العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ربيع الثاني 1434هـ/20-02-2013م, 12:02 AM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (249) إلى الآية (252) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (249) إلى الآية (252) ]


{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 07:28 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه قال هو نهر الأردن وفلسطين فمن شرب منه فليس منى ومن لم يطعمه فإنه منى إلا من اغترف غرفة بيده قال كان الكفار يشربون فلا يروون وكان المسلمون يغترفونه غرفة فيجزئهم ذلك). [تفسير عبد الرزاق: 1/101]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا نا معمر عن قتادة في قوله تعالى كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة إن النبي قال لأصحابه يوم بدر أنتم بعدة أصحاب طالوت ثلاثة مائة.
قال معمر عن قتادة وكان مع النبي يوم بدر ثلاث مائة وبضعة عشر). [تفسير عبد الرزاق: 1/101]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] قال: ثنا بعض أصحابنا عن مجاهدٍ إنّه كان يقرأ (إلا من اغترف غُرفة بيده) [الآية: 249]). [تفسير الثوري: 71]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {إلّا من اغترف غرفةً بيده} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا صدقة بن خالدٍ الدّمشقيّ، عن يحيى بن حارثٍ الذّماري قال: حدّثني من سمع عثمان بن عفّان يقرأ: {إلّا من اغترف غرفةً}). [سنن سعيد بن منصور: 3/949]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلمّا فصل طالوت بالجنود قال إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ فمن شرب منه فليس منّي ومن لم يطعمه فإنّه منّي إلاّ من اغترف غرفةً بيده فشربوا منه إلاّ قليلاً منهم فلمّا جاوزه هو والّذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الّذين يظنّون أنّهم ملاقو اللّه كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن اللّه واللّه مع الصّابرين}.
وفي هذا الخبر من اللّه تعالى ذكره متروكٌ قد استغنى بدلالتة على ما ذكر عليه عن ذكره. ومعنى الكلام: إنّ في ذلك لآيةً لكم إن كنتم مؤمنين، فأتاهم التّابوت فيه سكينةٌ من ربّهم، وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة، فصدّقوا عند ذلك نبيّهم، وأقرّوا بأنّ اللّه قد بعث طالوت ملكًا عليهم، وأذعنوا له بذلك. يدلّ على ذلك قوله: {فلمّا فصل طالوت بالجنود} وما كان ليفصل بهم إلاّ بعد رضاهم به وتسليمهم الملك له، لأنّه لم يكن ممّن يقدر على إكراههم على ذلك فيظنّ به أنّه حملهم على ذلك كرهًا.
وأمّا قوله: {فصل} فإنّه يعني به شخص بالجند ورحل بهم.
وأصل الفصل: القطع، يقال منه: فصل الرّجل من موضع كذا وكذا، يعني به قطع ذلك، فجاوزه شاخصًا إلى غيره، يفصل فصولاً؛
[جامع البيان: 4/481]
وفصل العظم والقول من غيره فهو يفصله فصلاً: إذا قطعه فأبانه؛ وفصل الصّبيّ فصالاً: إذا قطعه عن اللّبن؛ وقولٌ فصلٌ: يقطع فيفرّق بين الحقّ والباطل لا يردّ.
وقيل: إنّ طالوت فصل بالجنود يومئذٍ من بيت المقدس وهم ثمانون ألف مقاتلٍ، لم يتخلّف من بني إسرائيل عن الفصول معه إلاّ ذو علّةٍ لعلّته، أو كبيرٌ لهرمه، أو معذورٌ لا طاقة له بالنّهوض معه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني بعض، أهل العلم، عن وهب بن منبّهٍ، قال: خرج بهم طالوت حين استوثقوا له، ولم يتخلّف عنه إلاّ كبيرٌ ذو علّةٍ، أو ضريرٌ معذورٌ، أو رجلٌ في ضيعةٍ لا بدّ له من تخلّفٍ فيها.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: لمّا جاءهم التّابوت آمنوا بنبوّة شمعون، وسلّموا ملك طالوت، فخرجوا معه، وهم ثمانون ألفًا.
قال أبو جعفرٍ: فلمّا فصل بهم طالوت على ما وصفنا قال: {إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ} يقول: إنّ اللّه مختبركم بنهرٍ، ليعلم كيف طاعتكم له.
[جامع البيان: 4/482]
وقد دلّلنا على أنّ معنى الابتلاء: الاختبار فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
وبما قلنا في ذلك كان قتادة يقول.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قول اللّه تعالى: {إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ} قال: إنّ اللّه يبتلي خلقه بما يشاء ليعلم من يطيعه ممّن يعصيه.
وقيل: إنّ طالوت قال: {إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ} لأنّهم شكوا إلى طالوت قلّة المياه بينهم وبين عدوّهم، وسألوه أن يدعو اللّه لهم أن يجري بينهم وبين عدوّهم نهرًا، فقال لهم طالوت حينئذٍ ما أخبر عنه أنّه قاله من قوله: {إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني بعض، أهل العلم، عن وهب بن منبّهٍ، قال: لمّا فصل طالوت بالجنود، قالوا: إنّ المياه لا تحملنا، فادع اللّه لنا يجري لنا نهرًا فقال لهم طالوت: {إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ} الآية.
والنّهر الّذي أخبرهم طالوت أنّ اللّه مبتليهم به قيل: هو نهرٌ بين الأردنّ، وفلسطين.
[جامع البيان: 4/483]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: {إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ} قال الرّبيع: ذكر لنا واللّه أعلم أنّه نهرٌ بين الأردنّ، وفلسطين.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ} قال: ذكر لنا أنّه نهرٌ بين الأردنّ، وفلسطين.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قوله: {إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ} قال: هو نهرٌ بين الأردنّ، وفلسطين.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن ابن عبّاسٍ: {فلمّا فصل طالوت بالجنود} غازيًا إلى جالوت، قال طالوت لبني إسرائيل: {إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ} قال: نهرٌ بين فلسطين، والأردنّ، نهرٌ عذب الماء طيّبه.
وقال آخرون: بل هو نهر فلسطين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: {إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ} فالنّهر الّذي ابتلي به بنو إسرائيل نهر فلسطين.
[جامع البيان: 4/484]
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ} هو نهر فلسطين.
وأمّا قوله: {فمن شرب منه فليس منّي ومن لم يطعمه فإنّه منّي إلاّ من اغترف غرفةً بيده فشربوا منه إلاّ قليلاً منهم} فإنّه خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن طالوت أنّه قال لجنوده إذ شكوا إليه العطش، فأخبرهم أنّ اللّه مبتليهم بنهرٍ، ثمّ أعلمهم أنّ الابتلاء الّذي أخبرهم عن اللّه به من ذلك النّهر، هو أنّ من شرب من مائه فليس هو منه، يعني بذلك أنّه ليس من أهل ولايته وطاعته، ولا من المؤمنين باللّه وبلقائه. ويدلّ على أنّ ذلك كذلك قول اللّه تعالى ذكره: {فلمّا جاوزه هو والّذين آمنوا معه} فأخرج من لم يجاوز النّهر من الّذين آمنوا. ثمّ أخلص ذكر المؤمنين باللّه ولقائه عند دنوّهم من جالوت وجنوده بقوله: {قال الّذين يظنّون أنّهم ملاقو اللّه كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن اللّه} وأخبرهم أنّه من لم يطعمه، يعني من لم يطعم الماء من ذلك النّهر.
والهاء في قوله: {فمن شرب منه} وفي قوله: {ومن لم يطعمه} عائدةٌ على النّهر، والمعنى لمائه. وإنّما ترك ذكر الماء اكتفاءً بفهم السّامع بذكر النّهر لذلك أنّ المراد به الماء الّذي فيه.
[جامع البيان: 4/485]
ومعنى قوله: {لم يطعمه} لم يذقه، يعني: ومن لم يذق ماء ذلك النّهر فهو منّي، يقول: هو من أهل ولايتي وطاعتي والمؤمنين باللّه وبلقائه. ثمّ استثنى من قوله: {ومن لم يطعمه} المغترفين بأيديهم غرفةً، فقال: ومن لم يطعم ماء ذلك النّهر إلاّ غرفةً يغترفها بيده فإنّه منّي.
ثمّ اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {إلاّ من اغترف غرفةً بيده} فقرأه عامّة قرّاء أهل المدينة، والبصرة: (غرفةً) بنصب الغين من الغرفة، بمعنى الغرفة الواحدة، من قولك: اغترفت غرفةً، والغرفة هي الفعل بعينه من الاغتراف.
وقرأه آخرون بالضّم، بمعنى: الماء الّذي يصير في كفّ المغترف، فالغرفة الاسم، والغرفة المصدر.
وأعجب القراءتين في ذلك إليّ ضمّ الغين في الغرفة بمعنى: إلاّ من اغترف كفًّا من ماءٍ، لاختلاف غرفةٍ إذا فتحت غينها، وما هي له مصدرٌ؛ وذلك أنّ مصدر اغترف اغترافةً، وإنّما غرفةٌ مصدر غرفت، فلمّا كانت غرفةٌ مخالفةً مصدر اغترف، كانت الغرفة الّتي بمعنى الاسم على ما قد وصفنا أشبه منها بالغرفة الّتي هي بمعنى الفعل.
وذكر لنا أنّ عامّتهم شربوا من ذلك الماء، فكان من شرب منه عطش، ومن اغترف غرفةً روي.
[جامع البيان: 4/486]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فمن شرب منه فليس منّي ومن لم يطعمه فإنّه منّي إلاّ من اغترف غرفةً بيده فشربوا منه إلاّ قليلاً منهم} فشرب القوم على قدر يقينهم. أما الكفّار فجعلوا يشربون فلا يروون، وأمّا المؤمنون فجعل الرّجل يغترف غرفةً بيده فتجزيه وترويه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {فمن شرب منه فليس منّي ومن لم يطعمه فإنّه منّي إلاّ من اغترف غرفةً بيده} قال: كان الكفّار يشربون فلا يروون، وكان المسلمون يغترفون غرفةً، فيجزيهم ذلك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {فمن شرب منه فليس منّي ومن لم يطعمه فإنّه منّي إلاّ من اغترف غرفةً بيده فشربوا منه إلاّ قليلاً منهم} يعني المؤمنين منهم، وكان القوم كثيرًا فشربوا منه إلاّ قليلاً منهم، يعني المؤمنين منهم كان أحدهم يغترف الغرفة فيجزيه ذلك، ويرويه.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ،
[جامع البيان: 4/487]
عن السّدّيّ، قال: لمّا أصبح التّابوت وما فيه في دار طالوت، آمنوا بنبوّة شمعون، وسلّموا ملك طالوت، فخرجوا معه وهم ثمانون ألفًا. وكان جالوت من أعظم النّاس، وأشدّهم بأسًا، فخرج يسير بين يدي الجند، ولا تجتمع إليه أصحابه حتّى يهزم هو من لقي. فلمّا خرجوا قال لهم طالوت: {إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ فمن شرب منه فليس منّي ومن لم يطعمه فإنّه منّي} فشربوا منه هيبةً من جالوت، فعبر منهم أربعة آلافٍ، ورجع ستّةٌ وسبعون ألفًا. فمن شرب منه عطش، ومن لم يشرب منه إلاّ غرفةً روي.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: ألقى اللّه على لسان طالوت حين فصل بالجنود، فقال: لا يصحبني أحدٌ إلاّ أحدٌ له نيّةٌ في الجهاد فلم يتخلّف عنه مؤمنٌ، ولم يتبعه منافقٌ رجعوا كفارا فلمّا رأى قلّتهم، قالوا: لن نمسّ هذا الماء غرفةً ولا غيرها وذلك أنّه قال لهم: {إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ} الآية. فقالوا: لن نمسّ هذا لا غرفةً ولا غير غرفةٍ قال: وأخذ البقيّة الغرفة، فشربوا منه حتّى كفتهم، وفضل منهم. قال: والّذين لم يأخذوا الغرفة أقوى من الّذين أخذوها.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ، في قوله: {فمن شرب منه فليس منّي ومن لم يطعمه فإنّه منّي إلاّ من اغترف غرفةً بيده} فشرب كلّ إنسانٍ كقدر الّذي في قلبه، فمن اغترف غرفةً وأطاعه روي بطاعته، ومن شرب فأكثر عصى فلم يرو لمعصيته.
[جامع البيان: 4/488]
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، في حديثٍ ذكره، عن بعض، أهل العلم، عن وهب بن منبّهٍ، في قوله: {فمن شرب منه فليس منّي ومن لم يطعمه فإنّه منّي إلاّ من اغترف غرفةً بيده} يقول اللّه تعالى ذكره: {فشربوا منه إلاّ قليلاً منهم} وكان فيما يزعمون من تتابعٍ منهم في الشّرب الّذي نهي عنه لم يروه، ومن لم يطعمه إلاّ كما أمر غرفةً بيده أجزأه، وكفاه). [جامع البيان: 4/489]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلمّا جاوزه هو والّذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {فلمّا جاوزه هو} فلمّا جاوز النّهر طالوت. والهاء في جاوزه عائدةٌ على النّهر، وهو كناية اسم طالوت. وقوله: {والّذين آمنوا معه} يعني: وجاوز النّهر معه الّذين آمنوا. {قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده}.
ثمّ اختلف في عدّة من جاوز النّهر معه يومئذٍ ومن قال منهم لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده، فقال بعضهم: كانت عدّتهم عدّة أهل بدرٍ ثلثمائة رجلٍ وبضعة عشر رجلاً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا هارون بن إسحاق الهمدانيّ، قال: حدّثنا مصعب بن المقدام،
[جامع البيان: 4/489]
وحدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قالا جميعًا: حدّثنا إسرائيل، قال: حدّثنا أبو إسحاق، عن البراء بن عازبٍ، قال: كنّا نتحدّث أنّ عدّة، أصحاب بدرٍ على عدّة أصحاب طالوت الّذين جاوزوا النّهر معه، ولم يجز معه إلاّ مؤمنٌ، ثلثمائةٍ وبضعة عشر رجلاً.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ، قال: حدّثنا أبو إسحاق، عن البراء، قال: كنّا نتحدّث أنّ أصحاب بدرٍ يوم بدرٍ كعدّة أصحاب طالوت ثلثمائة رجلٍ وثلاثة عشر رجلاً الّذين جاوزوا النّهر.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عامرٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: كنّا نتحدّث أنّ أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كانوا يوم بدرٍ ثلثمائةٍ وبضعة عشر رجلاً على عدّة أصحاب طالوت من جاز معه، وما جاز معه إلاّ مؤمنٌ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء بنحوه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: كنّا نتحدّث أنّ أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كانوا يوم بدرٍ على عدّة أصحاب طالوت يوم جاوزوا النّهر، وما جاوز معه إلاّ مسلمٌ.
[جامع البيان: 4/490]
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا مسعرٌ، عن أبي إسحاق، عن البراء مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لأصحابه يوم بدرٍ: أنتم بعدّة أصحاب طالوت يوم لقي وكان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ ثلثمائةٍ وبضعة عشر رجلاً.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: محّص اللّه الّذين آمنوا عند النّهر وكانوا ثلثمائةٍ، وفوق العشرة، ودون العشرين، فجاء داود صلّى اللّه عليه وسلّم فأكمل به العدّة.
وقال آخرون: بل جاوز معه النّهر أربعة آلافٍ، وإنّما خلص، أهل الإيمان منهم من أهل الكفر، والنّفاق حين لقوا جالوت.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: عبر مع طالوت النّهر من بني إسرائيل أربعة آلافٍ، فلمّا جاوزه هو والّذين آمنوا معه فنظروا إلى جالوت رجعوا أيضًا وقالوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده فرجع عنه أيضًا ثلاثة آلافٍ وستّمائةٍ وبضعةٌ وثمانون، وخلص في ثلثمائةٍ وبضعة عشر عدّة أهل بدرٍ.
[جامع البيان: 4/491]
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: لمّا جاوزه هو والّذين آمنوا معه، قال الّذين شربوا: {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده}.
وأولى القولين في ذلك بالصّواب، ما روي عن ابن عبّاسٍ، وقاله السّدّيّ؛ وهو أنّه جاوز النّهر مع طالوت المؤمن الّذي لم يشرب من النّهر إلاّ الغرفة، والكافر الّذي شرب منه الكثير. ثمّ وقع التّمييز بينهم بعد ذلك برؤية جالوت ولقائه، وانخزل عنه أهل الشّرك والنّفاق، وهم الّذين قالوا: {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} ومضى أهل البصيرة بأمر اللّه على بصائرهم، وهم أهل الثّبات على الإيمان، فقالوا: {كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن اللّه واللّه مع الصّابرين}.
فإن ظنّ ذو غفلةٍ أنّه غير جائزٍ أن يكون جاوز النّهر مع طالوت إلاّ أهل الإيمان الّذين ثبتوا معه على إيمانهم، ومن لم يشرب من النّهر إلاّ الغرفة؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره قال: {فلمّا جاوزه هو والّذين آمنوا معه} فكان معلومًا أنّه لم يجاوز معه إلاّ أهل الإيمان، على ما روي به الخبر عن البراء بن عازبٍ، ولأنّ أهل الكفر لو كانوا جاوزوا النّهر كما جاوزه أهل الإيمان لما خصّ اللّه بالذّكر في ذلك أهل الإيمان؛ فإنّ الأمر في ذلك بخلاف ما ظنّ. وذلك أنّه غير مستنكرٍ أن يكون الفريقان، أعنّي فريق الإيمان وفريق الكفر جاوزوا النّهر، وأخبر اللّه نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، عن المؤمنين بالمجاوزة، لأنّهم كانوا من الّذين جاوزوه مع ملكهم وترك ذكر أهل الكفر، وإن كانوا قد جاوزوا النّهر مع المؤمنين.
[جامع البيان: 4/492]
والّذي يدلّ على صحّة ما قلنا في ذلك قول اللّه تعالى ذكره: {فلمّا جاوزه هو والّذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الّذين يظنّون أنّهم ملاقو اللّه كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن اللّه} فأوجب اللّه تعالى ذكره أنّ الّذين يظنّون أنّهم ملاقو اللّه هم الّذين قالوا عند مجاوزة النّهر: {كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن اللّه} دون غيرهم الّذين لا يظنّون أنّهم ملاقو اللّه، وأنّ الّذين لا يظنّون أنّهم ملاقو اللّه هم الّذين قالوا: {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} وغير جائزٍ أن يضاف الإيمان إلى من جحد أنّه ملاقي اللّه أو شكّ فيه). [جامع البيان: 4/493]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الّذين يظنّون أنّهم ملاقو اللّه كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن اللّه واللّه مع الصّابرين}.
اختلف أهل التّأويل في أمر هذين الفريقين، أعنّي القائلين: {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} والقائلين: {كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن اللّه} من هما.
فقال بعضهم: الفريق الّذين قالوا: {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} هم أهل كفرٍ باللّه، ونفاقٍ، وليسوا ممّن شهد قتال جالوت وجنوده، لأنّهم انصرفوا عن طالوت، ومن ثبت معه لقتال عدوّ اللّه جالوت ومن معه، وهم الّذين عصوا أمر اللّه لشربهم من النّهر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، بذلك؛ وهو قول ابن عبّاسٍ، وقد ذكرنا الرّواية بذلك عنه آنفًا.
[جامع البيان: 4/493]
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {قال الّذين يظنّون أنّهم ملاقو اللّه} الّذين اغترفوا وأطاعوا الّذين مضوا مع طالوت المؤمنون، وجلس الّذين شكوا.
وقال آخرون: كلا الفريقين كان أهل إيمانٍ، ولم يكن منهم أحدٌ شرب من الماء إلاّ غرفةً، بل كانوا جميعًا أهل طاعةٍ، ولكنّ بعضهم كان أصحّ يقينًا من بعضٍ، وهم الّذين أخبر اللّه عنهم أنّهم قالوا: {كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن اللّه} والآخرون كانوا أضعف يقينًا منهم، وهم الّذين قالوا: {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فلمّا جاوزه هو والّذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الّذين يظنّون أنّهم ملاقو اللّه كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن اللّه واللّه مع الصّابرين} ويكون والله المؤمنون بعضهم أفضل جدًّا، وعزمًا من بعضٍ، وهم مؤمنون كلّهم.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق،
[جامع البيان: 4/494]
قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن اللّه} أنّ النّبيّ قال لأصحابه يوم بدرٍ: أنتم بعدّة أصحاب طالوت ثلثمائةٍ قال قتادة: وكان مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ ثلثمائةٍ وبضعة عشر.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: الّذين لم يأخذوا الغرفة أقوى من الّذين أخذوا، وهم الّذين قالوا: {كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن اللّه واللّه مع الصّابرين}.
ويجب على القول الّذي روي، عن البراء بن عازبٍ، أنّه لم يجاوز النّهر مع طالوت إلاّ عدّة أصحاب بدرٍ أن يكون كلا الفريقين اللّذين وصفهما اللّه بما وصفهما به أمرهما على نحو ما قال فيهما قتادة، وابن زيدٍ.
وأولى القولين في ذلك بتأويل الآية ما قاله ابن عبّاسٍ، والسّدّيّ، وابن جريجٍ، وقد ذكرنا الحجّة في ذلك فيما مضى قبل آنفًا.
وأمّا تأويل قوله: {قال الّذين يظنّون أنّهم ملاقو اللّه} فإنّه يعني: قال الّذين يعلمون ويستيقنون أنّهم ملاقو اللّه.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {قال الّذين يظنّون أنّهم ملاقو اللّه} الّذين يستيقنون.
فتأويل الكلام: قال الّذين يوقنون بالمعاد، ويصدّقون بالمرجع إلى اللّه للّذين قالوا: {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده}: {كم من فئةٍ قليلةٍ} يعني بكم: كثيرًا غلبت فئةٌ قليلةٌ فئةً كثيرةً بإذن اللّه، يعني: بقضاء اللّه وقدره {واللّه مع الصّابرين} يقول: مع الحابسين أنفسهم على رضاه وطاعته.
[جامع البيان: 4/495]
وقد أتينا على البيان عن وجوه الظّنّ وأنّ أحد معانيه العلم اليقين بما يدلّ على صحّة ذلك فيما مضى، فكرهنا إعادته.
وأمّا الفئة فإنّهم الجماعة من النّاس لا واحد له من لفظه، وهو مثل الرّهط، والنّفر يجمع فئاتٌ وفئون في الرّفع وفئين في النّصب والخفض بفتح نونها في كلّ حالٍ، وفئينٌ بالرّفع بإعراب نونها بالرّفع وترك الياء فيها، وفي النّصب فئينًا، وفي الخفض فئين، فيكون الإعراب في الخفض والنّصب في نونها، وفي كلّ ذلك مقرّةٌ فيها الياء على حالها، فإن أضيفت، قيل: هؤلاء فئينك بإقرار النّون وحذف التّنوين، كما قال الّذين لغتهم هذه سنينٌ في جمع السّنة هذه سنينك بإثبات النّون وإعرابها، وحذف التّنوين منها للإضافة، وكذلك العمل في كلّ منقوصٍ، مثل مائةٍ وثبةٍ، وقلّةٍ، وعزّةٍ، فأمّا ما كان نقصه من أوّله؛ فإنّ جمعه بالتّاء مثل عدّةٍ وعداتٍ وصلةٍ وصلاتٍ.
وأمّا قوله: {واللّه مع الصّابرين} فإنّه يعني: واللّه معينٌ الصّابرين على الجهاد في سبيله وغير ذلك من طاعته، وظهورهم ونصرهم على أعدائه الصّادين عن سبيله، المخالفين منهاج دينه. وكذلك يقال لكلّ معينٍ رجلاً على غيره هو معه بمعنى هو معه بالعون له والنّصرة). [جامع البيان: 4/496]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فلمّا فصل طالوت بالجنود قال إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ فمن شرب منه فليس منّي ومن لم يطعمه فإنّه منّي إلّا من اغترف غرفةً بيده فشربوا منه إلّا قليلًا منهم فلمّا جاوزه هو والّذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الّذين يظنّون أنّهم ملاقو اللّه كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن اللّه واللّه مع الصّابرين (249)
قوله تعالى: فلمّا فصل طالوت بالجنود
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، يعني قوله: فلمّا فصل طالوت بالجنود قال: فخرجوا معه، وهم ثمانون ألفًا، وكان جالوت من أعظم النّاس وأشدّهم بأسًا، فخرج يسير بين يدي الجند فلا يجتمع إليه أصحابه، حتّى يهزم هو، من لقي
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا سلمة عن أبي معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، قال: فسار طالوت بالجنود إلى جالوت، يعني قوله: فلمّا فصل طالوت بالجنود). [تفسير القرآن العظيم: 1/472]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: قال إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ
[الوجه الأول]
- حدثنا علي بن الحسين، ثنا اله يثم بن يمانٍ، ثنا رجلٌ سمّاه عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، عن ابن عبّاسٍ إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ يقول: بالعطش.
- حدّثنا الحسن بن أحدم، ثنا إسحاق بن إسماعيل، ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: فلمّا فصل طالوت بالجنود قال إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ وإنّ اللّه يبتلي خلقه بما شاء، ليعلم من يطيعه ممّن يعصيه.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، ثنا أبي، ثنا عمّي الحسين عن أبيه، عن جدّه، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، في قوله: إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ فالنّهر الّذي ابتلي به بنو إسرائيل، نهر فلسطين. وروي عن السّدّيّ نحو ذلك.
والوجه الثّاني: وهو أحد الرّوايات عن ابن عبّاسٍ.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا اله يثم بن يمانٍ، ثنا رجلٌ سمّاه، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، عن ابن عبّاسٍ: إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ قال: فلمّا انتهوا إلى النّهر- وهو نهر الأردنّ- كرع فيه عامّة النّاس، فشربوا، فلم يزد من شرب إلا العطش وروي عن ابن شوذبٍ، نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أبنا عبد الرّزّاق أبنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ قال: هو نهرٌ بين الأردنّ وفلسطين. وروي عن الرّبيع بن أنسٍ وعكرمة، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/473]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فمن شرب منه فليس منّي ومن لم يطعمه فإنّه منّي
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ بن طلحة، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ فمن شرب منه فليس منّي ومن لم يطعمه فإنه منّي وهو نهر فلسطين، فشربوا منه هيبةً من جالوت، فعبر معه أربعة آلافٍ، ورجع ستّةٌ وسبعون ألفًا، فمن شرب منه عطش.
[تفسير القرآن العظيم: 2/473]
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إسحاق بن إسماعيل، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة فمن شرب منه فليس منّي ومن لم يطعمه فإنّه منّي شرب القوم على قدر يقينهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/474]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: إلا من اغترف غرفةً بيده
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا اله يثم بن يمانٍ، ثنا رجلٌ سمّاه، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، عن ابن عبّاسٍ إلا من اغترف غرفةً بيده وأجزأ من اغترف غرفةً بيده، وانقطع عنه العطش. وروي عن السّدّيّ، نحو ذلك.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أحمد بن أبي العبّاس الرّمليّ، ثنا ضمرة، عن ابن شوذبٍ، عن الحسن، قوله: إلا من اغترف غرفةً بيده قال: في تلك الغرفة، ما شربوا وسقوا دوابّهم.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أبنا عبد الرّزّاق أبنا معمرٌ عن قتادة، في قوله: إلا من اغترف غرفةً بيده قال: كان الكفّار يشربون فلا يروون، وكان المسلمون يغترفون غرفةً فيجزئهم.
- حدّثنا عبيد اللّه بن إسماعيل البغداديّ، ثنا خلف بن هشامٍ المقرئ، ثنا عبد الوهّاب بن الخفّاف، وأبو زيدٍ عن أبي عمرٍو، قال الغرفة تكون من المرقة والغرفة باليد). [تفسير القرآن العظيم: 1/474]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فشربوا منه
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان النّحويّ، عن قتادة). [تفسير القرآن العظيم: 1/474]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فشربوا منه إلا قليلا منهم قال: شرب القوم على قدر تعبهم، فأمّا الكفّار فجعلوا يشربون ولا يروون، وأمّا المؤمنون فجعل الرّجل يغترف بيده فيرويه ذلك ويجزئه. وروي عن الرّبيع، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/474]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: إلا قليلا منهم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، نثا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع، بقوله: إلا قليلا منهم يعني: المؤمنين منهم.
[تفسير القرآن العظيم: 2/474]
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا الحمّانيّ، ثنا يعقوب الأشعريّ، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: فشربوا منه إلا قليلا منهم قال: القليل: ثلاثمائةٍ وبضعة عشر، عدّة أصحاب بدرٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/475]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فلمّا جاوزه هو والّذين آمنوا معه
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: فلمّا جاوزه هو والّذين آمنوا معه قال: فعبر معه أربعة آلافٍ، ورجع ستّةٌ وسبعون ألفًا.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا اله يثم بن يمانٍ، ثنا رجلٌ سمّاه، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، عن ابن عبّاسٍ فلمّا جاوزه هو والّذين آمنوا معه قال: فبرأ الّذين شربوا من الإيمان، وأثبت الّذين اغترفوا بأيديهم، فأثبت لهم الإيمان). [تفسير القرآن العظيم: 1/475]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: والّذين آمنوا معه
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن كثيرٍ، أبنا سفيان، عن أبي إسحاق عن البراء قال: كنّا نتحدّث أنّ أصحاب محمّدٍ يوم بدرٍ، كانوا ثلاثمائةٍ وبضعة عشر، على عدّة أصحاب طالوت الّذين جاوزوا معه النّهر أو البحر وما جاز معه إلا مؤمنٌ.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا مسدّدٌ، ثنا نحيى، عن ثابت بن عمارة حدّثني غنيم بن قيسٍ، قال لنا الأشعريّ: أنتم اليوم على عدّة أصحاب طالوت، يوم جالوت. قال: كم كنتم؟ قال: خمسين ومائتين، أو خمسين وثلاثمائةٍ.
والوجه الثالث:
- حدثنا أبي، ثنا نحيى الحمّانيّ، ثنا يعقوب، يعني القمّيّ، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ، قال عدّة أصحاب طالوت، عدد أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ... ثلاثمائةٍ وستون). [تفسير القرآن العظيم: 1/475]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ قال: فنظروا إلى جالوت، رجعوا وقالوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده وكان جالوت من أعظم النّاس وأشدّهم بأسًا، فخرج يسير بين يدي الجند، فلا يجتمع إليه أصحابه، حتّى يهزم هو من لقي). [تفسير القرآن العظيم: 1/476]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وجنوده
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع، قال: فجاء جالوت في عددٍ كثيرٍ وعدّةٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/476]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: قال الّذين يظنّون
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ الّذين يظنّون أنّهم ملاقوا اللّه: الّذين يستيقنون). [تفسير القرآن العظيم: 1/476]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: أنّهم ملاقوا اللّه
- حدثنا أبي، ثنا نحيى بن المغيرة، أبنا جريرٌ، عن يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ، في قوله: الّذين يظنّون أنّهم ملاقوا اللّه قال: الّذين شروا أنفسهم للّه، ووطّنوها على الموت.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان، عن قتادة: قال الّذين يظنّون أنّهم ملاقوا اللّه كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرة بإذن الله والله مع الصّابرين قال: تلقى المؤمنين، بعضهم أفضل من بعضٍ جدًّا وعزمًا، وهم كلّهم مؤمنون). [تفسير القرآن العظيم: 1/476]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً
- حدثنا علي بن الحسين، ثنا اله يثم بن يمانٍ، ثنا رجلٌ سمّاه، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، عن ابن عبّاسٍ كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن اللّه واللّه مع الصّابرين: فأثبت اللّه الإيمان لهؤلاء الّذين قالوا: كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن اللّه
[تفسير القرآن العظيم: 2/476]
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن اللّه قال: فرجع عنه أيضًا ثلاثة آلافٍ وستّمائةٍ وبضعٌ وثمانون، وخلص في ثلاثمائة وبضع عشر عدّة أهل بدرٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/477]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: بإذن اللّه
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن العلاء، يعني: أبا كريبٍ ثنا عثمان بن سعيدٍ، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ بإذن اللّه يقول: بأمر اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/477]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: واللّه مع الصّابرين
- حدّثنا أبي، ثنا عبدة بن سليمان المروزيّ، ثنا ابن المبارك ابنا بن لهيعة، عن عطاء بن دينارٍ، أنّ سعيد بن جبيرٍ، قال: الصّبر اعتراف العبد للّه، بما أصاب منه، واحتسابه عند اللّه، ورجاء ثوابه وقد يجزع الرّجل وهو متجلّدٌ، لا يرى منه إلّا الصّبر.
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، ثنا ابن وهبٍ، سمعت ابن زيدٍ، قال:
الصّبر في بابين: فصبرٌ على ما أحبّ اللّه وإن ثقل، وصبرٌ على ما يكره وإن نازعت إليه الهوى. فمن كان هكذا فهو من الصّابرين). [تفسير القرآن العظيم: 1/477]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي قال: خرجوا مع طالوت وهم ثمانون ألفا وكان جالوت من أعظم الناس وأشدهم بأسا فخرج يسير بين
[الدر المنثور: 3/146]
يدي الجند فلا تجتمع إليه أصحابه حتى يهزم هو من لقي فلما خرجوا قال لهم طالوت {إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني} فشربوا منه هيبة من جالوت فعبر منهم أربعة آلاف ورجع ستة وسبعون ألفا فمن شرب منه عطش ومن لم يشرب منه إلا غرفة روي {فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه} فنظروا إلى جالوت رجعوا أيضا و{قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} فرجع عنه ثلاثة آلاف وستمائة وبضعة وثمانون وجلس في ثلثمائة وبضعة عشر عدة أهل بدر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {إن الله مبتليكم بنهر} يقول: بالعطش فلما انتهوا إلى النهر - وهو نهر الأردن - كرع فيه عامة الناس فشربوا فم يزد من شرب إلا عطشا وأجزأ من اغترف غرفة بيده وانقطع الظمأ عنه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {فلما فصل طالوت بالجنود} غازيا إلى جالوت قال طالوت لبني اسرائيل {إن الله مبتليكم بنهر} بين فلسطين والأردن نهر عذب الماء طيبه فشرب كل إنسان كقدر الذي في قلبه فمن اغترف غرفة وأطاعه روي بطاعته ومن شرب فأكثر عصى فلم يرو {جاوزه هو والذين آمنوا معه} قال الذين شربوا {قالوا لا طاقة لنا اليوم
[الدر المنثور: 3/147]
بجالوت وجنوده قال الذين يظنون} الذين اغترفوا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {إن الله مبتليكم بنهر} قال: نهر فلسطين.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في الآية قال: كان الكفار يشربون فلا يروون وكان المسلمون يغترفون غرفة فيجزئهم ذلك.
وأخرج ابن ابي حاتم عن الحسن قال: في تلك الغرفة ما شربوا وسقوا دوابهم.
وأخرج سعيد بن منصور عن عثمان بن عفان أنه قرأ {فشربوا منه إلا قليلا منهم} قال: القليل ثلثمائة وبضعة عشر عدة أهل بدر.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد والبخاري، وابن جرير وابن
[الدر المنثور: 3/148]
المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن البراء قال: كنا أصحاب محمد نتحدث أن أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر ولم يجاوز معه إلا مؤمن بضعة عشر وثلثمائة.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر أنتم بعدة أصحاب طالوت يوم لقي وكان الصحابة يوم بدر ثلثمائة وبضعة عشر رجلا.
وأخرج ابن ابي شيبة عن أبي موسى قال: كان عدة أصحاب طالوت يوم جالوت ثلثمائة وبضعة عشر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبيدة قال: عدة الذين شهدوا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم بدرا كعدد الذين جاوزوا مع طالوت النهر عدتهم ثلثمائة وثلاثة عشر.
وأخرج إسحاق بن بشر في المبتدأ، وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: كانوا ثلثمائة ألف وثلاثة آلاف وثلثمائة وثلاثة عشر رجلا فشربوا منه كلهم إلا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا عدة أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم بدر فردهم طالوت ومضى في ثلثمائه وثلاثة عشر وكان اشمويل دفع إلى طالوت درعا فقال له: من استوى هذا الدرع عليه فإنه يقتل جالوت بإذن الله تعالى ونادى منادي طالوت من قتل جالوت زوجته ابنتي
[الدر المنثور: 3/149]
وله نصف ملكي ومالي، وكان الله سبب
هذا الأمر على يدي داود بن ايشا وهو من ولد خصرون بن فارض بن يهود بن يعقوب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {الذين يظنون أنهم ملاقوا الله} قال: الذين يستيقنون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {الذين يظنون أنهم ملاقوا الله} قال: الذين شروا أنفسهم لله ووطنوها على الموت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: تلقى المؤمنين بعضهم أفضل من بعض جدا وعزما وهم كلهم مؤمنون). [الدر المنثور: 3/150]

تفسير قوله تعالى: (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (يقال {بسطةً} [البقرة: 247]: «زيادةً وفضلًا» ، {أفرغ} [البقرة: 250]: «أنزل»). [صحيح البخاري: 6/31] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (قوله " أفرغ أنزل " أشار به إلى تفسيره في قوله {ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين} وفسّر {أفرغ} بقوله أنزل أي أنزل علينا صبرا هكذا فسره أبو عبيدة وليس هذا في رواية أبي ذر وكذا بسطة). [عمدة القاري: 18/126]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({أفرغ}) يريد قوله تعالى: {ربنا أفرغ} أي (أنزل) {علينا صبرًا} [البقرة: 250] على القتال، وسقط لأبي ذر من قوله يقال إلى هنا). [إرشاد الساري: 7/42]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولمّا برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربّنا أفرغ علينا صبرًا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {ولمّا برزوا لجالوت وجنوده} ولمّا برز طالوت وجنوده لجالوت وجنوده.
ومعنى قوله: {برزوا} صاروا بالبراز من الأرض، وهو ما ظهر منها واستوى، ولذلك قيل للرّجل القاضي حاجته: تبرّز؛ لأنّ النّاس قديمًا في الجاهليّة إنّما كانوا يقضون حاجتهم في البراز من الأرض، فقيل: قد تبرّز فلانٌ: إذا خرج إلى البراز من الأرض لذلك، كما قيل تغوّط لأنّهم كانوا يقضون حاجتهم في الغائط من الأرض وهو المطمئن منها، فقيل للرّجال: تغوّط، أي صار إلى الغائط من الأرض..
وأمّا قوله: {ربّنا أفرغ علينا صبرًا} فإنّه يعني أنّ طالوت وأصحابه قالوا: {ربّنا أفرغ علينا صبرًا} يعني أنزل علينا صبرًا.
وقوله: {وثبّت أقدامنا} يعني: وقوّ قلوبنا على جهادهم لتثبت أقدامنا فلا نهزم عنهم.
{وانصرنا على القوم الكافرين} الّذين كفروا بك فجحدوك إلهًا وعبدوا غيرك واتّخذوا الأوثان أربابًا). [جامع البيان: 4/497]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولمّا برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربّنا أفرغ علينا صبرًا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين (250)
قوله تعالى: ولمّا برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربّنا أفرغ
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أبنا عبد الرّزّاق أبنا بكّار بن عبد اللّه، قال سمعت وهب بن منبّهٍ يحدّث، قال: لمّا برز طالوت لجالوت، قال جالوت:
أبرزوا إليّ من يقاتلني فإن قتلني فلكم ملكي، وإن قتلته فلي ملككم فأتي بداود إلى طالوت، فقاضاه إن قتله، أن ينكحه ابنته، وأن يحكّمه في ماله. قال: فألبسه طالوت سلاحه، فكره داود أن يقاتله بسلاحٍ وقال: إنّ اللّه لم ينصرني عليه، لم يغنني السّلاح شيئًا، فخرج إليه بالمقلاع وبمخلاةٍ فيها أحجارٌ، ثمّ برز له. فقال له جالوت: أنت تقاتلني؟ قال داود: نعم. قال: ويلك، ما خرجت إلا كما يخرج إلى الكلب بالمقلاع والحجارة.. لأبدّدنّ لحمك ولأطعمنّك اليوم الطّير والسّباع.
[تفسير القرآن العظيم: 2/477]
فقال له داود: بل أنت عدوّ اللّه، شرٌّ من الكلب. فأخذ داود حجرًا، فرماه بالمقلاع، فأصاب بين عينيه، حتّى نفذت في دماغه، فصرخ جالوت وانهزم من معه، واحتزّ داود رأسه
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع، قال: فجاء جالوت في عددٍ كثيرٍ وعدّةٍ ولمّا برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربّنا أفرغ علينا صبرًا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين). [تفسير القرآن العظيم: 1/478]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ربّنا أفرغ علينا صبرًا
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا اله يثم بن يمانٍ، ثنا سنان بن هارون، ثنا أبو حمزة، عن عليّ بن الحسين قال: إذا جمع اللّه الأوّلين والآخرين، ينادي منادٍ: أين الصّابرون؟ ليدخلوا الجنّة قبل الحساب. قال: فيقوم عنقٌ من النّاس فتلقّاهم الملائكة، فيقولوا إلى أين يا بني آدم؟ فيقولون: إلى الجنّة. قالوا وقبل الحساب؟
قالوا: نعم قالوا: ومن أنتم؟ قالوا الصّابرون. قالوا وما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا على طاعة اللّه، وصبرنا عن معصية اللّه، حتّى توفّانا اللّه. قالوا: أنتم كما قلتم، ادخلوا الجنة ف نعم أجر العاملين). [تفسير القرآن العظيم: 1/478]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وثبّت أقدامنا
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة قال محمّد بن إسحاق: وثبّت أقدامنا قال: سألوه أن يثبّت أقدامهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/478]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وانصرنا على القوم الكافرين
وبه، قال محمّد بن إسحاق وانصرنا على القوم الكافرين قال: استنصروه على القوم الكافرين). [تفسير القرآن العظيم: 1/478]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين * فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وأتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين * تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين.
أخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: كان طالوت أميرا على الجيش فبعث أبو داود بشيء إلى إخوته فقال داود لطالوت: ماذا لي وأقتل جالوت فقال: لك ثلث ملكي وأنكحك ابنتي فأخذ مخلاة فجعل فيها ثلاث مروات ثم سمى إبراهيم
[الدر المنثور: 3/150]
وإسحاق ويعقوب ثم أدخل يده فقال: بسم الله إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب فخرج على إبراهيم فجعله في مرجمته فرمى بها جالوت فخرق ثلاثة وثلاثين بيضة على رأسه وقتلت مما وراءه ثلاثين ألفا.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن ابي حاتم عن وهب بن منبه قال: لما برز طالوت لجالوت قال جالوت: ابرزوا لي من يقاتلني فإن قتلني فلكم
ملكي وإن قتلته فلي ملككم فأتي بداود إلى طالوت فقاضاه إن قتله أن ينكحه ابنته وأن يحكمه في ماله فألبسه طالوت سلاحا فكره داود أن يقاتله بسلاح وقال: إن الله إن لم ينصرني عليه لم يغن السلاح شيئا فخرج إليه بالمقلاع ومخلاة فيها أحجار ثم برز له جالوت فقال أنت تقاتلني قال داود: نعم، قال: ويلك ما خرجت إلا كما تخرج إلى الكلب بالمقلاع والحجارة لأبددن لحمك ولأطعمنه اليوم للطير والسباع، فقال له داود: بل أنت عدو الله شر من الكلب فأخذ داود حجرا فرماه بالمقلاع فأصابت بين عينيه حتى نفذت في دماغه فصرخ جالوت وانهزم من معه واحتز رأسه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي قال: عبر يومئذ النهر مع
[الدر المنثور: 3/151]
طالوت أبو داود فيمن عبر مع ثلاثة عشر ابنا له وكان داود أصغر بنيه وأنه أتاه ذات يوم فقال: يا أبتاه ما أرمي بقذافتي شيئا إلا صرعته قال: أبشر فإن الله قد جعل رزقك في قذافتك ثم أتاه يوما فقال: يا أبتاه لقد دخلت بين الجبال فوجدت أسدا رابضا فركبت عليه وأخذت بأذنيه فلم يهجني، فقال: أبشر يا بني فإن هذا خير يعطيكه الله ثم أتاه يوما آخر فقال: يا أبتاه إني لأمشي بين الجبال فأسبح فما يبقى جبل إلا سبح معي، قال: ابشر يا بني فإن هذا خير أعطاكه الله وكان داود راعيا وكان أبوه خلفه يأتي إليه وإلى أخوته بالطعام فأتى النّبيّ بقرن فيه دهن وبثوب من حديد فبعث به إلى طالوت فقال: إن صاحبكم الذي يقتل جالوت يوضع هذا القرن على رأسه فيغلي حين يدهن منه ولا يسيل على وجهه يكون على رأسه كهيئة الأكليل ويدخل في هذا الثوب فيملؤه فدعا طالوت بني اسرائيل فجربه فلم يوافقه منهم أحد فلما فرغوا قال طالوت لأبي داود: هل بقي لك ولد لم يشهدنا قال: نعم بقي ابني داود وهو يأتينا بطعامنا فلما أتاه داود مر في الطريق بثلاثة أحجار فكلمنه وقلن له: يا داود تقتل بنا جالوت فأخذهن فجعلهن في مخلاته وقد كان طالوت قال: من قتل جالوت زوجته ابنتي وأجريت خاتمه في ملكي فلما جاء داود وضعوا القرن على رأسه فغلى حتى ادهن منه ولبس الثوب فملأه وكان رجلا مسقاما مصفارا ولم يلبسه أحد إلا تقلقل فيه فلما لبسه داود تضايق عليه الثوب حتى تنقص ثم مشى إلى جالوت
[الدر المنثور: 3/152]
وكان جالوت من أجسم الناس وأشدهم فلما نظر إلى داود قذف في قلبه الرعب منه وقال له: يا فتى ارجع فإني أرحمك أن أقتلك، فقال داود: لا بل أنا أقتلك.
وأخرج الحجارة فوضعها في القذافة كلما رفع حجرا سماه فقال: هذا باسم أبي إبراهيم والثاني باسم أبي إسحاق والثالث باسم أبي اسرائيل ثم أدار القذافة فعادت الأحجار حجر واحدا ثم أرسله فصك به بين عيني جالوت فثقبت رأسه فقتله ثم لم تزل تقتل كل إنسان تصيبه تنفذ منه حتى لم يكن بحيالها أحد فهزموهم عند ذلك وقتل داود جالوت ورجع طالوت فأنكح داود ابنته وأجرى خاتمه في ملكه فمال الناس إلى داود وأحبوه، فلما رأى ذلك طالوت وجد في نفسه وحسده فأراد قتله فعلم به داود فسجى له زق خمر في مضجعه فدخل طالوت إلى منام داود وقد هرب داود فضرب الزق ضربة فحرقه فسالت الخمر منه فقال: يرحم الله داود ما كان أكثر شربه للخمر ثم إن داود أتاه من القابلة في بيته وهو نائم فوضع سهمين عن رأسه وعند رجليه وعن يمينه وعن شماله سهمين فلما استيقظ طالوت بصر بالسهام فعرفها فقال: يرحم الله داود هو خير مني ظفرت به فقتلته وظفر بي فكف عني، ثم إنه ركب يوما فوجده يمشي في البرية وطالوت على فرس فقال طالوت: اليوم أقتل داود، وكان داود إذا فزع لا يدرك، فركض على أثره طالوت ففزع داود فاشتد فدخل غارا وأوحى الله إلى العنكبوت فضربت عليه بيتا فلما انتهى طالوت إلى الغار نظر إلى بناء العنكبوت فقال: لو دخل ههنا لخرق بيت العنكبوت فتركه وملك داود بعد ما قتل طالوت وجعله الله نبيا
[الدر المنثور: 3/153]
وذلك قوله {وآتاه الله الملك والحكمة} قال: الحكمة هي النبوة آتاه نبوة شمعون وملك طالوت.
وأخرج ابن المنذر عن ابن إسحاق، وابن عساكر عن مكحول قالا: زعم أهل الكتاب أن طالوت لما رأى انصراف بني اسرائيل عنه إلى داود هم بأن يغتال داود فصرف الله ذلك عنه وعرف طالوت خطيئته والتمس التنصل منها والتوبة فأتى إلى عجوز كانت تعلم الاسم الذي يدعى به فقال لها: إني قد أخطأت خطيئة لن يخبرني عن كفارتها إلا اليسع فهل أنت منطلقة معي إلى قبره فداعية الله ليبعثه حتى أسأله قالت: نعم، فانطلق بها إلى قبره فصلت ركعتين ودعت فخرج
اليسع إليه فسأله فقال: إن كفارة خطيئتك أن تجاهد بنفسك وأهل بيتك حتى لا يبقى منكم أحد ثم رجع اليسع إلى موضعه وفعل ذلك طالوت حتى هلك وهلك أهل بيته فاجتمعت بنو اسرائيل على داود فأنزل الله عليه وعلمه صنعة الحديد فألانه له وأمر الجبال والطير أن يسبحن معه إذا سبح ولم يعط أحدا من خلقه مثل صوته وكان إذا قرأ الزبور ترنو إليه الوحش حتى يؤخذ بأعناقها وإنها لمصغية تستمع له وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والنوح إلا على أصناف صوته. [الدر المنثور: 3/154]

تفسير قوله تعالى: (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فهزموهم بإذن اللّه وقتل داود جالوت}.
يعني تعالى ذكره بقوله بذلك: فهزم طالوت وجنوده أصحاب جالوت، وقتل داود جالوت.
[جامع البيان: 4/497]
وفي هذا الكلام متروكٌ ترك ذكره اكتفاءً بدلالة ما ظهر منه عليه. وذلك أنّ معنى الكلام: ولمّا برزوا لجالوت وجنوده، قالوا: ربّنا أفرغ علينا صبرًا، وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فاستجاب لهم ربّهم، فأفرغ عليهم صبره، وثبّت أقدامهم ونصرهم على القوم الكافرين، فهزموهم بإذن اللّه. ولكنّه ترك ذكر ذلك اكتفاءً بدلالة قوله: {فهزموهم بإذن اللّه} على أنّ اللّه قد أجاب دعاءهم الّذي دعوه به.
ومعنى قوله: {فهزموهم بإذن اللّه} قتلوهم بقضاء اللّه وقدره، يقال منه: هزم القوم الجيش هزيمةً وهزّيمى {وقتل داود جالوت} وداود هذا هو داود بن إيشى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وكان سبب قتله إيّاه كما؛
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا بكّار بن عبد اللّه، قال: سمعت وهب بن منبّهٍ، يحدّث، قال: لمّا خرج، أو قال: لمّا برز طالوت لجالوت، قال جالوت: أبرزوا لي من يقاتلني، فإن قتلني، فلكم ملكي، وإن قتلته فلي ملككم فأتي بداود إلى طالوت، فقاضاه إن قتله أن ينكحه ابنته وأن يحكّمه في ماله. فألبسه طالوت سلاحًا، فكره داود أن يقاتله بسلاح، وقال: إن اللّه لم ينصرني عليه لم يغن السّلاح. فخرج إليه بالمقلاع، وبمخلاةٍ فيها أحجارٌ، ثمّ برز له، قال له جالوت: أنت تقاتلني؟
[جامع البيان: 4/498]
قال داود: نعم. قال: ويلك أما خرجت إليّ إلاّ كما يخرج إلى الكلب بالمقلاع والحجارة؟ لأبدّدنّ لحمك، ولأطعمنّه اليوم الطّير، والسّباع فقال له داود: بل أنت عدوّ اللّه شرٌّ من الكلب. فأخذ داود حجرًا ورماه بالمقلاع، فأصابه بين عينيه حتّى نفذ في دماغه، فصرع جالوت، وانهزم من معه، واحتزّ داود رأسه. فلمّا رجعوا إلى طالوت ادّعى النّاس قتل جالوت، فمنهم من يأتي بالسّيف وبالشّيء من سلاحه أو جسده، وخبّأ داود رأسه، فقال طالوت: من جاء برأسه فهو الّذي قتله. فجاء به داود. ثمّ قال لطالوت: أعطني ما وعدتني فندم طالوت على ما كان شرطٌ له، وقال: إنّ بنات الملوك لا بدّ لهنّ من صداقٍ، وأنت رجلٌ جريءٌ شجاعٌ، فاحتمل صداقها ثلثمائة غلفةٍ من أعدائنا وكان يرجو بذلك أن يقتل داود. فغزا داود وأسر منهم ثلثمائةٍ، وقطع غلفهم وجاء بها، فلم يجد طالوت بدًّا من أن يزوّجه. ثمّ أدركته النّدامة، فأراد قتل داود حتّى هرب منه إلى الجبل، فنهض إليه طالوت فحاصره. فلمّا كان ذات ليلةٍ سلّط النّوم على طالوت وحرسه، فهبط إليهم داود، فأخذ إبريق طالوت الّذي كان يشرب منه ويتوضّأ، وقطع شعراتٍ من لحيته وشيئًا من هدب ثيابه، ثمّ رجع داود إلى مكانه، فناداه أن تعاهد حرسك، فإنّي لو شئت أن أقتلك البارحة فعلت، وإنّ هذا إبريقك وشيءٌ من شعر لحيتك وهدب ثيابك،
[جامع البيان: 4/499]
وبعث به إليه. فعلم طالوت أنّه لو شاء قتله، فعطفه ذلك عليه فأمّنه، وعاهده باللّه لا يرى منه بأسًا. ثمّ انصرف. ثمّ كان في آخر أمر طالوت أنّه كان يدسّ لقتله، وكان طالوت لا يقاتل عدوًّا إلاّ هزم، حتّى مات.
قال بكّارٌ: وسئل وهبٌ وأنا أسمع: أنبيًّا كان طالوت يوحى إليه؟ فقال: لم يأته وحي، ولكن كان معه نبيّ يقال له أشمويل يوحى إليه، وهو الّذي ملّك طالوت.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان داود النّبيّ وإخوةٌ له أربعةٌ، معهم أبوهم شيخٌ كبيرٌ، فتخلّف أبوهم وتخلّف معه داود من بين إخوته في غنم أبيه يرعاها له، وكان من أصغرهم وخرج إخوته الأربعة مع طالوت، فدعاه أبوه وقد تقارب النّاس ودنا بعضهم من بعضٍ.
- قال ابن إسحاق: وكان داود فيما ذكر لي بعض أهل العلم عن وهب بن منبّهٍ، رجلاً قصيرًا أزرق قليل شعر الرّأس، وكان طاهر القلب نقيّه، فقال له أبوه: يا بنيّ إنّا قد صنعنا لإخوتك زادًا يتقوّون به على عدوّهم، فاخرج به إليهم، فإذا دفعته إليهم فأقبل إليّ سريعًا فقال: أفعل. فخرج وأخذ معه ما عمل لإخوته، ومعه مخلاته الّتي يحمل فيها الحجارة، ومقلاعه الّذي كان يرمي به عن غنمه. حتّى إذا فصل من عند أبيه، فمرّ بحجرٍ،
[جامع البيان: 4/500]
فقال: يا داود خذني فاجعلني في مخلاتك تقتل بي جالوت، فإنّي حجر يعقوب فأخذه فجعله في مخلاته، ومشى. فبينا هو يمشي إذ مرّ بحجرٍ آخر، فقال: يا داود خذني فاجعلني في مخلاتك تقتل بي جالوت، فإنّي حجر إسحاق فأخذه فجعله في مخلاته، ثمّ مضى. فبينا هو يمشي إذ مرّ بحجرٍ، فقال: يا داود خذني فاجعلني في مخلاتك تقتل بي جالوت، فإنّي حجر إبراهيم فأخذه فجعله في مخلاته. ثمّ مضى بما معه حتّى انتهى إلى القوم، فأعطى إخوته ما بعث إليهم معه. وسمع في العسكر خوض النّاس بذكر جالوت، وعظم شأنه فيهم، وبهيبة النّاس إيّاه، وممّا يعظّمون من أمره، فقال لهم: واللّه إنّكم لتعظّمون من أمر هذا العدوّ شيئًا ما أدري ما هو، واللّه إنّي لو أراه لقتلته، فأدخلوني على الملك فأدخل على الملك طالوت، فقال: أيّها الملك إنّي أراكم تعظّمون شأن هذا العدوّ، واللّه إنّي لو أراه لقتلته فقال: فاتنيّ ما عندك من القوّة على ذلك؟ وما جرّبت من نفسك؟ قال: قد كان الأسد يعدو على الشّاة من غنمي، فأدركه فآخذ برأسه، فأفك لحييه عنها، فآخذها من فيه، فادع لي بدرعٍ حتّى ألقيها عليّ فأتي بدرعٍ، فقذفها على عنقه ومثل فيها فملأ عين طالوت ونفسه ومن حضر من بني إسرائيل، فقال طالوت: واللّه لعسى اللّه أن يهلكه به فلمّا أصبحوا رجعوا إلى جالوت، فلمّا التقى النّاس قال داود: أروني جالوت فأروه إيّاه على فرسٍ عليه لأمّته؛
[جامع البيان: 4/501]
فلمّا رآه جعلت الأحجار الثّلاثة تواثب من مخلاته، فيقول هذا: خذني ويقول هذا: خذني ويقول هذا: خذني فأخذ أحدها فجعله في مقلاعه، ثمّ قتله به، ثمّ أرسله فصكّ بين عيني جالوت فدمغه، وتنكّس عن دابّته فقتله. ثمّ انهزم جنده، وقال النّاس: قتل داود جالوت، وخلع طالوت. وأقبل النّاس على داود مكانه، حتّى لم يسمع لطالوت بذكرٍ؛ إلاّ أنّ أهل الكتاب يزعمون أنّه لمّا رأى انصراف بني إسرائيل عنه إلى داود، همّ بأن يغتال داود وأراد قتله فصرف اللّه ذلك عنه، وعن داود وعرف خطيئته، والتمس التّوبة منها إلى اللّه.
وقد روي عن وهب بن منبّهٍ في أمر طالوت وداود قولٌ خلاف الرّوايتين اللّتين ذكرنا قبل وهو ما؛
- حدّثني به المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ، أنّه، سمع وهب بن منبّهٍ، قال: لمّا سلّمت بنو إسرائيل الملك لطالوت أوحي إلى نبيّ بني إسرائيل أن قل لطالوت: فليغز أهل مدين، فلا يترك فيها حيًّا إلاّ قتله، فإنّي سأظهره عليهم فخرج بالنّاس حتّى أتى مدين، فقتل من كان فيها إلاّ ملكهم، فإنّه أسره، وساق مواشيهم. فأوحى اللّه إلى أشمويل: ألاّ تعجب من طالوت إذ أمرته فاختار فيه، فجاء بملكهم أسيرًا، وساق مواشيهم، فالقه فقل له: لأنزعنّ الملك من بيته، ثمّ لا يعود فيه إلى يوم القيامة، فإنّي إنّما أكرم من أطاعني، وأهين من هان عليه أمري فلقيه،
[جامع البيان: 4/502]
فقال ما صنعت؟ لم جئت بملكهم أسيرًا، ولم سقت مواشيهم؟ قال: إنّما سقت المواشي لأقرّبها قال له أشمويل: إنّ اللّه قد نزع من بيتك الملك، ثمّ لا يعود فيه إلى يوم القيامة. فأوحى اللّه إلى أشمويل أن انطلق إلى إيشا، فيعرض عليك بنيه، فادّهن الّذي آمرك بدهن القدس يكن ملكًا على بني إسرائيل فانطلق حتّى أتى إيشا، فقال: اعرض عليّ بنيك فدعا إيشا أكبر ولده، فأقبل رجلٌ جسيمٌ حسن المنظر، فلمّا نظر إليه أشمويل أعجبه، فقال: الحمد للّه إنّ اللّه لبصيرٌ بالعباد فأوحى اللّه إليه: إنّ عينيك تبصران ما ظهر، وإنّي أطّلع على ما في القلوب ليس بهذا، فقال: ليس بهذا اعرض عليّ غيره، فعرض عليه ستّةً في كلّ ذلك يقول: ليس بهذا، فقال: هل لك من ولدٍ غيرهم؟ فقال: بلي لي غلامٌ أمغر وهو راعٍ في الغنم. فقال: أرسل إليه فلمّا أن جاء داود جاء غلامٌ أمغر، فدهنه بدهن القدس، وقال لأبيه: اكتم هذا، فإنّ طالوت لو يطّلع عليه قتله؛ فسار جالوت في قومه إلى بني إسرائيل، فعسكر وسار طالوت ببني إسرائيل وعسكر، وتهيّئوا للقتال، فأرسل جالوت إلى طالوت: لم تقتل قومي وقومك؟ أبرز لي أو أبرز لي من شئت، فإن قتلتك كان الملك لي، وإن قتلتني كان الملك لك فأرسل طالوت في عسكره صائحًا من يبرز لجالوت، فإن قتله، فإنّ الملك ينكحه ابنته، ويشركه في ملكه. فأرسل إيشى داود إلى إخوته
[جامع البيان: 4/503]
قال الطبرى: هو إيشى ولكن قال المحدث: إيشى وكانوا في العسكر، فقال: اذهب فزودّ إخوتك، وأخبرني خبر النّاس ماذا صنعوا. فجاء إلى إخوته، وسمع صوتًا: إنّ الملك يقول: من يبرز لجالوت فإن قتله أنكحه الملك ابنته. فقال داود لإخوته: ما منكم رجلٌ يبرز لجالوت فيقتله، وينكح ابنة الملك؟ فقالوا: إنّك غلامٌ أحمق، ومن يطيق جالوت وهو من بقيّة الجبّارين؟ فلمّا لم يرهم رغبوا في ذلك، قال: فأنا أذهب فأقتله فانتهروه وغضبوا عليه. فلمّا غفلوا عنه، ذهب حتّى جاء الصّائح، فقال: أنا أبرز لجالوت. فذهب به إلى الملك، فقال له: لم يجبني أحدٌ إلاّ غلامٌ من بني إسرائيل هو هذا؟ قال: يا بنيّ أنت تبرز لجالوت فتقاتله؟ قال: نعم. قال: وهل آنست من نفسك شيئًا؟ قال: نعم، كنت راعيًا في الغنم، فأغار عليّ الأسد، فأخذت بلحييه ففككتهما. فدعا له بقوسٍ، وأداةٍ كاملةٍ، فلبسها وركب الفرس، ثمّ سار منهم قريبًا. ثمّ صرف فرسه، فرجع إلى الملك، فقال الملك ومن حوله: جبن الغلام فجاء فوقف على الملك، فقال: ما شأنك؟ قال داود: إن لم يقتله اللّه لي لم يقتله هذا الفرس وهذا السّلاح، فدعني فأقاتل كما أريد. فقال: نعم يا بنيّ. فأخذ داود مخلاته، فتقلّدها وألقى فيها أحجارًا، وأخذ مقلاعه الّذي كان يرمى به. ثمّ مضى نحو جالوت؛ فلمّا دنا من عسكره، قال: أين جالوت يبرز لي؟ فبرز له على فرسٍ عليه السّلاح كلّه، فلمّا رآه جالوت قال: إليك أبرز؟ قال: نعم. قال: فأتيتني بالمقلاع والحجر كم يؤتى إلى الكلب؟
[جامع البيان: 4/504]
قال: هو ذاك. قال: لا جرم إنّي سوف أقسّم لحمك بين طير السّماء وسباع الأرض. قال داود: أو يقسّم اللّه لحمك. فوضع داود حجرًا في مقلاعه، ثمّ دوّره فأرسله نحو جالوت، فأصاب أنف البيضة الّتي على جالوت حتّى خالط دماغه، فوقع من فرسه، فمضى داود إليه، فقطع رأسه بسيفه، فأقبل به في مخلاته، وبسلبه يجرّه، حتّى ألقاه بين يدي طالوت، ففرحوا فرحًا شديدًا، وانصرف طالوت. فلمّا كان داخل المدينة، سمع النّاس يذكرون داود، فوجد في نفسه، فجاءه داود، فقال: أعطني امرأتي فقال: أتريد ابنة الملك بغير صداقٍ؟ فقال داود: ما اشترطت عليّ صداقًا، وما لي من شيءٍ. قال: لا أكلّفك إلاّ ما تطيق، أنت رجلٌ جريءٌ، وفي جبالنا هذه جراجمةٌ يحتربون النّاس وهم غلفٌ، فإذا قتلت منهم مائتي رجلً، فأتني بغلفهم. فجعل كلّما قتل منهم رجلاً نظم غلفته في خيطٍ، حتّى نظم مائتي غلفةٍ، فأتى إلى طالوت، فألقى إليه، فقال: ادفع لي امرأتي قد جئت بما اشترطت فزوّجه ابنته. وأكثر النّاس ذكر داود، وزاده عند النّاس عجبًا، فقال طالوت لابنه: لتقتلنّ داود قال: سبحان اللّه ليس بأهل ذلك منك قال: إنّك غلامٌ أحمق، ما أراه إلاّ سوف يخرجك وأهل بيتك من الملك. فلمّا سمع ذلك من أبيه، انطلق إلى أخته، فقال لها: إنّي قد خفت أباك أن يقتل زوجك داود، فمريه أن يأخذ حذره، ويتغيّب منه. فقالت له امرأته ذلك فتغيّب. فلمّا أصبح أرسل طالوت من يدعو له داود، وقد صنعت امرأته على فراشه كهيئة النّائم ولحّفته. فلمّا جاء رسول طالوت قال: أين داود؟ ليجب الملك
[جامع البيان: 4/505]
فقالت له: بات شاكيًا ونام الآن ترونه على الفراش. فرجعوا إلى طالوت فأخبروه ذلك، فمكث ساعةً ثمّ أرسل إليه، فقالت: هو نائمٌ لم يستيقظ بعد. فرجعوا إلى الملك فقال: ائتوني به وإن كان نائمًا فجاءوا إلى الفراش، فلم يجدوا عليه أحدًا. فجاءوا الملك فأخبروه، فأرسل إلى ابنته فقال: ما حملك على أن تكذبين؟ قالت: هو أمرني بذلك، وخفت إن لم أفعل أمره أن يقتلني. وكان داود فارًّا في الجبل حتّى قتل طالوت، وملّك داود بعده.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: كان طالوت أميرًا على الجيش، فبعث أبو داود مع داود بشيءٍ إلى إخوته، فقال داود لطالوت: ماذا لي فأقتل جالوت؟ قال: لك ثلث مالي، وأنكحك ابنتي. فأخذ مخلاته، فجعل فيها ثلاث مرواتٍ، ثمّ سمّى حجارته تلك إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ثمّ أدخل يده فقال: باسم إلهي وإله آبائي إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب فخرج على إبراهيم، فجعله في مرجمته، فخرقت ثلاثًا وثلاثين بيضةً عن رأسه، وقتلت ثلاثين ألفًا من ورائه.
[جامع البيان: 4/506]
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: عبر يومئذٍ النّهر مع طالوت أبو داود فيمن عبر مع ثلاثة عشر ابنًا له، وكان داود أصغر بنيه. فأتاه ذات يومٍ فقال: يا أبتاه ما أرمي بقذافتي شيئًا إلاّ صرعته. فقال: أبشر يا بنيّ، فإنّ اللّه قد جعل رزقك في قذافتك ثمّ أتاه مرّةً أخرى قال: يا أبتاه لقد دخلت بين الجبال، فوجدت أسدًا رابضًا، فركبت عليه، فأخذت بأذنيه، فلم يهجني. قال: أبشر يا بنيّ، فإنّ هذا خيرٌ يعطيكه اللّه ثمّ أتاه يومًا آخر فقال: يا أبتاه إنّي لأمشي بين الجبال، فأسبّح، فما يبقى جبلٌ إلاّ سبّح معي. فقال: أبشر يا بنيّ، فإنّ هذا خيرٌ أعطاكه اللّه وكان داود راعيًا، وكان أبوه خلّفه يأتي إليه وإلى إخوته بالطّعام. فأتي النّبيّ بقرنٍ فيه دهنٌ وثوبٍ من حديدٍ، فبعث به إلى طالوت، فقال: إنّ صاحبكم الّذي يقتل جالوت يوضع هذا القرن على رأسه فيغلي حتّى يدّهن منه ولا يسيل على وجهه، يكون على رأسه كهيئة الإكليل، ويدخل في هذا الثّوب فيملؤه. فدعا طالوت بني إسرائيل فجرّبهم، فلم يوافقه منهم أحدٌ. فلمّا فرغوا، قال طالوت لأبي داود: هل بقي لك من ولدٍ لم يشهدنا؟ قال: نعم، بقي ابني داود، وهو يأتينا بطعام. فلمّا أتاه داود مرّ في الطّريق بثلاثة أحجارٍ، فكلّمنه، وقلن له: خذنا يا داود تقتل بنا جالوت قال: فأخذهنّ فجعلهنّ في مخلاته. وكان طالوت قال: من قتل جالوت زوّجته ابنتي، وأجريت خاتمه في ملكي. فلمّا جاء داود وضعوا القرن على رأسه، فغلى حتّى ادّهن منه، ولبس الثّوب فملأه، وكان رجلاً مسقامًا مصفارًّا، ولم يلبسه أحدٌ إلاّ تقلقل فيه. فلمّا لبسه داود تضايق الثّوب عليه حتّى تنقّض.
[جامع البيان: 4/507]
ثمّ مشى إلى جالوت، وكان جالوت من أجسم النّاس وأشدّهم؛ فلمّا نظر إلى داود قذف في قلبه الرّعب منه، فقال له: يا فتًى ارجع فإنّي أرحمك أن أقتلك قال داود: لا، بل أنا أقتلك. فأخرج الحجارة فجعلها في القذافة، كلّما رفع حجرًا سمّاه، فقال: هذا باسم أبي إبراهيم، والثّاني باسم أبي إسحاق، والثّالث باسم أبي إسرائيل. ثمّ أدار القذافة فعادت الأحجار حجرًا واحدًا، ثمّ أرسله فصكّ به بين عيني جالوت، فنقب رأسه فقتله. ثمّ لم تزل تقتل كلّ إنسانٍ تصيبه تنفذ منه، حتّى لم يكن بحيالها أحدٌ. فهزموهم عند ذلك، وقتل داود جالوت. ورجع طالوت، فأنكح داود ابنته، وأجرى خاتمه في ملكه؛ فمال النّاس إلى داود فأحبّوه. فلمّا رأى ذلك طالوت وجد في نفسه وحسده، فأراد قتله. فعلم به داود أنّه يريد به ذلك، فسجّى له زقّ خمرٍ في مضجعه، فدخل طالوت إلى منام داود، وقد هرب داود فضرب الزّقّ ضربةً فخرقه، فسالت الخمر منه، فوقعت قطرةٌ من خمرٍ في فيه، فقال: يرحم اللّه داود ما كان أكثر شربه للخمر ثمّ إنّ داود أتاه من القابلة في بيته وهو نائمٌ، فوضع سهمين عند رأسه وعند رجليه وعن يمينه وعن شماله سهمين؛ فلمّا استيقظ طالوت بصر بالسّهام فعرفها، فقال: يرحم اللّه داود هو خيرٌ منّي، ظفرت به فقتلته، وظفر بي فكفّ عنّي. ثمّ إنّه ركب يومًا فوجده يمشي في البريّة وطالوت على فرسٍ، فقال طالوت: اليوم أقتل داود وكان داود إذا فزع لا يدرك، فركض على أثره طالوت، ففزع داود، فاشتدّ فدخل غارًا، وأوحى اللّه إلى العنكبوت فضربت عليه بيتًا؛ فلمّا انتهى طالوت إلى الغار نظر إلى بناء العنكبوت، فقال: لو كان دخل ها هنا لخرق بيت العنكبوت، فخيّل إليه فتركه.
[جامع البيان: 4/508]
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: ذكر لنا أنّ داود، حين أتاهم كان قد جعل معه مخلاةً فيها ثلاثة أحجارٍ. وإنّ جالوت برز لهم، فنادى: ألا رجلٌ لرجلٍ فقال طالوت: من يبرز له، وإلاّ برزت له. فقام داود فقال: أنا فقال له طالوت فشدّ عليه درعه، فجعل يراه يشخص فيها ويرتفع. فعجب من ذلك طالوت، فشدّ عليه أداته كلّها. وإنّ داود رماهم بحجرٍ من تلك الحجارة فأصاب في القوم، ثمّ رمى الثّانية بحجرٍ فأصاب فيهم، ثمّ رمى الثّالثة فقتل جالوت. فآتاه اللّه الملك والحكمة، وعلّمه ممّا يشاء، وصار هو الرّئيس عليهم، وأعطوه الطّاعة.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني ابن زيدٍ، في قول اللّه تعالى ذكره: {ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل} فقرأ حتّى بلغ: {فلمّا كتب عليهم القتال تولّوا إلاّ قليلاً منهم واللّه عليمٌ بالظّالمين} قال: أوحى اللّه إلى نبيّهم إنّ في ولد فلانٍ رجلاً يقتل اللّه به جالوت، ومن علامته هذا القرن تضعه على رأسه، فيفيض ماءً. فأتاه فقال: إنّ اللّه أوحى إليّ أنّ في ولدك رجلاً يقتل اللّه به جالوت، فقال: نعم يا نبيّ اللّه، قال: فأخرج له اثني عشر رجلاً أمثال السّواري، وفيهم رجلٌ بارعٌ عليهم، فجعل يعرضهم على القرن فلا يرى شيئًا،
[جامع البيان: 4/509]
فيقول لذلك الجسيم: ارجع فيردّه عليه، فأوحى اللّه إليه: إنّا لا نأخذ الرّجال على صورهم، ولكن نأخذهم على صلاح قلوبهم، قال: يا ربّ قد زعم أنّه ليس له ولدٌ غيره، فقال: كذب، فقال: إنّ ربّي قد كذّبك، وقال: إنّ لك ولدًا غيرهم، فقال: صدق يا نبيّ اللّه، لي ولدٌ قصيرٌ استحييت أن يراه النّاس، فجعلته في الغنم، قال: فأين هو؟ قال في شعب كذا وكذا من جبل كذا وكذا، فخرج إليه، فوجد الوادي قد سال بينه وبين البقعه الّتي كان يريح إليها قال: ووجده يحمل شاتين شاتين يجيز بهما، ولا يخوض بهما السّيل، فلمّا رآه قال: هذا هو لا شكّ فيه، هذا يرحم البهائم فهو بالنّاس أرحم، قال: فوضع القرن على رأسه ففاض، فقال له: ابن أخي هل رأيت ها هنا من شيءً يعجبك؟ قال: نعم إذا سبّحت، سبّحت معي الجبال، وإذا أتى النّمر أو الذّئب أو السّبع أخذ شاةً قمت إليه، فأفتح لحييه عنها فلا يهيجني، قال: وألفى معه صفنه، قال: فمرّ بثلاثة أحجارٍ ينتزى بعضها على بعضٍ: كلّ واحدٍ منها يقول: أنا الّذي يأخذ، ويقول هذا: لا بل إيّاي يأخذ، ويقول الآخر مثل ذلك، قال: فأخذهنّ جميعًا، فطرحهنّ في صفنه؛ فلمّا جاء مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وخرجوا قال لهم نبيّهم: {إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكًا} فكان من قصّة نبيّهم وقصّتهم ما ذكر اللّه في كتابه، وقرأ حتّى بلغ: {واللّه مع الصّابرين}
[جامع البيان: 4/510]
قال: واجتمع أمرهم وكانوا جميعًا، وقرأ: {وانصرنا على القوم الكافرين} وبرز جالوت على برذونٍ له أبلق، في يده قوسٌ، نشّابٌ، فقال: من يبرز؟ أبرزوا إليّ رأسكم، قال: ففظع به طالوت، قال: فالتفت إلى أصحابه فقال: من رجلٌ يكفيني اليوم جالوت، فقال داود أنا، فقال تعال، قال: فنزع درعًا له، فألبسه إيّاها، قال: ونفخ اللّه من روحه فيه حتّى ملأه، قال: فرمي بنشّابةٍ، فوضعها في الدّرع، قال: فكسرها داود ولم تضرّه شيئًا ثلاث مرّاتٍ، ثمّ قال له: خذ الآن، فقال داود: اللّهمّ اجعله حجرًا واحدًا، قال: وسمّى واحدًا إبراهيم، وآخر إسحاق، وآخر يعقوب، قال: فجمعهنّ جميعًا فكنّ حجرًا واحدًا، قال: فأخذهنّ وأخذ مقلاعًا، فأدارها ليرمي بها، فقال: أترميني كما ترمي السّبع والذّئب، ارمني بالقوس، قال: لا أرميك اليوم إلاّ بها، فقال له مثل ذلك أيضًا، فقال: نعم، وأنت أهون عليّ من الذّئب، فأدارها وفيها أمر اللّه وسلطان اللّه، قال: فخلّى سبيلها مأمورةً، قال: فجاءت مظلّةً فضربت بين عينيه حتّى خرجت من قفاه، ثمّ قتلت من أصحابه وراءه كذا وكذا، وهزمهم اللّه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ،
[جامع البيان: 4/511]
عن ابن جريجٍ، قال: لمّا قطعوا ذلك يعني النّهر الّذي قال اللّه فيه مخبرًا عن قيل طالوت لجنوده: {إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ} وجاء جالوت وشقّ على طالوت قتاله، فقال طالوت للنّاس: لو أنّ جالوت قتل أعطيت الّذي يقتله نصف ملكي، وناصفته كلّ شيءٍ أملكه، فبعث اللّه داود، وداود يومئذٍ في الجبل راعي غنمٍ، وقد غزا مع طالوت تسعة إخوةٍ لداود، وهم أبدّ منه، وأغنى منه، وأعرف في النّاس منه، وأوجه عند طالوت منه، فغزوا وتركوه في غنمهم، فقال داود حين ألقى اللّه في نفسه ما ألقى وأكرمه: لأستودعنّ ربّي غنمي اليوم، ولآتينّ النّاس فلأنظرنّ ما الّذي بلغني من قول الملك لمن قتل جالوت، فأتى داود إخوته، فلاموه حين أتاهم، فقالوا: لم جئت؟ قال: لأقتل جالوت، فإنّ اللّه قادرٌ أن أقتله، فسخروا منه قال ابن جريجٍ: قال مجاهدٌ: كان بعث أبو داود مع داود بشيءٍ إلى إخوته، فأخذ مخلاةً فجعل فيها ثلاث مرواتٍ، ثمّ سمّاهنّ إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب قال ابن جريجٍ: قالوا: وهو ضعيفٌ رثّ الحال، فمرّ بثلاثة أحجارٍ، فقلن له: خذنا يا داود فقاتل بنا جالوت. فأخذهنّ داود وألقاهنّ في مخلاته، فلمّا ألقاهنّ سمع حجرًا منهنّ يقول لصاحبه: أنا حجر هارون الّذي قتل بي ملك كذا وكذا؛ وقال الثّاني: أنا حجر موسى الّذي قتل بي ملك كذا وكذا؛ وقال الثّالث: أنا حجر داود الّذي أقتل جالوت، فقال الحجران: يا حجر داود نحن أعوانٌ لك، فصرن حجرًا واحدًا؛ وقال الحجر: يا داود اقذف بي فإنّي سأستعين بالرّيح، وكانت بيضته فيما يقولون واللّه أعلم فيها ستّمائة رطلٍ، فأقع في رأس جالوت فأقتله. قال ابن جريجٍ: وقال مجاهدٌ: سمّى واحدًا إبراهيم، والآخر إسحاق، والآخر يعقوب، وقال: باسم إلهي وإله آبائي إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، وجعلهنّ في مرجمته
[جامع البيان: 4/512]
قال ابن جريجٍ: فانطلق حتّى نفذ إلى طالوت، فقال: إنّك قد جعلت لمن قتل جالوت نصف ملكك ونصف كلّ شيءٍ تملك. أفلي ذلك إن قتلته؟ قال: نعم، والنّاس يستهزئون بداود، وإخوة داود أشدّ من هنالك عليه، وكان طالوت لا ينتدب إليه أحدٌ زعم أنّه يقتل جالوت إلاّ ألبسه درعًا عنده، فإذا لم تكن قدرًا عليه نزعها عنها، وكانت درعًا سابغةً من دروع طالوت، فألبسها داود؛ فلمّا رأى قدرها عليه أمره أن يتقدّم، فتقدّم داود، فقام مقامًا لا يقوم فيه أحدٌ وعليه الدّرع، فقال له جالوت: ويحك من أنت إنّي أرحمك، ليتقدّم إليّ غيرك من هذه الملوك، أنت إنسانٌ ضعيفٌ مسكينٌ، فارجع، فقال داود: أنا الّذي أقتلك بإذن اللّه، ولن أرجع حتّى أقتلك، فلمّا أبى داود إلاّ قتاله، تقدّم جالوت إليه ليأخذه بيده مقتدرًا عليه، فأخرج الحجر من المخلاة، فدعا ربّه، ورماه بالحجر، فألقت الرّيح بيضته عن رأسه، فوقع الحجر في رأس جالوت حتّى دخل في جوفه، فقتله. قال ابن جريجٍ: وقال مجاهدٌ: لمّا رمي جالوت بالحجر خرق ثلاثًا وثلاثين بيضةً عن رأسه، وقتلت من ورائه ثلاثين ألفًا، قال اللّه تعالى: {وقتل داود جالوت} فقال داود لطالوت: وفّ بما جعلت، فأبى طالوت أن يعطيه ذلك، فانطلق داود، فسكن مدينةً من مدائن بني إسرائيل، حتّى مات طالوت؛ فلمّا مات عمد بنو إسرائيل إلى داود، فجاءوا به، فملّكوه، وأعطوه خزائن طالوت، وقالوا: لم يقتل جالوت إلاّ نبيّ، قال اللّه: {وقتل داود جالوت وآتاه اللّه الملك والحكمة وعلّمه ممّا يشاء}). [جامع البيان: 4/513]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وآتاه اللّه الملك والحكمة وعلّمه ممّا يشاء}.
يعني تعالى ذكره بذلك: وأعطى اللّه داود الملك والحكمة وعلّمه ممّا يشاء. والهاء في قوله: {وآتاه اللّه} عائدةٌ على داود والملك السّلطان والحكمة النّبوّة.
[جامع البيان: 4/513]
وقوله: {وعلّمه ممّا يشاء} يعني علّمه صنعة الدّروع، والتّقدير في السّرد، كما قال اللّه تعالى ذكره: {وعلّمناه صنعة لبوسٍ لكم لتحصنكم من بأسكم}.
وقد قيل: إنّ معنى قوله: {وآتاه اللّه الملك والحكمة} أنّ اللّه آتى داود ملك طالوت ونبوّة أشمويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: ملّك داود بعدما قتل طالوت، وجعله اللّه نبيًّا، وذلك قوله: {وآتاه اللّه الملك والحكمة} قال: الحكمة: هي النّبوّة، آتاه نبوّة شمعون، وملك طالوت). [جامع البيان: 4/514]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ لفسدت الأرض ولكنّ اللّه ذو فضلٍ على العالمين}.
يعني تعالى ذكره بذلك: ولولا أنّ اللّه يدفع ببعض النّاس، وهم أهل الطّاعة له والإيمان به، بعضًا وهم أهل المعصية للّه، والشّرك به، كما دفع عن المتخلّفين عن طالوت يوم جالوت من أهل الكفر باللّه والمعصية له وقد أعطاهم ما سألوا ربّهم ابتداءً من بعثة ملكٍ عليهم ليجاهدوا معه في سبيله بمن جاهد معه من أهل الإيمان باللّه واليقين والصّبر، جالوت وجنوده، لفسدت الأرض، يعني لهلك أهلها بعقوبة اللّه إيّاهم، ففسدت بذلك الأرض، ولكنّ اللّه ذو منٍّ على خلقه، وتطوّلٍ عليهم بدفعه بالبرّ من خلقه عن الفاجر، وبالمطيع عن العاصي منهم، وبالمؤمن عن الكافر.
[جامع البيان: 4/514]
وهذه الآية إعلامٌ من اللّه تعالى ذكره أهل النّفاق الّذين كانوا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المتخلّفين عن مشاهده والجهاد معه للشّك الّذي في نفوسهم ومرض قلوبهم والمشركين وأهل الكفر منهم، وأنّه إنّما يدفع عنهم معاجلتهم العقوبة، على كفرهم ونفاقهم بإيمان المؤمنين به وبرسوله، الّذين هم أهل البصائر والجدّ في أمر اللّه، وذوو اليقين بإنجاز اللّه إيّاهم وعده على جهاد أعدائه، وأعداء رسوله من النّصر في العاجل، والفوز بجنّانه في الآخرة.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ لفسدت الأرض} يقول: ولولا دفع اللّه بالبرّ عن الفاجر، ودفعه ببقيّة أخلاف النّاس بعضهم عن بعضٍ لفسدت الأرض بهلاك أهلها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ لفسدت الأرض} يقول: ولولا دفاع اللّه بالبرّ عن الفاجر، وببقيّة أخلاف النّاس بعضهم عن بعضٍ لهلك أهلها.
[جامع البيان: 4/515]
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن حنظلة، عن أبي مسلمٍ، قال: سمعت عليًّا، يقول: لولا بقيّةٌ من المسلمين فيكم لهلكتم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ لفسدت الأرض} يقول: لهلك من في الأرض.
- حدّثني أبو حميدٍ الحمصيّ أحمد بن المغيرة، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: حدّثنا حفص بن سليمان، عن محمّد بن سوقة، عن وبرة بن عبد الرّحمن، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه ليدفع بالمؤمن الصّالح عن مائة أهل بيتٍ من جيرانه البلاء ثمّ قرأ ابن عمر: {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ لفسدت الأرض}.
- حدّثني أحمد أبو حميدٍ الحمصيّ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: حدّثنا عثمان بن عبد الرّحمن، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه ليصلح بصلاح الرّجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته، ودويراتٍ حوله، ولا يزالون في حفظ اللّه ما دام فيهم.
[جامع البيان: 4/516]
وقد دلّلنا على قوله العالمين، وذكرنا الرّواية فيه.
وأمّا القرّاء فإنّها اختلفت في قراءة قوله: {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ} فقرأته جماعةٌ من القرّاء: {ولولا دفع اللّه} على وجه المصدر من قول القائل: دفع اللّه عن خلقه، فهو يدفع دفعًا. واحتجّت لاختيارها ذلك بأنّ اللّه تعالى ذكره، هو المنفرّد بالدّفع عن خلقه، ولا أحد يدافعه فيغالبه.
وقرأت ذلك جماعةٌ أخرى من القرّاء: (ولولا دفاع اللّه النّاس) على وجه المصدر من قول القائل: دافع اللّه عن خلقه، فهو يدافع مدافعةً ودفاعًا. واحتجّت لاختيارها ذلك بأنّ كثيرًا من خلقه يعادّون أهل دين اللّه، وولايته والمؤمنين به، فهو بمحاربتهم إيّاهم ومعادتهم لهم للّه مدافعون بظنونهم، ومغالبون بجهلهم، واللّه مدافعهم عن أوليائه وأهل طاعته والإيمان به.
والقول في ذلك عندي أنّهما قراءتان قد قرأت بهما القرّاء وجاءت بهما جماعة الأمّة، وليس في القراءة بأحد الحرفين إحالة معنى الآخر. وذلك أنّ من دافع غيره عن شيءٍ، فمدافعه عنه بشىء دافعٌ، ومتى امتنع المدفوع عن الاندفاع، فهو لمدافعه مدافعٌ؛
[جامع البيان: 4/517]
ولا شكّ أنّ جالوت وجنوده كانوا بقتالهم طالوت وجنوده، محاولين مغالبة حزب اللّه وجنده، وكان في محاولتهم ذلك محاولة مغالبة اللّه ودفاعه عمّا قد تضمّن لهم من النّصرة، وذلك هو معنى مدافعة اللّه عن الّذين دافع اللّه عنهم بمن قاتل جالوت وجنوده من أوليائه.
فبيّن إذا أنّ سواءً قراءة من قرأ: {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ} وقراءة من قرأ: (ولولا دفاع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ) في التّأويل والمعنى). [جامع البيان: 4/518]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فهزموهم بإذن اللّه وقتل داوود جالوت وآتاه اللّه الملك والحكمة وعلّمه ممّا يشاء ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ لفسدت الأرض ولكنّ اللّه ذو فضلٍ على العالمين (251)
قوله تعالى: فهزموهم بإذن اللّه وقتل داود جالوت
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ ولمّا برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربّنا أفرغ علينا صبرًا فعبر معه يومئذٍ أبو داود فيمن عبر، في ثلاثة عشر ابنًا له، وكان داود أصغر بنيه، وإنّه أتاه ذات يومٍ فقال له: يا أبتاه، ما أرمي بقذّافتي شيئًا إلا صرعته. قال: أبشر، فإنّ اللّه قد جعل رزقك في قذّافتك.
[تفسير القرآن العظيم: 2/478]
ثمّ أتاه يومًا آخر فقال: يا أبتاه: لقد دخلت بين الجبال، فوجدت أسدًا رابضًا، فركبت عليه، وأخذت بأذنيه، فلم يهجني فقال: أبشر يا بنيّ، فإنّ هذا خيرٌ يعطيكه اللّه. ثمّ أتاه يومًا آخر فقال: يا أبتاه: إنّي لأمشي بين الجبال فأسبّح، فما يبقى جبلٌ إلا سبّح معي. فقال: أبشر يا بنيّ فإنّ هذا خيرٌ أعطاكه اللّه. وكان داود راعيًا، وكان أبوه خلفه، يأتي إليه وإلي إخوته بالطّعام، فأتى النّبيّ بقرنٍ فيه دهنٌ، وبثوبٍ من حديدٍ، فبعث به إلى طالوت فقال: إنّ صاحبكم الّذي يقتل جالوت، يوضع هذا القرن على رأسه فيغلي حين يدّهن منه، ولا يسيل على وجهه، يكن على رأسه كهيئة الإكليل، ويدخل في هذا الثّوب فيملؤه. فدعا طالوت بني إسرائيل، فجرّبهم به، فلم يوافقه منهم أحدٌ، فلمّا فرغوا قال طالوت لأبي داود: هل بقي لك ولدٌ لم يشهدنا؟ قال نعم، بقي داود، هو يأتينا بطعامنا، فلمّا أتى داود، مرّ في الطّريق بثلاثة أحجارٍ، فكلّمته، وقلن له: يا داود، خذنا، تقتل بنا جالوت، فأخذهنّ، فجعلهنّ في مخلاةٍ- وقد كان طالوت قال: من قتل جالوت زوّجته ابنتي، وأجريت خاتمه في ملكي- فلمّا جاء داود، وضعوا القرن على رأسه، فغلى حين ادّهن منه، ولبس الثّوب فملأه- وكان رجلا مسقامًا مصفارًا- ولم يلبسه أحدٌ من بني إسرائيل إلا تقلقل فيه، فلمّا لبسه داود، تضايق عليه الثّوب حتّى تنقّص، ثمّ مشى إلى جالوت وكان جالوت من أجسم النّاس وأشدّهم فلمّا نظر إلى داود: قذف في قلبه الرّعب منه وقال له: يا فتى ارجع فإنّي أرحمك أن أقتلك فقال داوود: لا، بل أنا أقتلك، وأخرج الحجارة فوضعها في القذّافة، كلّما رفع حجرًا سمّاه فقال، باسم أبي إبراهيم، والثّاني: باسم أبي إسحاق، والثّالث: باسم أبي إسرائيل ثمّ أدار القذّافة، فعادت الأحجار حجرًا واحدًا ثمّ أرسله، فصكّ به بين عيني جالوت، فنقبت رأسه، ثمّ قتله، فلم يزل يقتل كلّ إنسانٍ يصيبه ينفذ منه، حتّى إذا لم يكن بحيالها أحدٌ، فهزمه عند ذلك، وقتل داود جالوت ورجع طالوت فأنكح داود ابنته وأجرى خاتمه في ملكه). [تفسير القرآن العظيم: 1/479]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وآتاه اللّه الملك
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن المفضّل ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: وآتاه يقول: وأعطاه.
[تفسير القرآن العظيم: 2/479]
- حدثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، عن عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه وآتاه اللّه يعني: وأعطاه اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/480]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: الملك والحكمة وعلّمه مما يشاء
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: وآتاه اللّه الملك والحكمة: قال: الحكمة هي النّبوّة، آتاه اللّه نبوّة شمعون.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع بن أنسٍ في قوله: وآتاه اللّه الملك والحكمة وعلّمه ممّا يشاء فصار هو الرّئيس عليهم وأعطوه الطّاعة.
[الوجه الثّاني]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أسباط بن محمّدٍ، عن الهذليّ عن الحسن في قول اللّه عزّ وجلّ الحكمة قال: السّنّة.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو هشامٍ، ثنا ابن وهبٍ حدّثني ابن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال الحكمة: العقل في الدّين). [تفسير القرآن العظيم: 1/480]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو معمرٍ إسماعيل بن إبراهيم بن معمر بن الحسن الهذليّ، ثنا أبو عبيدة الحدّاد، ثنا راشد بن وردان إمام مسجد ابن أبي عروبة عن عمرو بن مالكٍ النّكريّ، عن أبي الجوزاء عن ابن عبّاسٍ، في قوله: ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ قال: يدفع اللّه بمن يصلّي عمّن لا يصلّي، وبمن يحجّ، عمّن لا يحجّ وبمن يزكّي عمّن لا يزكّي.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن عبد اللّه بن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ لفسدت يقول: لولا دفاع اللّه البرّ عن الفاجر، وبقة أخلاف النّاس بعضهم ببعضٍ.
[تفسير القرآن العظيم: 2/480]
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن مهديٍّ، ثنا الفرج بن فضالة، عن ربيعة بن يزيد، قال: لولا ما يدفع اللّه بأهل الحضر عن أهل البدو، لأتاهم العذاب قبلا.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ابنا أصبغ، قال سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، يقول في قول اللّه: ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ قال: لولا القتال والجهاد). [تفسير القرآن العظيم: 1/481]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: لفسدت الأرض
- حدّثنا الحجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
لفسدت الأرض: لهلك أهلها.
وروي عن الرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/481]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله ولكنّ اللّه ذو فضلٍ على العالمين
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا زنيجٌ محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة، قال بن إسحاق ولكنّ اللّه ذو فضلٍ على العالمين أي: منٍّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/481]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لفسدت الأرض يقول لهلك أهلها). [تفسير مجاهد: 114]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {ولولا دفع الله} الآية.
أخرج ابن جرير، وابن عدي بسند ضعيف عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء ثم قرأ ابن عمر {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}.
وأخرج ابن جرير بسند ضعيف، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله ولا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم.
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابنعباس في قوله {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض} قال: يدفع الله بمن يصلي عمن لا يصلي وبمن يحج عمن لا يحج وبمن يزكي عمن لا يزكي.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {ولولا دفع الله الناس} الآية، يقول: ولولا دفاع الله بالبر عن الفاجر ودفعه ببقية أخلاق الناس بعضهم عن بعض لفسدت الأرض بهلاك أهلها
[الدر المنثور: 3/155]
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض} الآية، قال: يبتلي الله المؤمن بالكافر ويعافي الكافر بالمؤمن.
وأخرج ابن جرير عن الربيع {لفسدت الأرض} يقول: لهلك من في الأرض.
وأخرج ابن جرير عن أبي مسلم، سمعت عليا يقول: لولا بقية من المسلمين فيكم لهلكتم.
وأخرج أحمد والحكيم الترمذي، وابن عساكر عن علي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الأبدال بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يسقي بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب، ولفظ ابن عساكر: ويصرف عن أهل الأرض البلاء والغرق.
وأخرج الخلال في كتاب كرامات الأولياء عن علي بن أبي طالب قال: إن الله ليدفع عن القرية بسبعة مؤمنين يكونون فيهم.
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن عن أنس قال: قال رسول
[الدر المنثور: 3/156]
الله صلى الله عليه وسلم لن تخلو الأرض من أربعين رجلا مثل خليل الرحمن فيهم تسقون وبهم تنصرون ما مات منهم أحد إلا أبدل الله مكانه آخر.
وأخرج الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأبدال في أمتي ثلاثون بهم تقوم الأرض وبهم تمطرون وبهم تنصرون.
وأخرج أحمد في الزهد والخلال في كرامات الأولياء بسند صحيح عن ابن عباس قال: ما خلت الأرض من بعد نوح من سبعة يدفع الله بهم عن أهل الأرض.
وأخرج الخلال بسند ضعيف عن ابن عمر قال: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال أربعون رجلا يحفظ الله بهم الأرض كلما مات رجل أبدل الله مكانه آخر فهم في الأرض كلها.
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال أربعون رجلا من أمتي قلوبهم على قلب إبراهيم عليه السلام يدفع الله بهم عن أهل الأرض يقال لهم الأبدال إنهم لن يدركوها بصلاة ولا بصوم ولا بصدقة، قالوا: يا رسول الله فيم أدركوها قال: بالسخاء والنصيحة
[الدر المنثور: 3/157]
للمسلمين.
وأخرج أبو نعيم في الحلية، وابن عساكر عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله عز وجل في الخلق ثلثمائة قلوبهم على قلب آدم عليه السلام ولله في الخلق أربعون قلوبهم على قلب موسى عليه السلام ولله في الخلق سبعة قلوبهم على قلب إبراهيم عليه السلام ولله في الخلق خمسة قلوبهم على قلب جبريل عليه السلام ولله في الخلق ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل عليه السلام ولله في الخلق واحد قلبه على قلب اسرافيل عليه السلام فإذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة وإذا
مات من الثلاثة أبدل الله مكانه من الخمسة وإذا مات من الخمسة أبدل الله مكانه من الشبعة وإذا مات من السبعة أبدل الله مكانه من الأربعين وإذا مات من الأربعين أبدل الله مكانه من الثلثمائة وإذا مات من الثلثمائة أبدل الله مكانه من العامة فبهم يحيي ويميت ويمطر وينبت ويدفع البلاء، قيل لعبد الله بن مسعود: كيف بهم يحيي ويميت قال: لأنهم يسألون الله إكثار الأمم فيكثرون ويدعون على الجبابرة فيقصمون ويستسقون فيسقون ويسألون فينبت لهم الأرض ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء.
وأخرج الطبراني، وابن عساكر عن عوف بن مالك قال: لا تسبوا أهل الشام فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيهم الأبدال بهم تنصرون
[الدر المنثور: 3/158]
وبهم ترزقون.
وأخرج ابن حبان في تاريخه عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لن تخلو الأرض من ثلاثين مثل إبراهيم خليل الله بهم تغاثون وبهم ترزقون وبهم تمطرون.
وأخرج ابن عساكر عن قتادة قال: لن تخلو الأرض من أربعين بهم يغاث الناس وبهم ينصرون وبهم يرزقون كلما مات منهم أحد أبدل الله مكانه رجلا، قال قتادة: والله إني لأرجو أن يكون الحسن منهم.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال: لم يزل على وجه الأرض في الدهر سبعة مسلمون فصاعدا فلولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها
[الدر المنثور: 3/159]
وأخرج ابن جرير عن شهر بن حوشب قال: لم تبق الأرض إلا وفيها أربعة عشر يدفع الله بهم عن أهل الأرض ويخرج بركتها إلا زمن إبراهيم فإنه كان وحده.
وأخرج أحمد بن حنبل في الزهد والخلال في كرامات الأولياء عن ابن عباس قال: ما خلت الأرض من بعد نوح من سبعة يدفع الله بهم عن أهل الأرض.
وأخرج أحمد في الزهد عن كعب قال: لم يزل بعد نوح في الأرض أربعة عشر يدفع الله بهم العذاب.
وأخرج الخلال في كرامات الأولياء عن زاذان قال: ما خلت الأرض بعد نوح من اثني عشر فصاعدا يدفع الله بهم عن أهل الأرض.
وأخرج الجندي في فضائل مكة عن مجاهد قال: لم يزل على الأرض سبعة مسلمون فصاعدا ولولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها
وأخرج الأزرقي في تاريخ مكة عن زهير بن محمد قال: لم يزل على وجه الأرض سبعة مسلمون فصاعدا ولولا ذلك لأهلكت الأرض ومن عليها
[الدر المنثور: 3/160]
وأخرج ابن عساكر عن أبي الزاهرية قال: الأبدال ثلاثون رجلا بالشام بهم تجارون وبهم ترزقون إذا مات منهم رجل أبدل الله مكانه.
وأخرج الخلال في كرامات الأولياء عن إبراهيم النخعي قال: ما من قرية ولا بلدة لا يكون فيها من يدفع الله به عنهم.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء عن أبي الزناد قال: لما ذهبت النبوة وكانوا أوتاد الأرض أخلف الله مكانهم أربعين رجلا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يقال لهم الأبدال لا يموت الرجل منهم حتى ينشى ء الله مكانه آخر يخلفه وهم أوتاد الأرض قلوب ثلاثين منهم على مثل يقين إبراهيم لم يفضلوا الناس بكثرة الصلاة ولا بكثرة الصيام ولكن بصدق الورع وحسن النية وسلامة القلوب والنصيحة لجميع المسلمين.
وأخرج البخاري ومسلم، وابن ماجة عن معاوية بن أبي سفيان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس.
وأخرج مسلم والترمذي، وابن ماجة عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم
[الدر المنثور: 3/161]
حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك.
وأخرج البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون.
وأخرج ابن ماجة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله عز وجل لا يضرها من خالفها.
وأخرج الحاكم وصححه عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة.
وأخرج مسلم والحاكم وصححه، عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال هذا الدين قائما يقاتل عليه المسلمون حتى تقوم الساعة.
وأخرج ابو داود والحاكم وصححه عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال
[الدر المنثور: 3/162]
وأخرج الترمذي وصححه، وابن ماجة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة.
وأخرج ابن جرير والحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي منبه الخولاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله، وفي لفظ: لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته.
وأخرج مسلم عن عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تاتيهم الساعة وهم على ذلك.
وأخرج مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة.
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن ابي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال إن الله يبعث لهذه الأمة على راس كل مائة سنة من يجدد لها دينها
[الدر المنثور: 3/163]
وأخرج الحاكم في مناقب الشافعي عن الزهري قال: فلما كان في رأس المائة من الله على هذه الأمة بعمر بن عبد العزيز.
وأخرج البيهقي في المدخل والخطيب من طريق أبي بكر المروزي قال: قال أحمد بن حنبل: إذا سئلت عن مسألة لا أعرف فيها خبرا قلت فيها بقول الشافعي لأنه ذكر في الخبر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم إن الله يقيض في رأس كل مائة سنة من يعلم الناس السنن وينفي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم الكذب فنظرنا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز وفي رأس المائتين الشافعي.
وأخرج النحاس عن سفيان بن عينية قال: بلغني أنه يخرج في كل مائة سنة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من العلماء يقوي الله عز وجل به الدين وإن يحيى بن آدم عندي منهم.
وأخرج الحاكم في مناقب الشافعي عن أبي الوليد حسان بن محمد الفقيه قال: سمعت شيخا من أهل العلم يقول لأبي العباس بن سريج: أبشر أيها القاضي فإن الله من المؤمنين بعمر عبد العزيز على رأس المائة فأظهر كل سنة وأمات كل بدعة ومن الله على رأس المائتين بالشافعي حتى أظهر السنة وأخفى البدعة ومن الله على رأس الثلمثائة بك حتى قويت كل سنة وضعفت كل بدعة). [الدر المنثور: 3/164]

تفسير قوله تعالى: (تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {تلك آيات اللّه نتلوها عليك بالحقّ وإنّك لمن المرسلين}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {تلك آيات اللّه} هذه الآيات الّتي اقتصّ اللّه فيها أمر الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت، وأمر الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى الّذين سألوا نبيّهم أن يبعث لهم طالوت ملكًا وما بعدها من الآيات إلى قوله: {ولكنّ اللّه ذو فضلٍ على العالمين}.
ويعني بقوله: {آيات اللّه} حججه وأعلامه وأدلّته.
[جامع البيان: 4/518]
يقول اللّه تعالى ذكره: فهذه الحجج الّتي أخبرتك بها يا محمّد، وأعلمتك من قدرتي على إماتة من هرب من الموت في ساعةٍ واحدةٍ وهم ألوفٌ، وإحيائي إيّاهم بعد ذلك، وتمليكي طالوت أمر بني إسرائيل، بعد إذ كان سقّاءً، أو دبّاغًا من غير أهل بيت المملّكة، وسلبي ذلك إيّاه بمعصيته أمري، وصرفي ملكه إلى داود لطاعته إيّاي، ونصرتي أصحاب طالوت، مع قلّة عددهم، وضعف شوكتهم على جالوت وجنوده، مع كثرة عددهم، وشدّة بطشهم؛ حججٌى على من جحد نعمتي، وخالف أمري، وكفر برسولي من أهل الكتابين التّوراة، والإنجيل، العالمين بما اقتصصت عليك من الأنباء الخفيّة، الّتي يعلمون أنّها من عندي لم تتخرّصها ولم تتقوّلها أنت يا محمّد، لأنّك أمّيّ، ولست ممّن قرأ الكتب، فيلتبس عليهم أمرك، ويدّعوا أنّك قرأت ذلك فعلمته من بعض أسفارهم، ولكنّها حججي عليهم أتلوها عليك يا محمّد بالحقّ اليقين كما كان، لا زيادة فيه، ولا تحريف، ولا تغيير شيءٍ منه عمّا كان. {وإنّك} يا محمّد {لمن المرسلين} يقول: إنّك لمرسلٌ متّبعٌ في طاعتي، وإيثار مرضاتي على هواك، فسالكٌ في ذلك من أمرك سبيل من قبلك من رسلي الّذين أقاموا على أمري، وآثروا رضاي على هواهم، ولم تغيّرهم الأهواء، ومطامع الدّنيا كما غيّر طالوت هواه، وإيثاره ملكه، على ما عندي لأهل ولايتي، ولكنّك مؤثرٌ أمري كما آثره المرسلون الّذين قبلك). [جامع البيان: 4/519]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (تلك آيات اللّه نتلوها عليك بالحقّ وإنّك لمن المرسلين (252)
قوله تعالى: تلك آيات اللّه نتلوها عليك بالحقّ وإنّك لمن المرسلين
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، نثا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، قوله: تلك يعني: هذه). [تفسير القرآن العظيم: 1/481]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: آيات الله
- حدثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: آيات اللّه يعني: القرآن.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن عبيد اللّه، ثنا عبد اللّه بن المبارك في قوله تلك آيات الله قال: القرآن). [تفسير القرآن العظيم: 2/481]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: نتلوها عليك بالحقّ
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن أبي الرّبيع، ثنا ابن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق، قوله: عليك بالحقّ يقول: بالفضل.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة، عن ابن إسحاق عليك بالحقّ بالصّدق). [تفسير القرآن العظيم: 1/482]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى وإنّك لمن المرسلين
- حدّثنا أبي، ثنا إسحاق بن موسى الخطميّ، ثنا يونس بن بكيرٍ عن ابن إسحاق، عن حسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال كتب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى يهودٍ: من محمّدٍ رسول اللّه، أخي موسى وصاحبه، بعثه اللّه بما بعثه، أنشدكم باللّه، وبما أنزل على موسى، يوم طور سيناء، وفلق لكم البحر فأنجاكم، وأهلك عدوّكم، وأطعمكم المنّ والسّلوى، وظلّل عليكم الغمام، هل تجدون في كتابكم، أنّي رسول اللّه إليكم كافّةً؟ فإن كان ذلك كذلك، فاتّقوا اللّه وأسلموا. وإن لم يكن عندكم، فلا تباعة عليكم.
- حدثنا محمد بن نحيى، ثنا العبّاس بن الوليد النّرسيّ، ثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة، قال: أرسل اللّه محمّدًا إلى العرب والعجم، فأكرمكم على الله، أطوعهم لله). [تفسير القرآن العظيم: 1/482]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م, 07:29 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فشربوا منه إلاّ قليلاً مّنهم...}
وفي إحدى القراءتين: "إلا قليلٌ منهم".
والوجه في (إلاّ) أن ينصب ما بعدها إذا كان ما قبلها لا جحد فيه، فإذا كان ما قبل إلاّ فيه جحد جعلت ما بعدها تابعا لما قبلها؛ معرفة كان أو نكرة.
فأمّا المعرفة: فقولك ما ذهب الناس إلا زيد.
وأمّا النكرة: فقولك ما فيها أحدٌ إلاّ غلامك، لم يأت هذا عن العرب إلا بإتباع ما بعد إلا ما قبلها.
وقال الله تبارك تعالى: {ما فعلوه إلاّ قليل منهم} لأن في {فعلوه} اسما معرفة، فكان الرفع الوجه في الجحد الذي ينفي الفعل عنهم، ويثبته لما بعد إلاّ.
وهي في قراءة أبيّ "ما فعلوه إلا قليلا" كأنه نفى الفعل وجعل ما بعد إلاّ كالمنقطع عن أوّل الكلام؛ كقولك: ما قام القوم، اللهم إلاّ رجلا.

فإذا نويت الانقطاع نصبت وإذا نويت الاتّصال رفعت.
ومثله قوله: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس} فهذا على هذا المعنى،
ومثله: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقيّةٍ ينهون عن الفساد في الأرض} ثم قال: {إلا قليلا ممن أنجينا منهم} فأوّل الكلام - وإن كان استفهاما - جحد؛ لأن لولا بمنزلة هلاّ؛ ألا ترى أنك إذا قلت للرجل: (هلاّ قمت) أنّ معناه: لم تقم. ولو كان ما بعد (إلاّ) في هاتين الآيتين رفعا على نيّة الوصل لكان صوابا؛
مثل قوله: {لو كان فيهما آلهة إلاّ اللّه لفسدتا} فهذا نيّة وصل؛ لأنه غير جائز أن يوقف على ما قبل (إلا).

وإذا لم تر قبل (إلا) اسما فأعمل ما قبلها فيما بعدها فتقول: (ما قام إلا زيد) رفعت (زيدا) لإعمالك (قام)؛ إذ لم تجد (قام) اسما بعدها، وكذلك: ما ضربت إلا أخاك، وما مررت إلا بأخيك.
وإذا كان الذي قبل (إلا) نكرة مع جحد فإنك تتبع ما بعد إلا ما قبلها؛ كقولك: ما عندي أحد إلاّ أخوك فإن قدّمت إلاّ نصبت الذي كنت ترفعه؛ فقلت: ما أتاني ألا أخوك أحد. وذلك أن (إلاّ) كانت مسوقة على ما قبلها فاتّبعه، فلما قدّمت فمنع أن يتبع شيئا هو بعدها فاختاروا الاستثناء.
ومثله قول الشاعر:

لميّة موحشاً طللٌ * يلوح كأنه خلل
المعنى: لمية طلل موحش، فصلح رفعه لأنه أتبع الطلل، فلمّا قدّم لم يجز أن يتبع الطلل وهو قبله.
وقد يجوز رفعه عل أن تجعله كالاسم يكون الطلل ترجمة عنه؛ كما تقول: عندي خراسانيّةٌ جاريةٌ، والوجه النصب في خراسانية. ومن العرب من يرفع ما تقدّم في إلاّ على هذا التفسير. قال: وأنشدونا:

بالثنى أسفل من جمّاء ليس له * إلاّ بنيه وإلا عرسه شيع
وينشد: إلا بنوه وإلاّ عرسه. وأنشد أبو ثروان:
ما كان منذ تركنا أهل أسمنةٍ * إلا الوجيف لها رعىٌ ولا علف
ورفع غيره.
وقال ذو الرّمة:

مقزّعٌ أطلس الأطمار ليس له * إلا الضراء وإلا صيدها نشب
ورفعه على أنه بنى كلامه على: ليس له إلا الضراء وإلا صيدها، ثم ذكر في آخر الكلام (نشب) ويبيّنه أن تجعل موضعه في أوّل الكلام.
{كم مّن فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةًً} وفي قراءة أبيّ "كأيّن من فئةٍ قليلة غلبت" وهما لغتان.
وكذلك {وكأيّن من نبي} هي لغات: كلّها معناهنّ معنى كم. فإذا ألقيت (من) كان في الاسم النكرة النصب والخفض.
من ذلك قول العرب: كم رجلٍ كريم قد رأيت، وكم جيشا جرّارا قد هزمت. فهذان وجهان، ينصبان ويخفضان والفعل في المعنى واقع. فإن كان الفعل ليس بواقع وكان للاسم جاز النصب أيضا
والخفض. وجاز أن تعمل الفعل فترفع به النكرة، فتقول: كم رجلٌ كريمٌ قد أتاني، ترفعه بفعله، وتعمل فيه الفعل إن كان واقعا عليه؛ فتقول: كم جيشا جرّارا قد هزمت، نصبته بهزمت. وأنشدوا قول الشاعر:
كم عمّة لك يا جرير وخالة * فدعاء قد حلبت عليّ عشاري
رفعا ونصبا وخفضا، فمن نصب قال: كان أصل كم الاستفهام، وما بعدها من النكرة مفسّر كتفسير العدد، فتركناها في الخبر على جهتها وما كانت عليه في الاستفهام؛ فنصبنا ما بعد (كم) من النكرات؛ كما تقول: عندي كذا وكذا درهما، ومن خفض قال: طالت صحبة من للنكرة في كم، فلمّا حذفناها أعملنا إرادتها، فخفضنا، كما قالت العرب إذا قيل لأحدهم: كيف أصبحت؟ قال: خيرٍ عافاك الله، فخفض، يريد: بخير. وأمّا من رفع فأعمل الفعل الآخر، [و] نوى تقديم الفعل كأنه قال: كم قد أتاني رجل كريم.
وقال امرؤ القيس:

تبوص وكم من دونها من مفازةٍ * وكم أرض جدب دونها ولصوص
فرفع على نيّة تقديم الفعل. وإنما جعلت الفعل مقدّما في النية لأن النكرات لا تسبق أفاعيلها؛ ألا ترى أنك تقول: ما عندي شيء، ولا تقول ما شيء عندي). [معاني القرآن: 1/166-169]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مبتليكم بنهرٍ}: مختبركم.
{غرفةً} الغرفة مصدر، والغرفة: ملء الكف.
{يظنّون أنّهم ملاقوا الله} يوقنون.
{فئةٍ}: جماعة). [مجاز القرآن: 1/77]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة أهل المدينة {إن الله مبتليكم بنهر} بتحرك الهاء.
[معاني القرآن لقطرب: 272]
الحسن وأبو عمرو "بنهر" يسكنان الهاء، كما قالوا: اللحم واللحم، والفحم والفحم، والشعر والشعر؛ وكذلك ما كان ثانيه أحد الحروف الستة يخفف ويحرك، وذلك: الهمزة، والهاء، والحاء والعين، والغين، والخاء؛ حروف الحلق، تفتح هذه الحروف لانفتاحها في الحلق؛ فاتسع مخرجها.
أبو عمرو {إلا من اغترف غرفة بيده}.
الحسن {غرفة}؛ وكأن الغرفة واحدة، مثل ضربه ضربة؛ وكأن الغرفة اسم مثل: الحسوة والخطوة). [معاني القرآن لقطرب: 273]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {كم من فئة قليلة} فإنهم يقولون: فئة وفيئة بياء بعدها همزة، وفئية بهمزة بعدها ياء.
قال أبو علي: وهي عندنا من فاء يفيء فيئًا وفيوءًا؛ أي رجع؛ كما يفيء الظل؛ وأفاء إفاءة، وذلك قول الله عز وجل {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} ). [معاني القرآن لقطرب: 372]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({يظنون أنهم ملاقو الله}: يستيقنون.
{الفئة}: الجماعة). [غريب القرآن وتفسيره: 95]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({مبتليكم بنهرٍ} أي: مختبركم.
{قال الّذين يظنّون أنّهم ملاقو اللّه} أي: يعلمون {كم من فئةٍ} الفئة: الجماعة). [تفسير غريب القرآن:92-93]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فلمّا فصل طالوت بالجنود قال إنّ اللّه مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس منّي ومن لم يطعمه فإنّه منّي إلّا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلّا قليلا منهم فلمّا جاوزه هو والّذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الّذين يظنّون أنّهم ملاقو اللّه كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن اللّه واللّه مع الصّابرين}
{إنّ اللّه مبتليكم بنهر} معناه: مختبركم وممتحنكم بنهر، وهذا لا يجوز أن يقوله إلا نبي، لأن اللّه عزّ وجلّ قال: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا (26) إلّا من ارتضى من رسول} ومعنى الاختبار بهذا النهر: كان ليعلم طالوت من له نيّة القتال معه ومن ليست له نيّة. فقال: {فمن شرب منه فليس مني} أي: ليس من أصحابي ولا ممن تبعني، ومن لم يطعمه.
{ومن لم يطعمه فإنه منّي} أي: لم يتطعم به.
{إلّا من اغترف غرفة بيده}، غرفة وغرفة قرئ بهما جميعا فمن قال غرفة كان معناه غرفة واحدة باليد.
ومن قال غرفة كان معناه مقدار ملء اليد.
ومعنى {فشربوا منه إلا قليلا منهم}: شربوا منه ليرجعوا عن الحرب، لأنه قد أعلمهم ذلك.
وذكر في التفسير: أن القليل الذين لم يشربوا كان عدتهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا كعدد أهل بدر.
وقوله عزّ وجلّ؛ {فلمّا جاوزه} أي: جاوز النهر هو والّذين معه.
قيل لما رأوا قلتهم، قال بعضهم لبعض: {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} أي: لا قوة، يقال أطقت الشيء إطاقة وطوقا، مثل أطعت طاعة وإطاعة وطوعا.
وقوله عزّ وجلّ: {قال الّذين يظنّون أنّهم ملاقو اللّه} قيل فيه قولان:
1- قال بعضهم وهو مذهب أهل اللغة - قال الذين يوقنون أنهم ملاقو اللّه قالوا ولو كانوا شاكين لكانوا ضلالا كافرين وظننت في اللغة بمعنى أيقنت موجود.

قال الشاعر - وهو دريد:
فقلت لهم ظنّوا بألفي مدجّج... سراتهم في الفارسيّ المسرّد
أي أيقنوا.
2- وقال أهل التفسير: معنى {يظنّون أنّهم ملاقو اللّه} أي: أنهم كانوا يتوهمون أنهم في هذه الموقعة يقتلون في سبيل الله لقلّة عددهم، وعظم عدد عدوهم وهم أصحاب جالوت.
وقوله عزّ وجلّ: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن اللّه} أي: كم من فرقة، وإنما قيل للفرقة فئة - من قولهم فأوت رأسه بالعصا.
وفأيت إذا شققته، فالفئة الفرقة من هذا.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه مع الصّابرين} أي: أن اللّه ينصر الصّابرين، إذا صبروا على طاعته، وما يزلف عنده). [معاني القرآن: 1/330-332]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إن الله مبتليكم بنهر} معناه: مختبركم والفائدة في ذلك أن يعلم من يقاتل ممن لا يقاتل.
قال عكرمة وقتادة: هو نهر بين الأردن وفلسطين.
وقال قتادة: كان الكفار يشربون فلا يرون وكان المسلمون يغترفون غرفة فيجزئهم ذلك.
قال أبو جعفر: الغرفة في اللغة: ملء الكف أو المغرفة والغرفة الفعلة الواحدة.
ومعنى {فإنه مني}: فإنه من أصحابي
وحكى سيبويه أنت مني فرسخين
ثم قال تعالى: {فشربوا منه إلا قليلا منهم}
روى أبو إسحاق عن البراء كنا نتحدث أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر كانوا ثلاث مائة وبضعة عشر على عدة أصحاب طالوت ممن جاز معه النهر يوم جالوت وما جاز معه إلا مؤمن فلما جازوه يعني النهر ورأوا كثرة أصحاب جالوت وقلتهم قالوا: {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} {قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله} أي: يوقنون
وقيل يتوهمون أنهم يقتلون في هذه الواقعة لقلتهم
و{الفئة}: الفرقة من فأوت رأسه وفاأيته). [معاني القرآن: 1/252-254]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والطاقة: القوة). [ياقوتة الصراط: 181]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({مبتليكم بنهر} مختبركم وممتحنكم به). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 42]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَظُنُّونَ}: يوقنون.
{فِئَةٍ}: جماعة). [العمدة في غريب القرآن: 92]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أفرغ علينا صبراً}: أنزل علينا). [مجاز القرآن: 1/77]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({أفرغ علينا صبرا}: أنزل والإفراغ الصب. يقال أفرغ عليك الماء وأفرغ عليك الكوز). [غريب القرآن وتفسيره: 96]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أفرغ علينا صبراً} أي: صبّه علينا، كما يفرغ الدّلو). [تفسير غريب القرآن: 93]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولمّا برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربّنا أفرغ علينا صبرا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين}
{ربّنا أفرغ علينا صبرا} أي: أصبب علينا الصبر صبّا، كما تقول: أفرغت الإناء إذا صببت ما فيه). [معاني القرآن: 1/332]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({أَفْرِغْ}: صُبَّ). [العمدة في غريب القرآن: 92]

تفسير قوله تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فهزموهم بإذن اللّه وقتل داود جالوت وآتاه اللّه الملك والحكمة وعلّمه ممّا يشاء ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ لفسدت الأرض ولكنّ اللّه ذو فضلٍ على العالمين}
قال: {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ} فنصبت {النّاس} على إيقاعك الفعل بهم ثم أبدلت منهم {بعضهم} للتفسير). [معاني القرآن: 1/148]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {ولولا دفاع الله}.
أبو عمرو {دفع الله} ). [معاني القرآن لقطرب: 273]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{فهزموهم بإذن اللّه وقتل داوود جالوت وآتاه اللّه الملك والحكمة وعلّمه ممّا يشاء ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكنّ اللّه ذو فضل على العالمين}
{فهزموهم بإذن اللّه}معناه: كسروهم وردوهم،
وأصل الهزم في اللغة: كسر الشيء، وثنى بعضه على بعض، يقال سقاء مهزوم، إذا كان بعضه قد ثنى على بعض مع جفاف، وقصب متهزّم، ومهزوم، قد كسر وشقق، والعرب تقول هزمت على زيد أي عطفت عليه.

قال الشاعر:
هزمت عليك اليوم يا بنت مالك... فجودي علينا بالنوال وأنعمي
ويقال: سمعت هزمة الرعد
قال الأصمعي: كأنه صوت فيه تشقق: وقوله عزّ وجلّ: {وآتاه اللّه الملك والحكمة} أي: آتى داود - عليه السلام - الملك لأنه ملك بعد قتله جالوت وأوتي العلم.
ومعنى {وعلّمه ممّا يشاء}: قيل ممّا علّمه عمل الدروع، ومنطق الطير.
وقوله عزّ وجلّ: {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} أي: لولا ما أمر الله به المسلمين من حرب الكافرين لفسدت الأرض وقيل أيضا: لولا دفع اللّه الكافرين بالمسلمين لكثر الكفر فنزلت بالناس السخطة واستؤصل أهل الأرض.
ويجوز {ولولا دفع اللّه}، ولولا دفاع اللّه.
ونصب {بعضهم} بدلا من الناس، المعنى: ولولا دفع اللّه بعض الناس ببعض، و (دفع) مرفوع بالابتداء، وقد فسرنا هذا فيما مضى). [معاني القرآن: 1/332-333]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): ({فهزموهم} أي: كسروهم وردوهم يقال سقاء مهزوم إذا كان منثنيا جافا). [معاني القرآن: 1/254]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: يقول لولا دفع الله بالمؤمنين الفجار ودفعه بتقية أخلاق الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض بهلاك أهلها.
قال أبو جعفر: وهذا الذي عليه أكثر أهل التفسير، أي: لولا أن الله يدفع بمن يصلي عن من لا يصلي وبمن يتقي عن من لا يتقي لأهلك الناس بذنوبهم.
وقيل لولا أن الله أمر بحرب الكفار لعم الكفر فأهلك جميع الناس
وذا راجع إلى الأول
وقيل لولا أن الله أمر بحرب الكفار لكان إفسادهم على المسلمين أكثر
ويقرأ {ولولا دفاع الله}
حكى أبو حاتم أن العرب تقول: أحسن الله عنك الدفاع والمدافعة مثل ناولتك الشيء). [معاني القرآن: 1/255-256]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {تلك آيات اللّه نتلوها عليك بالحقّ وإنّك لمن المرسلين} أي: هذه الآيات التي أنبأت بها وأنبئت، آيات الله، أي: علاماته التي تدل على توحيده، وتثبيت رسالات أنبيائه، إذ كان يعجز عن الإتيان بمثلها المخلقون.
وقوله عزّ وجل: {وإنّك لمن المرسلين} أي: وأنت من هؤلاء الذين قصصت آياتهم، لأنك قد أعطيت من الآيات مثل الذي أعطوا وزدت على ما أعطوا.
ونحن نبين ذلك في الآية التي تليها إن شاء اللّه). [معاني القرآن: 1/333]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 2 جمادى الآخرة 1434هـ/12-04-2013م, 11:52 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)}
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت: 206هـ): (وهذا ما يذكر من تسمية الأيّام
فاليوم ليومك الذي أنت فيه. وأمس: اليوم الذي أمضيت). [الأزمنة: 31] (م)
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (و«الغُرفة» المغروف، و«الغَرْفَة» المرة الواحدة). [المذكور والمؤنث: 107]
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (أسماء المياه
النَّهْر والنَّهَر وجماعة الأنهار وهو نَهْر إن صغر أو عظم). [كتاب المطر: 16]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (وغَرْفة وغُرْفة أي: الجرعة). [إصلاح المنطق: 114]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب المستثنى من المنفي
تقول: ما جاءني أحد إلا زيد، وإلا زيداً. أما النصب فعلى ما فسرت لك، وأما الرفع فهو الوجه لما أذكره لك إن شاء الله.
تقول: ما جاءني أحد إلا زيد. فتجعل زيد بدلاً من أحد، فيصير التقدير ما جاءني إلا زيد؛ لأن البدل يحل محل البدل منه.
ألا ترى أن قولك: مررت بأخيك زيد، إنما هو بمنزلة قولك: مررت بزيد؛ لأنك لما رفعت الأخ قام زيد مقامه. فعلى هذا قلت: ما جاءني أحد إلا زيد.
فإن قال قائل: فما بال زيد موجباً، وأحد كان منفياً، ألا حل محله؟
قيل: قد حل محله في العامل، وإلا لها معناها.
ولو قلت: جاءني إخوتك إلا زيداً لم يجز إلا النصب؛ لأنك لو حذفت الإخوة بطل الكلام، وذلك أنه كان يكون: جاءني إلا زيد. فلا يقع الاستثناء على شيء، فمن ثم بطل لفظ إلا من النصب لفساد البدل.
فمن ذلك قول الله عز وجل: {ما فعلوه إلا قليل منهم} لأنك لو قدرته على حذف الضمير، وهو الواو في فعلوه لكان: ما فعله إلا قليل منهم.
وقال في الإيجاب: {فشربوا منه إلا قليلاً منهم} وقال: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس}.
وأما قوله عز وجل: {ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك} و(امرأتك)، فالوجهان جائزان جيدان.
فمن قال: (إلا امرأتك) فهو مستثنى من يلتفت، وكأنه قال: ولا يلتفت إلا امرأتك. ويجوز هذا النصب على غير هذا الوجه، وليس بالجيد، على ما أعطيتك في أول الباب جودة النصب على قوله: (فأسر بأهلك إلا امرأتك). فلا يجوز إلا النصب على هذا القول لفساد البدل لو قيل: أسر إلا بامرأتك لم يجز. فإنما باب الاستثناء إذا استغنى الفعل بفاعله، أو الابتداء بخبره النصب، إلا أن يصلح البدل، فيكون أجود، والنصب على حاله في الجواز. وإنما كان البدل أجود؛ لأنه في اللفظ والمعنى، والنصب بالاستثناء إنما هو للمعنى لا للفظ). [المقتضب: 4/ 394-396] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): ({كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين}
...
قوله: {كم من فئة} فهي الجماعة، وهي مهموزة، وتخفيف الهمز في هذا الموضع أن تقلب الهمزة ياءً، وإن كانت قبلها ضمة وهي مفتوحة قلبتها واوًا نحو جؤنٍ تقول جونٌ). [الكامل: 2/ 507]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (فإن قال قائل: إن معنى قول الله عز وجل: {قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله}، يظنون أنهم ملاقو ثواب الله، كان ذلك جائزا. والظن بمعنى الشك.
ولا يبطل بهذا التأويل قول من جعل الظن يقينا، لأن قوله: {أنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض}، لا يحتمل معنى الشك، والظنة عند العرب: الشك، ولا تجعل في الموضع الذي يراد به اليقين، قال الشاعر:


إن الحماة أولعت بالكنه ...... وأبـــــت الـكــنــة إلا ظــنـــه
والظنون أيضا لا يستعمل إلا في معنى التهمة والضعف، قال الشاعر:


ألا أبلـغ لديـك بنـي تميـم ...... وقد يأتيك بالرأي الظنون


أي: المتهم أو الضعيف. ويقال في جمع الظنة الظنائن، قال الشاعر:


تفرق منا من نحب اجتماعه ...... وتجمع منا بين أهل الظنائـن


ويروى:


تباعد منا من نحب اجتماعه ...... وتــجــمـــع مــــنــــا ... ... ...



ولا يجمع من هذا الباب على «فعائل» إلا ما كان فيه إدغام أو اعتلال؛ كقولهم: حاجة وحوائج؛ قال الشاعر، أنشده الفراء:


بـــدأن بــنــا لا راجــيــات لـرجـعــة ...... ولا يائسات من قضاء الحوائج



وأنشد أبو العباس:


إن الحـوائـج ربـمـا أزرى بـهــا ...... عند الذي تقضي به تطويلها



وأكثر ما تقول العرب في جمع الحاجة: حاجات وحاج وحوج، أنشد الفراء:


إلا ليت سوقا بالكناسة لم يكن ...... إلـيـهـا لـحــاج المسـلـمـيـن طــريــق



أراد لحوائج المسلمين. وأنشد أبو عبيدة:


ومـرسـل ورســـول غـيــر مـتـهـم ...... وحاجة غير مزجاة من الحاج



أراد غير ناقصة من الحوائج، والمزجاة المسوقة، تقول: أزجيت مطيتي أي سقتها، قال الله عز وجل: {ببضاعة مزجاة}. وقال الآخر: يهجو عبد الله بن الزبير:


أرى الحاجات عند أبي خبيب ...... نــــكـــــدن ولا أمــــيـــــة بـــالـــبـــلاد



وقال الآخر:


تموت مع المرء حاجاته ...... وتبقى له حاجـة مـا بقـي



وأنشد الفراء:


لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي ...... وعــن حــوج قضـاؤهـا مــن شفائـيـا



قضاؤها مصدر، من القضاء، بمنزلة الكذاب من الكذب). [كتاب الأضداد: 18-21] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (قال: وسأل الحجاج رجلاً قدم عليه من السند عن ابن عمٍ له كان واليًا فقال: كيف رأيتم فلانًا. فأثنى عليه: ثم قال: إلا أنه قال يومًا على المنبر: أطعموني ماءً. يعيبه بذلك. فقال الحجاج: قال الله جل وعز: {فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني}.
وقال الرستمي: فتىً وفتيان وفتو وفتية ومن قال فتو بناه على المصدر والمصدر الفتوة وإنما قيل بالواو لأن مصادر ذوات الواو على الفعولة قليلة فحملت مصادر ذوات الياء على مصادر ذوات الواو.
وقوله طعامهم خضر المزاد يقول طال سفرهم فاخضر مزادهم وصار عليه شبيه بالطحلب. وإنما كان ينبغي أن يقول شرابهم خضر المزاد فقال: طعامهم والطعام ههنا الشرب بعينه يقال طعمت ماءً أي شربته قال الله عز وجل: {من لم يطعمه فإنه مني}. أي من لم يشربه فجمع بين الطعام والشراب كقول العجاج وقد تقدم). [شرح المفضليات: 819]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (قال الأصمعي: أراد باللحم اللبن: وقال: نطعمها ولم يقل نسقيها كقول الله جل وعز: {ومن لم يطعمه فإنه مني}). [شرح المفضليات: 839]


تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)}

تفسير قوله تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)}

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)}


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 02:38 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 02:39 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 02:39 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 02:39 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فلمّا فصل طالوت بالجنود قال إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ فمن شرب منه فليس منّي ومن لم يطعمه فإنّه منّي إلاّ من اغترف غرفةً بيده فشربوا منه إلاّ قليلاً منهم }
قبل هذه الآية متروك من اللفظ يدل معنى ما ذكر عليه، وهو فاتفق بنو إسرائيل على طالوت ملكا وأذعنوا وتهيؤوا لغزوهم عدوهم فلما فصل، وفصل معناه خرج بهم من القطر، وفصل حال السفر من حال الإقامة، قال السدي وغيره: «كانوا ثمانين ألفا».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ولا محالة أنهم كان فيهم المؤمن والمنافق والمجد والكسلان»، وقال وهب بن منبه: «لم يتخلف عنه إلا ذو عذر من صغر أو كبر أو مرض».
واختلف المفسرون في النهر، فقال وهب بن منبه: «لما فصل طالوت قالوا له إن المياه لا تحملنا فادع الله يجر لنا نهرا، فقال لهم طالوت إنّ اللّه مبتليكم الآية»، وقال قتادة: «النهر الذي ابتلاهم الله به هو نهر بين الأردن وفلسطين»، وقاله ابن عباس، وقال أيضا هو والسدي: «النهر نهر فلسطين»، وقرأ جمهور القراء «بنهر» بفتح الهاء، وقرأ مجاهد وحميد الأعرج وأبو السمال وغيرهم «بنهر» بإسكان الهاء في جميع القرآن، ومعنى هذا الابتلاء أنه اختبار لهم، فمن ظهرت طاعته في ترك الماء علم أنه يطيع فيما عدا ذلك، ومن غلب شهوته في الماء وعصى الأمر فهو بالعصيان في الشدائد أحرى، وروي أنهم أتوا النهر وهم قد نالهم عطش وهو في غاية العذوبة والحسن، ولذلك رخص للمطيعين في الغرفة ليرتفع عنهم أذى العطش بعض الارتفاع، وليكسروا نزاع النفس في هذه الحال إلى الاغتراف بالأيدي لنظافته وسهولته، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «الأكف أنظف الآنية». ومنه قول الحسن رحمه الله:
لا يدلفون إلى ماء بآنية ....... إلّا اغترافا من الغدران بالرّاح
وظاهر قول طالوت إنّ اللّه مبتليكم هو أن ذلك بوحي إلى النبي وإخبار من النبي لطالوت، ويحتمل أن يكون هذا مما ألهم الله طالوت إليه فجرب به جنده، وجعل الإلهام ابتلاء من الله لهم، وهذه النزعة واجب أن تقع من كل متولي حرب، فليس يحارب إلّا بالجند المطيع، ومنه قول معاوية: «عليّ في أخبث جند وأعصاه وأنا في أصح جند وأطوعه»، ومنه قول علي رضي الله عنه: «أفسدتم عليّ رأيي بالعصيان»، وبين أن الغرفة كافة ضرر العطش عند الحزمة الصابرين على شظف العيش الذين هممهم في غير الرفاهية، كما قال عروة: [الطويل] وأحسو قراح الماء والماء بارد فيشبه أن طالوت أراد تجربة القوم، وقد ذهب قوم إلى أن عبد الله بن حذافة السهمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمر أصحابه بإيقاد النار والدخول فيها تجربة لطاعتهم، لكنه حمله مزاحه على تخشين الأمر الذي كلفهم.
وقوله: {فليس منّي} أي ليس من أصحابي في هذه الحرب، ولم يخرجهم بذلك عن الإيمان، ومثل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا، ومن رمانا بالنبل فليس منا، وليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود»، وفي قوله تعالى: {ومن لم يطعمه} سد للذرائع لأن أدنى الذوق يدخل في لفظ الطعم، فإذا وقع النهي عن الطعم فلا سبيل إلى وقوع الشرب ممن يتجنب الطعم. ولهذه المبالغات لم يأت الكلام، ومن لم يشرب منه. وقرأ أبو عمرو ونافع وابن كثير «غرفة» بفتح الغين. وهذا على تعدية الفعل إلى المصدر. والمفعول محذوف، والمعنى إلا من اغترف ماء غرفة، وقرأ الباقون «غرفة» بضم الغين وهذا على تعدية الفعل إلى المفعول به، لأن الغرفة هي العين المغترفة. فهذا بمنزلة إلّا من اغترف ماء، وكان أبو علي يرجح ضم الغين، ورجحه الطبري أيضا من جهة أن «غرفة» بالفتح إنما هو مصدر على غير اغتراف، ثم أخبر تعالى عنهم أن الأكثر شرب وخالف ما أريد منه، وروي عن ابن عباس وقتادة وغيرهما: «أن القوم شربوا على قدر يقينهم. فشرب الكفار شرب الهيم، وشرب العاصون دون ذلك، وانصرف من القوم ستة وسبعون ألفا، وبقي بعض المؤمنين لم يشرب شيئا، وأخذ بعضهم الغرفة، فأما من شرب فلم يرو، بل برّح به العطش، وأما من ترك الماء فحسنت حاله وكان أجلد ممن أخذ الغرفة».
قوله عز وجل: {... فلمّا جاوزه هو والّذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الّذين يظنّون أنّهم ملاقوا اللّه كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن اللّه واللّه مع الصّابرين (249)}
«جاوز» فاعل من جاز يجوز. وهي مفاعلة من اثنين في كل موضع. لأن النهر وما أشبهه كأنه يجاوز. واختلف الناس في الّذين آمنوا معه كم كانوا؟ فقال البراء بن عازب: «كنا نتحدث أن عدة أهل بدر كعدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا»، وفي رواية: «وثلاثة عشر رجلا»، وما جاوز معه إلا مؤمن، وقال قتادة: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر: «أنتم كعدة أصحاب طالوت»، وقال السدي وابن عباس: «بل جاوز معه أربعة آلاف رجل»، قال ابن عباس: «فيهم من شرب»، قالا: «فلما نظروا إلى جالوت وجنوده قالوا: لا طاقة لنا اليوم، ورجع منهم ثلاثة آلاف وستمائة وبضعة وثمانون»، هذا نص قول السدي ومعنى قول ابن عباس، فعلى القول الأول قالت الجملة: لا طاقة لنا اليوم، على جهة استكثار العدو. فقال أهل الصلابة منهم والتصميم والاستماتة: {كم من فئةٍ قليلةٍ} الآية، وظن لقاء الله على هذا القول يحسن أن يكون ظنا على بابه، أي يظنون أنهم يستشهدون في ذلك اليوم لعزمهم على صدق القتال، كما جرى لعبد الله بن حرام في يوم أحد، ولغيره، وعلى القول الثاني قال كثير من الأربعة الآلاف: لا طاقة لنا على جهة الفشل والفزع من الموت، وانصرفوا عن طالوت، فقال المؤمنون الموقنون بالبعث والرجوع إلى الله وهم عدة أهل بدر: كم من فئةٍ قليلةٍ والظن على هذا بمعنى اليقين، وهو فيما لم يقع بعد ولا خرج إلى الحس.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وما روي عن ابن عباس من أن في الأربعة الآلاف من شرب يرد عليه قوله تعالى: {هو والّذين آمنوا معه}»، وأكثر المفسرين على أنه إنما جاوز النهر من لم يشرب إلا غرفة ومن لم يشرب جملة، ثم كانت بصائر هؤلاء مختلفة، فبعض كع وقليل صمم، وقرأ أبي بن كعب «كأين من فئة»، والفئة الجماعة التي يرجع إليها في الشدائد، من قولهم: فاء يفيء إذا رجع، وقد يكون الرجل الواحد فئة تشبيها، والملك فئة الناس، والجبل فئة، والحصن، كل ذلك تشبيه، وفي قولهم رضي الله عنهم: كم من فئةٍ الآية، تحريض بالمثال وحض واستشعار للصبر، واقتداء بمن صدق ربه، و «إذن الله» هنا تمكينه وعلمه، فمجموع ذلك هو الإذن، واللّه مع الصّابرين بنصره وتأييده). [المحرر الوجيز: 2/ 10-15]


تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولمّا برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربّنا أفرغ علينا صبراً وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين (250) فهزموهم بإذن اللّه وقتل داود جالوت وآتاه اللّه الملك والحكمة وعلّمه ممّا يشاء} برزوا معناه: صاروا في البراز وهو الأفيح من الأرض المتسع، و «جالوت» اسم أعجمي معرب، والإفراغ أعظم الصب، كأنه يتضمن عموم المفرغ عليه، والهزم أصله أن يضرب الشيء فيدخل بعضه في بعض، وكذلك الجيش الذي يرد يركب ردعه، ثم قيل في معنى الغلبة: هزم، وكان جالوت أمير العمالقة وملكهم، وكان فيما روي في ثلاثمائة ألف فارس). [المحرر الوجيز: 2/ 15]

تفسير قوله تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وروي في قصة داود وقتله جالوت، أن أصحاب طالوت كان فيهم إخوة داود وهم بنو إيشى، وكان داود صغيرا يرعى غنما لأبيه، فلما حضرت الحرب قال في نفسه: لأذهبن لرؤية هذه الحرب، فلما نهض
مر في طريقه بحجر فناداه: يا داود، خذني فبي تقتل جالوت، ثم ناداه حجر آخر، ثم آخر، ثم آخر فأخذها وجعلها في مخلاته وسار، فلما حضر الناس، خرج جالوت يطلب مبارزا فكع الناس عنه حتى قال طالوت: من يبرز له ويقتله فأنا أزوجه بنتي وأحكمه في مالي، فجاء داود، فقال: أنا أبرز له وأقتله، فقال له طالوت: فاركب فرسي، وخذ سلاحي، ففعل، وخرج في أحسن شكة فلما مشى قليلا رجع. فقال الناس: جبن الفتى، فقال داود: إن الله إن لم يقتله لي ويعني عليه لم ينفعني هذا الفرس ولا هذا السلاح، ولكني أحب أن أقاتله على عادتي.
قال: وكان داود من أرمى الناس بالمقلاع، فنزل وأخذ مخلاته فتقلدها وأخذ مقلاعه، وخرج إلى جالوت وهو شاك في سلاحه، فقال له جالوت: أنت يا فتى تخرج إليّ، قال: نعم. قال: هكذا كما يخرج إلى الكلب. قال: نعم وأنت أهون. قال: لأطعمن اليوم لحمك الطير والسباع، ثم تدانيا فأدار داود مقلاعه، وأدخل يده إلى الحجارة فروي أنها التأمت فصارت حجرا واحدا فأخذه فوضعه في المقلاع وسمى الله وأداره ورماه فأصاب به رأس جالوت فقتله، وحز رأسه وجعله في مخلاته واختلط الناس وحمل أصحاب طالوت وكانت الهزيمة، ثم إن داود جاء يطلب شرطه من طالوت، فقال له: إن بنات الملوك لهن غرائب من المهر، ولا بد لك من قتل مائتين من هؤلاء الجراجمة الذين يؤذون الناس، وتجيئني بغلفهم وطمع طالوت أن يعرض داود للقتل بهذه النزعة فقتل داود منهم مائتين، وجاء بذلك وطلب امرأته فدفعها إليه طالوت، وعظم أمر داود، فيروى أن طالوت تخلى له عن الملك وصار هو الملك، ويروى أن بني إسرائيل غلبت طالوت على ذلك بسبب أن داود قتل جالوت، وكان سبب الفتح، وروي أن طالوت أخاف داود حتى هرب منه فكان في جبل إلى أن مات طالوت فذهبت بنو إسرائيل إلى داود فملكته أمرها، وروي أن نبي الله سمويل أوحى الله إليه أن يذهب إلى إيشى ويسأله أن يعرض عليه بنيه فيدهن الذي يشار إليه بدهن القدس ويجعله ملك بني إسرائيل. والله أعلم أي ذلك كان، غير أنه يقطع من ألفاظ الآية على أن داود صار ملك بني إسرائيل. وقد روي في صدر هذه القصة: أن داود كان يسير في مطبخة طالوت ثم كلمه حجر فأخذه فكان ذلك سبب قتله جالوت ومملكته، وقد أكثر الناس في قصص هذه الآية، وذلك كله لين الأسانيد، فلذلك انتقيت منه ما تنفك به الآية وتعلم به مناقل النازلة واختصرت سائر ذلك، وأما الحكمة التي آتاه الله فهي النبوة والزبور وقال السدي: «آتاه الله ملك طالوت ونبوة شمعون والذي علمه هي صنعة الدروع ومنطق الطير وغير ذلك من أنواع علمه صلى الله عليه وسلم».
قوله عز وجل: {... ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ لفسدت الأرض ولكنّ اللّه ذو فضلٍ على العالمين (251) تلك آيات اللّه نتلوها عليك بالحقّ وإنّك لمن المرسلين (252)}
أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لولا دفعه بالمؤمنين في صدور الكفرة على مر الدهر لفسدت الأرض، لأن الكفر كان يطبقها ويتمادى في جميع أقطارها، ولكنه تعالى لا يخلي الزمان من قائم بحق، وداع إلى الله ومقاتل عليه، إلى أن جعل ذلك في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، له الحمد كثيرا. قال مكي وأكثر المفسرين: «على أن المعنى لولا أن الله يدفع بمن يصلي عمن لا يصلي وبمن يتقي عمن لا يتقي لأهلك الناس بذنوبهم».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وليس هذا معنى الآية ولا هي منه في ورد ولا صدر، والحديث الذي روى ابن عمر صحيح، وما ذكر مكي من احتجاج ابن عمر عليه بالآية لا يصح عندي لأن ابن عمر من الفصحاء»، وقرأ أبو عمرو وابن كثير: ولولا دفع اللّه، وفي الحج: {إنّ اللّه يدافع} [الآية: 38]، وقرأ نافع «ولولا دفاع الله»، «وإن الله يدافع»، وقرأ الباقون ولولا دفع اللّه «وإن الله يدافع» ففرقوا بينهما، والدفاع يحتمل أن يكون مصدر دفع ككتب كتابا ولقي لقاء، ويحتمل أن يكون مصدر دافع كقاتل قتالا،). [المحرر الوجيز: 2/ 16-18]


تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والإشارة بتلك إلى ما سلف من القصص والأنباء، وفي هذه القصة بجملتها مثال عظيم للمؤمنين ومعتبر، وقد كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم معدين لحرب الكفار، فلهم في هذه النازلة معتبر يقتضي تقوية النفوس والثقة بالله وغير ذلك من وجوه العبرة). [المحرر الوجيز: 2/ 18]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 02:39 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 02:39 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {فلمّا فصل طالوت بالجنود قال إنّ اللّه مبتليكم بنهرٍ فمن شرب منه فليس منّي ومن لم يطعمه فإنّه منّي إلا من اغترف غرفةً بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلمّا جاوزه هو والّذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الّذين يظنّون أنّهم ملاقو اللّه كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن اللّه واللّه مع الصّابرين (249)}
يقول تعالى مخبرًا عن طالوت ملك بني إسرائيل حين خرج في جنوده ومن أطاعه من ملأ بني إسرائيل وكان جيشه يومئذٍ فيما ذكره السّدّيّ ثمانين ألفًا فاللّه أعلم، أنّه قال: {إنّ اللّه مبتليكم بنهر} قال ابن عبّاسٍ وغيره: «وهو نهرٌ بين الأردنّ وفلسطين» يعني: نهر الشّريعة المشهور {فمن شرب منه فليس منّي} أي: فلا يصحبني اليوم في هذا الوجه {ومن لم يطعمه فإنّه منّي إلا من اغترف غرفةً بيده} أي: فلا بأس عليه قال اللّه تعالى: {فشربوا منه إلا قليلا منهم} قال ابن جريجٍ: قال ابن عبّاسٍ: «من اغترف منه بيده روي، ومن شرب منه لم يرو». وكذا رواه السّدّيّ عن أبي مالكٍ، عن ابن عبّاسٍ. وكذا قال قتادة وابن شوذبٍ.
وقال السّدّيّ: «كان الجيش ثمانين ألفًا فشرب ستّةٌ وسبعون ألفًا وتبقّى معه أربعة آلافٍ» كذا قال.
وقد روى ابن جريرٍ من طريق إسرائيل وسفيان الثّوريّ ومسعر بن كدامٍ عن أبي إسحاق السّبيعيّ، عن البراء بن عازبٍ قال: «كنّا نتحدّث أنّ أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم الّذين كانوا يوم بدرٍ ثلاثمائةٍ وبضعة عشر على عدّة أصحاب طالوت الّذين جازوا معه النّهر، وما جازه معه إلّا مؤمنٌ». ورواه البخاريّ عن عبد اللّه بن رجاءٍ عن إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق عن البراء قال: «كنّا -أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم-نتحدّث أنّ عدّة أصحاب بدرٍ على عدّة أصحاب طالوت، الّذين جازوا معه النّهر، ولم يجاوز معه إلّا مؤمنٌ بضعة عشر وثلاثمائةٍ».
ثمّ رواه من حديث سفيان الثّوريّ وزهيرٍ، عن أبي إسحاق عن البراء بنحوه ولهذا قال تعالى: {فلمّا جاوزه هو والّذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} أي: استقلّوا أنفسهم عن لقاء عدوّهم لكثرتهم فشجّعهم علماؤهم وهم العالمون بأنّ وعد اللّه حقٌّ فإنّ النّصر من عند اللّه ليس عن كثرة عددٍ ولا عددٍ. ولهذا قالوا: {كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن اللّه واللّه مع الصّابرين} ). [تفسير ابن كثير: 1/ 668]


تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ولمّا برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربّنا أفرغ علينا صبرًا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين (250) فهزموهم بإذن اللّه وقتل داود جالوت وآتاه اللّه الملك والحكمة وعلّمه ممّا يشاء ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ لفسدت الأرض ولكنّ اللّه ذو فضلٍ على العالمين (251) تلك آيات اللّه نتلوها عليك بالحقّ وإنّك لمن المرسلين (252)}
أي: لمّا واجه حزب الإيمان -وهم قليلٌ-من أصحاب طالوت لعدوّهم أصحاب جالوت -وهم عددٌ كثيرٌ- {قالوا ربّنا أفرغ علينا صبرًا} أي: أنزل علينا صبرًا من عندك {وثبّت أقدامنا} أي: في لقاء الأعداء وجنّبنا الفرار والعجز {وانصرنا على القوم الكافرين} ). [تفسير ابن كثير: 1/ 669]

تفسير قوله تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال اللّه تعالى: {فهزموهم بإذن اللّه} أي: غلبوهم وقهروهم بنصر اللّه لهم {وقتل داود جالوت} ذكروا في الإسرائيليّات: أنّه قتله بمقلاعٍ كان في يده رماه به فأصابه فقتله، وكان طالوت قد وعده إن قتل جالوت أن يزوّجه ابنته ويشاطره نعمته ويشركه في أمره فوفى له ثمّ آل الملك إلى داود عليه السّلام مع ما منحه اللّه به من النّبوّة العظيمة؛ ولهذا قال تعالى: {وآتاه اللّه الملك} الّذي كان بيد طالوت {والحكمة} أي: النّبوّة بعد شمويل {وعلّمه ممّا يشاء} أي: ممّا يشاء اللّه من العلم الّذي اختصّه به صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ قال تعالى: {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ لفسدت الأرض} أي: لولاه يدفع عن قومٍ بآخرين، كما دفع عن بني إسرائيل بمقاتلة طالوت وشجاعة داود لهلكوا كما قال: {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ لهدّمت صوامع وبيعٌ وصلواتٌ ومساجد يذكر فيها اسم اللّه كثيرًا} الآية [الحجّ:40].
وقال ابن جريرٍ، رحمه اللّه: حدّثني أبو حميدٍ الحمصيّ أحمد بن المغيرة حدّثنا يحيى بن سعيدٍ حدّثنا حفص بن سليمان عن محمّد بن سوقة عن وبرة بن عبد الرّحمن عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ اللّه ليدفع بالمسلم الصالحٍ عن مائة أهل بيتٍ من جيرانه البلاء»، ثمّ قرأ ابن عمر: {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ لفسدت الأرض} وهذا إسنادٌ ضعيفٌ فإنّ يحيى بن سعيدٍ هذا هو أبو زكريّا العطّار الحمصيّ وهو ضعيفٌ جدًّا.
ثمّ قال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو حميدٍ الحمصيّ حدّثنا يحيى بن سعيدٍ حدّثنا عثمان بن عبد الرّحمن عن محمّد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ اللّه ليصلح بصلاح الرّجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويراتٍ حوله، ولا يزالون في حفظ اللّه عزّ وجلّ ما دام فيهم». وهذا أيضًا غريبٌ ضعيفٌ لما تقدّم أيضًا. وقال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم أخبرنا عليّ بن إسماعيل بن حمّادٍ أخبرنا أحمد بن محمّد بن يحيى بن سعيدٍ أخبرنا زيد بن الحباب، حدّثني حمّاد بن زيدٍ عن أيّوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان –رفع الحديث-قال: «لا يزال فيكم سبعةٌ بهم تنصرون وبهم تمطرون وبهم ترزقون حتّى يأتي أمر اللّه».
وقال ابن مردويه أيضًا: وحدّثنا محمّد بن أحمد حدّثنا محمّد بن جرير بن يزيد، حدّثنا أبو معاذٍ نهار بن عثمان اللّيثيّ أخبرنا زيد بن الحباب أخبرني عمر البزّار، عن عنبسة الخواصّ، عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصّنعانيّ عن عبادة بن الصّامت قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الأبدال في أمّتي ثلاثون بهم تقوم الأرض، وبهم تمطرون وبهم تنصرون» قال قتادة: «إنّي لأرجو أن يكون الحسن منهم».
وقوله: {ولكنّ اللّه ذو فضلٍ على العالمين} أي: منٌّ عليهم ورحمةٌ بهم، يدفع عنهم ببعضهم بعضًا وله الحكم والحكمة والحجّة على خلقه في جميع أفعاله وأقواله). [تفسير ابن كثير: 1/ 669-670]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {تلك آيات اللّه نتلوها عليك بالحقّ وإنّك لمن المرسلين} أي: هذه آيات اللّه الّتي قصصناها عليك من أمر الّذين ذكرناهم بالحقّ أي: بالواقع الّذي كان عليه الأمر، المطابق لما بأيدي أهل الكتاب من الحقّ الّذي يعلمه علماء بني إسرائيل {وإنّك} يا محمّد {لمن المرسلين} وهذا توكيد وتوطئة للقسم). [تفسير ابن كثير: 1/ 670]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:03 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة