العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الرعد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 جمادى الأولى 1434هـ/19-03-2013م, 05:17 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30) }


تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن المفعول إذا وقع في هذا الموضع وقد شغل الفعل عنه انتصب بالفعل المضمر، لأن الذي بعده تفسير له؛ كما كان في الاستفهام في قولك: أزيداً ضربته، {أبشراً منا واحداً نتبعه}. وذلك قولك: إن زيداً تره تكرمه، ومن زيداً يأته يعطه، وإن زيداً لقيته أكرمته، وكذلك إذا لأنها لا تقع إلا على فعل. تقول: إذا زيداً لقيته فأكرمه، قال:
لا تجزعي إن منفساً أهلكـتـه = وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي
وقال الآخر:
إذا ابن أبي موسى بلالاً بلغته = فقام بفاسٍ بين وصليك جازر
ولو رفع هذا رافعٌ على غير الفعل لكان خطأ، لأن هذه الحروف لا تقع إلا على الأفعال. ولكن رفعه يجوز على ما لا ينقض المعنى، وهو أن يضمر بلغ، فيكون إذا بلغ ابن أبي موسى. وقوله: بلغته إظهارٌ للفعل وتفسيرٌ للفاعل.
وكذلك: لا تجزعي إن منفسٌ أهلكته على أن يكون المضمر هلك.
وكذلك هذه الآيات كلها، وهي: {إذا السماء انشقت} و {إذا الشمس كورت} وإنما المعنى والله أعلم إذا كورت الشمس، وإذا انشقت السماء.
والجواب في جميع هذا موجود، لأن هذه لا تكون إلا بأجوبة. فالجواب في قوله: {إذا الشمس كورت} {علمت نفسٌ ما أحضرت}. والجواب في قوله: {إذا السماء انفطرت} {علمت نفسٌ ما قدمت وأخرت}.
فأما قوله: {إذا السماء انشقت. وأذنت لربها وحقت} فقد قيل فيه أقاويل:
فقوم يقولون: {فأما من أوتي كتابه بيمينه} هو الجواب، لأن الفاء وما بعدها جواب، كما تكون جواباً في الجزاء؛ لأن إذا في معنى الجزاء. وهو كقولك: إذا جاء زيد فإن كلمك فكلمه. فهذا قول حسن جميل.
وقال قوم: الخبر محذوف؛ لعلم المخاطب. كقول القائل عند تشديد الأمر: إذا جاء زيد، أي إذا جاء زيد علمت؛ وكقوله: إن عشت، ويكل ما بعد هذا إلى ما يعلمه المخاطب. كقول القائل: لو رأيت فلاناً وفي يده السيف.
وقال قوم آخرون: الواو في مثل هذا تكون زائدة. فقوله: {إذا السماء انشقت * وأذنت لربها وحقت} يجوز أن يكون {إذا الأرض مدت} والواو زائدة. كقولك: حين يقوم زيدٌ حين يأتي عمرو.
وقالوا أيضاً: {إذا السماء انشقت * وأذنت لربها وحقت}. وهو أبعد الأقاويل. أعني زيادة الواو.
ومن قول هؤلاء: إن هذه الآية على ذلك {فلما أسلما وتله للجبين. وناديناه} قالوا: المعنى: ناديناه أن يا إبراهيم. قالوا: ومثل ذلك في قوله: {حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها}. المعنى عندهم: حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها، كما كان في الآية التي قبلها. في مواضع من القرآن كثيرة من هذا الضرب قولهم واحد، وينشدون في ذلك:

حتى إذا امتلأت بطونكـم = ورأيتم أبناءكم شـبـوا
وقلبتم ظهر المجن لنـا = إن الغدور الفاحش الخب
قال: وإنما هو: قلبتم ظهر المجن.
وزيادة الواو غير جائزة عند البصريين، والله أعلم بالتأويل. فأما حذف الخبر فمعروف جيد من ذلك قوله {ولو أن قرآناً سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعاً} ). [المقتضب: 2/74-78] (م)
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال أبو العباس في قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا} قال: أفلم يعلموا.
وقال في قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} قال: بعضهم يقول: ويلك، وبعضهم يقول: اعلم أن الله. وأنشد:
ويكأن من يكن له نشب يح = بب ومن يفتقر يعش عيش ضر
وقال في قوله تعالى: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ}: ذلك في موضع رفع ونصب أراد فعلنا ذلك، ومن رفع أراد فعلنا ليعلم ذلك، فيرفع باللام.
{أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا}، الحقب سنة، والأحقاب السنون.
{كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ}، فأنشد:
كذاك ابنة الأعيار خافى بسالة الـ = ـرجال فأصلان الرجال أقاصره).
[مجالس ثعلب: 322]

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 10:39 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 10:40 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 10:43 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب}
الكاف في قوله: "كذلك" متعلقة بالمعنى الذي في قوله: {قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب}، أي: كما أنفذ الله هذا كذلك أرسلناك، هذا قول، والذي يظهر لي أن المعنى: كما أجرينا العادة بأن الله يضل من يشاء ويهدي، لا الآيات المقترحة، فكذلك أيضا فعلنا في هذه الأمة، أرسلناك إليها بوحي لا بالآيات المقترحة، فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء.
وقوله تعالى: {وهم يكفرون بالرحمن}، قال قتادة، وابن جريج: نزلت في قريش حين عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، فكتب الكتاب: "بسم الله الرحمن الرحيم"، فقال قائلهم: نحن لا نعرف الرحمن ولا نقرأ اسمه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والذي أقول في هذا: إن "الرحمن" هنا يراد به الله تعالى وذاته، ونسب إليهم الكفر به على الإطلاق، وقصةالحديبية وقصة أمية بن خلف مع عبد الرحمن بن عوف، إنما هي عن إباية الاسم فقط، وهروب عن هذه العبارة التي لم يعرفوها إلا من قبل محمد صلى الله عليه وسلم، ثم أمر الله نبيه بالتصريح بالدين والإفصاح بالدعوة في قوله تعالى: {قل هو
[المحرر الوجيز: 5/204]
ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب}، و"المتاب": المرجع كالمآب، لأن التوبة: الرجوع). [المحرر الوجيز: 5/205]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ويحتمل قوله: {ولو أن قرآنا سيرت به الجبال} الآية أن يكون متعلقا بقوله: {وهم يكفرون بالرحمن} فيكون معنى الآية الإخبار عنهم أنهم لا يؤمنون ولو نزل قرآن سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض، هذا تأويل الفراء وفرقة من المتأولين. وقالت فرقة: بل جواب "لو" محذوف تقديره: ولو أن قرآنا يكون صفته كذا لما آمنوا بوجه، وقال أهل هذا التأويل: ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما: إن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أزح عنا، أو سير جبلي مكة فقد ضيقا علينا، واجعل لنا أرضا قطع غراسة وحرث، وأحي لنا آباءنا وأجدادنا وفلانا وفلانا، فنزلت الآية في ذلك معلمة أنهم لا يؤمنون ولو كان ذلك كله. وقالت فرقة: جواب "لو" محذوف ولكنه ليس في هذا المعنى، بل تقديره: لكان هذا القرآن الذي يصنع به هذا، وتتضمن الآية -على هذا- تعظيم القرآن، وهذا قول حسن يحرر فصاحة الآية. وقوله تعالى: {بل لله الأمر جميعا} يعضد التأويل الأخير ويترتب مع الآخرين.
وقوله تعالى: {أفلم ييأس الذين آمنوا} بمعنى: يعلم، وهي لغة هوازن، قاله القاسم بن معن، وقال ابن الكلبي: هي لغة "هبيل" حي من النخع، ومنه قول سحيم بن وثيل الرياحي:
أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني ... ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم؟
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
[المحرر الوجيز: 5/205]
ويحتمل أن يكون "اليأس" في هذه الآية على بابه، وذلك أنه لما أبعد إيمانهم في قوله: {ولو أن قرآنا} الآية، على التأويلين في المحذوف المقدر قال في هذه: أفلم ييأس المؤمنون من إيمان هؤلاء الكفرة، علما منهم أن لو شاء الله لهدى الناس جميعا؟
وقرأ ابن كثير، وابن محيصن "يأيس"، وقرأ ابن عباس، وعلي بن أبي طالب، وابن أبي مليكة، وعكرمة، والجحدري، وعلي بن حسين، وزيد بن علي، وجعفر بن محمد: "أفلم يتبين".
ثم أخبر تعالى عن كفار قريش والعرب أنهم لا يزالون تصيبهم قوارع من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزواته، وقرأ ابن مسعود ومجاهد: "ولا يزال الذين ظلموا"، ثم قال: {أو تحل} أنت يا محمد {قريبا من دارهم}، هذا تأويل فرقة منهم الطبري، وعزاه إلى ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وقال الحسن بن أبي الحسن: المعنى: أو تحل القارعة قريبا من دارهم، وقرأ سعيد بن جبير، ومجاهد: "أو تحل قريبا من ديارهم" بالجمع.
[المحرر الوجيز: 5/206]
ووعد الله -على قول ابن عباس وقوم- فتح مكة، وقال الحسن بن أبي الحسن: الآية عامة في الكفار إلى يوم القيامة، وإن حال الكفرة هكذا هي أبدا، ووعد الله قيام الساعة، و"القارعة": الرزية التي تقرع قلب صاحبها بفظاعتها كالقتل والأسر ونهب المال وكشف الحريم ونحوه). [المحرر الوجيز: 5/207]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27 ذو القعدة 1439هـ/8-08-2018م, 08:06 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 27 ذو القعدة 1439هـ/8-08-2018م, 08:08 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({كذلك أرسلناك في أمّةٍ قد خلت من قبلها أممٌ لتتلو عليهم الّذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرّحمن قل هو ربّي لا إله إلا هو عليه توكّلت وإليه متاب (30)}
يقول تعالى: وكما أرسلناك يا محمّد في هذه الأمّة: {لتتلو عليهم الّذي أوحينا إليك} أي: تبلغهم رسالة اللّه إليهم، كذلك أرسلنا في الأمم الماضية الكافرة باللّه، وقد كذّب الرّسل من قبلك، فلك بهم أسوةٌ، وكما أوقعنا بأسنا ونقمتنا بأولئك، فليحذر هؤلاء من حلول النّقم بهم، فإنّ تكذيبهم لك أشدّ من تكذيب غيرك من المرسلين، قال اللّه تعالى: {تاللّه لقد أرسلنا إلى أممٍ من قبلك فزيّن لهمالشّيطان أعمالهم فهو وليّهم اليوم ولهم عذابٌ أليمٌ} [النّحل: 63] وقال تعالى: {ولقد كذّبت رسلٌ من قبلك فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا حتّى أتاهم نصرنا ولا مبدّل لكلمات اللّه ولقد جاءك من نبإ المرسلين} [الأنعام: 34] أي: كيف نصرناهم، وجعلنا العاقبة لهم ولأتباعهم في الدّنيا والآخرة.
وقوله: {وهم يكفرون بالرّحمن} أي: هذه الأمّة الّتي بعثناك فيهم يكفرون بالرّحمن، لا يقرّون به؛ لأنّهم كانوا يأنفون من وصف اللّه بالرّحمن الرّحيم؛ ولهذا أنفوا يوم الحديبية أن يكتبوا "بسم اللّه الرّحمن الرّحيم" وقالوا: ما ندري ما الرّحمن الرّحيم. قاله قتادة، والحديث في صحيح البخاريّ وقد قال اللّه تعالى: {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن أيًّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} [الإسراء: 110] وفي صحيح مسلمٍ عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ أحبّ الأسماء إلى اللّه عبد اللّه وعبد الرّحمن .
{قل هو ربّي لا إله إلا هو} أي: هذا الّذي تكفرون به أنا مؤمنٌ به، معترفٌ مقرٌّ له بالرّبوبيّة والإلهيّة، هو ربّي لا إله إلّا هو، {عليه توكّلت} أي: في جميع أموري، {وإليه متاب} أي: إليه أرجع وأنيب، فإنّه لا يستحقّ ذلك أحدٌ سواه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 459-460]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولو أنّ قرآنًا سيّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو كلّم به الموتى بل للّه الأمر جميعًا أفلم ييأس الّذين آمنوا أن لو يشاء اللّه لهدى النّاس جميعًا ولا يزال الّذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعةٌ أو تحلّ قريبًا من دارهم حتّى يأتي وعد اللّه إنّ اللّه لا يخلف الميعاد (31)}
يقول تعالى مادحًا للقرآن الّذي أنزله على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، ومفضّلًا له على سائر الكتب المنزّلة قبله: {ولو أنّ قرآنًا سيّرت به الجبال} أي: لو كان في الكتب الماضية كتابٌ تسير به الجبال عن أماكنها، أو تقطّع به الأرض وتنشقّ أو تكلّم به الموتى في قبورها، لكان هذا القرآن هو المتّصف بذلك دون غيره، أو بطريق الأولى أن يكون كذلك؛ لما فيه من الإعجاز الّذي لا يستطيع الإنس والجنّ عن آخرهم إذا اجتمعوا أن يأتوا بمثله، ولا بسورةٍ من مثله، ومع هذا فهؤلاء المشركون كافرون به، جاحدون له، {بل للّه الأمر جميعًا} أي: مرجع الأمور كلّها إلى اللّه، عزّ وجلّ، ما شاء اللّه كان، وما لم يشأ لم يكن، ومن يضلل فلا هادي له، ومن يهد اللّه فلا مضلّ له.
وقد يطلق اسم القرآن على كلٍّ من الكتب المتقدّمة؛ لأنّه مشتقٌّ من الجميع، قال الإمام أحمد:
حدّثنا عبد الرّزّاق، حدّثنا معمر، عن همّام بن منبّهٍ قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "خفّفت على داود القراءة، فكان يأمر بدابّته أن تسرج، فكان يقرأ القرآن من قبل أن تسرج دابّته، وكان لا يأكل إلّا من عمل يديه". انفرد بإخراجه البخاريّ.
والمراد بالقرآن هنا الزّبور.
وقوله: {أفلم ييأس الّذين آمنوا} أي: من إيمان جميع الخلق ويعلموا أو يتبيّنوا {أن لو يشاء اللّه لهدى النّاس جميعًا} فإنّه ليس ثمّ حجّةٌ ولا معجزةٌ أبلغ ولا أنجع في النّفوس والعقول من هذا القرآن، الّذي لو أنزله اللّه على جبلٍ لرأيته خاشعًا متصدّعًا من خشية اللّه. وثبت في الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ما من نبيٍّ إلّا وقد أوتي ما آمن على مثله البشر، وإنّما كان الّذي أوتيته وحيًا أوحاه اللّه إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة" معناه: أنّ معجزة كلّ نبيٍّ انقرضت بموته، وهذا القرآن حجّةٌ باقيةٌ على الآباد، لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرّدّ، ولا يشبع منه العلماء، هو الفصل ليس بالهزل. من تركه من جبّارٍ قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضلّه اللّه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا منجاب بن الحارث، أنبأنا بشر بن عمارة، حدّثنا عمر بن حسّان، عن عطيّة العوفيّ قال: قلت له: {ولو أنّ قرآنًا سيّرت به الجبال} الآية، قالوا لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: لو سيّرت لنا جبال مكّة حتّى تتّسع فنحرث فيها، أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالرّيح، أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى يحيي الموتى لقومه فأنزل اللّه هذه الآية. قال: قلت: هل تروون هذا الحديث عن أحدٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: نعمٍ، عن أبي سعيدٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وكذا روي عن ابن عبّاسٍ، والشّعبيّ، وقتادة، والثّوريّ، وغير واحدٍ في سبب نزول هذه الآية، فاللّه أعلم.
وقال قتادة: لو فعل هذا بقرآنٍ غير قرآنكم، فعل بقرآنكم.
وقوله: {بل للّه الأمر جميعًا} قال ابن عبّاسٍ: [أي] لا يصنع من ذلك إلّا ما يشاء، ولم يكن ليفعل، رواه ابن إسحاق بسنده عنه، وقاله ابن جريرٍ أيضًا.
وقال غير واحدٍ من السّلف في قوله: {أفلم ييأس الّذين آمنوا} أفلم يعلم الّذين آمنوا. وقرأ آخرون: "أفلم يتبيّن الّذين آمنوا أن لو يشاء اللّه لهدى النّاس جميعًا".
وقال أبو العالية: قد يئس الّذين آمنوا أن يهدوا، ولو يشاء اللّه لهدى النّاس جميعًا.
وقوله: {ولا يزال الّذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعةٌ أو تحلّ قريبًا من دارهم} أي: بسبب تكذيبهم، لا تزال القوارع تصيبهم في الدّنيا، أو تصيب من حولهم ليتّعظوا ويعتبروا، كما قال تعالى: {ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرّفنا الآيات لعلّهم يرجعون} [الأحقاف: 27] وقال {أفلا يرون أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون} [الأنبياء: 44].
قال قتادة، عن الحسن: {أو تحلّ قريبًا من دارهم} أي: القارعة. وهذا هو الظّاهر من السّياق.
قال أبو داود الطّيالسيّ: حدّثنا المسعوديّ، عن قتادة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ولا يزال الّذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعةٌ} قال: سريّةٌ، {أو تحلّ قريبًا من دارهم} قال: محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، {حتّى يأتي وعد اللّه} قال: فتح مكّة.
وهكذا قال عكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، ومجاهدٌ، في روايةٍ.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {تصيبهم بما صنعوا قارعةٌ} قال: عذابٌ من السّماء ينزل عليهم {أو تحلّ قريبًا من دارهم} يعني: نزول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بهم وقتاله إيّاهم.
وكذا قال مجاهدٌ، وقتادة، وقال عكرمة في روايةٍ عنه، عن ابن عبّاسٍ: {قارعةٌ} أي: نكبةٌ.
وكلّهم قال: {حتّى يأتي وعد اللّه} يعني: فتح مكّة. وقال الحسن البصريّ: يوم القيامة.
وقوله: {إنّ اللّه لا يخلف الميعاد} أي: لا ينقض وعده لرسله بالنّصرة لهم ولأتباعهم في الدّنيا والآخرة، {فلا تحسبنّ اللّه مخلف وعده رسله إنّ اللّه عزيزٌ ذو انتقامٍ} [إبراهيم: 47]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 460-462]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:02 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة