العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 08:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 51 إلى 86]

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73) وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77) وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82) وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86)}

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل} [الأنبياء: 51] قال قتادة: هداه.
هداه صغيرًا في تفسير مجاهدٍ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/320]
وقال الحسن: النّبوّة.
{وكنّا به عالمين} [الأنبياء: 51] أنّه سيبلّغ عن اللّه الرّسالة ويمضي لأمره.
وهو كقوله: {اللّه أعلم حيث يجعل رسالته} [الأنعام: 124] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/321]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولقد آتينا إبراهيم رشده...}
هداه، إذ كان في السّرب حتّى بلّغه الله ما بلّغه. ومثله {ولو شئنا لآتينا كلّ نفسٍ هداها}: رشدها). [معاني القرآن: 2/206]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل} أي وهو غلام). [تفسير غريب القرآن: 286]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنّا به عالمين}
أي آتيناه هداه حدثا، وهو مثل قوله: (ولو شئنا لآتينا كلّ نفس هداها) ). [معاني القرآن: 3/395]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إذ قال} [الأنبياء: 52] إبراهيم.
{لأبيه وقومه ما هذه التّماثيل} [الأنبياء: 52] قال مجاهدٌ: يعني الأصنام.
{الّتي أنتم لها عاكفون} [الأنبياء: 52] يعني: لها عابدون). [تفسير القرآن العظيم: 1/321]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التّماثيل الّتي أنتم لها عاكفون}

" إذ " في موضع نصب، المعنى آتيناه رشده في ذلك الوقت، ومعنى التماثيل ههنا الأصنام، ومعنى العكوف المقام على الشيء). [معاني القرآن: 3/395]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53)}

تفسير قوله تعالى: {قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين {53} قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلالٍ مبينٍ {54}} [الأنبياء: 53-54] يعني: بيّنٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/321]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({قالوا أجئتنا بالحقّ أم أنت من اللّاعبين} [الأنبياء: 55] أهزءٌ هذا الّذي جئتنا به أم منك حقٌّ؟). [تفسير القرآن العظيم: 1/321]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {قال بل ربّكم ربّ السّموات والأرض الّذي فطرهنّ} [الأنبياء: 56] الّذي خلقهنّ وليست هذه الآلهة الّتي تعبدونها.
{وأنا على ذلكم من الشّاهدين} [الأنبياء: 56] أنّه ربّكم). [تفسير القرآن العظيم: 1/321]

تفسير قوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {وتاللّه} [الأنبياء: 57] يمينٌ أقسم به.
{لأكيدنّ أصنامكم بعد أن تولّوا مدبرين} [الأنبياء: 57] قال قتادة: نرى أنّه قال ذلك حيث لا يسمعون.
استنفعوه ليوم عيدٍ لهم
[تفسير القرآن العظيم: 1/321]
يخرجون فيه من المدينة فأبى، فقال: {إنّي سقيمٌ} [الصافات: 89] اعتلّ لهم بذلك ثمّ قال لمّا ولّوا: {وتاللّه لأكيدنّ أصنامكم بعد أن تولّوا مدبرين} [الأنبياء: 57] فسمع وعيده لأصنامهم رجلٌ منهم استأخر من القوم، وهو الّذي قال: {سمعنا فتًى يذكرهم يقال له إبراهيم} [الأنبياء: 60] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/322]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وتاللّه لأكيدنّ أصنامكم بعد أن تولّوا مدبرين...}

كانوا أرادوا الخروج إلى عيد لهم، فاعتلّ عليهم إبراهيم، فتخلّف (وقال): إني سقيم، فلمّا مضوا كسر آلهتهم إلاّ أكبرها، فلمّا رجعوا قال قائل منهم: أنا سمعت إبراهيم يقول:
وتالله لأكيدنّ أصنامكم. وهو قوله: {سمعنا فتيً يذكرهم يقال له إبراهيم}: يذكرهم بالعيب (والشتم) وبما قال من الكيد). [معاني القرآن: 2/206]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وتاللّه لأكيدنّ أصنامكم بعد أن تولّوا مدبرين }
معناه - واللّه أعلم - وواللّه لأكيدن، ولا تصلح التاء في القسم إلا في الله، تقول: وحق اللّه لأفعلنّ، ولا يجوز تحق اللّه لأفعلن، وتقول وحق زيد لأفعلن، والتاء بدل من الواو،
ويجوز وباللّه لأكيدنّ أصنامكم.
وقراءة أهل الأمصار تاللّه، ولا نعلم أحدا من أهل الأمصار قرأ بالباء، ومعناها صحيح جيّد). [معاني القرآن: 3/395]

تفسير قوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {فجعلهم جذاذًا} [الأنبياء: 58] قال قتادة: قطعًا، قطّع أيديها وأرجلها
وفقأ أعينها، ونجر وجوهها.
{إلا كبيرًا لهم} [الأنبياء: 58] قال قتادة: يعني للآلهة وأعظمها في أنفسهم، ثمّ أوثق الفأس في يد كبير تلك الأصنام.
{لعلّهم إليه يرجعون} [الأنبياء: 58] قال قتادة: كادهم بذلك لعلّهم يبصرون فيؤمنوا.
وقال مجاهدٌ: ثمّ جعل إبراهيم الفأس الّتي أهلك اللّه بها أصنامهم مسندةً إلى صدر كبيرهم الّذي ترك.
فلمّا رجعوا فرأوا ما صنع بأصنامهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/322]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فجعلهم جذاذاً...}

قرأها يحيى بن وثاب (جذاذاً) وقراءة الناس بعد (جذاذاً) بالضم فمن قال (جذاذاً) فرفع الجيم فهو واحد مثل الحطام والرفات. ومن قال (جذاذاً) بالكسر فهو جمع؛
كأنه جذيذ وجذاذ مثل خفيف وخفاف). [معاني القرآن: 2/206]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فجعلهم جذاذاً} أي مستأصلين قال جرير:

بني المهلّب جذّ الله دابرهم= أمسوا رمادا فلا أصلٌ ولا طرف
لم يبق منهم شيء ولفظ " جذاذ " يقع على الواحد والاثنين والجميع من المؤنث والمذكر سواء بمنزلة المصدر).[مجاز القرآن: 2/40]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {فجعلهم جذاذا}: أي استأصلهم. ويقال: جذ الله أصلهم، والجذاذ مثل الرفات مصدر،
وقد قرئت {جذاذا} وكأنه جمع جذيذ، بمعنى مجذوذ كالقتيل والجريح). [غريب القرآن وتفسيره: 255]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فجعلهم جذاذاً} أي فتاتا. وكلّ شيء كسرته: فقد جذذته.
ومنه قيل للسّويق: جذيذ). [تفسير غريب القرآن: 286]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فجعلهم جذاذا إلّا كبيرا لهم لعلّهم إليه يرجعون}
وجذاذا تقرأ بالضمّ والكسر فمن قرأ (جذاذا) فإن بنية كل ما كسّر وقطّع على فعال نحو الجذاذ والحطام والرفات، ومن قال جذاذ فهو جمع جذيذ وجذاذ نحو ثقيل وثقال وخفيف وخفاف.
ويجوز جذاذا على معنى القطاع والحصاد، ويجوز نجذذ على معنى جذيد وجذذ مثل جديد وجدد.
وقوله: {إلّا كبيرا لهم} أي كسّر هذه الأصنام إلّا أكبرها، وجائز أن يكون أكبرها عندهم في تعظيمهم إياه، لا في الخلقة، ويجوز أن يكون أعظمها خلقة.
ومعنى (لعلّهم إليه يرجعون) أي لعلهم باحتجاج إبراهيم عليهم به يرجعون فيعلمون وجوب الحجة - عليهم). [معاني القرآن: 3/396-395]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {جُذَاذًا}: أي فتاتاً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 156]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {جُذَاذاً}: استأصلهم). [العمدة في غريب القرآن: 207]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)}

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنّه لمن الظّالمين {59} قالوا} [الأنبياء: 59-60] قال الّذي استأخر منهم وسمع وعيد إبراهيم أصنامهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/322]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {قالوا سمعنا فتًى يذكرهم} أي: يغييهم وهذا كما يقال: لئن ذكرتني لتندمنّ يريد: بسوء). [تفسير غريب القرآن: 286]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( قوله: {قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم}
أي يذكرهم بالعيب، وقالوا للأصنام يذكرهم لأنهم جعلوها في عبادتهم إياها بمنزله ما يعقل، وإبراهيم يرتفع على وجهين:
أحدهما على معنى يقال له هو إبراهيم، والمعروف به إبراهيم، وعلى النداء على معنى يقال له يا إبراهيم). [معاني القرآن: 3/396]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {سمعنا فتًى يذكرهم يقال له إبراهيم {60} قالوا فأتوا به على أعين النّاس لعلّهم يشهدون {61}} [الأنبياء: 60-61] أنّه كسرها فتكون لكم عليه الحجّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/323]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {على أعين النّاس...}:

على رءوس الناس {لعلّهم يشهدون} عليه بما شهد به الواحد. ويقال: لعلّهم يشهدون أمره وما يفعل به). [معاني القرآن: 2/206]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فأتوا به على أعين النّاس} أي أظهروه تقول العرب، إذا أظهر الأمر وشهر، كان ذلك على أعين الناس، أي بأعين الناس، ويقول بعضهم جاؤوا به على رؤوس الخلق).
[مجاز القرآن: 2/40]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {فأتوا به على أعين الناس}: أي أظهروه). [غريب القرآن وتفسيره: 255]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فأتوا به على أعين النّاس} أي بمرأى من الناس: لا تأتوا به خفية). [تفسير غريب القرآن: 286]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قالوا فأتوا به على أعين النّاس لعلّهم يشهدون }
أي لعلهم يعرفونه بهذا القول فيشهدون عليه، فيكون ما ينزله به بحجة عليه، وجائز أن يكون لعلّهم يشهدون عقوبتنا إياه). [معاني القرآن: 3/396]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62)}

تفسير قوله تعالى: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال قتادة: كرهوا أن يأخذوه إلا ببيّنةٍ فجاءوا به.
فـ {قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم {62} قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون {63} فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنّكم أنتم الظّالمون {64}} [الأنبياء: 62-64] قال قتادة: وهي هذه المكيدة الّتي كادهم بها.
وقال الحسن: إنّ كذبه في مكيدته إيّاهم موضوعٌ عنه.
وحدّثني همّامٌ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذكر في حديث الشّفاعة حيث يأتون آدم، ثمّ نوحًا، ثمّ إبراهيم، ثمّ موسى، ثمّ عيسى، ثمّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم فذكر ما يقول كلّ نبيٍّ منهم، فذكر في قول إبراهيم حين سألوه أن يشفع لهم: إنّي لست هنالكم، ويذكر خطيئته الّتي أصاب، ثلاث كذباتٍ كذبهنّ، قوله: {إنّي سقيمٌ}
[الصافات: 89] وقوله: {فعله كبيرهم هذا} [الأنبياء: 63] وقوله لامرأته: إن سألوك من أنت منه، فقولي إنّك أختي). [تفسير القرآن العظيم: 1/323]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {بل فعله كبيرهم هذا...}

هذا، قال بعض الناس بل فعلّه كبيرهم مشدّدة يريد: فلعلّه
كبيرهم، وقال بعض الناس: بل فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون. فجعل فعل الكبير مسنداً إليه إن كانوا ينطقون وهم لا ينطقون. والمذهب الذي العوامّ عليه: بل فعله كما قال يوسف {أيّتها العير إنّكم لسارقون} ولم يسرقوا.
وقد أيّد الله أنبياءه بأكثر من هذا). [معاني القرآن: 2/207-206]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فسئلوهم إن كانوا ينطقون} فهذا من الموات وخرج مخرج الآدميين بمنزلة قوله: {رأيت أحد عشر كوكباً والشّمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} ويقال: سألت وسلت تسال لا يهمز فهو بلغة من قال سلته). [مجاز القرآن: 2/40]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون}
وقال: {فاسألوهم إن كانوا ينطقون} فذكّر الأصنام وهي من الموات لأنها كانت عندهم ممن يعقل أو ينطق). [معاني القرآن: 3/7]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكذلك قوله: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ}. أراد: بل فعله الكبير، إن كانوا ينطقون فسلوهم، فجعل النطق شرطا للفعل، أي إن كانوا ينطقون فقد فعله، وهو لا يعقل ولا ينطق.
وقد روي عن النبي، صلّى الله عليه وسلم: ((إنّ إبراهيم كذب ثلاث كذبات ما منها واحدة إلا وهو يماحل بها عن الإسلام)).
فسمّاها كذبات، لأنها شاكهت الكذب وضارعته.
ولذلك قال بعض أهل السلف لابنه: (يا بني لا تكذبن ولا تشبّهن بالكذب).
فنهاه عن المعاريض، لئلا يجري على اعتيادها، فيتجاوزها إلى الكذب، وأحبّ أن يكون حاجزا من الحلال بينه وبين الحرام). [تأويل مشكل القرآن: 269-268]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون}يعني الصّنم العظيم.
{فاسألوهم إن كانوا ينطقون} قال بعضهم: إنما المعنى، بل فعله كبيرهم هذا إن كانوا ينطقون، وجاء في التفسير أن إبراهيم نطق بثلاث كلمات على غير ما يوجبه لفظها
لما في ذلك من الصلاح، وهي قوله: {فقال إني سقيم} وقوله {فعله كبيرهم هذا}.
وقوله إنّ سارّة أختي، والثلاث لهن وجه في الصدق بيّن.
فسارّة أخته في الدّين، وقوله (إني سقيم) فيه غير وجه أحدها إني مغتمّ بضلالتكم حتى أنا كالسقيم، ووجه آخر إني سقيم عندكم، وجائز أن يكون ناله في هذا الوقت مرض.
ووجه الآية ما قلناه في قوله: {بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون}.
واحتج قوم بأن قول إبراهيم مثل قول يوسف لإخوته: {أيّتها العير إنّكم لسارقون} ولم يسرقوا الصّاع، وهذا تأويله - واللّه أعلم - إنكم لسارقون يوسف). [معاني القرآن: 3/397-396]

تفسير قوله تعالى: {فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال قتادة: كرهوا أن يأخذوه إلا ببيّنةٍ فجاءوا به.
فـ {قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم {62} قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون {63} فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنّكم أنتم الظّالمون {64}} [الأنبياء: 62-64] قال قتادة: وهي هذه المكيدة الّتي كادهم بها.
وقال الحسن: إنّ كذبه في مكيدته إيّاهم موضوعٌ عنه). [تفسير القرآن العظيم: 1/323] (م)

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ثمّ نكسوا على رءوسهم} [الأنبياء: 65] خزيًا قد حجّهم وقال قتادة: أصاب القوم خزية سوءٍ فقالوا: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون {65}). [تفسير القرآن العظيم: 1/323]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ثمّ نكسوا على رءوسهم...}

يقول: رجعوا عندما عرفوا من حجّة إبراهيم فقالوا: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} (والعلم والظنّ بمنزلة اليمين. فلذلك لقيت العلم بما) فقال: {علمت ما هؤلاء}
كقول القائل: والله ما أنت بأخينا، وكذلك قوله: {وظنّوا ما لهم من محيصٍ}.
ولو أدخلت العرب (أن) قبل (ما) فقيل: علمت أن ما فيك خير وظننت أن ما فيك خير كان صواباً. ولكنهم إذا لقي شيئا من هذه الحروف أداة مثل (إن) التي معها اللام أو استفهام كقولك: اعلم لي أقام عبد الله أم زيد (أو لئن) ولو اكتفوا بتلك الأداة فلم يدخلوا عليها (أن) ألا ترى قوله: {ثمّ بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننّه} لو قيل: أن ليسجننّه كان صواباً؛ كما قال الشاعر:
وخبّرتما أن إنمّا بين بيشةٍ =ونجران أحوى والمحلّ خصيب
فأدخل أن على إنما فلذلك أجزنا دخولها على ما وصفت لك من سائر الأدوات). [معاني القرآن: 2/207]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ثمّ نكسوا على رؤوسهم} مجازه: قلبوا، ويقال: نكست فلاناً على رأسه، إذا قهره وعلاه ونحو ذلك). [مجاز القرآن: 2/40]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ثمّ نكسوا على رؤوسهم} أي ردوا إلى أول ما كانوا يعرفونها به: من أنها لا تنطق،
فقالوا: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون}، فحذف «قالوا» اختصارا). [تفسير غريب القرآن: 287]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ثمّ نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون}
جاء في التفسير أنه أدركت القوم حيرة.
ومعنى: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون}.
أي ثم نكسوا على رؤوسهم فقالوا لإبراهيم عليه السلام: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون}، فقد اعترفوا بعجز ما يعبدونه عن النطق). [معاني القرآن: 3/397]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {قال} [الأنبياء: 66] لهم.
[تفسير القرآن العظيم: 1/323]
{أفتعبدون من دون اللّه ما لا ينفعكم شيئًا ولا يضرّكم} [الأنبياء: 66] يعني أصنامهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/324]

تفسير قوله تعالى: {أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {أفٍّ لكم ولما تعبدون من دون اللّه أفلا تعقلون} [الأنبياء: 67] وهي الّتي كادهم بها). [تفسير القرآن العظيم: 1/324]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {أفّ لكم ولما تعبدون من دون اللّه أفلا تعقلون}

يقرأ (أفّ لكم) بغير تنوين، و (أفّ) بتنوين، ويجوز أفّ لكم وأفّ لكم - بالضم والتنوين وبترك التنوين - ويجوز أفّ لكم بالفتح.
فأمّا الكسر بغير تنوين فلالتقاء السّاكنين وهما الفاءان في قوله أف، لأن ما أصل الكلمة السكون لأنها بمنزلة الأصوات، وحذف التنوين لأنها معرفة لا يجب إعرابها، وتفسيرها (النّتن) لكم ولما تعبدون فمن نوّن جعله نكرة بمنزلة نتنا لكم ولما تعبدون من دون اللّه، وكسر لأن أصل التقاء السّاكنين الكسر، ولأن أكثر الأصوات مبني على الكسر نحو قوله غاق وجير وأمس وويه، ويجوز الفتح لالتقاء السّاكنين لثقل التضعيف والكسر، ويجوز الضم لضمة الألف كما قالوا: ردّ يا هذا ورد، ورد - بالكسر، ومن نوّن مع الضم فبمنزلة التنوين مع الكسر). [معاني القرآن: 3/398]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {قالوا حرّقوه} [الأنبياء: 68] بالنّار.
{وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين} [الأنبياء: 68] قال الحسن: فجمعوا الحطب زمانًا، حتّى إنّ الشّيخ الكبير الّذي لم يخرج من بيته قبل ذلك زمانًا كان يجيء بالحطب، فيلقيه، يتقرّب به إلى آلهتهم فيما يزعم، ثمّ جاءوا بإبراهيم فألقوه في تلك النّار.
قال يحيى: بلغني أنّهم رموا به في المنجنيق، فكان ذلك أوّل ما صنع المنجنيق). [تفسير القرآن العظيم: 1/324]

تفسير قوله تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه: {قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم} [الأنبياء: 69]
- نا سفيان، عن الأعمش، عن شيخٍ، عن عليٍّ قال: قال اللّه: {يا نار كوني بردًا} [الأنبياء: 69] فكادت تقتله من البرد، وقال: {وسلامًا} [الأنبياء: 69] لا تضرّه.
وقال السّدّيّ: {وسلامًا} [الأنبياء: 69] يعني: وسلامةً من حرّ النّار ومن بردها.
نا سعيدٌ، عن قتادة أنّ كعبًا قال: ما انتفع بها يومئذٍ أحدٌ من النّاس، وما أحرقت منه يومئذٍ إلى وثاقه.
عمّارٌ، عن أبي هلالٍ الرّاسبيّ، عن بكر بن عبد اللّه المزنيّ قال: إنّ إبراهيم لمّا أرادوا أن يلقوه في النّار جاءت عامّة الخليقة إلى ربّها فقالت: يا ربّ، خليلك يلقى في النّار، فأذن لنا نطفئ عنه.
فقال: هو خليلي ليس لي في الأرض خليلٌ غيره وأنا إلهه ليس له إلهٌ غيري، فإن استغاثكم فأغيثوه وإلا فدعوه.
قال فجاء ملك القطر فقال: يا ربّ خليلك يلقى في النّار فأذن لي أطفئ عنه بالقطر.
فقال: هو خليلي ليس
[تفسير القرآن العظيم: 1/324]
لي في الأرض خليلٌ غيره، وأنا إلهه ليس له في الأرض إلهٌ غيري، فإن استغاثك فأغثه، وإلا فدعه.
قال: فألقي في النّار فقال تبارك وتعالى للنّار: {يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم} [الأنبياء: 69] قال: فبردت على أهل المشرق والمغرب، فما أنضج بها يومئذٍ كراعٌ.
- نا سعيدٌ، عن أيّوب، عن نافعٍ، عن أمّ سيابة الأنصاريّة، عن عائشة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حدّثها أنّ إبراهيم لمّا ألقي في النّار كانت الدّوابّ كلّها تطفئ عنه النّار إلا الوزغة فإنّها كانت تنفخ عليه، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقتلها). [تفسير القرآن العظيم: 1/325]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {كوني برداً وسلاماً} أي وسلامة. لا تكوني بردا مؤذيا مضرا). [تفسير غريب القرآن: 287]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {بردا وسلاما} أي: سلامة، وهكذا قوله - عز وجل: (فسلام لك من أصحاب اليمين) أي: إنما وقعت سلامتهم من أجلك، والسلام - في اللغة: اسم من أسماء الله - جل وعز - والسلام: السلامة، والسلام: التسليم في الصلاة وغيرها، والسلام: الاستسلام، والسلام: شجر معروف، وواحدته: سلامة، فعبد الله بن سلام واحد من هذه، ولا يجعل السلام اسما من أسماء الجبار - جل وعز - في هذا النوع). [ياقوتة الصراط: 362-361]

تفسير قوله تعالى: {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وأرادوا به كيدًا} [الأنبياء: 70] بتحريقهم إيّاه.
{فجعلناهم الأخسرين} [الأنبياء: 70] في النّار، خسروا أنفسهم وخسروا الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/325]

تفسير قوله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ونجّيناه ولوطًا إلى الأرض الّتي باركنا فيها} [الأنبياء: 71] يعني الأرض المقدّسة.
{للعالمين} [الأنبياء: 71] يعني جميع العالمين.
تفسير السّدّيّ.
هاجر من أرض العراق إلى أرض الشّام.
وقال قتادة: نجّاه اللّه من أرض العراق إلى أرض الشّام.
وكان يقال: إنّ الشّام عماد دار الهجرة). [تفسير القرآن العظيم: 1/325]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {ونجّيناه ولوطا إلى الأرض الّتي باركنا فيها للعالمين}

جاء في التفسير أنها من أرض الشام إلى العراق). [معاني القرآن: 3/398]

تفسير قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلةً} [الأنبياء: 72] وتفسير الحسن: ابن ابنٍ في تفسير قتادة ومجاهدٍ وعطاءٍ، غير أنّ الحسن قال: عطيّةً.
[تفسير القرآن العظيم: 1/325]
قال: {وكلًّا جعلنا صالحين} [الأنبياء: 72] يعني إبراهيم وإسحاق ويعقوب). [تفسير القرآن العظيم: 1/326]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلةً...}

النافلة ليعقوب خاصّة لأنه ولد الولد، كذلك بلغني). [معاني القرآن: 2/207]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إسحق ويعقوب نافلةً} أي غنيمة،
قال لبيد بن ربيعة:
لله نافلة الأعزّ الأفضل). [مجاز القرآن: 2/40]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وكلّا جعلنا صالحين} " وكل " يقع خبره على الواحد لأن لفظه لفظ الواحد ويقع خبره على خبر الجميع). [مجاز القرآن: 2/40]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {نافلة}: غنيمة). [غريب القرآن وتفسيره: 255]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلةً} دعا بإسحاق فاستجيب له وزيد يعقوب نافلة كأنه تطوع من اللّه وتفضل بلا دعاء. وإن كان كلّ بفضله). [تفسير غريب القرآن: 287]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( قوله: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلّا جعلنا صالحين}
النافلة ههنا ولد الولد، يعني به يعقوب خاصة). [معاني القرآن: 3/398]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {نَافِلَةً}: زيادةً). [العمدة في غريب القرآن: 208]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وجعلناهم أئمّةً يهدون بأمرنا} [الأنبياء: 73] يعني يدعون بأمرنا.
تفسير السّدّيّ.
وقال قتادة: يهتدى بهم في أمر اللّه.
قوله: {وأوحينا إليهم فعل الخيرات} [الأنبياء: 73] وهي الأعمال الصّالحة.
{وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة} [الأنبياء: 73] قال: {وكانوا لنا عابدين} [الأنبياء: 73] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/326]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
(ومنها إرشاد بالدعاء، كقوله: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}، أي نبيّ يدعوهم.

وقوله: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}، أي يدعون، {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، أي تدعو). [تأويل مشكل القرآن: 444-443] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وجعلناهم أئمّة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة وكانوا لنا عابدين}
{إقام الصّلاة} إقام مفرد قليل في اللغة، تقول أقمت إقامة، قاما إقام الصلاة فجائز لأن الإضافة عوض من الهاء). [معاني القرآن: 3/398]

تفسير قوله تعالى: {وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولوطًا آتيناه حكمًا وعلمًا} [الأنبياء: 74] النّبوّة فيها الحكم والعلم.
{ونجّيناه من القرية الّتي كانت تعمل الخبائث} [الأنبياء: 74] يعني أنّ أهلها كانوا يعملون الخبائث، وكانوا ممّا يعملون إتيانهم الرّجال في أدبارهم.
قال: {إنّهم كانوا قوم سوءٍ فاسقين} [الأنبياء: 74] يعني مشركين والشّرك أعظم الفسق). [تفسير القرآن العظيم: 1/326]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ولوطاً آتيناه...}

نصب لوط من الهاء التي رجعت عليه من {آتيناه}، والنصب الآخ على إضمار {واذكر لوطا} أو {ولقد أرسلنا} أو ما يذكر في أوّل السورة وإن لم يذكر فإنّ الضمير إنما هو من الرسالة أو من الذكر ومثله {ولسليمان الرّيح} فنصب (الريح) بفعل مضمر معلوم معناه: إمّا سخّرنا، وإمّا آتيناه.
وكذلك قوله: {ونوحاً إذ نادى} فهو على ضمير الذكر.
وقوله: {وداود وسليمان} وجمع ما يأتيك من ذكر الأنبياء في هذه السورة نصبتهم على النسق على المنصوب بضمير الذكر). [معاني القرآن: 2/208-207]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجّيناه من القرية الّتي كانت تعمل الخبائث إنّهم كانوا قوم سوء فاسقين}
(لوطا) منصوب بفعل مضمر لأن قبله فعلا، فالمعنى وأوحينا إليهم وآتينا لوطا آتيناه حكما وعلما، والنصب ههنا أحسن من الرفع لأن قبل آتينا فعلا وقد ذكر بعض النحويين أنه منصوب على " واذكر لوطا "، وهذا جائز لأن ذكر إبراهيم قد جرى فحمل لوط على معنى واذكر). [معاني القرآن: 3/399-398]

تفسير قوله تعالى: {وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وأدخلناه في رحمتنا} [الأنبياء: 75] يعني لوطًا، ورحمتنا هاهنا: الجنّة.
{إنّه من الصّالحين} [الأنبياء: 75] والصّالحون أهل الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/326]

تفسير قوله تعالى: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ونوحًا إذ نادى من قبل} [الأنبياء: 76] وهذا حيث أمر بالدّعاء على قومه.
{فاستجبنا له فنجّيناه وأهله} [الأنبياء: 76] قال الحسن: {وأهله} [الأنبياء: 76] : أمّته المؤمنين، نجّيناه.
{من الكرب العظيم} [الأنبياء: 76] يعني: من الغرق والعذاب.
[تفسير القرآن العظيم: 1/326]
وقال قتادة: نجا مع نوحٍ في السّفينة امرأته، وثلاثة بنين له، ونساؤهم سامٌ، وحامٌ، ويافث، ونساؤهم فجميعهم ثمانيةٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/327]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله عزّ وجلّ {ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجّيناه وأهله من الكرب العظيم}

منصوب على واذكر، وكذلك قوله: {وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنّا لحكمهم شاهدين} ). [معاني القرآن: 3/399]

تفسير قوله تعالى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ونصرناه} [الأنبياء: 77] يعني نوحًا.
{من القوم} [الأنبياء: 77] يعني على القوم.
تفسير السّدّيّ.
{الّذين كذّبوا بآياتنا} [الأنبياء: 77] كقوله: {ربّ انصرني بما كذّبون} [المؤمنون: 26] فأغرقهم اللّه.
قال: {إنّهم كانوا قوم سوءٍ فأغرقناهم أجمعين} [الأنبياء: 77] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/327]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
(«من» مكان «على»

قال الله تعالى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ}، أي على القوم). [تأويل مشكل القرآن: 577]

تفسير قوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم} [الأنبياء: 78] وقعت فيه غنم القوم ليلًا فأفسدته.
نا سعيدٌ، عن قتادة قال: النّفش باللّيل والهمل بالنّهار.
قال قتادة: وذكر لنا أنّ غنم القوم وقعت في زرعٍ ليلًا، فرفع ذلك إلى داود فقضى بالغنم لصاحب الزّرع.
فقال سليمان: ليس كذلك، ولكن له نسلها ورسلها، وعوارضها، وجزازها، ويزرع له مثل ذلك الزّرع، حتّى إذا كان من العام المقبل كهيئته يوم أكل، دفعت الغنم إلى ربّها، يعني صاحبها وقبض صاحب الزّرع زرعه). [تفسير القرآن العظيم: 1/327]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه: {ففهّمناها سليمان} [الأنبياء: 79] وفي تفسير الكلبيّ: أنّ أصحاب الحرث استعدوا على أصحاب
[تفسير القرآن العظيم: 1/327]
الغنم فنظر داود ثمن الحرث فإذا هو قريبٌ من ثمن الغنم، فقضى بالغنم لصاحب الحرث.
فمرّوا بسليمان فقال: كيف قضى فيكم نبيّ اللّه؟ فأخبروه.
فقال: نعم ما قضى، وغيره كان أرفق بالفريقين كليهما.
فدخل أصحاب الغنم على داود فأخبروه.
فأرسل إلى سليمان فدخل عليه، فعزم عليه داود بحقّ النّبوّة وبحقّ الملك، وحقّ الوالد لما حدّثتني كيف رأيت فيما قضيت.
فقال سليمان: قد عدل النّبيّ وأحسن، وغيره كان أرفق.
قال: ما هو؟ قال: تدفع الغنم إلى أهل الحرث فينتفعون بسمنها، ولبنها، وأصوافها، وأولادها عامهم هذا وعلى أهل الغنم أن يزرعوا لأهل الحرث مثل الّذي أفسدت غنمهم، فإذا كان مثله حين أفسدوه قبضوا غنمهم.
قال له داود: نعم ما قضيت.
نا سفيان، عن أبي إسحاق، عن مسروقٍ قال: كان عنبًا.
وقال الكلبيّ: وكان الحرث عنبًا.
وتفسير مجاهدٍ: أنّ داود أعطى صاحب الحرث رقاب الغنم بأكلها الحرث.
وحكم سليمان بجزّة الغنم وألبانها لأهل الحرث، وعلى أهل الحرث رعيتها، ويحرث لهم أهل الغنم حتّى يكون كهيئته يوم أكل، ثمّ يدفعونه إلى أهله ويأخذون غنمهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/328]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وكنّا لحكمهم شاهدين} [الأنبياء: 78] يعني داود وسليمان، لقضائهم شاهدين). [تفسير القرآن العظيم: 1/328]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وحدّثني بحرٌ السّقّاء، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب وحرام بن محيّصة، عن البراء بن عازبٍ أنّ ناقةً له وقعت في حائط قومٍ فأفسدت فيه.
فاختصموا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «ما أجد لكم إلا قضاء سليمان بن داود.
إنّه قضى على أهل المواشي حفظ مواشيهم باللّيل وقضى على أهل الحوائط حفظ حوائطهم بالنّهار».
قال يحيى: إنّما في هذا الحديث أنّه يضمن ما يكون من الماشية باللّيل، وليس فيه كيف القضاء في ذلك الفساد اليوم.
وإنّما القضاء اليوم في ذلك الفساد ما بلغ الفساد من النّقصان.
وحدّثني عاصم بن حكيمٍ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن الشّعبيّ أنّ شاةً أكلت غزل حائكٍ قال: فأتوا شريحًا: قال: فقرأ شريحٌ هذه الآية: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم} [الأنبياء: 78] وقال: والنّفش لا يكون إلا باللّيل.
إن كان ليلًا ضمن، وإن كان نهارًا لم يضمن.
- قال: وحدّثني حمّاد بن سلمة، عن محمّد بن زيادٍ، وحدّثني عثمان، عن نعيم بن عبد اللّه، عن أبي هريرة كلاهما قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الدّابّة العجماء جبارٌ، والبئر جبارٌ، والمعدن جبارٌ، وفي الرّكاز الخمس».
[تفسير القرآن العظيم: 1/329]
قال يحيى: هي عندنا في حديث النّبيّ عليه السّلام في ناقة البراء بن عازبٍ أنّه بالنّهار، وأمّا إذا أفسدت باللّيل فصاحبها ضامنٌ.
واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 1/330]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إذ نفشت فيه غنم القوم...}

النفش بالليل، وكانت غنماً لقوم وقعت في كرم آخرين؛ فارتفعوا إلى داود، فقضى لأهل الكرم بالغنم، ودفع الكرم إلى أهل الغنم فبلغ ذلك سليمان ابنه، فقال: غير هذا كان أرفق بالفريقين. فعزم عليه داود ليحكمنّ. فقال: أرى أن تدفع الغنم إلى أهل الكرم فينتفعوا بألبانها وأولادها وأصوافها، ويدفع الكرم إلى أرباب الشاء فيقوموا عليه حتى يعود كهيئته يوم أفسد، فذكر أن القيمتين كانتا في هذا الحكم مستويتين: قيمة ما نالوا من الغنم وقيمة ما أفسدت الغنم من الكرم. فذلك قوله: {ففهّمناها سليمان}. وقوله: {وكنّا لحكمهم}.
وفي بعض القراءة: (وكنّا لحكمهما شاهدين) وهو مثل قوله: {فإن كان له إخوةٌ} يريد: أخوين فما زاد. فهذا كقوله: {لحكمهم شاهدين} إذ جمع اثنين). [معاني القرآن: 2/208]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إذ نفشت فيه غنم القوم} النّفش أن تدخل في زرع ليلاً فتأكله وقالت: نفشت في جدادي، الجداد من نسج الثوب تعنى الغنم). [مجاز القرآن: 2/41]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {إذا نفشت فيه غنم القوم}: النفش أن تدخل بالليل في زرع أو غيره فتأكله وهي نافشة. والنشر بالنهار).[غريب القرآن وتفسيره: 256]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {نفشت فيه غنم القوم}: رعت ليلا. يقال: نفشت الغنم بالليل، وهي إبل، نفش ونفّش ونفّاش. والواحد نافش. وسرحت.وسربت بالنهار). [تفسير غريب القرآن: 287]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنّا لحكمهم شاهدين }
على معنى واذكر داوود وسليمان {إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم}النفش بالليل، والهمل بالنهار.
وجاء في التفسير أن غنما على عهد داوود وسليمان مرت بحرث لقوم فأفسدته، وروي أن الحرث كان حنطة، وروي أنه كان كرما، فأفسدت ذلك الحرث فحكم داود بدفع الغنم إلى أصحاب الكرم وحكم سليمان بأن يدفع الغنم إلى أصحاب الكرم فيأخذوا منافعها من ألبانها وأصوافها وعوارضها إلى أن يعود الكرم كهيئته وقت أفسد فإذا عاد الكرم إلى هيئته ردّت الغنم إلى أربابها ويدفع الكرم إلى صاحب الكرم.
قال أبو إسحاق: يجوز أن تكون عوارضها من أحد وجهين، إما أن يكون جمع عريض وعرضان، وهو اسم للحمل، وأكثر ذلك في الجدي، ويجوز أن يكون بما يعرض من منافعها حتى يعود الكرم كما كان، وهذا - واللّه أعلم - يدل على أن سليمان علم أن قيمة ما أفسدت الغنم من الكرم بمقدار نفع الغنم). [معاني القرآن: 3/399]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {نَفَشَتْ فِيهِ غنم القوم}: أي رعت ليلاً، يقال: نفشت بالليل، وسرحت بالنهار ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 156]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {نَفَشَتْ}: رعت ليلاً). [العمدة في غريب القرآن: 208]

تفسير قوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه: {ففهّمناها سليمان} [الأنبياء: 79] وفي تفسير الكلبيّ: أنّ أصحاب الحرث استعدوا على أصحاب
[تفسير القرآن العظيم: 1/327]
الغنم فنظر داود ثمن الحرث فإذا هو قريبٌ من ثمن الغنم، فقضى بالغنم لصاحب الحرث.
فمرّوا بسليمان فقال: كيف قضى فيكم نبيّ اللّه؟ فأخبروه.
فقال: نعم ما قضى، وغيره كان أرفق بالفريقين كليهما.
فدخل أصحاب الغنم على داود فأخبروه.
فأرسل إلى سليمان فدخل عليه، فعزم عليه داود بحقّ النّبوّة وبحقّ الملك، وحقّ الوالد لما حدّثتني كيف رأيت فيما قضيت.
فقال سليمان: قد عدل النّبيّ وأحسن، وغيره كان أرفق.
قال: ما هو؟ قال: تدفع الغنم إلى أهل الحرث فينتفعون بسمنها، ولبنها، وأصوافها، وأولادها عامهم هذا وعلى أهل الغنم أن يزرعوا لأهل الحرث مثل الّذي أفسدت غنمهم، فإذا كان مثله حين أفسدوه قبضوا غنمهم.
قال له داود: نعم ما قضيت.
نا سفيان، عن أبي إسحاق، عن مسروقٍ قال: كان عنبًا.
وقال الكلبيّ: وكان الحرث عنبًا.
وتفسير مجاهدٍ: أنّ داود أعطى صاحب الحرث رقاب الغنم بأكلها الحرث.
وحكم سليمان بجزّة الغنم وألبانها لأهل الحرث، وعلى أهل الحرث رعيتها، ويحرث لهم أهل الغنم حتّى يكون كهيئته يوم أكل، ثمّ يدفعونه إلى أهله ويأخذون غنمهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/328] (م)
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({ففهّمناها سليمان} [الأنبياء: 79] قال يحيى: كان هذا القضاء يومئذٍ، وقد تكون لأمّةٍ شريعةٌ ولأمّةٍ أخرى شريعةٌ غيرها، وقضاءٌ غير قضاء الأمّة الأخرى). [تفسير القرآن العظيم: 1/329]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وكلًّا آتينا حكمًا وعلمًا} [الأنبياء: 79] يعني: أعطينا حكمًا وعلمًا، يعني: وعقلًا.
تفسير السّدّيّ، يعني بذلك: داود وسليمان.
قال: {وسخّرنا مع داود الجبال يسبّحن والطّير} [الأنبياء: 79] كانت جميع الجبال وجميع الطّير تسبح مع داود بالغداة والعشيّ ويفقه تسبيحها.
نا سعيدٌ، عن قتادة في قوله: {يسبّحن} [الأنبياء: 79] قال: يصلّين، يفقه ذلك داود.
قوله: {وكنّا فاعلين} [الأنبياء: 79] أي: قد فعلنا ذلك بداود). [تفسير القرآن العظيم: 1/330]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(قال اللّه عزّ وجلّ: {ففهّمناها سليمان وكلّا آتينا حكما وعلما وسخّرنا مع داوود الجبال يسبّحن والطّير وكنّا فاعلين}

أي فهمناه القضية، والحكومة.
{وكلّا آتينا حكما وعلما}.
وقوله عزّ وجلّ: {وسخّرنا مع داوود الجبال يسبّحن والطّير}.
ويجوز والطّير، على العطف على ما في يسبحن، ولا أعلم أحدا قرأ بها.
{وكنّا فاعلين} أي وكنا نقدر على ما نريده، ونصب " الطير " من جهتين "
إحداهما على معنى وسخرنا الطير.
والأخرى على معنى يسبحن مع الطير). [معاني القرآن: 3/400-399]

تفسير قوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وعلّمناه صنعة لبوسٍ لكم} [الأنبياء: 80] يعني دروع الحديد.
{لتحصنكم} [الأنبياء: 80] به، يعني: تجنّبكم.
{من بأسكم} [الأنبياء: 80] والبأس: القتال.
{فهل أنتم شاكرون} [الأنبياء: 80] فكان داود أوّل من عمل الدّروع، وكانت قبل ذلك صفائح). [تفسير القرآن العظيم: 1/330]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وعلّمناه صنعة لبوسٍ لّكم لتحصنكم...}

و(ليحصنكم) و(لنحصنكم) فمن قال: (ليحصنكم) بالياء كان لتذكير اللّبوس. ومن قال: (لتحصنكم) بالتاء ذهب إلى تأنيث الصنعة. وإن شئت جعلته لتأنيث الدروع لأنها هي اللبوس.
ومن قرأ: (لنحصنكم)، بالنون يقول: لنحصنكم نحن: وعلى هذا المعنى يجوز (ليحصنكم) بالياء الله من بأسكم أيضاً). [معاني القرآن: 2/209]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وعلّمناه صنعة لبوس لّكم} واللبوس: السلاح كلما من درع إلى رمح وقال الهذلي:
[مجاز القرآن: 2/41]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {علّمناه صنعة لبوسٍ لكم} يعني الدّروع.
{لتحصنكم من بأسكم} أي من الحرب). [تفسير غريب القرآن: 287]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وعلّمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون}
وقرئت (لنحصنكم من بأسكم) بالنون، ويجوز (ليحصنكم) بالياء.
فمن قرأ بالياء أراد ليحصنكم هذا اللبوس، ويجوز على معنى ليحصنكم بالياء، فمن قرأ بالياء أراد ليحصنكم هذا اللبوس، ويجوز على معنى ليحصنكم اللّه من باسكم وهي مثل لنحصنكم – بالنون ومن قرأ بالتاء أراد لتحصنكم الصنعة.
فهذه الثلاثة الأوجه قد قرئ بهنّ، ويجوز فيها ثلاث لم يقرأ بهن، ولا ينبغي أن يقرأ بهن لأن القراءة سنة.
يجوز لنحصّنكم بالنون والتشديد، ولتحصّنكم بالتاء والتشديد.
وليحصّنكم بالياء مشددة الصاد في هذه الثلاث.
وعلّم الله داوود صنعة الدروع من الزرد، ولم تكن قبل داوود عليه السلام فجمعت الخفة والتحصين، كذا روي). [معاني القرآن: 3/400]

تفسير قوله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولسليمان الرّيح} [الأنبياء: 81] أي: وسخّرنا لسليمان الرّيح.
{عاصفةً} [الأنبياء: 81] لا تؤذيه.
{تجري بأمره} [الأنبياء: 81] مسخّرةً.
قوله: {تجري بأمره إلى الأرض الّتي باركنا فيها} [الأنبياء: 81] وهي أرض الشّام وأفضلها فلسطين.
قال: {وكنّا بكلّ شيءٍ عالمين} [الأنبياء: 81]
قال: حدّثني عبد الرّحمن بن يزيد بن جابرٍ، عن عمر بن موسى، عن عقبة بن وسّاجٍ قال: ما ينقص من الأرض يزاد في الشّام، وما ينقص من الشّام يزاد بفلسطين.
نا سعيدٌ، عن قتادة قال: ما نقص من الأرض زيد في الشّام، وما نقص من الشّام زيد في فلسطين.
وذلك أنّه يقال: إنّها أرض المحشر والمنشر، وبها يجتمع النّاس.
- قال قتادة: وحدّث أبو قلابة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «رأيت فيما يرى النّائم كأنّ الملائكة حملت عمود الكتاب فوضعته بالشّام، فأوّلتها فضل الشّام، إنّ الفتن إذا وقعت كان الإيمان بالشّام».
الصّلت بن دينارٍ، عن أبي صالحٍ، عن نوفٍ البكاليّ قال: تخرب الأمصار قبل الشّام بأربعين عامًا، وإنّما ضمنت لأهلها برًّا وزيتًا حتّى تقوم السّاعة وإنّ بها قبر اثنين وسبعين نبيًّا، وإنّ إليها المحشر والمنشر، وإنّ بها الميزان، وإنّ
[تفسير القرآن العظيم: 1/331]
الصّخرة تخرج من تحتها أربعة أنهارٍ: سيحون، وجيحون، والنّيل، والفرات). [تفسير القرآن العظيم: 1/332]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {تجري بأمره إلى الأرض...}

كانت تجري بسليمان إلى كلّ موضع؛ ثم تعود به من يومه إلى منزله. فذلك قوله: {تجري بأمره إلى الأرض} ). [معاني القرآن: 2/209]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {عاصفةً} شديدة الحر.
وقال في موضع آخر: {فسخّرنا له الرّيح تجري بأمره رخاءً}، أي لينة. كأنها كانت تشتدّ إذا أراد، وتلين إذا أراد). [تفسير غريب القرآن: 287]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ولسليمان الرّيح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض الّتي باركنا فيها وكنّا بكلّ شيء عالمين}
وقرئت الرياح عاصفة، وقرئت الريح عاصفة - برفع الريح.
فمن قرأ الريح عاصفة بالنصب فهي عطف على الجبال.
والمعنى وسخرنا مع داود الجبال، وسخرنا لسليمان الريح، وعاصفة منصوب على الحال ومن قرأ الريح رفع كما تقول: لزيد المال، وهذا داخل في معنى التسخير،
لأنه إذا قال {تجري بأمره إلى الأرض} ففي الكلام دليل على أن اللّه جل ثناؤه - سخّرها). [معاني القرآن: 3/401-400]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ومن الشّياطين من يغوصون له} [الأنبياء: 82] وهذا على الجماعة.
{ويعملون عملا دون ذلك} [الأنبياء: 82] دون الغوص.
وكانوا يغوصون في البحر فيخرجون له اللّؤلؤ.
وقال في آيةٍ أخرى: {كلّ بنّاءٍ وغوّاصٍ} [ص: 37].
وقال قتادة: ورّث اللّه سليمان داود نبوّته، وملكه، وزاد سليمان على ذلك أنّ اللّه تبارك وتعالى سخّر له الرّيح والشّياطين.
قوله: {وكنّا لهم حافظين} [الأنبياء: 82] حفظهم اللّه عليه ألا يذهبوا ويتركوه، فكانوا مسخّرين له.
وقال الحسن: لم يسخّر له في هذه الأعمال وفيما يصفّد، يجعلهم في السّلاسل من الجنّ، إلا الكفّار منهم.
واسم الشّيطان لا يقع إلا على الكافر من الجنّ.
حدّثني قرّة بن خالدٍ، عن عطيّة العوفيّ قال: أمر سليمان ببناء بيت المقدس، فقالوا له: زوبعة الشّيطان له عينٌ في جزيرةٍ في البحر، يردها كلّ سبعةٍ أيّامٍ يومًا.
فأتوها، فنزحوها ثمّ صبّوا فيها خمرًا.
فجاء لورده، فلمّا أبصر الخمر قال في كلامٍ له: ما علمت أنّك إذا شربك صاحبك لممًا يظهر عليه عدوّه، في أساجع.
لا أذوقك اليوم.
فذهب ثمّ رجع لظمأٍ آخر.
فلمّا رآها قال كما قال أوّل مرّةٍ.
ثمّ ذهب فلم يشرب.
ثمّ جاء لظمأٍ آخر لإحدى وعشرين ليلةً، قال: ما علمت أنّك لتذهبين الهمّ، في سجعٍ له.
فشرب منها، فسكر.
فجاءوا إليه، فأروه خاتم السّخرة فانطلق معهم إلى سليمان.
فأمرهم بالبناء، فقال زوبعة: دلّوني على بيض الهدهد.
فدلّ
[تفسير القرآن العظيم: 1/332]
على عشّه.
فأكبّ عليه جمجمةً، يعني زجاجةً.
فجاء الهدهد فجعل لا يصل إليه، فانطلق، فجاء بالماس الّذي يثقب به الياقوت، فوضعه عليها، فقطّ الزّجاجة نصفين، ثمّ ذهب ليأخذه فأعجزه، فجاءوا بالماس إلى سليمان، فجعلوا يستعرضون الجبال كأنّما يخطّون في نواحيها في طينٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/333]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ويعملون عملاً دون ذلك...}

دون الغوص. يريد سوى الغوص. من البناء.
وقوله: {وكنّا لهم حافظين} للشياطين. وذلك أنهم كانوا يحفظون من إفساد ما يعملون فكان سليمان إذا فرغ بعض الشياطين من عمله وكّله بالعمل الآخر،
لأنه كان إذا فرغ ممّا يعمل فلم يكن له شغل كرّ على تهديم ما بنى فذلك قوله: {وكنّا لهم حافظين} ). [معاني القرآن: 2/209]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ومن الشّياطين من يغوصون له} " ومن " يقع على الواحد والاثنين والجميع من المذكر والمؤنث.
قال الفرزدق:
تعال فإن عاهدتني لا تخونني=نكن مثل من يا دئب يصطحبان
وكذلك يقع على المؤنث كقوله " ومن يقنت منكنّ لله ورسوله وتعمل صالحاً "، وقد يجوز أن يخرج لفظ فعل: " من " على لفظ الواحد والمعنى على الجميع؛
كقولك: من يفعل ذلك، وأنت تسأل عن الجميع). [مجاز القرآن: 2/41]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ومن الشّياطين من يغوصون له ويعملون عملاً دون ذلك وكنّا لهم حافظين}
وقال: {ومن الشّياطين من يغوصون له} فذكر الشياطين وليسوا من الإنس إلاّ أنّهم مثلهم في الطاعة والمعصية. ألا ترى أنك تقول "الشياطين يعصون" ولا تقول: "يعصين" ،
وإنما جمع {يغوصون} و{من} في اللفظ واحد لأن {من} في المعنى لجماعة.
قال الشاعر:
لسنا كمن جعلت إيادٍ دارها = تكريت تنظر حبّها أن يحصدا
وقال:
أطوف بها لا أرى غيرها = كما طاف بالبيعة الرّاهب
فجعل "الراهب" بدلا من {ما} كأنه قال "كالذي طاف" وتقول العرب: "إنّ الحقّ من صدّق الله" أي: "الحقّ حقّ من صدّق الله"). [معاني القرآن: 3/8-7]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ومن الشّياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنّا لهم حافظين}
يجوز أن يكون موضع " من " نصبا عطفا على الريح، ويجوز أن يكون " من " - في موضع رفع من جهتين:
إحداهما العطف على الريح، المعنى ولسليمان الريح وله من يغوصون من الشياطين، ويجوز أن يكون رفعا بالابتداء، ويكون " له " الخبر.
وقوله: {ويعملون عملا دون ذلك}معناه سوى ذلك، أي سوى الغوص.
{وكنّا لهم حافظين}كان اللّه يحفظهم من أن يفسدوا ما عملوا). [معاني القرآن: 3/401]

تفسير قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وأيّوب إذ نادى ربّه أنّي مسّني الضّرّ} [الأنبياء: 83] قال قتادة: المرض.
وقال الحسن كقوله: {أنّي مسّني الشّيطان بنصبٍ وعذابٍ} [ص: 41] قال الحسن: إنّ إبليس قال: يا ربّ، هل من عبيدك عبدٌ إن سلطّتني عليه امتنع منّي؟ قال: نعم، عبدي أيّوب.
قال: فسلّطه عليه ليجهد جهده، ويضلّه بخباله وغروره فامتنع منه.
قال إبليس: يا ربّ، إنّه قد امتنع منّي، فسلّطني على ماله.
فسلّطه على ماله فجعل يهلك ماله صنفًا صنفًا ويأتيه فيقول: يا أيّوب هلك مالك في موضع كذا وكذا فيقول: الحمد للّه، اللّهمّ أنت أعطيته، وأنت أخذته منّي، إن تبق لي نفسي أحمدك على بلائك.
قال إبليس: يا ربّ إنّ أيّوب لا يبالي بماله، فسلّطني على جسده.
فسلّطه اللّه عليه فمكث سبع سنين وأشهرًا في العذاب حتّى وقعت الأكلة في جسده.
قال يحيى: وبلغني أنّ الدّودة كانت تقع من جسده فيردّها في مكانها ويقول: كلي ممّا رزقك اللّه.
قال الحسن: فدعا ربّه: {أنّي مسّني الشّيطان بنصبٍ وعذابٍ} [ص: 41] وقال في هذه الآية: {أنّي مسّني الضّرّ وأنت أرحم الرّاحمين} [الأنبياء: 83] فأوحى اللّه إليه أن: {اركض برجلك} [ص: 42] فركض برجله ركضةً وهو لا يستطيع القيام.
فإذا عينٌ فاغتسل منها، فأذهب اللّه تبارك وتعالى ظاهر دائه، ثمّ مشى على رجليه أربعين
[تفسير القرآن العظيم: 1/333]
ذراعًا، ثمّ قيل له: {اركض برجلك} [ص: 42] أيضًا، فركض برجله ركضةً أخرى، فإذا عينٌ، فشرب منها، فأذهب اللّه تبارك وتعالى باطن دائه، وردّ عليه أهله، وولده وأمواله من البقر، والغنم، والحيوان، وكلّ شيءٍ هلك بعينه.
ثمّ أبقاه اللّه فيها حتى وهب له من نسولها أمثالها، فهو قوله: {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم} [ص: 43] قال قتادة: أحيا اللّه له أهله بأعيانهم، وأعطاه مثلهم معهم.
وقال الحسن: إنّ اللّه تبارك وتعالى أحيا ولد أيّوب بأعيانهم، وكانوا ماتوا قبل آجالهم تسليطًا من اللّه للشّيطان عليهم، فأحياهم اللّه، فوفّاهم آجالهم.
وإنّ اللّه تبارك وتعالى أبقاه فيهم حتّى أعطاه من نسولهم مثلهم.
وإنّ إبليس قال: يا أيّوب وهو يأتيه عيانًا، اذبح لي سخلةً من غنمك، قال: لا ولا كفًّا من ترابٍ.
- الصّلت بن دينارٍ، عن أبي عثمان النّهديّ قال: سمعت عبد اللّه بن مسعودٍ يقول: لا يبلغ عبدٌ الكفر والإشراك حتّى يذبح لغير اللّه، أو يصلّي لغير اللّه، أو يدعو غير اللّه.
وحدّثني أبو أميّة، عن الحسن قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى يحتجّ على النّاس يوم القيامة بثلاثةٍ من الأنبياء، فيجيء العبد فيقول: أعطيتني جمالًا في الدّنيا فأعجبت به، ولولا ذلك لعملت بطاعتك.
فيقول اللّه له تبارك وتعالى: الجمال الّذي أعطيت في الدّنيا أفضل أو الجمال الّذي أعطي يوسف؟ فيقول العبد: لا، الجمال الّذي أعطي يوسف.
فيقول اللّه: إنّ يوسف كان يعمل بطاعتي، فيحتجّ عليه بذلك.
ويأتي العبد فيقول: ابتليتني في الدّنيا، ولولا ذلك لعملت بطاعتك.
فيقول اللّه له: البلاء الّذي ابتليت به في الدّنيا أشدّ أو البلاء الّذي ابتلي به أيّوب؟ فيقول العبد: البلاء الّذي ابتلي به أيّوب.
فيقول اللّه له تبارك وتعالى: قد كان أيّوب يعمل بطاعتي، فيحتجّ عليه بذلك.
ويجيء العبد فيقول: أعطيتني ملكًا في الدّنيا فأعجبت به، ولولا ذلك لعملت بطاعتك.
فيقول اللّه تبارك وتعالى: الملك الّذي أعطيتك في الدّنيا أفضل أو الملك الّذي أعطي سليمان؟ فيقول العبد: الملك الّذي أعطي سليمان.
فيقول اللّه: قد كان سليمان يعمل بطاعتي، فيحتجّ اللّه عليه بذلك.
[تفسير القرآن العظيم: 1/334]
وحدّثني أبو أميّة عن الحسن أنّ أيّوب لم يبلغه شيءٌ يقوله النّاس كان أشدّ عليه من قولهم: لو كان نبيًّا ما ابتلي بالّذي ابتلي به.
فدعا اللّه فقال: اللّهمّ إن كنت تعلم أنّي لم أعمل حسنةً في العلانية إلا عملت في الشّرّ مثلها فاكشف ما بي من ضرٍّ وأنت أرحم الرّاحمين.
فاستجاب اللّه له، فوقع ساجدًا، وأمطر عليه فراش الذّهب فجعل يلتقطه ويجمعه). [تفسير القرآن العظيم: 1/335]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
(والضُّرّ: الشدة والبلاء ... ومنه المرض، كقول أيوب عليه السّلام: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ}،

{فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا}). [تأويل مشكل القرآن: 483]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأيّوب إذ نادى ربّه أنّي مسّني الضّرّ وأنت أرحم الرّاحمين}
(أيّوب) منصوب على معنى واذكر أيّوب). [معاني القرآن: 3/401]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {رحمةً من عندنا وذكرى للعابدين} [الأنبياء: 84] يعني أنّ الّذي كان ابتلي به أيّوب لم يكن من هوانه على اللّه، ولكنّ اللّه تبارك وتعالى أراد كرامته بذلك وجعل ذلك عزاءً للعابدين بعده فيما يبتلون به، وهو قوله عزّ وجلّ: {وذكرى للعابدين} [الأنبياء: 84] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/335]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وآتيناه أهله ومثلهم مّعهم...}

ذكر أنه كان لأيّوب سبعة بنين وسبع بناتٍ فماتوا في بلائه. فلمّا كشفه الله عنه أحيا الله له بنيه وبناته، وولد له بعد ذلك مثلهم.
فذلك قوله: {أهله ومثلهم مّعهم رحمةً} فعلنا ذلك رحمةً). [معاني القرآن: 2/209]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرّ وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين}
أكثر التفاسير أن اللّه - جل ثناؤه - أحيا من مات من بنيه وبناته ورزقه مثلهم من الولد، وقيل {آتيناه أهله ومثلهم معهم} آتيناه في الآخرة). [معاني القرآن: 3/401]

تفسير قوله تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كلٌّ من الصّابرين} [الأنبياء: 85]
- سعيدٌ، عن قتادة قال: ذكر لنا أنّ الأشعريّ قال: إنّ ذا الكفل لم يكن نبيًّا ولكنّه كان عبدًا صالحًا، تكفّل بعمل رجلٍ صالحٍ عند موته كان يصلّي للّه كلّ يومٍ مائة صلاةٍ فأحسن اللّه عليه الثّناء.
عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: إنّ ذا الكفل كان رجلًا صالحًا وليس بنبيٍّ، تكفّل لنبيٍّ بأن يكفل له أمر قومه، ويقيمه لهم، ويقضي بينهم بالعدل). [تفسير القرآن العظيم: 1/335]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
( {وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كلّ من الصّابرين}

هذا كله منصوب على (واذكر).
يقال إن ذا الكفل سمي بهذا الاسم لأنه تكفل بأمر نبّيّ في أمّته فقام بما يجب فيهم وفيه، ويقال إنه تكفل بعمل رجل صالح فقام به، والكفل في اللغة الكساء الذي يجعل وراء الرّحل على عجز البعير، وقيل الكفل أيضا النصيب،
قال اللّه عزّ وجلّ: {يؤتكم كفلين من رحمته} ). [معاني القرآن: 3/402-401]

تفسير قوله تعالى: {وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وأدخلناهم في رحمتنا} [الأنبياء: 86] يعني الجنّة.
{إنّهم من الصّالحين} [الأنبياء: 86] والصّالحون هم أهل الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/335]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 08:23 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 87 إلى آخر السورة]

{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (91) إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94) وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95) حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97) إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آَذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111) قَالَ رَبِّ احْكُمْ ‎بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)}

تفسير قوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وذا النّون} [الأنبياء: 87] يعني يونس.
وقال في آيةٍ أخرى: {كصاحب الحوت} [القلم: 48] والحوت، النّون.
{إذ ذهب مغاضبًا} [الأنبياء: 87] يعني مكابدًا لدين ربّه في تفسير الحسن.
{فظنّ أن لن نقدر عليه} [الأنبياء: 87] قال قتادة: فظنّ أن لن نعاقبه بما صنع.
قال: وبلغنا أنّ يونس دعا قومه زمانًا إلى اللّه عزّ وجلّ، فلمّا طال ذلك وأبوا
[تفسير القرآن العظيم: 1/335]
أوحى اللّه إليه أنّ العذاب يأتيهم يوم كذا وكذا.
فلمّا دنا الوقت تنحّى عنهم، فلمّا كان قبل الوقت بيومٍ جاء فجعل يطوف بالمدينة وهو يبكي ويقول: غدًا يأتيكم العذاب.
فسمعه رجلٌ منهم، فانطلق إلى الملك فأخبره أنّه سمع يونس يبكي ويقول: غدًا يأتيكم العذاب.
فلمّا سمع ذلك الملك دعا قومه، فأخبرهم بذلك وقال: إن كان هذا حقًّا فسيأتيكم العذاب غدًا، فاجتمعوا حتّى ننظر في أمرنا.
فاجتمعوا، فخرجوا من المدينة من الغد، فنظروا فإذا بظلمةٍ وريحٍ شديدةٍ قد أقبلت نحوهم.
فعلموا أنّه الحقّ، ففرّقوا بين الصّبيان وبين أمّهاتهم، وبين البهائم وبين أمّهاتها، ولبسوا الشّعر، وجعلوا الرّماد والتّراب على رءوسهم تواضعًا للّه وتضرّعوا إليه، وبكوا، وآمنوا.
فصرف اللّه عنهم العذاب.
واشترط بعضهم على بعضٍ ألا يكذب منهم أحدٌ كذبةً إلا قطعوا لسانه.
فجاء يونس من الغد، فنظر فإذا المدينة على حالها، وإذا النّاس داخلون وخارجون.
فقال: أمرني ربّي أن أخبر قومي أنّ العذاب يأتيهم فلم يأتهم، فكيف ألقاهم؟ فانطلق حتّى انتهى إلى ساحل البحر، فإذا سفينةٌ في البحر، فأشار إليهم، فأتوه، فحملوه ولا يعرفونه.
فانطلق إلى ناحيةٍ من السّفينة، فتقنّع ورقد.
فما مضى إلا قليلًا حتّى جاءتهم ريحٌ كادت تغرق السّفينة.
فاجتمع أهل السّفينة، فدعوا اللّه ثمّ قالوا: أيقظوا الرّجل يدعو اللّه معنا ففعلوا.
فدعا اللّه معهم، فرفع اللّه تبارك وتعالى عنهم تلك الرّيح.
ثمّ انطلق إلى مكانه فرقد.
فجاءت ريحٌ كادت السّفينة تغرق.
فأيقظوه ودعوا اللّه، فارتفعت الرّيح.
ثمّ انطلق إلى مكانه فرقد.
فجاءت ريحٌ كادت السّفينة تغرق، فأيقظوه ودعوا اللّه، فارتفعت.
فتفكّر العبد الصّالح يونس فقال: هذا من خطيئتي أو قال: من ذنبي أو كما قال.
فقال لأهل السّفينة: شدّوني وثاقًا وألقوني في البحر.
فقالوا: ما كنّا لنفعل وحالك حالك، ولكنّا نقترع، فمن
[تفسير القرآن العظيم: 1/336]
أصابته القرعة ألقيناه في البحر.
فاقترعوا، فأصابته القرعة، فقال: قد أخبرتكم، فقالوا: ما كنّا لنفعل ولكن اقترعوا الثّانية، فاقترعوا، فأصابته القرعة.
ثمّ اقترعوا الثّالثة فأصابته القرعة وهو قوله عزّ وجلّ: {فساهم فكان من المدحضين} [الصافات: 141] أي: من المقروعين.
ويقال: من المسهومين، يعني أنّه وقع السّهم عليه.
فانطلق إلى صدر السّفينة ليلقي نفسه في البحر، فإذا هو بحوتٍ فاتحٍ فاه، ثمّ انطلق إلى ذنب السّفينة، فإذا هو بالحوت فاتحٍ فاه، ثمّ جاء إلى جانب السّفينة، فإذا هو بالحوت فاتحٍ فاه، ثمّ جاء إلى الجانب الآخر، فإذا هو بالحوت فاتحٍ فاه، فلمّا رأى ذلك ألقى نفسه في البحر، فالتقمه الحوت.
فأوحى اللّه تبارك وتعالى إلى الحوت: إنّي لم أجعله لك رزقًا ولكن جعلت بطنك له سجنًا.
فمكث في بطن الحوت أربعين ليلةً.
{فنادى في الظّلمات} [الأنبياء: 87] كما قال اللّه: {أن لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين} [الأنبياء: 87] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/337]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فنادى في الظّلمات} [الأنبياء: 87] يعني ظلمة البحر، وظلمة اللّيل، وظلمة بطن الحوت.
وهو تفسير السّدّيّ.
{أن لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين} [الأنبياء: 87] يعني بخطيئته). [تفسير القرآن العظيم: 1/338]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فظنّ أن لّن نّقدر عليه...}

يريد أن لن نقدر عليه من العقوبة ما قدرنا.
وقوله: {فنادى في الظّلمات أن لاّ اله إلاّ أنت} يقال: ظلمة البحر، وبطن الحوت ومِعاها (مقصور) الذي كان فيه يونس فتلك الظلمات). [معاني القرآن: 2/209]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وذا النّون إذ ذّهب مغاضباً فظنّ أن لّن نّقدر عليه فنادى في الظّلمات أن لاّ إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين}
وقال: {إذ ذّهب مغاضباً فظنّ أن لّن نّقدر عليه} أي: لن نقدر عليه العقوبة، لأنه قد أذنب بتركه قومه وإنما غاضب بعض الملوك ولم يغاضب ربه كان بالله عز وجل أعلم من ذلك). [معاني القرآن: 3/8]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وذا النّون}: ذا الحوت. والنون: الحوت.
{فظنّ أن لن نقدر عليه} أي نضيق عليه. يقال: فلان مقدّر عليه، ومقتّر عليه في رزقه. وقال: {وأمّا إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه}، أي ضيّق عليه في رزقه). [تفسير غريب القرآن: 287]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (يقول الله سبحانه: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}.
{فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}، أي لن نضيّق عليه، وأنّا نخلّيه ونهمله. والعرب تقول: فلان مقدّر عليه في الرزق، ومقتّر عليه، بمعنى واحد، أي مضيّق عليه.
ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ}. وقدر- بالتخفيف والتثقيل- قال أبو عمرو بن العلاء: قتر وقتّر وقدر وقدّر، بمعنى واحد، أي ضيّق.
فعاقبه الله عن حميّته وأنفته وإباقته، وكراهيته العفو عن قومه، وقبول إنابتهم- بالحبس له، والتّضييق عليه في بطن الحوت.
وفي رواية أبي صالح: أن ملكا من ملوك بني إسرائيل كان أمره بالمسير إلى نينوى ليدعو أهلها بأمر شعياء النبي صلّى الله عليه وسلم، فأنف من أن يكون ذهابه إليهم بأمر أحد غير الله تعالى، فخرج مغاضبا للملك، فعاقبه الله بالتقام الحوت.
قال: فلما قذفه الحوت بعثه الله إلى قومه فدعاهم. وأقام بينهم حتى آمنوا). [تأويل مشكل القرآن: 409-408] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.
يستوحش كثير من الناس من أن يلحقوا بالأنبياء ذنوبا، ويحملهم التنزيه لهم، صلوات الله عليهم، على مخالفة كتاب الله جلّ ذكره، واستكراه التأويل، وعلى أن يلتمسوا لألفاظه المخارج البعيدة بالحيل الضعيفة التي لا تخيل عليهم،
أو على من علم منهم- أنّها ليست لتلك الألفاظ بشكل، ولا لتلك المعاني بلفق.
كتأوّلهم في قوله تعالى: {وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} أي: بشم من أكل الشجرة. وذهبوا إلى قول العرب: غوى الفصيل: إذا أكثر من اللبن حتى يبشم. وذلك غوى- بفتح الواو- يغوي غيّا. وهو من البشم غوي- بكسر الواو- يغوى غوى.
قال الشاعر يذكر قوسا:

معطّفة الأثناء ليس فصيلها = برازئها درّا ولا ميّت غوى
وأراد بالفصيل: السّهم. يقول: ليس يرزؤها درّا، ولا يموت بشما، ولو وجد أيضا في (عصى) مثل هذا السّنن لركبوه، وليس في (غوى) شيء إلا ما في (عصى) من معنى الذّنب؛
لأن العاصي لله التّارك لأمره غاو في حاله تلك، والغاوي عاص. والغيّ ضدّ الرّشد، كما أن المعصية ضد الطاعة.
وقد أكل آدم، صلّى الله عليه وسلم، من الشجرة التي نهي عنها باستزلال إبليس وخدائعه إيّاه بالله والقسم به إنه لمن الناصحين، حتى دلّاه بغرور. ولم يكن ذنبه عن إرصاد وعداوة وإرهاص كذنوب أعداء الله. فنحن نقول: (عصى وغوى)، كما قال الله تعالى، ولا نقول: آدم (عاص ولا غاو)، لأن ذلك لم يكن عن اعتقاد متقدّم ولا نيّة صحيحة،
كما تقول لرجل قطع ثوبا وخاطه: قد قطعه وخاطه، ولا تقل: خائط ولا خيّاط حتى يكون معاودا لذلك الفعل، معروفا به.
وكتأولهم في قوله سبحانه: ولقد همّت به وهمّ بها أنها همّت بالمعصية، وهمّ بالفرار منها! وقال (بعضهم): وهمّ بضربها! والله تعالى يقول: {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}.
أفتراه أراد الفرار منها. أو الضرب لها، فلما رأى البرهان أقام عندها وأمسك عن ضربها؟! هذا ما ليس به خفاء ولا يغلط متأوّله.
ولكنها همّت منه بالمعصية همّ نيّة واعتقاد، وهمّ نبي الله صلّى الله عليه وسلم، همّا عارضا بعد طول المراودة، وعند حدوث الشهوة التي أتي أكثر الأنبياء في هفواتهم منها.
وقد روي في الحديث: أنه ليس من نبي إلا وقد أخطأ أو همّ بخطيئة غير يحيى بن زكريا، عليهما السلام، لأنّه كان حصورا لا يأتي النساء ولا يريدهنّ.
فهذا يدلّك على أنّ أكثر زلّات الأنبياء من هذه الجهة، وإن كانوا لم يأتوا في شيء منها فاحشة، بنعم الله عليهم ومنّه، فإن الصغير منهم كبير لما آتاهم الله من المعرفة،
واصطفاهم له من الرسالة، وأقام عليهم من الحجّة. ولذلك قال يوسف، صلّى الله عليه وسلم: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}،
يريد ما أضمره وحدّث به نفسه عند حدوث الشّهوة.
وقد وضع الله تعالى الحرج عمّن همّ بخطيئة ولم يعملها.
وقالوا في قوله: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا}: إنه غاضب قومه! استيحاشا من أن يكون مع تأييد الله وعصمته وتوفيقه وتطهيره، يخرج مغاضبّا لربّه. ولم يذهب مغاضبا لربّه ولا لقومه، لأنّه بعث إليهم فدعاهم برهة من الدّهر فلم يستجيبوا، ووعدهم عن الله فلم يرغبوا، وحذّرهم بأسه فلم يرهبوا، وأعلمهم أنّ العذاب نازل عليهم لوقت ذكره لهم، ثم إن اعتزلهم ينتظر هلكتهم. فلما حضر الوقت أو قرب فكّر القوم واعتبروا، فتابوا إلى الله وأنابوا، وخرجوا بالمراضيع وأطفالها يجأرون ويتضرّعون، فكشف الله تعالى عنهم العذاب، ومتّعهم إلى حين.
فإن كان نبي الله، صلّى الله عليه وسلم، ذهب مغاضبا على قومه قبل أن يؤمنوا، فإنما راغم من استحق في الله أن يراغم، وهجر من وجب أن يهجر، واعتزل من علم أن قد حقّت عليه كلمة العذاب. فبأيّ ذنب عوقب بالتهام الحوت، والحبس في الظّلمات، والغمّ الطويل؟.
وما الأمر الذي ألام فيه فنعاه الله عليه إذ يقول: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} والمليم: الذي أجرم جرما استوجب به الّلوم.
ولم أخرجه من أولي العزم من الرّسل، حين يقول لنبيه، صلّى الله عليه وسلم: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ}.
وإن كان الغضب عليهم بعد أن آمنوا، فهذا أغلظ مما أنكروا، وأفحش مما استقبحوا، كيف يجوز أن يغضب على قومه حين آمنوا، ولذلك انتخب وبه بعث، وإليه دعا؟!.
وما الفرق بين عدو الله ووليّه إن كان وليّه يغضب من إيمان مائة ألف أو يزيدون؟.
والقول في هذا أنّ المغاضبة: المفاعلة من الغضب، والمفاعلة تكون من اثنين، تقول: غاضبت فلانا مغاضبة وتغاضبنا: إذا غضب كلّ واحد منكما على صاحبه، كما تقول: ضاربته مضاربة، وقاتلته مقاتلة، وتضاربنا وتقاتلنا.
وقد تكون المفاعلة من واحد، فنقول: غاضبت من كذا: أي غضبت، كما تقول:سافرت وناولت، وعاطيت الرّجل، وشارفت الموضع، وجاوزت، وضاعفت، وظاهرت، وعاقبت.
ومعنى المغاضبة هاهنا: الأنفة، لأن الأنف من الشيء يغضب، فتسمّى الأنفة غضبا، والغضب أنفة، إذا كان كل واحد بسبب من الآخر، تقول: غضبت لك من كذا، وأنت تريد أنفت،
قال الشاعر:
غضبت لكم أن تساموا اللّفاء= بشجناء من رحم توصل
يروى مرة: (أنفت لكم)، ومرة: (غضبت لكم)، لأنّ المعنيين متقاربان.
وكذلك (العبد) أصله: الغضب. ثم قد تسمّى الأنفة عبدا.
وقال الشاعر:
وأعبد أن تهجى تميم بدارم
يريد: آنف.
وحكى أبو عبيد، عن أبي عمرو، أنه قال في قوله تعالى: {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}: هو من الغضب والأنفة. ففسّر الحرف بالمعنيين لتقاربهما.
فكأنّ نبيّ الله، صلّى الله عليه وسلم، لمّا أخبرهم عن الله أنّه منزل العذاب عليهم لأجل، ثم بلغه بعد مضيّ الأجل أنّه لم يأتهم ما وعدهم- خشي أن ينسب إلى الكذب ويعيّر به، ويحقّق عليه، لاسيّما ولم تكن قرية آمنت عند حضور العذاب فنفعها إيمانها غير قومه، فدخلته الأنفة والحميّة، وكان مغيظا بطول ما عاناه من تكذيبهم وهزئهم وأذاهم واستخفافهم بأمر الله، مشتهيا لأن ينزل بأس الله بهم. هذا إلى ضيق صدره، وقلّة صبره على ما صبر على مثله أولوا العزم من الرّسل.
وقد روي في الحديث أنه كان ضيّق الصدر، فلما حمّل أعباء النّبوّة تفسّخ تحتها تفسّخ الرّبع تحت الحمل الثّقيل، فمضى على وجهه مضيّ الآبق النّادّ.
يقول الله سبحانه: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}.
{فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أي: لن نضيّق عليه، وأنّا نخلّيه ونهمله. والعرب تقول: فلان مقدّر عليه في الرزق، ومقتّر عليه، بمعنى واحد، أي مضيّق عليه.
ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ}. وقدر- بالتخفيف والتثقيل- قال أبو عمرو بن العلاء: قتر وقتّر وقدر وقدّر، بمعنى واحد، أي ضيّق.
فعاقبه الله عن حميّته وأنفته وإباقته، وكراهيته العفو عن قومه، وقبول إنابتهم- بالحبس له، والتّضييق عليه في بطن الحوت.
وفي رواية أبي صالح: أن ملكا من ملوك بني إسرائيل كان أمره بالمسير إلى نينوى ليدعو أهلها بأمر شعياء النبي صلّى الله عليه وسلم، فأنف من أن يكون ذهابه إليهم بأمر أحد غير الله تعالى، فخرج مغاضبا للملك، فعاقبه الله بالتقام الحوت.
قال: فلما قذفه الحوت بعثه الله إلى قومه فدعاهم. وأقام بينهم حتى آمنوا). [تأويل مشكل القرآن: 409-402]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وذا النّون إذ ذهب مغاضبا فظنّ أن لن نقدر عليه فنادى في الظّلمات أن لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين}
{ذا النّون} يونس، والنون السمكة، والمعنى واذكر ذا النون، ويروى أنه ذهب مغاضبا قومه، وقيل إنه ذهب مغاضبا ملكا من الملوك.
{فظنّ أن لن نقدر عليه}.
أي ظن أن لن نقدّر عليه ما قدّرناه من كونه في بطن الحوت، ويقدر بمعنى يقدّر.
وقد جاء هذا في التفسير، وقد روي عن الحسن أنه قال عبد أبق من ربّه، وتأويل قول الحسن أنه هرب من عذاب ربّه، لا أن يونس ظن أن الهرب ينجيه من اللّه - عزّ وجلّ -
ولا من قدره.
وقوله: {فنادى في الظّلمات أن لا إله إلّا أنت}.
{في الظلمات} وجهان، أحدهما يعنى به ظلمة الليل وظلمة البحر.
وظلمة بطن الحوت، ويجوز أن يكون {نادى في الظلمات} أن يكون أكثر دعائه وندائه كان في ظلمات الليل.
والأجود التفسير الأول لأنه في بطن الحوت لا أحسبه كان يفصل بين ظلمة الليل وظلمة غيره ولكنه أول ما صادف ظلمة الليل ثم ظلمة البحر ثم ظلمة بطن الحوت.
وجائز أن يكون الظلمات اتفقت في وقت واحد، فتكون ظلمة بطن الحوت في الليل والبحر نهاية في الشّدّة). [معاني القرآن: 3/402]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وذا النون إذ ذهب مغاضبا} قال ثعلب: معناه:
مغاضبا الملك). [ياقوتة الصراط: 363-362]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {فظن أن لن نقدر عليه} هو من: التقدير، وليس هو من: القدرة، يقال: قدر الله لك الخير يقدره،
ويقدره تقديرا، بمعنى: قدره. قال: ومنه الخبر: ' فاقدروا له '، أي: ' قدروا له ' فهذا كله من التقدير، ونقول من القدرة: قدرت على الشيء اقدر عليه قدرة،
وفي لغة أخرى: قدرت عليه أقدر قدرة). [ياقوتة الصراط: 364-363]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وذَا النُّونِ}:أي ذا الحوت، وهو يونس صلوات الله عليه. {فظن أن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}: أي نضيق عليه).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 156]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه تبارك وتعالى: {فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين} [الأنبياء: 88] فأوحى اللّه إلى الحوت أن يلقيه إلى البرّ.
قال اللّه: {فنبذناه بالعراء وهو سقيمٌ} [الصافات: 145] وهو ضعيفٌ مثل الصّبيّ الرّضيع.
فأصابته حرارة الشّمس، فأنبت اللّه عليه تبارك وتعالى {شجرةً من
[تفسير القرآن العظيم: 1/337]
يقطينٍ} [الصافات: 146] وهي القرع، فأظلّته فنام، فاستيقظ وقد يبست، فحزن عليها، فأوحى اللّه إليه: أحزنت على هذه الشّجرة وأردت أن أهلك مائة ألفٍ من خلقي أو يزيدون؟ فعلم عند ذلك أنّه قد ابتلي.
فانطلق، فإذا هو بذودٍ من غنمٍ.
فقال للرّاعي: اسقني لبنًا.
فقال: ما هاهنا شاةٌ لها لبنٌ.
فأخذ شاةً منها فمسح بيده على ظهرها، فدرّت فشرب من لبنها.
فقال له الرّاعي: من أنت يا عبد اللّه؟ أخبرني.
فقال له: أنا يونس.
فانطلق الرّاعي إلى قومه، فبشّرهم به.
فأخذوه وجاءوا معه إلى موضع الغنم فلم يجدوا يونس.
فقالوا: إنّا قد شرطنا لربّنا ألا يكذب منّا أحدٌ إلا قطعنا لسانه.
فتكلّمت الشّاة بإذن اللّه فقالت: قد شرب من لبني.
وقالت شجرةٌ كان استظلّ تحتها: قد استظلّ بظلّي، فطلبوه فأصابوه، فرجع إليهم.
فكان فيهم حتّى قبضه اللّه.
وهي مدينةٌ يقال لها: نينوى من أرض الموصل، وهي على دجلةٍ.
- نا يحيى قال: وحدّثنا عثمان أنّ عبد اللّه بن عبّاسٍ قال: في دجلة ركب السّفينة، وفيها التقمه الحوت ثمّ أفضى به إلى البحر.
فدار في البحر ثمّ رجع في دجلة، فثمّ نبذه بالعراء، وهو البرّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/338]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (تفسير السّدّيّ.
{فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين} [الأنبياء: 88]
- نا يونس بن أبي إسحاق، عن إبراهيم بن محمّد بن سعد بن مالكٍ، عن
[تفسير القرآن العظيم: 1/338]
أبيه، عن جدّه سعدٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " دعوة ذي النّون إذ دعا وهو في بطن الحوت: {لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين} [الأنبياء: 87] ".
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «فإنّه لم يدع بها مسلمٌ ربّه في شيءٍ إلا استجاب اللّه له»). [تفسير القرآن العظيم: 1/339]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وكذلك ننجي المؤمنين...}

القراء يقرءونها بنونين، وكتابها بنون واحدة. وذلك أن النون الأولى متحركة والثانية ساكنة، فلا تظهر السّاكنة على اللسان، فلمّا خفيت حذفت.
وقد قرأ عاصم - فيما أعلم - (نجّي) بنونٍ واحدةٍ ونصب (المؤمنين) كأنه احتمل اللحن ولا نعلم لها جهة إلاّ تلك؛ لأن ما لم يسمّ فاعله إذا خلا باسم رفعه، إلا أن يكون أضمر المصدر في نجّي فنوى به الرفع ونصب (المؤمنين)
فيكون كقولك: ضرب الضرب زيداً، ثم تكنى عن الضرب فتقول: ضرب زيداً. وكذلك نجّي النجاء المؤمنين). [معاني القرآن: 2/210]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (ومن ذلك قوله في سورة الأنبياء: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} كتبت في المصاحف بنون واحدة،
وقرأها القرّاء جميعا ننجي بنونين إلا عاصم بن أبي النّجود فإنه كان يقرؤها بنون واحدة، ويخالف القرّاء جميعا، ويرسل الياء فيها على مثال (فعل).
فأما من قرأها بنونين، وخالف الكتاب، فإنه اعتل بأن النون تخفى عند الجيم، فأسقطها كاتب المصحف لخفائها، ونيّته إثباتها.
واعتلّ بعض النحويين لعاصم فقالوا: أضمر المصدر، كأنه قال: نجّي النجاء المؤمنين، كما تقول: ضرب الضرب زيدا، ثم تضمر الضّرب، فتقول: ضرب زيدا.
وكان أبو عبيد يختار في هذا الحرف مذهب عاصم كراهية أن يخالف الكتاب، ويستشهد عليه حرفا في سورة الجاثية، كان يقرأ به أبو جعفر المدني،
وهو قوله: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أي ليجزى الجزاء قوما.
وأنشدني بعض النحويين:
ولو ولدت فقيرةُ جروَ كلب = لسُبَّ بذلك الجرو الكلابا).
[تأويل مشكل القرآن: 54-55]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين}
{وكذلك ننجي المؤمنين}
الذي في المصحف بنون واحدة، كتبت، لأن النون الثانية تخفى مع الجيم، فأمّا ما روي عن عاصم بنون واحدة فلحن لا وجه له، لأن ما لا يسمّى فاعله لا يكون بغير فاعل.
وقد قال بعضهم: نجّي النجاء المؤمنين.
وهذا خطأ بإجماع النحويين كلهم، لا يجوز ضرب زيدا -، تريد ضرب الضرب زيدا لأنك إذا قلت ضرب زيد فقد علم أنه الذي ضربه ضرب، فلا فائدة في إضماره وإقامته مع الفاعل.
ورواية أبي بكر بن عياش في قوله نجّي المؤمنين يخالف قراءة أبي عمرو ننجي بنونين). [معاني القرآن: 3/403]

تفسير قوله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وزكريّا إذ نادى ربّه ربّ لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين} [الأنبياء: 89] فاستجاب اللّه له). [تفسير القرآن العظيم: 1/339]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه} [الأنبياء: 90] قال قتادة: كانت عاقرًا فجعلها اللّه ولودًا.
وقال سفيان عن بعض التّابعين قال: كان في لسانها طولٌ.
ووهب له منها يحيى.
قال: {إنّهم كانوا يسارعون في الخيرات} [الأنبياء: 90] يعني الأعمال الصّالحة.
{ويدعوننا رغبًا ورهبًا} [الأنبياء: 90] يعني طمعًا وخوفًا.
{وكانوا لنا خاشعين} [الأنبياء: 90] نا عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: متواضعين). [تفسير القرآن العظيم: 1/339]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وأصلحنا له زوجه...}

يقول: كانت عقيماً فجعلناها تلد فذلك صلاحها ). [معاني القرآن: 2/210]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( وقوله: {فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنّهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين}
{وأصلحنا له زوجه}
يروى أنها كانت عقيما فجعلها اللّه - عزّ وجلّ - ولودا، ويروى أنه كان في خلقها سوء فأصلح اللّه ذلك وحسن خلقها.
وقوله: {ويدعوننا رغبا ورهبا}.
وقرئت رغبا ورهبا، فالرّغب والرهب مصدران، ويجوز رغبا ورهبا، ولا أعلم أحدا قرأ بهما، أعني الرغب والرهب - في هذا الموضع.
والرّغب والرّغب مثل البخل والبخل، والرّشد والرّشد). [معاني القرآن: 3/403]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والّتي أحصنت فرجها} [الأنبياء: 91] أحصنت جيب درعها عن الفواحش.
{فنفخنا فيها من روحنا} [الأنبياء: 91] وذلك أنّ جبريل تناول بأصبعه جيبها فنفخ فيه، فصار إلى بطنها فحملت.
قال: {وجعلناها وابنها آيةً للعالمين} [الأنبياء: 91] ولدته من غير رجلٍ، آيةً.
[تفسير القرآن العظيم: 1/339]
قال قتادة: يقول: خلق لا والد له، آيةً، ووالدته ولدته من غير رجلٍ، آيةً). [تفسير القرآن العظيم: 1/340]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أحصنت فرجها...}

ذكر المفسّرون أنه جيب درعها ومنه نفخ فيها.
وقوله:{وجعلناها وابنها آيةً} (ولم يقل آيتين) لأن شأنهما واحد. ولو قيل: آيتين لكان صواباً لأنها ولدت وهي بكر، وتكلّم عيسى في المهد؛ فتكون آيتين إذ اختلفتا).[معاني القرآن: 2/210]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والرّوح: النّفخ، سمّي روحا لأنه ريح تخرج عن الرّوح.
قالَ ذو الرُّمَّةِ وَذَكَرَ نَارًا قَدَحَهَا:

فلمَّا بَدَتْ كَفَّنْتُهَا وَهْيَ طَفْلَةٌ = بطَلْسَاءَ لَمْ تُكْمِلْ ذِرَاعًا وَلا شِبْرا
وقلتُ لهُ: ارفَعْهَا إِليكَ وَأَحْيِهَا = برُوحِكَ وَاقْتَتْهُ لَهَا قِيْتَةً قَدْرَا
وظاهِرْ لها من يابسِ الشَّخْتِ واستَعِنْ = عَليها الصَّبا واجْعَلْ يَدَيْكَ لَهَا سِتْرَا
قوله: وأحيها بروحك، أي أحيها بنفخك.
والمسيح: روح الله، لأنه نفخة جبريل في درع مريم. ونسب الرّوح إلى الله لأنه بأمره كان. يقول الله: {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا}، يعني نفخة جبريل.
وقد يجوز أن يكون سمّي روح الله لأنه بكلمته كان، قال الله تعالى: كن، فكان). [تأويل مشكل القرآن: 487-486]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( وقوله: {والّتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين}
" التي " في موضع نصب، المعنى واذكر التي أحصنت فرجها.
ويروى في بعض التفسير أنه يعني جيبها.
{وجعلناها وابنها آية للعالمين} لو قيل آيتين لصلح، ولكن لما كان شأنهما واحدا، وكانت الآية فيهما جميعا معناها آية واحدة، وهي ولادة من غير فحل، جاز أن يقول آية).
[معاني القرآن: 3/404-403]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ هذه أمّتكم} [الأنبياء: 92] ملّتكم.
{أمّةً واحدةً} [الأنبياء: 92] يعني ملّةً واحدةً.
وقال قتادة: أي: دينكم دينٌ واحدٌ: الإسلام.
وقال السّدّيّ: {إنّ هذه أمّتكم} [الأنبياء: 92] يعني ملّتكم {أمّةً واحدةً} [الأنبياء: 92] يعني ملّةً واحدةً: الإسلام.
قال: {وأنا ربّكم فاعبدون} [الأنبياء: 92] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/340]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إنّ هذه أمّتكم أمّةً واحدةً...}

تنصب (أمّة واحدة) على القطع. وقد رفع الحسن {أمتكم أمةٌ واحدةٌ} على أن يجعل الأمة خبراً ثم يكرّ على الأمة الواحدة بالرفع على نيّة الخبر أيضاً؛
كقوله: {كلاّ إنّها لظى نزّاعةٌ للشّوى}.
وفي قراءة أبيّ فيما أعلم: (إنّها لإحدى الكبر نذيرٌ للبشر} الرفع على التكرير ومثله: (ذو العرش المجيد فعّالٌ لما يريد) ). [معاني القرآن: 2/211-210]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربّكم فاعبدون}
{أمّتكم} رفع خبر هذه، المعنى أن هذه أمتكم في حال اجتماعها على الحق، فإذا افترقت فليس من خالف الحق داخلا فيها، ويقرأ (أمة واحدة)، على أنه خبر بعد خبر،
ومعناه إن هذه أمة واحدة ليست أمما، ويجوز نصب (أمّتكم) على معنى التوكيد، قيل إن أمتكم كلها أمة واحدة). [معاني القرآن: 3/404]

تفسير قوله تعالى: {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وتقطّعوا أمرهم بينهم} [الأنبياء: 93] يعني أهل الكتاب.
قال السّدّيّ: تفرّقوا دينهم الإسلام الّذي أمروا به فدخلوا في غيره.
- نا حمّاد بن سلمة، عن أبي غالبٍ، عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «افترقت بنو إسرائيل على سبعين فرقةً، واحدةٌ في الجنّة وسائرهم في النّار، ولتزيدنّ هذه الأمّة عليهم واحـ...
تفترق على واحدةٍ وسبعين فرقةً، واحدةٌ في الجنّة وسائرهم في النّار».
قال يحيى: وسمعت سفيان الثّوريّ يحدّث بهذا الحديث.
قال: {كلٌّ إلينا راجعون} [الأنبياء: 93] يعني البعث). [تفسير القرآن العظيم: 1/340]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {وتقطّعوا أمرهم بينهم} مجازه واختلفوا وتفرقوا).
[مجاز القرآن: 2/42]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وتقطعوا أمرهم بينهم}: إذا اختلفوا). [غريب القرآن وتفسيره: 256]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وتقطّعوا أمرهم بينهم} أي تفرقوا فيه واختلفوا). [تفسير غريب القرآن: 288]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأنا ربّكم فاعبدون * وتقطّعوا أمرهم بينهم}
المعنى أن الله أعلمهم أن أمر الحجة واحد، وأنهم تفرقوا، لأن تقطيعهم أمرهم بينهم تفرقة). [معاني القرآن: 3/404]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وتَقَطَّعُوا أَمْرَهم}: اختلفوا). [العمدة في غريب القرآن: 208]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فمن يعمل من الصّالحات وهو مؤمنٌ فلا كفران لسعيه} [الأنبياء: 94] لعمله.
{وإنّا له كاتبون} [الأنبياء: 94] تكتب له حسناته حتّى يجزى بها الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/340]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {فلا كفران لسعيه} أي فلا كفر لعمله، وقال:

من الناس ناس لا تنام جدودهم= وجدّى ولا كفران الله نائم).
[مجاز القرآن: 2/42]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فلا كفران لسعيه} أي لا نجحد ما عمل). [تفسير غريب القرآن: 288]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فمن يعمل من الصّالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنّا له كاتبون}
كفران: مصدر مثل الغفران والشكران، والعرب تقول: غفرانك لا كفرانك). [معاني القرآن: 3/404]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ}: أي لا يجحد عمله). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 156]

تفسير قوله تعالى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وحرامٌ على قريةٍ أهلكناها أنّهم لا يرجعون} [الأنبياء: 95]
- نا سفيان والمعلّى بن هلالٍ، عن داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ والمعلّى، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقرأها: وحرمٌ على قريةٍ أهلكناها وفسّرها في حديث سفيان والمعلّى قال: أي وجب على قريةٍ أهلكناها أنّهم لم يكونوا ليؤمنوا.
وقال سفيان: وجب عليهم أنّهم لا يؤمنون.
نا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن: {أنّهم لا يرجعون} [الأنبياء: 95] يعني: لا يتوبون.
وقال ابن عبّاسٍ: {وحرامٌ على قريةٍ أهلكناها} [الأنبياء: 95] أي وجب عليه أنّها إذا هلكت لا يرجعون إلى دنياهم.
قال يحيى: والعامّة يقرءونها: {وحرامٌ} [الأنبياء: 95] وتفسيرها عندهم: حرامٌ عليهم أنّهم لا يرجعون.
وهي على الوجهين في التّفسير: إلى التّوبة وإلى الدّنيا). [تفسير القرآن العظيم: 1/341]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وحرامٌ على قريةٍ أهلكناها...}

قرأها ابن عباس. حدثني بذلك غير واحد. منهم هشيم عن داود عن عكرمة عن ابن عباس، وسفيان عن عمير وعن ابن عباس. وحدثني عمرو بن أبي المقدام عن أبيه عن سعيد بن جبير (وحرمٌ) وحدثني بعضهم عن يحيى بن وثاب وإبراهيم النخعيّ (وحرمٌ علي) وأهل المدينة والحسن (وحرامٌ) بألف. وحرام أفشى في القراءة.
وهو بمنزلة قولك: حلّ وحلال، وحرم وحرام). [معاني القرآن: 2/211]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وحرامٌ على قريةٍ أهلكناها أنّهم لا يرجعون} أي حرام عليهم أن يرجعوا. ويقال: حرام: واجب.
وقال الشاعر:
فإن حراما لا أرى الدهر باكيا= على شجوه إلا بكيت على عمرو أي واجبا.
ومن قرأ: «حرم» فهو بمنزلة حرام. يقال: حرم وحرام، كما يقال: حل وحلال). [تفسير غريب القرآن: 288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله سبحانه: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ}.
يريد أنهم يرجعون، فزاد (لا): لأنهم لا يرجعون). [تأويل مشكل القرآن: 245]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عز وجل: {وحرام على قرية أهلكناها أنّهم لا يرجعون}
قرئت: حرم وحرام، هاتان أكثر القراءة، وقد قرئت حرم على قرية، وحرم على قرية.
وجاء في التفسير حرم في معنى حتم.
وجاء أيضا عن ابن عباس أنه قال: حتم عليهم ألا يرجعوا إلى دنياهم، وجاء عنه وعن قتادة أنهم لا يرجعون إلى توبة، وعند أهل اللغة حرم وحرام في معنى واحد، مثل: حل وحلال.
وظاهر "حرام عليهم أنهم لا يرجعون"، يحتاج إلى أن يبيّن، ولا أعلم أحدا من أهل اللغة، ولا من أهل التفسير بيّنه.
وهو - واللّه أعلم - أنه لما قال: {فمن يعمل من الصّالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنّا له كاتبون}
أعلمنا أن اللّه عزّ وجلّ قد حرّم قبول أعمال الكافرين وبين ذلك بقوله: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم}
فالمعنى حرام على قرية أهلكناها أن نتقبل منهم عملا لأنهم لا يرجعون، أي لا يتوبون، وحرم وحرم في معنى حرام.
إلا أنّ حراما اسم، وحرم وحرم فعل). [معاني القرآن: 3/405-404]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ}: أي واجب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 156]

تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {حتّى إذا فتحت يأجوج ومأجوج} [الأنبياء: 96] يعني: فلمّا فتحت يأجوج ومأجوج.
تفسير السّدّيّ: يموجون في الأرض فيفسدون فيها.
- نا يونس بن أبي إسحاق، عن سعيد بن عمرو بن جعدة، عن الزّهريّ قال: قالت أمّ سلمة: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نائمًا في بيته فاستيقظ محمرّةً عيناه، فقال: «لا إله إلا اللّه ثلاثًا، ويلٌ للعرب من أمرٍ قد اقترب، قد فتح اليوم من يأجوج ومأجوج مثل هذا»، وعقد يونس بيده تسعين مفرجةً شيئًا.
حدّثني أبو أميّة، عن حميد بن هلالٍ، عن أبي الضّيف، عن كعبٍ
[تفسير القرآن العظيم: 1/341]
الأحبار قال: إنّ يأجوج ومأجوج ينقرون كلّ يومٍ بمناقرهم في السّدّ فيسرعون فيه، فإذا أمسوا قالوا: نرجع غدًا فنفرغ منه.
فيصبحون وقد عاد كما كان.
فإذا أراد اللّه تبارك وتعالى خروجهم، قذف على ألسن بعضهم الاستثناء فقالوا: نرجع غدًا إن شاء اللّه فنفرغ منه، فيصبحون وهو كما تركوه، فينقرونه، فيخرجون على النّاس، فلا يأتون على شيءٍ إلا أفسدوه.
فيمرّ أوّلهم على البحيرة فيشربون ماءها، ويمرّ أوسطهم فيلحسون طينها ويمرّ آخرهم فيقول: قد كان هاهنا ماءٌ مرّةً فيقهرون النّاس، ويفرّ النّاس منهم في البرّيّة والجبال.
فيقولون: قد قهرنا أهل الأرض فهلمّوا إلى أهل السّماء.
فيرمون نبالهم إلى السّماء فترجع تقطر دمًا.
فيقولون: قد فرغنا من أهل الأرض وأهل السّماء.
فيبعث اللّه عليهم أضعف خلقه: النّغف وهي دودٌ تأخذهم في رقابهم فتقتلهم، حتّى تنتن الأرض من جيفهم.
ويرسل اللّه الطّير فتنقل جيفهم إلى البحر، ثمّ يرسل اللّه تبارك وتعالى السّماء فتطهّر الأرض.
وفي حديث عبد الرّحمن بن يزيد، عن عطاء بن يزيد: ويستوقد المسلمون من قسيّهم، وجعابهم، ونشابهم، وأترستهم سبع سنين.
قال كعبٌ: وتخرج الأرض زهرتها وبركتها، ويتراجع النّاس، حتّى إنّ الرّمّانة لتشبع السّكن.
قيل: وما السّكن؟ قال: أهل البيت.
قال: وتكون سلوةً من عيشٍ.
فبينما النّاس كذلك إذ جاءهم خبرٌ أنّ ذا السّويقتين صاحب الجيش قد غزا البيت.
فيبعث المسلمون جيشًا، فلا يصلون إليهم ولا يرجعون إلى أصحابهم حتّى يبعث اللّه تبارك وتعالى ريحًا طيّبةً يمانيّةً من تحت العرش، فتكفت روح كلّ مؤمنٍ.
ثمّ لا أجد مثل السّاعة إلا كرجلٍ أنتج مهرًا فهو ينتظر متى يركبه، فمن تكلّف من أمر السّاعة ما وراء هذا فهو متكلّفٌ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/342]
- نا سعيدٌ، عن قتادة، عن أبي رافعٍ، عن أبي هريرة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " إنّ يأجوج ومأجوج يخرقونه كلّ يومٍ حتّى إذا كادوا يرون شعاع الشّمس قال الّذين عليهم: ارجعوا، فستخرقونه غدًا، فيعيده اللّه كأشدّ ما كان، حتّى إذا بلغت مدّتهم وأراد اللّه أن يبعثهم على النّاس حفروا، حتّى إذا كادوا يرون شعاع الشّمس قال الّذين عليهم: ارجعوا
فستخرقونه إن شاء اللّه غدًا، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيخرقونه فيخرجون على النّاس، فينشفون المياه ويتحصّن النّاس منهم في حصونهم، فيرمون نشابهم إلى السّماء فيرجع فيها كهيئة الدّم فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السّماء، فيبعث اللّه عليهم نغفًا في أقفائهم فيقتلهم بها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: والّذي نفسي بيده إنّ دوابّ
الأرض لتسمن وتشكر من لحومهم شكرًا ".
- نا سعيدٌ، عن قتادة أنّ أبا سعيدٍ الخدريّ قال: إنّ النّاس يحجّون، ويعتمرون ويغرسون بعد خروج يأجوج ومأجوج.
قوله: {وهم من كلّ حدبٍ ينسلون} [الأنبياء: 96] نا سعيدٌ، عن قتادة قال: من كلّ أكمةٍ ومن كلّ نجوٍ ينسلون يخرجون.
نا عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: جمع النّاس من كلّ مكانٍ جاءوا منه
[تفسير القرآن العظيم: 1/343]
يوم القيامة فهو حدبٌ.
- نا سعيدٌ، عن قتادة، عن نوفٍ البكاليّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى خلق الملائكة، والجنّ، والإنس فجزّأهم عشرة أجزاءٍ، تسعة أجزاءٍ منها الملائكة، وجزءٌ واحدٌ الجنّ والإنس.
وجزّأ الملائكة عشرة أجزاءٍ، تسعة أجزاءٍ منهم الكروبيّون الّذين يسبّحون اللّيل والنّهار لا يفترون، وجزءٌ منهم واحدٌ لرسالته، ولخزائنه، وما يشاء من أمره.
وجزّأ الجنّ والإنس عشرة أجزاءٍ، تسعة أجزاءٍ منهم الجنّ والإنس جزءٌ واحدٌ، فلا يولد من الإنس مولودٌ إلا ولد من الجنّ تسعةٌ.
وجزّأ الإنس عشرة أجزاءٍ، تسعة أجزاءٍ منهم يأجوج ومأجوج، وسائرهم بنو آدم.
قال يحيى: يعني ما سوى يأجوج ومأجوج من ولد آدم.
وكان الحسن يقول: الإنس كلّهم من عند آخرهم ولد آدم، والجنّ كلّهم من عند آخرهم ولد إبليس.
- نا الحسن بن دينارٍ، عن عبد اللّه بن محمّد بن عروة، عن رجلٍ من آل مسعودٍ الثّقفيّ قال: حدّثني أخي أو ابن أخي أو ابن عمّي قال: قلت لعبد اللّه بن عمرٍو: يأجوج ومأجوج الأذرع هم أم الأشبار؟ فقال: يابن أخي ما أجد من ولد آدم بأعظم منهم ولا أطول، ولا يموت الميّت منهم حتّى يولد له ألفٌ فصاعدًا.
فقلت: ما طعامهم؟ قال: هم في ماءٍ ما شربوا، وفي شجرٍ ما هضموا، وفي نساءٍ ما نكحوا.
حدّثني يونس بن أبي إسحاق عن أبيه قال: بلغني أنّ هؤلاء التّرك ممّا سقط من دون الرّدم من ولد يأجوج ومأجوج). [تفسير القرآن العظيم: 1/344]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وهم مّن كلّ حدبٍ ينسلون...}

الحدب كل أكمة (ومكانٍ مرتفعٍ) ). [معاني القرآن: 2/211]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ينسلون} يعجلون في مشيهم كما ينسل الذئب ويعسل قال الجعدي:
عسلان الذئب أمسى قارباً=برد الليل عليه فنسل).
[مجاز القرآن: 2/42]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {من كل حدب}: الحدب بلغة أهل الحجاز القبر وهو الجدث أيضاَ.
{ينسلون}: يخرجون والنسلان والنسول مشي سريع في استخفاء مثل نسلان الذئب). [غريب القرآن وتفسيره: 256]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وهم من كلّ حدبٍ} أي من كل نشز من الأرض وأكمة.
{ينسلون} من النّسلان. وهو: مقاربة الخطو مع الإسراع، كمشي الذئب إذا بادر. والعسلان مثله). [تفسير غريب القرآن: 288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(واو النّسق) قد تزاد حتى يكون الكلام كأنه لا جواب له، كقوله:
{حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا}. والمعنى: قال لهم خزنتها.
وقوله: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ}.
وقوله سبحانه: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ}.
وكقوله: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ}.
وقوله: {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} أي: لنحمل خطاياكم عنكم.
قال امرؤ القيس:
فلما أجزنا ساحة الحيِّ وانتحَى = بنا بطن خَبْتٍ ذي قِفَافٍ عَقَنْقَلِ
أراد انتحى.
وقال آخر:

حتَّى إذا قَمِلَتْ بطونُكم = ورأيتمُ أبناءَكمْ شَبُّوا
وَقَلَبْتمُ ظَهْرَ المجَنِّ لَنَا = إِنَّ اللَّئيمَ العَاجِزَ الخَبُّ
أراد: قلبتم). [تأويل مشكل القرآن: 252-254] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {حتّى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كلّ حدب ينسلون }
بهمز وغير همز، وهما قبيلتان من خلق اللّه.
ويروى أن الناس عشرة أجزاء تسعة منهم يأجوج ومأجوج، وهما اسمان أعجميان، واشتقاق مثلهما من كلام العرب يخرج من أججت النار، ومن النار الأجاج وهو أشد وهو الشديد الملوحة، المحرق من ملوحته.
وقوله: {وهم من كلّ حدب ينسلون}
ورويت أيضا من كل جدث ينسلون، - بالجيم والثاء - والأجود في هذا الحرف، (حدب ينسلون) بالحاء، والحدب كل أكمة، و {ينسلون} يسرعون). [معاني القرآن: 3/405]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وهم من كل حدب ينسلون} قال: الحدب: التلال، والآكام، واحدها: حدبة، وينسلون، أي يسرعون).
[ياقوتة الصراط: 365]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مِّن كُلِّ حَدَبٍ}: أي من كل نشز من الأرض وأكمة، {يَنسِلُونَ}: النسلان. مقاربة الخطى مع الإسراع، ومثله العسلان). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 157]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الحَدَبُ): القبر.
{يَنْسِلُونَ}: يخرجون). [العمدة في غريب القرآن: 208]

تفسير قوله تعالى: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واقترب الوعد الحقّ} [الأنبياء: 97] يعني النّفخة الآخرة.
{فإذا هي شاخصةٌ أبصار الّذين كفروا} [الأنبياء: 97] إلى إجابة الدّاعي إلى بيت المقدس.
{يا ويلنا} [الأنبياء: 97] يقولون: {قد كنّا في غفلةٍ من هذا} [الأنبياء: 97] يعنون تكذيبهم بالسّاعة.
{بل كنّا ظالمين} [الأنبياء: 97] لأنفسنا). [تفسير القرآن العظيم: 1/345]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {واقترب الوعد الحقّ...}

معناه - والله أعلم -: حتى إذا فتحت اقترب. ودخول الواو في الجواب في (حتّى إذا) بمنزلة قوله: {حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها}.
وفي قراءة عبد الله {فلمّا جهّزهم بجهازهم جعل السّقاية} وفي قراءتنا بغير واو. ومثله في الصافات {فلمّا أسلما وتلّه للجبين وناديناه} معناه ناديناه،
وقال امرؤ القيس:
فلمّا أجزنا ساحة الحيّ وانتحى=بنا بطن خبتٍ ذي قفاف عقنقل
يريد انتحى.
وقوله: {فإذا هي شاخصةٌ أبصار الّذين كفروا} تكون (هي) عماداً يصلح في موضعها (هو) فتكون كقوله: {إنّه أنا الله العزيز الحكيم}
ومثله قوله: {فإنّها لا تعمى الأبصار} فجاء التأنيث لأن الأبصار مؤنّثة والتذكير للعماد. وسمعت بعض العرب يقول: كان مرّةً وهو ينفع الناس أحسابهم فجعل (هو) عماداً.
وأنشدني بعضهم:
بثوب ودينارٍ وشاة ودرهمٍ=فهل هو مرفوع بما هاهنا راس
وإن شئت جعلت (هي) للأبصار كنيت عنها ثم أظهرت الأبصار لتفسرها؛
كما قال الشاعر:
لعمر أبيها لا تقول ظعينتي=ألا فرّعني مالك بن أبي كعب
فذكر الظعينة وقد كنى عنهما في (لعمر) ). [معاني القرآن: 2/212-211]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {واقترب الوعد الحقّ} يعني يوم القيامة). [تفسير غريب القرآن: 288]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واقترب الوعد الحقّ فإذا هي شاخصة أبصار الّذين كفروا يا ويلنا قد كنّا في غفلة من هذا بل كنّا ظالمين}
قال بعضهم: [لا يجوز طرح الواو].
والجواب عند البصريّين قوله: {يا ويلنا قد كنّا في غفلة من هذا}
وههنا قول محذوف، المعنى حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج واقترب الوعد الحق قالوا: {يا ويلنا قد كنّا في غفلة من هذا بل كنّا ظالمين}.
وجاء في التفسير أن خروج يأجوج ومأجوج من أعلام الساعة). [معاني القرآن: 3/405]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم} [الأنبياء: 98]
نا سفيان، عن عبد الملك بن أبحر، عن عكرمة وهو تفسير قتادة: {حصب جهنّم} [الأنبياء: 98] حطب جهنّم يحصب بهم فيها.
{أنتم لها واردون} [الأنبياء: 98] داخلون.
وتفسير الحسن: يعني الشّياطين الّذين دعوهم إلى عبادة الأوثان، لأنّهم بعبادتهم الأوثان عابدون للشّياطين وهو قوله عزّ وجلّ: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشّيطان} [يس: 60] وفي تفسير الكلبيّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قام مقابل باب الكعبة ثمّ قرأ هذه الآية، فوجد أهل مكّة منها وجدًا شديدًا.
فقال ابن الزّبعرى: يا محمّد، أرأيت الآية الّتي قرأت آنفًا، أفينا وفي آلهتنا خاصّةً، أم في الأمم وآلهتهم معنا؟ فقال: لا، بل فيكم، وفي آلهتكم، وفي الأمم، وفي آلهتهم.
قال: خصمتك وربّ الكعبة.
قد علمت أنّ النّصارى يعبدون عيسى وأمّه، وأنّ طائفةً من النّاس يعبدون الملائكة، أفليس هؤلاء مع آلهتنا في النّار؟ فسكت رسول اللّه عليه السّلام، وضحكت قريشٌ وضجّوا.
[تفسير القرآن العظيم: 1/345]
فذلك قوله: {ولمّا ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدّون} [الزخرف: 57] يعني: يضجّون.
{وقالوا} [الزخرف: 58] يعني قريشًا {أآلهتنا خيرٌ أم هو} [الزخرف: 58] قال اللّه تبارك وتعالى: {ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قومٌ خصمون} [الزخرف: 58] وقال هاهنا في هذه الآية في جواب قولهم: {إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون} [الأنبياء: 101] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/346]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {حصب جهنّم...}

ذكر أن الحصب في لغة أهل اليمن الحطب. ... حدثني قيس بن الربيع عن محمد بن الحكم الكاهليّ عن رجل سمع عليّاً يقرأ (حطب) بالطاء. حدّثنا ... حدثني ابن أبي يحيى المدنيّ عن أبي الحويرث رفعه إلى عائشة أنها قرأت (حطب) كذلك.
وبإسنادٍ لابن أبي يحيى عن ابن عباس أنه قرأ (حضب) بالضاد. وكلّ ما هيّجت به النار أو أوقدتها به فهو حضب. وأمّا الحصب فهو في معنى لغة نجد: ما رميت به في النار،
كقولك: حصبت الرجل أي رميته). [معاني القرآن: 2/212]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {حصب جهنّم} كل شيء ألقيته في نار فقد حصبتها، ويقال: حصب في الأرض أي ذهب فيها). [مجاز القرآن: 2/42]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {حصب جهنم}: كلما ألقيته في نار فقد حصبتها به، من حطب أو غيره وقرأ ابن عباس {حصب جهنم} بالضاد
والمعنى الواحد). [غريب القرآن وتفسيره: 257-256]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {حصب جهنّم}: ما ألقي فيها وأصله من الحصباء، وهي: الحصى. يقال: حصبت فلانا: إذا رميته حصبا -
بتسكين الصاد - وما رميت به: حصب، بفتح الصاد. كما تقول: نفضت الشجرة نفضا. وما وقع من ثمرها: نفض، واسم حصى الحجارة: حصب). [تفسير غريب القرآن: 288]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {إنّكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم أنتم لها واردون}
قرئت على ثلاثة أوجه، حصب " جهنم، وحطب جهنّم، وحضب جهنم - بالضاد معجمة -. فمن قرأ حصب فمعناها كل ما يرمى به في جهنم ومن قال حطب فمعناه ما توقد به جهنم - كما قال عزّ وجلّ:
{وقودها النّاس والحجارة}، ومن قال. حضب - بالضاد معجمة - فمعناه ما تهيج به النار وتذكى به، والحضب الحيّة). [معاني القرآن: 3/406]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( و{حصب جهنم} أخبرنا أبو عمر - قال: أنا ثعلب، عن ابن الأعرابي، قال: العرب تقول: هذا حصب النار وحضبها وحطبها، كله بمعنى واحد، وهو ما تأكله النار). [ياقوتة الصراط: 365]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حَصَبُ جَهَنَّمَ}: ما ألقي فيها، وهو من الحصى، واسم حصى الجمار حصب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 157]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حَصَبُ}: حطب). [العمدة في غريب القرآن: 208]

تفسير قوله تعالى: {لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {لو كان هؤلاء آلهةً ما وردوها} [الأنبياء: 99] وفي كتاب اللّه أنّ الشّمس والقمر يسجدان للّه.
قال اللّه عزّ وجلّ: {ألم تر أنّ اللّه يسجد له من في السّموات ومن في الأرض والشّمس والقمر} [الحج: 18]
[تفسير القرآن العظيم: 1/346]
- حدّثني المعلّى، عن أبي إسحاق الهمدانيّ، عن وهب بن جابرٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: إنّ الشّمس تطلع من حيث يطلع الفجر، وتغيب من حيث يغيب الفجر، فإذا أرادت أن تطلع تقاعست حتّى تضرب بالعمد وتقول: يا ربّ، إنّي إذا طلعت عبدت دونك.
فتطلع على ولد آدم كلّهم، فتجري إلى المغرب فتغرب، فتسلّم، فيردّ عليها، وتسجد، فينظر إليها، ثمّ تستأذن، فيؤذن لها حتّى تأتي المشرق، والقمر كذلك.
حتّى يأتي عليها يومٌ تغرب فيه فتسلّم فلا يردّ عليها، وتسجد فلا ينظر إليها، ثمّ تستأذن فلا يؤذن لها.
فتقول: يا ربّ إنّ المشرق بعيدٌ ولا أبلغه إلا بجهدٍ، فتحبس حتّى يجيء القمر، فيسلّم فلا يردّ عليه، فيسجد فلا ينظر إليه، ويستأذن فلا يؤذن له، ثمّ يقال لهما: ارجعا من حيث جئتما.
فيطلعان من المغرب كالبعيرين المقترنين، وهو قوله: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربّك أو يأتي بعض آيات ربّك يوم يأتي بعض آيات ربّك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا} [الأنعام: 158] وهو طلوع الشّمس من المغرب.
قال: {لو كان هؤلاء آلهةً ما وردوها} [الأنبياء: 99] يعني جهنّم ما دخلوها، لامتنعوا بآلهتهم.
قال: {وكلٌّ فيها خالدون} [الأنبياء: 99] العابدون والمعبودون). [تفسير القرآن العظيم: 1/347]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {لو كان هؤلاء آلهةً ما وردوها} فهو من الموات الذي خرج مخرج الآدميين).
[مجاز القرآن: 2/42]


تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لهم فيها زفيرٌ} [الأنبياء: 100] قال الحسن: الزّفير اللّهب، ترفعهم بلهبها، حتّى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بمقامع الحديد فهووا إلى أسفلها سبعين خريفًا.
وقال قتادة: إنّ أهل النّار يدعون مالكًا فيذرهم مقدار أربعين عامًا لا يجيبهم ثمّ يقول: {إنّكم ماكثون} [الزخرف: 77] ثمّ يدعون ربّهم فيذرهم قدر عمر الدّنيا مرّتين، ثمّ يجيبهم: {اخسئوا فيها ولا تكلّمون} [المؤمنون: 108] قال: فما نبسوا بعدها بكلمةٍ، ولا كان إلا الزّفير والشّهيق في نار جهنّم.
فشبّه أصواتهم بأصوات الحمير، أوّله زفيرٌ وآخره شهيقٌ قوله: {وهم فيها لا يسمعون} [الأنبياء: 100]
[تفسير القرآن العظيم: 1/347]
- قال يحيى: وبلغني عن ابن مسعودٍ قال: إذا خرج من خرج من النّار وبقي في النّار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من نارٍ فيها مسامير من نارٍ، ثمّ جعلت التّوابيت في توابيت أخر، تلك التّوابيت في توابيت أخر، فلا يرون أنّ أحدًا يعذّب في النّار غيرهم ثمّ قرأ ابن مسعودٍ: {لهم فيها زفيرٌ وهم فيها لا يسمعون} [الأنبياء: 100]
قال الحسن: ذهب الزّفير بسمعهم فلا يسمعون معه شيئًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/348]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون} [الأنبياء: 101] وهم عيسى وعزيرٌ، والملائكة. وقال مجاهدٌ: {أولئك عنها مبعدون} [الأنبياء: 101] عيسى، وعزيرٌ، والملائكة.
وقال قتادة: إنّ اليهود قالت: ألستم تزعمون أنّ عزيرًا في الجنّة، وأنّ عيسى في الجنّة، وقد عبدا من دون اللّه؟ فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون} [الأنبياء: 101] فعيسى وعزيرٌ ممّن سبقت لهم الحسنى وهي الجنّة.
وما عبدوا من الحجارة، والخشب، ومن الجنّ، وعبادة بعضهم بعضًا، فهم وما عبدوا حصب جهنّم.
- قال يحيى: حدّثني أبي وبحر بن كنيزٍ السّقّاء وخالد ودرست، عن يزيد الرّقاشيّ، عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الشّمس والقمر ثوران عقيران في النّار».
قال درست ثمّ قال يزيد الرّقاشيّ: ألستم تقرءون: {إنّكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم} [الأنبياء: 98] قال يحيى: أظنّهما يمثّلان لمن عبدهما في النّار، يوبّخون بذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/346]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى} [الأنبياء: 101] يعني الجنّة.
{أولئك عنها مبعدون} [الأنبياء: 101] قد فسّرناه قبل هذا الموضع في أمر عيسى وعزيرٍ والملائكة). [تفسير القرآن العظيم: 1/348]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لا يسمعون حسيسها} [الأنبياء: 102] يعني صوتها في تفسير الحسن.
وقال ابن عبّاسٍ: حسيسها: مسّها.
قال: ولا صوتًا، وإنّها تلتظي على أهلها.
قوله: {وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون} [الأنبياء: 102] قال يحيى: يعني إنّ أهل الجنّة يكون الطّعام في في أحدهم فيخطر على قلبه طعامٌ آخر، فيتحوّل في فيه ذلك الطّعام الّذي اشتهى.
وهو قوله عزّ وجلّ: {وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين وأنتم فيها خالدون} [الزخرف: 71] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/348]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {لا يسمعون حسيسها} أي صوتها والحسيس والحس والواحد،

قال عبيد بن الأبرص:
فاشتال وارتاع من حسيسها=وفعله يفعل المذؤوب
فاشتال يعني الثعلب رفع ذتبه). [مجاز القرآن: 2/42]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {حسيسها}: الحس والحسيس وهو الصوت الخفي). [غريب القرآن وتفسيره: 257]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الحَسِيسُ): الصوت الخفي). [العمدة في غريب القرآن: 208]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لا يحزنهم الفزع الأكبر} [الأنبياء: 103] قال الحسن: النّفخة الآخرة.
قال سفيان الثّوريّ: بلغني أنّه إذا أخرج من النّار من أخرج فلم يبق فيها إلا أهل الخلود، فعند ذلك يقول أهل النّار: {ربّنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنّا ظالمون} [المؤمنون: 107] فيقول اللّه تبارك وتعالى: {اخسئوا فيها ولا تكلّمون} [المؤمنون: 108] فإذا قال ذلك أطبقت
[تفسير القرآن العظيم: 1/348]
عليهم فلم يخرج منها أحدٌ.
فذلك الفزع الأكبر.
قوله: {وتتلقّاهم الملائكة} [الأنبياء: 103] قال الحسن: تلقاهم بالبشارة حين يخرجون من قبورهم وتقول: {هذا يومكم الّذي كنتم توعدون} [الأنبياء: 103] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/349]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {وتتلقّاهم الملائكة هذا يومكم} مجازه مجاز المختصر المضمر فيه " ويقولون: هذا يومكم ").
[مجاز القرآن: 2/43]


تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {يوم نطوي السّماء كطيّ السّجلّ للكتب} [الأنبياء: 104] سعيدٌ، عن قتادة قال: كطيّ الصّحيفة فيها الكتاب.
معمر بن عيسى أنّ الحسن قال: إنّ السّماء إنّما تطوى من أعلاها كما يطوي الكتاب الصّحيفة من أعلاها إذا كتب.
قوله: {كما بدأنا أوّل خلقٍ نعيده} [الأنبياء: 104] عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: حفاةً، عراةً، غرلا، غلفًا.
وفي تفسير الكلبيّ: إذا أراد اللّه تبارك وتعالى أن يبعث الموتى عاد النّاس كلّهم نطفًا، ثمّ علقًا، ثمّ مضغًا، ثمّ عظامًا، ثمّ لحمًا، ثمّ ينفخ فيه الرّوح.
فكذلك كان بدؤهم.
- قال يحيى: وبلغني عن ابن مسعودٍ قال: ينزّل اللّه تبارك وتعالى مطرًا منيًّا كمنيّ الرّجال فتنبت به جسمانهم ولحمانهم من ذلك الماء، كما تنبت الأرض من الثّرى.
قال: ثمّ قرأ عبد اللّه بن مسعودٍ: {واللّه الّذي أرسل الرّياح فتثير سحابًا فسقناه إلى بلدٍ ميّتٍ فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النّشور} [فاطر: 9] يعني البعث.
قوله: {وعدًا علينا} [الأنبياء: 104] يعني: كائنًا، البعث.
{إنّا كنّا فاعلين} [الأنبياء: 104] أي نحن فاعلون). [تفسير القرآن العظيم: 1/349]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يوم نطوي السّماء...}

بالنون والتاء (تطوى) ولو قيل (يطوي) كما قيل (نطوي) بالنون جاز.
واجتمعت القراء على (السّجلّ) بالتثقيل.
وأكثرهم يقول (للكتاب) وأصحاب عبد الله (للكتب) والسّجلّ: الصّحيفة. فانقطع الكلام عند الكتب، ثم استأنف فقال {كما بدأنا أوّل خلقٍ نّعيده} فالكاف للخلق ،
كأنك قلت: نعيد الخلق كما بدأنهم (أوّل مرّة).
وقوله: {وعداً علينا} كقولك حقّاً علينا). [معاني القرآن: 2/213]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( السّجلّ: الصحيفة). [تفسير غريب القرآن: 288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):(وأما قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}، فإن للعرب في معنى (الأبد) ألفاظا يستعملونها في كلامهم، يقولون: لا أفعل ذلك ما اختلف الليل والنهار، وما طمى البحر، أي ارتفع، وما أقام الجبل، وما دامت السموات والأرض، في أشباه لهذا كثيرة،
يريدون لا أفعله أبدا، لأن هذه المعاني عندهم لا تتغير عن أحوالها أبدا، فخاطبهم الله بما يستعملونه فقال: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} أي مقدار دوامهما،
وذلك مدة العالم. وللسماء وللأرض وقت يتغيّران فيه عن هيئتهما، يقول الله تعالى:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ}،
ويقول:{يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}.
أراد أنهم خالدون فيها مدة العالم، سوى ما شاء الله أن يزيدهم من الخلود على مدة العالم. ثم قال: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أي غير مقطوع.
و(إلّا) في هذا الموضع بمعنى (سوى) ومثله من الكلام: لأسكننّ في هذه الدار حولا إلا ما شئت. تريد سوى ما شئت أن أزيد على الحول. هذا وجه.
وفيه قول آخر، وهو: أن يجعل دوام السماء والأرض بمعنى الأبد، على ما تعرف العرب وتستعمل، وإن كانتا قد تتغيّران، وتستثنى المشيئة من دوامهما؛
لأن أهل الجنة وأهل النار قد كانوا في وقت من أوقات دوام السماء والأرض في الدنيا لا في الجنة، فكأنه قال: خالدين في الجنة وخالدين في النار دوام السماء والأرض،
إلا ما شاء ربك من تعميرهم في الدنيا قبل ذلك.
وفيه وجه ثالث: وهو أن يكون الاستثناء من الخلود مكث أهل الذنوب من المسلمين في النار حتى تلحقهم رحمة الله، وشفاعة رسوله، فيخرجوا منها إلى الجنة.
فكأنه قال سبحانه: خالدين في النار ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك من إخراج المذنبين من المسلمين إلى الجنة،
وخالدين في الجنة ما دامت السموات والأرض، إلا ما شاء ربك من إدخال المذنبين النار مدة من المدد، ثم يصيرون إلى الجنة). [تأويل مشكل القرآن: 76-77] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يوم نطوي السّماء كطيّ السّجلّ للكتب كما بدأنا أوّل خلق نعيده وعدا علينا إنّا كنّا فاعلين}
وللكتاب، ويقرأ السّجل بتخفيف اللام، فمن خفف أسكن الجيم.
وجاء في التفسير أن السّجل الصحيفة التي فيها الكتاب.
وقيل إن السّجل ملك وقيل إن السّجل بلغة الجيش الرجل.
وعن أبي الجوزاء أن السّجل كاتب كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتمام الكلام (للكتب).
وقوله: {كما بدأنا أوّل خلق نعيده}.
مستأنف، المعنى نبعث الخلق كما بدأناهم، أي قدرتنا على الإعادة كقدرتنا على الابتداء، ويجوز {يوم تطوى السّماء كطي السجل}
ويجوز يوم يطوي السماء كطيّ السّجل، ولم يقرأ (يطوي).
وقرئت نطوي وتطوى بالنون والتاء.
وقوله: {وعدا علينا}.
(وعدا) منصوب على المصدر، لأن قوله (نعيده) بمعنى وعدنا هذا وعدا
وقوله: {إنّا كنّا فاعلين} أي قادرين على فعل ما تشاء). [معاني القرآن: 3/407-406]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذّكر} [الأنبياء: 105] تفسير مجاهدٍ: يعني بالزّبور الكتب، التّوراة، والإنجيل، والقرآن، {من بعد الذّكر} [الأنبياء: 105] الكتاب عند اللّه
[تفسير القرآن العظيم: 1/349]
الّذي في السّماء، وهو أمّ الكتاب.
{أنّ الأرض} [الأنبياء: 105] يعني أرض الجنّة.
{يرثها عبادي الصّالحون} [الأنبياء: 105] وفي تفسير ابن عبّاسٍ: {ولقد كتبنا في الزّبور} [الأنبياء: 105] يعني زبور داود {من بعد الذّكر} [الأنبياء: 105] من بعد التّوراة {أنّ الأرض يرثها عبادي الصّالحون} [الأنبياء: 105] يعني أمّة محمّدٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/350]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وفي تفسير قتادة: {ولقد كتبنا في الزّبور} [الأنبياء: 105] يعني: زبور داود، {من بعد الذّكر} [الأنبياء: 105] يعني: التّوراة، {أنّ الأرض} [الأنبياء: 105] يعني: أرض الجنّة، {يرثها عبادي الصّالحون} [الأنبياء: 105] وكتب اللّه تبارك وتعالى ذلك في هذا القرآن فقال: {إنّ في هذا لبلاغًا لقومٍ عابدين} [الأنبياء: 106] أي عاملين). [تفسير القرآن العظيم: 1/350]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أنّ الأرض يرثها عبادي الصّالحون...}

يقال: أرض الجنّة. ويقال: إنها الأرض التي وعدها بنو إسرائيل، مثل قوله: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها} ). [معاني القرآن: 2/213]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أنّ الأرض يرثها عبادي الصّالحون} قال: أرض الجنة، ويقال: الأرض المقدّسة،
ترثها أمة محمد صلى اللّه عليه وعلى آله). [تفسير غريب القرآن: 289]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذّكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصّالحون}
الزّبور: جميع الكتب، التوراة، والإنجيل، والفرقان، زبور، لأن الزّبور والكتاب بمعنى واحد. ويقال زبرت وكتبت بمعنى واحد، والمعنى: ولقد كتبنا في الكتب من بعد ذكرنا في السماء {الأرض يرثها عبادي الصالحون}.
قيل في التفسير إنها أرض الجنة، ودليل هذا القول قوله: {أولئك هم الوارثون * الّذين يرثون الفردوس}.
وقيل إن الأرض ههنا يعنى بها أرض الدنيا، وهذا القول أشبه - كما قال اللّه عزّ وجلّ: {يسبّح للّه ما في السّماوات وما في الأرض} والأرض إذا ذكرت فهي دليلة على الأرض التي نعرفها، ودليل هذا القول أيضا:
قوله: {وأورثنا القوم الّذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها الّتي باركنا فيها}.
وهذه الآية من أجل شواهد الفقهاء أن الأرض ليس مجراها مجرى سائر ما يعمر). [معاني القرآن: 3/407]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ في هذا} [الأنبياء: 106] القرآن.
{لبلاغًا} [الأنبياء: 106] إلى الجنّة.
{لقومٍ عابدين} [الأنبياء: 106] الّذي يصلّون الصّلوات الخمس). [تفسير القرآن العظيم: 1/350]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وفي تفسير قتادة: {ولقد كتبنا في الزّبور} [الأنبياء: 105] يعني: زبور داود، {من بعد الذّكر} [الأنبياء: 105] يعني: التّوراة، {أنّ الأرض} [الأنبياء: 105] يعني: أرض الجنّة، {يرثها عبادي الصّالحون} [الأنبياء: 105] وكتب اللّه تبارك وتعالى ذلك في هذا القرآن فقال: {إنّ في هذا لبلاغًا لقومٍ عابدين} [الأنبياء: 106] أي عاملين). [تفسير القرآن العظيم: 1/350] (م)
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إنّ في هذا لبلاغاً...}
أي في القرآن). [معاني القرآن: 2/213]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين} [الأنبياء: 107] يعني لمن آمن من الإنس والجنّ.
وهو تفسير السّدّيّ وغيره.
يحيى، عن صاحبٍ له، عن المسعوديّ، عن سعيد بن جبيرٍ قال: من آمن باللّه ورسوله تمّت عليه الرّحمة في الدّنيا والآخرة، ومن كفر باللّه ورسوله عوفي ممّا عذّبت به الأمم، وله في الآخرة النار.
قال يحيى: لأنّ تفسير النّاس أنّ اللّه تبارك وتعالى أخّر عذاب كفّار هذه الأمّة
[تفسير القرآن العظيم: 1/350]
بالاستئصال إلى النّفخة الأولى بها يكون هلاكهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/351]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قل إنّما} [الأنبياء: 108] أنا بشرٌ مثلكم.
{يوحى إليّ أنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ فهل أنتم مسلمون} [الأنبياء: 108] وكذلك جاءت الرّسل.
قال: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25]، لا تعبدوا غيري). [تفسير القرآن العظيم: 1/351]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يوحى إليّ أنّما إلهكم...}

وجه الكلام (فتح أنّ) لأن (يوحى) يقع عليها و(إنّما) بالكسر يجوز. وذلك أنها أداة كما وصفت لك من قول الشاعر:
* ... أن إنّما بين بيشةٍ *
فتلقى (أن) كأنه قيل: إنما يوحى إلي أن إنّما إلهكم إله واحد). [معاني القرآن: 2/213]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل إنّما يوحى إليّ أنّما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون}
الأجود (أنّما إلهكم) بفتح أنّ، وهي القراءة، ولو قرئت إنما لجاز، لأن معنى (يوحى إليّ) يقال لي " ولكن القراءة الفتح لا غير). [معاني القرآن: 3/408-407]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آَذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فإن تولّوا} [الأنبياء: 109] يعني كفروا.
{فقل آذنتكم على سواءٍ} [الأنبياء: 109] يعني على أمرٍ بيّنٍ.
وهو تفسير السّدّيّ.
وقال قتادة: على مهلٍ.
وقال الحسن: من كذّب بي فهو عندي سواءٌ، أي جهادهم كلّهم سواءٌ عندي وهو كقوله: {وإمّا تخافنّ من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواءٍ} [الأنفال: 58] أي ليكون حكمك فيهم سواءً: الجهاد والقتل لهم أو يؤمنوا.
وهؤلاء مشركو العرب.
ويقاتل أهل الكتاب حتّى يسلموا أو يقرّوا بالجزية.
وجميع المشركين ما خلا العرب بتلك المنزلة.
وأمّا نصارى العرب فقد فسّرنا أمرهم في غير هذه السّورة.
{وإن أدري أقريبٌ أم بعيدٌ ما توعدون} [الأنبياء: 109] يعني به السّاعة). [تفسير القرآن العظيم: 1/351]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ):
(وقوله: {إن أدري...}
رفع على معنى ما أدري). [معاني القرآن: 2/214]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وآذنتكم على سواء} إذا انذرت عدوك واعلمته ذلك ونبذت إليه الحرب حتى تكون أنت وهو على سواء وحذر فقد آذنته على سواء). [مجاز القرآن: 2/43]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {آذنتكم على سواء}: إذا أنذرته وأعلمته فأنت وهو سواء). [غريب القرآن وتفسيره: 257]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {آذنتكم على سواءٍ} أي أعلمتكم وصرت أنا وأنتم على سواء، وإنما يريد نابذتكم وعاديتكم وأعلمتكم ذلك،
فاستوينا في العلم.وهذا من المختصر). [تفسير غريب القرآن: 289]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فإن تولّوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون}
{آذنتكم} أعلمتكم بما يوحى إليّ لتستووا في الإيمان به). [معاني القرآن: 3/408]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاء}: أي أعلمتكم فصرتم أنتم وأنا سواء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 157]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {آذَنْتُكم}: أعلمتكم.
{على سَواءٍ}: استويتم، يعني في العلم). [العمدة في غريب القرآن: 209]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون} [الأنبياء: 110] يعني ما تسرّون.
وفي تفسير السّدّيّ: إنّه يعلم ما كان قبل الخلق وما يكون بعده). [تفسير القرآن العظيم: 1/351]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإن أدري لعلّه فتنةٌ لكم} [الأنبياء: 111] تفسير الحسن: لعلّ ما أنتم فيه من الدّنيا من السّعة والرّخاء، وهو منقطعٌ زائلٌ.
{فتنةٌ لكم} [الأنبياء: 111] يعني بليّةً لكم.
{ومتاعٌ} [الأنبياء: 111] تستمتعون به، يعني بذلك المشركين.
وقوله: {إلى حينٍ} [الأنبياء: 111]
[تفسير القرآن العظيم: 1/351]
إلى يوم القيامة.
تفسير الحسن.
وقال قتادة: إلى الموت). [تفسير القرآن العظيم: 1/352]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
(المتاع: المدّة، قال الله تعالى: {ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاعٌ إلى حينٍ}

وقال تعالى: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}.
ومنه يقال: متع النهار. ويقال: أمتع الله بك). [تأويل مشكل القرآن: 512] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وإن أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين}
أي وما أدري ما آذنتكم به فتنة لكم أي اختبار لكم). [معاني القرآن: 3/408]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ ‎بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قال ربّ احكم بالحقّ} [الأنبياء: 112] سعيدٌ، عن قتادة قال: كانت الأنبياء تقول: {ربّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ} [الأعراف: 89] فأمر اللّه تبارك وتعالى نبيّه أن يقول: {قال ربّ احكم بالحقّ} [الأنبياء: 112] أي: اقض بالحقّ.
وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم علم أنّه على الحقّ، وإنّ عدوّه على الباطل، فكان إذا لقي العدوّ يقول: {قال ربّ احكم بالحقّ} [الأنبياء: 112] وكان النّبيّ إذا سأل اللّه أن يحكم بينه وبين قومه بالحقّ هلكوا.
وقال الحسن: أمره اللّه أن يدعو أن ينصر أولياءه على أعدائه، فنصره اللّه عليهم.
قوله: {وربّنا الرّحمن المستعان على ما تصفون} [الأنبياء: 112] قال قتادة: على ما تكذبون، يعني به المشركين). [تفسير القرآن العظيم: 1/352]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {قال ربّ احكم بالحقّ...}

جزم: مسألة سألها ربّه. وقد قيل: (قل ربّي أحكم بالحق) ترفع (أحكم) وتهمز ألفها. ومن قال قل ربي أحكم بالحق كان موضع ربي رفعاً،
ومن قال: ربّ احكم موصولة كانت في موضع نصب بالنداء). [معاني القرآن: 2/214]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {قال ربّ احكم بالحقّ وربّنا الرّحمن المستعان على ما تصفون}
{قال ربّ احكم بالحقّ}.
ويقرأ: (قل ربّ احكم بالحقّ).
ويجوز وقد قرئ به: قال ربّي أحكم بالحقّ، وكان من مضى من الرّسل يقولون: ({بّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ}.
ومعناه احكم، فأمر اللّه - عزّ وجلّ - نبيه أن يقول: {ربّ احكم بالحقّ}.
وقوله: {وربّنا الرّحمن المستعان على ما تصفون}.أي على ما تكذبون). [معاني القرآن: 3/408]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:58 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة