العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 03:31 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 46 إلى 59]

(وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52) قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54) فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) )

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ولو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدّةً ولكن كره الله انبعاثهم فثبّطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين}
وقال: {ولكن كره الله انبعاثهم} جعله من "بعثته" فـ"انبعث" وسمعت من العرب من يقول: "لو دعينا لاندعينا". وتقول: "انبعث انبعاثاً" أي: "بعثته" فـ"انبعث انبعاثاً" وتقول: "انقطع به" إذا تكلم فانقطع به ولا تقول "قطع به"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ولو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدّة ولكن كره اللّه انبعاثهم فثبّطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين}
أي فتركهم العدة دليل على إرادتهم التخفف.
{ولكن كره اللّه انبعاثهم فثبّطهم}.
والتثبيط ردّك الإنسان عن الشيء يفعله، أي كره الله أن يخرجوا معكم فردهم عن الخروج.
ثم أعلم عزّ وجلّ: (لم كره ذلك فقال:
{لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلّا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سمّاعون لهم واللّه عليم بالظّالمين (47) }). [معاني القرآن: 2/450]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم}
التثبيط رد الإنسان عما يريد أن يفعله). [معاني القرآن: 3/214]

تفسير قوله تعالى: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولأوضعوا خلالكم...}
الإيضاع: السير بين القوم. وكتبت بلام ألف وألف بعد ذلك، ولم يكتب في القرآن لها نظير. وذلك أنهم لا يكادون يستمرون في الكتاب على جهة واحدة؛ ألا ترى أنهم كتبوا {فما تغن النّذر} بغير ياء، {وما تغني الآيات والنّذر} بالياء، وهو من سوء هجاء الأوّلين. {ولأوضعوا} مجتمع عليه في المصاحف. وأما قوله: {أو لا أذبحنّه} فقد كتبت بالألف وبغير الألف. وقد كان ينبغي للألف أن تحذف من كله؛ لأنها لام زيدت على ألف؛ كقوله: لأخوك خير من أبيك؛ ألا ترى أنه لا ينبغي أن تكتب بألف بعد لام ألف. وأما قوله:
{لا انفصام لها} فتكتب بالألف؛ لأن {لا} في {انفصام} تبرئة، والألف من {انفصام} خفيفة. والعرب تقول: أوضع الراكب؛ ووضعت الناقة في سيرها. وربما قالوا للراكب وضع؛ قال الشاعر:

إني إذا ما كان يوم ذو فزع =ألفيتني محتملا بذي أضع
وقوله: {يبغونكم الفتنة} المعنى: يبغونها لكم. ولو أعانوهم على بغائها لقلت: أبغيتك الفتنة. وهو مثل قولك: أحلبني واحلبني). [معاني القرآن: 1/440]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلاّ خبالاً} الخبال: الفساد). [مجاز القرآن: 1/261]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (قوله عز وجل: {ولأوضعوا خلالكم} أي لأسرعوا خلاكم أي بينكم، وأصله من التخلل.
{وفيكم سمّاعون لهم} أي مطيعون لهم سامعون). [مجاز القرآن: 1/261]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({ولأوضعوا خلالكم} الإيضاع: سرعة السير {خلالكم} بينكم يتخللونكم). [غريب القرآن وتفسيره: 164]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ما زادوكم إلّا خبالًا} أي شرا. [والخبال] والخبل: الفساد.
{ولأوضعوا خلالكم} من الوضع، وهو سرعة السير. يقال: وضع البعير وأوضعته إيضاعا. والوجيف: مثله.
{وخلالكم} فيما بينكم.
{يبغونكم الفتنة} يعني الشرك.
{وفيكم سمّاعون لهم} يعني المنافقين يسمعون ما يقولون ويقبلونه). [تفسير غريب القرآن: 187]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (وكتبوا: {أَوْ لا أَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل: 31] بزيادة ألف.
وكذلك {وَلا أَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ} بزيادة ألف بعد لام ألف.
وهذا أكثر في المصحف من أن نستقصيه). [تأويل مشكل القرآن: 56-58] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلّا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سمّاعون لهم واللّه عليم بالظّالمين}
والخبال الفساد، وذهاب الشيء.
قال الشاعر:
أبني لبيني لستما بيد.=.. إلا يدا مخبولة العضد
أي فاسدة العضد.
{ولأوضعوا خلالكم}.
يقال أوضعت في السير إذا أسرعت، ولأسرعوا فيما يخل بكم.
{يبغونكم الفتنة وفيكم سمّاعون لهم}.
أي فيكم من يسمع ويؤدي إليهم ما يريدون.
وجائز أن يكون {سمّاعون لهم} من يقبل منهم.
وفي المصحف مكتوب " ولأوضعوا) ولا أوضعوا، ومثله في القرآن:
(أو لا أذبحنّه " بزيادة ألف أيضا، وهذا إنما حقّه على اللفظ ولأوضعوا.
ولكن الفتحة كانت تكتب قبل العربي ألفا. والكتاب أبتدئ به في العربي بقرب نزول القرآن فوقع فيه زيادات في أمكنة واتباع الشيء بنقص عن الحروف. فكتبت " ولا أوضعوا " بلام وألف، بدلا من الفتحة، وبهمزة.
فهذا مجاز ما وقع من هذا النحو في الكتاب). [معاني القرآن: 2/450-451]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا} الخبال الفساد وذهاب الشيء
ثم قال جل وعز: {ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة} الإيضاع سرعة السير
قال أبو إسحاق معنى خلالكم فيما يخل بكم
وقال غيره بينكم
وقيل الفتنة ههنا الشرك
ثم قال جل وعز: {وفيكم سماعون لهم} فيه قولان: أحدهما فيكم من يستمع ويخبرهم بما يريدون
والقول الآخر فيكم من يقبل منهم مثل سمع الله لمن حمده
والقول الأول أولى لأنه الأغلب من معنييه أن معنى سماع يسمع الكلام ومثله سماعون للكذب
والقول الثاني لا يكاد يقال فيه إلا سامع مثل قائل). [معاني القرآن: 3/214-216]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {إلا خبالا} أي: إلا فسادا). [ياقوتة الصراط: 242]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {ولأوضعوا}: ولأسرعوا إلى الهرب). [ياقوتة الصراط: 242]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {خلالكم} أي: ما تفرق من الجماعة لطلب الخلوة للفرار). [ياقوتة الصراط: 243]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وفيكم سماعون لهم} قال: يعني: الجواسيس). [ياقوتة الصراط: 243]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ} الإيضاع ضرب من السير سريع، والوجيف مثله، {خِلالَكُمْ} فيما بينكم.
{يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ} يعني الشرك.
{وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} يعني المنافقون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 97]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ولأَوْضَعُواْ}: أسرعوا السير
{خِلاَلَكُمْ}: بينكم). [العمدة في غريب القرآن: 148]

تفسير قوله تعالى: (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والأمر: الدّين، قال الله تعالى: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون: 53]، أي دينهم.
وقال تعالى: {حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ}). [تأويل مشكل القرآن: 515]

تفسير قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ومنهم مّن يقول ائذن لّي ولا تفتنّي...}
وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجد بن قيس: هل لك في جلاد بني الأصفر؟ - يعني الروم - وهي غزوة تبوك، فقال جدّ: لا، بل تأذن لي، فأتخلف؛ فإني رجل كلف بالنساء أخاف فتنة بنات الأصفر. وإنما سمي الأصفر لأن حبشيا غلب على ناحية الروم وكان له بنات قد أخذن من بياض الروم وسواد الحبشة فكن صفرا لعسا. فقال الله تبارك وتعالى: {ألا في الفتنة سقطوا} في التخلف عنك. وقد عذل المسلمون في غزوة تبوك وثقل عليهم الخروج لبعد الشقة، وكان أيضا زمان عسرة وأدرك الثمار وطاب الظل، فأحبّوا الإقامة، فوبّخهم الله.
فقال عز وجل: {ياأيّها الّذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل اللّه اثّاقلتم}.
ووصف المنافقين فقال: {لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتّبعوك} ). [معاني القرآن: 1/440-441]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ائذن لي ولا تفتنّي} مجازه: ولا تؤثمني.
{ألا في الفتنة سقطوا} أي ألا في الإثم وقعوا وصاروا). [مجاز القرآن: 1/261]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والفتنة: الإشراك والكفر والإثم، كقوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193]، أي: شرك.
وقال: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191] يعني الشرك.
وقال: {أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة: 49] أي: في الإثم.
وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [النور: 63]، أي: كفر وإثم). [تأويل مشكل القرآن: 473] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتنّي ألا في الفتنة سقطوا وإنّ جهنّم لمحيطة بالكافرين}
أي لا تؤثمني بأمرك إياي بالخروج، وذلك غير متيسر لي فآثم.
وقيل إن المنافقين هزئوا بالمسلمين في غزوة تبوك، فقالوا أتريدون بنات
الأصفر: فقال: {لا تفتنّي} أي {لا تفتنّي} ببنات الأصفر.
فأعلم اللّه تعالى أنهم قد سقطوا في الفتنة أي سقطوا في الإثم). [معاني القرآن: 2/451-452]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني} فيه قولان:
قال الضحاك ولا تكفرني وكذلك قال قتادة أي ولا تؤثمني
ومعناه لا تؤثمني بالخروج وهو لا يتيسر لي فإذا تخلفت أثمت
والقول الآخر وهو قول مجاهد أنه قيل لهم تغزون فتغنمون بنات الأصفر فقال بعضهم لا تفتني ببنات الأصفر
قال أبو إسحاق في الجد بن قيس أحد بني سلمة وهو الذي قال هذا). [معاني القرآن: 3/216-217]

تفسير قوله تعالى: (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إن تصبك حسنةٌ تسؤهم} أي ظفر.
{وإن تصبك مصيبةٌ} أي نكبة يفرحوا بها {ويقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل} أي أخذنا الوثيقة فلم نخرج). [تفسير غريب القرآن: 187-188]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولّوا وهم فرحون}
أي قد علمنا بالحزم في التخلف عنك. فأعلم الله جلّ وعزّ أن المسلمين لن يصيبهم إلا ما كتب الله لهم فقال جلّ وعزّ: {قل لن يصيبنا إلّا ما كتب اللّه لنا هو مولانا وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون (51)} ). [معاني القرآن: 2/452]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إن تصبك حسنة تسؤهم}
أي إن تظفر وتغنم يسؤوهم ذلك وإن تصبك مصيبة تهزم يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل أي قد أخذنا بالحزم إذ لم نخرج كذلك
وقال مجاهد معناه حذرنا). [معاني القرآن: 3/217]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} أي ظفر، {وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ} أي نكبة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 97]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قل هل تربّصون بنا إلاّ إحدى الحسنيين...}
الظفر أو الشهادة، فهما الحسنيان. والعرب تدغم اللام من (هل) و(بل) عند التاء خاصة. وهو في كلامهم عالٍ كثير؛ هل تدرى، وهتّدري. فقرأها القراء على ذلك، وإنما أستحبّ في القراءة خاصّة تبيان ذلك، لأنهما منفصلان ليسا من حرف واحد، وإنما بني القرآن على الترسّل والترتيل وإشباع الكلام؛ فتبيانه أحب إليّ من إدغامه، وقد أدغم القرّاء الكبار، وكلٌّ صواب). [معاني القرآن: 1/441]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلاّ ما كتب الله لنا} إلا ما قضى الله لنا وعلينا
{هو مولانا} أي ربّنا). [مجاز القرآن: 1/262]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (أصل الكتاب: ما كتبه الله في اللّوح مما هو كائن.
ثم تتفرع منه معان ترجع إلى هذا الأصل. كقوله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: 21] أي: قضى الله ذلك وفرغ منه.
وقوله: {لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51] أي: ما قضى الله لنا.
وقوله: {لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران: 154] أي: قضي، لأنّ هذا قد فرغ منه حين كتب). [تأويل مشكل القرآن: 462] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قل لن يصيبنا إلّا ما كتب اللّه لنا هو مولانا وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون}
أي ما قدّر علينا كما قال: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلّا في كتاب من قبل أن نبرأها}.
ثم أكد ذلك فقال: {إن ذلك على اللّه يسير}.
وفيه وجه آخر إنّه {لن يصيبنا إلا ما كتب اللّه لنا} ما بيّن لنا في كتابه.
من أنا نظفر، فتكون تلك حسنى لنا أو نقتل فتكون الشهادة حسنى لنا أيضا، أي فقد كتب اللّه لنا ما يصيبنا أو علمنا ما لنا فيه حظ، ثم بيّن جل ثناؤه فقال تعالى:
{قل هل تربّصون بنا إلّا إحدى الحسنيين ونحن نتربّص بكم أن يصيبكم اللّه بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربّصوا إنّا معكم متربّصون (52)} ). [معاني القرآن: 2/452]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قل لن يصيبنا إلا ما تحب كتب الله لنا} في معناه قولان:
أحدهما إلا ما قدر الله علينا
والآخر إلا ما أخبرنا به في كتابه من أنا نقتل فنكون شهداء أو نقتلكم
وكذلك معنى {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين} [آية: 52] ). [معاني القرآن: 3/217]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {إلا ما كتب الله لنا} معناه: إلا ما كتب الله علينا). [ياقوتة الصراط: 243]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أن يصيبكم الله بعذابٍ} أي أن يميتكم). [مجاز القرآن: 1/262]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إحدى الحسنيين}: الشهادة. والأخرى: الغنيمة). [تفسير غريب القرآن: 188]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قل هل تربّصون بنا إلّا إحدى الحسنيين ونحن نتربّص بكم أن يصيبكم اللّه بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربّصوا إنّا معكم متربّصون}
إلا الظفر أو الشهادة.
{ونحن نتربّص بكم أن يصيبكم اللّه بعذاب من عنده أو بأيدينا}.
فأنتم تربصون بنا إحدى الحسنيين، ونحن نتربص بكم إحدى الشّرّتين.
فبين ما تنتظرونه وننتظره فرق عظيم). [معاني القرآن: 2/452]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والحُسنيان} الشهادة والغنيمة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 97]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أنفقوا طوعاً أو كرهاً...}
وهو أمر في اللفظ وليس بأمر في المعنى؛ لأنه أخبرهم أنه لن يتقبّل منهم. وهو في الكلام بمنزلة إن في الجزاء؛ كأنك قلت: إن أنفقت طوعا أو كرها فليس بمقبول منك. ومثله {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم} ليس بأمر، إنما هو على تأويل الجزاء. ومثله قول الشاعر:
أسيئ بنا أو أحسني لا ملومةٌ =لدينا ولا مقليّةٌ إن تقلّت
). [معاني القرآن: 1/441]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أنفقوا طوعاً أو كرهاً} مفتوح ومضموم سواء). [مجاز القرآن: 1/262]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: {قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبّل منكم إنّكم كنتم قوما فاسقين}
وإن شئت كرها بالضم، هذا لفظ أمر ومعناه معنى الشرط والجزاء.
والمعنى أنفقوا طائعين أو مكرهين لن يتقبّل منكم.
ومثل هذا من الشعر قول كثير:
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة..=. لدينا ولا مقليّة إن تقلّت
فلم يأمرها بالإساءة، ولكن أعلمها أنها إن أساءت أو أحسنت فهو على عهدها.
فإن قال قائل كيف كان الخبر في معنى الأمر؟
قلنا هو، كقولك: غفر اللّه لزيد، ورحم اللّه زيدا.
فمعناه: اللهم ارحم زيدا). [معاني القرآن: 2/453]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلاّ أنّهم كفروا...}
{أنهم} في موضع رفع لأنه اسم للمنع؛ كأنك قلت: ما منعهم أن تقبل منهم إلا ذاك. و{أن} الأولى في موضع نصب. وليست بمنزلة قوله: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلاّ إنّهم ليأكلون} هذه فيها واو مضمرة، وهي مستأنفة ليس لها موضع. ولو لم يكن في جوابها اللام لكانت أيضا مكسورة؛ كما تقول: ما رأيت منهم رجلا إلا إنه ليحسن، وإلاّ إنه يحسن. يعرّف أنها مستأنفة أن تضع {هو} في موضعها فتصلح؛ وذلك قولك: ما رأيت منهم رجلا إلا هو يفعل ذلك. فدلّت {هو} على استئناف إنّ). [معاني القرآن: 1/442]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {كسالي} وكسالى مضمومة ومفتوحة وهي جميع كسلان، وإن شئت كسل). [مجاز القرآن: 1/262]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلّا أنّهم كفروا باللّه وبرسوله ولا يأتون الصّلاة إلّا وهم كسالى ولا ينفقون إلّا وهم كارهون}
موضع " أن " الأولى نصب، وموضع " أن " الثانية رفع.
المعنى ما منعهم من قبول نفقاتهم إلّا كفرهم.
ويجوز " أن يقبل منهم نفقاتهم " لأن النفقات في معنى الإنفاق، ويجوز: وما منعهم من أن يقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم
كفروا، وهذا لا يجوز أن يقرأ به لأنه لم يرو في القراءة.
وقوله: (ولا يأتون الصّلاة إلّا وهم كسالى).
وكسالى - بالضم والفتح - جمع كسلان، وكقولك سكران وسكارى وسكارى. ويجوز ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسلى.
ولا يجوز ذلك في القرآن.
{ولا ينفقون إلّا وهم كارهون}.
القراءة على فتح الكاف، ويجوز الكسر إلا وهم كارهون، ولم يرو في القرآن). [معاني القرآن: 2/453-454]

تفسير قوله تعالى: (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنّما يريد اللّه ليعذّبهم بها في الحياة الدّنيا...}
معناه: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا. هذا معناه، ولكنه أخّر ومعناه التقديم - والله أعلم - لأنه إنما أراد: لا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة. وقوله: {وتزهق أنفسهم وهم كافرون} أي تخرج أنفسهم وهم كفّار. ولو جعلت الحياة الدنيا مؤخّرة وأردت: إنما يريد الله ليعذبهم بالإنفاق كرها ليعذبهم بذلك في الدنيا، لكان وجها حسنا). [معاني القرآن: 1/442]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وتزهق أنفسهم} أي تخرج وتموت وتهلك، ويقال: زهق ما عندك، أي ذهب كله). [مجاز القرآن: 1/262]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({وتزهق أنفسهم}: تهلك، يقال زهقت أنفسكم ويقال زهق ما عند فلان ذهب أجمع). [غريب القرآن وتفسيره: 164]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن المقدّم والمؤخّر قوله سبحانه: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}
وقال ابن عباس في رواية الكلبي: أراد: ولا تعجبك أموالهم وأولادهم في الدنيا، إنما يريد الله أن يعذّبهم في الآخرة). [تأويل مشكل القرآن: 208]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنّما يريد اللّه ليعذّبهم بها في الحياة الدّنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون}
معناه - واللّه أعلم - فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الدنيا، إنما يريد اللّه ليعذبهم بها في الآخرة.
ويجوز واللّه أعلم: إنما يريد اللّه ليعذبهم بها في الدنيا أي هم ينفقونها في الدنيا، وهم منافقون فهم متعذبون بإنفاقها إذ كانوا ينفقونها على كره.
وقوله: ( {وتزهق أنفسهم وهم كافرون}.
معناه، وتخرج أنفسهم أي يغلظ عليهم المكروه حتى تزهق أنفسهم). [معاني القرآن: 2/454]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا}
فيه تقديم وتأخير
المعنى فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم في الآخرة وهذا قول أكثر أهل العربية ويجوز أن يكون المعنى فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم في الدنيا لأنهم منافقون فهم ينفقون كارهين فيعذبون بما ينفقون
ثم قال {وتزهق أنفسهم} أي تخرج). [معاني القرآن: 3/218]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَزْهَقَ}: تهلك). [العمدة في غريب القرآن: 148]

تفسير قوله تعالى: (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ويحلفون باللّه إنّهم لمنكم وما هم منكم ولكنّهم قوم يفرقون}
أي يحلفون باللّه أنهم مؤمنون كما أنتم مؤمنون، وما هم منكم لأنهم يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر {ولكنّهم قوم يفرقون}.
أي يفرقون أن يظهروا ما هم عليه فيقتلوا، ثم أعلم جلّ وعزّ أنهم لو وجدوا مخلصا فيه لفارقوكم، فقال جلّ وعزّ:
{لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدّخلا لولّوا إليه وهم يجمحون (57)} ). [معاني القرآن: 2/454]

تفسير قوله تعالى: (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لو يجدون ملجئاً} - أي حرزا - {أو مغاراتٍ}...}
وهي الغيران؛ واحدها غار في الجبال {أو مدّخلاً} يريد: سربا في الأرض.
{لّولّوا إليه وهم يجمحون} مسرعين؛ الجمح ها هنا: الإسراع). [معاني القرآن: 1/443]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ملجئاً أو مغارات} أي ما يلجئون إليه أو ما يغورون فيه فيدخلون فيه ويتغيبون فيه.
{يجمحون} يجمح أي يطمح يريد أن يسرع). [مجاز القرآن: 1/262]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {لو يجدون ملجئاً أو مغاراتٍ أو مدّخلاً لّولّوا إليه وهم يجمحون}
وقال: {لو يجدون ملجئاً أو مغاراتٍ أو مدّخلاً} لأنه من "ادّخل" "يدّخل" وقال بعضهم {مدخلا} جعله من "دخل" "يدخل" وهي فيما أعلم أردأ الوجهين. ويذكرون أنها في قراءة أبي {مندخلاً} أراد شيئاً بعد شيء. وإنما قال: {مغاراتٍ} لأنها من "أغار" فالمكان "مغارٌ" قال الشاعر:
الحمد لله ممسانا ومصبحنا = بالخير صبحنا ربّي ومسّانا
لأنّها من "أمسى" و"أصبح" وإذا وقفت على "ملجأ" قلت "ملجأا" لأنه نصب منون فتقف بالألف نحو قولك "رأيت زيدا"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ملجأ أو مغارات}: الملجأ ما لجؤا إليه.
والمغارات كل شيء دخلت فيه فغبت فيه فهو مغارة، ومن ذلك " غور تهامة".
{أو مدخلا}: المدخل ما دخلوا فيه.
{يجمحون}: ويطمحون واحد وهو من السرعة). [غريب القرآن وتفسيره: 164-165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أو مدّخلًا} أي مدخلا يدخلونه.
{لولّوا إليه} أي لرجعوا عنك إليه.
{وهم يجمحون} أي يسرعون [روغانا عنك] ومنه قيل: فرس جموح، إذا ذهب في عدوه فلم يثنه شيء). [تفسير غريب القرآن: 188]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدّخلا لولّوا إليه وهم يجمحون}
والملجأ واللّجأ، مقصور ومهموز، وهو المكان الذي يتحصّن فيه.
ومغارات جمع مغارة، وهو الموضع يغور فيه الإنسان، أي يستتر فيه.
ويقرأ: {أو مغارات} بضم الميم لأنه يقال أغرت وغرت، إذا دخلت الغور.
وقوله: {أو مدّخلا}.
ويقرأ أو مدخلا بالتخفيف، ويقرأ أو مدخلا.
فأما {مدّخل} فأصله مدتخل، ولكن التاء والدال من مكان واحد فكان الكلام من وجه واحد أخف، ومن قال مدخلا فهو من دخل يدخل مدخلا.
ومن قال مدخلا فهو من أدخلته مدخلا.
قال الشاعر:
الحمد لله ممسانا ومصبحنا.=.. بالخير صبحنا ربّي ومسّانا
ومعنى مدّخل ومدخل أنهم لو وجدوا قوما يدخلون في جملتهم أو يدخلونهم في جملتهم: {لولّوا إليه وهم يجمحون}.
المعنى لو وجدوا هذه الأشياء {لولّوا إليه وهم يجمحون}.
أي يسرعون إسراعا لا يرد وجوههم شيء.
ومن هذا قيل: فرس جموح للذي إذا حمل لم يردّه اللجام). [معاني القرآن: 2/454-455]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون}
قال قتادة الملجأ الحصون والمغارات الغيران
والمدخل الأسراب
قال أبو جعفر وهذا قول حسن عند أهل اللغة لأنه يقال للحصن ملجأ ولجأ والمغارات من غار يغور إذا استتر
وتقرأ أو مدخلا بتشديد الدال والخاء وتقرأ أو مدخلا ومعانيها متقاربة إلا أن مدخلا من دخل يدخل ومدخلا من أدخل يدخل أي لو يجدون قوما يدخلونهم في جملتهم أو قوما يدخلون معهم أو مكانا يدخلون فيه لولوا إليه أي لو وجدوا أحد هذه الأشياء لولوا إليه وهم يجمحون أي يسرعون لا يرد وجوههم شيء
ومنه فرس جموح). [معاني القرآن: 3/218-219]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وهم يجمحون} أي: وهم يمشون بالعجلة في جانب). [ياقوتة الصراط: 244]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَجْمَحُونَ} يسرعون. ومنه فرس جموح: إذا لم يثنه شيء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 97]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَلْجَأ}: حرزاً
{مَغَارَاتٍ}: مداخل في الجبل
{مُدَّخَلاً}: ضرباً في الأرض
{يَجْمَحُونَ}: يسرعون). [العمدة في غريب القرآن: 148]

تفسير قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ومنهم مّن يلمزك في الصّدقات...}
يقول: بعيبك، ويقولون: لا يقسم بالسّويّة.
{فإن أعطوا منها رضوا} فلم يعيبوا.
ثم إن الله تبارك وتعالى بيّن لهم لمن الصدقات). [معاني القرآن: 1/443]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ومنهم من يلمزك} أي يعيبون، قال زياد الأعجم:
إذا لقيتك تبدي لي مكاشرةً... وإن أغيب فأنت العائب اللّمزه). [مجاز القرآن: 1/262 -263]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ومنهم مّن يلمزك في الصّدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لّم يعطوا منها إذا هم يسخطون}
وقال: {ومنهم مّن يلمزك} وقال بعضهم {يلمزك} ). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ومنهم من يلمزك في الصدقات}: يعيبك). [غريب القرآن وتفسيره: 165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ومنهم من يلمزك في الصّدقات}: يعيبك ويطعن عليك.
يقال: همزت فلانا ولمزته. إذا اغتبته وعبته [ومنه قوله تعالى]: {ويلٌ لكلّ همزةٍ لمزةٍ} [سورة الهمزة آية: 1] ). [تفسير غريب القرآن: 188]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ومنهم من يلمزك في الصّدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون}
وتقرأ يلمزونك: يقال لمزت الرجل ألمزه بكسر الميم، وألمزه بضم الميم إذ عبته، وكذلك همزته أهمزه إذا عبته.
قال الشاعر:

إذا لقيتك تبدي لي مكاشرة..=. وإن تغيّبت كنت الهامز اللّمزه
واللمزة الكثير العيب للناس، وقال بعضهم: اللّمزة العيب. بكسر العين أي بكسر عينه عيب كنهم، إذا عاب. يراد به عيب صاحبه وقالوا: اللّمزة العيب بالمسارّة. وهذا كله يرجع إلى العيب). [معاني القرآن: 2/455-456]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا}
قال مجاهد أي يروزك ويسألك
وقال قتادة أي يطعن عليك
قال أبو جعفر والقول عند أهل اللغة قول قتادة يقال لمزه يلمزه إذا عابه ومنه فلان همزة لمزة أي عياب للناس
ويقال اللمزة هو الذي يعيب في سر وإن الهمزة هو الذي يشير بعينيه
وهذا كله يرجع إلى أنه يعيب). [معاني القرآن: 3/219-220]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {من يلمزك} أي: يعيبك). [ياقوتة الصراط: 243]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَلْمِزُكَ} أي يعيبك ويطعن عليك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 98]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَلْمِزُكَ}: يعيبك). [العمدة في غريب القرآن: 148]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) )


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 03:43 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 60 إلى 72]

(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) )

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّما الصّدقات للفقراء...}
وهم أهل صفّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا لا عشائر لهم، كانوا يلتمسون الفضل بالنهار، ثم يأوون إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء الفقراء.
{والمساكين}: الطوّافين على الأبواب {والعاملين عليها} وهم السعاة.
{والمؤلّفة قلوبهم} وهم أشراف العرب، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم ليجترّ به إسلام قومهم.
{وفي الرّقاب} يعني المكاتبين {والغارمين}: أصحاب الدّين الذين ركبهم في غير إفساد.
[معاني القرآن: 1/443]
{وفي سبيل اللّه}: الجهاد {وابن السّبيل}: المنقطع به، أو الضيف.
{فريضةً مّن اللّه} نصب على القطع. والرفع في {فريضة} جائز لو قرئ به. وهو في الكلام بمنزلة قولك: هو لك هبةً وهبةٌ، وهو عليك صدقةً وصدقةٌ، والمال بينكما نصفين ونصفان، والمال بينكما شقّ الشعرة وشقٌّ... ). [معاني القرآن: 1/443-444]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إنّما الصّدقات للفقراء} وهم ضعفاء الأحوال الذين لهم البلعة من العيش.
{والمساكين}: الذين ليس لهم شيء. قال قتادة: الفقير: الذي به زمانة، والمسكين: الصحيح المحتاج.
{والعاملين عليها} أي عمال الصدقة، وهم السعاة.
{والمؤلّفة قلوبهم}: الذين كان النبي صلّى اللّه عليه وسلم يتألّفهم على الإسلام.
{وفي الرّقاب} أي المكاتبين. أراد: فكّ الرّقاب من الرّق.
{والغارمين} من عليه الدّين ولا يجد قضاء. وأصل الغرم: الخسران. ومنه قيل في الرهن: له غنمه وعليه غرمه. أي ريحه له وخسرانه أو هلاكه عليه. فكأن الغارم هو الذي خسر ماله. والخسران: النقصان.
ويكون الهلاك. قال اللّه عز وجل: {الّذين خسروا أنفسهم وأهليهم} [سورة الزمر آية: 15، وسورة الشورى آية: 45].
وقد يشتق من الغرم اسم للهلاك خاصة. من ذلك قوله: {إنّ عذابها كان غراماً} [سورة الفرقان آية: 65] أي هلاكا. ومنه يقال: فلان مغرم بالنساء أي مهلك بهن. ويقال: ما أشد غرامه بالنساء وإغرامه، أي هلاكه بحبّهن). [تفسير غريب القرآن: 188-189 ]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرّقاب والغارمين وفي سبيل اللّه وابن السّبيل فريضة من اللّه واللّه عليم حكيم}
وهم قوم كانوا يعطون: يتألّفون على أن يسلموا.
وهذا غير مستعمل اليوم لظهور الإسلام.
{وفي الرقاب}.
كأن يعاون المكاتب حتى يفك رقبته:
{والغارمين}.
وهم الذين لزمهم الدِّين في الحمالة، والحمالة، الإعطاء في الذّمّة ويجوز أن يكون الغارم الّذي لزمه الدِّين في غير معصية، فالأولى أن يكون الدين الذي يقضى عنه في غير معصية، لأنّ ذا المعصية إن أدّي عنه الدّين كان ذلك تقوية على المعاصي.
{وفي سبيل اللّه}.
أي وللمجاهدين حق في الصدقة.
{وابن السبيل} ابن الطريق.
وتأويله الذي قطع عليه الطريق.
{فريضة من اللّه}
منصوب على التوكيد، لأن قوله: إنّما الصّدقات لهؤلاء كقولك فرض اللّه الصدقات لهؤلاء.
وقد بينّا في أول الأنفال ما قيل في جميع الأموال، واستقصيناه.
ويجوز فريضة من اللّه على ذلك ولا أعلمه قرئ به). [معاني القرآن: 2/456-457]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين}
قال قتادة الفقير المحتاج الذي له زمانه والمسكين
الصحيح المحتاج
وقال مجاهد والزهري الفقير الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل
حدثنا محمد بن إدريس بن أسود قال نا يونس قال أنبأنا ابن وهب قال أخبرني جرير بن حازم عن علي بن الحكم عن الضحاك قال الفقراء من المهاجرين والمساكين من الأعراب
قال وكان ابن عباس يقول الفقراء من المسلمين والمساكين من أهل الذمة
قال أبو جعفر الذي قاله الزهري ومجاهد حسن لأن المسكين مأخوذ من السكون والخضوع فالذين يسألون يظهر عليهم السكون والخضوع
وإن كان الذي يسأل والذي لا يسأل يجتمعان في اسم الفقر
فإن الطي يظهر عليه مع الفقر ما ذكرنا
وفقير في اللغة إنما يعرف بأن يقال إلى كذا
فالمعنى والفقراء إلى الصدقة ومسكين عليه ذلة لأنه قد يكون به فقر إليها ولا ذلة عليه فيها
وقال أهل اللغة لا نعلم بينهم اختلافا
الفقير الذي له بلغة والمسكين الذي لا شيء له
وأنشدوا:

أما الفقير الذي كانت حلوبته = وفق العيال فلم يترك له سبد
وقال يونس قلت لأعرابي أفقير أنت فقال لا بل مسكين
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يسأل ولا يفطن له فيعطى ولا يجد غنى يغنيه
قال أبو جعفر قال علي بن سليمان الفقير مشتق من قولهم فقرت له فقرة من مالي أي أعطيته قطعة فالفقير على هذا الذي له قطعة من المال والمسكين مأخوذ من السكون كأنه بمنزلة من لا حركة له
وقال بعض الفقهاء المسكين الذي له شيء واحتج بقول الله عز وجل: {أما السفينة فكانت لمساكين يعلمون في البحر}
قال أبو جعفر وهذا الاحتجاج لا يلزم لأنك تقول هذا التمر لهذه النخلة وهذا البيت لهذه الدار لا تريد الملك فيجوز أن يكون قيل لمساكين لأنهم كانوا يعلمون فيها
وقد قيل إنه إنما تمثيل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض النساء يا مسكينة عليك السكينة
ثم قال عز وجل: {والعاملين عليها}
وهم السعاة ومن كان مثلهم
ثم قال تعالى: {والمؤلفة قلوبهم}
قال الشعبي هؤلاء كانوا في وقت النبي صلى الله عليه وسلم يتألفون فلما ولي أبو بكر رضي الله عنه زال هذا
قال أبو جعفر حديث الشعبي إنما رواه عنه جابر الجعفي وقد قال يونس سألت الزهري قال لا أعلم أنه نسخ من ذلك شيء
فعلى هذا الحكم فيهم ثابت فإن كان أحد يحتاج إلى تألفه ويخاف أن يلحق المسلمين منه آفة أو يرجى أن يحسن إسلامه بعد دفع إليه
ثم قال جل وعز: {وفي الرقاب}
أي وفي فك الرقاب
قيل هم المكاتبون
وقيل تبتاع الرقاب فيكون الولاء للمسلمين
ثم قال جل وعز: {والغارمين} قال مجاهد هم الذين أحرقت النار بيوتهم وأذهب السيل مالهم فادانوا لعيالهم
وروي عن أبي جعفر ومجاهد وقتادة قالوا الغارم من استدان لغير معصية
قال أبو جعفر وهذا لا يكون غيره لأنه إذا كان ذا دين في
معصية فقضي عنه فقد أعين على المعصية
والغرم في اللغة الخسران فكأن المستدين لا يجد قضاء دينه قد خسر ماله ومنه إن عذابها كان غراما أي هلاكا وخسرانا
ثم قال تعالى: {وفي سبيل الله} أي في طاعة الله أي للمجاهدين والحجاج وابن السبيل
روى جابر عن أبي جعفر أنه قال هو المجتاز من أرض إلى أرض
قال أبو جعفر والسبيل في اللغة الطريق فابن السبيل هو الذي قطعت عليه الطريق أو جاء من أرض العدو وقد أخذ
ماله
قالت الفقهاء أبناء السبيل الغائبون عن أموالهم الذين لا يصلون إليها لبعد المسافة بينهم وبينها حتى يحتاجوا إلى الصدقة فهي إذ ذاك لهم مباحة فقد صاروا إلى حكم من لا مال له
روى المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن حذيفة في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين}
قال إنما ذكر الله هذه الصدقات لتعرف وأي صنف أعطيت منها أجزأك
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس إنما الصدقات للفقراء والمساكين قال في أيها وضعت أجزأ عنك). [معاني القرآن: 3/220-227]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} للضعفاء الذي لهم البلغة من العيش، والمساكين: الذين لا شيء لهم. وقيل: الفقير الذي به زمانه، والمسكين: الصحيح المحتاج.
{وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} أي عمال الصدقة، وهم السعاة الجباة.
{وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألفهم على الإسلام.
{وَفِي الرِّقَابِ} المكاتبين.
{وَالْغَارِمِينَ} من عليه الدين، ولا شيء لهم.
{وَاِبْنِ السَّبِيلِ} المنقطع بغير بلده). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 98]

تفسير قوله تعالى: (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ومنهم الّذين يؤذون النّبيّ...}
اجتمع قوم على عيب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيقول رجل منهم: إن هذا يبلّغ محمدا - صلى الله عليه وسلم - فيقع بنا، فـ {ويقولون}: إنما {هو أذنٌ} سامعة إذا أتياناه صدّقنا، فقولوا ما شئتم. فأنزل الله عز وجل: {قل أذن خيرٍ لّكم} أي كما تقولون، ولكنه لا يصدّقكم، إنما يصدّق المؤمنين.
وهو قوله: {يؤمن باللّه}: يصدق بالله. {ويؤمن للمؤمنين}: يصدّق المؤمنين. وهو كقوله: {للّذين هم لربّهم يرهبون} أي يرهبون ربهم.
وأما قوله:{والّذين يؤذون رسول اللّه لهم عذابٌ أليمٌ} فمتصل بما قبله. وقوله: {ورحمةٌ للّذين آمنوا} إن شئت خفضتها تتبعها لخير، وإن شئت رفعتها أتبعتها الأذن. وقد يقرأ: {قل أذنٌ خيرٌ لكم} كقوله: قل أذن أفضل لكم؛ و{خير} إذا خفض فليس على معنى أفضل؛ إذا خفضت {خير} فكأنك قلت: أذن صلاح لكم، وإذا قلت: {أذنٌ خير لكم}، فإنك قلت: أذن أصلح لكم. ولا تكون الرحمة إذا رفعت {خير} إلا رفعا. ولو نصبت الرحمة على
غير هذا الوجه كان صوابا: {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين، ورحمةً} يفعل ذلك. وهو كقوله: {إنا زيّنّا السّماء الدّنيا بزينةٍ الكواكب. وحفظاً}). [معاني القرآن: 1/444-445]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ومنهم الّذين يؤذون النّبيّ ويقولون هو أذنٌ قل أذن خيرٍ لّكم يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين ورحمةٌ لّلّذين آمنوا منكم والّذين يؤذون رسول اللّه لهم عذابٌ أليمٌ}
وقال: {قل أذن خيرٍ لّكم} أي: هو أذن خيرٍ لا أذن شرٍّ. وقال بعضهم {أذنٌ خيرٌ لكم} والأولى أحسنهما لأنك لو قلت {هو أذنٌ خيرٌ لكم} لم يكن في حسن {هو أذن خيرٍ لكم} وهذا جائز على أن تجعل {لكم} صفة "الأذن".
وقال: {ورحمةٌ لّلّذين آمنوا منكم} أي: وهو رحمة.
وقال: {يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين} أي: يصدقهم كأن تقول للرجل "أنا ما يؤمن لي بأن أقول كذا وكذا" أي: ما يصدقني). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ويقولون هو أذنٌ} أي يقبل كل ما قيل له.
{قل أذن خيرٍ لكم} أي يقبل منكم ما تقولون له خيرا لكم إن كان ذاك كما تقولون، ولكنه: {يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين} أي يصدّق اللّه ويصدق المؤمنين). [تفسير غريب القرآن: 189]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله تعالى حكاية عن المنافقين: {وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} أي يقبل كلّ ما بلغه.
والأصل: أن الأذن هي السامعة، فقيل لكل من صدّق بكلّ خبر يسمعه: أُذُن، ومنه يقال: آذنتك بالأمر فأَذِنْتَ، كما تقول: أعلمتك فعَلِمت، إنما هو أَوْقَعْتُه في أُذُنك.
يقول الله عزّ وجلّ: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] أي اعلموا، ومن قرأها {فآذنوا} أراد فأعلموا.
ومنه ما قالت الشعراء:
[تأويل مشكل القرآن: 182]
آذَنتنا ببينها أسماء
ومنه الأَذَان إنما هو إعلام الناس وقت الصلاة.
وقوله: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] أي إعلام.
وكان المنافقون يقولون: إن محمدا أذن فقولوا ما شئتم، فإنا متى أتيناه فاعتذرنا إليه صدّقّنا. فأنزل الله تبارك وتعالى: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} أي كان الأمر كما تذكرون، ولكنه إنّما {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي يُصَدِّقُ الله ويصدّق المؤمنين، لا أنتم، (والباء) و(اللام) زائدتان). [تأويل مشكل القرآن: 183]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ومنهم الّذين يؤذون النّبيّ ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين ورحمة للّذين آمنوا منكم والّذين يؤذون رسول اللّه لهم عذاب أليم}
وتفسير الآية أن من المنافقين من كان يعيب النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقول: إن بلغه عني حلفت له وقبل منّي لأنّه أذن.
فأعلم اللّه تعالى أنه {أذن خير لكم}.
أي مستمع خير لكم، ثم بين ممن يقبل فقال:
{يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين}.
أي هو أذن خير لا أذن شر، يسمع ما ينزله الله عليه، فيصدّق به.
ويصدق المؤمنين فيما يخبرونه به.
{ورحمة للّذين آمنوا منكم}.
أي هو رحمة، لأنه كان سبب المؤمنين في إيمانهم.
ومن قرأ أذن خير لكم، فالمعنى فإن من يسمع منكم ويكون قريبا منكم قابلا للعذر خير لكم.
ويروى في هذه الآية أن رجلا من المنافقين قال: لو كان ما أتى به
محمد حقا فنحن حمير، فقال له ابن امرأته إنّ ما أتى به لحق، وإنّك لشر من دابتك هذه وبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال بعض من حضره نعتذر إليه ونحلف له فإنه أذن). [معاني القرآن: 2/457]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن}
قال مجاهد هؤلاء قوم من المنافقين ذكروا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا نقول فيه فإن بلغه ذلك حلفن له فصدقنا
وكذلك الأذن في اللغة يقال هو أذن إذا كان يسمع ما يقال له ويقبله
فالمعنى إن كان الأمر على ما يقولون أن يكون قريبا منكم يقبل اعتذاركم
ثم قال جل وعز: {قل أذن خير لكم}
أي إن كان كما قلتم
ثم أخبر انه يؤمن بالله
ومن قرأ قل أذن خير لكم ذهب إلى أن معناه قل هو مستمع خير لكم). [معاني القرآن: 3/227-228]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {هُوَ أُذُنٌ} أي يقبل كل ما قيل له.
{قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} أي يقبل منكم ما تقولون له). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 98]

تفسير قوله تعالى: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {واللّه ورسوله أحقّ أن يرضوه...}
وحّد {يرضوه} ولم يقل: يرضوهما؛ لأن المعنى - والله أعلم - بمنزلة قولك: ما شاء الله وشئت؛ إنما يقصد بالمشيئة قصد الثاني، وقوله: "ما شاء الله" تعظيم لله مقدّم قبل الأفاعيل؛ كما تقول لعبدك: قد أعتقك الله وأعتقتك، وإن شئت أردت: يرضوهما فاكتفيت بواحد: كقوله:

نحن بما عندنا وأنت بما عنـ =دك راض والرأي مختلف
ولم يقل: راضون). [معاني القرآن: 1/445]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يحلفون باللّه لكم ليرضوكم واللّه ورسوله أحقّ أن يرضوه إن كانوا مؤمنين}
وقال: {يحلفون باللّه لكم ليرضوكم} و"سيحلفون بالله لكم ليرضوكم" ولا أعلمه إلاّ على قوله: "ليرضنّكم" كما قال الشاعر:
إذا قلت قدني قال بالله حلفةً = لتغني عنّي ذا أنائك أجمعا
أي: لتغنينّ عني. وهو نحو {ولتصغى إليه أفئدة الّذين لا يؤمنون بالآخرة} أي: ولتصغينّ). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يجتمع شيئان فيجعل الفعل لأحدهما، أو تنسبه إلى أحدهما وهو لهما:
كقوله: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11].
وقوله: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} ). [تأويل مشكل القرآن: 288] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يحلفون باللّه لكم ليرضوكم واللّه ورسوله أحقّ أن يرضوه إن كانوا مؤمنين}
قال بعض النحويين: إن هذه اللام بمعنى القسم، أي يحلفون بالله
لكم ليرضنّكم وهذا خطأ لأنهم إنّما حلفوا أنّهم ما قالوا ما حكي عنهم ليرضوكم باليمين، ولم يحلفوا أنّهم يرضون فيما يستقبل.
{واللّه ورسوله أحقّ أن يرضوه}.
وقوله: {إن كانوا مؤمنين}.
أي إن كانوا على ما يظهرون فكان ينبغي ألا يعيبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكونون بتوليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وترك عيبه مؤمنين.
ويجوز في قوله {ورحمة} الجر على العطف على {خير}. فيكون المعنى قل أذن خير لكم وأذن رحمة للمؤمنين.
وقوله: {أحقّ أن يرضوه}، ولم يقل يرضوهما، لأن المعنى يدل عليه فحذف استخفافا، المعنى واللّه أحقّ أن يرضوه، ورسوله أحقّ أن يرضوه، كما قال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما..=. عندك راض والأمر مختلف
المعنى نحن بما عندنا راضون وأنت بما عندك راض). [معاني القرآن: 2/458]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والله ورسوله أحق أن يرضوه} المعنى عند سيبويه والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن
يرضوه ثم حذف كما قال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما = عندك راض والرأي مختلف
وقال أبو العباس هو على غير حذف والمعنى والله أحق أن يرضوه ورسوله
وقال غيرهما المعنى ورسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يرضوه وقوله جل وعز: {والله} افتتاح كلام كما تقول هذا لله ولك). [معاني القرآن: 3/228-229]

تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ألم يعلموا أنّه من يحادد الله} أي من يحارب الله ويشاقق الله ورسوله). [مجاز القرآن: 1/263]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ألم يعلموا أنّه من يحادد اللّه ورسوله فأنّ له نار جهنّم خالداً فيها ذلك الخزي العظيم}
وقال: {ألم يعلموا أنّه من يحادد اللّه ورسوله فإنّ له} فكسر الألف لأن الفاء التي هي جواب المجازاة ما بعدها مستأتف.
{فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرّاً لّو كانوا يفقهون}
وقال: {فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه} أي: مخالفةً. وقال بعضهم (خلف) و(خلاف) أصوبهما لأنهم خالفوا مثل "قاتلوا قتالا" ولأنه مصدر "خالفوا"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ألم يعلموا أنّه من يحادد اللّه ورسوله فأنّ له نار جهنّم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم}
معناه من يعادي اللّه ورسوله، ومن يشاقق الله ورسوله.
واشتقاقه من اللغة كقولك من يجانب الله ورسوله، أي من يكون في حدّ، واللّه ورسوله في حدّ.
{فأنّ له نار جهنّم}.
والقراءة بالفتح والكسر: " فأنّ له "، فمن كسر فعلى الاستئناف بعد الفاء، كما تقول فله نار جهنم، ودخلت إن مؤكدة، ومن قال: فأنّ له، فإنما أعاد " فان " توكيدا، لأنه لما طال الكلام كان إعادتها أوكد). [معاني القرآن: 2/458-459]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله}
معناه يعادي ويجانب يقال حاد فلان أي صار في حدة غير حده). [معاني القرآن: 3/230]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {أنه من يحادد الله ورسوله} أي: يخالفهما). [ياقوتة الصراط: 244]

تفسير قوله تعالى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: {يحذر المنافقون أن تنزّل عليهم سورة تنبّئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إنّ اللّه مخرج ما تحذرون}
لفظ يحذر لفظ الخبر، ومعناه الأمر، لأنه لا لبس في الكلام في أنه أمر، فهو كقولك ليحذر المنافقون، وعلى هذا يجوز في كل ما يؤمر به أن تقول يفعل ذلك، فينوب عن قولك ليفعل ذلك.
ويجوز أن يكون خبرا عنهم لأنهم كانوا يكفرون عنادا وحسدا.
ودليل هذا القول: {قل استهزئوا إنّ اللّه مخرج ما تحذرون} ). [معاني القرآن: 2/459]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم}
قال مجاهد هؤلاء قوم من المنافقين ذكروا النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وقالوا نرجو أن لا يفشي الله علينا). [معاني القرآن: 3/230]

تفسير قوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولئن سألتهم ليقولنّ إنّما كنّا نخوض ونلعب قل أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزئون)
وذلك أنهم قالوا: إنما كنا نخوض كما يخوض الركب}). [معاني القرآن: 2/460]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب}
فالمعنى ولئن سألتهم عما قالوا
قال قتادة هؤلاء قوم من المنافقين قالوا في غزوة تبوك أيطمع محمد أن يدخل بلاد الروم ويخرب حصونهم فأطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم على ما قالوا فدعا بهم فقال أقلتم كذا وكذا فقالوا {إنما كنا نخوض ونلعب}
وقال سعيد بن جبير قالوا إن كان ما يقول محمد حقا فنحن حمير فأطلعه الله جل وعز على ما قالوا فسألهم فقالوا إنما كنا نخوض ونلعب
قال عز وجل: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}
أي قد ظهر منكم الكفر بعد ظهور الإيمان). [معاني القرآن: 3/230-231]

تفسير قوله تعالى: (لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إن نّعف عن طائفةٍ مّنكم نعذّب طائفةً...}
والطائفة واحد واثنان، وإنما نزل في ثلاثة نفر استهزأ رجلان برسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن، وضحك إليهما آخر، فنزل {إن نّعف عن طائفةٍ} يعني الواحد الضحاك {نعذّب طائفةً} يعني المستهزئين. وقد جاء {وليشهد عذابهما طائفةٌ} يعني واحدا. ويقرأ: "إن يعف عن طائفة منكم تعذّب طائفةٌ". و"إن يعف... يعذّب طائفة"). [معاني القرآن: 1/445]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه جمع يراد به واحد واثنان:
كقوله: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2]: واحد واثنان فما فوق.
وقال قتادة في قوله تعالى: {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ}: كان رجل من القوم لا يمالئهم على أقاويلهم في النبي صلّى الله عليه وسلم، ويسير مجانبا لهم، فسماه الله طائفة وهو واحد.
وكان «قتادة» يقول في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} [الحجرات: 4]: هو رجل واحد ناداه: يا محمد، إنّ مدحي زين، وإنّ شتمي شين.
فخرج إليه النبي، صلّى الله عليه وسلم
فقال: «ويلك، ذاك الله جل وعز»
ونزلت الآية.
وقوله سبحانه: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11]، أي أخوان فصاعدا.
قوله سبحانه: {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ} [الأعراف: 150]، جاء في التفسير: أنهما لوحان.
وقوله: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، وهما قلبان.
وقوله: {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} [النور: 26]، يعني عائشة وصفوان بن المعطّل.
وقال: {بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 35]، وهو واحد، يدلك على ذلك قوله: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} [النمل: 37] ). [تأويل مشكل القرآن: 282-284] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذّب طائفة بأنّهم كانوا مجرمين}
تأويله إنّه قد ظهر كفركم بعد إظهاركم الإيمان.
{إن نعف عن طائفة منكم نعذّب طائفة}.
والقراءة {إن نعف} و (إن يعف، وإن يعف) جيدة، ولا أعلم أحدا من المشهورين قرأ بها.
ويروى أن هاتين الطائفتين إنما كانوا ثلاثة نفر فهزئ اثنان وضحك واحد، فجعل طائفة للواحد.
وكذلك قالوا في قوله: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}.
يراد به نفس طائفة.
والطائفة في اللغة أصلها الجماعة، لأنها المقدار الذي يطيف بالشيء.
وقد يجوز أن يقال للواحد طائفة يراد بها نفس طائفة يراد به نفس طائفة). [معاني القرآن: 2/459-460]

تفسير قوله تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ويقبضون أيديهم...}
يمسكون عن النفقة على النبي صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 1/445]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ويقبضون أيديهم} أي يمسكون أيديهم عن الصدقة والخير، يقال: قبض فلان عنا يده أي منعنا). [مجاز القرآن: 1/263]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({يقبضون أيديهم}: يمسكونها عن الصدقة). [غريب القرآن وتفسيره: 165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {نسوا اللّه فنسيهم} أي تركوا أمر اللّه فتركهم). [تفسير غريب القرآن: 189]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله سبحانه: {وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} أي يمسكون عن العطية.
وأصل هذا: أن المعطي بيده يمدّها ويبسطها بالعطاء، فقيل لكل من بخل ومنع: قد قبض يده). [تأويل مشكل القرآن: 167]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن ذلك الجزاء عن الفعل بمثل لفظه والمعنيان مختلفان:
نحو قول الله تعالى: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 14، 15]، أي يجازيهم جزاء الاستهزاء.
وكذلك: {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة: 79]، {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54]، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]، هي من المبتدئ سيئة، ومن الله جل وعز جزاء.
وقوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]
فالعدوان الأول: ظلم، والثاني: جزاء، والجزاء لا يكون ظلما، وإن كان لفظه كلفظ الأول.
ومنه (قول النبي) صلّى الله عليه وسلم:
((اللهم إنّ فلانا هجاني، وهو يعلم أني لست بشاعر، اللهم والعنه عدد ما هجاني، أو مكان ما هجاني))، أي جازه جزاء الهجاء.
وكذلك قوله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}). [تأويل مشكل القرآن: 277-278] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا اللّه فنسيهم إنّ المنافقين هم الفاسقون}
هذا يتلو قوله تعالى: {يحلفون باللّه إنّهم لمنكم}.
أي ليس المنافقون من المؤمنين، لأن المنافقين، {يأمرون بالمنكر}
أي يأمرون بالكفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.
{وينهون عن المعروف}.
أي ينهون عن الإيمان به.
{ويقبضون أيديهم}.
أي لا يتصدّقون ولا يزكّون.
{نسوا اللّه فنسيهم}.
أي تركوا أمر اللّه فتركهم اللّه من رحمته وتوفيقه). [معاني القرآن: 2/460]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ويقبضون أيديهم}
قال مجاهد أي لا يبسطونها في حق ولا فيما يجب
ثم قال جل وعز: {نسوا الله فنسيهم}
قال قتادة أي نسيهم من الخير فأما من الشر فلم ينسهم
والمعنى عند أهل اللغة تركوا أمر الله فتركهم من رحمته وتوفيقه يقال نسي الشيء إذا تركه). [معاني القرآن: 3/231]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَقْبِضُونَ}: يمسكون). [العمدة في غريب القرآن: 149]

تفسير قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وعد اللّه المنافقين والمنافقات والكفّار نار جهنّم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم اللّه ولهم عذاب مقيم}
{هي حسبهم}.
أي كفاية ذنوبهم كما تقول: عذبتك حسب فعلك، وحسب فلان ما نزل به، أي ذلك على قدر فعله). [معاني القرآن: 2/460]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {خالدين فيها هي حسبهم}
أي هي كافيهم أي هي على قدر أعمالهم ويقال أحسبني الشيء أي كفاني). [معاني القرآن: 3/232]

تفسير قوله تعالى: (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {كالّذين من قبلكم...}
أي فعلتم كأفعال الذين من قبلكم.
وقوله: {فاستمتعوا بخلاقهم}. يقول: رضوا بنصيبهم في الدنيا من أنصبائهم في الآخرة.
وقوله: {فاستمتعتم} أي أردتم ما أراد الذين من قبلكم.
وقوله: {وخضتم كالّذي خاضوا} يريد: كخوضهم الذي خاضوا). [معاني القرآن: 1/446]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فاستمتعوا بخلاقهم} أي بنصيبهم ودينهم ودنياهم.
{وماله في الآخرة من خلاقٍ} [2 :200]أي من نصيب يعود إليه). [مجاز القرآن: 1/263]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فاستمتعوا بخلاقهم} أي استمتعوا بنصيبهم من الآخرة في الدنيا). [تفسير غريب القرآن: 190]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {كالّذين من قبلكم كانوا أشدّ منكم قوّة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الّذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالّذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدّنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون}
{كالّذين من قبلكم}.
موضع الكاف نصب، أي وعدهم اللّه على الكفر به كما وعد الذين من قبلهم.
وقوله: {فاستمتعوا بخلاقهم} قيل فاستمتعوا بحظهم من الدنيا وقيل فاستمتعوا بدينهم.
والخلاق النصيب الذي هو عند صاحبه وافر الحظ). [معاني القرآن: 2/460]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فاستمتعوا بخلاقهم}
قال قتادة أي بدينهم والمعنى عند أهل اللغة فاستمتعوا بنصيبهم من الدنيا). [معاني القرآن: 3/232]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فاستمتعوا بخلاقهم} أي بنصيبهم في الدنيا من الآخرة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 98]

تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والمؤتفكات أتتهم رسلهم...}
يقال: إنها قريات قوم لوط وهود وصالح. ويقال: إنهم أصحاب لوط خاصّة. جمعوا بالتاء على قوله: {والمؤتفكة أهوى}. وكأنّ جمعهم إذ قيل {والمؤتفكات أتتهم} على الشيع والطوائف؛ كما قيل: قتلت الفديكات، نسبوا إلى رئيسهم أبى فديك). [معاني القرآن: 1/446]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {والمؤتفكات} قوم لوط ائتفكت بهم الأرض أي انقلبت بهم). [مجاز القرآن: 1/263]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {والمؤتفكات}: قوم لوط. ائتفكت بهم الأرض: انقلبت بهم. ومنه الإفك وهو الكذب لأنه قلب الحديث عن وجهه). [غريب القرآن وتفسيره: 165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {والمؤتفكات}: مدائن قوم لوط، لأنها ائتفكت، أي انقلبت). [تفسير غريب القرآن: 190]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ألم يأتهم نبأ الّذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبيّنات فما كان اللّه ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}
ألم يأتهم خبر الذين هلكوا في الدنيا بذنوبهم فيتعظوا.
و{المؤتفكات}.
جمع مؤتفكة، ائتفكت بهم الأرض، أي انقلبت، يقال إنهم قوم لوط.
ويقال إنهم جميع من أهلك، كما تقول للهالك انقلبت عليه الدنيا.
{فما كان اللّه ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}.
أعلم اللّه جلّ ثناؤه أن تعذيبه إياهم باستحقاقهم، وأن ذلك عدل). [معاني القرآن: 2/460-461]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والمؤتفكات}
قال قتادة هي مدائن قوم لوط
وقال أهل اللغة سميت مؤتفكات لأنها ائتفكت بهم أي انقلبت وهو من الإفك وهو الكذب لأنه مقلوب ومصروف عن الصدق). [معاني القرآن: 3/232]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {والمؤتفكات}: المتقلبات بالخسف والزلازل). [ياقوتة الصراط: 244]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} مدائن قوم لوط، لأنها انقلبت عليهم، أي ائتفكت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 99]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَالْمُؤْتَفِكَاتِ}: المخسوف بها). [العمدة في غريب القرآن: 149]

تفسير قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) )

تفسير قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ورضوانٌ مّن اللّه أكبر...}
رفع بالأكبر، وعدل عن أن ينسق على ما قبله وهو مما قد وعدهم الله تبارك وتعالى، ولكنه أوثر بالرفع لتفضيله؛ كما تقول في الكلام: قد وصلتك بالدراهم والثياب، وحسن رأيي خير لك من ذلك). [معاني القرآن: 1/446]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {في جنّات عدنٍ} أي خلد، يقال عدن فلان بأرض كذا وكذا
أي أقام بها وخلد بها، ومنه المعدن، ويقلل هو في معدن صدق، أي في أصل ثابت، وقال الأعشى:
وإن يستضيفوا إلى حلمه..=. يضافوا إلى راجحٍ قد عدن
أي رزين لا يستخفّ). [مجاز القرآن: 1/263-264]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وعد اللّه المؤمنين والمؤمنات جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيّبة في جنّات عدن ورضوان من اللّه أكبر ذلك هو الفوز العظيم}
{ورضوان}.
وتقرأ ورضوان ورضوان، وهما جميعا عن عاصم.
ومعنى {ورضوان من اللّه أكبر}، أي أكبر مما هم فيه من النعيم). [معاني القرآن: 2/461]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 04:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 73 إلى 92]

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74) وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78) الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90) لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92) )

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {جاهد الكفّار} بالسيف {والمنافقين} بالقول الغليظ). [تفسير غريب القرآن: 190]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها النّبيّ جاهد الكفّار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنّم وبئس المصير})
أمر بجهادهم، والمعنى جاهدهم بالقتل والحجة، فالحجة على المنافقين جهاد لهم). [معاني القرآن: 2/461]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم}
قال الحسن أي جاهد الكفار بالسيف والمنافقين بإقامة الحدود عليهم وباللسان
وقال قتادة أي جاهد الكفار بالقتال والمنافقين بالإغلاظ في القول). [معاني القرآن: 3/232-233]

تفسير قوله تعالى: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما نقموا إلاّ أن أغناهم اللّه...}
هذا تعيير لهم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم على أهل المدينة وهم محتاجون، فأثروا من الغنائم، فقال: وما نقموا إلا الغنى فـ {أن} في موضع نصب). [معاني القرآن: 1/446]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (وقوله: {وما نقموا إلّا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله} أي ليس ينقمون شيئا ولا يعرفون من اللّه إلّا الصنع [الجميل]، وهذا كقول الشاعر:
ما نقم الناس من أميّة إلّا أنهم يحلمون إن غضبوا
وأنهم سادة الملوك فلا تصلح إلّا عليهم العرب
وهذا ليس مما ينقم. وإنما أراد أن الناس لا ينقمون عليهم شيئا.
وكقول النابغة:
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم بهنّ فلول من قراع الكتائب
أي ليس فيهم عيب). [تفسير غريب القرآن: 190]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهمّوا بما لم ينالوا وما نقموا إلّا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولّوا يعذّبهم اللّه عذابا أليما في الدّنيا والآخرة وما لهم في الأرض من وليّ ولا نصير}
{وهمّوا بما لم ينالوا}.
قيل إنهم كانوا همّوا بقتل رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وأنهم كانوا اثني عشر رجلا عزموا على أن يقفوا له بعقبة على طريقه، ويغتالوه، فأعلمه الله ذلك.
فلما بلغ إليهم أمر من نحاهم عن طريقه، وسماهم رجلا رجلا.
فهذه من أعظم آياته، لأن الأمر إنما علم في قصتهم بالوحي.
{وما نقموا إلّا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله}.
وإنما قيل أغناهم اللّه ورسوله، لأن أموالهم كثرت من الغنائم، فكان سبب ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: {يعذّبهم اللّه عذابا أليما في الدّنيا والآخرة}.
معناه مؤلما.
وإنما قال في الدنيا لأنهم أمر بقتلهم.
ويجوز: {وما نقموا} ). [معاني القرآن: 2/461-462]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم}
قال مجاهد سمعهم رجل من المسلمين وهم يقولون إن كان ما جاء به محمد حقا فنحن حمير فقال لهم فنحن نقول ما جاء به حق فهل نحن حمير فهم المنافق بقتله فذلك قوله: {وهموا بما لم ينالوا} [آية: 74]
وقال غير مجاهد هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم فأطلعه الله على ذلك
ثم قال جل وعز: {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله}
أي ليس ينقمون شيئا كما قال النابغة:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم = بهن فلول من قراع الكتائب).
[معاني القرآن: 3/233-234]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وما نقموا} أي: وما أنكروا). [ياقوتة الصراط: 244]

تفسير قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ومنهم من عاهد اللّه لئن آتانا من فضله لنصّدّقنّ ولنكوننّ من الصّالحين}
الأصل: لنتصدقن، ولكن التاء أدغمت في الصاد لقربها منها). [معاني القرآن: 2/462]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن}
قال قتادة هذا رجل من الأنصار قال لئن رزقني الله شيئا لأؤدين فيه حقه ولأتصدقن فلما آتاه الله ذلك فعل ما نص عليكم فاحذروا الكذب فإنه يؤدي إلى الفجور
وروى علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة الباهلي أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا
رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه قال ثم رجع إليه فقال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا قال ويحك يا ثعلبة أما ترضى أن تكون مثل رسول الله والله لو سألت الله أن يسيل علي الجبال ذهبا وفضة لسالت ثم رجع فقال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فوالله لئن أتاني الله مالا لأوتين كل ذي حق حقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ارزق ثعلبة مالا اللهم ارزق ثعلبة مالا فاتخذ غنما فنمت حتى ضاقت عليها أزقة المدينة فتنحى بها فكان يشهد الصلوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نمت حتى تعذرت عليها مراعي المدينة فتنحى بها مكانا يشهد الجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نمت فتباعد بها فترك الجمع والجماعات فأنزل الله على رسوله: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} فخرج مصدقو رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعهم وقال حتى ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله جل وعز: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله} إلى آخر الآية القصة فأخبر ثعلبة فأقبل واضعا على رأسه التراب حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبل منه ثم أتى أبا بكر فلم يقبل منه ثم أتى عمر فأبى
أن يقبل منه ثم أتى عثمان فلم يقبل منه ومات في خلافته). [معاني القرآن: 3/234-236]

تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) )

تفسير قوله تعالى: (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا اللّه ما وعدوه وبما كانوا يكذبون}
يجوز أن يكون " فلمّا آتاهم من فضله بخلوا به ".
قال: {فأعقبهم نفاقا} أي أضلهم الله بفعلهم). [معاني القرآن: 2/462]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فأعقبهم نفاقا في قلوبهم}
يجوز أن يكون المعنى فأعقبهم الله نفاقا
ويجوز أن يكون المعنى فأعقبهم البخل لأن قوله: {بخلوا} يدل على البخل). [معاني القرآن: 3/236]

تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78) )

تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {الّذين يلمزون المطّوّعين...}
يراد به: المتطوعين فأدغم التاء عند الطاء فصارت طاء مشددة. وكذلك {ومن يطّوّع خيرا}، {والمطّهّرين}.
ولمزهم إياهم: تنقّصهم؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حثّ الناس على الصدقة، فجاء عمر بصدقة؛ وعثمان بن عفّان بصدقة عظيمة، وبعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ ثم جاء رجل يقال له أبو عقيل بصاع من تمر، فقال المنافقون: ما أخرج هؤلاء صدقاتهم إلا رياء، وأما أبو عقيل فإنما جاء بصاعه ليذكر بنفسه، فأنزل الله تبارك وتعالى: {الّذين يلمزون المطّوّعين من المؤمنين في الصّدقات} يعني المهاجرين {والّذين لا يجدون إلاّ جهدهم}. يعني أبا عقيل. والجهد لغة أهل الحجاز والوجد، ولغة غيرهم الجهد والوجد). [معاني القرآن: 1/447]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلاّ جهدهم} مضموم ومفتوح سواء، ومجازه: طاقتهم، ويقال: جهد المقل وجهده). [مجاز القرآن: 1/264]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {الّذين يلمزون المطّوّعين} أي يعيبون المتطوعين بالصدقة.
{والّذين لا يجدون إلّا جهدهم} أي طاقتهم. والجهد الطاقة، والجهد: المشقة. يقال: فعلت ذاك بجهد. أي بمشقة.
{سخر اللّه منهم} أي جزاهم جزاء السخرية). [تفسير غريب القرآن: 190]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {ومن ذلك الجزاء عن الفعل بمثل لفظه والمعنيان مختلفان:
نحو قول الله تعالى: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 14- 15]، أي يجازيهم جزاء الاستهزاء.
وكذلك: {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة: 79]، {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54]، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]، هي من المبتدئ سيئة، ومن الله جل وعز جزاء.
وقوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]
فالعدوان الأول: ظلم، والثاني: جزاء، والجزاء لا يكون ظلما، وإن كان لفظه كلفظ الأول.
ومنه (قول النبي) صلّى الله عليه وسلم:
«اللهم إنّ فلانا هجاني، وهو يعلم أني لست بشاعر، اللهم والعنه عدد ما هجاني، أو مكان ما هجاني»، أي جازه جزاء الهجاء.
وكذلك قوله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67] ). [تأويل مشكل القرآن: 277-278] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {الّذين يلمزون المطّوّعين من المؤمنين في الصّدقات والّذين لا يجدون إلّا جهدهم فيسخرون منهم سخر اللّه منهم ولهم عذاب أليم}
يلمزون، ويلمزون - بكسر الميم وضمها - ومعناه يعيبون وكانوا عابوا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صدقات أتوا بها النبي - صلى الله عليه وسلم -.
يروى أن عبد الرحمن أتى بصرة تملأ الكف، وأن رجلا كان يقال له أبو عقيل، أتى بصاع من تمر، فعابوه بذلك وقالوا: إن محمدا غنيّ عن صاع هذا وإنما أتى بهذا ليذكر بنفسه.
فهو معنى {والذين لا يجدون إلا جهدهم} " جهدهم "، بالفتح والضم.
{فيسخرون منهم}.
{فيسخرون منهم سخر اللّه منهم}.
والسخريّ من الله المجازاة على فعلهم وقد بيّنّا ذلك). [معاني القرآن: 2/462-463]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات}
قال قتادة أي يعيبون المؤمنين قال وذلك أن عبد الرحمن بن عوف تصدق بنصف ماله وكان ماله ثمانية آلاف دينار فتصدق منها بأربعة آلاف فقال قوم ما أعظم رياه
فأنزل الله جل وعز: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات} وجاء رجل من الأنصار بنصف صبرة من تمر فقالوا ما أغنى الله عن هذا فأنزل الله: {والذين لا يجدون إلا جهدهم}
قرئ {جهدهم} وجهدهم بالضم والفتح
قال أبو جعفر وهما لغتان بمعنى واحد عند البصريين
وقال بعض الكوفيين الجهد المشقة والجهد الطاقة
ثم قال جل وعز: {فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم}
ومعنى سخر الله منهم جازاهم الله على سخريتهم فسمى
الثاني باسم الأول على الازدواج). [معاني القرآن: 3/236-238]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {إِلاَّ جُهْدَهُمْ} أي إلا طاقتهم. والجَهد بالفتح: المشقة.
{سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} أي جازاهم على سخرهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 99]

تفسير قوله تعالى: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعز: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر اللّه لهم ذلك بأنّهم كفروا باللّه ورسوله واللّه لا يهدي القوم الفاسقين}
فيروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(( أستغفر لهم أكثر من سبعين مرة فنزلت)) {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر اللّه لهم} ). [معاني القرآن: 2/463]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم}
يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأستغفرن لهم أكثر من سبعين مرة فنزلت: {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم} فترك الاستغفار لهم). [معاني القرآن: 3/238]

تفسير قوله تعالى: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {خلاف رسول الله} أي بعده، قال الحارث بن خالد
عقب الربيع خلافهم فكأنما... بسط الشواطب بينهن حصيرا
الشواطب اللاتي يشطبن سحاء الجريد ثم يصبغنه ويرملن الحصر). [مجاز القرآن: 1/264]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرّا لو كانوا يفقهون}
بمعنى مخالفة رسول اللّه.
وهو منصوب لأنه مفعول له، المعنى بأن قعدوا لمخالفة رسول اللّه.
ويقرأ خلف رسول اللّه، ويكون ههنا أنهم تأخّروا عن الجهاد في سبيل اللّه.
{وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرّا}.
وهذا وعيد في ترك الجهاد.
ويجوز لا تنفروا بضم الفاء). [معاني القرآن: 2/463]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله}
الخلاف المخالفة والمعنى من أجل مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقول جئتك ابتغاء العلم
ومن قرأ خلف رسول الله أراد التأخر عن الجهاد
وقوله جل وعز: {قل نار جهنم أشد حرا}
فيه معنى الوعيد والتهديد). [معاني القرآن: 3/238-239]

تفسير قوله تعالى: (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون}
{جزاء} مفعول له، المعنى: وليبكوا جزاء لهذا الفعل). [معاني القرآن: 2/463]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون}
قال أبو رزين يقول الله أمر الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاءوا فإنهم سيبكون في النار بكاء لا ينقطع فذلك الكثير
وقال الحسن فليضحكوا قليلا في الدنيا وليبكوا كثيرا في الآخرة في جهنم جزاء بما كانوا يكسبون). [معاني القرآن: 3/239]

تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فاقعدوا مع الخالفين...}
من الرجال، خلوف وخالفون، والنساء خوالف: اللاتي يخلفن في البيت فلا يبرحن. ويقال: عبد خالف، وصاحب خالف: إذا كان مخالفا). [معاني القرآن: 1/447]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مع الخالفين} الخالف الذي خلف بعد شاخص فقعد في رحله، وهو من تخلّف عن القوم.
ومنه أللهم اخلفني في ولدي، ويقال فلان خالفة أهل بيته أي مخالفهم إذا كان لا خير فيه). [مجاز القرآن: 1/265]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {الخالفين}: الخالف الذي يقعد بعدك). [غريب القرآن وتفسيره: 165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فاقعدوا مع الخالفين} واحدهم خالف، وهو من يخلف الرجل في ماله وبيته). [تفسير غريب القرآن: 191]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فاقعدوا مع الخالفين}
والخالف الذي يتخلف مع مال الرجل وفي بيته). [معاني القرآن: 3/239-240]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الْخَالِفِينَ}: الذين تخلفوا). [العمدة في غريب القرآن: 149]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولا تصلّ على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنّهم كفروا باللّه ورسوله وماتوا وهم فاسقون (84)}
يروى أنّها نزلت في عبد الله بن أبي، وكان رأس المنافقين فلما حضرته الوفاة بعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأله أحد ثوبيه ليكفن به، فبعث إليه رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - بأحدهما، فأرسل المنافق إلى رسول الله أريد الذي كان يلي جلدك من ثيابك، فوجه إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك.
فقيل له فيه: لم وجّهت إليه بقميصك يكفن فيه وهو كافر؟
فقال: إن قميصي لن يغني عنه شيئا من اللّه، وإني أؤمل من اللّه أن يدخل في الإسلام خلق كثير بهذا السبب، فيروى أنه أسلم من الخزرج ألف لما رأوه يطلب الاستشفاء بثوب رسول اللّه وأراد الصلاة عليه.
فنزل الوحي عليه - صلى الله عليه وسلم - {ولا تصلّ على أحد منهم}.
ويروى أنّه - صلى الله عليه وسلم - صلّى عليه وإنّما مجاز الصلاة عليه أنه كان ظاهره ظاهر الإسلام، فأعلمه الله جلّ وعزّ أنه إذا علم منه النفاق فلا صلاة عليه.
{ولا تقم على قبره}.
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له). [معاني القرآن: 2/463-464]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا}
روي عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم تقدم ليصلي على عبد الله بن أبي فأخذ جبريل بردائه فقال {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره}
ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى على واحد منهم وقف على قبره فدعا له). [معاني القرآن: 3/240]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) )

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أولو الطّول منهم} أي ذوو الغنى والسّعة). [مجاز القرآن: 1/265]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {استأذنك أولو الطّول منهم} أي ذوو الغنى والسعة). [تفسير غريب القرآن: 191]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {أولو الطول} أي: أولو الغنى والمال الكثير). [ياقوتة الصراط: 244]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أُوْلُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ} أي القدرة والسعة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 99]

تفسير قوله تعالى: (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} يجوز أن يكون الخوالف ها هنا النساء، ولا يكادون يجمعون الرجال على تقدير فواعل، غير أنهم قد قالوا: فارس، والجميع فوارس، وهالك في قوم هوالك، قال ابن جذل الطّعان يرثى ربيعة.
ابن مكدم:
فأيقنت أنّي ثائراً بن مكدّمٍ..=. غداة إذٍ أو هالكٌ في الهوالك).
[مجاز القرآن: 1/265-266]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وطبع على قلوبهم} أي ختم، ومنه قولهم: ضع عليه طابعاً، أي خاتماً). [مجاز القرآن: 1/266]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({والخوالف}: النساء). [غريب القرآن وتفسيره: 165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} يقال النساء. ويقال: هم خساس الناس وأدنياؤهم. يقال: فلان خالفة أهله: إذا كان دونهم). [تفسير غريب القرآن: 191]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون}
الخوالف: - النساء، وقد يجوز أن يكون جمع خالفة في الرجال.
والخالف الذي هو غير منجب. ولم يأت في فاعل فواعل إلا في حرفين.
فارس وفوارس، وهالك، وهوالك). [معاني القرآن: 2/465]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون}
قال مجاهد وقتادة الخوالف النساء
وقال غيرهما الخوالف أخساء الناس وأردياؤهم ويقال فلان خالفة أهله إذا كان دونهم
قال أبو جعفر وأصله من خلف اللبن يخلف خلفة إذا حمض من طول مكثه وخلف فم الصائم إذا تغير ريحه ومنه فلان خلف سوء
فأما قول قتادة فاقعدوا مع الخالفين أي مع النساء فليس بصواب لأن المؤنث لا يجمع كذا ولكن يكون المعنى مع الخالفين للفساد على ما تقدم
ويجوز أن يكون المعنى مع مرضى الرجال وأهل الزمانة). [معاني القرآن: 3/241-242]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} أي: مع النساء). [ياقوتة الصراط: 245]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَعَ الْخَوَالِفِ} أي النساء، وقيل: هم أدنياء الناس). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 99]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الْخَوَالِفِ}: النساء). [العمدة في غريب القرآن: 149]

تفسير قوله تعالى: (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وأولئك لهم الخيرات} وهي جميع خيرة، ومعناها الفاضلة في كل شئ، قال رجل من بني عدي جاهليّ عدي تميم:
ولقد طعنت مجامع الرّبلات... ربلات هندٍ خيرة الملكات). [مجاز القرآن: 1/267]

تفسير قوله تعالى: (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) )

تفسير قوله تعالى: (وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وجاء المعذّرون...}
وهم الذين لهم عذر. وهو في المعنى المعتذرون، ولكن التاء أدغمت عند الذال فصارتا جميعا {ذالا} مشدّدة، كما قيل يذّكّرون ويذّكّر. وهو مثل {يخصّمون} لمن فتح الخاء، كذلك فتحت العين لأن إعراب التاء صار في العين؛ كانت - والله أعلم –
المعتذرون. وأما المعذّر على جهة المفعّل فهو الذي يعتذر بغير عذر؛ ... وحدثني أبو بكر بن عيّاش عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس، وأبو حفص الخرّاز عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أنه قرأ: {المعذرون}، وقال: لعن الله المعذّرين؛ ذهب إلى من يعتذر بغير عذر، والمعذر: الذي قد بلغ أقصى العذر. والمعتذر قد يكون في معنى المعذر، وقد يكون لا عذر له. قال الله تبارك وتعالى في الذي لا عذر له:
{يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم}.
ثم قال: {لا تعتذروا لا عذر لكم}. وقال لبيد في معنى الاعتذار بالأعذار إذا جعلهما واحدا:

وقوما فقولا بالذي قد علمتما =ولا تخمشا وجها ولا تحلقا الشعر
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما =ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
يريد: فقد أعذر). [معاني القرآن: 1/447-448]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وجاء المعذّرون من الأعراب} أي من معذّر وليس بجادّ إنما يظهر غير ما في نفسه ويعرض ما لا يفعله). [مجاز القرآن: 1/267]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وجاء المعذّرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الّذين كذبوا اللّه ورسوله سيصيب الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ}
وقال: {وجاء المعذرون} خفيفة لأنها من "اعذروا" وقال بعضهم {المعذّرون} ثقيلة يريد: "المعتذرون" ولكنه ادغم التاء في الذال كما قال: {يخصّمون} وبها نقرأ. وقد يكون {المعذرون} بكسر العين لاجتماع الساكنين وإنما فتح لأنه حول فتحة التاء عليها. وقد يكون أن تضم العين تتبعها الميم وهذا مثل (المردفين) ). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({المعذرون}: المعذر الذي يعذر في الطلب وليس بجاد. ويقال المعذرون المعتذرون وقد قرئت {المعذرون} والمعذر الذي قد أعذر). [غريب القرآن وتفسيره: 166]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( { المعذّرون} هم الذين لا يجدّون، إنما يعرضون ما لا يريدون أن يفعلوه، يقال: عذّرت في الأمر إذا قصّرت، وأعذرت، حذّرت.
ويقال: المعذّرون هم المعتذرون. أدغمت التاء في الذال. ومن قرأ {المعذرون}. فإنه من أعذرت في الأمر). [تفسير غريب القرآن: 191]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وجاء المعذّرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الّذين كذبوا اللّه ورسوله سيصيب الّذين كفروا منهم عذاب أليم}
المعذّرون - بتشديد الذال - وتقرأ المعذرون، فمن قرأ: المعذرون.
فتأويله الذين أعذروا أي: جاءوا بعذر، ومن قرأ: المعذّرون بتشديد الذال فتأويله المعتذرون، إلا أن التاء أدغمت في الذال لقرب مخرجهما.
ومعنى المعتذرين الذين يعتذرون، كان لهم عذر أو لم يكن لهم.
وهو ههنا أشبه بأن يكون لهم عذر.
وأنشدوا:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما..=. ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
المعنى فقد جاء بعذر، ويجوز المعذّرون - بكسر العين - لأن الأصل المعتذرون، فأسكنت التاء وأدغمت في - الذال ونقلت حركتها إلى العين فصار الفتح أولى الأشياء، ومن كسر العين حرك لالتقاء السّاكنين، ويجوز المعذرون، باتباع: الضمة التي قبلها وهذان الوجهان - كسر العين وضمها - لم يقرأ بهما، وإنما يجوز في النحو، وهما جهتان يثقل اللفظ بهما، فالقراءة بهما مطروحة. ويجوز أن يكون المعذرون: الذين: يعذرون، يوهمون أنّ لهم عذار ولا عذر لهم.
وقوله: {استأذنك أولو الطّول منهم}.
قيل {أولو الطول} هم أولو الغنى، وقيل أولو الفضل في المعنى والرأي والجاه.
والطول الفضل في القدرة على هذه الأشياء). [معاني القرآن: 2/464-465]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم} وقرأ ابن عباس وجاء المعذرون
قال أبو جعفر المعذرون يحتمل معنيين
أحدهما أن يكون المعنى الأصل المعتذرون ثم أدغمت التاء في الذال ويكونون الذين لهم عذر قال لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما = ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
وقد يعتذر ولا عذر
والقول الآخر أن يكون المعذرون الذين لا عذر لهم كما يقال عذر فلان
وزعم أبو العباس أن المعذر هو الذي لا عذر له
قال أبو جعفر ولا يجوز أن يكون بمعنى المعتذر لأنه إذا وقع الإشكال لم يجز الإدغام والمعذرون الذين قد بالغوا في العذر ومنه قد أعذر من أنذر أي قد بالغ في العذر من تقدم إليك فأنذرك
والمعذرون المعتذرون للإتباع والكسر على الأصل). [معاني القرآن: 3/242-243]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {المعذرون} قال: المعذرون المقصرون، والمعذرون: الذين لهم عذر. قال: وروي عن ابن عباس أنه قال: ' لعن الله المعذرين، ورحم الله المعتذرين '). [ياقوتة الصراط: 245]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( و{الْمُعَذِّرُونَ} هم الذين لا يجدون، إنما يعرضون ما لا يريدون أن يفعلوا. وقيل: هم المعتذرون، والتاء مدغمة في الذال). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 99]

تفسير قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن الحرج: الإثم، قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} [النور: 61] أي إثم {وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} [التوبة: 91]، أي إثم). [تأويل مشكل القرآن: 484]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {حزناً ألاّ يجدوا...}
{يجدوا} في موضع نصب بأن، ولو كانت رفعا على أن يجعل {لا} في مذهب {ليس} كأنك قلت: حزنا أن ليس يجدون ما ينفقون، ومثله. قوله: {أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولاً}. وقوله: {وحسبوا أن لا تكون فتنةٌ}.
وكلّ موضع صلحت {ليس} فيه في موضع {لا} فلك أن ترفع الفعل الذي بعد {لا} وتنصبه). [معاني القرآن: 1/448]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {تولّوا وأعينهم تفيض من الدّمع} والعرب إذا بدأت بالأسماء قبل الفعل جعلت أفعالها على العدد فهذا المستعمل، وقد يجوز أن يكون الفعل على لفظ الواحد كأنه مقدم ومؤخر، كقولك: وتفيض أعينهم، كما قال الأعشى:
فإن تعهديني ولي لمّةٌ... فإن الحوادث أودى بها
ووجه الكلام أن يقول: أودين بها، فلما توسع للقافية جاز على النّكس، كأنه قال: فإنه أودى الحوادث بها). [مجاز القرآن: 1/267-268]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع}
قال الحسن وبكر بن عبد الله نزلت في عبد الله بن
المغفل من مزينة أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستحمله). [معاني القرآن: 3/243-244]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 04:22 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 93 إلى 110]

(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96) الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) )

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93) )

تفسير قوله تعالى: (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) )

تفسير قوله تعالى: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) )

تفسير قوله تعالى: (يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96) )

تفسير قوله تعالى: (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {الأعراب أشدّ كفراً ونفاقاً...}
نزلت في طائفة من أعراب أسد وغطفان وحاضري المدينة. و{أجدر} كقولك: أحرى، وأخلق.
{وأجدر ألاّ يعلموا} موضع {أن} نصب. وكل موضع دخلت فيه {أن} والكلام الذي قبلها مكتفٍ بما خفضه أو رفعه أو نصبه فـ {أن} في موضع نصب؛ كقولك: أتيتك أنّك محسن، وقمت أنك مسيء، وثبتّ عنك أنك صديق وصاحب. وقد تبين لك أن {أن} في موضع نصب؛ لأنك تضع في موضع {أن} المصدر فيكون نصبا؛ ألا ترى أنك تقول: أتيتك إحسانك، فدلّ الإحسان بنصبه على نصب أن. وكذلك والآخران.
وأما قوله: {وأجدر ألاّ يعلموا} فإن وضعك المصدر في موضع {أن} قبيح؛ لأن أخلق وأجدر يطلبن الاستقبال من الأفاعيل فكانت بـ {أن} تبين المستقبل، وإذا وضعت مكان {أن} مصدرا لم يتبّين استقباله، فذلك قبح. و{أن} في موضع نصب على كل حال؛ ألا ترى أنك تقول: أظن أنك قائم فتقضى على {أن} بالنصب، ولا يصلح أن تقول: أظن قيامك، فأظن نظير لخليق ولعسى (وجدير) وأجدر وما يتصرف منهن في {أن} ). [معاني القرآن: 1/449]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {الأعراب أشدّ كفرا ونفاقا وأجدر ألّا يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله واللّه عليم حكيم}
هؤلاء أعراب كانوا حول المدينة، فكفرهم أشدّ لأنهم أقسى وأجفى من أهل المدر، وهم أيضا أبعد من سماع التنزيل وإنذار الرسول.
وقوله: {وأجدر ألّا يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله}.
" أن " في موضع نصب، لأن الباء محذوفة من أن.
المعنى أجدر بترك العلم، تقول: أنت جدير أن تفعل كذا، وبأن تفعل كذا، كما تقول أنت خليق أن تفعل، أي هذا الفعل ميسّر فيك.
فإذا حذفت الباء، لم يصلح إلا بأن.
وإن أتيت بالباء صلح بأن وغيره، تقول أنت جدير أن تقوم وجدير بالقيام، فإذا قلت، أنت جدير القيام، كان خطأ، وإنما صلح مع أن لأن أن تدل على الاستقبال، فكأنّها عوض - من المحذوف). [معاني القرآن: 2/465]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {الأعراب أشد كفرا ونفاقا}
قال قتادة لأنهم أبعد عن معرفة السنن
وقال غيره لأنهم أجفى وأقسى وأبعد عن سماع التنزيل
ثم قال جل وعز: {وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله}
أي وأخلق بترك ما أنزل الله على رسوله). [معاني القرآن: 3/244]

تفسير قوله تعالى: (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ويتربّص بكم الدّوائر...}
يعني: الموت والقتل.
يقول الله تبارك وتعالى: {عليهم دائرة السّوء} وفتح السين من {السوء} هو وجه الكلام، وقراءة أكثر القرّاء. وقد رفع مجاهد السين في موضعين: هاهنا وفي
سورة الفتح، فمن قال: {دائرة السّوء} فإنه أراد المصدر من سؤته سوءا ومساءة ومسائية وسوائية، فهذه مصادر. ومن رفع السين جعله اسما؛ كقولك: عليه دائرة البلاء والعذاب. ولا يجوز ضم العين في قوله: {ما كان أبوك امرأ سوء} ولا في قوله: {وظننتم ظنّ السّوء} لأنه ضدّ لقولك: هذا رجل صدق، وثوب صدق. فليس للسوء ها هنا معنى في عذاب ولا بلاء، فيضم). [معاني القرآن: 1/449-450]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ومن الأعراب من يتّخذ ما ينفق مغرماً ويتربّص بكم الدّوائر عليهم دائرة السّوء واللّه سميعٌ عليمٌ}
وقال: {عليهم دائرة السّوء} كما تقول: "هذا رجل السّوء" وقال الشاعر:

وكنت كذئب السّوء لمّا رأى دماً = بصاحبه يوماً أحار على الدّم
وقد قرئت (دائرة السّوء) وذا ضعيف لأنك إذا قلت "كانت عليهم دائرة السوء" كان أحسن من "رجل السوء" ألا ترى أنك تقول: "كانت عليهم دائرة الهزيمة" لأنّ الرجل لا يضاف إلى السّوء كما يضاف هذا لأن هذا يفسر به الخير والشر كما نقول: "سلكت طريق الشر" و"تركت طريق الخير"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يتّخذ ما ينفق مغرماً} أي غرما وخسرانا.
{ويتربّص بكم الدّوائر} دوائر الزمان بالمكروه. ودوائر الزمان: صروفه التي تأتي مرّة بالخير ومرّة بالشر). [تفسير غريب القرآن: 191]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ومن الأعراب من يتّخذ ما ينفق مغرما ويتربّص بكم الدّوائر عليهم دائرة السّوء واللّه سميع عليم}
{ويتربّص بكم الدّوائر}.
أي الموت والقتل). [معاني القرآن: 2/465]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما}
أي غرما وخسرانا
ثم قال جل وعز: {ويتربص بكم الدوائر}
الدوائر أي ما يدور به الزمان من المكروه وأصل الدوائر صروف الزمان مرة بالخير ومرة بالشر
ثم قال جل وعز: {عليهم دائرة السوء}
وتقرأ عليهم دائرة السوء
والسوء البلاء والمكروه والسوء الرداءة ويقال رجل سوء والرجل السوء). [معاني القرآن: 3/245]

تفسير قوله تعالى: (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وصلوات الرّسول}: دعاؤه.
[تفسير غريب القرآن: 191]
وكذلك قوله: {وصلّ عليهم} أي ادع لهم {إنّ صلاتك سكنٌ لهم} أي دعاؤك تثبيت لهم وطمأننينة). [تفسير غريب القرآن: 192]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الصلاة: الدعاء. قال الله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103].
أي: ادع لهم، إنّ ذلك مما يسكّنهم وتطمئن إليه قلوبهم.
وقال: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} يعني: دعاءه.
وقال الأعشى يذكر الخمر والخمّار:

وقابلها الرِّيح فِي دَنِّهَا = وَصَلَّى عَلى دَنِّهَا وَارْتَسَمْ
أي: دعا لها بالسلامة من الفساد والتغيّر). [تأويل مشكل القرآن: 460]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ومن الأعراب من يؤمن باللّه واليوم الآخر ويتّخذ ما ينفق قربات عند اللّه وصلوات الرّسول ألا إنّها قربة لهم سيدخلهم اللّه في رحمته إنّ اللّه غفور رحيم}
{قربات عند اللّه}.
فيها ثلاثة أوجه قربات بضم الراء، وقربات بإسكانها وقربات بفتح الراء.
{وصلوات الرسول}.
وكذلك: {وصلّ عليهم}. معناه دعاء الرسول.
قال الأعشى:

تقول بنتي وقد قربت مرتحلا.=.. يا ربّ جنب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي.=.. عينا فإن لجنب الأرض مضطجعا
إن شئت قلت عليك مثل الذي، ومثل الذي، فمن قال:
" عليك مثل الذي صلّيت " فقد أمرها بالدعاء، كأنّه قال ادعي مثل الذي دعوت، ومن قال مثل فالمعنى عليك مثل هذا الدعاء.
أي ثبت عليك مثل هذا). [معاني القرآن: 2/465-466]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول}
فالصلاة ههنا الدعاء
قال الضحاك وصلوات الرسول يقول واستغفار الرسول
والصلاة تقع على ضروب
فالصلاة من الله جل وعز الرحمة والخير والبركة قال الله جل وعز: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته}
والصلاة من الملائكة الدعاء
وكذلك هي من النبي صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه: {وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم}
أي دعاؤك تثبيت لهم وطمأنينة كما قال الشاعر:

تقول بنتي وقد قربت مرتحلا = يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي = نوما فإن لجنب المرء مضطجعا).
[معاني القرآن: 3/246-247]

تفسير قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار...}
إن شئت خفضت الأنصار تريد: من المهاجرين ومن الأنصار. وإن شئت رفعت {الأنصار} يتبعهم قوله: {والسابقون}، وقد قرأها الحسن البصريّ: {والذين أتبعوهم بإحسان}: من أحسن من بعدهم إلى يوم القيامة. ورفعت {السابقون والذين اتبعوهم} بما عاد من ذكرهم في قوله رضي الله عنهم). [معاني القرآن: 1/450]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسان رّضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنّاتٍ تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم}
وقال: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار} وقال بعضهم {والأنصار} رفع عطفه على قوله {والسّابقون} والوجه هو الجر لأن السابقين الأولين كانوا من الفريقين جميعا). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسان رضي اللّه عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنّات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}
ويجوز والأنصار، فمن قال: " والأنصار " نسق على المهاجرين.
المعنى: والسابقون الأولون من المهاجرين ومن الأنصار، ومن قال: والأنصار نسق به على " والسّابقون " كأنه قال: " والسابقون والأنصار ".
وقوله: {والّذين اتبعوهم بإحسان}.
أي من اتبعهم إلى يوم القيامة.
{رضي اللّه عنهم ورضوا عنه}.
تأويله: - واللّه أعلم - أن اللّه رضي أفعالهم، وأنهم رضوا ما جازاهم اللّه به). [معاني القرآن: 2/466]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان}
وروي عن عمر أنه قرأ والأنصار
فمن قرأ بالخفض ذهب إلى أن المعنى ومن الأنصار
ومن قرأ بالرفع أراد الأنصار كلهم ولم يجعلهم من السابقين
قال سعيد بن المسيب وابن سيرين وقتادة والسابقون الذين صلوا القبلتين جميعا
وقال عطاء هم أهل بدر
وقال الشعبي هم الذين بايعوا بيعة الرضوان
ثم قال جل وعز: {رضي الله عنهم ورضوا عنه}
أي رضي الله أعمالهم ورضوا مجازاته عليها). [معاني القرآن: 3/247-248]

تفسير قوله تعالى: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن أهل المدينة مردوا على النّفاق...}
ومرنوا عليه مرووا عليه؛ كقولك: تمردوا.
وقوله: {سنعذّبهم مّرّتين}. فقال بالقتل وعذاب القبر). [معاني القرآن: 1/450]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مردوا على النّفاق} أي عتوا ومرّنوا عليه وهو من قولهم: تمرّد فلان، ومنه {شيطانٍ مريد} [22: 3] ). [مجاز القرآن: 1/268]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مردوا على النفاق}: المارد الخبيث). [غريب القرآن وتفسيره: 166]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {سنعذّبهم مرّتين} بالقتل والأسر. وقال الحسن: عذاب الدنيا وعذاب القبر). [تفسير غريب القرآن: 192]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النّفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذّبهم مرّتين ثمّ يردّون إلى عذاب عظيم}
مقدّم ومؤخر، {مردوا} متصل بقوله منافقون.
{سنعذبهم مرتين}.
أي سنعذبهم بالإنفاق وبالفعل، وقيل بالقتل وعذاب القبر.
{ثم يردون إلى عذاب عظيم}.
أي يعذبون في الآخرة). [معاني القرآن: 2/466-467]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق}
في الكلام تقديم وتأخير المعنى وممن حولكم من الأعراب منافقون مردوا على النفاق ومن أهل المدينة أي من أهل المدينة مثلهم
ثم قال جل وعز: {لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين}
قال الحسن وقتادة عذاب الدنيا وعذاب القبر
قال قتادة ثم يردون إلى عذاب عظيم أي عذاب جهنم
وقيل سنعذبهم مرتين يعني السباء والقتل
وقال الفراء بالقتل وعذاب القبر
وقال مجاهد بالجوع والقتل). [معاني القرآن: 3/248-249]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {مردوا على النفاق} أي: تطاولوا على النفاق). [ياقوتة الصراط: 247]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} عذاب الآخرة وعذاب الدنيا. وقيل: القتل والأسر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 99]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَرَدُواْ}: خبثوا، عتوا). [العمدة في غريب القرآن: 149]

تفسير قوله تعالى: (وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {خلطوا عملاً صالحاً...}
يقول: خرجوا إلى بدر فشهدوها. ويقال: العمل الصالح توبتهم من تخلفهم عن غزوة تبوك.
{وآخر سيّئاً}: تخلّفهم يوم تبوك {عسى اللّه} عسى من الله واجب إن شاء الله. وكان هؤلاء قد أوثقوا أنفسهم بسواري المسجد، وحلفوا ألا يفارقوا ذلك حتى تنزل توبتهم، فلمّا نزلت قالوا: يا رسول الله خذ أموالنا شكرا لتوبتنا، فقال: لا أفعل حتى ينزل بذلك عليّ قرآن. فأنزل الله عز وجل:
قوله: {خذ من أموالهم صدقةً} ). [معاني القرآن: 1/450-451]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيّئاً عسى الله أن يتوب عليهم إنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ}
وقال: {خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيّئاً} فيجوز في العربية أن تكون "بآخر" كما تقول: "استوى الماء والخشبة" أي: "بالخشبة" و"خلطت الماء واللّبن" أي "بالّلبن"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا}
قال الضحاك هؤلاء قوم تخلفوا عن غزوة تبوك منهم أبو لبابة فندموا وربطوا أنفسهم إلى سواري المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا أعذرهم فأنزل الله جل وعز: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم}
وعسى من الله واجبة فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم بأموالهم فأبى أي يقبلها فأنزل الله: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم}
قال أبي وصل عليهم واستغفر لهم
وقيل هم الثلاثة الذين خلفوا والعمل الصالح الذي عملوه أنهم لحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وربطوا أنفسهم بسواري المسجد وقالوا لا نقرب أهلا ولا ولدا حتى ينزل الله عذرنا
{وآخر سيئا} هو تخلفهم عن غزوة تبوك حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم والأول الصحيح). [معاني القرآن: 3/249-250]

تفسير قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {خذ من أموالهم صدقةً}.
فأخذ بعضا.
ثم قال: {تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم}: استغفر لهم، فإن استغفارك لهم تسكن إليه قلوبهم، وتطمئن بأن قد تاب الله عليهم. وقد قرئت {صلواتك}. والصلاة أكثر). [معاني القرآن: 1/451]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّ صلواتك سكنٌ لهم} أي إن دعاءك تثبيت وسكون ورجاء، قال الأعشى:

تقول بنتي وقد قرّبت مرتحلاً..=. يا ربّ جنّب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي.=.. نوماً فإن لجنب المرءٍ مضطجعا
رفعته كرفع قولك: إذا قال السلام عليكم، قلت أنت: وعليك السلام وبعضهم ينصبه على الإغراء والأمر: أن تلزم هذا الذي دعت به فتردده وتدعو به). [مجاز القرآن: 1/268]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكنٌ لّهم واللّه سميعٌ عليمٌ}
وقال: {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها} فقوله: {وتزكّيهم بها} على الابتداء وإن شئت جعلته من صفة الصدقة ثم جئت بها توكيداً. وكذلك {تطهّرهم} ). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الصلاة: الدعاء. قال الله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}.
أي: ادع لهم، إنّ ذلك مما يسكّنهم وتطمئن إليه قلوبهم.
وقال: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} [التوبة: 99] يعني: دعاءه.
وقال الأعشى يذكر الخمر والخمّار:
وقابلها الرِّيح فِي دَنِّهَا = وَصَلَّى عَلى دَنِّهَا وَارْتَسَمْ
أي: دعا لها بالسلامة من الفساد والتغيّر). [تأويل مشكل القرآن: 460] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكن لهم واللّه سميع عليم}
يصلح أن تكون تطهرهم بها نعتا للصدقة، كأنه قال: خذ من أموالهم صدقة مطهرة، والأجود أن يكون تطهرهم للنبي - صلى الله عليه وسلم.
المعنى خذ من أموالهم صدقة فإنك تطهرهم بها، ويجوز " تطهرهم " بالجزم على جواب الأمر. المعنى إن تأخذ من أموالهم تطهرهم وتزكهم.
ولا يجوز في القراءة إلا بإثبات الياء في تزكيهم، اتباعا للمصحف.
{وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكن لهم}.
أي ادع لهم.
و{سكن} أي: يسكنون بها). [معاني القرآن: 2/467]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} ادعُ لهم.
{سَكَنٌ لَهُمْ} أي تثبيت لهم وطمأنينة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 99]

تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يقبل التّوبة عن عباده} أي من عبيده، كقولك أخذته منك وأخذته عنك). [مجاز القرآن: 1/268]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ويأخذ الصّدقات} أي يقبلها. ومثله: {خذ العفو} [سورة الأعراف آية: 199] أي أقبله). [تفسير غريب القرآن: 192]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الأخذ: أصله باليد، ثم يستعار في مواضع:
فيكون بمعنى: القبول، قال الله تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} [آل عمران: 81] أي: قبلتم عهدي، وقال تعالى: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} [المائدة: 41] أي فاقبلوه.
وقال: {وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 104] أي يقبلها). [تأويل مشكل القرآن: 502] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ألم يعلموا أنّ اللّه هو يقبل التّوبة عن عباده ويأخذ الصّدقات وأنّ اللّه هو التّوّاب الرّحيم}
تأويله ويقبل الصّدقات، وكذلك ما يروى " إن الصدقة تقع في يد اللّه جلّ وعزّ تأويله أن الصّدقة يتقبلها الله جل ثناؤه ويضاعف عليها). [معاني القرآن: 2/467]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات}
أي ويقبلها
ومنه {خذ العفو وأمر بالعرف}
ومنه الحديث الصدقة تقع في يد الله عز وجل أي يقبلها). [معاني القرآن: 3/250-251]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} أي يقبلها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) )

تفسير قوله تعالى: (وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وآخرون مرجون لأمر اللّه...}
هم ثلاثة نفرٍ مسمّون، تخلّفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فلما رجع قال: "ما عذركم"؟ قالوا: لا عذر لنا إلا الخطيئة، فكانوا موقوفين حتى نزلت توبتهم في قوله: {لقد تاب الله على النّبيّ والمهاجرين والأنصار...}). [معاني القرآن: 1/451]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وآخرون مرجون لأمر الله} أي مؤخرون، يقال: أرجأتك، أي أخّرتك). [مجاز القرآن: 1/269]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وآخرون مرجون لأمر اللّه إمّا يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم واللّه عليمٌ حكيمٌ}
وقال: {وآخرون مرجون} لأنه من "أرجأت" وقال بعضهم {مرجون} في لغة من قال {أرجيت} ). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مرجؤن}: مؤخرون). [غريب القرآن وتفسيره: 166]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وآخرون مرجون لأمر اللّه} أي مؤخرون على أمره). [تفسير غريب القرآن: 192]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: {وآخرون مرجون لأمر اللّه إمّا يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم واللّه عليم حكيم}
{وآخرون مرجأون لأمر اللّه}
معنى {مرجأون} مؤخرون.
يقال أرجأت الأمر، إذا أخّرته.
ويقرأ {مرجون} على أرجيت.
و {آخرون} عطف على قوله: {وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة}.
المعنى: من أهل المدينة منافقون ومنهم آخرون مرجون.
ويقال إنهم الثلاثة الذين خلّفوا
{إمّا يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم}.
{إمّا} لوقوع أحد الشيئين، واللّه عزّ وجلّ عالم بما يصير إليه أمرهم، إلا أن هذا للعباد، خوطبوا بما يعلمون، فالمعنى لكن أمرهم عندكم على هذا في الخوف والرجاء). [معاني القرآن: 2/467-468]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وآخرون مرجون لأمر الله} أي مؤخرون
يقال أرجأت الأمر وقد حكي أرجيت
ثم قال جل وعز: {إما يعذبهم وإما يتوب عليهم}
وإما لأحد أمرين ليكونوا كذا عندهم
ويقال إن المرجئين ههنا هم الثلاثة الذين خلفوا وذكرهم الله عز وجل في قوله: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا}
وقرأ عكرمة الذين خلفوا بفتح الخاء مخففا وقال أي خلفوا بعقب النبي صلى الله عليه وسلم
ومعنى خلفوا تركوا فلم تقبل توبتهم كما قرئ على بكر بن سهل عن أبي صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه كعب بن مالك وذكر الحديث وقال فيه وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن خلف له واعتذر إليه فقبل منه قال سهل بن سعد وكعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع العمري
قال مجاهد هم من الأوس والخزرج). [معاني القرآن: 3/251-252]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وآخرون مرجون} أي: مؤخرون). [ياقوتة الصراط: 247]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُرْجَؤنَ}: مؤخرون). [العمدة في غريب القرآن: 149]

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والّذين اتّخذوا مسجداً ضراراً...}
هم بنو عمرو بن عوف من الأنصار، بنوا مسجدهم ضرارا لمسجد قباء. ومسجد قباء أول مسجد بني على التقوى. فلمّا قدم النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أمر بإحراق مسجد الشقاق وهدمه). [معاني القرآن: 1/452]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {مسجداً ضراراً} أي مضارّة.
{وإرصاداً} أي ترقّبا بالعداوة، يقال: رصدته بالمكافاة أرصده، إذا ترقبته. وأرضدت له في العداوة. وقال أبو زيد: رصدته بالخير وغيره أرصده رصدا وأنا راصده، وأرصدت له بالخير وغيره إرصادا وأنا مرصد له.
وقال ابن الأعرابي: أرصدت له بالخير والشر جميعا بالألف). [تفسير غريب القرآن: 192]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {والّذين اتّخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب اللّه ورسوله من قبل وليحلفنّ إن أردنا إلّا الحسنى واللّه يشهد إنّهم لكاذبون}
" الذين " في وضع رفع، المعنى ومنهم الّذين اتّخذوا مسجدا ضرارا.
انتصب {ضرارا} مفعولا له.
المعنى اتخذوه للضرار والكفر والتفريق والإرصاد.
فلما حذفت اللام أفضى الفعل فنصب، ويجوز أن يكون مصدرا محمولا على المعنى؛ لأن اتخاذهم المسجد على غير التقوى معناه ضارّوا به ضرارا.
وتفسير الآية أن قوما من منافقي الأنصار أرادوا أن يفرقوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من يصلي معه من المؤمنين فاتخذوا مسجدا يقطعون به المؤمنين والنبي - صلى الله عليه وسلم - عن مسجد قباء.
(وإرصادا لمن حارب اللّه ورسوله من قبل).
كان رجل يقال له: أبو عمرو الراهب حارب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومضى إلى هرقل، وكان أحد المنافقين، فقالوا نبني هذا المسجد وننتظر أبا عامر حتى يجيء، فيصلي فيه، فالإرصاد، الانتظار.
واتخذوا هذا المسجد مضارة وكفرا، لأن عناد النبي - صلى الله عليه وسلم - كفر وأطلع اللّه نبيه - صلى الله عليه وسلم - على طويتهم، وعلى أنهم سيحلفون كاذبين، فقال جلّ وعزّ:
{وليحلفنّ إن أردنا إلّا الحسنى واللّه يشهد إنّهم لكاذبون}.
وكانوا دعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ليصلّي فيه فأنزل اللّه جل ثناؤه: {لا تقم فيه أبدا لمسجد أسّس على التّقوى من أوّل يوم أحقّ أن تقوم فيه فيه رجال يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين (108)} ). [معاني القرآن: 2/469]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا}
أي ومنهم الذين اتخذوا مسجدا ضرارا أي مضارة
ثم قال تعالى: {وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل}
قال مجاهد هو أبو عامر خرج إلى الشام يستنجد قيصر على قتال المسلمين وكانوا يرصدون له
وقال أبو زيد يقال رصدته في الخير وأرصدت له في الشر
وقال ابن الأعرابي لا يقال إلا أرصدت ومعناه ارتقيت). [معاني القرآن: 3/252-253]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وإرصادا} أي: إعدادا). [ياقوتة الصراط: 247]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَإِرْصَاداً} أي ترقباً بالعداوة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لا تقم فيه أبداً...}
يعني مسجد بني عمرو. ثم انقطع الكلام فقال: {لّمسجدٌ أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ أحقّ أن تقوم فيه}. ثم قال: {فيه رجال} الأولى صلة لقوله: {تقوم} والثانية رفعت الرجال). [معاني القرآن: 1/452]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أسّس...}
و(أسّس) ويجوز أساس، وآساس. ويخيّل إليّ أني قد سمعتها في القراءة). [معاني القرآن: 1/452]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {لا تقم فيه أبداً لّمسجدٌ أسّس على التّقوى من أول يومٍ أحقّ أن تقوم فيه فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين}
وقال: {أسّس على التّقوى من أول يومٍ أحقّ} يريد: "منذ أول يومٍ" لأن من العرب من يقول "لم أره من يوم كذا" يريد "منذ أول يوم" يريد به "من أول الأيّام" كقولك "لقيت كلّ رجلٍ" تريد به "كلّ الرجّال"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {لا تقم فيه أبدا لمسجد أسّس على التّقوى من أوّل يوم أحقّ أن تقوم فيه فيه رجال يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين}
ثم بين الله عزّ وجلّ: أي المسجدين أحق بالقيام فيه فقال:
{لمسجد أسّس على التّقوى من أوّل يوم}.
يعني به مسجد قباء.
{أحقّ أن تقوم فيه}.
{أن} في موضع نصب، المعنى: لمسجد أسس على التقوى أحقّ بأن نقوم فيه.
{فيه رجال يحبّون أن يتطهّروا}.
يروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف بباب المسجد فقال: ((إن الله أحسن عليكم الثناء في طهوركم فبم تطهرون؟
فقالوا نغسل إثر الغائط بالماء)).
وهؤلاء قوم من الأنصار). [معاني القرآن: 2/469]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه}
يروى أنهم دعوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فيه كما صلى في مسجد قباء
قال سهل بن سعيد وأبو سعيد الخدري اختلف رجلان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى فقال أحدهما هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر هو مسجد قباء فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو مسجدي هذا
وفي حديث أبي سعيد وذلك خير كثير
ثم قال جل وعز: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين}
يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم عن طهورهم فقالوا إنا نستنجي بالماء فقال أحسنتم
والهاء في قوله: {أحق أن تقوم فيه} يعود على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
والهاء في قوله: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} يعود على مسجد قباء ويجوز أن تكون تعود على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 3/253-255]

تفسير قوله تعالى: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {على شفا جرف هارٍ} مجاز شفا جرف شفير، والجرف ما لم يبن من الرّكايا لها جول، قال:
جرفٌ هيامٌ جوله يتهدّم
وهار مجاره هائر، والعرب تنزع هذه الياء من فاعل، قال العجاج:
لاثٍ به الأشاء والعبريّ
أي لائث. ويقال: كيدٌ خاب أي خائب، لات: بعضه فوق بعض كما تلوث العمامة؛ مجاز التمثيل لأن ما بنوه على التقوى أثبت أساساً من البناء الذي بنوه على الكفر والنفاق فهو على شفا جرف، وهو ما يجرف من سيول الأودية فلا يثبت البناء عليه). [مجاز القرآن: 1/269]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أفمن أسّس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوان خيرٌ أم مّن أسّس بنيانه على شفا جرفٍ هارٍ فانهار به في نار جهنّم واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
وقال: {هارٍ فانهار به} فذكروا أنه من "يهور" وهو مقلوب وأصله "هائرٌ" ولكن قلب مثل ما قلب "شاك السّلاح" [و] إنما هو "شائك"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({على شفا جرف}: الشفا شفير. {الجرف} بقيته ويقال
سرنا بشفا قمير: بقيته. ويثنى شفوان. والجرف ما تجرف من السيول والأودية.
{هار}: هائر، وهو ما انهار). [غريب القرآن وتفسيره: 166-167]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {على شفا جرفٍ هارٍ} أي على حرف جرف هائر.
والجرف: ما ينجرف بالسيول من الأودية. والهائر: الساقط، ومنه يقال:
تهوّر البناء: إذا سقط وانهار). [تفسير غريب القرآن: 192]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أفمن أسّس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوان خير أم من أسّس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنّم واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
ويجوز " أفمن أسّس بنيانه "، ويجوز " أفمن أساس بنيانه " ويجوز " أفمن أسس بنيانه ".
فأمّا {أسّس بنيانه}، و {أسّس بنيانه}، فقراءتان جيدتان، والذي ذكر غير هاتين جائز في العربية، غير جائز في القراءة، إلا أن تثبت به رواية.
المعنى أن من أسس بنيانه على التقوى خير ممن أسّس بنيانه على الكفر فقال: {على شفا جرف هار}.
وشفا الشيء حرفه وحدّه، والشفا مقصور يكتب الألف ويثنى شفوين.
ومعنى (هار) هائر وهذا من المقلوب، كما قالوا في لاث الشيء إذا دار فهو لاث والأصل لائث وكما قالوا شاك السلاح وشائك.
قال الشاعر:
فتعرّفوني إنّني أنا ذاكم..=. شاك سلاحي في الحوادث معلم
وكما قال العجاج:
لاث به الأشاء والعبريّ
الأشاء النخل، والعبريّ السدر الذي على شاطئ الأنهار ومعنى لاث به مطيف به.
{فانهار به في نار جهنّم}.
وهذا مثل، المعنى أن بناء هذا المسجد الذي بني ضرارا وكفرا كبناء
على جرف جهنم يتهور بأهله فيها). [معاني القرآن: 2/469-470]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم}
والشفا الحرف والحد
والجرف ما جرفه السيل
والهاري المتهدم الساقط). [معاني القرآن: 3/255]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {شَفَا}: حد
{جُرُفٍ}: ما تجرف من السيل
{هَارٍ}: سائل). [العمدة في غريب القرآن: 149]

تفسير قوله تعالى: (لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لا يزال بنيانهم...}
يعني مسجد النفاق {ريبةً} يقال: شكّا {إلا أن تقطّع} و{تقطّع} معناه: إلا أن يموتوا. وقرأ الحسن {إلى أن تقطّع} بمنزلة حتّى، أي حتى تقطّع. وهي في قراءة عبد الله {ولو قطّعت قلوبهم} حجة لمن قال {إلا أن تقطع} بضم التاء). [معاني القرآن: 1/452]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلا أن تقطّع قلوبهم} إلا ها هنا غاية). [مجاز القرآن: 1/270]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبةً في قلوبهم إلاّ أن تقطّع قلوبهم واللّه عليمٌ حكيمٌ}
وقال: {ريبةً في قلوبهم إلاّ أن تقطّع} و{تقطّع} في قول بعضهم وكل حسن). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبة في قلوبهم إلّا أن تقطّع قلوبهم واللّه عليم حكيم}
قال بعضهم لا يزال كفرا، وقال بعضهم لا يزال شكا.
والريبة من الريب، والريب الشّكّ.
فأعلم اللّه جلّ وعز أن بناءهم لا يزالون شاكين فيه، وجائز أن يكون اللّه جل ثناؤه جعل عقوبتهم أن ألزمهم الضلال بركوبهم هذا الأمر الغليظ.
{إلّا أن تقطّع قلوبهم}.
ويجوز: " إلا أن يقطع قلوبهم " معناه إلا أن يموتوا.
وقال بعضهم: إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندما وأسفا على تفريطهم). [معاني القرآن: 2/470-471]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم}
قال قتادة أي شكا كأنهم عوقبوا بهذا
وقال السدي أي حزازة
ثم قال جل وعز: {إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم}
قال عطاء ومجاهد وقتادة {إلا أن تقطع قلوبهم} إلا أن يموتوا
وقال غيرهم أي إلا أن يتوبوا توبة يندمون فيها على ما فعلوا حتى يكونوا بمنزلة من قد قطع قلبه
وقرأ عكرمة إلى أن على الغاية). [معاني القرآن: 3/256-257]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 04:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 111 إلى آخر السورة]

(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116) لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121) وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (127) لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) )

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فيقتلون ويقتلون...}
قراءة أصحاب عبد الله يقدّمون المفعول به قبل الفاعل. وقراءة العوام: {فيقتلون ويقتلون}.
وقوله: {وعداً عليه حقّاً} خارج من قوله: {بأنّ لهم الّجنّة} وهو كقولك: عليّ ألف درهم عدّةً صحيحةً، ويجوز الرفع لو قيل). [معاني القرآن: 1/453]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقّا في التّوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الّذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}
يروى: أنه تاجرهم فأغلى لهم الثمن.
وهذا كما قال: {أولئك الّذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم}.
{يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقّا}.
بالمعنى لأن معنى قوله: {بأنّ لهم الجنّة}، وعدهم الجنة وعدا عليه حقّا.
ولو كانت في غير القرآن جاز الرفع على معنى ذلك وعد عليه حق.
وقوله:{في التّوراة والإنجيل والقرآن}.
يدل أن أهل كل ملّة أمروا بالقتال وأوعدوا عليه الجنة). [معاني القرآن: 2/471]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة}
هذا تمثيل كما قال جل وعز: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} ). [معاني القرآن: 3/257]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم} قال ابن الأعرابي:
يقال: ليس في الكرام أكرم ممن يشتري من عبده ما وهبه له، والله - عز وجل - أكرم الأكرمين، اشترى من عبيده أنفسهم، وأنفسهم ملكه دونهم واشترى منهم أموالهم، وهي منه نعم عليهم، فهذه صفة من الكرم لا يقدر عليها أحد غيره - جل وعز). [ياقوتة الصراط:247- 248]

تفسير قوله تعالى: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {التّائبون العابدون...}
استؤنفت بالرفع لتمام الآية قبلها وانقطاع الكلام، فحسن الاستئناف. وهي في قراءة عبد الله "التائبين العابدين" في موضع خفض؛ لأنه نعت للمؤمنين: اشترى من المؤمنين التائبين. ويجوز أن يكون {التائبين} في موضع نصب على المدح؛ كما قال:


لا يبعدن قومي الذين هم =سمّ العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك = والطيّبين معاقد الأزر).
[معاني القرآن: 1/453]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {التّائبون العابدون الحامدون السّائحون الرّاكعون السّاجدون الآمرون بالمعروف والنّاهون عن المنكر والحافظون لحدود اللّه وبشّر المؤمنين}
وقال: {التّائبون العابدون..} إلى رأس الآية ثم فسر {وبشّر المؤمنين} لأن قوله - والله أعلم - {التائبون} إنما هو تفسير لقوله: {إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم} ثم فسر فقال "هم التّائبون"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({السائحون}: في التفسير الصائمون). [غريب القرآن وتفسيره: 167]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {السّائحون}: الصائمون. وأصل السائح: الذاهب في الأرض. ومنه يقال: ماء سائح وسيح: إذا جرى وذهب. والسائح في الأرض ممتنع من الشهوات. فشبه الصائم به. لإمساكه في صومه عن المطعم والمشرب والنكاح). [تفسير غريب القرآن: 193]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {التّائبون العابدون الحامدون السّائحون الرّاكعون السّاجدون الآمرون بالمعروف والنّاهون عن المنكر والحافظون لحدود اللّه وبشّر المؤمنين}
يصلح أن يكون رفعه على وجوه:
أحدها المدح كأنه قال هؤلاء التائبون، أو هم التائبون.
ويجوز أن يكون على البدل.
المعنى يقاتل التائبون، وهذا مذهب أهل اللغة.
قال أبو إسحاق: والذي عندي واللّه أعلم أن قوله: التائبون العابدون رفع بالابتداء، وخبره مضمر، المعنى التائبون العابدون إلى آخر الآية لهم الجنة أيضا، أي من لم يجاهد غير معاند ولا قاصد لترك الجهاد، لأن بعض
المسلمين يجزى عن بعض في الجهاد. فمن كانت هذه صفته فله الجنة أيضا.
التائبون الذين تابوا من الكفر، والعابدون: الذين عبدوا اللّه وحده.
والراكعون الساجدون الذين أدّوا ما افترض الله عليهم في الركوع والسّجود.
{الآمرون بالمعروف}.
الآمرون بالإيمان باللّه.
{والنّاهون عن المنكر} عن الكفر باللّه.
ويجوز الآمرون بجميع المعروف، الناهون عن جميع المنكر.
{والحافظون لحدود اللّه}.
القائمون بما أمر اللّه به.
وقوله: {السّائحون}.
في قول أهل اللغة والتفسير جميعا: الصائمون.
ومذهب الحسن أنهم الذين يصومون الفرض.
وقد قيل: إنهم الذين يديمون الصيام.
وقول الحسن في هذا أبين.
وكذلك {الراكعون الساجدون} عند الحسن هم الذين يؤدّون ما افترض عليهم في ركوعهم وسجودهم). [معاني القرآن: 2/471-472]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {التائبون العابدون الحامدون السائحون}
قال الحسن أي التائبون من الشرك العابدون الله وحده السائحون
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الصائمون وقد صح عن ابن مسعود
قال أبو جعفر وأصل السيح الذهاب على وجه الأرض ومنه قيل ماء سيح ومنه سمي سيحان
وقيل للصائم سايح لأنه تارك للمطعم والمشرب والنكاح فهو بمنزلة السايح
ثم قال جل وعز: {الراكعون الساجدون}
أي المؤدون الفرائض
ثم قال جل وعز: {الآمرون بالمعروف} أي بالإيمان بالله جل وعز
ثم قال: {والناهون عن المنكر} أي عن الكفر
ويجوز أن يكون المعنى الآمرون بكل معروف والناهون عن كل منكر
والحافظون لحدود الله أي العاملون بأمر الله جل وعز ونهيه). [معاني القرآن: 3/257-259]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {السَّائِحُونَ} الصائمون. وأصله الذهاب في الأرض، فشبه الصائم به لامتناع كل واحد منهما من الطعام، والشراب، واللذات). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 100]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {السَّائِحُونَ}: الصائمون). [العمدة في غريب القرآن: 149]

تفسير قوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم}
ثم قال: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} يقول "وما كان لهم استغفارٌ للمشركين" وقال: {وما كان لنفسٍ أن تؤمن إلاّ بإذن اللّه}. أي ما كان لها الإيمان إلا بإذن الله). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم}
يروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرض على عمّه أبي طالب الإسلام عند وفاته، وذكر له وجوب حقّه عليه، فأبى أبو طالب فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لأستغفرن لك حتى أنهى عن ذلك.
ويروى أنّه استغفر لأمّه، ويروى إنّه استغفر لأبيه، وأنّ
المؤمنين ذكروا محاسن آبائهم في الجاهلية وسألوا أن يستغفروا لآبائهم لما كان من محاسن كانت لهم، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن ذلك لا يجوز فقال:
{ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى}.
وقوله: {من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم}
أي من بعد ما تبين لهم أنهم ماتوا كافرين.
ثم أعلم جلّ وعزّ كيف كان استغفار إبراهيم لأبيه فقال:
{وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلّا عن موعدة وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوّ للّه تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّاه حليم} ). [معاني القرآن: 2/472-473]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى}
وروى أبو الخليل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال مررت برجل من المسلمين يستغفر لأبيه وقد مات مشركا قال فنهيته فقال قد استغفر إبراهيم لأبيه فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأنزل الله: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعده إياه} إلى آخر الآيتين
وفي بعض الروايات فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقرأ {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الآيتين
وروى الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء أبا طالب حين حضرته الوفاة وكان أبو جهل وعبد الله بن أمية عنده فقال النبي صلى الله عليه وسلم أي عم قل لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية أترغب عن ملة عبد المطلب فأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه فأنزل الله عز وجل: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} وأنزل: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء}
قال ابن مسعود ناجى النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه وبكى وقال إني استأذنت ربي في الاستغفار لها فلم يأذن لي ونزل {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}
وقيل معنى {إلا عن موعدة وعدها إياه} إن أباه وعده
أن يسلم فاستغفر له
{فلما تبين له أنه عدو لله} بإقامته الكفر {تبرأ منه}
وقال عبد الله بن عباس لما تبين له أنه عدو لله بأن مات وهو كافر تبرأ منه). [معاني القرآن: 3/259-261]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ} مجازه مجاز فعّال من التأوه، ومعناه متضرع شفقاً وفرقاً ولزوماً لطاعة ربه، وقال المثقّب العبديّ:
إذا ما قمت أرحلها بليلٍ..=. تأوّه آهة الرجل الحزين).
[مجاز القرآن: 1/270]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلاّ عن مّوعدةٍ وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ}
وقال: {إلاّ عن مّوعدةٍ وعدها إيّاه} يريد "إلاّ من بعد موعدةٍ" كما تقول: "ما كان هذا الشرّ إلاّ عن قولٍ كان بينكما" أي: عن ذلك صار). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لأواه}: قال المتأوه من الخوف ويروى لدعاء ويقال الرحيم ويقال الموقن). [غريب القرآن وتفسيره: 167]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {الأوّاه} المتأوّه حزنا وخوفا. قال المثقّب العبدي وذكر ناقته:
إذا قمت أرحلها بليل تأوّه آهة الرّجل الحزين). [تفسير غريب القرآن: 193]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلّا عن موعدة وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوّ للّه تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّاه حليم}
فيروى أنه كان وعده أن يستغفر له أيام حياته، ويروى أن أبا إبراهيم كان وعد إبراهيم أن يسلم إن استغفر له، فلما تبين له إقامته على الكفر تبرّأ منه.
وقال اللّه تعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والّذين معه}
إلى قوله: {إلّا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرنّ لك}.
أي تأسّوا بإبراهيم في هذا القول.
وقوله: {إنّ إبراهيم لأوّاه حليم}.
يروى أن عمر سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الأوّاه، فقال: الأوّاه الدّعّاء، والأوّاه في أكثر الرواية الدّعّاء
ويروى أن الأوّاه الفقيه، ويروى أن الأوّاه المؤمن بلغة الحبشة.
ويروى أن الأوّاه الرحيم الرفيق.
قال أبو عبيدة: {الأوّاه} المتأوّه شفقا وفرقا المتضرع يقينا، يريد أن يكون
تضرعه على يقين بالإجابة ولزوما للطاعة.
وقد انتظم قول أبي عبيدة أكثر ما روي في الأوّاه وأنشد أبو عبيدة:
إذا ما قمت أرحلها بليل..=. تأوّه آهة الرجل الحزين).
[معاني القرآن: 2/4734-474]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {إن إبراهيم لأواه حليم}
روى أبو ظبيان عن ابن عباس أنه قال الأواه الموقن
وروي عن عبد الله بن مسعود قولان أصحهما إسنادا ما رواه حماد عن عاصم عن زر عن ابن مسعود أنه قال هو الدعاء والآخر أنه الرحيم
وروي عن مجاهد أنه الفقيه
وقال كعب إذا ذكر النار تأوه
قال أبو جعفر وهذه الأقوال ليست بمتناقضة لأن هذه كلها من صفات إبراهيم إلا أن أحسنها في اللغة الدعاء لأن التأوه إنما هو صوت قال المثقب:
إذا ما قمت أرحلها بليل = تأوه آهة الرجل الحزين
وقول كعب أيضا حسن أي كان يتأوه إذا ذكر النار
وقال سعيد بن جبير المسبح وقيل الذي يتأوه من الذنوب فلا يعجل إلى معصية فلم يستغفر لأبيه إلا لوعده لأن الاستغفار للكافر ترك الرضا لأفعل الله عز وجل وأحكامه). [معاني القرآن: 3/261-262]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : (أواه أي: تواب. {حليم} أي: وقور). [ياقوتة الصراط: 248]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): {الأواه} المتأوه حزنا وخوفا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 100]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لأوَّاهٌ}: متأوه، الدعاء). [العمدة في غريب القرآن: 150]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما كان اللّه ليضلّ قوماً بعد إذ هداهم...}
سأل المسلمون النبي صلى الله عليه وسلم عمّن مات من المسلمين وهو يصلّى إلى القبلة الأولى، ويستحلّ الخمر قبل تحريمها، فقالوا: يا رسول الله أمات إخواننا ضلاّلا؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: {وما كان اللّه ليضلّ قوماً بعد إذ هداهم حتّى يبيّن لهم مّا يتّقون} يقول: ليسوا بضلال ولم يصرفوا عن القبلة الأولى، ولم ينزل عليهم تحريم الخمر). [معاني القرآن: 1/453]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وما كان اللّه ليضلّ قوما بعد إذ هداهم حتّى يبيّن لهم ما يتّقون إنّ اللّه بكلّ شيء عليم}
يروى أنه لما نزل تحريم الخمر ووقعت الحدود قال المسلمون فيمن مات قبل ذلك ولم يدرك التحريم اسألوا عن حالهم، فأعلم اللّه جلّ وعزّ أنه لا يؤاخذهم بما حرم مما لم يحرم عليهم.
وجائز أن يكون: إذا وفق اللّه للهداية فلا إضلال بعدها، لأن من يهد اللّه فلا مضلّ له). [معاني القرآن: 2/474]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون}
قال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله أي يحتج عليهم بأمره كما قال تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها
ففسقوا فيها}
وقال مجاهد يبين لهم أمر إبراهيم ألا يستغفروا للمشركين خاصة ويبين لهم الطاعة والمعصية عامة
وروي أنه لما نزل تحريم الخمر وشدد فيها سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عمن مات وهو يشربها فأنزل الله عز وجل: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون}
وقوله جل وعز: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} [آية: 179] قال عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب خرجوا في غزوة تبوك في حر شديد وكان الرجلان والثلاثة على البعير الواحد فعطشوا يوما عطشا شديدا فأقبلوا ينحرون الإبل ويشقون أكراشها ويشربون ما فيها). [معاني القرآن: 3/262-263]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116) )

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {لقد تاب الله على النّبيّ والمهاجرين والأنصار...}
وقوله: {وعلى الثّلاثة الّذين خلّفوا...}
وهم كعب بن مالك، وبلال بن أميّة، ومرارة). [معاني القرآن: 1/451]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {من بعد ما كاد يزيغ...}
و{كاد تزيغ}. [من] قال: {كاد يزيغ} جعل في {كاد يزيغ} اسما مثل الذي في قوله: {عسى أن يكونوا خيرا منهم} وجعل {يزيغ} به ارتفعت القلوب مذكّرا؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {لن ينال الله لحومها} و{لا يحل لك النساء من بعد} ومن قال {تزيغ} جعل فعل القلوب مؤنّثا؛ كما قال: {نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا} وهو وجه الكلام، ولم يقل {يطمئن} وكل فعل كان لجماع مذكر أو مؤنث فإن شئت أنّثت فعله إذا قدمته، وإن شئت ذكّرته). [معاني القرآن: 1/454]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {تزيغ قلوب فريقٍ منهم} أي تعدل وتجور وتحيد، فريق: بعض. {رؤوفٌ} فعول من الرأفة وهي أرق الرحمة، قال كعب بن مالك الأنصاري:
نطيع نبيّنا ونطيع ربّاً..=. هو الرحمن كان بنا رءوفا
وقال:
ترى للمسلمين عليك حقاً.=.. كفعل الوالد الرؤف الرحيم
{رحبت} أي اتسعت، والرحيب الواسع). [مجاز القرآن: 1/270-271]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {لقد تاب الله على النّبيّ والمهاجرين والأنصار الّذين اتّبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريقٍ مّنهم ثمّ تاب عليهم إنّه بهم رءوفٌ رّحيمٌ}
وقال: {من بعد ما كاد يزيغ قلوب} وقال بعضهم {تزيغ} جعل في {كاد} و {كادت} اسما مضمرا ورفع القلوب على {تزيغ} وإن شئت رفعتها على {كاد} وجعلت {تزيغ} حالا وإن شئت جعلته مشبها بـ"كان" فأضمرت في {كاد} اسما وجعلت {تزيغ قلوب} في موضع الخبر). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({يزيغ قلوب}: يعدل). [غريب القرآن وتفسيره: 167]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يزيغ قلوب فريقٍ منهم} أي: بما اتسعت.
يريد: ضاقت: تعدل وتميل عليهم مع سعتها). [تفسير غريب القرآن: 193]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لقد تاب اللّه على النّبيّ والمهاجرين والأنصار الّذين اتّبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثمّ تاب عليهم إنّه بهم رءوف رحيم}
معناها في وقت العسرة، لأن السّاعة تقع على كل زمان، وكان في ذلك الوقت حر شديد، وكان القوم في ضيقة شديدة، وكان الجمل بين جماعة يعتقبون عليه، وكانوا من الشدة والفقر ربما اقتسم الثمرة اثنان وربما مصّ الثمرة الجماعة ليشربوا عليها الماء، وربما نحروا الإبل فشربوا من ماء كرّوشها من الحر.
فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنّه قد تاب عليهم من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم، أي من بعد ما كادوا يقفلون من غزوتهم للشدة، ليس أنّه يزيغ عن الإيمان، إنما هو أن كادوا يرجعون فتاب الله عليهم بأن أقفلهم من غزوتهم). [معاني القرآن: 2/474]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم}
تزيغ تميل وليس ميلا عن الإسلام وإنما هموا بالقفول فتاب الله عليهم وأمرهم به). [معاني القرآن: 3/264]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَزِيغُ}: تميل). [العمدة في غريب القرآن: 150]

تفسير قوله تعالى: (وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {لقد تاب الله على النّبيّ والمهاجرين والأنصار...}
وقوله: {وعلى الثّلاثة الّذين خلّفوا...}
وهم كعب بن مالك، وبلال بن أميّة، ومرارة). [معاني القرآن: 1/451] (م)
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وعلى الثّلاثة الّذين خلّفوا حتّى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنّوا أن لاّ ملجأ من اللّه إلاّ إليه ثمّ تاب عليهم ليتوبوا إنّ اللّه هو التّوّاب الرّحيم}
وقال: {وظنّوا أن لاّ ملجأ} وهي هكذا إذا وقفت عليها ولا تقول {ملجأ} لأنه ليس ههنا نون. ألا ترى أنك لو وقفت على "لا خوف" لم تلحق ألفا. وأمّا "لو يجدون ملجأا" فالوقف عليه بالألف لأن النصب فيه منون). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({بما رحبت}: اتسعت). [غريب القرآن وتفسيره: 168]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ضاقت عليهم الأرض بما رحبت} أي بما اتسعت. يريد: ضاقت عليهم مع سعتها.
{وظنّوا أن لا ملجأ من اللّه إلّا إليه} أي استيقنوا أن لا ينجيهم من اللّه ومن عذابه غيره شيء). [تفسير غريب القرآن: 193]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقول عز وجل: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت}
كان أبو مالك يقول خلفوا عن التوبة
وحكي عن محمد بن يزيد معنى خلفوا تركوا لأن معنى خلفت فلانا فارقته قاعدا عما نهضت فيه
وقرأ عكرمة بن خالد خلفوا أي أقاموا بعقب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وروي عن جعفر بن محمد أنه قرأ خالفوا
ومعنى رحبت وسعت
ومعنى وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه وأيقنوا
وقوله جل وعز: {ثم تاب عليم ليتوبوا}
فيه جوابان
أحدهما أن المعنى ثم تاب عليهم ليثبتوا على التوبة كما
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا}
والآخر أنه فسح لهم ولم يعجل عقابهم كما فعل بغيرهم قال جل وعز: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم} ). [معاني القرآن: 3/264-266]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وظنوا}: تيقنوا – هاهنا). [ياقوتة الصراط: 249]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بِمَا رَحُبَتْ} أي اتسعت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 100]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {رَحُبَتْ}: اتسعت). [العمدة في غريب القرآن: 150]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وكونوا مع الصّادقين}
على نسق الكلام يدل على أنهم أمروا بأن يكونوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشده والرخاء.
ويجوز - واللّه أعلم - على هذا قوله: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه}.
وقد رويت عن بعضهم " من الصادقين " والمعنى واحد، ويجوز أن يكون ممن يصدق ولا يكذب في قول ولا فعل). [معاني القرآن: 2/475]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}
قيل مع الصادقين الذين يصدقون في قولهم وعملهم
وقيل الذين يصدقون في إيمانهم ويوفون بما عاهدوا عليه كما قال تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} ). [معاني القرآن: 3/266]

تفسير قوله تعالى: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا يطأون موطئاً...}
يريد بالموطئ الأرض {ولا يقطعون واديا} في ذهابهم ومجيئهم إلا كتب لهم). [معاني القرآن: 1/454]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (مخمصةٌ) المخمصة: المجاعة). [مجاز القرآن: 1/271]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({ولا مخمصة}: ولا شدة). [غريب القرآن وتفسيره: 168]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (و{المخمصة}: المجاعة. وهو الخمص). [تفسير غريب القرآن: 193]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلّفوا عن رسول اللّه ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنّهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل اللّه ولا يطئون موطئا يغيظ الكفّار ولا ينالون من عدوّ نيلا إلّا كتب لهم به عمل صالح إنّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين}
الظمأ العطش، والنصب: التعب.
{ولا مخمصة} المخمصة: المجاعة، فأعلم اللّه أنه يجازيهم على جميع ذلك، وأنّه يكتب لهم عملا صالحا). [معاني القرآن: 2/475]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله}
وقد قال بعد هذا: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين}
قال قتادة أمروا ألا يتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج
بنفسه فإذا وجه سرية تخلف بعضهم ليسمعوا الوحي والأمر والنهي فيخبروا به من كان غائبا
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وما كان المؤمنون لينفروا كافة إنها ليست في الجهاد ولكن لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر بالسنين أجدبت بلادهم فكانت القبيلة تقبل بأسرها حتى يحلوا بالمدينة من الجهد وأجهدوهم فأنزل الله عز وجل يخبر رسوله أنهم ليسوا مؤمنين فردهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عشائرهم وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم فذلك قوله سبحانه: {ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}
وبهذا الإسناد قال يعني ما كان المؤمنون لينفروا جميعا ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده والتأويلان متقاربان والمعنى إنهم لا ينفرون كلهم ويدعون حفظ أمصارهم وعمرانها ومنع الأعداء
منها وعليهم حفظ نبيهم كما خفف عليهم حفظ أمصارهم من الأعداء
ثم قال جل وعز: {ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله}
ظمأ أي عطش ولا نصب وهو أشد التعب
قال قتادة والمخمصة المجاعة). [معاني القرآن: 3/268]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَخْمَصَةٌ}: مجاعة). [العمدة في غريب القرآن: 150]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121) )

تفسير قوله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً...}
لمّا عيّر المسلمون بتخلفهم عن غزوة تبوك جعل النبي صلى الله عليه وسلم يبعث السريّة فينفرون جميعا، ليبقى النبي صلى الله عليه وسلم وحده، فأنزل الله تبارك وتعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كآفّةً} يعني: جميعا ويتركوك وحدك.
ثم قال: {فلولا نفر} معناه: فهلاّ نفر {من كلّ فرقةٍ مّنهم طائفةٌ} ليتفقّه الباقون الذين تخلّفوا، ويحفظوا قومهم ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن.
{ولينذروا قومهم} يقول: ليفقهوهم. وقد قيل فيها: إن أعراب أسد قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فغلت الأسعار وملئوا الطرق بالعذرات، فأنزل الله تبارك وتعالى: {فلولا نفر} يقول: فهلاّ نفر منهم طائفة ثم رجعوا إلى قومهم فأخبروهم بما تعلّموا). [معاني القرآن: 1/454-455]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم} مجازه: فهلا، وقد فرغنا منها في غير موضع). [مجاز القرآن: 1/271]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لينفروا كافّةً} أي جميعا.
{فلولا نفر من كلّ فرقةٍ} أي هلّا نفر! ). [تفسير غريب القرآن: 193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (لولا ولوما
لولا تكون في بعض الأحوال بمعنى: هلّا وذلك إذا رأيتها بغير جواب، تقول: لولا فعلت كذا تريد هلّا، فعلت كذا، قال الله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ} [هود: 116]، {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: 122] {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} [الأنعام: 43]، {فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} [الواقعة: 86]، أي فهلا. وقال: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ} [يونس: 98].
وقال الشاعر:

تَعُدُّونَ عَقْرَ النِّيبِ أَفْضَلَ مَجْدِكُمْ = بَنِي ضَوْطَرَى لَوْلا الكَمِيَّ المقنَّعَا
أي: فهّلا تعدُّونَ الكميَّ.
وكذلك {لوما}، قال: {لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ} [الحجر: 7] أي هلّا تأتينا). [تأويل مشكل القرآن: 540-541]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّة فلولا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدّين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون }
هذا لفظ خبر فيه معنى أمر كما كان {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} والمعنى أنهم كانوا إذا كانت سرية نفروا فيها بأجمعهم.
فأعلم اللّه جلّ وعزّ أنّه ينبغي أن ينفر بعضهم ويبقى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض لئلا يبقى وحده.
ولئلا يخلو من خرج منهم من فائدة منه، فقال جلّ وعزّ:
{فلولا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدّين}.
المعنى أنهم إذا بقيت منهم بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - بقية فسمعوا منه وحيا أعلموا الذين نفروا ما علموا فاستووا في العلم، ولم يخلوا منه.
وجائز - واللّه أعلم - أن يكون هذا دليلا على فرض الجهاد يجزى الجماعة فيه عن الجماعة). [معاني القرآن: 2/475]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يلونكم مّن الكفّار...}
يريد: الأقرب فالأقرب). [معاني القرآن: 1/455]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يا أيّها الّذين آمنوا قاتلوا الّذين يلونكم مّن الكفّار وليجدوا فيكم غلظةً واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين}
وقال: {وليجدوا فيكم غلظةً} وبها نقرأ وقال بعضهم {غلظة} وهما لغتان). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {يا أيّها الّذين آمنوا قاتلوا الّذين يلونكم من الكفّار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين}
{غلظة} فيها ثلاث لغات غلظة، وغلظة، وغلظة.
فهذا دليل أنه ينبغي أن يقاتل أهل كلّ ثغر الذين يلونهم وقيل إن هذا يعنى به العرب، وقيل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ربّما تخطى في حربه الذين يلونه من الأعداء ليكون ذلك أهيب له فأمر بقتال من يليه ليستنّ بذلك.
وقوله: {واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين}.
أي اللّه آمر من نَصَرهُ بالحرب.
وقوله: {وعلى الثّلاثة الّذين خلّفوا}.
المعنى: وتاب على الثلاثة الذين خلّفوا، ويقال إنهم هم المرجون لأمر الله). [معاني القرآن: 2/476]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذا ما أنزلت سورةٌ فمنهم مّن يقول...}
يعني: المنافقين يقول بعضهم لبعض: هل زادتكم هذه إيمانا؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا...وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم} والمرض ها هنا النفاق). [معاني القرآن: 1/455]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وإذا ما أنزلت سورةٌ فمنهم مّن يقول أيّكم زادته هذه إيماناً فأمّا الّذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون}
وقال: {أيّكم زادته هذه إيماناً} فـ"أيّ" مرفوع بالابتداء لسقوط الفعل على الهاء فإن قلت: "ألا تضمر في أوله فعلا" كما قال: {أبشراً مّنّا واحداً} فلأن قبل "بشر" حرف استفهام وهو أولى بالفعل و(أيّ) استغنى به عن حرف الاستفهام فلم يقع قبله شيء هو أولى بالفعل فصارت مثل قولك "زيدٌ ضربته". ومن نصب "زيداً ضربته" في الخبر نصب "أيّ" ههنا). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيّكم زادته هذه إيمانا فأمّا الّذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون}
وأضاف الإيمان إلى السّورة لأنه يزيد بسببها). [معاني القرآن: 2/476]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا}
أي فمن المنافقين من يقول أيكم زادته هذه إيمانا لأنه إذا آمن بها فقد ازداد إيمانه). [معاني القرآن: 3/268]

تفسير قوله تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فزادتهم رجساً إلى رجسهم} أي كفرا إلى كفرهم). [تفسير غريب القرآن: 193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والرجس: النّتن، ثم قد يسمّى الكفر والنفاق: رجسا، لأنّه نتن. قال الله تعالى: {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة: 125]، أي: كفرا إلى كفرهم، أو نفاقا إلى نفاقهم.
وقال الله تعالى: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [يونس: 100] ). [تأويل مشكل القرآن: 471]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأمّا الّذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون}
أي شكّ ونفاق.
{فزادتهم رجسا إلى رجسهم}.
أي زادتهم كفرا إلى كفرهم، لأنهم كلما كفروا بسورة ازداد كفرهم). [معاني القرآن: 2/476]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وأما الذين في قلوبهم مرض}
أي شك فزادتهم رجسا إلى رجسهم أي كفرا إلى كفرهم). [معاني القرآن: 3/268]

تفسير قوله تعالى: (أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أولا يرون...}
{ويّروا} بالتاء. في قراءة عبد الله "أو لا ترى أنهم" العرب تقول: ألا ترى للقوم وللواحد كالتعجب، وكما قيل "ذلك أزكى لهم، وذلكم" وكذلك {ألا ترى} و{ألا ترون} ). [معاني القرآن: 1/455]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): {يفتنون في كلّ عامٍ مرّةً أو مرّتين} وهو من الفتنة في الدين والكفر). [مجاز القرآن: 1/271]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أولا يرون أنّهم يفتنون في كلّ عام مرّة أو مرّتين ثمّ لا يتوبون ولا هم يذّكّرون}
معناه يختبرون في كل عام، وقيل يختبرون بالدعاء إلى الجهاد.
وقيل يختبرون أنه ينزل عليهم العذاب والمكروه). [معاني القرآن: 2/476]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين}
قال الحسن أي يبتلون بالغزو في كل سنة مرة أو مرتين
قال مجاهد أي يبتلون بالسنة والجدب). [معاني القرآن: 3/268-269]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (127) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذا ما أنزلت سورةٌ...}
فيها ذكرههم وعيبهم قال بعضهم لبعض {هل يراكم مّن أحدٍ} أن قمتم، فإن لهم القيام قاموا.
فذلك قوله: {ثمّ انصرفوا صرف اللّه قلوبهم} دعاء عليهم). [معاني القرآن: 1/455]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وإذا ما أنزلت سورةٌ نّظر بعضهم إلى بعضٍ هل يراكم مّن أحدٍ ثمّ انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنّهم قومٌ لاّ يفقهون}
وقال: {نّظر بعضهم إلى بعضٍ هل يراكم مّن أحدٍ} كأنه قال "قال بعضهم لبعضٍ" لأن نظرهم في هذا المكان كان إيماء أو شبيها به والله أعلم). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثمّ انصرفوا صرف اللّه قلوبهم بأنّهم قوم لا يفقهون}
يقولون ذلك إيماء لأنهم منافقون لا يظهرون ذلك.
{هل يراكم من أحد}.
يقولون ذلك استسرارا وتحذرا من أن يعلم بهم اللّه - عزّ وجلّ - وهو أعلم.
{ثمّ انصرفوا}.
أي يفعلون ذلك وينصرفون، فجائز أن يكون ينصرفون عن المكان الذي استحقوا فيه، وجائز أن يكون ينصرفون عن العمل بشيء مما يستمعون.
{صرف اللّه قلوبهم}.
أي أضلهم الله مجازاة على فعلهم). [معاني القرآن: 2/476-477]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد}
لأنهم منافقون فكان بعضهم يومئ إلى بعض فيقول أيكم زادته هذه إيمانا ثم انصرفوا
يجوز أن يكون المعنى ثم انصرفوا من موضعهم
ويجوز أن يكون المعنى ثم انصرفوا عن الإيمان
ثم قال جل وعز: {صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون}
قال الزجاج أي أضلهم مجازاة على فعلهم). [معاني القرآن: 3/269-270]

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لقد جاءكم رسولٌ مّن أنفسكم...}
يقول: لم يبق بطن من العرب إلاّ وقد ولدوه. فذلك قوله: {مّن أنفسكم}.
وقوله: {عزيزٌ عليه ما عنتّم} {ما} في موضع رفع؛ معناه: عزيز عليه عنتكم. ولو كان نصبا: عزيزا عليه ما عنتم حريصا رءوفا رحيما، كان صوابا، على قوله لقد جاءكم كذلك. والحرص الشحيح أن يدخلوا النار). [معاني القرآن: 1/456]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({لقد جاءكم رسولٌ مّن أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رّحيمٌ}
وقال: {عزيزٌ عليه ما عنتّم} جعل {ما} اسما و{عنتّم} من صلته). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {عزيزٌ عليه ما عنتّم} أي شديد عليه ما أعنتكم وضركم). [تفسير غريب القرآن: 193]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}
أي هو بشر مثلكم. أي فهو أوكد للحجة عليكم لأنكم تفهمون عمّن هو مثلكم.
وجائز أن يكون عنى به إنّه عربي كما أنكم عرب، فأنتم تخبرونه وقد وقفتم على مذهبه.
{عزيز عليه ما عنتّم}.
أي عزيز عليه عنتكم، والعنت لقاء الشدة.
{حريص عليكم}.
أي حريص على إيمانكم). [معاني القرآن: 2/477]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقول جل وعز: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم}
روى جعفر بن محمد عن أبيه أنه قال لم يكن في نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء يعاب قال أنا من نكاح لا من سفاح
قال أهل اللغة يجوز أن يكون المعنى {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} أي بشر كما أنكم بشر فأنتم تفقهون عنه
ويجوز أن يكون المعنى أنه من العرب فهو منكم فأنتم
تقفون على صدقه ومذهبه
ثم قال جل وعز: {عزيز عليه ما عنتم}
أي شديد عليه عنتكم
وأصل العنت الهلاك فقيل لما يؤدي إلى الهلاك عنت
ثم قال جل وعز: {حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}
قال قتادة أي حريص على من لم يسلم أن يسلم). [معاني القرآن: 3/270-271]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} أي شديد عليه ما أعنتكم وضركم أي: يعز عليه أن تعصوه وتدخلوا النار.
{حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} أي حريص عليكم أن تطيعوه وتدخلوا الجنة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فإن تولّوا فقل حسبي اللّه لا إله إلّا هو عليه توكّلت وهو ربّ العرش العظيم}
أي الذي يكفيني اللّه.
{عليه توكّلت وهو ربّ العرش العظيم}.
والعظيم ههنا جائزان.
وقوله: {من أوّل يوم}.
دخلت " من " في الزمان، والأصل منذ ومذ، هذا أكثر الاستعمال في الزمان.
و " من " جائز دخولها لأنها الأصل في ابتداء الغاية والتبعيض.
ومثل هذا قول زهير:

لمن الدّيار بقنّة الحجر.=.. أقوين من حجج ومن دهر
وقيل إن معنى هذا مذ حجج ومذ شهر). [معاني القرآن: 2/477-478]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فإن تولوا فقل حسبي الله}
أي يكفيني الله
يقال أحسبني الشيء إذا كفاني
ثم قال جل وعز: {لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم}
وقرأ ابن محيصن وهو رب العرش العظيم
وهي قراءة حسنة بينة
وروي عن ابن عباس أن آخر آية نزلت {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} ). [معاني القرآن: 3/271-272]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:23 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة