّجل أن يفطر يومًا من رمضان من غير مرضٍ أفطر وأطعم نصف صاعٍ حتّى نسختها {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفرٍ} فلم يكن إلا لهما.
قال عبد الحميد: وحدّثنا مسلم بن إبراهيم، قال: بنا وهيب بن خالدٍ، عن ابن شبرمة عن الشّعبيّ، قال لمّا نزلت {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ}. أفطر الأغنياء وأطعموا وحصل الصّوم على الفقراء فأنزل اللّه تعالى {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه} فصام الناس جميعاً.
أخبرنا عبد الرّحمن بن محمّدٍ القزّاز قال: أبنا أحمد بن عليّ بن ثابتٍ، قال: أبنا أبوعمرو بن مهديٍّ، قال: أبنا محمّد بن مخلد، قال: بنا القاسم بن عياد، قال: بنا بشر بن عمر، قال: بنا حمّاد بن زيدٍ عن سلمة ابن علقمة عن ابن سيرين أنّ ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} قال: هذه منسوخةٌ.
وروى عطيّة، وابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: كان في الصّوم الأوّل فديةٌ طعام مسكينٍ
فمن شاء من مسافرٍ أو مقيمٍ أن يطعم مسكينًا ويفطر، كان ذلك رخصةً له، ثمّ نسخ ذلك.
أخبرنا محمّد بن ناصرٍ، قال: أبنا عليّ بن أيّوب، قال: أبنا أبو علي ابن شاذان، قال: بنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني قال: بنا قتيبة. وأبنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا أبو بكرٍ محمّد بن هبة اللّه الطّبريّ، قال: أبنا أبو الحسين بن الفضل القطان، قال: بنا أبو محمد بن درستويه قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال بنا أبو صالح، قال: بنا بكر بن مضرٍ عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد اللّه بن الأشجّ عن يزيد مولى أمّ سلمة عن سلمة بن الأكوع قال: لمّا نزلت: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} كان من أراد منّا أن يفطر ويفتدي، فعل حتّى نزلت الآية الّتي بعدها فنسختها.
وقال أنسٌ رضي اللّه عنه لمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة أمرهم بصيام ثلاثة أيّامٍ وكانوا قومًا لم يتعوّدوا الصّيام وكان الصّوم عليهم شديدًا وكان من لم يصم أطعم مسكينًا. وقد روى هذا المعنى: أنّه كان من شاء صام ومن شاء أفطر وافتدى لقوله: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} إلى أن نزل قوله: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه} فنسخ ذلك بهذه، عن جماعةٍ منهم معاذ بن جبل وابن مسعود،
وابن عمر، والحسن، وعكرمة، وقتادة، والضّحّاك، والنّخعيّ، والزّهريّ رضي الله عنهم.
والقول الثّاني: أنّه محكمٌ غير منسوخٍ وأنّ فيه إضمارًا تقديره: وعلى الّذين كانوا يطيقونه أو لا يطيقونه فديةٌ، وأشير بذلك إلى الشّيخ الفاني الّذي يعجز عن الصّوم، والحامل الّتي تتأذّى بالصّوم والمرضع.
أخبرنا عبد الوهّاب قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون، وأبو ظاهرٍ الباقلاويّ، قالا: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا أحمد بن كاملٍ، قال: أبنا محمّد ابن سعدٍ العوفيّ، قال: حدّثني أبي قال: بنا عمّي الحسين بن الحسن بن عطيّة، قال: حدّثني أبي عن جدّي عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ} وهو الشّيخ الكبير كان يطيق صيام رمضان وهو شابٌّ فكبر وهو عليه لا يستطيع صومه فليتصدّق على مسكينٍ واحدٍ لكلّ يومٍ أقطٌ.
وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه البقّال، قال: أبنا ابن بشران قال: أبنا إسحاق الكاذي، قال بنا عبد اللّه بن أحمد قال: حدثني أبي، قال: بنا روح قال: بنا زكريا بن إسحق، قال: بنا عمرو ابن دينارٍ عن عطاءٍ أنّه سمع ابن عبّاسٍ يقرأ: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ} قال: ليست بمنسوخةٍ وهو الشّيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعما مكان كلّ يوم مسكيناً.
أخبرنا أبو بكرٍ العامريّ، قال: أبنا عليّ بن الفضل، قال: أبنا بن عبد الصّمد، قال: أبنا عبد اللّه بن أحمد، قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قال: أبنا عبد الحميد، قال: أبنا عبد الرازق عن معمرٍ عن أيّوب عن عكرمة، قال: كان ابن عبّاسٍ يقول: لم ينسخ.
قال عبد الحميد: وأخبرنا النّضر بن شميلٍ، قال: بنا حمادبن سلمة عن عمرو بن دينارٍ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ} قال: هم الّذي يكلّفونه ولا يطيقونه هو الشّيخ والشّيخة.
قال عبد الحميد وأخبرنا إبراهيم عن أبيه عن عكرمة {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ} قال: هو الشّيخ الكبير الّذي لا يطيق الصّيام يطعم عنه لكل يوم مسكين.
وقد روى قتادة عن عكرمة قال: نزلت في الحامل والمرضع وقد أخبرنا ابن الحصين، قال: أبنا أبو طالب بن غيلان، قال: أبنا أبو بكر الشافعي، قال: أبنا إسحق بن إبراهيم بن الحسن، قال: بنا موسى بن مسعودٍ النّهديّ، قال: بنا سفيان الثّوريّ، عن منصورٍ عن مجاهدٍ، قال: كان ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما يقرؤها {وعلى الذين يطوقونه}. قال: الشّيخ الكبير الّذي لا يطيق الصّيام يطعم عنه وبالإسناد حدّثنا سفيان عن عبد الرّحمن بن حرملة عن
سعيد بن المسيب (وعلى الذين [يطوقونه] فدية) قال: الشّيخ الكبير الّذي يصوم فيعجز والحامل إن اشتدّ عليها الصّوم يطعمان لكلّ يومٍ مسكينًا
قلت: هذه القراءة لا يلتفت إليها لوجوه:
أحدها: أنّها شاذّةٌ خارجةٌ عمّا اجتمع عليه المشاهير فلا يعارض ما تثبت الحجة بنقله.
والثائي: أنّها تخالف ظاهر الآية، لأنّ الآية تقتضي إثبات الإطاقة لقوله: {وأن تصوموا خيرٌ لكم} وهذا القراءة تقتضي نفيها.
والثّالث: إنّ الّذين يطيقون الصّوم ويعجزون عنه ينقسمون إلى قسمين:
أحدهما: من يعجز لمرضٍ أو لسفرٍ، أو لشدّة جوعٍ أو عطشٍ فهذا يجوز له الفطر ويلزمه القضاء من غير كفارة.
والثّاني: من يعجز لكبر السّنّ (فهذا يلزمه الكفّارة من غير قضاءٍ، وقد يجوز الإفطار للعذر لا للعجز ثم يلزمه القضاء والكفارة)، كما نقول في الحامل والمرضع إذا خافتا على الولد، وهذا كلّه ليس بمستفادٍ من الآية إنّما المعتمد فيه على السّنّة وأقوال الصّحابة. فعلى هذا البيان يكون النسخ أولى بالآية من الإحكام، يدلّ على ما قلنا قوله تعالى: في تمام الآية {وأن تصوموا خيرٌ لكم}.وغير جائزٍ أن يعود هذا الكلام إلى المرضى والمسافرين ولا إلى الشّيخ الكبير ولا إلى الحامل والمرضع إذا خافتا على الولد، لأنّ الفطر في حقّ هؤلاء أفضل من الصّوم من جهة أنّهم قد نهوا أن يعرّضوا أنفسهم للتّلف، وإنّما عاد الكلام إلى الأصحّاء المقيمين خيّروا بين الصّوم والإطعام فانكشف بما أوضحنا أن الآية منسوخة.
قال أبو عبيدٍ القاسم بن سلامٍ لا تكون الآية على القراءة الثانية، وهي: {يطيقونه} إلا منسوخةً.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الثانية عشرة: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ} في هذا مضمر تقديره وعلى الذين يطيقونه ولا يصومونه فدية ثم نسخت بقوله {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه} .). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وقال قوم: أراد بقوله: {أياما معدودات} الآية [البقرة: 184] يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، كتب على رسول الله صلى الله عليه وسلم صيامها حين هاجر، ثم نسخ بشهر رمضان، وهذا غير صحيح؛ لأنه بين الأيام المعدودات بقوله عز وجل: {شهر رمضان} الآية [البقرة: 185].
وأما قوله عز وجل: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين) قيل: إنها منسوخة، وكانوا: من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا عن كل يوم، ثم نسخ ذلك بقوله عز وجل: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} الآية [البقرة: 185]، وقد قيل إنها محكمة.
وقوله: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} الآية [البقرة: 185] يريد: من أفطر لمرض ثم صح فأطاق القضاء فلم يقض حتى أدركه فرض الصوم لعام آخر فإنه يصوم الذي أدركه فإذا فرغ منه قضى الذي فاته وأطعم عن كل يوم مدا، وأما من اتصل به المرض فلم يطق أن يقضي حتى جاء الصوم الآخر، فإنه يقضي، إذا أطاق بعد ذلك ولا إطعام عليه، وهذا القول قول زيد بن أسلم وابن شهاب ومالك رحمه الله في رواية ابن وهب عنه.
ويجوز – والله أعلم – أن تكون محكمة، ويكون معنى قوله: {وعلى الذين يطيقونه} الآية [البقرة: 184] أي الذين يتعمدون الفطر من غير عذر فإنهم يلزمهم إطعام ستين مسكينا، أو العتق، أو صوم شهرين. والسنة بينت الإطعام وزادت العتق والصيام.
وليس التأويل الأول: كانوا من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم – بمتفق عليه بين الصحابة – إنما ذلك قول معاذ بن جبل رحمه الله، وقد خالفه ابن عباس وأبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقرأ: (وعلى الذين يطوقونه) بضم الياء وفتح الطاء وتشديد الواو.
وقال ابن عباس رحمه الله: (نزلت في الكبيرين اللذين لا يقدران على الصوم والمريض)، وعلى هذه القراءة أيضا عائشة رضي الله عنها وعطاء وابن جبير وعكرمة.
وعن مجاهد: (يطوقونه) بفتح الواو وتشديد الطاء والواو، أي يتكلفونه.
ومعنى الأولى يكلفونه على جهد وعسر، ولو كانوا في صدر الإسلام على ما قيل من التأويل الأول لمنع شهرة ذلك من وقوع هذا الخلاف.
وأنا أذكر بعون الله الآيات التي قيل إنها منسوخة ولها وجه تحمل عليه فتكون محكمة.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20 جمادى الآخرة 1434هـ/30-04-2013م, 07:25 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌۭ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌۭ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَٱلْـَٰٔنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُوا۟ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا۟ وَٱشْرَبُوا۟ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلْأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلْأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا۟ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَٰكِفُونَ فِى ٱلْمَسَٰجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(187)}

قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الثّامنةقال اللّه جلّ وعزّ {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} [البقرة: 187] الآية
قال أبو العالية، وعطاءٌ: هي ناسخةٌ لقوله جلّ وعزّ {كما كتب على الّذين من قبلكم} [البقرة: 183]
وقال غيرهما: هي ناسخةٌ لفعلهم الّذي كانوا عليه
حدّثنا أبو جعفرٍ قال: حدّثنا جعفر بن مجاشعٍ، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق، قال: حدّثنا أحمد بن عبد الملك، قال: حدّثنا زهيرٌ، قال: حدّثنا أبو إسحاق، عن البراء " أنّ الرّجل منهم كان إذا نام قبل أن يتعشّى في رمضان لم يحلّ له أن يأكل ليلته ومن الغد حتّى نزلت {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [البقرة: 187]
نزلت في أبي قيسٍ وهو ابن عمرٍو أتى أهله وهو صائمٌ يعني بعد المغرب قال: هل عندكم من شيءٍ؟ فقالت له امرأته: لا تنم حتّى أخرج فألتمس لك شيئًا فلمّا رجعت وجدته نائمًا
فقالت: لك الخيبة، فبات وأصبح صائمًا إلى ارتفاع النّهار فغشي عليه فنزلت {وكلوا واشربوا} [البقرة: 187] الآية
وقال كعب بن مالكٍ: وكان النّاس في رمضان إذا نام أحدهم بعد المساء حرّم عليه الطّعام والشّراب والنّساء فسمر عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلةً فأتى منزله فأراد امرأته فقالت: إنّي قد نمت فقال: ما نمت فوقع عليها وصنع كعب بن مالكٍ مثل ذلك فأتى عمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبره فنزلت {علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنّ} [البقرة: 187] الآية
فاتّفقت الأقوال أنّها ناسخةٌ إمّا بفعلهم وإمّا بالآية فذلك غير متناقضٍ
وفي هذه الآية {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد}[البقرة: 187]
قال الضّحّاك كانوا يجامعون وهم معتكفون في المساجد، فنزلت،
يعني هذه الآية
وقال مجاهدٌ: كانت الأنصار تجامع يعني في الاعتكاف
قال الشّافعيّ: فدلّ أنّ المباشرة قبل نزول الآية كانت مباحةً في الاعتكاف حتّى نسخ بالنّهي عنه، واللّه جلّ وعزّ أعلم
واختلف العلماء في الآية التّاسعة، والصّحيح أنّه لا نسخ فيها
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {فالآن باشروهن} الآية:أباح الله تعالى المباشرة للنّساء ليالي الصّيام كلّه إباحةً عامةً.
والمباشرة: الجماع لا اختلاف في هذا، لقوله تعالى: {وابتغوا ما كتب الله لكم} [البقرة: 187] يعني: الولد.
وقد توهّم قومٌ أنّ هذا الحكم منسوخٌ بقوله تعالى: {فاعتزلوا النّساء في المحيض} [البقرة: 222]، وليس الأمر كذلك. وإنما هو على أحد وجهين:
- إما أن يكون تحريم وطء الحائض نزل قبل إباحة الوطء ليلة الصيام، فنزل ذلك وقد استقرّ في أنفسهم تحريم وطء الحائض، فصارت المباشرة المباحة مخصوصةً ليل الصّوم في غير الحائض من زوجةٍ أمة.
- وإمّا أن يكون تحريم وطء الحائض نزل بعد هذه الآية، فتكون مبيّنةً لها ومخصّصةً أنها في غير ذوات الحيض.
فلا يجب أن يدخل هذا في الناسخ والمنسوخ.
ولو نسخ إباحة المباشرة لم ينسخ إلاّ بمنع ذلك كلّه، فيعود الأمر إلى منع الوطء في ليل الصّوم. وهذا لا يجوز للنّصّ والإجماع على إباحته.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 21 جمادى الآخرة 1434هـ/1-05-2013م, 03:39 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: { وَقَٰتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ(190)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية الحادية عشرة: قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} [190 مدنية / البقرة / 2] هذه جميعا محكمة إلا قوله تعالى: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه...} الآية [191 مدينة / البقرة / 2] منسوخة وناسخها قوله تعالى: {فإن قاتلوكم فاقتلوهم} [191 مدنية 2 البقرة / 2].) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الثّانية عشرةقال جلّ وعزّ {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين} [البقرة: 190]
قال ابن زيدٍ: " هي منسوخةٌ نسخها {وقاتلوا المشركين كافّةً كما يقاتلونكم كافّةً} [التوبة: 36] " وعن ابن عبّاسٍ: «أنّها محكمةٌ»
روى عنه ابن أبي طلحة {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا} [البقرة: 190] قال: «لا تقتلوا النّساء والصّبيان ولا الشّيخ الكبير ولا من ألقى إليكم السّلم وكفّ يده فمن فعل ذلك فقد اعتدى»
قال أبو جعفرٍ: وهذا أصحّ القولين من السّنّة والنّظر
فأمّا السّنّة: فحدّثنا أبو جعفرٍ قال: حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، «أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم رأى في بعض مغازيه امرأةً مقتولةً فكره ذلك ونهى عن قتل النّساء والصّبيان» وهكذا، يروى أنّ عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه كتب:
لا تقتلوا النّساء والصّبيان والرّهبان في دار الحرب فتعتدوا {إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين} [البقرة: 190]
والدّليل على هذا من اللّغة أنّ فاعل يكون من اثنين فإنّما هو من أنّك
تقاتله ويقاتلك فهذا لا يكون في النّساء ولا في الصّبيان ولهذا قال من قال من الفقهاء: لا يؤخذ من الرّهبان جزيةٌ لقول اللّه جلّ وعزّ {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} [التوبة: 29] إلى {حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون} [التوبة: 29] وليس الرّهبان ممّن يقاتل
فصار المعنى: وقاتلوا في طريق اللّه وأمره الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا فتقتلوا النّساء والصّبيان والرّهبان ومن أعطى الجزية فصحّ أنّ الآية غير منسوخةٍ
وقد تكلّم العلماء في الآية الثّالثة عشرة
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الرّابعة عشرة قوله تعالى {وقاتلوا في سبيل الله الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا} أي فتقاتلوا من لا يقاتلكم كان هذا في الابتداء ثمّ نسخ الله تعالى ذلك بقوله تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} وبقوله {وقاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافّة} أي جميعًا وبقوله {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم} الآية). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {ولا تعتدوا} الآية:
قال ابن زيد: نسخها الأمر بالقتال وبالقتل للمشركين.
وقيل: إنّها أوّل ما نزل في إباحة القتال. أبيح لهم أن يقاتلوا من قاتلهم، ولا يعتدوا فيقاتلوا من لم يقاتلهم ثم نسخ النهي عن قتال من لم يقاتلهم بالأمر بالقتال والقتل.
وقيل: أوّل ما نزل في إباحة القتال، قوله تعالى: {أذن للّذين يقاتلون بأنهم ظلموا} [الحج: 39]، فهي مكيّة وقيل: مدنية.
وعن ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومجاهد أن الآية محكمةٌ غير منسوخةٍ، لكنّها مخصوصةٌ في النّهي عن قتل الصّبيان والنّساء والشيخ الفاني ومن ألقى السّلم وكفّ يده. وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن قتل هؤلاء، وعن قتل الرّهبان. فيكون معنى الآية: وقاتلوا في سبيل الله الذين فيهم مقدرةٌ على قتالكم، ولا تعتدوا فتقتلوا من ليس له مقدرةٌ على القتال، ولا من ليس من عادته القتال، كالنّساء والصّبيان، والكبير، والرهبان.
فهذا كلّه محكمٌ وحكمه باق معمولٌ به.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية السّادسة عشرة: قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين}.
اختلف المفسّرون في هذه الآية هل هي منسوخةٌ أو محكمةٌ على قولين:
أحدهما: أنّها منسوخةٌ ثمّ اختلف أرباب هذا القول في المنسوخ منها على قولين:
أحدهما: أنّه أوّلها، وهو قوله: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم}، قالوا: وهذا يقتضي أنّ القتال إنّما يباح في حقّ من قاتل من الكفّار فأمّا من لم يقاتل فإنّه لا يقاتل ولا يقتل.
ثمّ اختلف هؤلاء في ناسخ ذلك على أربعة أقوال:
أحدهما: أنّه قوله تعالى: {وقاتلوا المشركين كافّةً كما يقاتلونكم كافّةً}.
والثاني: أنّه قوله تعالى: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم}.
والثّالث: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر}.
والرّابع: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
قلت: وهذا القول الّذي قالوا إنما أخذوه من دليل الخطاب (إنّما هو) حجّة ما لم يعارضه دليلٌ أقوى منه وقد عارضه ما هو أقوى منه كآية السّيف وغيرها ممّا يقتضي إطلاق قتل الكفّار، قاتلوا أو لم يقاتلوا.
فأمّا الآية الأولى الّتي زعموا أنّها ناسخةٌ فإنّها تشبه المنسوخة وتوافقها في حكمها، لأنّها إنّما تضمّنت قتال من قاتل.
وأمّا الآية الثّانية فإنّها إنّما تضمّنت قتال الّذين أمروا بقتالهم؛ لأن قوله {واقتلوهم} عطفٌ على المأمور بقتالهم.
وأمّا الآية الثّالثة: فإنّها تتضمّن قتال أهل الكتاب والآية الّتي ادّعي نسخها مطلقةٌ في كلّ من يقاتل.
وأمّا الرّابعة تصلح ناسخةً لو وجدت ما تنسخه وليس ههنا إلا دليل الخطاب، وليس بحجّةٍ ههنا على ما بيّنّا.
القول الثّاني: أنّ المنسوخ منها قوله: {ولا تعتدوا} للمفسّرين في معنى هذا الاعتداء خمسة أقوال:
أحدها: لا تعتدوا بقتل النّساء والولدان، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ، وابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ.
الثّاني: بقتال من لم يقاتلكم، قاله أبو العالية، وسعيد بن جبيرٍ، وابن زيدٍ وهؤلاء إن عنوا من لم يقاتل، لأنّه لم يعدّ نفسه للقتال كالنساء
والولدان، والرّهبان فالآية محكمةٌ؛ لأنّ هذا الحكم ثابتٌ. وإن عنوا من لم يقاتل من الرّجال المستعدين للقتال توجه النسخ.
والثّالث: أنّ الاعتداء إتيان ما نهى اللّه عنه، قاله الحسن.
والرّابع: أنّه ابتداء المشركين بالقتال في الشّهر الحرام في الحرم قاله مقاتلٌ.
والخامس: لا تعتدوا بقتال من وادعكم وعاقدكم. قاله ابن قتيبة والظّاهر إحكام الآية كلها ويبعد ادعاء النسخ فيها.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الثالثة عشرة: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا} قيل المنسوخ منها أولها لأنه اقتضى أنّ القتال إنّما يباح في حقّ من قاتل من الكفار دون من لم يقاتل ثم نسخ بآية السيف وهذا القائل إنما أخذه من دليل الخطاب ودليل الخطاب إنما يكون حجة إذا لم يعارضه دليلٌ أقوى منه وقد عارضه ما هو أقوى منه كآية السّيف وغيرها وقال آخرون المنسوخ منها {ولا تعتدوا} قالوا والمراد به ابتداء المشركين بالقتال في الشهر الحرام والحرم ثم نسخ بآية السيف وهذا بعيد والصحيح إحكام جميع الآية.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (من ذلك قوله عز وجل: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا} الآية [البقرة: 190] قيل: هي منسوخة نزلت في قتال من قاتل، ونسخها الأمر بقتال المشركين.
وهي محكمة؛ على أن قوله سبحانه: {ولا تعتدوا} أي: لا تعتدوا فيقتل الصبيان والنسوان ومن لا قدرة له على القتال كالشيخ الفاني والراهب الذي لا يقاتل.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 21 جمادى الآخرة 1434هـ/1-05-2013م, 04:11 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قول الله تعالى: {وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَٰتِلُوهُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَٰتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِن قَٰتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَٰفِرِينَ(191)}


قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) عن همّام بن يحيى البصري قال: (وعن قوله جل وعز: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم} فأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم ألا يقاتلهم عند المسجد الحرام إلا أن يبدأوا فيه بقتال
وقال في آية أخرى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير} كان القتال فيه كبيرا كما قال الله عز وجل فنسخ هاتين الآيتين في براءة {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد} وقال عز وجل: {وقاتلوا المشركين كافة يعني بالكافة جميعا كما يقاتلونكم كافة} وقال: {والأشهر الحرم} قال كان عهد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش أربعة أشهر بعد يوم النحر كانت تلك بقية مدتهم ومن لا عهد له لانسلاخ في المحرم فأمر الله جل وعز لنبيه صلى الله عليه وسلم إذا مضى الأجل أن يقاتلهم في الحل والحرم وعند البيت حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
). [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/31-38]

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية الثانية عشرة: قوله تعالى: {ولاتقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه... } منسوخة وناسخها قوله تعالى: {فإن قاتلوكم فاقتلوهم})[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الثّالثة عشرةقال جلّ وعزّ {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين} [البقرة: 191] هذه الآية من أصعب ما في النّاسخ والمنسوخ فزعم جماعةٌ من العلماء أنّها غير منسوخةٍ واحتجّوا بها وبأشياء من السّنن وزعم جماعةٌ أنّها منسوخةٌ واحتجّوا بآياتٍ غيرها وبأحاديث من السّنن
فممّن قال: إنّها غير منسوخةٍ مجاهدٌ روى عنه ابن أبي نجيحٍ أنّه قال:

«فإن قاتلوكم في الحرم فاقتلوهم لا يحلّ لأحدٍ أن يقاتل أحدًا في الحرم إلّا أن يقاتله فإن عدا عليك فقاتلك فقاتله» وهذا قول طاوسٍ.
والاحتجاج لهما بظاهر الآية ومن الحديث
بما حدّثناه أحمد بن شعيبٍ، قال: أخبرنا محمّد بن رافعٍ، قال: حدّثنا
يحيى بن آدم، قال: حدّثنا مفضّلٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكّة: «إنّ هذا البلد حرامٌ حرّمه اللّه جلّ وعزّ لم يحلّ فيه القتال لأحدٍ قبلي وأحلّ لي ساعةً وهو حرامٌ بحرمة اللّه جلّ وعزّ»
وأمّا من قال: إنّها منسوخةٌ فمنهم قتادة
كما قرئ على عبد اللّه بن أحمد بن عبد السّلام، عن أبي الأزهر، قال: حدّثنا روحٌ، عن سعيدٍ، عن قتادة، {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه} [البقرة: 191] " فكان هذا كذا حتّى نسخ فأنزل اللّه جلّ وعزّ {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} [البقرة: 193] أي شركٌ {ويكون الدّين للّه} [البقرة: 193] أي لا إله إلّا اللّه عليها قاتل رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وإليها دعا {فإن انتهوا فلا عدوان إلّا على الظّالمين} [البقرة: 193] من أبى أن يقول: لا إله إلّا اللّه، أن يقاتل حتّى يقول لا إله إلّا اللّه "
قال أبو جعفرٍ: وأكثر أهل النّظر على هذا القول؛ إنّ الآية منسوخةٌ وإنّ المشركين يقاتلون في الحرم وغيره بالقرآن والسّنّة قال جلّ وعزّ {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] وبراءة نزلت بعد سورة البقرة بسنين وقال جلّ وعزّ {وقاتلوا المشركين كافّةً كما يقاتلونكم كافّةً} [التوبة: 36] وأمّا السّنّة:
فحدّثنا أحمد بن شعيبٍ، قال: أخبرنا قتيبة، قال: حدّثنا مالكٌ، عن ابن شهابٍ، عن أنسٍ، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم دخل مكّة وعليه المغفر فقيل له: إنّ ابن خطلٍ متعلّقٌ بأستار الكعبة فقال: «اقتلوه»
وقرئ على محمّد بن جعفر بن أعين، عن الحسن بن بشر بن سلمٍ الكوفيّ، قال: حدّثنا الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، عن أنسٍ، قال: " أمّن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أهل مكّة يوم الفتح إلّا أربعةً من النّاس: عبد العزّى بن خطلٍ، ومقيس بن صبابة الكنانيّ، وعبد اللّه بن سعد بن أبي سرحٍ، وأم سارة، فأمّا ابن خطلٍ فقتل وهو متعلّقٌ بأستار الكعبة " وذكر الحديث
وقرأ أكثر الكوفيّين {ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقتلوكم فيه فإن قتلوكم فاقتلوهم}
وهذه قراءةٌ بيّنة البعد وقد زعم قومٌ أنّه لا يجوز القراءة بها؛ لأنّ اللّه جلّ وعزّ لم يفرض على أحدٍ من المسلمين أن لا يقتل المشركين حتّى يقتلوا المسلمين
وقال الأعمش: " العرب تقول: قتلناهم أي قتلنا منهم "
قال أبو جعفرٍ: فهذا أيضًا المطالبة فيه قائمةٌ غير أنّه قد قرأ به جماعةٌ واللّه جلّ وعزّ أعلم بمخرج قراءتهم
وقد تنازع العلماء أيضًا في الآية الرّابعة عشرة
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الخامسة عشرة قوله تعالى {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّىيقاتلوكم فيه} صارت هذه الآية منسوخة بآية السّيف). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]

قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه}:
قال قتادة: هذا منسوخٌ بقوله: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} [البقرة: 193، الأنفال: 39]، أي: شرك وبقوله: {قاتلوا المشركين كافّةً} [التوبة: 36].
وقد قال إسماعيل بن أويس: إن قوله: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام} الآية ناسخٌ لقوله: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم} [النساء: 91] في النساء، قال: ثم نسخها الله بقوله في براءة: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5]، فصارت الآية ناسخةً ومنسوخةً، وهو قليل النّظير.
وقال مجاهد: الآية محكمةٌ غير ناسخةٍ ولا منسوخةٍ، لكنّها مخصوصةٌ في النهي عن القتال في الحرم، ولا يحلّ القتال في الحرم إلاّ أن يقاتلوك، وهو قول طاووس.
والبيّن الظاهر في الآية أنها منسوخةٌ. وهو قول أكثر العلماء؛ لأن قتال
المشركين فرضٌ لازمٌ في كل موضعٍ كانوا فيه، بقوله في براءة: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وبراءة نزلت بعد البقرة بمدة طويلة.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (الآية السّابعة عشرة: قوله تعالى: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه}.
اختلف العلماء هل هذه الآية منسوخةٌ أو محكمةٌ على قولين:
أحدهما: أنّها منسوخةٌ واختلفوا في ناسخها على ثلاثة أقواله:
أحدها: أنّه قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} فأمر بقتلهم في الحلّ والحرم قاله قتادة.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا أبو الفضل البقّال، قال: أبنا ابن بشران قال: أبنا إسحق الكاذي، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا عبد الوهّاب عن همّامٍ عن قتادة {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه}، فأمر أن لا يبدؤوا بقتالٍ، ثمّ قال: {قل قتالٌ فيه كبيرٌ} ثمّ نسخت الآيتان في براءةٍ فقال: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
قال أحمد: وحدّثنا حسينٌ عن شيبان عن قتادة {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام}. قال: كانوا لا يقاتلون فيه حتّى يقاتلوهم ثمّ نسخ ذلك
فقال: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} فأمر اللّه بقتالهم في الحلّ والحرم وعلى كلّ حالٍ.
والثّاني: قوله تعالى: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} قاله الربيع ابن أنسٍ وابن زيدٍ.
والثّالث: قوله تعالى: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم} قاله مقاتلٌ.
والقول الثّاني: أنّها محكمةٌ وأنّه لا يجوز أن يقاتل أحدٌ في المسجد الحرام حتّى يقاتل، وهذا قول مجاهدٍ والمحقّقين ويدلّ عليه ما روي في الصّحيحين من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال:
في مكّة ((أنّها لا تحلّ لأحدٍ من بعدي، وإنّما أحلّت لي ساعةً من نهارٍ)) وفي الصّحيحين من حديث ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: ((إنّ هذا البلد حرّمه اللّه يوم خلق السّماوات والأرض أنّه لم يحلّ القتال فيه لأحدٍ قبلي ولا يحلّ إلا ساعةً من نهارٍ)).
وقد ادّعى بعض من لا علم له أنّ هذه الآية نسخت بحديث أنسٍ رضي اللّه عنه (أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم دخل مكّة وعلى رأسه المغفر فأمر بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة).
وهذا باطلٌ من وجهين:
أحدهما: أنّ القرآن لا ينسخ إلا القرآن، ولو أجزنا نسخه بالسّنّة لاحتجنا إلى أن نعتبر في نقل ذلك النّاسخ ما اعتبرنا في نقل المنسوخ، وطريق الرّواية لا يثبت ثبوت القرآن.
والثّاني: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قد بيّن أنّه إنّما خصّ بالإباحة في ساعةٍ من نهارٍ، والتّخصيص ليس بنسخٍ، لأنّ النّسخ ما رفع الحكم على الدّوام
كما كان ثبوت حكم المنسوخ على الدّوام.
فالحديث دالٌّ على التّخصيص لا على النّسخ، ثمّ إنّما يكون النّسخ مع تضادّ اجتماع النّاسخ والمنسوخ، وقد أمكن الجمع بين ما ادّعوه ناسخًا ومنسوخًا وصحّ العمل بهما فيكون قوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وقوله: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} في غير الحرم بدليل قوله: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه} وكذلك قوله: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم} أي: في غير الحرم بدليل قوله عقب ذلك {وأخرجوهم من حيث أخرجوكم}. ولو جاز قتلهم في الحرم لم يحتج إلى ذكر الإخراج، فقد بان ممّا أوضحنا إحكام الآية وانتفى النسخ عنها.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الرابعة عشرة: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه} ذهب قوم إلى أن هذا منسوخ بآية السيف والصحيح أنه محكم وأنه لا يجوز أن يقال أحل في المسجد الحرام حتى يقاتلوا فإنما أحل القتال لرسول الله ساعة من نهار وكان ذلك تخصيصا له لا على وجه النسخ.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وقوله عز وجل: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه} الآية [البقرة: 191] قال قتادة: هي منسوخة بقوله عز وجل: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} الآية [البقرة: 193] أي: شرك، وبقوله: {وقاتلوا المشركين كافة} الآية [التوبة: 36].
وقيل: إنها ناسخة لقوله عز وجل: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم} الآية [البقرة: 191] ثم نسخت بقوله عز وجل: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} الآية [البقرة: 193]، فصارت – أعني آية البقرة ناسخة لآية النساء منسوخة بآية التوبة، وهذا معدوم النظير.
وقيل: ليست آية البقرة بناسخة ولا منسوخة، وإنما هي مخصوصة بالنهي عن القتال في الحرم، ولا يحل القتال فيه إلا لمن قاتل، قال ذلك مجاهد وطاووس.
وأكثر العلماء على وجوب قتال المشركين أينما كانوا بآية التوبة، والتوبة نزلت بعد البقرة بمدة متطاولة.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 24 جمادى الآخرة 1434هـ/4-05-2013م, 04:10 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: { وَيَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًۭى فَٱعْتَزِلُوا۟ ٱلنِّسَآءَ فِى ٱلْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ(222)}

قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال جلّ وعزّ: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن فإذا تطهّرن} [البقرة: 222]
قال أبو جعفرٍ: أدخلت هذه الآية في النّاسخ والمنسوخ لأنّه معروفٌ من شريعة بني إسرائيل أن لا يجتمعوا مع الحائض في بيتٍ ولا يأكلوا معها ولا يشربوا، فنسخ اللّه جلّ وعزّ ذلك من شريعتهم
كما قرئ على أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، عن محمّد بن أحمد بن الجنيد البغداديّ، عن عمرو بن عاصمٍ، قال حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، وعاصمٍ الأحول، عن أنس بن مالكٍ، قال " كانت اليهود يعتزلون النّساء في الحيض فأنزل اللّه جلّ وعزّ: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} [البقرة: 222] الآية فأمرنا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أن نؤاكلهنّ ونشاربهنّ ونصنع كلّ شيءٍ إلّا النّكاح فقالت اليهود: ما يريد محمّدٌ أن يدع شيئًا من أمرنا إلّا خالفنا فيه "
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/17]
قال أبو جعفرٍ: " فدلّ هذا الحديث على أنّه لا يحرم من الحائض إلّا النّكاح في الفرج، وهذا قول جماعةٍ من العلماء أنّ الرّجل له أن يباشر الحائض وينال منها ما دون الوطء في الفرج، وهو قول عائشة رضي اللّه عنها وأمّ سلمة، وابن عبّاسٍ، ومسروقٍ، والحسن، وعطاءٍ، والشّعبيّ، وإبراهيم النّخعيّ،
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/18]
وسفيان الثّوريّ، ومحمّد بن الحسن وهو الصّحيح من قول الشّافعيّ قال أبو جعفرٍ: وهذا الحديث المسند دالٌّ عليه
قرئ على أحمد بن محمّد بن الحجّاج، عن يحيى بن سليمان، قال حدّثنا عبد الرّحمن بن زيادٍ، عن عبيد اللّه بن عمرٍو، قال حدّثنا أيّوب السّختيانيّ، عن أبي معشرٍ، عن إبراهيم، عن مسروقٍ، قال سألت عائشة رضي اللّه عنها ما يحلّ لي من امرأتي وهي حائضٌ؟ قالت: «كلّ شيءٍ إلّا الفرج»
قال أبو جعفرٍ: فهذا إسنادٌ متّصلٌ
والحديث الآخر أنّها قالت «كان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/19]
يباشرني فوق الإزار» ليس فيه دليلٌ على حظر غير ذلك وقد يحتمل أن يكون المعنى فوق الإزار وهو مفروشٌ فهذا قولٌ
قال عبيدة: «اللّحاف واحدٌ والفراش مختلفٌ وهذا قولٌ شاذّ يمنع منه ما صحّ عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم من مباشرته نساءه وهنّ حيّضٌ»
وقولٌ ثالثٌ أن يعتزل الحائض فيما بين السّرّة والرّكبة وهو قول جماعةٍ من
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/20]
العلماء منهم ميمونة ويروى عن ابن عبّاسٍ ومنهم سعيد بن المسيّب، ومالك بن أنسٍ وأبو حنيفة
والحجّة لهم ما حدّثناه إبراهيم بن شريكٍ، قال حدّثنا أحمد بن عبد اللّه بن يونس، قال حدّثنا ليثٌ يعني ابن سعدٍ، عن الزّهريّ، عن حبيبٍ، مولى عروة، عن ندبة، مولاة ميمونة عن ميمونة «أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائضٌ إذا كان إزارها إلى نصف فخذيها أو إلى ركبتيها محتجزةً به»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/21]
قال أبو جعفرٍ: اللّيث يقول ندبة وغيره يقول بديّة وليس في هذا الحديث دليلٌ على حظر ما تقدّمت إباحته
وقد زعم قومٌ أنّ حديث أنسٍ الّذي بدأنا به منسوخٌ لأنّه كان في أوّل ما نزلت الآية وأنّ النّاسخ له حديث أبي إسحاق عن عميرٍ، مولى عمر عن عمر، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال في الحائض «لك ما فوق الإزار وليس لك ما تحته»
قال أبو جعفرٍ: وهذا ادّعاءٌ في النّسخ ولا يعجز أحدًا ذلك، والإسناد الأوّل أحسن استقامةً من هذا، وهذا القول قال به جماعةٌ قد ذكرناهم، ولم
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/22]
يقل أحدٌ منهم فيه بنسخٍ والّذي قال هذا بعض المحدّثين
والتّقدير على القول الأوّل فاعتزلوا جماع النّساء في موضع المحيض أي في الفرج فيكون المحيض اسمًا للموضع كما أنّ المجلس اسمٌ للموضع الّذي يجلس فيه وكذا {ولا تقربوهنّ} [البقرة: 222]
كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال حدّثنا أبو صالحٍ، قال حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، {فاعتزلوا النّساء في المحيض} [البقرة: 222] قال «اعتزلوا نكاح فروجهنّ»
قال أبو جعفرٍ: ومن قرأ {حتّى يطهرن} [البقرة: 222] فمعناه حتّى يحلّ لهنّ أن يطهرن كما تقول قد حلّت المرأة للأزواج أي حلّ لها أن تتزوّج ومن قرأ {حتّى يطّهّرن} [البقرة: 222] جعله بمعنى يغتسلن وقد قرأ الجماعة بالقراءتين وهما بمنزلة آيتين لا تحلّ له حتّى تطهر وتطّهّر
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/23]
فأمّا قول من قال إنّها تحلّ له إذا غسلت فرجها من الأذى بعد أن تخرج من الحيض فقولٌ خارجٌ عن الإجماع، وعن ظاهر القرآن، قال اللّه جلّ وعزّ: {وإن كنتم جنبًا فاطّهّروا} [المائدة: 6] وفي موضعٍ آخر {ولا جنبًا إلّا عابري سبيلٍ حتّى تغتسلوا} [النساء: 43] فجاء القرآن يتطهّروا ويغتسلوا بمعنًى واحدٍ، وكذا حتّى يطهرن أي الطّهور الّذي يصلّين به
وأمّا قول من قال: إذا طهرت من الحيض حلّت وإن لم تغتسل إذا دخل عليها وقت صلاةٍ أخرى فخارجٌ أيضًا عن الإجماع وليس يعرف من قولٍ واحدٍ، وإنّما قيس على شيءٍ من قول أبي حنيفة أنّه قال: إذا طلّق الرّجل امرأته طلاقًا يملك معه الرّجعة كان له أن يراجعها من غير إذنها ما لم تغتسل من الحيضة الثّالثة إلّا أن تطهر من الحيضة الثّالثة فيدخل عليها وقت صلاةٍ أخرى ولم تغتسل، فقاسوا على هذا
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/24]
والدّليل على ذلك ما حدّثناه أحمد بن محمّدٍ الأزدي، قال حدّثنا إبراهيم بن مرزوقٍ، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله جلّ وعزّ {ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} [البقرة: 222] قال «من الدّم فإذا تطهّرن قال اغتسلن»
قال أحمد بن محمّدٍ: ولا أعلم بين العلماء في هذا اختلافًا
قال أبو جعفرٍ: فأمّا {من حيث أمركم اللّه} [البقرة: 222] ففي معناه اختلافٌ
فعن ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، قالا «في الفرج»
وعن محمّد بن عليّ بن الحنفيّة، قال: «من قبل الحلال من قبل التّزويج»
وعن أبي رزينٍ، قال: «من قبل الطّهر لا من قبل الحيض»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/25]
قال أبو جعفرٍ: وهذا القول أشبه بسياق الكلام وأصحّ في اللّغة لأنّه لو كان المراد به الفرج كانت في هاهنا أولى فإن قيل لم لا يكون معناه من قبل الفرج، قيل لو كان كذا لم يجز أن يطأها من دبرها في فرجها، والإجماع على غير ذلك {إنّ اللّه يحبّ التّوّابين} [البقرة: 222]
قال عطاءٌ: «أي من الذّنوب» وهذا لا اختلاف فيه
واختلفوا في معنى {ويحبّ المتطهّرين} [البقرة: 222] فمن أهل التّفسير من قال: المتطهّرين من أدبار النّساء، وقيل من الذّنوب
وقال عطاءٌ: «المتطهّرين بالماء»
وهذا أولى بسياق الآية واللّه جلّ وعزّ أعلم
وأمّا الآية الثّانية والعشرون فقد أدخلها بعض العلماء في النّاسخ والمنسوخ وهو قتادة فذكرناها ليكون الكتاب مشتملًا على ما ذكره العلماء
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/26]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض}.
أكثر العلماء على أنها ناسخةٌ لشريعة بني إسرائيل؛ لأنهم كانوا لا يجتمعون مع الحائض في بيتٍ، ولا يأكلون ولا يشربون معها، فنسخ الله ذلك من شريعتهم، وأمرنا باعتزال الحائض من الوطء لا غير.
قال أبو محمد: وإنما أدخل هذا وأشباهه في الناسخ والمنسوخ، وهو لم ينسخ قرآنًا، لقوله تعالى: {فبهداهم اقتده} [الأنعام: 90] - على قول من قال -: تلزمنا شريعتهم حتى نؤمر بتركها.
فأمّا من قال: لا يلزمنا من شريعتهم إلاّ ما أمرنا به منها، فلا يجب أن يدخل هذا ونحوه في الناسخ والمنسوخ؛ إذ لم ينسخ قرآنًا، وهو الصّواب إن شاء الله تعالى لأن معنى: {فبهداهم اقتده} يعني: في التوحيد خاصة، لا في الشّرائع. ويدلّ على أنه ليس يراد به الشرائع التي كانوا عليها، قوله: {لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا} [المائدة: 48].
ويدلّ على ذلك أيضًا أنّ شرائع من كان قبلنا مختلفةٌ في الأحكام، ولا سبيل لنا إلى الجمع بين التّحريم والتّحليل في شيء واحد، ولا إلى فعل شيءٍ وتركه في عبادةٍ واحدةٍ. فقد كانت لحوم الإبل وألبانها وشحوم البقر والغنم حلالاً لمن كان قبل يعقوب من الأنبياء، ثم حرّمت على يعقوب وعلى بني إسرائيل، فلا سبيل إلى الجمع بين الشّريعتين البتّة. والله جلّ ذكره لم يخصّ الأمر بالاقتداء بشريعة واحدٍ من الأنبياء، وإنما جمعهم فقال: {فبهداهم اقتده}. وهم لم يجتمعوا إلاّ على التّوحيد والتّصديق بالله ورسله وكتبه. واختلفوا في الشرائع التي شرع الله لهم
على ما شرع لكلّ نبي.
فليس علينا أن نقتدي من فعلهم إلا بما اجتمعوا عليه. وما اختلفوا فيه لا سبيل إلى فعله لاختلاف أحكامه في شرائعهم. وإنما نفعل من شرائعهم ما أمرنا به. فعلى هذا القول: كان يجب ألاّ تدخل هذه الآية ونحوها في الناسخ والمنسوخ؛ لأنها لم تنسخ قرآنًا.
ومذهب مالك في هذا الباب: أنّ ما أنزل الله علينا في كتابه وأعلمنا أنه كان فرضًا عليهم ولم يأمرنا بخلافه، ولا بترك العمل به فواجبٌ علينا العمل به، نحو قوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أنّ النّفس} [المائدة: 45] الآية. وقد اعترض على هذا المذهب بقصّة أيوب في يمينه، وبتزوّج موسى إحدى المرأتين، ولا يقول مالك بشيءٍ من ذلك. وعن هذا أجوبةٌ يطول ذكرها، ليست من هذا العلم، سنذكرها في غير هذا الكتاب إن شاء الله.
وهذه المعاني من الأصول لها مواضع يتقصّى الكلام فيها ويبيّن في غير هذا الكتاب إن شاء الله فهي أصل الفقه والدّين، وعليها بنى الفقهاء مسائلهم وفتياهم، وإنما اختلفوا في الفتيا على نحو اختلافهم في معاني الأصول. فمعرفة الأصول عليها العمدة عند أهل الفهم والنظر. ومعرفة المسائل بغير معرفة الأصول إنما هو للمقلّدين الضعفاء في الأفهام.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {فالآن باشروهن} الآية:
أباح الله تعالى المباشرة للنّساء ليالي الصّيام كلّه إباحةً عامةً،
والمباشرة: الجماع لا اختلاف في هذا، لقوله تعالى: {وابتغوا ما كتب الله لكم} [البقرة: 187] يعني: الولد.
وقد توهّم قومٌ أنّ هذا الحكم منسوخٌ بقوله تعالى: {فاعتزلوا النّساء في المحيض} [البقرة: 222]، وليس الأمر كذلك. وإنما هو على أحد وجهين:
- إما أن يكون تحريم وطء الحائض نزل قبل إباحة الوطء ليلة الصيام، فنزل ذلك وقد استقرّ في أنفسهم تحريم وطء الحائض، فصارت المباشرة المباحة مخصوصةً ليل الصّوم في غير الحائض من زوجةٍ أمة.
- وإمّا أن يكون تحريم وطء الحائض نزل بعد هذه الآية، فتكون مبيّنةً لها ومخصّصةً أنها في غير ذوات الحيض.
فلا يجب أن يدخل هذا في الناسخ والمنسوخ.
ولو نسخ إباحة المباشرة لم ينسخ إلاّ بمنع ذلك كلّه، فيعود الأمر إلى منع الوطء في ليل الصّوم. وهذا لا يجوز للنّصّ والإجماع على إباحته.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الثّامنة والعشرين: قوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذىً}.توهّم قومٌ قلّ علمهم أنّ هذه الآية منسوخةٌ، فقالوا: هي تقتضي مجانبة الحائض على الإطلاق كما يفعله اليهود، ثمّ نسخت بالسنة، وهو ما روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم
أنّه أباح الاستمتاع بالحائض إلا النّكاح، وكان صلّى اللّه عليه وسلّم (يستمتع) من الحائض بما دون الإزار. وهذا ظنٌّ منهم فاسدٌ، لأنّه لا خلاف بين الآية والأحاديث.
قال أحمد بن حنبل: المحيض موضع الدّم ويوضّح هذا التّعليل للنّهي بأنّه أذًى فخصّ المنع مكان الأذى ثمّ لو كانت الأحاديث تضادّ الآية قدّمت الآية، لما بيّنّا في أوّل الكتاب من أنّ النّاسخ ينبغي من أن يشابه المنسوخ في قوّته والقرآن أقوى من السنة.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وأدخلوا في هذا الباب قوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض} الآية [البقرة: 222] وقالوا: هي ناسخة لما كان عليه بنو إسرائيل من اجتناب الحائض على كل حال من مؤاكلة ومضاجعة وغير ذلك، فنسخ، فإنا لا نعتزلها إلا في الوطء خاصة، قالوا: وإنما أدخلنا ذلك في باب الناسخ والمنسوخ لقوله عز وجل: {فبهداهم اقتده} الآية [الأنعام: 90] قالوا: فشريعتهم لازمة لنا حتى نؤمر بتركها.
والصحيح أن مثل هذا لا يدخل في الناسخ والمنسوخ؛ لأنه لم ينسخ قرآنا؛ ولأن الحاجة إلى معرفة الناسخ والمنسوخ ألا نظن في منسوخ أنه محكم فنعمل به، وأما إذا لم تكن آية منسوخة تحتاج إلى بيان أنها منسوخة فلا وجه لذكر الناسخ لغير القرآن، ولا فائدة من ذكره، ولا يضرنا أن نجهل ما كان حرم على من كان قبلنا أو أحل لهم حتى يقال: نسخت هذه الاية ما كان عليه من قبلنا..
). [جمال القراء: 1/249-271]'

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 24 جمادى الآخرة 1434هـ/4-05-2013م, 04:33 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍۢ ۖ فَإِن فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ(226)}

قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ}.
قال بعض العلماء: هذه الآية ناسخةٌ لما كانوا عليه، كان الرّجل يؤلي من امرأته السّنة والسنتين وأكثر، ولا تطلق عليه، فنسخ الله ذلك بأربعة أشهر، فإذا رافعته إلى السلطان استوفى له أربعة أشهر. فإن رجع إلى الوطء، وإلاّ طلقت عليه واحدة.
ولا إيلاء على من حلف ألاّ يطأ أقلّ من أربعة أشهر.
ولا تعدّ الأربعة الأشهر إلاّ من وقت ترفعه إلى السلطان إذا كانت يمينه على غير الوطء مما يمنع معه الوطء.
فإن كان يمينه على الوطء بعينه فأجله أربعة أشهر من يوم يمينه إذا رفعته إلى السلطان.
هذا كلّه مذهب مالك، وفيه اختلافٌ ليس هذا موضع ذكره.
وإيجاب النّسخ بهذه الآية لما كانوا عليه مروي عن ابن عباس رضي الله عنه.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (ومن ذلك قولهم: كان الرجل يؤلي من امرأته السنة وأكثر من ذلك، ولا تطلق عليه، فنسخ ذلك بقوله عز وجل: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} الآية [البقرة: 226].). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #11  
قديم 24 جمادى الآخرة 1434هـ/4-05-2013م, 06:13 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: {وَٱلْمُطَلَّقَٰتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَٰثَةَ قُرُوٓءٍۢ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِىٓ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ ۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِى ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوٓا۟ إِصْلَٰحًۭا ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌۭ ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(228)}

قال الوليد بن محمد الموقّري الأموي (ت:182هـ): حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شِهَاب الزهري(124هـ) قال: (وقال تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروءٍ ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهم أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً}.
وذلك أن الرجل كان إذا طلق زوجته كان أحق بردها إن كان قد طلقها ثلاثاً. فلما أنزل الله عز وجل: {الطلاق مرتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ}. فضرب الله حينئذٍ أجلاً لمن مات أو لمن طلق. فقال تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصيةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراجٍ}. فنسخها بآية الميراث التي فرض لهن فيها الربع والثمن.
). [الناسخ والمنسوخ للزهري: 18-22]
قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) عن همّام بن يحيى البصري قال: (وعن قوله جل وعز: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} فجعل عدة المطلقة ثلاث حيض ثم أنه نسخ منها عدة المطلقة التي طلقت ولم يدخل بها زوجها قال الله عز وجل في سورة الأحزاب : {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا} فهذه ليس عليها عدة إن شاءت تزوجت من يومها
وقد نسخ من الثلاثة قروء اثنان : {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم} فهذه العجوز قد قعدت من الحيض {واللائي لم يحضن} فهذه البكر التي لم تبلغ الحيض فعدتها ثلاثة أشهر وليس الحيض من أمرهما في شيء
ثم نسخ من الثلاثة قروء الحامل فقال : {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} فهذه أيضا ليست من القروء في شيء إنما أجلها أن تضع حملها
). [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/31-38]
قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) عن همّام بن يحيى البصري قال: (وعن قوله عز وجل {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} أي في القروء الثلاثة فنسخ منها المطلقة ثلاثا قال الله جل وعز: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} ). [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/31-38]
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية العشرون: قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [228 مدنية / البقرة / 2] هذه الآية جميعها محكم إلا كلاما في وسطها وهو قوله تعالي: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} الآية [228 مدنية / البقرة / 2] وناسخها قوله تعالى: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان...} الآية [229 مدنية / البقرة / 2]) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال جلّ وعزّ: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} [البقرة: 228] الآية قال أبو جعفرٍ: فممّن جعلها في النّاسخ والمنسوخ الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ، وقتادة إلّا أنّ لفظ ابن عبّاسٍ أن قال: استثنى، ولفظ قتادة نسخ قال:
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/27]
قال اللّه تبارك وتعالى: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} [البقرة: 228] ثمّ نسخ من الثّلاث الحيّض المطلّقات اللّواتي لم يدخل بهنّ في سورة الأحزاب فقال جلّ ثناؤه: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّةٍ تعتدّونها} [الأحزاب: 49]، ونسخ الحيض عن أولات الحمل فقال جلّ وعزّ: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} [الطلاق: 4]
قال أبو جعفرٍ: وقال غيرهما من العلماء ليس هذا بنسخٍ ولكنّه تبيينٌ بيّن جلّ وعزّ بهاتين الآيتين أنّه لم يرد بالأقراء الحوامل ولا اللّواتي لم يدخل بهنّ
ثمّ اختلف العلماء في الأقراء فقالوا فيها ثلاثة أقوالٍ
كما حدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزدي، قال حدّثنا محمود بن حسّان، قال حدّثنا عبد الملك بن هشامٍ، قال: حدّثنا أبو زيدٍ الأنصاريّ، قال: سمعت أبا عمرو بن العلاء، يقول: «العرب تسمّي الطّهر قرءًا، وتسمّي الحيض قرءًا،
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/28]
وتسمّي الطّهر مع الحيض جميعًا قرءًا»
وقال الأصمعيّ: «أصل القرء الوقت يقال أقرأت النّجوم إذا طلعت لوقتها»
قال أبو جعفرٍ: فلمّا صحّ في اللّغة أنّ القرء الطّهر، والقرء الحيض وأنّه لهما جميعًا وجب أن يطلب الدّليل على المراد بقوله {ثلاثة قروءٍ} [البقرة: 228] من غير اللّغة إلّا أنّ بعض العلماء يقول: هي الأطهار ويردّه إلى اللّغة من جهة الاشتقاق وسنذكر قوله بعد ذكر ما في ذلك عن الصّحابة والتّابعين وفقهاء الأمصار
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/29]
فممّن قال الأقراء الأطهار عائشة بلا اختلافٍ عنها
كما قرئ على إسحاق بن إبراهيم بن جابرٍ، عن سعيد بن الحكم بن محمّد بن أبي مريم، قال حدّثنا عبد اللّه بن عمر بن حفصٍ، قال أخبرني عبد الرّحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «إنّما الأقراء الأطهار»
قال أبو جعفرٍ: وقد رواه الزّهريّ عن عروة وعمرة عن عائشة
وممّن روي عنه الأقراء الأطهار باختلافٍ ابن عمر، وزيد بن ثابتٍ
قال أبو جعفرٍ كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال أخبرنا مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّه كان يقول: «إذا طلّق الرّجل امرأته فرأت الدّم من الحيضة الثّالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/30]
وإنّما وقع الخلاف فيه عن ابن عمر
لأنّ بكر بن سهلٍ حدّثنا، قال حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن نافعٍ، عن عبد اللّه بن عمر، أنّه كان يقول: «إذا طلّق العبد امرأته اثنتين حرّمت عليه حتّى تنكح زوجًا غيره حرّةً كانت أو أمةً، وعدّة الأمة حيضتان وعدّة الحرّة ثلاث حيضٍ»
قال أبو جعفرٍ: والحديثان جميعًا في الموطّأ، فأمّا حديث زيدٍ ففيه روايتان
إحداهما من حديث الزّهريّ، عن قبيصة بن ذؤيبٍ، عن زيد بن ثابتٍ، قال «عدّة الأمة حيضتان، وعدّة الحرّة ثلاث حيضٍ»
والمخالف له
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/31]
ما حدّثنا إبراهيم بن شريكٍ، قال: حدّثنا أحمد يعني ابن عبد اللّه بن يونس، قال حدّثنا ليثٌ، عن نافعٍ، أنّ سليمان بن يسارٍ، حدّثه " أنّ الأحوص وهو ابن حكيمٍ طلّق امرأته بالشّام فهلك وهي في آخر حيضتها يعني الثّالثة فكتب معاوية إلى زيد بن ثابتٍ يسأله فكتب إليه لا ترثه ولا يرثها وقد برئت منه وبرئ منها، قال نافعٌ: فقال عبد اللّه بن عمر مثل ذلك "
وقرئ على بكر بن سهلٍ، عن سعيد بن منصورٍ، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن الزّهريّ، عن عمرة، عن عائشة، وعن سليمان بن يسارٍ، عن
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/32]
زيد بن ثابتٍ، قالا «يبينها من زوجها إذا طعنت في الحيضة الثّالثة»
قال أبو جعفرٍ: فهؤلاء الصّحابة الّذين روي عنهم أنّ الأقراء الأطهار وهم ثلاثةٌ
فأمّا التّابعون وفقهاء الأمصار ففيهم القاسم، وسالم، وسليمان بن يسارٍ، وأبو بكر بن عبد الرّحمن، وأبان بن عثمان، ومالك بن أنسٍ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/33]
والشّافعيّ، وأبو ثورٍ
وأمّا الّذين قالوا الأقراء الحيض فأحد عشر من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بلا اختلافٍ عنهم وزيادة اثنين باختلافٍ
كما قرئ على أحمد بن محمّد بن الحجّاج، عن يحيى بن سليمان، قال: وحدّثنا خالد بن إسماعيل، ووكيع بن الجرّاح، قالا: حدّثنا عيسى بن أبي عيسى، عن الشّعبيّ، قال أحد عشر من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أو اثنا عشر الخير فالخير منهم عمر وزاد وكيعٌ وأبو بكرٍ قالا وعليٌّ، وابن مسعودٍ وابن عبّاسٍ: «إذا طلّق الرّجل امرأته تطليقةً أو تطليقتين فله عليها الرّجعة ما لم تغتسل من القرء الثّالث وقال وكيعٌ في حديثه ما لم تغتسل من حيضتها الثّالثة»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/34]
قال أبو جعفرٍ: «الأحد عشر أبو بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٌّ وابن عبّاسٍ وابن مسعودٍ، ومعاذٌ وعبادة وأبو الدّرداء، وأبو موسى وأنسٌ والاثنان بالاختلاف ابن عمر، وزيدٌ»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/35]
قرئ على بكر بن سهلٍ، عن سعيد بن منصورٍ، قال حدّثنا سفيان بن عيينة، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، في الرّجل يطلّق امرأته تطليقةً أو تطليقتين قال: قال عليٌّ: «هو أحقّ برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثّالثة»
قال سفيان، حدّثنا منصورٌ، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عمر، وابن مسعودٍ أنّهما قالا: «هو أحقّ بها ما لم تغتسل»
قال سفيان: وحدّثنا أيّوب، عن الحسن عن أبي موسى الأشعريّ،: مثل ذلك
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/36]
ومن التّابعين وفقهاء الأمصار سعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبيرٍ، وطاووسٌ، وعطاءٌ والضّحّاك ومحمّد بن سيرين، والشّعبيّ، والحسن، وقتادة، والأوزاعيّ، والثّوريّ، وأبو حنيفة وأصحابه،
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/37]
وإسحاق، وأبو عبيدٍ
وحكى الأثرم عن أحمد بن حنبلٍ أنّه كان يقول الأقراء الأطهار ثمّ وقف فقال: وكان الأكابر من أصحاب محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم يقولون غير هذا
قال أبو جعفرٍ: فهذا ما جاء عن العلماء بالرّوايات ونذكر ما في ذلك من النّظر واللّغة من احتجاجاتهم إذ كان الخلاف قد وقع، فمن أحسن ما احتجّ به من قال الأقراء الأطهار قوله جلّ وعزّ: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} [البقرة: 228] فأخبر جلّ وعزّ أنّ القروء هي العدد، والعدد عقيبة الطّلاق
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/38]
وإنّما يكون الطّلاق في الطّهر فلو كانت الأقراء هي الحيّض كان بين الطّلاق والعدّة فصلٌ واحتجّوا بالحديث
حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر " أنّه طلّق امرأته وهي حائضٌ فسأل عمر بن الخطّاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقال: «مره فليراجعها ثمّ ليمسكها حتّى تطهر ثمّ تحيض ثمّ تطهر ثمّ إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلّق قبل أن يمسّ فتلك العدّة الّتي أمر اللّه جلّ وعزّ أن يطلّق لها النّساء» قال المحتجّ فتلك إشارةٌ إلى الطّهر
وفي حديث أبي الزّبير، عن ابن عمر، وتلا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: فطلّقوهنّ في قبل عدّتهنّ قال: «فقبل عدّتهنّ هو الطّهر»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/39]
قال أبو جعفرٍ: ومخالفه يحتجّ عليه بالحديث بعينه وسيأتي ذلك
واحتجّ بعضهم بأنّه من قريت الماء أي حبسته فكذا القرء: احتباس الحيض وهذا غلطٌ بيّنٌ لأنّ قريت الماء غير مهموزٍ وهذا مهموزٌ فاللّغة تمنع أخذ هذا من هذا
واحتجّ بعضهم بأنّ الآية ثلاثة قروءٍ بالهاء فوجب أن تكون للطّهر لأنّ الطّهر مذكّرٌ وعدد المذكّر يدخل فيه الهاء ولو كان للحيضة لقيل ثلاثٌ
قال أبو جعفرٍ: وهذا غلطٌ في العربيّة لأنّ الشّيء يكون له اسمان مذكّرٌ ومؤنّثٌ فإذا جئت بالمؤنّث أنّثته وإذا جئت بالمذكّر ذكّرته كما تقول رأيت ثلاث أدؤرٍ ورأيت ثلاثة منازل لأنّ الدّار مؤنّثةٌ والمنزل مذكّرٌ والمعنى واحدٌ
وأمّا احتجاج الّذين قالوا الأقراء الحيض فبشيءٍ من القرآن ومن الإجماع ومن السّنّة ومن القياس قالوا قال اللّه جلّ وعزّ {واللّائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدّتهنّ ثلاثة أشهرٍ} [الطلاق: 4] فجعل الميئوس منه الحيض فدلّ على أنّه هو العدّة وجعل العوض منه الأشهر إذا كان معدومًا
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/40]
وقال اللّه جلّ وعزّ: {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} [الطلاق: 1] وبيّن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أنّ معنى {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} [الطلاق: 1] أن يطلّق في طهرٍ لم يجامع فيه ولا تخلو لعدّتهنّ من أن يكون معناه ليعتددن في المستقبل أو يكون للحال أو للماضي، ومحالٌ أن تكون العدّة قبل الطّلاق أو أن يطلّقها في حال عدّتها فوجب أن تكون للمستقبل
قال أبو جعفرٍ: والطّهر كلّه جائزٌ أن يطلّق فيه وليس بعد الطّهر إلّا الحيض
وقال جلّ وعزّ: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} [البقرة: 228] قالوا: فإذا طلّقها في الطّهر ثمّ احتسبت به قرءًا فلم تعتدّ إلّا قرئين وشيئًا وليس هكذا نصّ القرآن وقد احتجّ محتجٌّ في هذا فقال: التّثنية جمعٌ واحتجّ بقوله جلّ وعزّ: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} [البقرة: 197] وإنّما ذلك شهران وأيّامٌ فهذا الاحتجاج غلطٌ لأنّه لم يقل جلّ وعزّ ثلاثة أشهرٍ فيكون مثل ثلاثة قروءٍ وإنّما هذا مثل قوله جلّ وعزّ: {يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} [البقرة: 234] فلا
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/41]
يجوز أن يكون أقلّ منها وكذا فصيام ثلاثة أيّامٍ في الحجّ وسبعةٍ إذا رجعتم
فأمّا من السّنّة:
فحدّثنا الحسن بن غليبٍ، قال: حدّثنا يحيى بن عبد اللّه، قال أخبرني اللّيث، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن بكير بن عبد اللّه بن الأشجّ، عن المنذر بن المغيرة، عن عروة بن الزّبير، أنّ فاطمة ابنة أبي حبيشٍ أخبرته أنّها، أتت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فشكت إليه الدّم فقال: «إنّما ذلك عرقٌ فانظري إذا أتاك قرؤك فلا تصلّي وإذا مرّ القرء فتطهّري ثمّ صلّي من القرء إلى القرء»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/42]
وهذا لفظ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم سمّى الحيض قرءًا في أربعة مواضع
وأمّا الإجماع: فأجمع المسلمون على الاستبراء بحيضةٍ
وقال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه بحضرة أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عدّة الأمة حيضتان نصف عدّة الحرّة ولو قدرت على أن أجعلها حيضةً ونصفًا لفعلت وهذا يدخل في باب الإجماع لأنّه لم ينكره عليه أحدٌ من الصّحابة
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/43]
وقالوا قد أجمع العلماء على أنّ المطلّقة ثلاثًا إذا ولدت فقد خرجت من العدّة لا اختلاف في ذلك وإنّما اختلفوا في المتوفّى عنها زوجها قالوا فالقياس أن يكون الحيض بمنزلة الولد؛ لأنّهما جميعًا يخرجان من الجوف وفي سياق الآية أيضًا دليلٌ، قال اللّه جلّ وعزّ: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} [البقرة: 228] فللعلماء في هذا قولان:
قال ابن عبّاسٍ «الحبل»
وقال الزّهريّ «الحيض»، وليس ثمّ دليلٌ يدلّ على اختصاص أحدهما فوجب أن يكون لهما جميعًا، وإنّما حظر عليها كتمان الحيض والحبل لأنّ زوجها إذا طلّقها طلاقًا يملك معه الرّجعة كان له أن يراجعها من غير أمرها ما لم تنقض عدّتها فإذا كرهته قالت قد حضت الحيضة الثّالثة أو قد ولدت لئلّا يراجعها فنهيت عن ذلك
قال جلّ وعزّ: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} [البقرة: 228]
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/44]
حدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال حدّثنا سلمة، قال حدّثنا عبد الرّزّاق، قال أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} [البقرة: 228] قال: «هو أحقّ بردّها في العدّة»
قال أبو جعفرٍ: التّقدير في العربيّة في ذلك الأجل وأمّا {ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف} [البقرة: 228]
فقال فيه ابن زيدٍ «عليه أيضًا أن يتّقي اللّه فيها» وأمّا {وللرّجال عليهنّ درجةٌ} [البقرة: 228] ففيه أقوالٌ: فقال ابن زيدٍ: «عليها أن تطيعه وليس عليه أن يطيعها» قال الشّعبيّ: «إذا قذفها لاعن ولم يحدّ وإذا قذفته حدّت» ومن أحسن ما قيل فيه ما رواه عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: «ما أريد أن أستنظف حقوقي على زوجتي»
قال أبو جعفرٍ: ومعنى هذا أنّ اللّه تبارك وتعالى ندب الرّجال إلى أن يتفضّلوا على نسائهم وأن تكون لهم عليهنّ درجةٌ في العفو والتّفضل
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/45]
والاحتمال؛ لأنّ معنى: درجةٌ في اللّغة زيادةٌ وارتفاعٌ
قال أبو العالية: «واللّه عزيزٌ في انتقامه حكيمٌ في تدبيره» قال أبو جعفرٍ: وهذا قولٌ حسنٌ أي عزيزٌ في انتقامه ممّن خالف أمره وحدوده في أمر الطّلاق والعدّة حكيمٌ فيما دبّر لخلقه
واختلف العلماء في الآية الّتي تلي هذه فمنهم من جعلها ناسخةً ومنهم من جعلها منسوخةً ومنهم من جعلها محكمةً وهي الآية الثّالثة والعشرون
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/46]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (
الآية الثّالثة والعشرون قوله تعالى {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء} الآية أجمع النّاس على إحكام أولها وآخرها إلّا كلمات في وسطها وذلك أن الله تعالى جعل عدّة المطلقة ثلاثة قروء إذا كانت ممّن تحيض وإن كانت آيسة فثلاثة أشهر وإن كانت ممّن لم تحض فمثل ذلك والحوامل وضع حملهنّ فجميع ذلك محكم وهو أي المنسوخ من الآية قوله تعالى {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} وذلك أن الرجل كان يطلق المرأة وهي حامل وكان يخيّر في مراجعها ما لم تضع نزلت في رجل من غفار أو من أشجع يعرف بإسماعيل بن عبد الله جنى على امرأته فطلقها وهي حامل ثمّ لم يطلّ حكمها كما طال في حكم المنسوخ فكان أحق برجعتها ما لم تضع يقال أنه لم تضع امرأته حتّى نسخت وناسخها الآية
الّتي تلتها وبعض الثّالثة وهي قوله تعالى {الطلاق مرّتان} فإن قال قائل فأين الثّالثة قيل هي قوله تعالى {فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} يروى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال آخرون بل نسخها الله تعالى بالآية الّتي تليها وهي قوله تعالى {فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجاً غيره}
). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية التّاسعة والعشرين: قوله تعالى: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ}.
قد ذهب جماعةٌ من القدماء إلى أنّ في هذه الآية منسوخًا ثمّ اختلفوا في المنسوخ منها على قولين:
أحدهما: أنّه قوله: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ}.
قالوا: فكان يجب على كلّ مطلّقةٍ أن تعتدّ ثلاثة قروءٍ فنسخ من ذلك حكم الحامل بقوله: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ}. ونسخ
حكم (الآيسة) والصّغيرة من ذلك بقوله: {واللاّئي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدّتهنّ ثلاثة أشهرٍ واللاّئي لم يحضن} ونسخ حكم المطلّقة قبل الدّخول بقوله: {إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّةٍ تعتدّونها}.
وهذا مرويٌّ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما وقتادة إلا أنّ ابن عبّاسٍ استثنى ولفظ قتادة [نسخ].
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا أبو الفضل البقّال، قال: أبنا أبو الحسين بن بشران، قال: أبنا إسحاق الكاذيّ، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا عبد الوهّاب عن سعيدٍ عن قتادة، {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} قال: فجعل عدّة المطلّقة ثلاث حيضٍ، ثمّ نسخ منها الّتي لم يدخل بها فقال: {إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّةٍ تعتدّونها} فهذه ليس لها عدّةٌ، وقد نسخ من الثّلاثة قروءٍ، امرأتان، فقال: {واللاّئي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم} فهذه العجوز الّتي لا تحيض عدّتها ثلاثة أشهرٍ، ونسخ من الثّلاثة قروءٍ الحامل فقال: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ}.
والقول الثّاني: أنّ أوّل الآية محكمٌ وإنّما المنسوخ منها قوله: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ}.
قالوا: فكان الرّجل إذا طلّق ارتجع،، سواءً كان الطلاق ثلاثًا أو دون ذلك فنسخ هذا بقوله {فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجاً غيره}.
واعلم: أنّ القول الصّحيح المعتمد عليه أنّ هذه الآية كلّها محكمةٌ، لأنّ أوّلها عامٌّ في المطلّقات، وما ورد في الحامل والآيسة والصّغيرة فهو مخصوصٌ من جملة العموم وليس على سبيل النسخ. وأما الارتجاع فإن الرجعية زوجة، ولهذا قال: {وبعولتهنّ} ثمّ بيّن الطّلاق الّذي يجوز منه الرّجعة، فقال: {الطّلاق مرّتان} إلى قوله {فإن طلّقها} يعني: الثلاثة {فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجاً غيره
}.). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (التاسعة عشرة: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} هذا اللفظ عام خص منه أهل الكتاب والتخصيص ليس بنسخ وقد غلط من سماه نسخا. وكذلك العشرون وذلك قوله {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} عام خص منه الحامل والآيس والصغير لا على وجه النسخ0.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وقوله عز وجل: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} الآية [البقرة: 228] قالوا: هي عامة في كل مطلقة، فنسخ منها غير المدخول بها والتي يئست من المحيض والحامل، قال ذلك قتادة، وليس كما ذكروا، وإنما أريد بالمطلقات المدخول بهن اللواتي يحضن، الخاليات عن الحمل، يدلك على ذلك قوله عز وجل: {ثلاثة قروء}.). [جمال القراء: 1/249-271]


روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #12  
قديم 24 جمادى الآخرة 1434هـ/4-05-2013م, 09:30 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: {ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌۢ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌۢ بِإِحْسَٰنٍۢ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا۟ مِمَّآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِۦ ۗ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ(229)}


قال الوليد بن محمد الموقّري الأموي (ت:182هـ): حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شِهَاب الزهري(124هـ) قال: (
وقال الله عز وجل: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به}. *). [الناسخ والمنسوخ للزهري: 18-22]
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية الحادية والعشرون: قوله تعالى في آية الخلع: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} [229 مدنية / البقرة / 2] ثم نسخها بالاستثناء وهو قوله تعالى: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} [229 مدنية / البقرة / 2].) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال اللّه جلّ وعزّ {الطّلاق مرّتان} [البقرة: 229] الآية
فمن العلماء من يقول هي ناسخةٌ لما كانوا عليه لأنّهم كانوا في الجاهليّة مدّةٍ، وفي أوّل الإسلام برهةً يطلّق الرّجل امرأته ما شاء من الطّلاق فإذا كادت تحلّ من طلاقها راجعها ما شاء فنسخ اللّه ذلك بأنّه إذا طلّقها ثلاثًا لم تحلّ له حتّى تنكح زوجًا غيره وإذا طلّقها واحدةً أو اثنتين كانت له مراجعتها ما دامت في العدّة، فقال جلّ وعزّ: {الطّلاق مرّتان} [البقرة: 229] أي الطّلاق الّذي تملك معه الرّجعة وهذا معنى قول عروة
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/47]
وحدّثنا أبو جعفرٍ قال: قرئ على عبد اللّه بن أحمد بن عبد السّلام، عن أبي الأزهر، قال حدّثنا روح بن عبادة، عن سعيدٍ، عن قتادة، في قوله جلّ وعزّ {الطّلاق مرّتان} [البقرة: 229] قال: «فنسخ هذا ما كان قبله فجعل اللّه جلّ وعزّ حدّ الطّلاق ثلاثًا وجعل له الرّجعة ما لم يطلّق ثلاثًا» فهذا قولٌ
والقول الثّاني: إنّها منسوخةٌ بقوله جلّ وعزّ: {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} [الطلاق: 1]
والقول الثّالث: إنّها محكمةٌ وافترق قول من قال إنّها محكمةٌ على ثلاث جهاتٍ:
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/48]
فمنهم من قال لا ينبغي للرّجال إذا أراد أن يطلّق امرأته أن يطلّقها إلّا اثنتين لقول اللّه تبارك وتعالى {الطّلاق مرّتان} [البقرة: 229] ثمّ إن شاء طلّق الثّالثة بعد وهذا قول عكرمة
والقول الثّاني: أنّه يطلّقها في طهرٍ لم يجامعها فيه إن شاء واحدةً وإن شاء اثنتين وإن شاء ثلاثًا وهذا قول الشّافعيّ
والقول الثّالث: الّذي عليه أكثر العلماء أن يطلّقها في كلّ طهرٍ طلقةً واحدةً ويحتجّ لصاحب هذا القول:
بقول رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لعمر «مره فليراجعها
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/49]
ثمّ ليمسكها حتّى تطهر ثمّ تحيض ثمّ تطهر ثمّ إن شاء أمسك وإن شاء طلّق قبل أن يجامع»
قال أبو جعفرٍ: وقد ذكرناه بإسناده وكانت السّنّة أن يكون بين كلّ طلقتين حيضةٌ فلو طلّق رجلٌ امرأته وهي حائضٌ ثمّ راجعها ثمّ طلّقها في الطّهر الّذي يلي الحيضة وقعت تطليقتان بينهما حيضةٌ واحدةٌ، وهذا خلاف السّنّة فلهذا أمر أن يراجعها ثمّ يمسكها حتّى تطهر ثمّ تحيض ثمّ تطهر
ومن الحجّة أيضًا {الطّلاق مرّتان} [البقرة: 229] لأنّ مرّتين يدلّ على التّفريق كذا هو في اللّغة قال سيبويه: وقد تقول سير عليه مرّتين تجعله للدّهر أي ظرفًا فسيبويه يجعل مرّتين ظرفًا فالتّقدير أوقات الطّلاق مرّتان
وحدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال حدّثنا سلمة، قال حدّثنا عبد الرّزّاق، قال أخبرنا سفيان الثّوريّ، قال أخبرني إسماعيل بن سميعٍ، عن أبي رزينٍ، أنّ رجلًا، قال يا رسول اللّه أسمع اللّه تبارك وتعالى يقول {الطّلاق مرّتان} [البقرة: 229] فأين الثّالثة؟ قال: «التّسريح بإحسانٍ»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/50]
قال أبو جعفرٍ: وفي هذه الآية ما قد اختلف فيه اختلافٌ كثيرٌ وجعله بعضهم في المنسوخ بعد الاتّفاق على أنّه في مخالفة الرّجل امرأته قال جلّ وعزّ: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا إلّا أن يخافا ألّا يقيما حدود اللّه} [البقرة: 229] إلى آخر الآية
قال عقبة بن أبي الصّهباء سألت بكر بن عبد اللّه المزنيّ عن الرّجل تريد امرأته أن تخالعه، فقال: " لا يحلّ له أن يأخذ منها شيئًا قلت فأين قول اللّه عزّ وجلّ في كتابه {فإن خفتم أن لا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به} قال نسخت، قلت: فأين جعلت؟ قال في سورة النّساء {وإن أردتم استبدال زوجٍ مكان زوجٍ وآتيتم إحداهنّ قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا أتأخذونه بهتانًا وإثمًا مبينًا} [النساء: 20] والآية الأخرى "
قال أبو جعفرٍ: وهذا قولٌ شاذٌّ خارجٌ عن الإجماع وليس إحدى الآيتين رافعةً للأخرى فيقع النّسخ لأنّ قوله جلّ وعزّ {فإن خفتم أن لا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به} ليس بمزالٍ بتلك لأنّهما إذا خافا هذا لم يدخل الزّوج في {وإن أردتم استبدال زوجٍ مكان زوجٍ} [النساء: 20] لأنّ هذا للرّجال خاصّةً
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/51]
ومن الشّذوذ في هذا ما روي عن سعيد بن جبيرٍ، ومحمّد بن سيرين، والحسن أنّهم قالوا: لا يجوز الخلع إلّا بأمر السّلطان
قال شعبة قلت لقتادة عمّن أخذ الحسن الخلع إلى السّلطان قال عن زيادٍ
قال أبو جعفرٍ: وهو صحيحٌ معروفٌ عن زيادٍ ولا معنى لهذا القول لأنّ الرّجل إذا خالع امرأته فإنّما هو على ما يتراضيان به ولا يجوز أن يجبره السّلطان على ذلك فلا معنى لقول من قال: هو إلى السّلطان ومع هذا فقول الصّحابة وأكثر التّابعين إنّ الخلع جائزٌ من غير إذن السّلطان فممّن قال ذلك عمر، وعثمان، وابن عمر
كما حدّثنا محمّد بن زيّان، قال حدّثنا محمّد بن رمحٍ، قال أخبرني اللّيث، عن نافعٍ، أنّه سمع الرّبيّع ابنة معوّذ بن عفراء، تخبر عبد اللّه بن عمر أنّها اختلعت من زوجها في عهد عثمان فجاء عمّها معاذ بن عفراء إلى عثمان فقال إنّ ابنة
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/52]
معوّذٍ اختلعت من زوجها أفتنتقل؟ فقال عثمان: «لتنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدّة عليها ولكن لا تنكح حتّى تحيض حيضةً خشية أن يكون بها حملٌ» فقال ابن عمر: عثمان خيرنا وأعلمنا
وفي حديث أيّوب، وعبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن عثمان، «ولا نفقة لها»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/53]
وفي هذا الحديث أحكامٌ وعلومٌ فمنها أنّ عثمان رحمه اللّه أجاز الخلع على خلاف ما قال بكر بن عبد اللّه وأجازه من غير إذن السّلطان على خلاف ما قال زيادٌ وجعله طلاقًا على خلاف ما يروى عن ابن عبّاسٍ وأجازه بالمال ولم يسأل أهو أكثر من صداقها أم أقلّ على خلاف ما يقول أبو حنيفة وأصحابه: إنّ الخلع لا يجوز بأكثر ممّا ساق إليها من الصّداق وأجاز
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/54]
للمختلعة أن تنتقل وجعلها خلاف المطلّقة ولم يجعل عليها عدّةً كالمطلّقة
وقال بهذا القول إسحاق بن راهويه قال: وليس على المختلعة عدّةٌ وإنّما عليها الاستبراء بحيضةٍ وهو قول ابن عبّاسٍ بلا اختلافٍ وعن ابن عمر فيه اختلافٌ فلمّا جاء عن ثلاثةٍ من الصّحابة لم يقل بغيره ولا سيّما ولم يصحّ عن أحدٍ من الصّحابة خلافه فأمّا عن غيرهم فكثيرٌ
قال جماعةٌ من العلماء عدّة المختلعة عدّة المطلّقة منهم سعيد بن المسيّب، وسليمان بن يسارٍ، وسالم بن عبد اللّه، وعروة بن الزّبير، وعمر بن
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/55]
عبد العزيز والزّهريّ، والحسن، وإبراهيم النّخعيّ، وسفيان الثّوريّ، والأوزاعيّ، ومالكٌ، وأبو حنيفة وأصحابه والشّافعيّ، وأحمد بن حنبلٍ
وفي حديث عثمان أنّه أوجب أنّ المختلعة أملك بنفسها لا تتزوّج إلّا برضاها وإن كانت لم تطلّق إلّا واحدةً، وفيه أنّها لا نفقة لها ولا سكنى وأنّهما
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/56]
لا يتوارثان، وإن كان إنّما طلّقها واحدةٍ وفيه أنّها لا تنكح حتّى تحيض حيضةً وفيه أنّ عبد اللّه بن عمر خبّر أنّ عثمان خيرٌ وأعلم من كلّ من ولّي عليه
وأمّا حديث ابن عبّاسٍ فحدّثناه، أحمد بن محمّدٍ الأزدي، قال حدّثنا محمّد بن خزيمة، قال حدّثنا حجّاجٌ، قال حدّثنا أبو عوانة، عن ليثٍ، عن طاوسٍ: أنّ ابن عبّاسٍ، «جمع بين رجلٍ وامرأته بعد أن طلّقها تطليقتين وخالعها»
وهذا قولٌ شاذٌّ خارجٌ عن الإجماع والمعقول وذلك أنّه إذا قال لامرأته: أنت طالقٌ إذا كان كذا فوقعت الصّفة طلّقت بإجماعٍ فكيف يكون إذا أخذ منها
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/57]
شيئًا وطلّق بصفةٍ لم يقع الطّلاق فهذا محالٌ في المعقول، وطاوسٌ وإن كان رجلًا صالحًا فعنده عن ابن عبّاسٍ مناكير يخالف عليها ولا يقبلها أهل العلم منها أنّه:
روي عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال في رجلٍ قال لامرأته أنت طالقٌ ثلاثًا إنّما يلزمه واحدةٌ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/58]
ولا يعرف هذا عن ابن عبّاسٍ إلّا من روايته والصّحيح عنه وعن عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنهما أنّها ثلاثٌ كما قال اللّه جلّ وعزّ {فإن
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/58]
طلّقها فلا تحلّ له من بعد} [البقرة: 230] أي الثّالثة
فأمّا العلّة الّتي رويت عن ابن عبّاسٍ في المختلعة فإنّه روي عنه أنّه قال:
وقع الخلع بين طلاقين، قال جلّ وعزّ: {الطّلاق مرّتان} [البقرة: 229] ثمّ ذكر المختلعة فقال جلّ وعزّ: {فإن طلّقها} [البقرة: 230]
قال أبو جعفرٍ: الّذي عليه أهل العلم أنّ قوله جلّ وعزّ {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} [البقرة: 229] كلامٌ قائمٌ بنفسه ثمّ قال جلّ وعزّ ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا فكان هذا حكمًا مستأنفًا ثمّ قال جلّ وعزّ: {فإن طلّقها} [البقرة: 230] فرجع إلى الأوّل ولو كان على ما روي عن ابن عبّاسٍ لم تكن المختلعة إلّا من طلّقت تطليقتين فهذا ما لا يقول به أحدٌ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/60]
ومثل هذا في التّقديم والتّأخير {وامسحوا برءوسكم وأرجلكم}
قال أبو جعفرٍ: وهذا بيّنٌ في النّحو
وفي الآية من اللّغة وقد ذكره مالكٌ رحمه اللّه نصًّا فقال المختلعة الّتي اختلعت من كلّ مالها والمفتدية الّتي افتدت ببعض مالها والمبارئة الّتي بارأت زوجها من قبل أن يدخل بها، فقالت: قد أبرأتك فبارئني قال: وكلّ هذا سواءٌ وهذا صحيحٌ في اللّغة وقد يدخل بعضه في بعضٍ فيقال مختلعةٌ وإن دفعت بعض مالها فيكون تقديره أنّها اختلعت نفسها من زوجها وكذا المفتدية وإن افتدت بكلّ ما لها
فأمّا قول من قال لا يجوز أن تختلع بأكثر ممّا ساق إليها من الصّداق فشيءٌ لا توجبه الآية لأنّ اللّه تبارك وتعالى قال: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229] وليس في التّلاوة {فيما افتدت به} [البقرة: 229] من ذلك ولا منه فيصحّ ما قالوا
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/61]
على أنّ سعيد بن المسيّب يروى عنه أنّه قال «لا يجوز الخلع إلّا بأقلّ من الصّداق»
وقال ميمون بن مهران «من أخذ الصّداق كلّه فلم يسرّح بإحسانٍ» وقد أدخلت الآية الرّابعة والعشرون في النّاسخ والمنسوخ قال ذلك مالك بن أنسٍ رحمه اللّه
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/62]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {الطّلاق مرّتان} الآية:
هذا ناسخ لقوله: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} [البقرة: 228] يعني: في العدّة، أو هي حامل.
قال ابن أبي أويس: كان الرّجل في أوّل الإسلام يطلّق زوجته ثلاثًا، وهي حبلى، وهو أحقّ برجعتها ما دامت في العدّة، فنسخ الله ذلك بقوله: {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسان}.
وقال جماعةٌ من أهل المعاني: هذه الآية ناسخةٌ لما كانوا عليه في الجاهلية وفي أوّل الإسلام، كان الرّجل يطلّق امرأته ما شاء من الطلاق، واحدةً بعد واحدة، فإذا كادت تحلّ من العدّة راجعها ما شاء، فنسخ ذلك من فعلهم بهذه الآية. والمعنى: آخر عدد الطلاق الذي يملك معه الرّجعة تطليقتان.
وقد كان يجب ألاّ تذكر هذه الآية في الناسخ والمنسوخ على هذا القول؛ لأنها لم تنسخ قرآنًا. ويلزم ذكرها على القول الأول.
وقد قيل: إنها منسوخةٌ بقوله: {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} [الطلاق: 1].
قال أبو محمد: وهذا قول بعيدٌ، بل الآيتان محكمتان في معنيين مختلفين، لا ينسخ أحدهما الآخر آية البقرة ذكر الله فيها بيان عدد الطّلاق، وآية الطّلاق ذكر الله فيها بيان وقت بالطّلاق. فهما حكمان مختلفان معمولٌ بهما، لا ينسخ أحدهما الآخر لتباين معنييهما.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود الله} [البقرة: 229] الآية:
أدخل أبو عبيد هذه الآية في الناسخ والمنسوخ. وليست منه إنما هو استثناءٌ بحرف الاستثناء.
وقد قيل: إنه منسوخٌ بقوله: {فإن طبن لكم عن شيءٍ منه نفسًا فكلوه} [النساء: 4] الآية.
والأولى والأحسن: أن تكون الآيتان محكمتين في حكمين مختلفين، لا ينسخ أحدهما الآخر:
آية البقرة في منع ما يأخذ الزّوج من زوجته على الإكراه والمضارّة بها.
وآية النساء في جواز ما يأخذ منها على التطوّع وطيب النفس من غير مضارّة منه لها.
فهما حكمان مختلفان.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الثّلاثين: قوله تعالى: {الطّلاق مرّتان}.
قد زعم قومٌ: أنّ هذه الآية نسخت ما كانوا عليه، من أنّ أحدهم كان يطلّق ما شاء.
أخبرنا ابن ناصرٍ، قال: بنا عليّ بن أيّوب، قال: أبنا ابن شاذان، قال: بنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا أحمد بن محمّد، قال: بنا عليّ بن الحسين عن أبيه عن (يزيد) النّحويّ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: كان الرّجل إذا طلّق امرأته، فهو أحقّ برجعتها وإن طلّقها ثلاثًا فنسخ اللّه ذلك، فقال: {الطّلاق مرّتان} الآية.
وروى سعيدٍ عن قتادة في قوله تعالى: {الطّلاق مرّتان} قال: فنسخ هذا ما كان قبله وجعل اللّه حدّ الطّلاق ثلاثاً.
قلت: وهذا يجوز في الكلام يريدون به تغيير تلك الحال وإلا فالتّحقيق أنّ هذا لا يقال فيه ناسخٌ ولا منسوخٌ وإنّما هو ابتداء شرعٍ وإبطالٌ لحكم العادة.
وزعم آخرون: أنّ هذه الآية لمّا اقتضت إباحة الطّلاق على الإطلاق من غير تعيين زمانٍ، نزل قوله: {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} أي: من قبل عدّتهنّ وذلك أن تطلّق المرأة في زمان طهرها لتستقبل الاعتداد بالحيض.
وهذا قول من لا يفهم النّاسخ والمنسوخ، وإنّما أطلق الطّلاق في هذه الآية وبيّن في الأخرى كيف ينبغي أن يوقع. ثمّ إنّ الطّلاق واقعٌ، وإن طلّقها في زمان الحيض، فعلم أنّه تعليم أدبٍ والصّحيح أن الآية محكمة.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْن
ُ
الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (
ذكر الآية الحادية والثّلاثين: قوله تعالى: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً إلّا أن يخافا ألاّ يقيما حدود اللّه فإن خفتم ألّا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به}.هذه الآية مبيّنةٌ لحكم الخلع ولا تكاد تقع الفرقة بين الزّوجين إلا بعد فساد الحال، ولذلك علّق القرآن جوازه مخافة تركهما القيام بالحدود، وهذا أمرٌ ثابتٌ والآية محكمةٌ عند عامّة العلماء.
إلا أنّه قد أخبرنا إسماعيل ابن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه البقّال قال: أبنا أبو الحسين بن بشران، قال: أبنا إسحاق ابن أحمد الكاذي، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، قال: حدّثني أبي، قال: بنا حمّاد بن خالدٍ الخيّاط، قال: بنا عقبة بن أبي الصّهباء، (قال: سألت بكر بن عبد اللّه) عن رجلٍ سألته (امرأته) الخلع؟ فقال:
لا يحلّ له أن يأخذ منها شيئًا، قلت له: يقول الله عز وجل: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود اللّه} الآية؟ قال: نسخت، قلت: فأين جعلت؟ قال: في سورة النّساء {وإن أردتم استبدال زوجٍ مكان زوجٍ وآتيتم إحداهنّ قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً}.
قلت: وهذا قولٌ (بعيدٌ) من وجهين:
أحدهما: أنّ المفسّرين قالوا في قوله تعالى {وإن أردتم استبدال زوجٍ مكان زوجٍ} نزلت في الرّجل يريد أن يفارق امرأته ويكره أن يصل إليها ما فرض لها من المهر فلا يزال يتبعها بالأذى حتّى تردّ عليه ما أعطاها لتخلص منه. فنهى اللّه تعالى عن ذلك، فأمّا آية الخلع فلا تعلّق لها بشيءٍ من ذلك.
والثّاني: أنّ قوله: {فلا تأخذوا منه شيئاً} إذا كان النّشوز من قبله، وأراد استبدال غيرها، وقوله: {فيما افتدت به} إذا كان النّشوز من قبلها فلا وجه للنّسخ.
وقد ذكر السّدّيّ في هذه الآية نسخًا من وجهٍ آخر فقال: قوله {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً} منسوخ بالاستثناء وهو قوله: {إلاّ أن يخافا}.
قلت: وهذا من أرذل الأقوال، لأنّ الاستثناء إخراج بعض ما شمله اللّفظ وليس بنسخٍ.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (ومن ذلك قولهم في قوله عز وجل: {الطلاق مرتان} الآية [البقرة: 229] وقالوا: هي ناسخة لشيء كانوا عليه في أول الإسلام: كان الرجل يطلق ثلاثا وهي حبلى، ويكون أحق بارتجاعها ما دامت في العدة، وقيل: هي ناسخة لما كانوا عليه في الجاهلية ثم في صدر الإسلام: كان أحدهم يطلق امرأته ما شاء مرة بعد مرة يطلقها، وإذا كادت تخرج من العدة ارتجعها بفعل ذلك ما شاء، فنسخ ذلك من فعلهم بهذه الآية، ولا تدخل هذه الآية في الناسخ لما ذكرته، وقيل: هي منسوخة بقوله عز وجل: {فطلقوهن لعدتهن} الآية [الطلاق: 1] والآيتان محكمتان لم تنسخ واحدة منهما الأخرى: التي في البقرة لبيان عدة الطلاق، والتي في الطلاق فيها بيان وقت الطلاق.). [جمال القراء: 1/249-271]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (ومن ذلك قوله عز وجل: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} الآية [البقرة: 229] قال أبو عبيد: نسخ ذلك بقوله: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} الآية [البقرة: 229] وهذا ظاهر الفساد، وهذا استثناء وليس بنسخ.
وقال قوم: هو منسوخ بقوله عز وجل: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه} الآية [النساء: 4] وليس كذلك؛ لأن آية البقرة في منع الزوج من ارتجاع ما أعطاه من غير رضى المرأة، والتي في النساء في إباحة ذلك إذا كان عن رضى فليس بينهما نسخ.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #13  
قديم 25 جمادى الآخرة 1434هـ/5-05-2013م, 03:16 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: { وَٱلْوَٰلِدَٰتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَٰدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُۥ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةٌۢ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌۭ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦ ۚ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ۗ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍۢ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍۢ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوٓا۟ أَوْلَٰدَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ ءَاتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ ۗ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌۭ(233)}
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية الثانية والعشرون: قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهنحولين كاملين...} الآية [233 / البقرة] نسخت بالاستثناء بقوله: {فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما} [233 / البقرة / 2] فصارت هذه الإرادة بالاتفاق ناسخة لحولين كاملين. ) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال اللّه جلّ وعزّ: {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233] في هذه الآية للعلماء أقوالٌ
فمنهم من قال هي منسوخةٌ ومنهم من قال إنّها محكمةٌ والّذين قالوا إنّها محكمةٌ لهم فيها ستّة أجوبةٍ:
فمنهم من قال: {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233] ألّا يضارّ، ومنهم من قال: الوارث عصبة الأب عليهم النّفقة والكسوة ومنهم من قال على وارث المرضع النّفقة والكسوة ومنهم من قال وعلى الوارث أي الصّبيّ نفسه، ومنهم من قال الوارث الباقي من الأبوين ومنهم من قال الوارث كلّ ذي رحمٍ محرّمٍ
قال أبو جعفرٍ: ونحن ننسب هذه الأقوال إلى قائليها من الصّحابة والتّابعين والفقهاء ونشرحها لتكمل الفائدة في ذلك
حكى عبد الرّحمن بن القاسم في الأسديّة عن مالك بن أنسٍ رحمه اللّه
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/63]
أنّه قال: لا يلزم الرّجل نفقة أخٍ ولا ذي قرابةٍ ولا ذي رحمٍ منه قال: وقول اللّه جلّ وعزّ {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233] هو منسوخٌ قال أبو جعفرٍ: هذا لفظ مالكٍ رحمه اللّه ولم يبيّن ما النّاسخ لها ولا عبد الرّحمن بن القاسم
ومذهب ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، والشّعبيّ أنّ المعنى {وعلى الوارث} [البقرة: 233] أن لا يضارّ
والّذين قالوا على وارث الأب النّفقة والكسوة عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه والحسن بن أبي الحسن
كما قرئ على محمّد بن جعفر بن حفصٍ، عن يوسف بن موسى، قال حدّثنا قبيصة، قال حدّثنا سفيان، عن ابن جريجٍ، عن عمرو بن شعيبٍ، عن سعيد بن المسيّب: أنّ عمر، «أجبر بني عمٍّ على منفوسٍ» وفي رواية ابن
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/64]
عيينة: الرّجال دون النّساء
وقال الحسن «إذا خلّف أمّه وعمّه الأمّ موسرةٌ والعمّ معسرٌ فالنّفقة على العمّ»
والّذين قالوا: وعلى وارث المولود النّفقة والكسوة زيد بن ثابتٍ قال:
إذا خلّف أمًّا وعمًّا فعلى كلّ واحدٍ منهما على قدر ميراثهما وهو قول عطاءٍ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/65]
وقال قتادة «على وارث الصّبيّ على قدر ميراثهم» وقال قبيصة بن ذؤيبٍ الوارث الصّبيّ
كما قرئ على محمّد بن جعفر بن حفصٍ، عن يوسف بن موسى، قال حدّثنا أبو عبد الرّحمن المقرئ، قال أخبرنا حيوة، قال حدّثنا جعفر بن ربيعة، عن قبيصة بن ذؤيبٍ، {وعلى الوارث مثل ذلك}[البقرة: 233] قال: «الوارث الصّبيّ»
وروى ابن المبارك عن سفيان الثّوريّ قال: «إذا كان للصّبيّ أمٌّ وعمٌّ أجبرت الأمّ على رضاعةٍ ولم يطالب العمّ بشيءٍ»
وأمّا الّذين قالوا على كلّ ذي رحمٍ محرمٍ فهم أبو حنيفة وأبو يوسف، ومحمّدٌ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/66]
قال أبو جعفرٍ: فهذه جميع الأقوال الّتي وصفناها من أقوال الصّحابة والتّابعين والفقهاء
فأمّا قول مالكٍ إنّها منسوخةٌ فلم يبيّنه ولا علمت أنّ أحدًا من أصحابه بيّن ذلك والّذي يشبه أن يكون النّاسخ لها عنده واللّه جلّ وعزّ: أعلم أنّه لمّا أوجب اللّه تبارك وتعالى للمتوفّى عنها زوجها من مال المتوفّى نفقة حولٍ والسّكنى ثمّ نسخ ذلك ورفعه نسخ ذلك أيضًا عن الوارث
وأمّا قول من قال: {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233] أن لا يضارّ فقولٌ حسنٌ لأنّ أموال النّاس محظورةٌ فلا يخرج منها شيءٌ إلّا بدليلٍ قاطعٍ
وأمّا قول من قال على ورثة الأب فالحجّة له أنّ النّفقة كانت على الأب فورثته أولى من ورثة الابن
وأمّا حجّة من قال على ورثة الابن فيقول: كما يرثونه يقومون به
قال أبو جعفرٍ: وكان محمّد بن جريرٍ يختار قول من قال الوارث هاهنا الابن وهو وإن كان قولًا غريبًا فالإسناد به صحيحٌ والحجّة به ظاهرةٌ؛ لأنّ ماله أولى به
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/67]
وقد أجمع الفقهاء إلّا من شذّ منهم أنّ رجلًا لو كان له ولدٌ طفلٌ وللولد مالٌ والأبّ موسرٌ أنّه لا يجب على الأب نفقةٌ ولا رضاعٌ وأنّ ذلك من مال الصّبيّ فإن قيل قد قال اللّه جلّ وعزّ {وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ} [البقرة: 233] قيل هذا الضّمير للمؤنّث ومع هذا فإنّ الإجماع حذًا للآية مبيّنٌ لها لا يسع مسلمًا الخروج عنه
وأمّا قول من قال ذلك على من بقي من الأبوين فحجّته أنّه لا يجوز للأمّ تضييع ولدها وقد مات من كان ينفق عليها وعليه
وأمّا قول من قال النّفقة والكسوة على كلّ ذي رحمٍ محرّمٍ فحجّته أنّ على الرّجل أن ينفق على كلّ ذي رحمٍ محرّمٍ إذا كان فقيرًا قال أبو جعفرٍ: وقد عورض هذا القول بأنّه لم يؤخذ من كتاب اللّه جلّ وعزّ ولا من إجماعٍ ولا من سنّةٍ صحيحةٍ بل لا يعرف من قولٍ سوى من ذكرناه، فأمّا القرآن فقال جلّ وعزّ {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233]
فتكلّم الصّحابة والتّابعون فيه بما تقدّم ذكره فإن كان على الوارث النّفقة والكسوة فقد خالفوا ذلك، فقالوا: إذا ترك خاله وابن عمّه فالنّفقة على خاله وليس على ابن عمّه شيءٌ فهذا مخالفة نصّ القرآن لأنّ الخال لا يرث مع
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/68]
ابن العمّ في قول أحدٍ ولا يرث وحده في قول كثيرٍ من العلماء، والّذي احتجّوا به من النّفقة على كلّ ذي رحمٍ محرّمٍ أكثر أهل العلم على خلافه
وأمّا الآية الخامسة والعشرون فقد تكلّم العلماء أيضًا فيها فقال أكثرهم: هي ناسخةٌ وقال بعضهم فيها ما نسخ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/69]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الخامسة والعشرون قوله تعالى {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين} ثمّ نسخ الله الحولين بقوله {فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما}فصارت هذه الآية ناسخة للحولين الكاملين بالاتّفاق). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين}:
فأمر الله جلّ ذكره بالحولين.
ثم قال: {فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما} [البقرة: 233].
فأباح مع التّشاور والرضا أن يفطما المولود قبل الحولين.
فنسخ الله الأول.
فذهب قوم إلى هذا.
قال أبو محمد: ولا يجوز أن يكون فيه نسخٌ؛ لأنه تعالى قال أولاً: {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة}، فهو تخيير وليس بإلزام فلا نسخ فيه.
قوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233]:
روى ابن القاسم عن مالك أنه قال: هذا منسوخٌ ولم يذكر ما نسخه، ولا كيف كان الحكم المنسوخ.
وتأويل ذلك فيما نرى والله أعلم: أنه كان الحكم في الآية: أن على وارث المولود نفقته إذا لم يكن له مال، ولا أب. وهو مذهب جماعة من العلماء، ممّن لم ير في الآية نسخًا، فنسخ ذلك بالإجماع على أن من مات وترك حملاً، ولا مال للميت، أنه لا نفقة للحامل على وارث الحمل، وقد كانت النفقة تلزم الزوج لو كان حيًّا.
فكأنه كانت الإشارة بذلك إلى النّفقة، فصارت إلى ترك المضارّة، وهو مذهب مالك المشهور عنه، أن الإشارة في قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} إلى ترك المضارّة، وقد رواه عن مالك ابن وهب وأشهب. والنسخ بالإجماع لا يقول به مالك.
وقد قال جماعة من العلماء: الإشارة بذلك إلى النفقة، ولا نسخ في الآية.
واختلف في الوارث من هو؟
فقيل: هو وارث المولود لو مات.
وقيل: هو وارث الولاية على المولود. وهو الصواب إن شاء الله:
يكون عليه من نفقة أم المولود من مال المولود مثل ما كان على الأب، إن حملت الإشارة على النفقة.
فإن حملتها على ترك المضارّة كان معناه: وعلى وارث ولاية المولود أن لا يضارّ بالأم.
وكلا القولين على هذا المعنى حسنٌ صواب.
ويجوز أن تحمل الإشارة بذلك على النّفقة وعلى ترك المضارّة جميعًا، أي على من يرث الولاية على المولود ترك مضارّة الأم، وعليه النفقة عليها من مال المولود.
وقال السّدّي وقتادة: على وارث الطّفل مثل الذي على الأب لو كان حيًّا من النفقة وقاله الحسن.
وفي "الوارث" ومعناه أقوال غير هذا تركت ذكرها لضعفها.
والاختيار: أن يكون "الوارث" معناه: وارث الولاية على المولود على ما قدّمنا.
ولا ينكر أن يسمى انتقال الولاية وراثةً، فقد قال زكريّا صلى الله عليه وسلم: {فهب لي من لدنك وليًّا يرثني ويرث من آل يعقوب} [مريم: 6]، قيل معناه: يرث النبوّة لا المال.
وقد قيل: معنى الآية: وعلى الصبيّ المولود وهو وارث الأب نفقة أمّه من ماله إن كان له مال، ولم يكن له أب وهو اختيار الطبري، وهو قول الضّحاك.
فالوارث على هذا القول: اسم المولود. لأنه وارث الزّوج - وهو الأب الميّت، والده - وهو قولٌ حسن.
وعن ابن عباس في معنى ذلك: وعلى وارث الصّبيّ من أجر الرّضاع مثل ما كان على أبيه إن لم يكن للصّبيّ مال.
وقال قتادة: على ورثة الصّبيّ أن ينفقوا عليه على قدر ميراث كلّ واحدٍ منهم. وبه قال أهل العراق.
فالآية محكمةٌ عندهم.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الثّانية والثّلاثين: قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين}.
عامّة أهل العلم على أنّ هذا الكلام محكمٌ، والمقصود منه بيان (مدّة) الرّضاع، ويتعلّق بهذه (المدّة) أحكام الرّضاع. وذهب قومٌ من القرّاء إلى أنّه منسوخٌ بقوله: {فإن أرادا فصالاً} قالوا فنسخ تمام الحولين باتّفاقهما على ما دون ذلك وهذا ليس بشيءٍ، لأنّ اللّه تعالى قال: {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة}، فلمّا قال: {فإن أرادا فصالاً} خيّر بين الإرادتين (فلا تعارض).
وفي الآية موضع آخر وهو قوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك}.
اختلفوا في الوارث:
فقال بعضهم: هو وارث المولود.
وقال بعضهم: هو وارث الوالد.
وقال بعضهم: المراد بالوارث، الباقي من والدي الولد بعد وفاة
الآخر.
وقيل: المراد بالوارث الصّبيّ نفسه، عليه لأمّه مثل ما كان على أبيه لها من (الكسوة) والنّفقة.
وقيل: بل على الوارث أن لا يضارّ.
واعلم: أنّ قول من قال: الوارث الصّبيّ والنّفقة عليه لا ينافي قول من قال: المراد بالوارث وارث الصّبيّ لأنّ النّفقة إنّما تجب على الوارث إذا ثبت إعسار المنفق عليه، وقال مالك بن أنسٍ: لا يلزم الرّجل نفقة أخٍ ولا ذي
قرابةٍ، ولا ذي رحمٍ منه. (قال) وقول اللّه عز وجل: {وعلى الوارث مثل ذلك} منسوخٌ ولم يبيّن مالكٌ ما الناسخ.
قال أبو جعفرٍ النّحّاس ويشبه أن يكون النّاسخ عنده أنّه لما أوجب الله عز وجل للمتوفى عنها زوجها من مال المتوفّي نفقة حولٍ والسّكنى ثمّ نسخ ذلك ورفعه نسخ ذلك أيضاً عن الوارث.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (ومن ذلك قوله عز وجل: {وعلى الوارث مثل ذلك} الآية [البقرة: 233]، اختلف في الوارث: فقيل: هو من يرث والد الرضيع، إذا مات قام ورثته مقامه، وكان عليهم للصبي ما كان على أبيه.
وقيل: الوارث من يرث الصبي إذا مات.
قال ابن عباس: (على وارث الصبي من أجر الرضاع ما كان على أبيه إن لم يكن للصبي مال).
وقال زيد بن ثابت: (يلزم من يرث الصبي من النفقة على رضاعه بقدر حصته من ميراثه منه).
وروى سعيد بن المسيب وسلمان بن يسار أن رجلا مات وترك ابنا مسترضعا ولم يترك مالا، فقضى عمر رضي الله عنه أن رضاعه على ورثته بالحصص.
وقيل: الوارث: من يرث الولاية على الرضيع، ينفق من مال الصبي عليه مثل ما كان ينفق أبوه.
وقيل: الإشارة في قوله عز وجل: {مثل ذلك} الآية [البقرة: 233] إلى ترك المضاررة.
وقيل: الوارث: الصبي؛ لأنه وارث الأب، فعليه النفقة من ماله، أي أن نفقة الرضاعة على الصبي في ماله، قال ذلك الضحاك، واختاره الطبري.
وقال مكي: وهو قول حسن، وما أراه كما قال.
وعن مالك رحمه الله أن الآية منسوخة، قال: ولا يجب على الرجل نفقة أخ ولا ذي قرابة.
وليست الآية بمنسوخة، ولم يذكر مالك رحمه الله لها ناسخا.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:26 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة