العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 ذو الحجة 1431هـ/30-11-2010م, 03:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 219 إلى 225]

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)}

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله: {قل العفو...}
وجه الكلام فيه النصب، يريد: قل ينفقون العفو. وهو فضل المال [قد] نسخته الزكاة [تقول: قد عفا]). [معاني القرآن: 1/141]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الميسر} القمار.
{قل العفو}أي: الطاقة التي تطيقها والقصد، تقول: خذ ما عفا لك، أي: ما صفا لك). [مجاز القرآن: 1/73]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نّفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون}
قال: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} إذا جعلت {ماذا} بمنزلة (ما).
وإن جعلت {ماذا} بمنزلة "الذي" قلت: {قل العفو} والأولى منصوبة وهذا مرفوعة كأنه قال: {ما الذي ينفقون} فقال: "الذي ينفقون العفو".
وإذا نصبت فكأنه قال: "ما ينفقون" فقال: "ينفقون العفو" لأن (ما) إذا لم تجعل بمنزلة "الذي" فـ"العفو" منصوب بـ"ينفقون".
وإن جعلت بمنزلة "الذي" فهو مرفوع بخبر الابتداء كما قال: {مّاذا أنزل ربّكم قالوا أساطير الأوّلين} جعل {مّاذا} بمنزلة "الذي"
وقال: {ماذا أنزل ربّكم قالوا خيراً} جعل {ماذا} بمنزلة "ما".
وقد يكون إذا جعلها بمنزلة "ما" وحدها الرفع على المعنى. لأنه لو قيل له: "ما صنعت"؟ فقال: "خيرٌ"، أي: الذي صنعت خيرٌ، لم يكن به بأس. ولو نصبت إذا جعلت "ذا" بمنزلة "الذي" كان أيضاً جيدا لأنه لو قيل لك: "ما الذي صنعت" فقلت: "خيراً" أي: صنعت خيراً. كان صوابا. قال الشاعر:

دعي ماذا علمت سأتّقيه = ولكن بالمغيّب نبئّيني
جعل "ما" و"ذا" بمنزلة "ما" وحدها، ولا يجوز أن يكون "ذا" بمنزلة "الذي" في هذا البيت لأنك لو قلت: "دعي ما الذي علمت" لم يكن كلاما.
وقال أهل التأويل في قوله: {ماذا أنزل ربّكم قالوا أساطير الأوّلين} لأن الكفار جحدوا أن يكون ربهم أنزل شيئا فقالوا لهم: "ما تقولون أنتم أساطير الأوّلين" أي: "الذي تقولون أنتم أساطير الأولين" ليس على "أنزل ربّنا أساطير الأولين". وهذا المعنى فيما نرى والله أعلم - كما قال: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} أي: فهم إخوانكم).
[معاني القرآن: 1/139-140]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الميسر}: القمار كله.
{قل العفو}: العفو في التفسير ما فضل عن أهلك، وقال بعضهم: هو ما أطقته منن غير أن تجهد نفسك). [غريب القرآن وتفسيره: 92]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({والميسر}: القمار.
وقد ذكرناه في سورة المائدة، وذكرنا النفع به.

{ويسألونك ماذا ينفقون}؟ أي: ماذا يتصدقون ويعطون؟
{قل العفو} يعني: فضل المال. يريد: أن يعطي ما فضل عن قوته وقوت عياله. ويقال: «خذ ما عفا لك» أي ما أتاك سهلا بلا إكراه ولا مشقة.
ومنه قوله عز وجل: {خذ العفو وأمر بالعرف} [الأعراف:199]، أي: اقبل من الناس عفوهم، وما تطوعوا به: من أموالهم، ولا تستقص عليهم). [تفسير غريب القرآن:82-83]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون}
{الخمر} المجمع عليه، وقياس كل ما عمل عملها أن يقال له خمر.
وأن يكون في التحريم بمنزلتها.
وتأويل الخمر في اللغة: أنه كل ما ستر العقل، يقال لكل ما ستر الإنسان من شجر وغيره خمر، وما ستره من شجر خاصة ضرى، " مقصور "، ويقال دخل فلان في خمار أي في الكثير الذي يستتر فيه وخمار المرأة قناعها، وإنما قيل له خمار لأنه يغطي، والخمرة التي يسجد عليها إنما سميت بذلك لأنها تستر الوجه عن الأرض، وقيل للعجين قد اختمر لأن فطرته قد غطاها الخمر أعني الاختمار - يقال قد اختمر العجين وخمرته، وفطرته وأفطرته.
فهذا كله يدل على أن كل مسكر خمر وكل مسكر مخالط العقل ومغط عليه، وليس يقول أحد للشارب إلا مخمور - من كل سكر - وبه خمار، فهذا بيّن واضح.
وقد لبّس على أبي الأسود الدؤلي فقيل له: إن هذا المسكر الذي سموه بغير الخمر حلال فظن أن ذلك كما قيل له، ثم قاده طبعه إلى أن حكم بأنهما واحد، فقال:
دع الخمر يشربها الغواة فإنني... رأيت أخاها مجزيا لمكانها
فإلا يكنها أو تكنه فإنه... أخوها غذته أمها بلبانها
وقال أهل التفسير في قوله عزّ وجلّ: {قل فيهما إثم كبير} وقرئت " كثير " قال قوم زهّد فيها في هذا الموضع وبين تحريمها في سورة المائدة في قوله: {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون (90) إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر اللّه وعن الصّلاة فهل أنتم منتهون (91)}.
ومعنى{فهل أنتم منتهون}: التحضيض على الانتهاء والتفديد على ترك الانتهاء.
وقال قوم: لا بل تحرم بما بين ههنا مما دل عليه الكتاب في موضع آخر.
لأنه قال: {إثم كبير} وقد حرم الله الإثم نصّا فقال: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ}.
وإنما بينا تحريم الخمر وإن كان مجمعا عليه ليعلم أن نص ذلك في الكتاب.
فأما الإثم الكبير الذي في الخمر: فبين، لأنها توقع العداوة والبغضاء وتحول بين المرء وعقله الذي يميز به ويعرف ما يجب لخالقه.
والقمار: يورث العداوة والبغضاء وإن مال الإنسان يصير إلى غيره بغير جزاء يؤخذ عليه،
وأما المنافع للناس فيه: فاللذة في الخمر والربح في المتجّر فيها، وكذلك المنفعة في
القمار، يصير الشيء إلى الإنسان بغير كد ولا تعب فأعلم اللّه أن الإثم فيهما {إثم} أكبر من نفعهما.
وقوله عزّ وجلّ: {ويسألونك ماذا ينفقون}.
النصنب والرفع في {العفو} جميعا، من " جعل {ماذا} اسما واحدا رد العفو عليه ومن جعل " ما " اسما و " إذا " خبرها وهي في معنى الذي رد العفو عليه فرفع، كأنه قال: ما الذي ينفقون؟
فقال: العفو، ويجوز أن ينصب العفو وإن كان ما وحدها اسما فتحمل العفو علي ينفقون، كأنه قيل أنفقوا العفو.
ويجوز أيضا أن ترفع - وإن جعلت {ماذا} بمنزلة شيء واحد على "قل هو العفو".
والعفو في اللغة: الفضل والكثرة، يقال عفا القوم إذا كثروا.
فأمروا أن ينفقوا الفضل إلى أن فرضت الزكاة، فكان أهل المكاسب يأخذ أحدهم من كسبه ما يكفيه ويتصدق بباقيه، ويأخذ أهل الذهب والفضة ما يكفيهم في عامهم وينفقون باقيه هذا قد روي في التفسير، والذي عليه الإجماع أن الزكاة في سائر الأشياء قد بينت ما يجب فيها.

وقوله عزّ وجلّ: {كذلك يبين اللّه لكم الآيات} أي: مثل هذا البيان في الخمر والميسر {يبين الله لكم الآيات}: لأن خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مشتمل على خطاب أمته كما قال عزّ وجلّ: {يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء}
ومثل هذا في القرآن كثير يحكي مخاطبة الإجماع بذلك، وذلكم أكثر في اللغة، وقد أتي في القرآن في غير " ذلك " للجماعة - قال اللّه تعالى:
{يا نساء النّبيّ من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على اللّه يسيرا } -
والأصل ذلكن، إلا أن الجماعة في معنى القبيل.
وقوله عز وجل: {لعلّكم تتفكّرون (219) في الدّنيا والآخرة}يجوز أن يكون:
(تتفكرون في الدنيا والآخرة) من صلة تتفكرون المعنى لعلكم تتفكرون في أمر الدنيا وأمر الآخرة -،
ويجوز أن يكون في الدنيا والآخرة من صلة كذلك يبين الله لكم الآيات).

أي: يبين لكم الآيات في أمر الدنيا وأمر الآخرة لعلكم تتفكرون). [معاني القرآن: 1/291-294]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس}
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} ثم أنزل {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} فكانوا يدعونها فإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون حتى يذهب عنهم السكر فإذا صلوا الغداة شربوها فما يأتي الظهر حتى يذهب عنهم السكر ثم إن ناسا شربوها فقاتل بعضهم بعضا وتكلموا بما لا يرضي الله فأنزل الله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} فحرم الله الخمر ونهى عنها وأمر باجتنابها كما أمر باجتناب الأوثان
وروى أبو توبة عن ابن عمر أنزلت {إنما الخمر} إلى قوله: {فهل أنتم منتهون} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حرمت)).
وقال عمرو بن شرحبيل: فقال عمر: انتهينا فإنها تذهب المال والعقل.
وأهل التفسير يذهبون إلى أن المحرم لها هذا.
وقال بعض الفقهاء: المحرم لها آيتان:
إحداهما: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم}.
قال أبو إسحاق: الخمر هذه المجمع عليها وقياس كل ما تحمل عملها أن يقال له خمر وأن يكون بمنزلتها في التحريم لأن إجماع العلماء أن القمار كله حرام وإنما ذكر الميسر من بينه فجعل كله قياسا على الميسر والميسر إنما يكون قمارا في الجزر خاصة وكذلك كل ما كان كالخمر فهو بمنزلتها
وتأويل الخمر في اللغة: أنه ما ستر على العقل يقال لكل ما ستر الإنسان من شجر وغيره خمر وما ستر من شجر خاصة الضرا مقصور
ودخل في خمار الناس، أي: الكثير الذي يستتر فيه
وخمار المرأة: قناعها لأنه يغطي الرأس.
والخمرة: التي سجد عليها لأنها تستر الوجه عن الأرض وكل مسكر خمر لأنه يخالط العقل ويغطيه وفلان مخمور من كل مسكر.

قال سعيد بن جبير ومجاهد: الميسر القمار كله
فأما الإثم الذي في الخمر فالعداوة والبغضاء وتحول بين الإنسان وبين عقله الذي يميز به ويعرف به ما يجب لخالقه
والقمار يورث العداوة لأن مال الإنسان يصير إلى غيره بغير جزاء يأخذه عليه
والمنافع لذة الخمر والربح فيها ومصير الشيء إلى الإنسان في القمار بغير كد
وقال الضحاك: منافعهما قبل التحريم وإثمهما بعد التحريم). [معاني القرآن: 1/170-174]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}
قال طاووس: اليسير من كل شيء .
وقال خالد بن أبي عمران سألت القاسم وسالما فقالا فضل المال ما يصدق به عن ظهر غنى.
وقال قتادة: هو الفضل.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد لأن العفو في اللغة ما سهل يقال خذ ما عفا لك أي ما سهل لك وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصدقة ما تصدق به عن ظهر غنى))
فعلى هذا تأويل قول القاسم وسالم وفي المعنى قول آخر.
قال مجاهد: هي الصدقة المفروضة والظاهر يدل على القول الأول). [معاني القرآن: 1/174-176]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة}
قال أبو جعفر: حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة بن شبيب قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قول الله تعالى: {لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة}
قال: يقول لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة فتعرفون فضل الآخرة على الدنيا.
قال أبو جعفر: والتقدير على قول قتادة لعلكم تتفكرون في أمر الدنيا والآخرة
وقيل هو على التقديم أي كذلك يبين الله لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون). [معاني القرآن: 1/176]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({والميسر}: القمار). [ياقوتة الصراط:179-180]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({والميسر} القمار.
{قل العفو} أي: يعطي ما فضل عن قوته وقوت عياله...). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْمَيْسِرِ}: القمار.
{الْعَفْوَ}:
ما عفي عنه ولم يطالبه به).
[العمدة في غريب القرآن: 90]

تفسير قوله تعالى: {فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ويسألونك عن اليتامى...}
يقال للغلام يتم ييتم يتماً ويتماً. قال: وحكي لي يتم ييتم.
{وإن تخالطوهم فإخوانكم} ترفع الإخوان على الضمير (فهم)؛ كأنك قلت (فهم إخوانكم) ولو نصبته كان صوابا؛ يريد: فإخوانكم تخالطون، ومثله {فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم} ولو نصبت ههنا على إضمار فعل (ادعوهم إخوانكم ومواليكم).
وفي قراءة عبد الله "إن تغذّبهم فعبادك" وفي قراءتنا "فإنّهم عبادك" وإنما يرفع من ذا ما كان اسما يحسن فيه "هو" مع المرفوع. فإذا لم يحسن فيه "هو" أجريته على ما قبله؛ فقلت: إن اشتريت طعاما فجيّدا، أي فاشتر الجّيد، وإن لبست ثيابا فالبياض؛ تنصب لأن "هو" لا يحسن ههنا، والمعنى في هذين ههنا مخالف للأوّل؛ ألا ترى أنك تجد القوم إخوانا وإن جحدوا، ولا تجد كلّ ما يلبس بياضا، ولا كلّ ما يشترى جيّدا. فإن نويت أن ما ولي شراءه فجيّد رفعت إذا كان الرجل قد عرف بجودة الشراء وبلبوس البياض. وكذلك قول الله {فإن خفتم فرجالا} نصب؛ لأنه شيء ليس بدائم، ولا يصلح فيه "هو" ألا ترى أن المعنى: إن خفتم أن تصلّوا قياما فصلّوا رجالا أو ركبانا [رجالا يعني: رجّالة] فنصبا لأنهما حالان للفعل لا يصلحان خبرا.

{واللّه يعلم المفسد من المصلح} المعنى في مثله من الكلام: الله يعلم أيّهم يفسد وأيّهم يصلح. فلو وضعت أيّا أو من مكان الأوّل رفعته، فقلت: أنا أعلم أيّهم قام من القاعد،
قال [الفرّاء] سمعت العرب تقول: ما يعرف أي من أيّ. وذلك أن (أيّ) و(من) استفهامان، والمفسد خبر.
ومثله ما أبالى قيامك أو قعودك، ولو جعلت في الكلام استفهاما بطل الفعل عنه فقلت: ما أبالي أقائم أنت أم قاعد. ولو ألقيت الاستفهام اتّصل الفعل بما قبله فانتصب.
والاستفهام كله منقطع مما قبله لخلقة الابتداء به).
[معاني القرآن: 1/141-142]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولو شاء اللّه لأعنتكم...} يقال: قد عنت الرجل عنتا، وأعنته الله إعناتا). [معاني القرآن: 1/143]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لأعنتكم} أي: لأهلككم، من العنت). [مجاز القرآن: 1/73]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({ولو شاء الله لأعنتكم}: أهلككم. والعنت الهلاك). [غريب القرآن وتفسيره: 92]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ} أي: تثمير أموالهم، والتنزّه عن أكلها لمن وليها - خير.
{وإن تخالطوهم} فتوآكلوهم {فإخوانكم} فهم إخوانكم، حكمهم في ذلك حكم إخوانكم من المسلمين.
{واللّه يعلم المفسد من المصلح} أي: من كان يخالطهم على جهة الخيانة والإفساد لأموالهم، ومن كان يخالطهم على جهة التنزه والإصلاح.
{ولو شاء اللّه لأعنتكم} أي: ضيق عليكم وشدّد. لكنه لم يشأ إلّا التسهيل عليكم. ومنه يقال: أعنتني فلان في السؤال، إذا شدّد عليّ وطلب عنتي، وهو الإضرار. يقال: عنتت الدابة، وأعنتها البيطار، إذا ظلعت). [تفسير غريب القرآن: 83]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم واللّه يعلم المفسد من المصلح ولو شاء اللّه لأعنتكم إنّ اللّه عزيز حكيم}
هذا مما نحكم تفسيره في سورة النساء إن شاء الله، إلا أن جملته أنهم كانوا يظلمون اليتامى، فيتزوجون العشر ويأكلون أموالهم مع أموالهم، فشدّد عليهم في أمر اليتامى تشديدا خافوا معه التزويج بنساء اليتامى ومخالطتهم، فأعلمهم اللّه أن الإصلاح لهم هو خير الأشياء، وأن مخالطتهم في التزويج وغيره جائزة مع تحري الإصلاح فقال: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} أي: فهم إخوانكم.
فالرفع على هذا. والنصب جائز {وإن تخالطوهم فإخوانكم} أي: فإخوانكم تخالطون، ولا أعلم أحدا قرأ بها، فلا تقرأنّ بها إلا أن تثبت رواية صحيحة.
وقوله عزّ وجلّ: {ولو شاء اللّه لأعنتكم}
قال أبو عبيدة معناه: لأهلككم، وحقيقته ولو شاء الله لكلفكم ما يشتد عليكم فتعنتون،
وأصل العنت في اللغة: من قولهم عنت البعير يعنت إذا حدث في رجله كسر بعد جبر لا يمكنه معه تصريفها، ويقال أكمة غنوت إذا كان لا يمكن أن يحازيها إلا بمشقة عنيفة.

وقوله عزّ وجلّ: {إنّ اللّه عزيز حكيم} أي: يفعل بعزته ما يحب لا يدفعه عنه دافع.
{حكيم} أي: ذو حكمة فيما أمركم به من أمر اليتامى وغيره). [معاني القرآن: 1/294-295]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير}
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} إلى آخرها قالوا هذه موجبة فاعتزلوهم وتركوا خلطتهم فشق ذلك عليهم فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن الغنم قد بقيت ليس لها راع والطعام ليس له من يصنعه فنزلت: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير} إلى آخرها). [معاني القرآن: 1/177]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {والله يعلم المفسد من المصلح} أي: يعلم من يخالطهم للخيانة ومن لا يريد الخيانة). [معاني القرآن: 1/177]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولو شاء الله لأعنتكم}
قال مجاهد: أي لو شاء لم يطلق لكم مخالطتهم في الأدم والمرعى.
وروى الحكم عن مقسم عن ابن عباس ولو شاء الله لأعنتكم قال: لو شاء لجعل ما أحببتم من أموال اليتامى موبقا.
وقال أبو عبيدة: لأعنتكم لأهلككم.
وقال أبو إسحاق: حقيقته لكلفكم ما يشتد عليكم فتعنتون.
قال: وأصل العنت في اللغة: من قولهم عنت البعير عنتا إذا حدث في رجله كسر بعد جبر لا يمكنه معه تصريفها
{إن الله عزيز} أي: يفعل بعزته ما يحب لا يدفعه عنه أحد.
{حكيم} ذو الحكمة فيما أمركم به من أمر اليتامى وغيره). [معاني القرآن: 1/177-179]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (والإعنات: تكليف غير الطاقة). [ياقوتة الصراط: 180]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لأعْنَتَكُـــمْ}: لأهلككــم). [العمدة في غريب القرآن: 90]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا تنكحوا المشركات...}
يريد: لا تزوّجوا، والقرّاء على هذا، ولو كانت: ولا تنكحوا المشركات أي: لا تزوّجوهن المسلمين كان صوابا.
ويقال: نكحها نكحا ونكاحا.

وقوله: {ولو أعجبتكم...}
كقوله: وإن أعجبتكم. ولو وإن متقاربان في المعنى.
ولذلك جاز أن يجازى لو بجواب إن، إن بجواب لو في قوله: {ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً لظلّوا من بعده يكفرون}. وقوله: "فرأوه" يعني بالهاء الزّرع).
[معاني القرآن: 1/143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} أي: لا تتزوجوا الإماء المشركات.
{ولا تنكحوا المشركين} [أي لا تزوجوا المشركين] {حتّى يؤمنّ}). [تفسير غريب القرآن:83-84]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النّار واللّه يدعو إلى الجنّة والمغفرة بإذنه ويبيّن آياته للنّاس لعلّهم يتذكّرون}
معنى {لا تنكحوا}: لا تتزوجوا المشركات، ولو قرئت ولا تنكحوا المشركات كان وجها، ولا أعلم أحدا قرأ بها، والمعنى في هذا: ولا تتزوجوا المشركات حتى يؤمن،
ومعنى المشركات: ههنا لكل من كفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - واللغة تطلق على كل كافر إنما يقال له مشرك - وكان التحريم قد نزل في سائر الكفار في تزويج نسائهم من المسلمين، ثم أحل تزويج نساء أهل الكتاب من بينهم. فقال اللّه - عزّ وجلّ: {اليوم أحلّ لكم الطّيّبات وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلّ لكم وطعامكم حلّ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم}

فإن قال قائل: من أين يقال لمن كفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مشرك وإن قال إن اللّه عزّ وجل واحد؟
فالجواب: في ذلك أنه إذا كفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقد زعم أن ما أتى به من القرآن من عند غير اللّه - جل ثناؤه - والقرآن إنما هو من عند اللّه - عزّ وجلّ - لأنه يعجز المخلوقين أن يأتوا بمثله - فقد زعم أنه قد أتى غير الله بما لا يأتي به إلا اللّه - عزّ وجلّ - فقد أشرك به غيره.
{ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النّار واللّه يدعو إلى الجنّة والمغفرة بإذنه ويبيّن آياته للنّاس لعلّهم يتذكّرون}
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا} أي: لا تزوجوهم مسلمة.
وقوله: {ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم} معناه: وإن أعجبكم، إلا أن " لو " تأتي فتنوب عن أن في الفعل الماضي.
ومعنى الكلام: أن الكافر شر من المؤمن لكم وإن أعجبكم أي أعجبكم أمره في باب الدنيا، لان الكافر والكافرة يدعوان إلى النار أي يعملان بأعمال أهل النار - فكأن نسلكم يتربى مع من هذه حاله.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه} أي: يدعوكم إلى مخالطة المؤمنين لأن ذلك أوصل لكم إلى الجنة.
ومعنى {بإذنه} أي: بعلمه الذي أعلم إنّه وصلة لكم إليها.

{ويبيّن آياته} أي: علاماته، يقال آية وآي، وآيات أكثر وعليها أتى القرآن الكريم.
وقوله عزّ وجلّ: {لعلّهم يتذكّرون}
معنى لعل ههنا: الترجي لهم أي ليكونوا هم راجين - واللّه أعلم أيتذكرون أم لا، ولكنهم خوطبوا على قدر لفظهم واستعمالهم). [معاني القرآن: 1/295-296]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}
أكثر أهل العلم على هذه الآية: منسوخة نسخها {اليوم أحل لكم الطيبات} إلى قوله: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}
هذا قول ابن عباس ومكحول وهو مذهب الفقهاء مالك وسفيان والأوزاعي
وروى سفيان عن حماد قال سألت سعيد بن جبير عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال: لا بأس به قال قلت فإن الله يقول {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} فقال: أهل الأوثان والمجوس.
وروى معمر عن قتادة ولا تنكحوا المشركات قال: المشركات ممن ليس من أهل الكتاب وقد تزوج حذيفة يهودية أو نصرانية
فأما المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم فقيل هن العفائف والإماء). [معاني القرآن: 1/179-180]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} أي: لا تزوجوهم بمسلمات ولو أعجبكم أي وإن أعجبكم أمره في الدنيا فمصيره إلى النار
{أولئك يدعون إلى النار} أي: يعملون بأعمال أهلها فيكون نسلكم يتربى مع من هذه حاله {والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه}أي: يدعوكم إلى أعمال أهل الجنة.
{والمغفرة بإذنه} أي: بعلمه قيل أي يعلمه أي ما دعاكم إليه وصلة إليهما.
وقيل بما أمركم به ويبين آياته أي علاماته
{لعلهم يتذكرون} ليكونوا على رجاء التذكر). [معاني القرآن: 1/180-181]

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {حتّى يطهرن...}
بالياء. وهي في قراءة عبد الله إن شاء الله "يتطهرن" بالتاء، والقرّاء بعد يقرءون "حتى يطهرن، ويطّهّرن" [يطهرن]: ينقطع عنهن الدم، ويتطهرن: يغتسلن بالماء. وهو أحبّ الوجهين إلينا: يطّهّرن.
{فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} ولم يقل: في حيث، وهو الفرج. وإنما قال: من حيث كما تقول للرجل: ايت زيدا من مأتاه من الوجه الذي يؤتى منه. فلو ظهر الفرج ولم يكن عنه قلت في الكلام: ايت المرأة في فرجها. {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} يقال: ايت الفرج من حيث شئت). [معاني القرآن: 1/143]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن فإذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين}
قال: {ويسألونك عن المحيض} وهو: الحيض. وإنما أكثر الكلام في المصدر إذا بني هكذا أن يراد به "المفعل" نحو قولك: "ما في برّك مكالٌ" أي: كيلٌ. وقد قيلت الأخرى أي: قيل "مكيلٌ" وهو مثل "محيضٍ" من الفعل إذا كان مصدرا للتي في القرآن وهي أقل. قال الشاعر:
بنيت مرافقهنّ فوق مزلّةٍ = لا يستطيع بها القراد مقيلا
يريد: "قيلولةً". وتقول: "جئت مجيئاً حسناً". فبنوه على "مفعل" وهو مصدره.
وقال: {ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} لأنك تقول: "طهرت المرأة" فـ"هي تطهر".
وقال بعضهم "طهرت".
وقالوا: "طلقت" "تطلق" "و "طلقت" "تطلق" أيضا.
ويقال للنفساء إذا أصابها النفاس: "نفست" فإذا أصابها الطلق [قيل]: طلقت").
[معاني القرآن: 1/140-141]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} أي: ينقطع عنهن الدم.
يقال: طهرت وطهرت، إذا رأت الطّهر، وإن لم تغتسل بالماء.
ومن قرأ (يطّهرن) أراد: يغتسلن بالماء.
والأصل: «يتطهرون». فأدغم التاء في الطاء).
[تفسير غريب القرآن: 84]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن فإذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين}
يقال: حاضت المرأة تحيض حيضا ومحاضا ومحيضا،
وعند النحويين أن المصدر في هذا الباب "المفعل"، و "المفعل" جيّد بالغ فيه يقال ما في برّك "مكال" أي كيل ويجوز ما فيه "مكيل".

قال الشاعر وهو الراعي:
بنيت مرافقهن فوق مزلّة... لا يستطيع بها القراد مقيلا
أي: قيلولة،
ومعنى الآية: أن العرب كانت تفعل في أمر الحائض ما كانت تفعل المجوس، فكانوا يجتنبون تكليفها عمل أي شيء وتجتنب في الجماع وسائر ما تكلّفه النساء، يريدون أنها نجس، فأعلم اللّه أن الذي ينبغي أن يجتنب منها بضع فقط، وأنها لا تنخس شيئا، وأعلم أن المحيض أذى،
أي: مستقذر، ونهى أن تقرب المرأة حتى تتطهر من حيضها - بالماء بعد أن تطهر من الدم أي تنقى منه، فقال: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} -
المعنى يتطهرن أي: يغتسلن بالماء، بعد انقطاع الدم - وقرئت حتى يطهّرن " ولكن {فإذا تطهّرن} يدل على {ولا تقربوهن حتى يطهرن}
وكلاهما (يطهرن) ويطهّرن - وقرئ بهما - جيّدان.
ويقال طهرت وطهرت جميعا وطهرت أكثر.
وقوله عزّ وجلّ: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} أي: من الجهات التي يحل فيها أن تقرب المرأة، ولا تقربوهن من حيث لا يجب، أعني ولا تقربوهن صاحبات ولا عشيقات،
وقد قيل في التفسير: {من حيث أمركم اللّه} في الفروج، ولا يجوز أن يقربن في الدبر، والذي يروى عن مالك ليس بصحيح لأن إجماع المسلمين أن الوطء، حيث يبتغى
النسل، وأن أمر الدّبر فاحشة، وقد جاء الحديث أن محاشّ النساء حرام.
ويكنى به عن الدبر). [معاني القرآن: 1/296-298]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى}
قال قتادة: أي قذر.
وروى ثابت عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة أخرجوها من البيت فلم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في بيت، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله عز وجل: {يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض} الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح))
فتبين بهذا الحديث معنى فاعتزلوا النساء في المحيض أن معناه فاعتزلوهن في الجماع). [معاني القرآن: 1/181-182]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} أي: حتى ينقطع الدم عنهن.
وقرأ أهل الكوفة (يطهرن) أي: يغتسلن.
وكذا معنى يتطهرن قرأ به ابن مسعود وأبي وقد عاب قوم يطهرن بالتخفيف قالوا لأنه لا يحل المسيس حتى يغتسلن.
قال أبو جعفر: وهذا لا يلزم
فيجوز أن يكون معناه كمعنى يطهرن.
ويجوز أن يكون معناه حتى يحل لهن أن يتطهرن كما يقال للمطلقة إذا انقضت عدتها قد حلت للرجال وقد بين ذلك بقوله: {فإذا تطهرن}). [معاني القرآن: 1/182-183]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فأتوهن من حيث أمركم الله}
قال مجاهد: من حيث نهوا عنه في محيضهن.
وقال إبراهيم: في الفرج.
وقال ابن الحنيفة: من قبل التزويج من قبل الحلال.
وقال أبو رزين: من قبل الطهر.
وقال أبو العالية: ويحب المتطهرين من الذنوب.
وقال عطاء: بالماء.
قال أبو جعفر: وقول عطاء أولى للحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل مسجد قباء: ((إن الله قد أثنى عليكم في الطهور خيرا أفلا تخبروني)) قالوا: يا رسول الله نجده مكتوبا علينا في التوراة الاستنجاء بالماء
وهذا لما نزل {فيه رجال يحبون أن يتطهروا}). [معاني القرآن: 1/183-184]

تفسير قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ:(ت:207هـ): (وقوله: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم...}
[أي] كيف شئتم. حدّثنا محمد بن الجهم، قال حدّثنا الفرّاء قال حدثني شيخ عن ميمون بن مهران قال: قلت لابن عباس: إن اليهود تزعم أن الرجل إذا أتى امرأته من ورائها في قبلها خرج الولد أحول، قال: فقال ابن عباس: كذبت يهود {نساؤكم حرثٌ لّكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} يقول: ايت الفرج من حيث شئت). [معاني القرآن: 1/144]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {نساؤكم حرثٌ لكم} كنايةٌ، وتشبيه، قال: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم}). [مجاز القرآن: 1/73]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({نساؤكم حرثٌ} لكم كناية.
وأصل الحرث: الزّرع، أي: هنّ للولد كالأرض للزرع.

{فأتوا حرثكم أنّى شئتم} أي: كيف شئتم.
{وقدّموا لأنفسكم}: في طلب الولد). [تفسير غريب القرآن:84-85]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم وقدّموا لأنفسكم واتّقوا اللّه واعلموا أنّكم ملاقوه وبشّر المؤمنين}
زعم أبو عبيدة أنه كناية، والقول عندي فيه أن معناه أن نساءكم حرث لكم منهن تحرثون الولد واللذة.
وقوله عزّ وجلّ: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم}أي: كيف شئتم، أي ائتوا موضع حرثكم كيف شئتم، وإنما قيل لهم كيف شئتم، لأن اليهود كانت تقول: إذا جامع الرجل المرأة من خلف خرج الولد أحول، فأعلم اللّه أن الجماع إذا كان في الفرج حلال على كل جهة.
وقوله عزّ وجلّ: {وقدّموا لأنفسكم واتّقوا اللّه} أي: اتقوا الله فيما حدّ لكم من الجماع وأمر الحيض،
{وقدّموا لأنفسكم}
أي: قدموا طاعته واتباع أمره، فمن اتبع ما أمر الله به فقد قدّم لنفسه خيرا). [معاني القرآن: 1/298]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم}أي: موضع حرث لكم كما تقول هذه الدار منفعة لك أي مكان نفع لك فالمعنى أنكم تحرثون منهن الولد). [معاني القرآن: 1/185]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فأتوا حرثكم أنى شئتم}
أصح ما روي في هذا أن مالك بن أنس وسفيان وشعبة رووا عن محمد بن المنكدر عن جابر أن اليهود قالوا من أتى امرأة في فرجها من دبرها خرج ولدها أحول فأنزل الله: {نساوكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}.
وكذلك قال مجاهد: قائمة وقاعدة ومقبلة ومدبرة في الفرج .
وروى أبو إسحاق عن زايدة عن عميرة قال: سألت ابن عباس عن العزل فقال: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} إن شئت فاعزل وإن شئت فلا تعزل.
قال أبو جعفر وقال الضحاك: {أنى شئتم} متى شئتم.
ومعناه: من أين شئتم، أي: من أي الجهات شئتم
قال أبو جعفر: وأصل الحرث ما يخرج مما يزرع والله تعالى يخلق من النطفة الولد). [معاني القرآن: 1/185-186]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {واتقوا الله} فدل على العظة في أن لا يجاوزوا هذا). [معاني القرآن: 1/186]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وقدموا لأنفسكم} أي: الطاعة. وقيل في طلب الولد). [معاني القرآن: 1/186]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({نساؤكم حرث لكم} أي: هن لكم للولد بمنزلة الأرض للزارع.
{أنى شئتم} أي: كيف شئتم في موضع الولد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا...}
يقول: لا تجعلوا الحلف بالله مانعا معترضا {أن تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين النّاس} يقول: لا يمتنعنّ أحدكم أن يبرّ ليمين إن حلف عليها، ولكن ليكفّر يمينه ويأت الذي هو خير). [معاني القرآن: 1/144]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ولا تجعلوا الله عرضةً لأيمانكم) (224) أي نصباً). [مجاز القرآن: 1/73]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({عرضة لأيمانكم}: نصبا كقولك جعلت فلانا عرضة للناس). [غريب القرآن وتفسيره: 92]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا وتتّقوا} يقول لا تجعلوا اللّه بالحلف به - مانعا لكم من أن تبروا وتتقوا. ولكن إذا حلفتم على أن لا تصلوا رحما، ولا تتصدقوا، ولا تصلحوا، وعلى أشباه ذلك من أبواب البر -: فكفّروا، أوتوا الذي هو خير). [تفسير غريب القرآن: 85]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا تجعلوا اللّه عرضة لأيمانكم أن تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين النّاس واللّه سميع عليم}
موضع " أن " نصب بمعنى عرضة المعنى لا تعرضوا باليمين باللّه في أن تبروا - فلما سقطت " في " أفضى لمعنى الاعتراض، فنصب أن.
وقال غير واحد من النحويين إن موضعها جائز أن يكون خفضا وإن سقطت " في " لأن " أن " الحذف معها مستعمل، تقول جئت لأن تضرب زيدا، وجئت أن تضرب زيدا، فحذفت اللام مع " أن " ولو قلت جئت ضرب زيد تريد لضرب زيد لم يجز كما جاز مع " أن " لأن " أن " إذا وصلت - دل ما بعدها على الاستقبال.
والمعنى: كما تقول: جئتك أن ضربت زيدا، وجئتك أن تضرب زيدا، فلذلك جاز حذف اللام.
وإذا قلت: جئتك ضرب زيد لم يدل الضرب على معنى الاستقبال.

والنصب في " أن " في هذا الموضع هو الاختيار عند جميع النحويين.
ومعنى الآية: أنهم كانوا يعتلون في البر بأنهم حلفوا، فأعلم اللّه أن الإثم إنما هو في الإقامة على ترك البر والتقوى، وإن اليمين إذا كفرت فالذنب فيها مغفور، فقال عزّ وجلّ: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واللّه غفور حليم}). [معاني القرآن: 1/298-299]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس}
قال سعيد بن جبير ومجاهد وهذا لفظ سعيد وهو الرجل يحلف أن لا يبر ولا يصلي ولا يصلح فيقال له بر فيقول قد حلفت
والتقدير في العربية كراهة أن تبروا). [معاني القرآن: 1/187]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} أي: لا تجعلوا يمينكم به مانعا لكم {أن تبروا وتتقوا}، ولكن إذا حلفتم على ألا تطيعوا، أو على أن تعصوا، فكفروا وأطيعوا، ولا تعصوا. وقيل {عرضة} نصبا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({عُرْضَــةً}: حجة تصدون بها). [العمدة في غريب القرآن: 90]

تفسير قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لاّ يؤاخذكم اللّه بالّلغو في أيمانكم...}
فيه قولان:
يقال: هو ممّا جرى في الكلام من قولهم: لا والله، وبلى والله.
والقول الآخر: الأيمان أربع. فيمينان فيهما الكفّارة والاستغفار، وهو قولك: والله لا أفعل، ثم تفعل، ووالله لأفعلنّ ثم لا تفعل. ففي هاتين الكفارة والاستغفار [لأن الفعل فيهما مستقبل]. واللتان فيهما الاستغفار ولا كفّارة فيهما قولك: والله ما فعلت وقد فعلت، وقولك: والله لقد فعلت ولم تفعل. فيقال هاتان لغو؛ إذ لم تكن فيهما كفّارة. وكان القول الأوّل - وهو قول عائشة: إن اللغو ما يجرى في الكلام على غير عقد - أشبه بكلام العرب). [معاني القرآن: 1/144]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):{اللّغو}: لا والله، وبلى والله، وليس بيمينٍ تقتطع بها مالاً أو تظلم بها). [مجاز القرآن: 1/73]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({لاّ يؤاخذكم اللّه بالّلغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واللّه غفورٌ حليمٌ}
قال: {لاّ يؤاخذكم اللّه بالّلغو في أيمانكم} نقول: "لغوت في اليمين" فـ"أنا ألغو" "لغواً" ومن قال: "هو يمحا" قال: "هو يلغا" "لغواً" و"محواً".
وقد سمعنا ذلك من العرب. وتقول: "لغيت باسم فلان" فـ"أنا ألغى به" "لغى" أي: أذكره). [معاني القرآن: 1/141]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}: ذكر بعض الفقهاء أنه لا والله وبلى والله وكل يمين لا تقتطع بها مالا ولا تظلم بها أحدا، وقال آخرون هو أن يحلف الرجل على اليمين لا يرى أنه كما حلف. وقال بعضهم هو الحلف على المعصية). [غريب القرآن وتفسيره: 93]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم}،
واللغو في اليمين:
ما يجري في الكلام على غير عقد. ويقال: اللغو أن تحلف على الشيء ترى أنه كذلك وليس كذلك، يقول: لا يؤاخذكم اللّه بهذا، {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} أي: بما تحلفون عليه وقلوبكم متعمدة، وتعلمون أنكم فيه كاذبون). [تفسير غريب القرآن: 85]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واللّه غفور حليم}
فقيل في معنى اللغو غير قول،
1- قال بعضهم معناه:
" لا واللّه " و " بلى واللّه "
2- وقيل: إن معنى اللغو الإثم - فالمعنى لا يؤاخذكم اللّه بالإثم في الحلف إذا كفرتم.

وإنّما قيل له لغو لأن الإثم يسقط فيه إذا وقعت الكفارة.
وقوله عزّ وجلّ: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}أي: بعزمكم على ألا تبروا وألا تتقوا، وأن تعتلوا في ذلك بأنكم قد حلفتم، ويقال: لغوت ألغو لغوا، ولغوت ألغى لغوا، مثل محوت أمحو محوا، وأمحى، ويقال لغيت في الكلام ألغى لغى، إذا أتيت بلغو، وكل ما لا خير فيه مما يؤثم فيه أو يكون غير محتاج إليه في الكلام فهو لغو ولغى.
قال العجاج:
عن اللّغا ورفث التكلم
وجملة الحلف أنه على أربعة أوجه،
فوجهان: منها الفقهاء يجمعون أن
الكفارة فيهما واجبة، وهو قولك: واللّه لا أفعل أو واللّه لأفعلنّ، ففي هاتين الكفارة إذا آثر أن يخالف ما حلف عليه، إذا رأى غيره خيرا منه فهذا فيه الكفارة لا محالة.
ووجهان: أكثر الفقهاء لا يرون فيهما الكفارة، وهما قولك: " واللّه ما قد فعلت "،. وقد فعل أو " واللّه لقد فعلت " ولم يفعل.
فهذا هو كذب أكّده بيمين، فينبغي أن يستغفر اللّه منه، فهذا جملة ما في اليمين.
ويجوز أن يكون موضع " أن ": رفعا، فيكون المعنى: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم، أن تبروا وتتقوا وتصلحوا أولى، أي البر والتقى أولى، ويكون أولى محذوفا كما جاء حذف أشياء في القرآن.
لأن في الكلام دليلا عليها، يشبه هذا منه: {طاعة وقول معروف} أي: طاعة وقول معروف أمثل.
والنصب في أن والجر مذهب النحويين ولا أعلم أحدا منهم ذكر هذا المذهب ونحن نختار ما قالوه لأنه جيد، ولأن الاتباع أحب وإن كان غيره جائزا.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه سميع عليم}معناه: في هذا الموضع يسمع أيمانكم ويعلم ما تقصدون بها). [معاني القرآن: 1/299-300]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}
فيه أقوال:
قال أبو هريرة وابن عباس وهذا لفظ أبي هريرة لغو اليمين حلف الإنسان على الشيء يظن أنه كما حلف عليه فإذا هو غير ذلك.
وقال الحسن بهذا القول ومجاهد ومنصور ومالك.
وروى مالك وشعبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: لغو اليمين قول الإنسان لا والله وبلى والله، وقال بهذا الشعبي.
وقال سعيد بن جبير: هو الرجل يحلف في الأمر الحلال يحرمه.
وقال زيد بن أسلم قولا رابعا: قال وهو قول الرجل أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا أخرجني الله من مالي إن لم آتك غدا فلو أخذه بهذا لم يترك له شيئا
{ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}
قال نحو الرجل هو كافر هو مشرك لا يؤاخذه حتى يكون ذلك من قبله.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال قول عائشة لأن يحيى القطان قال حدثنا هشام بن عروة قال أخبرني أبي عن عائشة في قوله: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} قالت: نزلت في قول الرجل لا والله وبلى والله.
فهذا إخبار منها عن علمها بحقيقة ما نزلت فيه هذه الآية.
واللغو في اللغة: ما يلغى فيقول الرجل عند الغضب والعجلة لا والله وبلى والله مما يعقده عليه قلبه.
وقول أبي هريرة وابن عباس: غير خارج من ذا أيضا لأن الحالف إذا حلف على الشيء يظن أنه الذي حلف عليه فلم يقصده إلى غير ما حلف عليه فيحلف على ضده واليمينان لغو والله أعلم.
فأما قول سعيد بن جبير: فبعيد لأن ترك ما حلف عليه من حلال يحرمه إذا كفر فليس مذنبا معفوا عنه بل مثابا قابلا أمر الله.
وقول زيد بن أسلم: محال لأن قول الرجل أعمى الله بصري دعاء وليس بيمين
وقيل اللغو قد ألغي إثمه.
ثم قال تعالى: {والله غفور رحيم}أي: غفر لكم يمين اللغو فلم يأمركم فيها بكفارة ولا ألزمكم عقوبة {حليم} في تركه المعاجلة بالعقوبة لمن حلف كاذبا والله أعلم). [معاني القرآن: 1/187-191]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}
قال ابن جريج: قلت لعطاء قلت لشيء أعمده والله لا أفعله ولم أعقده قال وذلك أيضا مما كسبت قلوبكم وتلا {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}
قال عطاء: والتعقيد والله الذي لا إله إلا هو.

ففسر عطاء أن قوله والله لا أفعل مما اكتسبه القلب وفيه الكفارة وأن اليمين والله الذي لا إله إلا هو
وروى ابن نجيح عن مجاهد بما كسبت قلوبكم قال: بما عقدتم عليه). [معاني القرآن: 1/191-192]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ):{اللغو}: ما لم يكن باعتقاد منه). [ياقوتة الصراط: 180]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (واللغو في اليمين: أن يحلف على الشيء بتحققه، ثم يظهر له أنه بخلاف ذلك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({اللَّغْـــوِ}: ما لم تعقــده). [العمدة في غريب القرآن: 90]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 09:08 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 226 إلى 232]

{الَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)}

تفسير قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {تربّص أربعة أشهرٍ...}
التربّص إلى الأربعة, وعليه القرّاء, ولو قيل في مثله من الكلام: تربّصٌ أربعة أشهر كان صوابا كما قرءوا "أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسغبةٍ يتيما ذا مقربة" وكما قال {ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياء وأمواتا} والمعنى تكفتهم أحياء وأمواتا.
ولو قيل في مثله من الكلام: كفات أحياءٍ وأمواتٍ كان صوابا.
ولو قيل: تربصٌ: أربعة أشهر كما يقال في الكلام: بيني وبينك سير طويل: شهر أو شهران؛ تجعل السير هو الشهر، والتربّص هو الأربعة.
ومثله {فشهادة أحدهم أربع شهادات} وأربع شهادات.
ومثله {فجزاء مثل ما قتل من النعم} فمن رفع (مثل) فإنه أراد: فجزاؤه مثل ما قتل. قال: وكذلك رأيتها في مصحف عبد الله "فجزاؤه" بالهاء، ومن نصب (مثل) أراد: فعليه أن يجزي مثل ما قتل من النّعم.

{فإن فاءوا} يقال: قد فاءوا يفيئون فيئا وفيوءا. والفيء: أن يرجع إلى أهله فيجامع). [معاني القرآن: 1/145]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يولون}: يولى يحلف، من الأليّة وهي اليمين، ألوة، وأليّة اليمين قال أوس بن حجر:
علىّ أليّةٌ عتقت قديماً... فليس لها وإن طلبت مرام). [مجاز القرآن: 1/73]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فإن فاؤوا} أي: رجعوا عن اليمين). [مجاز القرآن: 1/73]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({لّلّذين يؤلون من نّسائهم تربّص أربعة أشهرٍ فإن فاءوا فإنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ}
قال: {لّلّذين يؤلون من نّسائهم} تقول: "آلى من امرأته" "يؤلي" "إيلاءً" و"ظاهر منها" "ظهاراً" كما تقول: "قاتل" "قتالاً".
{تربّص أربعة أشهرٍ}{لّلّذين يؤلون}
جعل ذلك لهم أجلا {فإن فاءوا} يعني: "فإن رجعوا" لأنك تقول: "فئت إلى الحقّ"). [معاني القرآن: 1/141]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({فاؤوا}: رجعوا عن اليمين). [غريب القرآن وتفسيره: 93]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({يؤلون من نسائهم}: يحلفون. يقال: أليت من امرأتي أولي إيلاء، إذا حلف أن لا يجامعها. والاسم الأليّة.
{فإن فاؤوا} أي: رجعوا إلى نسائهم). [تفسير غريب القرآن:85-86]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهر فإن فاءوا فإنّ اللّه غفور رحيم}
معنى (يؤلون): يحلفون، ومعناه في هذا الموضع: أن الرجل كان لا يريد المرأة فيحلف ألا يقربها أبدا، ولا يحب أن يزوجها غيره، فكان يتركها لا أيما ولا ذات زوج، كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية والإسلام، فجعل اللّه الأجل الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة آخر مداه نهاية أربعة أشهر، فإذا تمت أربعة أشهر ثم لم يفئ الرجل إلى امرأته، أي لم يرجع إليها، فإن امرأته بعد الأربعة - في قول بعضهم - قد بانت منه، ذكر الطلاق بلسانه أم لم يذكره.
وقال قوم: يؤخذ بعد الأربعة بأن يطلق أو يفيء.
ويقال آليت أولي إيلاء والية، والوّة، وإلوّة، و (إيل).
" والكسر أقل اللغات، ومعنى التربص في اللغة الانتظار.
وقال الذين احتجوا بأنه لا بد أن يذكر الطلاق بقوله عزّ وجلّ: {وإن عزموا الطلاق فإن اللّه سميع عليم}.
وقالوا {سميع} يدل على أنه استماع الطلاق في هذا الموضع، وهذا في اللغة غير ممتنع، وجائز أن يكون إنما ذكر {سميع} ههنا من أجل حلفه.
أي: اللّه قد سمع حلفه وعلم ما أراده، وكلا الوجهين في اللغة محتمل). [معاني القرآن: 1/300-301]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر}
قال أبو جعفر: والتقدير في العربية للذين يؤلون من اعتزال نسائهم، أي: أن يعدلوا نسائهم.
روى عطاء عن ابن عباس قال: كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنين وأكثر من ذلك فوقت الله لهم أربعة أشهر فمن كان إيلاءه منهم أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء.
وفي حديث ابن عباس أنهم كانوا يفعلون ذلك إذا لم يريدوا المرأة وكرهوا أن يتزوجها غيرهم ألوا أي حلفوا أن لا يقربوها فجعل الله الأجل الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة أربعة أشهر وإذا تمت ولم يفئ أي لم يرجع إلى وطء امرأته فقد طلقت في قول ابن مسعود وابن عباس.
وقرأ أبي بن كعب (فإن فاءوا فيهن)
وقال قوم: لا يكون موليا حتى يحلف على أكثر من أربعة أشهر فإذا تمت له أربعة ولم يجامع فيحنث في يمينه أخذ بالجماع أو الطلاق.
وروي هذا عن عمر وعلي وأبي الدرداء رواه مالك عن نافع عن ابن عمر.
وقال مسروق والشعبي: الفيء الجماع.
قال أبو جعفر: والفيء في اللغة: الرجوع فهو على هذا الرجوع إلى مجامعتها والطلاق مأخوذ من قولهم أطلقت الناقة فطلقت إذا أرسلتها من عقال أو قيد وكان ذات الزوج موثقة عند زوجها فإذا فارقها أطلقها من وثاق
ويدل على هذا أن أملك فلان معناه صير يملك المرأة إلا أن المستعمل أطلقت الناقة فطلقت وطلقت المرأة فطلقت وطلقت). [معاني القرآن: 1/192-194]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يؤلون} يحلفون ألا يقربوا نساءهم، والاسم الألية.
{فإن فاءوا} رجعوا إلى وطء نسائهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يُؤْلُونَ}: يحلفون.
{فَاؤُوا}: رجعوا). [العمدة في غريب القرآن: 91]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)}

تفسير قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ...}وفي قراءة عبد الله "بردتهن"). [معاني القرآن: 1/145]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يتربّصن}: والتّربّص (أن) لا تقدم على زوج حتى تقضى ثلاثة قروءٍ؛ واحدها: قرءٌ،
فجعله بعضهم (الحيضة)،
وقال بعضهم: الطهر، قال الأعشى:

وفي كل عام أنت جاشم غزوةٍ... تشدّ لأقصاها عزيم عزائكا
مؤرّثةٍ مالاً وفي الأصل رفعةً... لما ضاع فيها من قروء نسائكا
وكل قد أصاب، لأنه خروج من شيء إلى شيء فخرجت من الطهر إلى الحيض،
ومن قال: بل هو الطهر فخرجت من الحيض إلى الطهر. وأظنه أنا من قولهم: قد أقرأت النجوم، إذا غابت.

{وبعولتهنّ}: الأزواج، واحدها بعل.
{درجةٌ}: منزلة). [مجاز القرآن: 1/74]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك إن أرادوا إصلاحاً ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف وللرّجال عليهنّ درجةٌ واللّه عزيزٌ حكيمٌ}
قال: {ثلاثة قروءٍ} ممدودة مهموزة وواحدها "القرء" خفيفة مهموزة مثل: "القرع" وتقول: "قد أقرأت المرأة" "إقراءً" بالهمز، إذا صارت صاحبة حيض. وتقول: "ما قرأت حيضةً قط" مثل: "ما قرأت قرآناً". و: "قد قرأت حيضةً أو حيضتين" بالهمز، و"ما قرأت جنينا قطّ" مثلها. أي: ما حملت. و"القرء": انقطاع الحيض.
وقال بعضهم: "ما بين الحيضتين قال الشاعر:

ذراعي بكرةٍ أدماء بكرٍ = هجان اللّون لم تقرأ جنينا
وأما قول الشاعر:
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها = لما نسجتها من جنوبٍ وشمأل
فإن "المقراة": المسيل وليس بمهموز). [معاني القرآن: 1/141-142]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({ثلاثة قروء}: واحدها قرء.
وقال بعضهم: هو الحيض.
وقال آخرون: هو الطهر من الحيض وهما جميعا في اللغة،
يقال أقرت المرأة إذا حاضت وأقرأت إذا طهرت.
{وبعولتهن}: أزواجهن). [غريب القرآن وتفسيره:93-94]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} وهي الحيض: وهي: الأطهار أيضا. واحدها قرء. ويجمع على أقراء أيضا.
قال الأعشى:

وفي كلّ عم أنت جاشم غزوة تشدّ لأقصاها عزيم عزائكا
مورّثة مالا وفي الحيّ رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا فالقروء في هذا البيت الأطهار. لأنه لما خرج للغزو: لم يغش نساءه، فأضاع قروءهنّ، أي أطهارهن.
وقال النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم في المستحاضة: ((تقعد عن الصلاة أيام أقرائها))، يريد أيام حيضها قال الشاعر:
يا ربّ ذي ضغن عليّ فارض له قروء كقروء الحائض
فالقروء في هذا البيت: الحيض. يريد: أن عدواته تهيج في أوقات معلومة، كما تحيض المرأة لأوقات معلومة.
وإنما جعل الحيض قرأ والطهر قرأ: لأن أصل القرء في كلام العرب: الوقت. يقال: رجع فلان لقرئه، أي لوقته الذي كان يرجع فيه. ورجع لقارئه أيضا. قال الهذليّ:
كرهت العقر عقر بني شليل إذا هبّت لقارئها الرّياح
أي لوقتها. فالحيض يأتي لوقت، والطهر يأتي لوقت.
{ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} يعني: الحمل.
{وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ} في ذلك، يريد: الرجعة ما لم تنقض الحيضة الثالثة.
{ولهنّ على الأزواج مثل الّذي عليهنّ} للأزواج.
{وللرّجال عليهنّ} في الحق.
{درجةٌ} أي: فضيلة).
[تفسير غريب القرآن:86-87]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف وللرّجال عليهنّ درجة واللّه عزيز حكيم}
يقال طلقت المرأة طلاقا فهي طالق، وقد حكوا طلقت وقد زعم قوم أن تاء التأنيث حذفت من " طالقة " لأنه للمؤنث لاحظ للذكر فيه، وهذا ليس بشيء، لأن في الكلام شيئا كثيرا يشترك فيه المذكر والمؤنث لا تثبت فيه الهاء في المؤنث، نحو تولهم بعير ضامر، وناقة ضامر، وبعير ساعل وناقة ساعل، وهذا أكثر من أن يحصى.
وزعم سيبويه وأصحابه أن هذا وقع على لفظ التذكير صفة للمؤنث لأن المعنى شيء طالق، وحقيقته عندهم أنه على جهة النسب نحو قولهم امرأة مذكار ورجل مذكار، وامرأة مئناث ورجل مئناث، وإنما معناه ذات ذكران وذات إناث، وكذلك مطفل ذات طفل.
وكذلك طالق معناه ذات طلاق.
فإذا أجريته على الفعل قلت طالقة.
قال الأعشى:
أيا جارتا بيني فإنك طالقة... كذاك امور النّاس غاد وطارقة
وأما {ثلاثة قروء} فقد اختلف الفقهاء وأهل اللغة في تفسيرها وقد ذكرنا في هذا الكتاب جملة قول الفقهاء وجملة قول أهل اللغة:
فأما أهل الكوفة فيقولون: الأقراء الحيض،
وأما أهل الحجاز ومالك فيقولون: الأقراء الطهر،
وحجة أهل الكوفة في أن الأقراء و (القراء) والقروء الحيض ما يروى عن أم سلمة إنها استفتت لفاطمة بنت أبي حبيش وكانت
مستحاضة فقال - صلى الله عليه وسلم - ((تنتظر أيام أقرائها وتغتسل فيما سوى ذلك)) فهذا يعني أنّها تحبس عن الصلاة أيام حيضها ثم تغتسل فيما سوى أيام الحيض، وفي خبر آخر أن فاطمة سألته فقال: ((إذا أتى قرؤك فلا تصلي، فإذا مر فتطهّري)).
وصلّي ما بين القرء إلى القرء، فهذا مذهب الكوفيين، والذي يقويه من مذهب أهل اللغة أن الأصمعي كان يقول: القرء الحيض، ويقال أقرأت المرأة إذا حاضت.
وقال الكسائي والقراء جميعا: أقرأت المرأة إذا حاضت فهي مقرئ،
وقال القراء: أقرأت الحاجة إذا تأخرت.

وأنشدوا في القرء الحيض وهو بالوقت أشبه:
له قروء كقروء الحائض فهذا؛ هو مذهب أهل الكوفة في الأقراء، وما احتج به أهل اللغة مما يقوي مذهبهم،
وقال الأخفش أيضا: أقرأت المرأة إذا حاضت، وما قرأت حيضة ما ضمّت رحمها على حيضة.

وقال أهل الحجاز: الأقراء والقروء واحد، وأحدهما قرء، مثل قولك: فرع، وهما الأطهار، واحتجوا في ذلك بما يروى عن عائشة أنها قالت: الأقراء الأطهار، وهذا مذهب ابن عمرو ومالك، وفقهاء أهل المدينة، والذي يقوي مذهب أهل المدينة في أن الأقراء الأطهار.
قول الأعشى:
مورّثة مالا وفي الأصل رفعة... لما ضاع فيها من قروء نسائكا
فالذي ضاع هنا الأطهار لا الحيض.
وفي هذا مذهب آخر، وهو أن القرء الطهر، والقرء الحيض.
قال أبو عبيدة: إن القرء يصلح للحيض والطهر، قال وأظنه من أقرأت النجوم إذا غابت، وأخبرني من أثق به يدفعه إلى يونس أن الإقراء عنده يصلح للحيض والطهر، وذكر أبو عمرو بن العلاء أن القرء - الوقت، وهو يصلح للحيض ويصلح للطهر، ويقال: " هذا قارئ الرّياح ": لوقت هبوبها.
وأنشد أهل اللغة:
شنئث العقر عقر بني شليل... إذا هبت لقاريها الرياح
أي: لوقت هبوبها، وشدة بردها، ويقال " ما قرأت الناقة سلا قط! أي لم تضم رحمها على ولد، وقال عمرو بن كلثوم:
نريك إذا دخلت على خلاء... وقد أمنت عيون الكاشحينا
ذراعي عيطل أدماء بكر... هجين اللون لم تقرأ جنينا
وأكثر أهل اللغة يذهب إلى أنها: لم تجمع ولدا قط في رحمها وذكر قطرب هذا القول أيضا، وزاد في لم تقرأ جنينا أي لم تلقه مجموعا.
فهذا جميع ما قال الفقهاء وأهل اللغة في القرء.
والذي عندي أن القرء في اللغة الجمع، " وأن قولهم قريت الماء في الحوض من هذا، وإن كان قد ألزم الماء - فهو جمعته، وقولك قرأت القرآن، أي: لفظت به مجموعا، والقرد يقرئ، أي: يجمع ما يأكل في بيته، فإنما القرء اجتماع الدم في البدن، وذلك إنما يكون في الطهر، وقد يكون اجتماعه في الرحم، وكلاهما حسن وليس بخارج عن مذاهب الفقهاء، بل هو تحقيق المذهبين، والمقرأة الحوض الذي يقرأ فيه الماء أي يجمع، والمقرأ الإناء الذي يقرأ فيه الضيف.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ}.
قيل فيه: لا يحل لهن أن يكتمن أمر الولد لأنهن إن فعلن ذلك فإنما يقصدن إلى إلزامه غير أبيه.
وقد قال قوم هو الحيض. وهو بالولد أشبه لأن ما خلق الله في أرحامهن أدل على الولد، لأن اللّه جلّ وعزّ قال: {هو الّذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء}
وقال: (ثمّ خلقنا النّطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما) فوصف خلق الولد.
ومعنى: (إن كنّ يؤمنّ باللّه واليوم الآخر).
تأويله إن كن يصدقن باللّه وبما أرهب به وخوف من عذابه لأهل الكبائر فلا يكتمن، كما تقول لرجل يظلم إن كنت مؤمنا فلا تظلم، لا إنّه يقول له هذا مطلقا الظلم لغير المؤمن.
ولكن المعنى: إن كنت مؤمنا فينبغي أن يحجزك إيمانك عن ظلمي.
وقوله عزّ وجلّ: (وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك).
بعولة جمع بعل، مثل ذكر وذكورة، وعم وعمومة أشبه ببعل وبعولة.
ويقال في جمع ذكر ذكارة وحجر حجارة.
وإنما هذه الهاء زيادة مؤكدة معنى تأنيث الجماعة، ولكنك لا تدخلها إلا في الأمكنة التي رواها أهل اللغة، لا تقول في كعب كعوبة ولا في كلب كلابة، لأن القياس في هذه الأشياء معلوم، وقد شرحنا كثيرا مما فيه فيما تقدم من الكتاب.

ومعنى (في ذلك) أي: في الأجل الذي أمرن أن يتربصن فيه، فأزواج قبل انقضاء القروء الثلاثة أحق بردهن إن ردّوهنّ على جهة الإصلاح، ألا ترى قوله: (إن أرادوا إصلاحا).
ومعنى قوله عزّ وجلّ: (ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف) أي: للنساء مثل الذي عليهنّ بما أمر الله به من حق الرجل على المرأة.
وهو معنى (بالمعروف).
وقوله عزّ وجلّ: (وللرّجال عليهنّ درجة)معناه: زيادة فيما للنساء عليهن كما قال تعالى: (الرّجال قوّامون على النّساء بما فضّل اللّه بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم).
والمعنى: أن المرأة تنال من اللّذة من الرجل كما ينال الرجل، وله الفضل بنفقته وقيامه بما يصلحها.
وقوله عزّ وجلّ: (واللّه عزيز حكيم):معناه ملك يحكم بما أراد، ويمتحن بما أحب، إلا أن ذلك لا يكون إلا بحكمة بالغة - فهو عزيز حكيم فيما شرع لكم من ذلك). [معاني القرآن: 1/301-307]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}
وقال عمر وعلي ومعاذ وأبو الدرداء وأبو موسى: ثلاث حيض.
وقالت عائشة وزيد بن ثابت وابن عمر: ثلاثة أطهار.
ويحتج للقول الأول بان: عدة الأمة حيضتان وإنما عليها نصف ما على الحرة وقد قال عمر لو قدرت أن أجعلها حيضة ونصف حيضة لفعلت
والقرء عند أهل اللغة: الوقت فهو يقع لهما جميعا.
قال الأصمعي ويقال أقرأت الريح إذا هبت لوقتها
وحدثني أحمد بن محمد بن سلمة قال حدثنا محمود بن حسان النحوي قال حدثنا عبد الملك بن هشام عن أبي يزيد النحوي عن أبي عمرو بن العلاء قال من العرب من يسمي الحيض قرءا ومنهم من يسمي الطهر قرءا ومنهم من يجمعهما جميعا فيسمي الحيض مع الطهر قرءا). [معاني القرآن: 1/195-196]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن}
وقال ابن عمر وابن عباس: يعني الحبل والحيض.
وقال قتادة: علم أن منهن كواتم يكتمن ويذهبن بالولد إلى غيره فنهاهن الله عن ذلك). [معاني القرآن:1/196]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر} فليس هذا على أنه أبيح لمن لا يؤمن أن يكتم وإنما هذا كقولك إن كنت مؤمنا فاجتنب الإثم أي فينبغي أن يحجزك الإيمان عنه لأنه ليس من فعل أهل الإيمان). [معاني القرآن:1/196-197]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} وقال إبراهيم وقتادة في الإقراء الثلاثة والتقدير في العربية الأجل). [معاني القرآن: 1/197]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن أرادوا إصلاحا} أي: إن أراد الأزواج بردهن الإصلاح لا الإضرار
وروى يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس إن أرادوا إصلاحا وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا فنسخ ذلك فقال: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}). [معاني القرآن: 1/197-198]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} روى عكرمة عن ابن عباس في قوله عز وجل: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} قال: إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي.
وقال ابن زيد: يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم
ثم قال تعالى: {وللرجال عليهن درجة}
قال مجاهد: هو ما فضل الله به عليها من الجهاد وفضل ميراثه على ميراثها وكل ما فضل به عليها.
وقال أبو مالك: له أن يطلقها وليس لها من الأمر شيء). [معاني القرآن: 1/198-199]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ):(القُرُوءٍ): الأوقات، الواحد: قرء، وهو: الوقت يكون حيضا ، ويكون طهرا). [ياقوتة الصراط: 180]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (والقروء) الحيض،
وقال مالك: هي الأطهار،
وقال أهل اللغة: هو من الأضداد، وأصله الوقت.

{وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} يعني: لهم الرجعة ما لم تدخل في الحيضة الثالثة.
{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} أي: لهن على الأزواج مثل الذي للأزواج عليهن.
{وللرجال عليهن درجة} أي: فضيلة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 41]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({القرْء}: الحيض، الأطهار.
{بُعُولَتُهُنَّ}
: أزواجهن).
[العمدة في غريب القرآن: 91]

تفسير قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود اللّه...}
وفي قراءة عبد الله "إلا أن تخافوا" فقرأها حمزة على هذا المعنى "ألا أن يخافا" ولا يعجبني ذلك.
وقرأها بعض أهل المدينة كما قرأها حمزة.
وهي في قراءة أبّي
"إلا أن يظنّا ألاّ يقيما حدود الله" والخوف والظنّ متقاربان في كلام العرب.
من ذلك أن الرجل يقول: قد خرج عبدك بغير إذنك، فتقول أنت: قد ظننت ذاك، وخفت ذاك، والمعنى واحد. وقال الشاعر:

أتاني كلام عن نصيب بقوله * وما خفت يا سلاّم أنك عائبي
وقال الآخر:
إذا مت فادفنّي إلى جنب كرمة * تروّي عظامي بعد موتى عروقها
[ولا تدفننّي في الفلاة فإنني * أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها]
والخوف في هذا الموضع كالظنّ. رفع "أذوقها" كما رفعوا {وحسبوا ألا تكون فتنة} وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم ((أمرت بالسواك حتى خفت لأدردنّ)) كما تقول: ظنّ ليذهبنّ.
وما ما قال حمزة فإنه إن كان أراد اعتبار قراءة عبد الله فلم يصبه - والله أعلم - لأن الخوف إنما وقع على (أن) وحدها إذ قال: ألا يخافوا أن لا، وحمزة قد أوقع الخوف على الرجل والمرأة وعلى أن؛ ألا ترى أن اسمهما في الخوف مرفوع بما لم يسمّ فاعله. فلو أراد ألاّ يخاف على هذا، أو يخافا بذا، أو من ذا، فيكون على غير اعتبار قول عبد الله [كان] جائزا؛ كما تقول للرجل: تخاف لأنك خبيث، وبأنك، وعلى أنك....
وقوله: {فإن خفتم ألاّ يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما} يقال كيف قال: فلا جناح عليهما، وإنما الجناح - فيما يذهب إليه الناس - على الزوج لأنه أخذ ما أعطى؟ ففي ذلك وجهان:
1- أن يراد الزوج دون المرأة، وإن كانا قد ذكرا جميعا؛ في سورة الرحمن {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان} وإنما يخرج اللؤلؤ والمرجان من الملح لا من العذب. ومنه "نسيا حوتهما" وإنما الناسي صاحب موسى وحده.
ومثله في الكلام أن تقول: عندي دابّتان أركبهما وأستقى عليهما، وإنما يركب إحداهما ويستقى على الأخرى؛ وقد يمكن أن يكونا جميعا تركبان ويستقى عليهما. وهذا من سعة العربية التي يحتجّ بسعتها. ومثله من كتاب الله {ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله} فيستقيم في الكلام أن تقول: قد جعل الله لنا ليلا ونهارا نتعيّش فيهما وننام فيهما. وإن شئت ذهبت بالنوم إلى الليل وبالتعيّش إلى النهار.

والوجه الآخر: أن يشتركا جميعا في ألاّ يكون عليهما جناح؛ إذ كانت تعطي ما قد نفى عن الزوج فيه الإثم، أشركت فيه لأنها إذا أعطت ما يطرح فيه المأثم احتاجت هي إلى مثل ذلك. ومثله قول الله تبارك وتعالى: {فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه} وإنما موضع طرح الإثم في المتعجّل، فجعل للمتأخّر - وهو الذي لم يقصّر - مثل ما جعل على المقصّر. ومثله في الكلام قولك: إن تصدّقت سرّاً فحسن [وإن تصدّقت جهرا فحسن].
وفي قوله: {ومن تأخّر فلا إثم عليه} وجه آخر؛ وذلك أن يريد: لا يقولنّ هذا المتعجل للمتأخر: أنت مقصّر، ولا المتأخّر للمتعجل مثل ذلك، فيكون قوله: {فلا إثم عليه} أي: فلا يؤثّمنّ أحدهما صاحبه.
وقوله: {فلا جناح عليهما أن يتراجعا} يريد: فلا جناح عليهما في أن يتراجعا، (أن) في موضع نصب إذا نزعت الصفة، كأنك قلت: فلا جناح عليهما أن يراجعها، قال وكان الكسائيّ يقول: موضعه خفض. قال الفرّاء: ولا أعرف ذلك.
وقوله: {إن ظنّا أن يقيما} (أن) في موضع نصب لوقوع الظنّ عليها). [معاني القرآن: 1/145-148]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود الله} معناها: إلاّ أن يوقنا.
{فإن خفتم} ها هنا: فإن أيقنتم). [مجاز القرآن: 1/74]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({الطّلاق مرّتان} يقول: الطلاق الذي يملك فيه الرجعة تطليقتان.
{فإمساكٌ} بعد ذلك {بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} أي: تطليق الثالثة بإحسان.
{إلّا أن يخافا ألّا يقيما حدود اللّه} أي: يعلمان أنهما لا يقيمان حدود اللّه.
{فإن خفتم ألّا يقيما حدود اللّه} أي: علمتم ذلك، {فلا جناح عليهما} أي: لا جناح على المرأة والزوج {فيما افتدت به} المرأة نفسها من الزوج). [تفسير غريب القرآن: 88]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الطّلاق مرّتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئا إلّا أن يخافا ألّا يقيما حدود اللّه فإن خفتم ألّا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود اللّه فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود اللّه فأولئك هم الظّالمون}
{الطلاق} رفع بالابتداء، و {مرتان} الخبر، والمعنى الطلاق الذي تملك فيه الرجعة مرتان، يدل عليه {فإمساك بمعروف} المعنى: فالواجب عليكم إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
ولو كان في الكلام فإمساكا بمعروف كان جائزا.
على فأمسكوهن إمساكا بمعروف كما قال عزّ وجلّ: {فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف}، ومعنى {بمعروف} بما يعرف من إقامة الحق في إمساك المرأة.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئا} أي: مما أعطيتموهن من مهر وغيره.
وقوله عزّ وجلّ: {إلّا أن يخافا ألّا يقيما حدود اللّه}.
قرئت {يخافا}، ويحافا - بالفتح والضم - قال أبو عبيدة وغيره: معنى {إلّا أن يخافا} إلا أن يوقنا، وحقيقة قوله: {إلّا أن يخافا ألّا يقيما حدود اللّه} أن يكون الأغلب عليهما وعندهما أنهما على ما ظهر منهما من أسباب التباعد الخوف في أن لا يقيما حدود اللّه - ومعنى {حدود اللّه} ما حدّه الله جلّ وعزّ مما لا تجوز مجاوزته إلى غيره، وأصل الحدّ في اللغة المنع، يقال حددت الدار.
وحددت حدود الدار، أي بنيت الأمكنة التي تمنع غيرها أن يدخل فيها.
وحددت الرجل أقمت عليه الحد، والحد هو الذي به منع الناس من أن يدخلوا فيما يجلب لهم الأذى والعقوبة، ويقال أحدت المرأة على زوجها وحدت فهي حادّ ومحدّ، إذا امتنعت عن الزينة، وأحددت إليه النظر إذا منعت نظري من غيره وصرفته كله إليه، وأحددت السكين إحدادا.
قال الشاعر:
إن العبادي أحدّ فأسه... فعاد حدّ فأسه برأسه
وإنّما قيل للحديد حديد لأنه أمنع ما يمتنع به، والعرب تقول للحاجب والبواب وصاحب السجن: الحدّاد، وإنما قيل له حداد لأنه يمنع من يدخل ومن يخرج، وقول الأعشى:
فقمنا ولمّا يصح ديكنا... إلى خمرة عند حدّادها
أي: عند ربها الذي منع منها إلا بما يريد.
ومعنى: (فلا تعتدوها) أي: لا تجاوزوها). [معاني القرآن: 1/307-308]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {الطلاق مرتان}
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {الطلاق مرتان} قال: إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق الله في التطليقة الثالثة فإما يمسكها بمعروف فيحسن صحبتها وإما يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئا.
وقال عروة بن الزبير: كان الرجل يطلق امرأته ويرتجعها قبل أن تنقضي عدتها وكان ذلك له ولو فعله ألف مرة ففعل ذلك رجل مرارا فأنزل الله تعالى: {الطلاق مرتان} فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان منهم طلق أو لم يطلق.
والتقدير في العربية الطلاق الذي لا يملك مع أكثر منه الرجعة مرتان.
ويروى أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: فأين الثالثة؟: فقال: ((التسريح بإحسان))
ثم قال تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} أي: فالواجب عليكم إمساك بما يعرف أنه الحق {أو تسريح بإحسان} أي: يستهل أمرها بأن يطلقها الثالثة
والسرح في كلام العرب السهل). [معاني القرآن: 1/199-201]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} هذا في الخلع الذي بين الزوجين
قال أبو عبيدة: الخوف ههنا بمعنى اليقين.
قال أبو إسحاق: حقيقته عندي أن يكون الغالب عليهما الخوف من المعاندة.
قال ابن جريج: كان طاووس يقول يحل الفداء قال الله تعالى: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} ولم يكن يقول قول السفهاء لا تحل حتى تقول لا أغتسل من جنابة ولكنه كان يقول إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة.
والمعنى على هذه القراءة: إلا أن يخاف الزوج والمرأة
وقرأ الأعمش وأبو جعفر وابن وثاب والأعرج وحمزة (إلا أن يخافا) بضم الياء.
وفي قراءة (عبد الله إلا أن تخافوا) بالتاء.
وقيل المعنى على هاتين القراءتين: إلا أن يخاف السلطان ويكون الخلع إلى السلطان.
وقد قال بهذا الحسن قال شعبة قلت لقتادة عن من أخذ الحسن قوله لا يكون الخلع دون السلطان فقال: أخذه عن زياد وكان وليا لعمر وعلي رضي الله عنهما.
قال أبو جعفر: وأكثر العلماء على أن ذلك إلى الزوجين). [معاني القرآن: 1/201-203]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} وقد قال في موضع آخر {فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وآثما مبينا}
وروى معمر عن الزهري قال: لا يحل لرجل أن تختلع امرأته إلا أن يؤتى ذلك منها فإما أن يكون يؤتى ذلك منه يضارها حتى تختلع منه فإن ذلك لا يصلح.
وقال أهل الكوفة: حظر عليه ما كان ساقه إلى المرأة من الصداق في قوله تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} ثم أطلقه {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} فلا يحل له أن يأخذ أكثر مما ساقه إليها
وليس في الآية ما يدل على أنه لا يحل له أكثر مما أعطاها
وقول الزهري بين ويكون قوله: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} يبين قوله: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا}أي: لا تأخذوا منهن شيئا غصبا.
ومعنى {حدود الله}: ما منع منه والحد مانع من الاجتراء على الفواحش وأحدت المرأة امتنعت من الزينة ورجل محدود ممنوع من الخير والبواب حداد أي مانع ومعنى {فلا تعتدوها} فلا تتجاوزها). [معاني القرآن: 1/203-205]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الطلاق مرتان} أي: الطلاق الذي يملك فيه الرجعة تطليقتان، والثالثة هي قوله: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 41]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إن ظنّا أن يقيما حدود الله)} أي: أيقنا). [مجاز القرآن: 1/74]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه} يريد: إن علما أنهما يقيمان حدوده). [تفسير غريب القرآن: 88]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجا غيره فإن طلّقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه وتلك حدود اللّه يبيّنها لقوم يعلمون} أي: فإن طلقها الثالثة، لأن الثنتين قد جرى ذكرهما، أي: فلا تحل له حتى تتزوج زوجا غيره، وفعل الله ذلك لعلمه بصعوبة تزوج المرأة على الرجل، فحرم عليه التزوج بعد الثلاث لئلا يعجلوا بالطلاق، وأن يتثبتوا.
وقوله عزّ وجلّ: (بعد ذلك أمرا) يدل على ما قلناه.
وقوله عزّ وجلّ: {فإن طلّقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا} أي: فإن طلقها الزوج الثاني فلا جناح عليها وعلى الزوج الأول أن يتراجعا، وموضع أن نصب، المعنى لا يأثمان في أن يتراجعا.
فلما سقطت " في " وصل معنى الفعل فنصب - ويجيز الخليل أن يكون موضع أن خفضا على إسقاط " في " ومعنى إرادتها في الكلام.
وكذلك قال الكسائي.
والذي قالاه صواب لأن " أن " يقع فيها الحذف، ويكون جعلها موصولة عوضا مما حذف، ألا ترى أنك لو قلت لا جناح عليهما الرجوع لم يصلح.
والحذف مع أن سائغ فلهذا أجاز الخليل وغيره أن يكون موضع جر على إرادة في.

ومعنى (إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه)أي: إن كان الأغلب عليهما أن يقيما حدود اللّه.
وقوله عزّ وجلّ: (وتلك حدود اللّه يبيّنها لقوم يعلمون).
ويقرأ "نبينها" بالياء والنون جميعا.
(لقوم يعلمون) أي: يعلمون أن وعد اللّه حق وأن ما أتى به رسوله صدق). [معاني القرآن: 1/308-309]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} المعنى: فإن طلقها الثالثة.
وأهل العلم على أن: النكاح ههنا الجماع لأنه قال زوجا غيره فقد تقدمت الزوجية فصار النكاح الجماع إلا سعيد بن جبير فإنه قال: النكاح ههنا التزويج الصحيح إذا لم يرد إحلالها.
قال أبو جعفر: ويقوي القول الأول حديث النبي صلى الله عليه وسلم لا تحل له حتى تذوق العسيلة
وعن علي حتى يهزها به). [معاني القرآن: 1/205-207]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا}
روى منذر الثوري عن محمد بن علي عن علي رضوان الله عليه قال: ما أشكل علي شيء ما أشكلت هذه الآية في كتاب الله {فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا} فمازلت أدرس كتاب الله حتى فهمت فعرفت أن الرجل الآخر إذا طلقها رجعت إلى زوجها الأول إن شاء الله). [معاني القرآن: 1/207]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن ظنا أن يقيما حدود الله}
قال طاووس: إن ظنا أن كل واحد منهما يحسن عشرة صاحبه
وقال مجاهد: إن علما أن نكاحهما على غير دلسة). [معاني القرآن: 1/207-208]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون}أي: يعلمون أن أمر الله حق لا ينبغي أن يتجاوز). [معاني القرآن: 1/208]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا تمسكوهنّ ضراراً لّتعتدوا...}
كان الرجل منهم إذا طلّق امرأته فهو أحقّ برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثانية. وكان إذا أراد أن يضرّ بها تركها حتى تحيض الحيضة الثالثة ثم يراجعها، ويفعل ذلك في التطليقة الثانية. فتطويله لرجعتها هو الضرار بها). [معاني القرآن: 1/148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تمسكوهنّ ضراراً لتعتدوا}، كانوا إذا طلق أحدهم امرأته: فهو أحقّ برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة، فإذا أراد أن يضر بامرأته: تركها حتى تحيض الحيضة الثالثة، ثم راجعها. ويفعل ذلك من التطليقة الثالثة. فتطويله عليها هو: الضّرار). [تفسير غريب القرآن: 88]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذا طلّقتم النّساء فبلغن أجلهنّ فأمسكوهنّ بمعروف أو سرّحوهنّ بمعروف ولا تمسكوهنّ ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوا واذكروا نعمت اللّه عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بكلّ شيء عليم} أي: وقت انقضاء عدتهن.
{فأمسكوهنّ بمعروف أو سرّحوهنّ بمعروف} أي: اتركوهن حتى ينقضي تمام أجلهن ويكن أملك بأنفسهن.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تمسكوهنّ ضرارا} أي: لا تمسكوهن وأنتم لا حاجة بكم إليهن، وقيل إنه كان الرجل يطلق المرأة ويتركها حتى يقرب انقضاء أجلها ثم يراجعها إضرارا بها، فنهاهم الله عن هذا الإضرار بهن.
وقوله عزّ وجلّ: {ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه}أي: عرّضها لعذاب اللّه عزّ وجلّ: لأن إتيان ما نهى اللّه عنه تعرض لعذابه، وأصل الظلم وضع الشيء - في غير موضعه وقد شرحنا ذلك.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوا} أي: ما قد بينه لكم من دلالاته، وعلاماته في أمر الطلاق وغيره.
وقيل في هذا قولان:
1- قال بعضهم: كان الرجل يطلّق ويعتق ويقول: كنت لاعبا، فأعلم الله عز وجل أن فرائضه لا لعب فيها،
2- وقال قوم: معنى {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوا} أي: لا تتركوا العمل بما حدّد اللّه لكم فتكونوا مقصرين لاعبين كما تقول للرجل الذي لا يقوم بما يكلفه، - ويتوانى فيه: إنما أنت لاعب).
[معاني القرآن: 1/309-310]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف} أجلهن وقت انقضاء العدة
ومعنى {فبلغن أجلهن}: على قرب البلوغ كما تقول إذا بلغت مكة فاغتسل قبل أن تدخلها). [معاني القرآن: 1/208]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا}
روى أبو الضحاك عن مسروق ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا .
قال يطلقها حتى إذا كادت تنقضي عدتها راجعها أيضا ولا يريد إمساكها ويحبسها فذلك الذي يضار ويتخذ آيات الله هزوا .
وقال مجاهد وقتادة نحوه). [معاني القرآن: 1/209]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه} أي: عرضها لعذاب الله). [معاني القرآن: 1/210]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولا تتخذوا آيات الله هزوا}
يروى عن الحسن أن الرجل كان يطلق ثم يقول إنما كنت لاعبا فنزل هذا.
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والعتاق والرجعة))
وقيل من طلق امرأته فوق ثلاثة فقد اتخذ آيات الله هزوا.
وروي عن عائشة أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يقول: والله لا أورثك ولا أدعك وكيف ذاك وقال إذا كدت تقضين عدتك راجعتك فنزلت: {ولا تتخذوا آيات الله هزوا}
قال أبو جعفر: وهذا من أجود هذه الأقوال لمجيئها بالعلة التي أنزلت من أجلها الآية والأقوال كلها داخلة في معنى الآية لأنه يقال لمن سخر من آيات الله اتخذوها هزوا ويقال ذلك لمن كفر بها ويقال ذلك لمن اطرحها ولم يأخذ بها وعمل بغيرها فعلى هذا تدخل هذه الأقوال في الآية
وآيات الله دلائله وأمره ونهيه). [معاني القرآن: 1/210-212]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فلا تعضلوهنّ...}
يقول: فلا تضيّقوا عليهنّ أن يراجعن أزواجهنّ بمهر جديد إذا بانت إحداهنّ من زوجها، وكانت هذه أخت معقل، أرادت أن تزوّج زوجها الأوّل بعدما انقضت عدّتها فقال معقل لها: وجهي من وجهك حرام إن راجعته، فأنزل الله عز وجل: {فلا تعضلوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ}.
وقوله: {ذلك يوعظ به} ولم يقل: ذلكم، وكلاهما صواب. وإنما جاز أن يخاطب القوم "بذلك" لأنه حرف قد كثر في الكلام حتى توهّم بالكاف أنها (من الحرف) وليست بخطاب.
ومن قال "ذلك" جعل الكاف منصوبة وإن خاطب امرأة أو امرأتين أو نسوة.
ومن قال "ذلكم" أسقط التوهّم، فقال إذا خاطب الواحد: ما فعل ذلك الرجل، وذلك الرجلان، وأولئك الرجال. [و] يقاس على هذا ما ورد. ولا يجوز أن تقول في سائر الأسماء إذا خاطبت إلا بإخراج المخاطب في الاثنين والجميع والمؤنّث؛ كقولك للمرأة: غلامك فعل ذلك؛ لا يجوز نصب الكاف ولا توحيدها في الغلام؛ لأن الكاف ههنا لا يتوهّم أنها من الغلام. ويجوز أن تقول: غلامك فعل ذاك وذاك، على ما فسّرت لك: من الذهاب بالكاف إلى أنها من الاسم).
[معاني القرآن: 1/148-149]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فبلغن أجلهنّ}: منتهى كل قرءٍ أو شهر، فإذا فبلغن أجلهن {فلا تعضلوهنّ}في هذا الموضع: منتهى العدّة الوقت الذي وقّت الله؛ ثم قال: {تراضوا بينهم بالمعروف} أي تزويجاً صحيحاً؛ {لا تعضلوهنّ} أي لا تحبسوهن، ونرى أن أصله من التعضيل). [مجاز القرآن: 1/75]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإذا طلّقتم النّساء فبلغن أجلهنّ فلا تعضلوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن باللّه واليوم الآخر ذالكم أزكى لكم وأطهر واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون}
قال: {فلا تعضلوهنّ} ينهى أزواجهن أن يمنعوهن من الأزواج.
وقال: {ذلك يوعظ به} و{ذالكم أزكى لكم وأطهر} لأنه خاطب رجالا،
وقال في موضع آخر "ذلكنّ الذي لمتنّني فيه" لأنه خاطب نساء، ولو ترك "ذلك " ولم يلحق فيها أسماء الذين خاطب كان جائزا. وقال: {من يأت منكنّ بفاحشةٍ مّبيّنةٍ يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على اللّه يسيراً} ولم يقل {ذلكنّ}
وقال: {فاستبشروا ببيعكم الّذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}.
وقال في المجادلة {ذلك خيرٌ لّكم وأطهر} وليس بأبعد من قوله: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} فخاطب ثم حدّث عن غائب لأن الغائب هو الشاهد في ذا المكان.
وقال: {هل أنبّئكم بشرٍّ مّن ذلك مثوبةً}).
[معاني القرآن: 1/142-143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({فلا تعضلوهن} أي: تمنعوهن من التزويج). [غريب القرآن وتفسيره: 94]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فلا تعضلوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ} أي: لا تحبسوهن. يقال: عضل الرجل أيّمه، إذا منعها من التزويج. {إذا تراضوا بينهم بالمعروف} يعني: تزويجا صحيحا). [تفسير غريب القرآن: 88]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذا طلّقتم النّساء فبلغن أجلهنّ فلا تعضلوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن باللّه واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون}
{فلا تعضلوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ}
هذا مخاطبة للأولياء، وفي هذا دليل أن أمر الأولياء بين.
لأنّ المطلّقة التي تراجع إنما هي مالكة بضعها إلا أن الولي لا بد منه، ومعنى {تعضلوهنّ}: تمنعوهنّ وتحبسوهنّ، من أن ينكحن أزواجهنّ.
والأصل في هذا: فيما روي أن معقل بن يسار طلق أخته زوجها، فأبى معقل بن يسار أن يزوجها إيّاه، ومنعها بحقّ الولاية من ذلك، فلما نزلت هذه الآية تلاها عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال معقل: رغم أنفي لأمر اللّه.
وأصل العضل من قولهم: عضلت الدجاجة، فهي معضل، إذا احتبس بيضها ونشب فلم يخرج، ويقال عضلت الناقة أيضا، فهي معضل إذا احتبس ما في بطنها...
وقوله عزّ وجلّ: {ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن باللّه واليوم الآخر}أي: بأمر الله الذي تلا عليكم، {يوعظ به من كان منكم يؤمن باللّه واليوم الآخر}، أي: من صدق بأمر اللّه ووعيده والبعث وأطاع اللّه في هذه الحدود.
وقال {ذلك يوعظ به} وهو يخاطب جميعا، وقد شرحنا القول فيه فيما تقدم.
وقال بعض أهل اللغة: إنه توهّم أنّ ذا مع المعارف كلمة واحدة.
ولا أدري - من غير قائل هذا - بهذا التوهم. الله خاطب العرب بما يعقلونه وخاطبهم بأفصح اللغات، وليس في القرآن توهم، تعالى اللّه - عن هذا، وإنما حقيقة ذلك وذلكم مخاطبة الجميع، فالجميع لفظه لفظ واحد، فالمعنى ذلك أيها القبيل يوعظ به من كان منكم يؤمن باللّه، وقوله عزّ وجلّ بعد هذا.
{ذلكم أزكى لكم وأطهر}
يدل على أنّ " ذلك " - و " ذلكم " مخاطبة للجماعة.
ومعنى {واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون} أي: الله يعلم ما لكم فيه الصلاح في العاجل والآجل، وأنتم غير عالمين إلا بما أعلمكم). [معاني القرآن: 1/310-311]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن}
روى سماك بن حرب عن ابن أخي معقل عن معقل بن سنان أو يسار وقال لي الطحاوي وهو معقل بن سنان أن أخته كانت عند رجل فطلقها ثم أراد أن يرجعها فأبى عليه معقل فنزلت هذه الآية: {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف}.
قال أبو جعفر: ومعنى لا تعضلوهن في اللغة لا تحسبوهن.
وحكى الخليل دجاجة معضل، أي: قد احتبس بيضها .
وقد قيل في معنى هذه الآية أن انهي للأزواج لأن المخاطبة لهم مثل قوله: {ولا تمسكوهن ضرارا}
وقد يجوز أن يكون:للأولياء وخوطبوا بهذا لأنهم ممن يقع لهم هذا وقد تقدم أيضا نهي الأزواج.
والأجود: أن يكون لهما جميعا ويكون الخطاب عاما أي يا أيها الناس إذا طلقتم النساء فلا تعضلوهن.
قال أبو جعفر: وحقيقة فلا تعضلوهن فلا تضيقوا عليهن بمنعكم إياهن أيها الأولياء في مراجعة أزواجهن.
وتقول عضل يعضل وعضل يعضل ومنه الداء العضال الذي لا يطاق علاجه لضيقه عن العلاج
ومعنى والله يعلم أي ما لكم فيه الصلاح). [معاني القرآن: 1/212-214]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تعضلوهن} أي: تحبسوهن عن التزويج). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 41]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تَعْضُلُوهُـــنَّ}: تمنعوهـــن). [العمدة في غريب القرآن: 91]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 09:11 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 233 إلى 245]

{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)}

تفسير قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {الرّضاعة...}
القرّاء تقرأ بفتح الراء.
وزعم الكسائيّ أن من العرب من يقول: الرضاعة بالكسر.
فإن كانت فهي بمنزلة الوكالة والوكالة، والدّلالة والدّلالة، ومهرت الشيء مهارة ومهارة؛ والرّضاع والرّضاع فيه مثل ذلك إلا أن فتح الراء أكثر، ومثله الحصاد والحصاد).
[معاني القرآن: 1/149]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لا تضارّ والدةٌ بولدها} يريد: لا تضارّر، وهو في موضع جزم. والكسر فيه جائز "لا تضارّ والدة" ولا يجوز رفع الراء على نيّة الجزم، ولكن نرفعه على الخبر.
وأمّا قوله: {وإن تصبروا وتتّقوا لا يضرّكم كيدهم شيئا} فقد يجوز أن يكون: رفعا على نيّة الجزم؛ لأن الراء الأوّلى مرفوعة في الأصل، فجاز رفع الثانية عليها، ولم يجز {لا تضارّ} بالرفع لأن الراء إن كانت تفاعل فهي مفتوحة، وإن كانت تفاعل فهي مكسورة. فليس يأتيها الرفع إلا أن تكون في معنى رفع. وقد قرأ عمر بن الخطّاب "ولا يضار كاتب ولا شهيد".

ومعنى {لا تضارّ والدةٌ بولدها} يقول: لا ينزعنّ ولدها منها وهي صحيحة لها لبن فيدفع إلى غيرها.
{ولا مولودٌ لّه بولده}
يعني الزوج. يقول: إذا أرضعت صبيّها وألفها وعرفها فلا تضارّنّ الزوج في دفع ولده إليه).
[معاني القرآن: 1/149-150]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا تضارّ والدةٌ بولدها} رفعٌ، خبر، ومن قال: {لا تضارّ} بالنصب؛ فإنما أراد {لا تضارر}، نهىٌ). [مجاز القرآن: 1/75]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف لا تكلّف نفسٌ إلاّ وسعها لا تضارّ والدةٌ بولدها ولا مولودٌ لّه بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ مّنهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما وإن أردتّم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلّمتم مّا آتيتم بالمعروف واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ}
قال: {حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة} لأنه يقول: "بيني وبينك رضاعةٌ" و"رضاعٌ" وتقول: "اللّؤم والرّضاعة" وهي في كل شيء مفتوحة.
وبعض بني تميم يكسرها إذا كانت في الارتضاع يقول "الرّضاعة".

وقال: {لا تكلّف نفسٌ إلاّ وسعها لا تضارّ والدةٌ} رفع على الخبر يقول: "هكذا في الحكم أنه لا تضارّ والدةٌ بولدها" يقول: "ينبغي" فلما حذف "ينبغي" وصار "تضارّ" في موضعه صار على لفظه. ومثله: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً} فخبر {والّذين يتوفّون}{يتربّصن} بعد موتهم" ولم يذكر "بعد موتهم" كما يحذف بعض الكلام يقول: "ينبغي لهنّ أن يتربّصن" فلما حذف "ينبغي" وقع "يتربّصن" موقعه. قال الشاعر:
على الحكم المأتيّ يوماً إذا قضى = قضيّته أن لا يجور ويقصد
فرفع "ويقصد" على قوله: "وينبغي". ومن جعل {لا تضارّ} على النهي قال: {لا تضارّ} على النصب وهذا في لغة من لم يضعف فأما من ضعف فإنه يقول {لا تضارر} إذا أراد النهي لأن لام الفعل ساكنة إذا قلت "لا تفاعل" وأنت تنهي. إلا أن "تضار" ههنا غير مضعفة لأن ليس في الكتاب إلا راء واحدة). [معاني القرآن: 1/143-144]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف} أي: على الزوج إطعام المرأة والوليد، والكسوة على قدر الجدة.
{لا تكلّف نفسٌ إلّا وسعها} أي: طاقتها.
{لا تضارّ والدةٌ بولدها} بمعنى: لا تضارر. ثم أدغم الراء في الراء. أي: لا ينزع الرجل ولدها منها فيدفعه إلى مرضع أخرى، وهي صحيحة لها لبن.
{ولا مولودٌ له بولده}يعني: الأب. يقال: إذا أرضعت المرأة صبيها وألفها، دفعته إلى أبيه: تضارّه بذلك.
{وعلى الوارث مثل ذلك} يقول: إذا لم يكن للصبي أب، فعلى وارثه نفقته.
و(الفصال): الفطام. يقال: فصلت الصبيّ، إذا فطمته. ومنه قيل للحوار - إذا قطع عن الرضاع -: فصيل. لأنه فصل عن أمه.
وأصل الفصل: التفريق).
[تفسير غريب القرآن: 89]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف لا تكلّف نفس إلّا وسعها لا تضارّ والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بما تعملون بصير}
اللفظ لفظ الخبر والمعنى الأمر كما تقول: حسبك درهم فلفظه لفظ الخبر، ومعناه اكتف بدرهم، وكذلك معنى الآية لترضع الوالدات يقال أرضعت المرأة فهي مرضعة،
(قولهم) امرأة مرضع بغير هاء، معناه ذات إرضاع، فإذا أردتم اسم الفاعل على أرضعت قلت مرضعة لا غير.

ويقال: رضع المولود يرضع، ورضع يرضع، والأولى أكثر وأوضح.
ويقال: الرضاعة والرضاعة - بالفتح والكسر - والفتح أكثر الكلام وأصحه، وعليه القراءة {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة}.
وروى أبو الحسن الأخفش أن بعض بني تميم تقول الرضاعة بكسر الراء،
وروى الكسر أيضا غيره، ويقال: الرّضاع والرضاع
ويقال: ما حمله على ذلك إلا اللؤم والرضاعة بالفتح لا غير ههنا.

ويقال: ما حمله عليه إلا اللؤم والرضع مثل. الحلف والرضع، يقالان جميعا.
ومعنى {حولين كاملين}: أربعة وعشرون شهرا، من يوم يولد إلى يوم يفطم، وإنما قيل: {كاملين} لأن القائل يقول: قد مضى لذلك عامان وسنتان فيجيز أن السنتين قد مضتا، ويكون أن تبقى منهما بقية، إذا كان في الكلام دليل على إرادة المتكلم فإذا قال: {كاملين} لم يجز أن تنقصا شيئا،
وتقرأ (لمن أراد أن تتم الرضاعة) و {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة} وهذا هو الحقّ في الرضاعة إلا أن يتراضيا - أعني الوالدين - في الفطام بدون الحولين ويشاورا في ذلك.

ومعنى {وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ} أي: على الزوج رزق المرأة المطلقة إذا أرضعت الولد وعليه الكسوة.
ومعنى {بالمعروف} أي: بما يعرفون أنه العدل على قدر الإمكان.
ومعنى {لا تكلّف نفس إلّا وسعها}أي: لا تكلف إلا قدر إمكانها.
وقوله عزّ وجلّ: {لا تضارّ والدة بولدها}قرئت على ضربين:
1- لا تضارّ والدة برفع الراء على معنى: لا تكلف نفس، على الخبر الذي فيه معنى الأمر،
2- ومن قرأ: {لا تضارّ والدة} بفتح الراء، فالموضع موضع جزم على النهي.

الأصل: لا تضارر، فأدغمت الراء الأولى في الثانية وفتحت الثانية لالتقاء السّاكنين، وهذا الاختيار في التضعيف إذا كان قبله فتح أو ألف الاختيار عضّ يا رجل، وضارّ زيدا يا رجل، ويجوز: لا تضار والدة بالكسر، ولا أعلم أحدا قرأ بها، فلا تقرأنّ بها، وإنما جاز الكسر لالتقاء السّاكنين لأنه الأصل في تحريك أحد السّاكنين.
ومعنى {لا تضارّ والدة بولدها}: لا تترك إرضاع ولدها غيظا على أبيه فتضرّ به لأن الوالدة، أشفق على ولدها من الأجنبية.
{ولا مولود له بولده}أي: لا يأخذه من أمه للإضرار بها فيضر بولده.
{وعلى الوارث مثل ذلك} أي: عليه ترك الإضرار.
وقوله عزّ وجلّ: {فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور}أي: فطاما وتراضيا بذلك بعد أن تشاورا وعلما أن ذلك غير مدخل على الولد ضررا.
{فلا جناح عليهما} أي: فلا إثم عليهما في الفصال على ما وصفنا.
وقوله عزّ وجلّ: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم}معناه: تسترضعوا لأولادكم غير الوالدة، فلا إثم عليكم.
{فلا جناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف} قيل فيه: إذا سلمتم الأمر إلى المسترضعة وقيل إذا أسلمتم ما أعطاه بعضكم لبعض من التراضي في ذلك). [معاني القرآن: 1/311-314]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين}
لفظه لفظ الخبر ومعناه معنى الأمر لما فيه من الإلزام
وروى ابن أبي ذئب عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن بعجة الجهني قال: تزوج رجل امرأة فولدت لستة أشهر فأتى عثمان بن عفان فذكر ذلك له فأمر برجمها فأتاه علي رضي الله عنه وقال إن الله يقول: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} وقال {وفصاله في عامين}.
وقال ابن عباس: فإذا ذهبت رضاعته فإنما الحمل في ستة أشهر.
والفائدة في {كاملين}: أن المعنى كاملين للرضاعة.
كما قال تعالى: {تلك عشرة كاملة} أي: من الهدي.
وقال تعالى: {فتم ميقات ربه أربعين ليلة} لأنه قد كان يجوز أن يأتي بعد هذا شيء آخر أو تكون العشرة ساعات.
ثم قال تعالى: {لمن أراد أن يتم الرضاعة} أي: ذلك وقت لتمام الرضاعة وليس بعد تمام الرضاعة رضاع). [معاني القرآن: 1/214-216]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وعلى المولود له} أي: على الأب الذي ولد له {رزقهن وكسوتهن} أي: رزق الأمهات وكسوتهن {بالمعروف} أي: لا تقصير في النفقة والكسوة ولا شطط). [معاني القرآن: 1/216]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {لا تضار والدة بولدها} على النهي
وقرا أبان عن عاصم {لا تضارر والدة} بكسر الراء الأولى.
وقيل المعنى: لا تدع رضاع ولدها لتضربه غيظا على أبيه.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير {لا تضار والدة} بالرفع على الخبر الذي فيه معنى الإلزام.
وروى يونس عن الحسن قال: يقول لا تضار زوجها فتقول لا أرضعه ولا يضارها فينزعه منها وهي تقول أنا أرضعه.
ثم قال تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك}
روى مجاهد عن ابن عباس قال: {وعلى الوارث} أن لا يضار.
وكذلك روي عن الشعبي والضحاك.
وروي عن عمر والحسين بن صالح وابن شبرمة وعلى الوارث مثل ذلك أي الكسوة والرضاع.
وروي عن الضحاك الوارث الصبي فإن لم يكن له مال فعلى عصبته وإلا أجبرت المرأة على رضاعه.
قال أبو جعفر: وزعم محمد بن جرير الطبري أن أولى الأقوال بالصواب قول قبيصة بن ذؤيب ومن قال بقوله أنه يراد بالوارث المولود وأن يكون مثل ذلك معنى مثل الذي كان على والده من رزق والدته وكسوتها بالمعروف وإن كانت من أهل الحاجة وهي ذات زمانة ولا احتراف لها ولا زوج وإن كانت من أهل الغنى والصحة فمثل الذي كان على والده لها من أجر الرضاعة ولا يكون غير هذا إلا بحجة واضحة لأن الظاهر كذا
قال أبو جعفر: والقول الأول أبين لأن الأب هو المذكور بالنفقة في المواضع كما قال: {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن} وكذا تجب عليه النفقة على ولده ما دام صغيرا كما تجب عليه ما دام رضيعا
ثم قال أبو حنيفة وأصحابه: {وعلى الوارث مثل ذلك} أي: الرضاع والكسوة والرزق إذا كان ذا رحم محرمة وليس ذلك في القرآن). [معاني القرآن: 1/217-220]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور}
قال مجاهد وقتادة: أي فطاما دون الحولين.
قال أبو جعفر: وأصل الفصال في اللغة التفريق والمعنى عن تراض من الأبوين ومشاورة ليكون ذلك عن غير إضرار منهما بالولد.
ثم قال: {فلا جناح عليهما} أي: فلا إثم). [معاني القرآن: 1/220-221]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم} أي: تسترضعوهم قوما
قال أبو إسحاق: أي: لأولادكم غير الوالدة.
{فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم} أي: سلمتم ما أعطيتم من ترك الإضرار.
وقال مجاهد: إذا سلمتم حساب ما أرضع به الصبي). [معاني القرآن: 1/221-222]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وسعها} طاقتها.
(والفصال) الفطام). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 41]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً يتربّصن...}
يقال: كيف صار الخبر عن النساء ولا خبر للأزواج، وكان ينبغي أن يكون الخبر عن (الذين)؟ فذلك جائز إذا ذكرت أسماء ثم ذكرت أسماء مضافة إليها فيها معنى الخبر أن تترك الأوّل ويكون الخبر عن المضاف إليه. فهذا من ذلك؛ لأن المعنى - والله أعلم - إنما أريد به: ومن مات عنها زوجها تربصت. فترك الأوّل بلا خبر،
وقصد الثاني؛ لأن فيه الخبر والمعنى.
قال: وأنشدني بعضهم:

بني أسد إنّ ابن قيس وقتله * بغير دم دار المذلّة حلّت
فألقى (ابن قيس) وأخبر عن قتله أنه ذلّ. ومثله:
لعلّي إن مالت بي الرّيح ميلة * على ابن أبي ذبّان أن يتندّما
فقال: لعلّي ثم قال: أن يتندما؛ لأن المعنى: لعلّ ابن أبي ذبّان أن يتندّم إن مالت بي الريح. ومثله قوله: {والذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا وصيّةً لأزواجهم} إلا أن الهاء من قوله: {وصيّة لأزواجهم} رجعت على {الذين} فكان الإعراب فيها أبين؛ لأن العائد من الذّكر قد يكون خبرا؛ كقولك: عبد الله ضربته.
وقال: {وعشراً} ولم يقل: "عشرة" وذلك أن العرب إذا أبهمت العدد من الليالي والأيام غلّبوا عليه الليالي حتى إنهم ليقولون: قد صمنا عشرا من شهر رمضان لكثرة تغليبهم الليالي على الأيام.
فإذا أظهروا مع العدد تفسيره كانت الإناث بطرح الهاء، والدّكران بالهاء؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {سخّرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ حسوما} فأدخل الهاء في الأيام حين ظهرت، ولم تدخل في الليالي حين ظهرن. وإن جعلت العدد غير متّصل بالأيام كما يتّصل الخافض بما بعده غلّبت الليالي أيضا على الأيّام. فإن اختلطا فكانت ليالي وأيام غلّبت التأنيث، فقلت: مضى له سبع، ثم تقول بعد: أيام فيها برد شديد. وأمّا المختلط فقول الشاعر:

أقامت ثلاثا بين يوم وليلة * وكان النكير أن تضيف وتجارا
فقال: ثلاثا وفيها أيام.
وأنت تقول: عندي ثلاثة بين غلام وجارية، ولا يجوز هاهنا ثلاث؛ لأن الليالي من الأيام تغلب الأيام.
ومثل ذلك في الكلام أن تقول:
عندي عشر من الإبل وإن عنيت أجمالا، وعشر من الغنم والبقر.
وكل جمع كان واحدته بالهاء وجمعه بطرح الهاء، مثل البقر واحدته بقرة، فتقول: عندي عشر من البقر وإن نويت ذكرانا. فإذا اختلطا وكان المفسّر من النوعين قبل صاحبة أجريت العدد فقلت: عندي خمس عشرة ناقة وجملا، فأنّثت لأنك بدأت بالناقة فغلّبتها. وإن بدأت بالجمل قلت: عندي خمسة عشر جملا وناقة. فإن قلت: بين ناقة وجمل فلم تكن مفسّرة غلّبت التأنيث، ولم تبال أبدأت بالجمل أو بالناقة؛ فقلت: عندي خمس عشرة بين جمل وناقة.
ولا يجوز أن تقول: عندي خمس عشرة أمة وعبدا، ولا بين أمة وعبد إلاّ بالتذكير؛ لأن الذكران من غير ما ذكرت لك لا يجتزأ منها بالإناث، ولأن الذكر منها موسوم بغير سمة الأنثى، والغنم والبقر يقع على ذكرها وأنثاها شاة وبقرة، فيجوز تأنيث المذكّر لهذه الهاء التي لزمت المذكّر والمؤنّث.

وقوله: {من خطبة النّساء} الخطبة مصدر بمنزلة الخطب، وهو مثل قولك: إنه لحسن القعدة والجلسة؛ يريد القعود والجلوس، والخطبة مثل الرسالة التي لها أوّل وآخر، قال: سمعت بعض العرب [يقول]: اللهم ارفع عنا هذه الضغطة، كأنه ذهب إلى أن لها أوّلا وآخرا، ولو أراد مرّة لقال: الضغطة، ولو أراد الفعل لقال الضغطة؛ كما قال المشية.
وسمعت آخر يقول: غلبني [فلان] على قطعةٍ لي من أرضي؛ يريد أرضا مفروزة مثل القطعة لم تقسم، فإذا أردت أنها قطعة من شيء [قطع منه] قلت: قطعة.

وقوله: {أو أكننتم} للعرب في أكننت الشيء إذا سترته لغتان: كننته وأكننته، قال: وأنشدوني قول الشاعر:
ثلاثٌ من ثلاث قدامياتٍ * من اللاتي تكنّ من الصقيع
وبعضهم [يرويه] تكنّ من أكننت. وأمّا قوله: "لؤلؤ مكنون" و"بيض مكنون" فكأنه مذهب للشيء يصان، وإحداهما قريبة من الأخرى). [معاني القرآن: 1/150-153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فإذا بلغن أجلهنّ} أي: منتهى العدة.
{فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف} أي: لا جناح عليهن في التزويج الصحيح). [تفسير غريب القرآن: 89]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهنّ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف واللّه بما تعملون خبير}
هذا للمتوفى عنها زوجها، عليها أن تنتظر بعد وفاته إذا كانت غير ذات حمل أربعة أشهر وعشرا لا تتزوج فيهن ولا تستعمل الزينة.
وقال النحويون في خبر (الذين) غير قول:
1- قال أبو الحسن الأخفش المعني يتربصن بعدهم أو بعد موتهم،
2- وقال غيره من البصريين أزواجهم يتربصن، وحذف أزواجهم لأن في الكلام دليلا عليه، وهذا إطباق البصريين وهو صواب.

3- وقال الكوفيون: وهذا القول قول الفراء وهو مذهبه أنّ الأسماء إذا كانت مضافة إلى شيء، وكان الاعتماد في الخبر الثاني، أخبر عن الثاني وترك " الإخبار عن الأول، وأغنى الإخبار عن الثاني عن الإخبار عن الأول.
قالوا: فالمعنى: وأزواج الذين يتوفون يتربصن.
وأنشد الفراء:
لعلّي إن مالت بي الرّيح ميلة... على ابن أبي ذبّان أن يتقدما
المعنى: لعل ابن أبي ذبّان أن يتقدم إليّ مالت بي الريح ميلة عليه.
وهذا القول غير جائز. لا يجوز أن يبدأ اسم ولا يحدّث عنه لأن الكلام إنما وضع للفائدة، فما لا يفيد فليس بصحيح، وهو أيضا من قولهم محال، لأن الاسم إنما يرفعه اسم إذا ابتدئ مثله أو ذكر عائد عليه، فهذا على قولهم باطل، لأنه لم يأت اسم يرفعه ولا ذكر عائد عليه.
والذي هو الحق في هذه المسألة عندي أن ذكر (الذين) قد جرى ابتداء وذكر الأزواج قد جرى متصلا بصلة الذين، فصار الضمير الذي في (يتربّصن) يعود على الأزواج مضافات إلى الّذين.. كأنك قلت: يتربّص أزواجهم، ومثل هذا من الكلام قولك الذي يموت ويخلف ابنتين ترثان الثلثين، المعنى ترث ابنتاه الثلثين.
ومعنى قوله عزّ وجلّ: {وعشرا} يدخل فيها الأيام.
زعم سيبويه أنك إذا قلت " لخمس بقين " فقد علم المخاطب أن الأيام داخلة مع الليالي، وزعم غيره أن لفظ التأنيث مغلّب في هذا الباب.
وحكى الفرّاء صمنا عشرا من شهر رمضان، فالصوم إنّما يكون في الأيّام ولكن التأنيث مغلّب في الليالي - لإجماع أهل اللغة " سرنا خمسا بين يوم وليلة "
أنشد سيبوبه:
فطافت ثلاثا بين يوم وليلة... يكون النكير أن تصيح وتجأرا
قال سيبوبه: هذا باب المؤنث الذي استعمل للتأنيث والتذكير، والتأنيث أصله، قال تقول: عندي ثلاث بطات ذكور وثلاث من الإبل ذكور، قال لأنك تقول: هذه إبل، وكذلك ثلاث من الغنم ذكور.
(قال) فإن قلت عندي ثلاثة ذكور من الإبل لم يكن إلا التّذكير، لأنك إنما ذكرت ذكورا ثم جئت تقول من الإبل بعد أن مضى - الكلام على التذكير، وليس بين النحويين البصريين والكوفيين خلاف في الذي ذكرنا من باب تأنيث هذه الأشياء فإن قلت عندي خمسة بين رجل وامرأة غلبت التذكير لا غير.
وقوله عزّ وجلّ: {فإذا بلغن أجلهنّ} أي: غاية هذه الأشهر والعشر.
{فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف}أي: لا جناح عليكم في أن تتركوهن - إذا انقضت هذه المدة – أن يتزوجن، وأن يتزين زينة لا ينكر مثلها.
وهذا معنى {بالمعروف} ). [معاني القرآن: 1/314-317]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا}
روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ {والذين يتوفون منكم} بفتح الياء فيهما جميعا ومعناه يتوفون أعمارهم أي يستوفونها والله أعلم). [معاني القرآن: 1/222]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا}
العشر: عدد الليالي إلا أنه قد علم أن مع كل ليلة يومها.
قال محمد بن يزيد: المعنى وعشر مدد وتلك المدة يوم وليلة.
وقيل إنما جعلت العدة للمتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا لأنه يتبين حملها إن كانت حاملا.
قال الأصمعي: ويقال إن ولد كل حامل يرتكض في نصف حملها فهي مركض.
وقال غيره: أركضت فهي مركض وأنشد:

ومركضة صريحي أبوها = تهان له الغلامة والغلام). [معاني القرآن: 1/222-223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإذا بلغن أجلهن}
قال الضحاك: أجلهن انقضاء العدة.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد {فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف} قال: النكاح الحلال الطيب). [معاني القرآن: 1/223-224]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولكن لاّ تواعدوهنّ سرّاً} يقول: لا يصفنّ أحدكم نفسه في عدّتها بالرغبة في النكاح والإكثار منه.
حدّثنا محمد بن الجهم قال حدّثنا الفرّاء قال حدثني حبّان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال: السرّ في هذا الموضع النكاح.
وأنشد عنه بيت امرئ القيس:

ألا زعمت بسباسة اليوم أنني * كبرت وألاّ يشهد السرّ أمثالي
قال الفرّاء: ويرى أنه مما كنى الله عنه قال: "أو جاء احد منكم من الغائط"). [معاني القرآن: 1/153]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} أي: في عدّتهن أن تقول: إني أريد أن أتزوجك وإن قضى شيء كان.
{لا تواعدوهنّ سرّاً} السّر: الإفضاء بالنكاح، قال الحطيئة:
ويحرم سرّ جارتهم عليهم... ويأكل جارهم أنف القصاع
أي: ما استأنفت؛ وقال رؤبة بن العجّاج:
فعفّ عن إسرارها بعد العسق
يعني: غشيانها، أراد الجماع. قال امرؤ القيس بن حجر الكنديّ:
ألا زعمت بسباسة اليوم أنّني... كبرت وألاّ يحسن السرّ أمثالي). [مجاز القرآن: 1/75-76]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء أو أكننتم في أنفسكم علم اللّه أنّكم ستذكرونهنّ ولكن لاّ تواعدوهنّ سرّاً إلاّ أن تقولوا قولاً مّعروفاً ولا تعزموا عقدة النّكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أنّ اللّه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أنّ اللّه غفورٌ حليمٌ}
قال: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} فـ"الخطبة" الذكر، و"الخطبة": التشهّد.
وقال: {ولكن لاّ تواعدوهنّ سرّاً} لأنه لما قال: {لا جناح عليكم} كأنه قال: "تذكرون {ولكن لاّ تواعدوهنّ سرّاً إلاّ أن تقولوا} استثناء خارج على "ولكن"). [معاني القرآن: 1/144-145]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({لا تواعدهن سرا}: ذكر الفقهاء أنه كناية عن الفجور). [غريب القرآن وتفسيره: 94]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء} وهو: أن يعرّض للمرأة في عدتها بتزويجه لها، من غير تصريح بذلك. فيقول لها: واللّه إنك لجميلة، وإنك لشابّة. وإن النساء لمن حاجتي، ولعل اللّه أن يسوق إليك خيرا. هذا وما أشبهه.
{ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا} أي: نكاحا.
يقول: لا تواعدوهن بالتزويج - وهن في العدة - تصريحا بذلك.
{إلّا أن تقولوا قولًا معروفاً}
: لا تذكرون فيه نكاحا ولا رفثا.

{ولا تعزموا عقدة النّكاح} أي: لا تواقعوا عقدة النكاح {حتّى يبلغ الكتاب أجله}، يريد: حتى تنقضي العدة التي كتب على المرأة أن تعتدّها. أي فرض عليها.
{واعلموا أنّ اللّه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه} أي: يعلم ما تحتالون به في ذلك على مخالفة ما أراد، فاحذروه). [تفسير غريب القرآن: 89-90]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ : {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء أو أكننتم في أنفسكم علم اللّه أنّكم ستذكرونهنّ ولكن لا تواعدوهنّ سرّا إلّا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النّكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أنّ اللّه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أنّ اللّه غفور حليم} المعنى: أنه لا جناح على الرجل أن يعرّض للمرأة التي هي في عدّة بالتزويج. والتعريض أن يقول إني فيك لراغب.
وإن قضى الله أمرا كان، وما أشبه هذا من القول.
ولا يجوز أن: يقطع أمر التزويج والمرأة لم تخرج من عدتها، ومعنى خطبة كمعنى خطب، أما خطبة فهو ماله أول وآخر نحو الرسالة، وحكي عن بعض العرب " اللهم ارفع عنا هذه الضغطة " فالضغطة ضغط له أول وآخر متصل.
ومعنى{أو أكننتم في أنفسكم}: يقال في كل شيء تستره أكننته وكننته، وأكننته فيما يستره أكثر، وما صنته تقول فيه كننته فهو مكنون.
قال اللّه عزّ وجلّ: {كأنّهنّ بيض مكنون} أي: مصون، وكل واحدة منهما قريبة من الأخرى.
وقوله عزّ وجلّ: {ولكن لا تواعدوهنّ سرّا}.
قال أبو عبيدة: السّر الإفصاح بالنكاح وأنشد:
ويحرم سرّ جارتهم عليهم... ويأكل جارهم أنف القصاع
وقال غيره: كأن السّر كناية عن الجماع - كما أن الغائط كناية عن الموضع وهذا القول عندي صحيح.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تعزموا عقدة النّكاح} معناه: لا تعزموا على عقد النكاح، وحذف " على " استخفافا كما تقول: ضرب زيد الظهر والبطن، معناه على الظهر والبطن،
وقال سيبويه: إن الحذف في هذه الأشياء لا يقاس.

وقوله عزّ وجلّ: {حتّى يبلغ الكتاب أجله} فعناه: حتى يبلغ فرض الكتاب أجله،
ويجوز أن يكون: الكتاب نفسه في معنى الفرض، فيكون المعنى حتى يبلغ الفرض أجله - كما قال: عزّ وجلّ: (كتب عليكم الصّيام) أي: فرض عليكم، وإنّما جاز أن يقع {كتب} في معنى فرض، لأن ما يكتب يقع في النفوس أنه ثبت، ومعنى هذا الفرض الذي يبلغ أجله أيام عدة المطلقة والمتوفي عنها زوجها).
[معاني القرآن: 1/317-318]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء}
روى مجاهد عن ابن عباس قال: هو أن يقول أريد أن أتزوج وكره أن يقول لا تسبقيني بنفسك في العدة.
وقال القاسم بن محمد: هو أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها: إنك علي لكريمة وإني فيك لراغب وإن الله لسائق إليك خيرا ورزقا ونحو هذا من القول.
وقالت: سكينة بنت حنظلة وكانت تحت ابن عم لها فتوفي فدخل علي أبو جعفر محمد بن علي وأنا في عدتي فسلم ثم قال: كيف أصبحت فقلت: بخير جعلك الله بخير فقال: أنا من قد علمت قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته من علي وحقي في الإسلام وشرفي في العرب قالت: فقلت له غفر الله لك يا أبا جعفر أنت رجل يؤخذ منك ويروى عنك تخطبني في عدتي قال: ما فعلت إنما أخبرتك بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية وتأيمت من أبي سلمة بن عبد الأسد وهو ابن عمها فلم يزل يذكر منزلته من الله حتى أثر الحصير في يده من شدة ما يعتمد عليه بيده فما كانت تلك خطبة.
ثم قال تعالى: {أو أكننتم في أنفسكم} قيل: من أمر النكاح.
ثم قال تعالى: {علم الله أنكم ستذكرونهن}
قال الحسن: أي في الخطبة.
وقال مجاهد: أي في نفسه.
ثم قال تعالى: {ولكن لا تواعدوهن سرا}
قال سعيد بن جبير: السر أن يعاقدها على أن لا تتزوج غيره.
وقال مجاهد: هو أن يقول لا تفوتيني بنفسك.
وقال أبو مجلز وإبراهيم والحسن هو الزنا
وقال أبو عبيدة هو الإفصاح في النكاح
قال محمد بن يزيد: قوم يجعلون السر زنا وقوم يجعلونه الغشيان وكلا القولين خطأ إنما هو الغشيان من غير وجهه قال الله تعالى: {ولكن لا تواعدوهن سرا} فليس هذا موضع الزنا
قال أبو جعفر: الذي قال محمد بن يزيد من أن السر الغشيان من غير وجهه عند أهل اللغة كما قال إلا أن الأشبه في الآية ما قال سعيد بن جبير أن المعنى لا تواعدوهن نكاحا فسمي النكاح سرا لأن الغشيان يكون فيه وزعم محمد بن جرير أن أولى الأقوال بالصواب أن السر الزنا ولا يصح قول من قال السر أن يقول لها لا تسبقيني بنفسك لأنه قول علانية فإن أراد أن يقال سرا قيل له فهو إذا مطلق علانية وهذا لا يقوله أحد ولا يكون السر النكاح الصحيح لأنه لا يكون إلا بولي وشاهدين وهذا علانية
ومعنى {ستذكرونهن}: ستذكرون خطبتهن ولكن لا تواعدوهن سرا يقال لها قد ذكرتك في نفسي وقد صرت زوجتي فيغرها بذلك حتى يصل إلى جماعها زنا.
ثم قال تعالى: {إلا أن تقولوا قولا معروفا}
قال مجاهد: هو التعريض.
وقال سعيد بن جبير: أن يقول لها إني لأرجو أن نجتمع وإني إليك لمائل.
وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس {ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله} حتى تنقضي العدة.
والتقدير في اللغة: حتى يبلغ فرض الكتاب ويجوز أن يكون الكتاب بمعنى الفرض تمثيلا.
ثم قال تعالى: {واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه}أي: يعلم ما تحتالون به). [معاني القرآن: 1/224-230]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لا تواعدهن سرا} نكاحا في العدة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 41]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({سِــــرّاً}: الزنـا النكــاح). [العمدة في غريب القرآن: 91]

تفسير قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (قوله: {ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره...}
بالرفع. ولو نصب كان صوابا على تكرير الفعل على النيّة، أي: ليعط الموسع قدره، والمقتر قدره.
وهو مثل قول العرب: أخذت صدقاتهم، لكل أربعين شاةً شاة؛ ولو نصبت الشاة الآخرة كان صوابا.

وقوله: {متاعاً بالمعروف} منصوب خارجا من القدر؛ لأنه نكرة والقدر معرفة. وإن شئت كان خارجا من قوله "ومتّعوهنّ" متاعاً ومتعة.
فأمّا {حقّاً} فإنه نصب من نيّة الخبر لا أنه من نعت المتاع.
وهو كقولك في الكلام: عبد الله في الدار حقاً.
إنما نصب الحق من نيّة كلام المخبر؛ كأنه قال: أخبركم خبرا حقا، وبذلك حقا؛ وقبيح أن تجعله تابعا للمعرفات أو للنكرات؛ لأن الحق والباطل لا يكونان في أنفس الأسماء؛ إنما يأتي بالأخبار.
من ذلك أن تقول: لي عليك المال حقّا، وقبيح أن تقول: لي عليك المال الحق، أو: لي عليك مال حقّ، إلا أن تذهب به إلى أنه حقّ لي عليك، فتخرجه مخرج المال لا على مذهب الخبر.

وكل ما كان في القرآن مما فيه من نكرات الحق أو معرفته أو ما كان في معنى الحق فوجه الكلام فيه النصب؛ مثل قوله "وعد الحق" و"وعد الصدق" ومثل قوله: {إليه مرجعكم جميعا وعد اللّه حقاً} هذا على تفسير الأوّل.
وأمّا قوله: {هنالك الولاية للّه الحقّ} فالنصب في الحقّ جائز؛ يريد حقّا، أي أخبركم أن ذلك حقّ.
وإن شئت خفضت الحقّ، تجعله من صفة الله تبارك وتعالى.
وإن شئت رفعته فتجعله من صفة الولاية.
وكذلك قوله: {وردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ} تجعله من صفة الله عز وجلّ. ولو نصبت كان صوابا، ولو رفع على نيّة الاستئناف كان صوابا؛ كما قال {الحقّ من ربّك
فلا تكوننّ من الممترين} وأنت قائل إذا سمعت رجلا يحدث: [حقّا أي] قلت حقا، والحقّ، أي ذلك الحقّ.
وأمّا قوله في ص {قال فالحقّ والحقّ أقول} فإن الفرّاء قد رفعت الأوّل ونصبته.
وروي عن مجاهد وابن عباس أنهما رفعا الأوّل وقالا تفسيره: الحقّ مني، وأقول الحق؛ فينصبان الثاني بـ "أقول". ونصبهما جميعا كثير منهم؛ فجعلوا الأوّل على معنى: والحقّ "لأملأنّ جهنّم" وينصب الثاني بوقوع القول عليه. وقوله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحقّ} رفعه حمزة والكسائيّ، وجعلا الحق هو الله تبارك وتعالى، لأنها في حرف عبد الله " ذلك عيسى بن مريم قال اللّه" كقولك: كلمة الله، فيجعلون (قال) بمنزلة القول؛ كما قالوا: العاب والعيب. وقد نصبه قوم يريدون: ذلك عيسى ابن مريم قولا حقّا).
[معاني القرآن: 1/153-155]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {المقتر} يقال: قد أقتر فلان، إذا كان كان مقّلاً، قال الشاعر:
ولا من ربيع المقترين رزئته... بذي علقٍ فاقنى حياءك واصبري). [مجاز القرآن: 1/76]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وعلى المقتر قدره}: المقتر المقل). [غريب القرآن وتفسيره: 94]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أو تفرضوا لهنّ فريضةً} يعني: المهر.
{ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} أي: أعطوهن متعة الطلاق على قدر الغنى والفقر). [تفسير غريب القرآن: 90]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضة ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقّا على المحسنين}
فقد أعلم الله في هذه الآية أن عقد التزويج بغير مهر جائز، وأنه لا إثم على من طلق من تزوج بها من غير مهر كما أنه لا إثم على من طلق من تزوج بمهر، وأمر بأن تمتع المتزوج بها بغير مهر إذا طلقت ولم يدخل بها فقال الله عزّ وجلّ: {ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره}.
و{قدره}، يقرآن جميعا، فقالوا إن التمتّع يكون بأشياء بأن تخدم المرأة وبأن تكسى، وبأن تعطى ما تنفقه، أيّ ذلك فعل يمتع، فذلك جائز له على قدر إمكانه.
وقوله عزّ وجلّ: {متاعا بالمعروف} أي: بما تعرفون أنه القصد وقدر الإمكان، ويجوز أن يكون نصب {متاعا بالمعروف}، على قوله: ومتعوهن متاعا، يجوز أن يكون: منصوبا على الخروج من قوله: على الموسع قدره متاعا أي ممتّعا متاعا.
وقوله عزّ وجلّ: {حقا على المحسنين}.
منصوب على حق ذلك عليهم حقا، كما يقال حققت عليه القضاء وأحققته، أي أوجبته). [معاني القرآن: 1/318-319]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن}
قال ابن عباس: الجماع.
{أو تفرضوا لهن فريضة} الفريضة ههنا المهر
قال أبو جعفر: وأصل الفرض الواجب كما قال كانت فريضة ما تقول قطيعتي ومنه فرض السلطان لفلان.
ثم قال تعالى: {ومتعوهن على الموسع قدره} وهو الغني {وعلى المقتر قدره} وهو الفقير.
قال سعيد بن جبير ومجاهد والضحاك: وهذا معنى قولهم في المطلقة قبل الدخول بها ولم يفرض لها صداق لها المتعة واجبة.
وقال شريح: لا يقضى عليه لأنه قال {حقا على المحسنين}). [معاني القرآن: 1/230-231]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْمُقْتـــِرِ}: المقــل). [العمدة في غريب القرآن: 91]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ...}
تماسّوهن وتمسّوهن واحد، وهو الجماع؛ المماسّة والمسّ.
وإنما قال {إلاّ أن يعفون} بالنون لأنه فعل النسوة، وفعل النسوة بالنون في كل حال.
يقال: هنّ يضربن، ولم يضربن، ولن يضربن؛ لأنك لو أسقطت النون منهن للنصب أو الجزم لم يستبن لهنّ تأنيث. وإنّما قالت العرب "لن يعفوا" للقوم، و"لن يعفوا" للرجلين لأنهم زادوا للاثنين في الفعل ألفا ونونا، فإذا أسقطوا نون الاثنين للجزم أو للنصب دلّت الألف على الاثنين. وكذلك واو يفعلون تدلّ على الجمع إذا أسقطت النون جزما أو نصبا.
{أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح}
وهو الزوج).
[معاني القرآن: 1/155]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلاّ أن يعفون} هن: يتركن، يهبن، عفوت لك عن كذا وكذا: تركته لك). [مجاز القرآن: 1/76]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم إلاّ أن يعفون أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ}
قال: {فنصف ما فرضتم}أي: فعليكم نصف ما فرضتم {إلاّ أن يعفون} وإن شئت نصبت {نصف ما فرضتم} على الأمر.
وقال: {وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم}
وقال بعضهم (ولا تناسوا)، وكلٌّ صوابٌ.
وقال بعضهم {ولا تنسوا الفضل} فكسر الواو لاجتماع الساكنين كما قال: {اشتروا الضّلالة}).
[معاني القرآن: 1/145]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فنصف ما فرضتم}: من المهر، أي: فلهن نصف ذلك {إلّا أن يعفون} أي: يهبن، {أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} يعني: الزوج.
وهذا في المرأة تطلّق من قبل أن يدخل بها، وقد فرض لها المهر فلها نصف ما فرض لها، إلّا أن تهبه، أو يتمم لها الزوج الصداق كاملا.
وقد قيل: إن الذي بيده عقدة النكاح: الأب. يراد: إلّا أن يعفو النساء عما يجب لهن من نصف المهر، أو يعفو الأب عن ذلك، فيكون عفوه جائزا عن ابنته.
{وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم} حضّهم اللّه على العفو). [تفسير غريب القرآن:90-91]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضة فنصف ما فرضتم إلّا أن يعفون أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إنّ اللّه بما تعملون بصير}أي: فعليكم نصف ما فرضتم، ويجوز النصب - {فنصف ما فرضتم}.
المعنى: فأدّوا نصف ما فرضتم، ولا أعلم أحدا قرأ بها فإن لم تثبت بها رواية فلا تقرأنّ بها.
وقوله عزّ وجلّ: {إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النّكاح} المعنى: إلا أن يعفو النساء أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح، وهو الزوج أو الولي إذا كان أبا.
ومعنى عفو المرأة: - أن تعفو عن النصف المواجب لها من المهر فتتركه للزوج، أو يعفو الزوج عن النصف فيعطيها الكل.
وموضع {أن يعفون} نصب بأن، إلا أن جماعة المؤنث في الفعل المضارع تستوي في الرفع والنصب، والجزم، وقد بيّنّا ذلك فيما سلف من الكتاب.
وقوله عزّ وجلّ: {وأن تعفوا أقرب للتّقوى ولا تنسوا الفضل بينكم}.
ظاهر هذا الخطاب للرجال خاصة دون النساء، وهو محتمل أن يكون للفريقين لأن الخطاب إذا وقع على مذكرين ومؤنثين غلب التذكير لأن الأول أمكن.
والأجود في قوله: {ولا تنسوا الفضل بينكم} الضم.
ويجوز {ولا تنسوا الفضل بينكم} - وقد شرحنا العلة فيه). [معاني القرآن: 1/319-320]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم}
فقال قوم لها المتعة مع ذلك كما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن وسعيد بن جبير:لكل مطلقة متعة.
وقال آخرون: لا متعة لها.
روي ذلك عن عبد الله بن عمرو وسعيد بن المسيب وعطاء والشعبي.
ثم قال تعالى: {إلا أن يعفون} قال الزهري والضحاك: المرأة إذا طلقت تدع النصف الذي جعل لها.
ثم قال تعالى: {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح}
حدثنا محمد بن إدريس بن أسود قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد قال حدثنا جرير وهو ابن حازم قال حدثنا عيسى بن عاصم عن شريح قال: سألني علي بن أبي طالب عن الذي بيده عقدة النكاح، قال: قلت هو الولي قال لا بل الزوج
وكذلك قال جبير بن مطعم وسعيد بن جبير ورواه قتادة عن سعيد بن المسيب.
وقال ابن عباس وعلقمة وإبراهيم: هو الولي يعنون الأب خاصة.
قال أبو جعفر: حديث علي إنما رواه عن شريح عيسى بن عاصم ورواه الجلة عن شريح من قوله منهم الشعبي وابن سيرين والنخعي.
وأصح ما روي فيه عن صحابي قول ابن عباس.
قرئ على عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الأزهر أحمد بن الأزهر قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا ابن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار قال: سمعت عكرمة يقول: قال ابن عباس إن الله رضي العفو وأمر به فإن عفت فذلك وإن عفا وليها الذي بيده عقدة النكاح وضنت جاز وإن أبت.
قال أبو جعفر: والذي يدل عليه سياق الكلام واللغة أنه الولي وهو الذي يجوز أن يعقد النكاح على المرأة بغير أمرها كما قال {ولا تعزموا عقدة النكاح} وإنما بيد الزوج أن يطلق
فإن قيل بيده عقدة نكاح نفسه فذا لا يناسب الكلام الأول وقد جرى ذكر الزوج في قوله: {وقد فرضتم لهن فريضة} فلو كان للزوج لقيل أو تعفو وهذا أشبه بسياق الكلام وإن كان يجوز تحويل المخاطبة إلى الإخبار عن غائب
فأما اللغة فتوجب: إذا أعطي الصداق كاملا أن لا يقال له عاف ولكن يقال له واهب لأن العفو إنما هو ترك الشيء وإذهابه ومنه عفت الديار والعافية دروس البلاء وذهابه ومنه عفا الله عنك.
ثم قال جل وعز: {وأن تعفو أقرب للتقوى} قيل يعنى به:الأزواج وقيل يعني به الذي بيده عقدة النكاح والنساء جميعا
هذا قول ابن عباس وهو حسن لأنه يقل وأن تعفون فيكون للنساء وأن يعفو فيكون للذي بيده عقدة النكاح). [معاني القرآن: 1/231-237]

تفسير قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى...}
في قراءة عبد الله "وعلى الصلاة الوسطى" فلذلك آثرت القرّاء الخفض، ولو نصب على الحثّ عليها بفعل مضمر لكان وجها حسنا.
وهو كقولك في الكلام: عليك بقرابتك والأمّ، فخصّها بالبرّ).
[معاني القرآن: 1/156]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({قانتين}: مطيعين). [غريب القرآن وتفسيره: 95]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({الصّلاة الوسطى} صلاة العصر. لأنها بين صلاتين في النهار، وصلاتين في الليل.
{وقوموا للّه قانتين} أي: مطيعين. ويقال: قائمين. ويقال: ممسكين عن الكلام.
والقنوت يتصرف على وجوه قد بينتها في «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 91]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وقوموا للّه قانتين}
قالوا: {الصلاة الوسطى} العصر - وهو أكثر الرواية، وقيل إنها الغداة وقيل إنها الظهر.
واللّه قد أمر بالمحافظة على جميع الصلوات إلا أن هذه الواو إذا جاءت مخصصة فهي دالة على الفضل للذي تخصصه كما قال: عز وجل: {من كان عدوّا للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال} فذكرا مخصوصين لفضلهما على الملائكة، وقال يونس النحوي في قوله عزّ وجلّ: {فيهما فاكهة ونخل ورمّان} إنما خص النخل والرمان وقد ذكرت الفاكهة لفضلها على سائرها.
وقوله عزّ وجلّ: {وقوموا للّه قانتين}.
القانت المطيع والقانت - الذاكر اللّه، كما قال عزّ وجلّ: {أمّن هو قانت آناء اللّيل ساجدا وقائما} وقيل القانت العابد - وقالوا في قوله عزّ وجلّ: (وكانت من القانتين) أي: العابدين.
والمشهور في اللغة والاستعمال: أن القنوت الدعاء في القيام، وحقيقة القانت أنه القائم بأمر اللّه، فالداعي إذا كان قائما خص بأن يقال له قانت،
لأنه ذاكر الله عزّ وجلّ وهو قائم على رجليه. فحقيقة القنوت العبادة والدعاء لله في حال القيام.
ويجوز أن: يقع في سائر الطاعة، لأنه إن لم يكن قياما بالرجلين فهو قيام بالشيء بالنية). [معاني القرآن: 1/320-321]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم وقوله عز وجل: {حافظوا على الصلوات} قال مسروق: على وقتها.
{والصلاة الوسطى}
روى جابر بن زيد ومجاهد وأبو رجاء عن ابن عباس قال: هي صلاة الصبح.
وكذا روى عنه عكرمة إلا أنه زاد عنه يصلي بين سواد الليل وبياض النهار.
وقيل: لأنها بين صلاتين من صلاة الليل وصلاتين من صلاة النهار.
وروى قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن بن زيد بن ثابت قال: هي الظهر.
وفيها قول ثالث هو: أولاها.
حدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا حاجب بن سليمان قال حدثنا محمد بن مصعب قال حدثنا أبو جزء عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله جل وعز: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} ((هي صلاة العصر))
وروى عبدة ويحيى بن الجزار وزر عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه قال: قاتلنا الأحزاب فشغلونا عن العصر حتى كربت الشمس أن تغيب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم املأ قلوب الذين شغلونا عن الصلاة الوسطى نارا واملأ بيوتهم نارا واملأ قبورهم نارا))
قال زر: قال علي: كنا نرى أنها صلاة الفجر.
وقيل لها الوسطى: لأنها بين صلاتين من صلاة الليل وصلاتين من صلاة النهار.
ثم قال تعالى: {وقوموا لله قانتين}
قال ابن عباس والشعبي: القنوت الطاعة.
وقال مجاهد: القنوت السكوت.
قال أبو جعفر: وهذان القولان يرجعان إلى شيء واحد لأن السكوت في الصلاة طاعة.
وحدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا عبد الله بن يحيى قال حدثنا يحيى أخبرنا يعلى هو ابن عتبة قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة فيكلم أحدنا صاحبه فيما بينه وبينه حتى نزلت هذه الآية {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين}فأمرنا بالسكوت.
وقيل: هو القنوت في الصبح وهو طول القيام.
وروى الجعفي عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد يعني الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل حرف في القرآن من القنوت فهو الطاعة)) ). [معاني القرآن: 1/237-242]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({قَانِتِيـــنَ}: طائعين قائمين). [العمدة في غريب القرآن: 91]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فرجال}: واحدها: راجل، مثل قيام وقائم). [مجاز القرآن: 1/76]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً فإذا أمنتم فاذكروا اللّه كما علّمكم مّا لم تكونوا تعلمون}
قال: {فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً} يقول: "صلّوا رجالاً أو صلّوا ركبانا"). [معاني القرآن: 1/145]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فإن خفتم فرجالا أو ركبانا}: الرجال الرجالة واحدها راجل مثل قائم وقيام). [غريب القرآن وتفسيره: 95]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فإن خفتم} يريد: إن خفتم عدوا، {فرجالًا} أي: مشاة، جمع راجل، مثل قائم وقيام. {أو ركباناً} يقول: تصلي ما أمنت قائما، فإذا خفت صلّيت: راكبا، وماشيا. والخوف هاهنا بالتّيقن، لا بالظن). [تفسير غريب القرآن: 92]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ومعنى: {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا اللّه كما علّمكم ما لم تكونوا تعلمون} أي: فصلوا ركبانا أو رجالا، ورجال جمع راجل ورجال، مثل صاحب وصحاب، أي إن لم يمكنكم أن تقوموا قانتين أي عابدين موفّين الصّلاة حقها لخوف ينالكم، فصلوا رجالا أو ركبانا.
وقوله عزّ وجلّ: {فإذا أمنتم فاذكروا اللّه كما علّمكم ما لم تكونوا تعلمون} أي: فإذا أمنتم فقوموا قانتين مؤدّين للفرض). [معاني القرآن: 1/321]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا}
روى أبو مالك عن ابن عباس أما رجالا فعلى أرجلكم إذا قاتلتم يصلي الرجل يومي برأسه أينما توجه.
وقال مجاهد: وكيف قدر). [معاني القرآن: 1/242]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَرِجَالاً}: رجالــة). [العمدة في غريب القرآن: 91]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيّةً...}
وهي في قراءة عبد الله: "كتب عليهم الوصية لأزواجهم" وفي قراءة أبيّ: "يتوفون منكم ويذرون أزواجا فمتاع لأزواجهم" فهذه حجّة لرفع الوصيّة.
وقد نصبها قوم منهم حمزة على إضمار فعل كأنه أمر؛ أي ليوصوا لأزواجهم وصيّة. ولا يكون نصبا في إيقاع "ويذرون" عليه.

{غير إخراجٍ} يقول: من غير أن تخرجوهن؛ ومثله في الكلام: أتيتك رغبة إليك.
ومثله: {وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوءٍٍ} لو ألقيت "من" لقلت: غير سوء. والسوء ههنا البرص.
حدّثنا محمد بن الجهم، قال حدّثنا الفرّاء، قال حدثنا شريك عن يزيد بن زياد عن مقسم عن ابن عباس أنه قال: من غير برص.
قال الفراء كأنه قال: تخرج بيضاء غير برصاء).
[معاني القرآن: 1/156]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيّةً لأزواجهم مّتاعاً إلى الحول غير إخراجٍ فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهنّ من مّعروفٍ واللّه عزيزٌ حكيمٌ}
قال: {وصيّةً لأزواجهم} كأنه [قال]: "لأزواجهم وصيّةٌ {مّتاعاً إلى الحول} ونصب {متاعاً} لأنه حين قال: {لأزواجهم}{وصيّةً} فكأنه قد قال: "فمتّعوهنّ" {متاعاً} فعلى هذا انتصب قوله: {مّتاعاً إلى الحول غير إخراجٍ} يقول "لا إخراجاً" أي: "متاعاً لا إخراجاً" أي: لا تخرجوهن إخراجاً. وزعموا أنها في حرف ابن مسعود {كتب عليكم وصيّةٌ لأزواجكم}). [معاني القرآن: 1/145-146]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (وقال بعضهم {وصيّةٌ لأزواجهم}(240) فنصب على الأمر [ورفع] أي: عليكم وصيةٌ بذلك " [و] "أوصوا لهنّ وصيّةً"). [معاني القرآن: 1/146]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا وصيّة لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهنّ من معروف واللّه عزيز حكيم}
{وصيّة لأزواجهم} و {وصية لأزواجهم} يقرءان جميعا.
فمن نصب أراد فليوصوا وصية لأزواجهم.
ومن رفع فالمعنى فعليهم وصية لأزواجهم.
{متاعا إلى الحول غير إخراج}أي: متعوهنّ متاعا إلى الحول، ولا تخرجوهن، وهذا منسوخ بإجماع.
نسخه ما قبله وقد بيناه.
وقيل إنه نسخته آية المواريث وكلاهما - أعني ما أمر الله به من تربص أربعة أشهر وعشرا، وما جعل لهن من المواريث قد نسخه). [معاني القرآن: 1/321]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج}
روى حبيب بن الشهيد عن ابن أبي ملكية عن ابن الزبير قال: قلت لعثمان الآية التي في البقرة {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم} لم أثبتها وقد نسختها الآية الأخرى قال يا ابن أخي لا أغير شيئا عن مكانه.
وروى حميد عن نافع عن زينب بنت أم سلمة كانت المرأة إذا توفي زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا حتى تمر سنة ثم تعطى بعرة فترمي بها فأنزل الله عز وجل: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول} يعني لنسائهم وكان للمرأة أن تسكن في بيت زوجها سنة وإن شاءت خرجت فاعتدت في بيت أهلها أو سكنت في وصيتها إلى الحول ثم نسخ بأربعة أشهر وعشر
وروى يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول} فنسخ ذلك بآية الميراث بما فرض الله من الربع والثمن ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشر.
وفي حديث الفريعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((امكثي في منزلك حتى يبلغ الكتاب أجله)) ). [معاني القرآن: 1/242-244]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وللمطلّقات متاعٌ بالمعروف}: كانوا إذا طّلقوا يمتعونها من المقنعة فما فوق ذلك؛ متعها وحمّمها، أي: أعطاها). [مجاز القرآن: 1/76]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ):
({وللمطلّقات متاعٌ بالمعروف حقّاً على المتّقين}

قال: {وللمطلّقات متاعٌ بالمعروف حقّاً} أي: أحقّ ذلك حقّاً). [معاني القرآن: 1/146]

تفسير قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تعقلون}
آياته علاماته ودلالاته على ما فرض عليكم، أي: مثل هذا البيان يبين لكم ما هو فرض عليكم، وما فرض عليكم.
ومعنى {لعلّكم تعقلون}: معنى يحتاج إلى تفسير يبالغ فيه، لأن أهل اللغة والتفسير أخبروا في هذا بما هو ظاهر، وحقيقة هذا أن العاقل ههنا أهو، الذي يعمل بما افترض عليه، لأنه إن فهم الفرض ولم يعمل به فهو جاهل ليس بعاقل، وحقيقة العقل هو استعمال الأشياء المستقيمة متى علمت، ألا ترى إلى قوله عزّ وجلّ: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالة ثمّ يتوبون من قريب}، لو كان هؤلاء جهالا غير مميزين ألبتّة لسقط عنهم التكليف، لأن الله لا يكلف من لا يميز، ويقال جهال وإن كانوا مميزين. لأنهم آثروا هواهم على ما علموا أنه الحق). [معاني القرآن: 1/321-322]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون}أي: لعلكم تتجنبون ما ليس بمستقيم كان العاقل الذي يعقل نفسه عما ليس بمستقيم). [معاني القرآن: 1/244]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم} على جهة التعجب.
كما تقول: ألا ترى ما يصنع فلان!!). [تفسير غريب القرآن: 92]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا ثمّ أحياهم إنّ اللّه لذو فضل على النّاس ولكنّ أكثر النّاس لا يشكرون}
معنى {ألم تر}: ألم تعلم، أي ألم ينته علمك إلى خبر هؤلاء وهذه الألف ألف التوقيف، و {تر} متروكة الهمزة، وأصله ألم ترء إلى الذين.
والعرب مجمعة على ترك الهمزة في هذا.

ونصب {حذر الموت} على أنه مفعول له والمعنى خرجوا لحذر الموت، فلما سقطت اللام نصب على أنه مفعول له وجاز أن يكون نصبه على المصدر، لأن خروجهم يدل على حذر الموت حذرا.
وقيل في تفسير الآية: إنهم كانوا ثمانية ألوف، أمروا في أيام بني إسرائيل إسرائيل أن يجاهدوا العدوّ، فاعتلوا بأن الموضع الذي ندبوا إليه ذو طاعون.
{فقال لهم اللّه موتوا} معناه: فأماتهم اللّه، ويقال إنهم أميتوا ثمانية أيام ثم أحيوا، وفي ذكر هذه الآية للنبي - صلى الله عليه وسلم - احتجاج على مشركي العرب وعلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى، أنه أنبأ أهل الكتاب بما لا يدفعون صحته، وهو لم يقرأ كتابا - صلى الله عليه وسلم -.
فالذين تلا عليهم يعلمون إنّه لم يقرأ كتابا وأنه أمي، فلا يعلم هذه الأقاصيص إلا بوحي، إذ كانت لم تعلم من كتاب فعلم مشركو العرب أن كل من قرأ الكتب يصدقه - صلى الله عليه وسلم - في إخباره أنها كانت في كتبهم، ويعلم العرب الذين نشأ معهم مثل ذلك وأنه ما غاب غيبة يعلّم في مثلها أقاصيص الأمم وأخبارها على حقيقة وصحة، وفي هذه الآية أيضا معنى الحث على الجهاد وأن الموت لا يدفع بالهرب منه.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّ اللّه لذو فضل على النّاس} أي: تفضل على هؤلاء بأن أحياهم بعد موتهم فأراهم البصيرة التي لا غاية بعدها.
وقوله عزّ وجلّ: يعقب هذه الآية:
{وقاتلوا في سبيل اللّه واعلموا أنّ اللّه سميع عليم}). [معاني القرآن: 1/322-323]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت}
قال ابن عباس: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا: نأتي أرضا ليس بها موت، فأماتهم الله فمر بهم نبي ودعا الله فأحياهم.
وقيل: إنهم ماتوا ثمانية أيام.
قال الحسن: أماتهم الله قبل آجالهم عقوبة ثم بعثهم إلى بقية آجالهم.
وقال الضحاك: خرجوا فرارا من الجهاد فأماتهم الله ثم أحياهم ثم أمرهم أن يرجعوا إلى الجهاد.
وذلك قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم}
قال أبو جعفر: وفي رواية ابن جريج وهم ألوف أنهم أربعون ألفا وهذا أشبه لأن ألوفا للكثير وآلافا للقليل وإن كان يجوز في كل واحد منهما ما جاز في الآخر.
وأما قول ابن زيد {ألوف} مؤتلفة قلوبهم فليس بمعروف.
والقياس في جمع ألف: أألف كأفلس إلا أنهم يشبهون فعلا بفعل فيما كان في أوله ألف أو واو نحو وقت وأوقات
وكذلك الياء نحو يوم وأيام وقد قيل أألف). [معاني القرآن: 1/244-247]

تفسير قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {وقاتلوا في سبيل اللّه واعلموا أنّ اللّه سميع عليم} أي: لا تهربوا من الموت كما هرب هؤلاء الذين سمعتم خبرهم، فلا ينفعكم الهرب.
ومعنى قوله عزّ وجلّ مع ذكر القتال: {واعلموا أنّ اللّه سميع عليم} أي: إن قلتم كما قال الذين تقدم ذكرهم بعلة الهرب من الموت سمع قولكم وعلم ما تريدون). [معاني القرآن: 1/323-324]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت}
قال ابن عباس: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا: نأتي أرضا ليس بها موت، فأماتهم الله فمر بهم نبي ودعا الله فأحياهم.
وقيل: إنهم ماتوا ثمانية أيام.
قال الحسن: أماتهم الله قبل آجالهم عقوبة ثم بعثهم إلى بقية آجالهم.
وقال الضحاك: خرجوا فرارا من الجهاد فأماتهم الله ثم أحياهم ثم أمرهم أن يرجعوا إلى الجهاد.
وذلك قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم}
قال أبو جعفر: وفي رواية ابن جريج وهم ألوف أنهم أربعون ألفا وهذا أشبه لأن ألوفا للكثير وآلافا للقليل وإن كان يجوز في كل واحد منهما ما جاز في الآخر.
وأما قول ابن زيد {ألوف} مؤتلفة قلوبهم فليس بمعروف.
والقياس في جمع ألف: أألف كأفلس إلا أنهم يشبهون فعلا بفعل فيما كان في أوله ألف أو واو نحو وقت وأوقات
وكذلك الياء نحو يوم وأيام وقد قيل أألف). [معاني القرآن: 1/244-247] (م)

تفسير قوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {مّن ذا الّذي يقرض اللّه قرضاً حسناً فيضاعفه له...}
تقرأ بالرفع والنصب. فمن رفع جعل الفاء منسوقة على صلة (الذي)، ومن نصب أخرجها من الصلة وجعلها جوابا لـ (من)؛ لأنها استفهام، والذي في الحديد مثلها). [معاني القرآن: 1/157]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({مّن ذا الّذي يقرض اللّه قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرةً واللّه يقبض ويبسط وإليه ترجعون}
قال: {مّن ذا الّذي يقرض اللّه قرضاً حسناً فيضاعفه له}
وقال بعضهم {فيضعّفه له}.
وتقرأ نصبا أيضاً إذا نويت بالأول الاسم لأنه لا يكون أن تعطف الفعل على الاسم، فأضمر في قوله: {فيضاعفه} "أن" حتى تكّون اسما فتجريه على الأوّل إذا نوى به الاسم.
والرفع لغة بني تميم لأنهم لا ينوون بالأول الاسم فيعطفون فعلا على فعل. وليس قوله: {يقرض اللّه} لحاجة بالله ولكن هذا كقول العرب: "لك عندي قرض صدقٍ" و"قرض سوءٍ" لأمر تأتي فيه مسرّته أو مساءته. قال الشاعر:

لا تخلطنّ خبيثاتٍ بطيّبةٍ = واخلع ثيابك منها وانج عريانا
كلّ امرئ سوف يجزى قرضه حسناً = أو سيّئاً أو مدينا مثل ما دانا
فـ"القرض": ما سلف من صالح أو من سيء). [معاني القرآن: 1/146]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة واللّه يقبض ويبسط وإليه ترجعون}
معنى القرض في اللغة: البلاء السيئ، والبلاء الحسن، والعرب تقول: لك عندي قرض حسن وقرض سيئ، وأصله ما يعطيه الرجل أو يعمله ليجازى عليه، واللّه عزّ وجلّ: لا يستقرض من عوز ولكنه يبلو الأخبار، فالقرض كما وصفنا، قال أمية بن أبي الصلت:
لا تخلطن خبيثات بطيبة... وأخلع ثيابك منها وانج عريانا
كل امرئ سوف يجزى قرضه حسنا... أو سيئا أو مدينا كالذي دانا
وقال الشاعر:
وإذا جوزيت قرضا فاجزه... إنما يجزي الفتى ليس الجمل
فمعنى القرض ما ذكرناه.
فأعلم اللّه أن ما يعمل وينفق يراد به الجزاء فاللّه يضاعفه أضعافا كثيرة.
والقراءة فيضاعفه، و(قرأوا): فيضاعفه، بالنّصب والرفع فمن رفع عطف على يقرض، ومن عطف نصب على جواب الاستفهام وقد بينا الجواب بالفاء - ولو كان قرضا ههنا مصدرا لكان إقراضا، ولكن قرضا ههنا اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء.
فأما قرضته أقرضه قرضا: فجاوزته، وأصل القرض في اللغة القطع.
والقراض من هذا أخذ، فإنما أقرضته قطعت له قطعة يجازى عليها.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه يقبض ويبسط}قيل في هذا غير قول:
1-
قال بعضهم: معناه يقتر ويوسع،
2- وقال بعضهم يسلب قوما ما أنعم عليهم ويوسع على آخرين (وقيل معنى - يقبض) أي يقبض الصدقات ويخلفها، وإخلافها:
-جائز أن يكون ما يعطي من الثواب في الآخرة،
-وجائز أن يكون مع الثواب أن يخلفها في الدنيا).
[معاني القرآن: 1/324-325]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} أصل القرض: ما يفعل ليجازى عليه كما قال:
وإذا أجزيت قرضا فاجزه = إنما يجزي الفتى غير الجمل
ثم قال تعالى: {والله يقبض ويبسط} أي: يقتر ويوسع.
وقيل: يسلب قوما ما أنعم به عليهم ويوسع على آخرين.
وقيل: يقبض الصدقات ويخلفها بالثواب أو في الدنيا). [معاني القرآن: 1/248]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 09:21 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 246 إلى 252]

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)}

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ابعث لنا ملكاً نّقاتل في سبيل اللّه...}
{نقاتل} مجزومة لا يجوز رفعها. فإن قرئت بالياء "يقاتل" جاز رفعها وجزمها. فأمّا الجزم فعلى المجازاة بالأمر، وأمّا الرفع فإن تجعل (يقاتل) صلة للملك؛ كأنك قلت: ابعث لنا الذي يقاتل.
فإذا رأيت بعد الأمر اسما نكرة بعده فعل يرجع بذكره أو يصلح في ذلك الفعل إضمار الاسم، جاز فيه الرفع والجزم؛ تقول في الكلام: علّمني علما أنتفع به، كأنك قلت: علمني الذي أنتفع به، وإن جزمت (أنتفع) على أن تجعلها شرطا للأمر وكأنك لم تذكر العلم جاز ذلك. فإن ألقيت "به" لم يكن إلا جزما؛ لأن الضمير لا يجوز في (انتفع)؛ ألا ترى أنك لا تقول: علّمني علما انتفعه.
فإن قلت: فهلاّ رفعت وأنت تريد إضمار (به)؟
قلت: لا يجوز إضمار حرفين، فلذلك لم يجز في قوله (نقاتل) إلا الجزم.
ومثله {اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم} لا يجوز إلا الجزم لأن "يخل" لم يعد بذكر الأرض، ولو كان "أرضا تخل لكم" جاز الرفع والجزم؛ كما قال: {ربّنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم} وكما قال الله تبارك وتعالى: {خذ من أموالهم
صدقة تطهّرهم وتزكّيهم} ولو كان جزما كان صوابا؛ لأن في قراءة عبد الله "أنزل علينا مائدة من السماء تكن لنا عيدا" وفي قراءتنا بالواو "تكون".
ومنه ما يكون الجزم فيه أحسن؛ وذلك بأن يكون الفعل الذي قد يجزم ويرفع في آية،
والاسم الذي يكون الفعل صلة له في الآية التي قبله، فيحسن الجزم لانقطاع الاسم من صلته؛ من ذلك: {فهب لي من لدنك وليّاً. يرثني} جزمه يحيى ابن وثّاب والأعمش -
ورفعه حمزة "يرثني" لهذه العلّة، وبعض القراء رفعه أيضا - لمّا كانت {وليا} رأس آية انقطع منها قوله {يرثني}، فحسن الجزم.
ومن ذلك قوله: {وابعث في المدائن حاشرين. يأتوك} على الجزم. ولو كانت رفعا على صلة "الحاشرين" قلت: يأتوك.

فإذا كان الاسم الذي بعده فعل معرفةً يرجع بذكره، مما جاز في نكرته وجهان جزمت فقلت: ابعث إليّ أخاك يصب خبرا، لم يكن إلا جزما؛ لأن الأخ معرفة والمعرفة لا توصل. ومنه قوله: {أرسله معنا غداً يرتع ويلعب} الهاء معرفة و"غدا" معرفة فليس فيه إلا الجزم، ومثل قوله: {قاتلوهم يعذّبهم الله} جزم لا غير.
ومن هذا نوع إذا كان بعد معرفته فعلٌ لها جاز فيه الرفع والجزم؛ مثل قوله: {فذروها تأكل في أرض الله} وقوله: {ذرهم يأكلوا} ولو كان رفعا لكان صوابا؛ كما قال تبارك وتعالى: {ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون} ولم يقل: يلعبوا. فأمّا رفعه فأن تجعل "يلعبون" في موضع نصب كأنك قلت في الكلام: ذرهم لاعبين.
وكذلك دعهم وخلّهم واتركهم.
وكلّ فعل صلح أن يقع على اسم معرفة وعلى فعله ففيه هذان الوجهان، والجزم فيه وجه الكلام؛ لأن الشرط يحسن فيه، ولأن الأمر فيه سهل، ألا ترى أنك تقول: قل له فليقم معك.
فإن رأيت الفعل الثاني يحسن فيه محنة الأمر ففيه الوجهان بمذهب كالواحد، وفي إحدى القراءتين: "ذرهم يأكلون ويتمتّعون ويلهيهم الأمل".

وفيه وجه آخر يحسن في الفعل الأوّل من ذلك: أوصه يأت زيدا، أو مره، أو أرسل إليه فهذا يذهب إلى مذهب القول، ويكون جزمه على شبيه بأمر ينوى له مجدّدا.
وإنما يجزم على أنه شرط لأوّله. من ذلك قولك: مر عبد الله يذهب معنا؛ ألا ترى أن القول يصلح أن يوضع في موضع (مر)، وقال الله تبارك وتعالى: {قل للّذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيّام الله} فـ "يغفروا" في موضع جزم، والتأويل - والله أعلم -: قل للذين آمنوا اغفروا، على أنه شرط للأمر فيه تأويل الحكاية.
ومثله: {قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} فتجزمه بالشرط "قل"، وقال قوم: بنيّه الأمر في هذه الحروف: من القول والأمر والوصيّة. قيل لهم: إن كان جزم على الحكاية فينبغي لكم أن تقولوا للرجل في وجهه: قلت لك تقم، وينبغي أن تقول: أمرتك تذهب معنا، فهذا دليل على أنه شرط للأمر.

فإن قلت: فقد قال الشاعر:
فلا تستطل منّي بقائي ومدّتي * ولكن يكن للخير فيك نصيب
قلت: هذا مجزوم بنيّة الأمر؛ لأن أوّل الكلام نهي، وقوله (ولكن) نسق وليست بجواب. فأراد: ولكن ليكن للخير فيك نصيب. ومثله قول الآخر:
من كان لا يزعم أنى شاعر * فيدن مني تنهه المزاجر
فجعل الفاء جوابا للجزاء، وضّمن (فيدن) لاما يجزم [بها]. وقال الآخر:
فقلت ادعي وأدع فإنّ أندى * لصوتٍ أن ينادي داعيان
أراد: ولأدع.
وفي قوله (وأدع) طرف من الجزاء وإن كان أمرا قد نسق أوّله على آخره. وهو مثل قول الله عزّ وجلّ: {اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم} والله أعلم. وأما قوله: {ذروني أقتل موسى وليدع ربّه} فليس تأويل جزاء، إنما هو أمر محض؛ لأن إلقاء الواو وردّه إلى الجزاء (لا يحسن فليس إلى الجزاء)؛ ألا ترى أنه لا يحسن أن تقول ذروني أقتله يدع؛ كما حسن "اتّبعوا سبيلنا تحمل خطاياكم"، والعرب لا تجازي بالنهي كما تجازي بالأمر، وذلك أن النهي يأتي بالجحد، ولم تجاز العرب بشيء من الجحود، وإنما يجيبونه بالفاء وألحقوا النهي إذا كان بلا، بليس وما وأخواتهن من الجحود.
فإذا رأيت نهيا بعد اسمه فعل فارفع ذلك الفعل فتقول: لا تدعنّه يضربه، ولا تتركه يضربك. جعلوه رفعا إذ لم يكن آخره يشاكل أوّله؛ إذ كان في أوّله جحد وليس في آخره جحد، فلو قلت: لا تدعه لا يؤذك جاز الجزم والرفع؛ إذ كان أوّله كآخره؛ كما تقول في الأمر: دعه ينام، ودعه ينم؛ إذ كان لا جحد فيهما. فإذا أمرت ثم جعلت في الفعل (لا) رفعت؛ لاختلافهما
أيضا، فقلت: ايتنا لا نسيء إليك؛ كقول الله تبارك وتعالى: {وأمر أهلك بالصّلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا} [لمّا كان] أوّل الكلام أمرا وآخره نهيا فيه (لا) فاختلفا، جعلت (لا) على معنى ليس فرفعت.
ومن ذلك قوله تبارك وتعالى: {فقاتل في سبيل الله لا تكلّف إلاّ نفسك}
وقوله: {يأيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم} رفع،
ومنه قوله: {فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه} ترفع، ولو نويت الجزاء لجاز في قياس النحو.
وقد قرأ يحيى بن وثّاب وحمزة: "فاضرب لهم طريقا في البحر يبساً لا تخف دركا ولا تخشى" بالجزاء المحض.

فإن قلت: فكيف أثبتت الياء في (تخشى)؟ قلت: في ذلك ثلاثة أوجه؛
1- إن شئت استأنفت "ولا تخشى" بعد الجزم،
2- وإن شئت جعلت (تخشى) في موضع جزم وإن كانت فيها الياء؛ لأن من العرب من يفعل ذلك؛ قال بعض بني عبس:

ألم يأتيك والأنباء تنمي * بما لاقت لبون بني زياد
فأثبتت الياء في (يأتيك) وهي في موضع جزم؛ لأنه رآها ساكنة، فتركها على سكونا؛ كما تفعل بسائر الحروف. وأنشدني بعض بني حنيفة:
قال لها من تحتها وما استوى * هزّي إليك الجذع يجنيك الجنى
وكان ينبغي أن تقول: يجنك. وأنشدني بعضهم في الواو:
هجوت زبّان ثم جئت معتذرا * من سبّ زبّان لم تهجو ولم تدع
والوجه الثالث: أن يكون الياء صلة لفتحة الشين؛ كما قال امرؤ القيس:
* ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي *
فهذه الياء ليست بلام الفعل؛ هي صلة لكسرة اللام؛ كما توصل القوافي بإعراب رويّها؛ مثل قول الأعشى:
* بانت سعاد وأمسى حبلها انقطاعا *
وقول الآخر:
* أمن أمّ أوفى دمنةٌ لم تكلمي *
وقد يكون جزم الثاني إذا كانت فيه (لا) على نيّة النهي وفيه معنىً من الجزاء؛ كما كان في قوله: {ولنحمل خطاياكم} طرف من الجزاء وهو أمر.
فمن ذلك قول الله تبارك وتعالى: {يا أيّها النّمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده} المعنى والله أعلم: إن؟ تدخلن حطّمتنّ، وهو نهي محض؛ لأنه لو كان جزاء لم تدخله النون الشديدة ولا الخفيفة؛ ألا ترى أنك لا تقول: إن تضربني أضربنّك إلا في ضرورة شعر؛ كقوله:

فمهما تشأ منه فزارة تعطكم * ومهما تشأ منه فزارة تمنعا). [معاني القرآن: 1/157-162]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وما لنا ألاّ نقاتل...}
جاءت (أن) في موضع، وأسقطت من آخر؛ فقال في موضع آخر: {وما لكم لا تؤمنون بالله والرّسول يدعوكم}، وقال في موضع آخر: {وما لنا ألاّ نتوكّل على الله} فمن ألقى (أن) فالكلمة على جهة العربيّة التي لا علة فيها، والفعل في موضع نصب؛ كقول الله - عزّ وجل -: {فما للّذين كفروا قبلك مهطعين} وكقوله: {فما لكم في المنافقين فئتين} فهذا وجه الكلام في قولك: مالك؟ وما بالك؟ وما شأنك: أن تنصب فعلها إذا كان اسما، وترفعه إذا كان فعلا أوّله الياء أو التاء أو النون أو الألف؛ كقول الشاعر:
* مالك ترغين ولا ترغو الخلف *
الخلفة: التي في بطنها ولدها.
وأما إذا قال (أن) فإنه مما ذهب إلى المعنى الذي يحتمل دخول (أن)؛ ألا ترى أن قولك للرجل: مالك لا تصلي في الجماعة؟ بمعنى: ما يمنعك أن تصلي، فأدخلت (أن) في (مالك) إذ وافق معناها معنى المنع والدليل على ذلك قول الله عزّ وجلّ: {ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك} وفي موضع آخر: {مالك ألاّ تكون مع الساجدين} وقصة إبليس واحدة، فقال فيه بلفظين ومعناهما واحد وإن اختلفا. ومثله ما حمل على معنى هو مخالف لصاحبه في اللفظ قول الشاعر:
يقول إذا اقلولى عليها وأقردت * ألا هل أخو عيشٍ لذيذ بدائم
فأدخل الباء في (هل) وهي استفهام، وإنما تدخل الباء في ما الجحد؛ كقولك: ما أنت بقائل. فلمّا كانت النيّة في (هل) يراد بها الجحد أدخلت لها الباء.
ومثله قوله في قراءة عبد الله "كيف يكون للمشركين عهدٌ": ليس للمشركين. وكذلك قول الشاعر:

فاذهب فأيّ فتىً في الناس أحرزه * من يومه ظلمٌ دعج ولا جبل
(رد عليه بلا) كأن معنى أي فتى في الناس أحرزه معناه: ليس يحرز الفتى من يومه ظلم دعج ولا جبل.
وقال الكسائي: سمعت العرب تقول: أين كنت لتنجو مني! لأن المعنى: ما كنت لتنجو مني، فأدخل اللام في (أين) لأن معناها جحد: ما كنت لتنجو مني.
وقال الشاعر:

فهذي سيوف يا صديّ بن مالك * كثير ولكن أين بالسيف ضارب
أراد: ليس بالسيف ضارب، ولو لم يرد (ليس) لم يجز الكلمة؛ لأن الباء من صلة (ضارب) ولا تقدّم صلة اسم قبله؛ ألا ترى أنك لا تقول: ضربت بالجارية كفيلا، حتى تقول: ضربت كفيلا بالجارية.
وجاز أن تقول: ليس بالجارية كفيل؛ لأن (ليس) نظيرة لـ (ما)؛ لأنها لا ينبغي لها أن ترفع الاسم كما أن (ما) لا ترفعه.

وقال الكسائي في إدخالهم (أن) في (مالك): هو بمنزلة قوله: "مالكم في ألا تقاتلوا" ولو كان ذلك على ما قال لجاز في الكلام أن تقول: مالك أن قمت، ومالك أنك قائم؛ لأنك تقول: في قيامك، ماضيا ومستقبلا، وذلك غير جائز؛ لأن المنع إنما يأتي بالاستقبال؛ تقول: منعتك أن تقوم، ولا تقول: منعتك أن قمت. فلذلك جاءت في (مالك) في المستقبل ولم تأت في دائم ولا ماض فذلك شاهد على اتفاق معنى مالك وما منعك.
وقد قال بعض النحويين: هي مما أضمرت فيه الواو، حذفت من نحو قولك في الكلام: مالك ولأن تذهب إلى فلان؟ فألقى الواو منها؛ لأن (أن) حرف ليس بمتمكن في الأسماء.

فيقال: أتجيز أن أقول: مالك أن تقوم، ولا أجيز: مالك القيام [فقال]: لأن القيام اسم صحيح و(أن) اسم ليس بالصحيح. واحتجّ بقول العرب: إياك أن تتكلم، وزعم أن المعنى إياك وأن تتكلم.
فردّ ذلك عليه أن العرب تقول: إياك بالباطل أن تنطق، فلو كانت الواو مضمرة في (أن) لم يجز لما بعد الواو من الأفاعيل أن تقع على ما قبلها؛ ألا ترى أنه غير جائز أن تقول: ضربتك بالجارية وأنت كفيل، تريد: وأنت كفيل بالجارية، وأنك تقول: رأيتك وإيّانا تريد، ولا يجوز رأيتك إيّانا وتريد؛ قال الشاعر:

فبح بالسرائر في أهلها * وإيّاك في غيرهم أن تبوحا
فجاز أن يقع الفعل بعد (أن) على قوله (في غيرهم)، فدلّ ذلك على أن إضمار الواو في (أن) لا يجوز.
وأمّا قول الشاعر: * فإياك المحاين أن تحينا *
فإنه حذّره فقال: إياك، ثم نوى الوقفة، ثم استأنف (المحاين) بأمر آخر، كأنه قال: احذر المحاين، ولو أراد مثل قوله: (إيّاك والباطل) لم يجز إلقاء الواو؛ لأنه اسم أتبع اسما في نصبه، فكان بمنزلة قوله في [غير] الأمر: أنت ورأيك وكلّ ثوب وثمنه، فكما لم يجز أنت رأيك، أو كلّ ثوب ثمنه فكذلك لا يجوز: (إيّاك الباطل) وأنت تريد: إيّاك والباطل). [معاني القرآن: 1/163-166]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الملإ من بني إسرائيل}: وجوههم، وأشرافهم، ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجعوا من بدر سمع رجلاً من الأنصار يقول: إنما قتلنا عجائز صلعاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((أولئك الملأ من قريشٍ لو احتضرت فعالهم))، أي: حضرت، احتقرت فعالك مع فعالهم). [مجاز القرآن: 1/77]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {هل عسيتم}: هل تعدون أن تفعلوا ذلك). [مجاز القرآن: 1/77]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبيٍّ لّهم ابعث لنا ملكاً نّقاتل في سبيل اللّه قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألاّ تقاتلوا قالوا وما لنا ألاّ نقاتل في سبيل اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلمّا كتب عليهم القتال تولّوا إلاّ قليلاً مّنهم واللّه عليمٌ بالظّالمين}
قال: {وما لنا ألاّ نقاتل في سبيل اللّه} فـ{أن} ههنا زائدة كما زيدت بعد "فلما" و"لما" و"لو" فهي تزاد في هذا المعنى كثيرا. ومعناه "ومالنا لا نقاتل" فأعمل "أن" وهي زائدة كما قال: "ما أتاني من أحدٍ" فأعمل "من" وهي زائدة قال الفرزدق:
لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها = إليّ لامت ذوو أحسابها عمرا
المعنى: لو لم تكن غطفان لها ذنوب. و"لا" زائدة وأعملها). [معاني القرآن: 1/147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({الملأ من بني إسرائيل}: وجوههم وأشرافهم). [تفسير غريب القرآن: 92]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبيّ لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل اللّه قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألّا تقاتلوا قالوا وما لنا ألّا نقاتل في سبيل اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلمّا كتب عليهم القتال تولّوا إلّا قليلا منهم واللّه عليم بالظّالمين}
{الملأ}: أشراف القوم ووجوههم، ويروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا من الأنصار وقد رجعوا من بدر يقول: ما قتلنا إلا عجائز ضلعا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أولئك الملاء من قريش، لو حضرت فعالهم لاحتقرت فعلك))،
والملأ في اللغة: الخلق، يقال أحسنوا ملأكم، أي: أخلاقكم قال الشاعر:

تنادوا يآل بهثة إذ رأونا... فقلنا أحسني ملأ جهينا
أي: خلقا، ويقال: أحسني ممالأة أي معاونة، ويقال رجل مليء - مهموز - أي: بين الملآء يا هذا - وأصل هذا كله في اللغة من شيء واحد.
فالملأ الرؤساء إنما سمّوا بذلك لأنهم ملء بما يحتاج إليه منهم. والملأ الذي في الخلق، إنما هو الخلق المليء بما يحتاج إليه، والملا: المتسع من الأرض غير مهموز، يكتب بالألف - والياء في قول قوم - وأما البصريون فيكتبون بالألف، قال الشاعر في الملا المقصور الذي يدل على المتسع من الأرض:
ألا غنياني وارفعا الصوت بالملا... فإن الملا عندي يزيد المدى بعدا
وقوله عزّ وجلّ: {ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل اللّه}.
الجزم في {نقاتل في سبيل اللّه} الوجه على الجواب للمسألة الّتي في لفظ الأمر، أي: ابعث لنا - ملكا نقاتل، أي: إن تبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، ومن قرأ " ملكا يقاتل " بالياء، فهو على صفة الملك ولكن نقاتل هو الوجه الذي عليه القراء، والرفع فيه بعيد، يجوز على معنى فإنا نقاتل في سبيل الله، وكثير من النّحوّيين، لا يجيز الرفع في نقاتل. -
وقوله عزّ وجلّ: {قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألّا تقاتلوا} أي: لعلكم أن تجبنبوا عن القتال،
وقرأ بعضهم: هل عسيتم بكسر السين إن كتب عليكم القتال، وهي قراءة نافع،
وأهل اللغة كلهم يقولون عسيت أن أفعل ويختارونه، وموضع {ألّا تقاتلوا} نصب أعني موضع " أن " لأن (أنّ) وما عملت فيه كالمصدر، إذا قلت عسيت أن أفعل ذاك فكأنك قلت عسيت فعل ذلك.

وقوله عزّ وجلّ: {قالوا وما لنا ألّا نقاتل في سبيل اللّه}.
زعم - أبو الحسن الأخفش أن " أن " ههنا زائدة - قال: المعنى وما لنا لا نقاتل في سبيل اللّه،
وقال غيره: وما لنا في ألا نقاتل في سبيل اللّه
وأسقط " في "
وقال بعض النحويين: إنما دخلت " أن" لأنّ " ما " معناه ما يمنعنا فلذلك دخلت " أن " لأن الكلام ما لك تفعل كذا وكذا.

والقول الصحيح عندي: أنّ " أن " لا تلغى ههنا، وأن المعنى وأي شي لنا في أن لا نقاتل في سبيل اللّه، أي: أي شيء لنا في ترك القتال.
{وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا}
ومعني {وأبنائنا} أي: سبيت ذرارينا.

ولكنّ " في " سقطت مع " أن " لأن الفعل مستعمل مع أن دالا على وقت معلوم،
فيجوز مع " أن " يحذف حرف الجر كما تقول: هربت أن أقول لك كذا وكذا، تريد هربت أن أقول لك كذا وكذا.

وقوله عزّ وجلّ؛ {تولّوا إلّا قليلا منهم}
{قليلا} منصوب على الاستثناء، فأما - من روى " تولوا إلا قليل منهم " فلا أعرف هذه القراءة، ولا لها عندي وجه، لأن المصحف على النصب والنحو يوجبها، لأن الاستثناء - إذا كان أول الكلام إيجابا - نحو قولك جاءني القوم إلا زيدا - فليس في زيد المستثنى إلا النصب - والمعنى تولوا أستثني قليلا منهم - وإنما ذكرت هذه لأن بعضهم روى " فشربوا منه إلا قليل منهم " وهذا عندي ما لا وجه له). [معاني القرآن: 1/325-327]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى}
قال مجاهد: هم الذين قال الله فيهم {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم}
قال الضحاك: وأما قوله: {ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله} فذلك حين رفعت التوراة واستخرج الإيمان وسلط على بني إسرائيل عدوهم فبعث طالوت ملكا فقالوا: {أنى يكون له الملك علينا} لأن الملك كان في سبط بعينه لا يكون في غيره ولم يكن طالوت منه فلذلك وقع الإنكار). [معاني القرآن: 1/248-249]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ):{الملا}: الرؤساء من الناس). [ياقوتة الصراط: 181]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الملأ من بني إسرائيل} وجوههم وأشرافهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 42]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بسطةً في العلم والجسم} أي: زيادة، وفضلاً وكثرة.
{إنّ في ذلك لآياتٍ}: علامات، وحججاً). [مجاز القرآن: 1/77]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وزاده بسطة في العلم والجسم}: يقال فلان بسيط اللسان). [غريب القرآن وتفسيره: 95]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وزاده بسطةً في العلم والجسم} أي: سعة في العلم والجسم. وهو من قولك: بسطت الشيء، إذا كان مجموعا: ففتحته ووسعته). [تفسير غريب القرآن: 92]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{وقال لهم نبيّهم إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم واللّه يؤتي ملكه من يشاء واللّه واسع عليم} أي: قد أجابكم إلى ما سألتم. من بعث ملك يقاتل، وتقاتلون معه وطالوت وجالوت وداود. لا تنصرف لأنها أسماء أعجمية، وهي معارف فاجتمع فيها شيئان - التعريف والعجمة، وأما جاموس فلو سميت به رجلا لانصرف، وإن كان عجميا لأنه قد تمكن في العربية لأنك تدخل عليه الألف واللام، فتقول الجاموس والراقود.
فعلى هذا (قياس جميع) الباب.
وقوله عزّ وجلّ: {أنّى يكون له الملك علينا} أي: من أي جهة يكون ذلك.
{ولم يؤت سعة من المال} أي: لم يؤت ما تتملّك به الملوك.
فأعلمهم اللّه أنه {اصطفاه} ومعناه: اختاره، وهو " افتعل " من الصفوة.
والأصل: اصتفاه فالتاء إذا وقعت بعد الصاد أبدلت طاء لأن التاء من مخرج الطاء، والطاء مطبقة، كما أن الصاد مطبقة، فأبدلوا الطاء من التاء، ليسهل النطق بما بعد الصاد، وكذلك افتعل من الضرب: اضطرب، ومن الظلم اظطلم، ويجوز في اظطلم وجهان آخران:
1- يجوز اطّلم بطاء مشددة غير معجمة
2- واظّلم بظاء مشددة قال زهير:

هو الجواد الذي يعطيك نائله... عفوا ويظلم أحيانا فيظطلم
و " فيطّلم " و " فيظّلم ".
أعلمهم الله أنه اختاره، وأنه قد زيد في العلم والجسم بسطة، وأعلمهم أن العلم أهو، الذي به يجب أن يقع الاختيار ليس أن اللّه - جلّ وعزّ -:
لا يملك إلا ذا مال، وأعلم أن الزيادة في الجسم مما يهب به العدو، وأعلمهم أنه يؤتي ملكه من يشاء، وهو جلّ وعزّ لا يشاء إلا ما هو الحكمة والعدل.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه واسع عليم}أي: يوسع على من يشاء ويعلم أين ينبغي أن تكون السعة). [معاني القرآن: 1/327-329]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({بسطة} أي: سعة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 42]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({بَسْطَـــةً}: في اللسان والعلم بالحرب). [العمدة في غريب القرآن: 92]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وقال لهم نبيّهم إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت فيه سكينةٌ مّن رّبّكم وبقيّةٌ مّمّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إنّ في ذلك لآيةً لّكم إن كنتم مّؤمنين}
قال: {فيه سكينةٌ مّن رّبّكم}. و"السّكينة" هي: الوقار.
وأما الحديد فهو: "السّكّين، مشدد الكاف.
وقال بعضهم: "هي السّكّين" مثلها في التشديد إلا أنّها مؤنثة فأنث. والتأنيث ليس بالمعروف وبنو قشير يقولون: "سخّين" للسكين وقال: {وآتت كلّ واحدةٍ مّنهنّ سكّيناً}).
[معاني القرآن: 1/147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إنّ آية ملكه} أي: علامة ملكه.
{فيه سكينةٌ} السّكينة فعيلة: من السكون.
{وبقيّةٌ ممّا ترك آل موسى وآل هارون}، يقال: شيء من المنّ الذي كان ينزل عليهم، وشيء من رضاض الألواح). [تفسير غريب القرآن: 92]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقال لهم نبيّهم إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت فيه سكينة من ربّكم وبقيّة ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إنّ في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين}أي: علامة تمليك اللّه إياه {أن يأتيكم التّابوت}.
وموضع (أن) رفع المعنى: إن آية ملكه إتيان التابوت أتاكم.
وقوله عزّ وجلّ: {فيه سكينة من ربّكم}أي: فيه ما تسكنون به إذا أتاكم، وقيل في التفسير إن السكينة لها رأس كرأس الهر من زبرجد أو ياقوت، ولها جناحان.
وقوله عزّ وجلّ: {وبقيّة ممّا ترك آل موسى وآل هارون}.
قيل في تفسيره: البقية رضاض الألواح وأن التوراة فيه وكتاب آخر جمع التوراة وعصا موسى. فهذا ما روي مما فيه، والظاهر، أن فيه (بقية) جائز أن يكون بقية من شيء من علامات الأنبياء، وجائز أن يكون البقية من العلم، وجائز أن يتضمنها جميعا.
والفائدة - كانت - في هذا التابوت أن الأنبياء - صلوات اللّه عليهم - كانت تستفتح به في الحروب، فكان التابوت يكون بين أيديهم فإذا سمع من جوفه أنين دف التابوت أي سار والجميع خلفه - واللّه أعلم بحقيقة ذلك.
وروي في التفسير: أنه كان من خشب الشمشار وكان قد غلب جالوت وأصحابه عليه فنزلهم بسببه داء، قيل هو الناسور الذي يكون في العنب فعلموا أن الآفة بسببه نزلت، فوضعوه على ثورين فيما يقال،
وقيل معنى {تحمله الملائكة}: إنها كانت تسوق الثورين.
وجائز أن يقال في اللغة: تحمله الملائكة، وإنما كانت تسوق ما يحمله، كما تقول حملت متاعي إلى مكة، أي كنت سببا لحمله إلى مكة.

ومعنى {إنّ في ذلك لآية لكم}أي: في رجوع التابوت إليكم علامة أن الله ملك طالوت عليكم إذ أنبأكم في قصته بغيب.
{إن كنتم مؤمنين} أي: إن كنتم مصدقين). [معاني القرآن: 1/329-330]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم}
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن سلمة بن كهيل عن أبي الأحوص عن علي قال: السكينة لها وجه كوجه الإنسان وهي بعد ريح هفافة.
وروى خالد بن عرعرة عن علي قال: أرسل الله السكينة إلى إبراهيم وهي ريح خجوج لها رأس.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: السكينة دابة قدر الهر لها عينان لهما شعاع فإذا التقى الجمعان أخرجت يدها ونظرت إليهم فينهزم الجيش من ذلك الرعب.
وقال الضحاك: السكينة الرحمة والبقية القتال.
وروي عن ابن عباس السكينة طست من ذهب الجنة كانت تغسل فيها قلوب الأنبياء.
وروى إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح {وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون} قال: عصا موسى وثياب هارون ولوحان من التوراة.
وقال أبو مالك: السكينة طست من ذهب ألقى فيها موسى الألواح والتوراة وعصاه والبقية رضاضة الألواح التي كتب فيها التوراة.
وقرئ على عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الأزهر عن روح بن عبادة قال حدثنا محمد بن عبد الملك عن أبيه قال: قال مجاهد: أما السكينة فما تعرفون من الآيات التي تسكنون إليها قال والبقية العلم والتوراة.
وقال أبو جعفر: وهذا القول من أحسنها وأجمعها لأن السكينة في اللغة فعيلة من السكون أي آية يسكون إليها.
وبين معنى تحمله الملائكة أنه روي إن جالوت وأصحابه كان التابوت عندهم فابتلاهم الله بالناسور فعلموا أنه من أجل التابوت فحملوه على ثور فساقته الملائكة فهذا مثل قولهم حملت متاعي إلى موضع كذا
ثم قال تعالى: {إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين} أي: إن في رد التابوت بعد أن أخذه عدوكم لآية لكم إن كنتم مصدقين). [معاني القرآن: 1/249-252]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( {والسكينة} فعيلة من السكون: وهو ما تسكن إليه النفس إذا رأته.
{وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون} يقال: هي شيء من المن الذي كان ينزل، وشيء من رضاض، الألواح). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 42]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فشربوا منه إلاّ قليلاً مّنهم...}
وفي إحدى القراءتين: "إلا قليلٌ منهم".
والوجه في (إلاّ) أن ينصب ما بعدها إذا كان ما قبلها لا جحد فيه، فإذا كان ما قبل إلاّ فيه جحد جعلت ما بعدها تابعا لما قبلها؛ معرفة كان أو نكرة.
فأمّا المعرفة: فقولك ما ذهب الناس إلا زيد.
وأمّا النكرة: فقولك ما فيها أحدٌ إلاّ غلامك، لم يأت هذا عن العرب إلا بإتباع ما بعد إلا ما قبلها.
وقال الله تبارك تعالى: {ما فعلوه إلاّ قليل منهم} لأن في {فعلوه} اسما معرفة، فكان الرفع الوجه في الجحد الذي ينفي الفعل عنهم، ويثبته لما بعد إلاّ.
وهي في قراءة أبيّ "ما فعلوه إلا قليلا" كأنه نفى الفعل وجعل ما بعد إلاّ كالمنقطع عن أوّل الكلام؛ كقولك: ما قام القوم، اللهم إلاّ رجلا.

فإذا نويت الانقطاع نصبت وإذا نويت الاتّصال رفعت.
ومثله قوله: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس} فهذا على هذا المعنى،
ومثله: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقيّةٍ ينهون عن الفساد في الأرض} ثم قال: {إلا قليلا ممن أنجينا منهم} فأوّل الكلام - وإن كان استفهاما - جحد؛ لأن لولا بمنزلة هلاّ؛ ألا ترى أنك إذا قلت للرجل: (هلاّ قمت) أنّ معناه: لم تقم. ولو كان ما بعد (إلاّ) في هاتين الآيتين رفعا على نيّة الوصل لكان صوابا؛
مثل قوله: {لو كان فيهما آلهة إلاّ اللّه لفسدتا} فهذا نيّة وصل؛ لأنه غير جائز أن يوقف على ما قبل (إلا).

وإذا لم تر قبل (إلا) اسما فأعمل ما قبلها فيما بعدها فتقول: (ما قام إلا زيد) رفعت (زيدا) لإعمالك (قام)؛ إذ لم تجد (قام) اسما بعدها، وكذلك: ما ضربت إلا أخاك، وما مررت إلا بأخيك.
وإذا كان الذي قبل (إلا) نكرة مع جحد فإنك تتبع ما بعد إلا ما قبلها؛ كقولك: ما عندي أحد إلاّ أخوك فإن قدّمت إلاّ نصبت الذي كنت ترفعه؛ فقلت: ما أتاني ألا أخوك أحد. وذلك أن (إلاّ) كانت مسوقة على ما قبلها فاتّبعه، فلما قدّمت فمنع أن يتبع شيئا هو بعدها فاختاروا الاستثناء.
ومثله قول الشاعر:

لميّة موحشاً طللٌ * يلوح كأنه خلل
المعنى: لمية طلل موحش، فصلح رفعه لأنه أتبع الطلل، فلمّا قدّم لم يجز أن يتبع الطلل وهو قبله.
وقد يجوز رفعه عل أن تجعله كالاسم يكون الطلل ترجمة عنه؛ كما تقول: عندي خراسانيّةٌ جاريةٌ، والوجه النصب في خراسانية. ومن العرب من يرفع ما تقدّم في إلاّ على هذا التفسير. قال: وأنشدونا:

بالثنى أسفل من جمّاء ليس له * إلاّ بنيه وإلا عرسه شيع
وينشد: إلا بنوه وإلاّ عرسه. وأنشد أبو ثروان:
ما كان منذ تركنا أهل أسمنةٍ * إلا الوجيف لها رعىٌ ولا علف
ورفع غيره.
وقال ذو الرّمة:

مقزّعٌ أطلس الأطمار ليس له * إلا الضراء وإلا صيدها نشب
ورفعه على أنه بنى كلامه على: ليس له إلا الضراء وإلا صيدها، ثم ذكر في آخر الكلام (نشب) ويبيّنه أن تجعل موضعه في أوّل الكلام.
{كم مّن فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةًً} وفي قراءة أبيّ "كأيّن من فئةٍ قليلة غلبت" وهما لغتان.
وكذلك {وكأيّن من نبي} هي لغات: كلّها معناهنّ معنى كم. فإذا ألقيت (من) كان في الاسم النكرة النصب والخفض.
من ذلك قول العرب: كم رجلٍ كريم قد رأيت، وكم جيشا جرّارا قد هزمت. فهذان وجهان، ينصبان ويخفضان والفعل في المعنى واقع. فإن كان الفعل ليس بواقع وكان للاسم جاز النصب أيضا
والخفض. وجاز أن تعمل الفعل فترفع به النكرة، فتقول: كم رجلٌ كريمٌ قد أتاني، ترفعه بفعله، وتعمل فيه الفعل إن كان واقعا عليه؛ فتقول: كم جيشا جرّارا قد هزمت، نصبته بهزمت. وأنشدوا قول الشاعر:
كم عمّة لك يا جرير وخالة * فدعاء قد حلبت عليّ عشاري
رفعا ونصبا وخفضا، فمن نصب قال: كان أصل كم الاستفهام، وما بعدها من النكرة مفسّر كتفسير العدد، فتركناها في الخبر على جهتها وما كانت عليه في الاستفهام؛ فنصبنا ما بعد (كم) من النكرات؛ كما تقول: عندي كذا وكذا درهما، ومن خفض قال: طالت صحبة من للنكرة في كم، فلمّا حذفناها أعملنا إرادتها، فخفضنا، كما قالت العرب إذا قيل لأحدهم: كيف أصبحت؟ قال: خيرٍ عافاك الله، فخفض، يريد: بخير. وأمّا من رفع فأعمل الفعل الآخر، [و] نوى تقديم الفعل كأنه قال: كم قد أتاني رجل كريم.
وقال امرؤ القيس:

تبوص وكم من دونها من مفازةٍ * وكم أرض جدب دونها ولصوص
فرفع على نيّة تقديم الفعل. وإنما جعلت الفعل مقدّما في النية لأن النكرات لا تسبق أفاعيلها؛ ألا ترى أنك تقول: ما عندي شيء، ولا تقول ما شيء عندي). [معاني القرآن: 1/166-169]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مبتليكم بنهرٍ}: مختبركم.
{غرفةً} الغرفة مصدر، والغرفة: ملء الكف.
{يظنّون أنّهم ملاقوا الله} يوقنون.
{فئةٍ}: جماعة). [مجاز القرآن: 1/77]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({يظنون أنهم ملاقو الله}: يستيقنون.
{الفئة}: الجماعة). [غريب القرآن وتفسيره: 95]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({مبتليكم بنهرٍ} أي: مختبركم.
{قال الّذين يظنّون أنّهم ملاقو اللّه} أي: يعلمون {كم من فئةٍ} الفئة: الجماعة). [تفسير غريب القرآن:92-93]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فلمّا فصل طالوت بالجنود قال إنّ اللّه مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس منّي ومن لم يطعمه فإنّه منّي إلّا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلّا قليلا منهم فلمّا جاوزه هو والّذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الّذين يظنّون أنّهم ملاقو اللّه كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن اللّه واللّه مع الصّابرين}
{إنّ اللّه مبتليكم بنهر} معناه: مختبركم وممتحنكم بنهر، وهذا لا يجوز أن يقوله إلا نبي، لأن اللّه عزّ وجلّ قال: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا (26) إلّا من ارتضى من رسول} ومعنى الاختبار بهذا النهر: كان ليعلم طالوت من له نيّة القتال معه ومن ليست له نيّة. فقال: {فمن شرب منه فليس مني} أي: ليس من أصحابي ولا ممن تبعني، ومن لم يطعمه.
{ومن لم يطعمه فإنه منّي} أي: لم يتطعم به.
{إلّا من اغترف غرفة بيده}، غرفة وغرفة قرئ بهما جميعا فمن قال غرفة كان معناه غرفة واحدة باليد.
ومن قال غرفة كان معناه مقدار ملء اليد.
ومعنى {فشربوا منه إلا قليلا منهم}: شربوا منه ليرجعوا عن الحرب، لأنه قد أعلمهم ذلك.
وذكر في التفسير: أن القليل الذين لم يشربوا كان عدتهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا كعدد أهل بدر.
وقوله عزّ وجلّ؛ {فلمّا جاوزه} أي: جاوز النهر هو والّذين معه.
قيل لما رأوا قلتهم، قال بعضهم لبعض: {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} أي: لا قوة، يقال أطقت الشيء إطاقة وطوقا، مثل أطعت طاعة وإطاعة وطوعا.
وقوله عزّ وجلّ: {قال الّذين يظنّون أنّهم ملاقو اللّه} قيل فيه قولان:
1- قال بعضهم وهو مذهب أهل اللغة - قال الذين يوقنون أنهم ملاقو اللّه قالوا ولو كانوا شاكين لكانوا ضلالا كافرين وظننت في اللغة بمعنى أيقنت موجود.

قال الشاعر - وهو دريد:
فقلت لهم ظنّوا بألفي مدجّج... سراتهم في الفارسيّ المسرّد
أي أيقنوا.
2- وقال أهل التفسير: معنى {يظنّون أنّهم ملاقو اللّه} أي: أنهم كانوا يتوهمون أنهم في هذه الموقعة يقتلون في سبيل الله لقلّة عددهم، وعظم عدد عدوهم وهم أصحاب جالوت.
وقوله عزّ وجلّ: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن اللّه} أي: كم من فرقة، وإنما قيل للفرقة فئة - من قولهم فأوت رأسه بالعصا.
وفأيت إذا شققته، فالفئة الفرقة من هذا.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه مع الصّابرين} أي: أن اللّه ينصر الصّابرين، إذا صبروا على طاعته، وما يزلف عنده). [معاني القرآن: 1/330-332]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إن الله مبتليكم بنهر} معناه: مختبركم والفائدة في ذلك أن يعلم من يقاتل ممن لا يقاتل.
قال عكرمة وقتادة: هو نهر بين الأردن وفلسطين.
وقال قتادة: كان الكفار يشربون فلا يرون وكان المسلمون يغترفون غرفة فيجزئهم ذلك.
قال أبو جعفر: الغرفة في اللغة: ملء الكف أو المغرفة والغرفة الفعلة الواحدة.
ومعنى {فإنه مني}: فإنه من أصحابي
وحكى سيبويه أنت مني فرسخين
ثم قال تعالى: {فشربوا منه إلا قليلا منهم}
روى أبو إسحاق عن البراء كنا نتحدث أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر كانوا ثلاث مائة وبضعة عشر على عدة أصحاب طالوت ممن جاز معه النهر يوم جالوت وما جاز معه إلا مؤمن فلما جازوه يعني النهر ورأوا كثرة أصحاب جالوت وقلتهم قالوا: {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} {قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله} أي: يوقنون
وقيل يتوهمون أنهم يقتلون في هذه الواقعة لقلتهم
و{الفئة}: الفرقة من فأوت رأسه وفاأيته). [معاني القرآن: 1/252-254]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والطاقة: القوة). [ياقوتة الصراط: 181]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({مبتليكم بنهر} مختبركم وممتحنكم به). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 42]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَظُنُّونَ}: يوقنون.
{فِئَةٍ}: جماعة). [العمدة في غريب القرآن: 92]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أفرغ علينا صبراً}: أنزل علينا). [مجاز القرآن: 1/77]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({أفرغ علينا صبرا}: أنزل والإفراغ الصب. يقال أفرغ عليك الماء وأفرغ عليك الكوز). [غريب القرآن وتفسيره: 96]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أفرغ علينا صبراً} أي: صبّه علينا، كما يفرغ الدّلو). [تفسير غريب القرآن: 93]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولمّا برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربّنا أفرغ علينا صبرا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين}
{ربّنا أفرغ علينا صبرا} أي: أصبب علينا الصبر صبّا، كما تقول: أفرغت الإناء إذا صببت ما فيه). [معاني القرآن: 1/332]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({أَفْرِغْ}: صُبَّ). [العمدة في غريب القرآن: 92]

تفسير قوله تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فهزموهم بإذن اللّه وقتل داود جالوت وآتاه اللّه الملك والحكمة وعلّمه ممّا يشاء ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ لفسدت الأرض ولكنّ اللّه ذو فضلٍ على العالمين}
قال: {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ} فنصبت {النّاس} على إيقاعك الفعل بهم ثم أبدلت منهم {بعضهم} للتفسير). [معاني القرآن: 1/148]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{فهزموهم بإذن اللّه وقتل داوود جالوت وآتاه اللّه الملك والحكمة وعلّمه ممّا يشاء ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكنّ اللّه ذو فضل على العالمين}
{فهزموهم بإذن اللّه}معناه: كسروهم وردوهم،
وأصل الهزم في اللغة: كسر الشيء، وثنى بعضه على بعض، يقال سقاء مهزوم، إذا كان بعضه قد ثنى على بعض مع جفاف، وقصب متهزّم، ومهزوم، قد كسر وشقق، والعرب تقول هزمت على زيد أي عطفت عليه.

قال الشاعر:
هزمت عليك اليوم يا بنت مالك... فجودي علينا بالنوال وأنعمي
ويقال: سمعت هزمة الرعد
قال الأصمعي: كأنه صوت فيه تشقق: وقوله عزّ وجلّ: {وآتاه اللّه الملك والحكمة} أي: آتى داود - عليه السلام - الملك لأنه ملك بعد قتله جالوت وأوتي العلم.
ومعنى {وعلّمه ممّا يشاء}: قيل ممّا علّمه عمل الدروع، ومنطق الطير.
وقوله عزّ وجلّ: {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} أي: لولا ما أمر الله به المسلمين من حرب الكافرين لفسدت الأرض وقيل أيضا: لولا دفع اللّه الكافرين بالمسلمين لكثر الكفر فنزلت بالناس السخطة واستؤصل أهل الأرض.
ويجوز {ولولا دفع اللّه}، ولولا دفاع اللّه.
ونصب {بعضهم} بدلا من الناس، المعنى: ولولا دفع اللّه بعض الناس ببعض، و (دفع) مرفوع بالابتداء، وقد فسرنا هذا فيما مضى). [معاني القرآن: 1/332-333]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): ({فهزموهم} أي: كسروهم وردوهم يقال سقاء مهزوم إذا كان منثنيا جافا). [معاني القرآن: 1/254]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: يقول لولا دفع الله بالمؤمنين الفجار ودفعه بتقية أخلاق الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض بهلاك أهلها.
قال أبو جعفر: وهذا الذي عليه أكثر أهل التفسير، أي: لولا أن الله يدفع بمن يصلي عن من لا يصلي وبمن يتقي عن من لا يتقي لأهلك الناس بذنوبهم.
وقيل لولا أن الله أمر بحرب الكفار لعم الكفر فأهلك جميع الناس
وذا راجع إلى الأول
وقيل لولا أن الله أمر بحرب الكفار لكان إفسادهم على المسلمين أكثر
ويقرأ {ولولا دفاع الله}
حكى أبو حاتم أن العرب تقول: أحسن الله عنك الدفاع والمدافعة مثل ناولتك الشيء). [معاني القرآن: 1/255-256]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {تلك آيات اللّه نتلوها عليك بالحقّ وإنّك لمن المرسلين} أي: هذه الآيات التي أنبأت بها وأنبئت، آيات الله، أي: علاماته التي تدل على توحيده، وتثبيت رسالات أنبيائه، إذ كان يعجز عن الإتيان بمثلها المخلقون.
وقوله عزّ وجل: {وإنّك لمن المرسلين} أي: وأنت من هؤلاء الذين قصصت آياتهم، لأنك قد أعطيت من الآيات مثل الذي أعطوا وزدت على ما أعطوا.
ونحن نبين ذلك في الآية التي تليها إن شاء اللّه). [معاني القرآن: 1/333]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 09:25 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 253 إلى 257]

{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)}

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({تلك الرّسل فضّلنا بعضهم على بعضٍ مّنهم مّن كلّم اللّه ورفع بعضهم درجاتٍ وآتينا عيسى ابن مريم البيّنات وأيّدناه بروح القدس ولو شاء اللّه ما اقتتل الّذين من بعدهم مّن بعد ما جاءتهم البيّنات ولكن اختلفوا فمنهم مّن آمن ومنهم مّن كفر ولو شاء اللّه ما اقتتلوا ولكنّ اللّه يفعل ما يريد}
قال: {مّنهم مّن كلّم اللّه} أي: كلمه الله [فلفظ الجلالة] في ذا الموضع رفعٌ.
وقال: {ورفع بعضهم درجاتٍ} أي: رفع الله بعضهم درجات). [معاني القرآن: 1/148]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {تلك الرّسل فضّلنا بعضهم على بعض منهم من كلّم اللّه ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البيّنات وأيّدناه بروح القدس ولو شاء اللّه ما اقتتل الّذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البيّنات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء اللّه ما اقتتلوا ولكنّ اللّه يفعل ما يريد}
{الرّسل} صفة لتلك كقولك أولئك الرسل فضلنا بعضهم على بعض إلا أنه قيل تلك للجماعة، وخبر الابتداء (فضلنا بعضهم على بعض).
ومعنى: {منهم من كلّم اللّه} أي: من كلّمه اللّه.
{تلك الرّسل فضّلنا بعضهم على بعض منهم من كلّم اللّه ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البيّنات وأيّدناه بروح القدس ولو شاء اللّه ما اقتتل الّذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البيّنات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء اللّه ما اقتتلوا ولكنّ اللّه يفعل ما يريد}
والهاء حذقت من الصلة لطول الاسم، وهو موسى - صلى الله عليه وسلم - أسمعه الله كلامه من غير وحي أتاه به عن اللّه ملك.
وقوله عزّ وجلّ: {وآتينا عيسى ابن مريم البيّنات}أي: أعطيناه والبينات الحجج التي تدل على إثبات نبوته - صلى الله عليه وسلم - من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى والإنباء بما غاب عنه.
وقوله عزّ وجلّ: {ورفع بعضهم درجات}.
جاء في التفسير: أنه يعنى به محمد - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى الناس كافة، وليس شيء من الآيات التي أعطيها الأنبياء إلا والذي أعطى محمد - صلى الله عليه وسلم - أكثر منه، لأنه - صلى الله عليه وسلم -
كلمته الشجرة،
وأطعم " من كفّ التمر خلقا كثيرا،
وأمرّ يده على شاة أم معبد فدرت، وحلبت بعد جفاف،
ومنها انشقاق القمر، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى الآيات في الأرض ورآها في السماء، والذي جاء في آيات النبي كثير.

فأما انشقاق القمر وصحته فقد روينا فيه أحاديث:
حدثني إسماعيل بن إسحاق قال: حدثنا محمد بن المنهال، قال حدثنا يزيد ابن زريع عن سعيد عن قتادة عن أنس قال: سأل أهل مكة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - آية فأراهم انشقاق القمر فرقتين.
وحدثني مسدّد يرفعه إلى أنس أيضا مثل ذلك.
ونحن نذكر جميع ما روى في هذا الباب في مكانه إن شاء الله، ولكنا ذكرنا ههنا جملة من الآيات لنبين بها فضل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيما أتى به من الآيات.
ومن أعظم الآيات القرآن الذي أتى به العرب وهم أعلم قوم بالكلام.
لهم الأشعار ولهم السجع والخطابة، وكل ذلك معروف في كلامها، فقيل لهم ائتوا بعشر سور فعجزوا عن ذلك، وقيل لهم ائتوا بسورة ولم يشترط عليهم فيها أن تكون كالبقرة وآل عمران وإنما قيل لهم ائتوا بسورة فعجزوا عن ذلك.
فهذا معنى {ورفع بعضهم درجات}.
وقوله عزّ وجلّ: {ولو شاء اللّه ما اقتتل الّذين من بعدهم} يعني: من بعد الرسل: {من بعد ما جاءتهم البيّنات} أي: من بعد ما وضحت لهم البراهين، فلو شاء الله ما أمر بالقتال بعد وضوح الحجة،
ويجوز أن يكون {ولو شاء اللّه ما اقتتلوا} أي: لو شاء اللّه أن يضطرهم أن يكونوا مؤمنين غير مختلفين لفعل ذلك كما قال: {ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى}).
[معاني القرآن: 1/333-335]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله}
قال مجاهد: يقول كلم موسى.
ثم قال جل وعز: {ورفع بعضهم درجات}
قال مجاهد: أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة.
ثم قال تعالى: {وآتينا عيسى ابن مريم البينات}أي: الحجج الواضحة {وأيدناه} أي: قويناه بروح القدس.
قال الضحاك: جبريل صلى الله عليه وسلم).
[معاني القرآن: 1/256-258]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات}
فيه قولان:
أحدهما: أن المعنى لو شاء الله ما أمرنا بالقتال بعد وضوح الحجة وإظهار البراهين

2- وقيل لو شاء الله أن يضطرهم إلى الإيمان لفعل كما قال ولو شاء الله لجمعهم على الهدى). [معاني القرآن: 1/258-259]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {خلّةٌ}: مصدر الخليل، وتقول: فلان خلّتى: أي خليلي، قال أوفى بن مطر المازنيّ:
ألا أبلغا خلني جابراً... بأن خليلك لم يقتل
يقال: فلان خلّتي: أي خليلي). [مجاز القرآن: 1/78]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة} والخلة: المودة والمحبة والخليل مشتق من ذلك). [غريب القرآن وتفسيره: 96]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا خلّةٌ} أي: ولا صداقة تنفع يومئذ. ومنه الخليل). [تفسير غريب القرآن: 93]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلّة ولا شفاعة والكافرون هم الظّالمون}
أي: أنفقوا في الجهاد وليعن بعضكم بعضا عليه.
وقوله عزّ وجلّ: {من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلّة} يعني: يوم القيامة " والخلّة " الصداقة،
ويجوز {لا بيع فيه ولا خلّة ولا شفاعة}، {لا بيع فيه ولا خلّة ولا شفاعة}، على الرفع بتنوين والنصب (بغير تنوين)،
ويجوز {لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة} بنصب الأول بغير تنوين وعطف الثاني على موضع الأول، لأن موضعه نصب، إلا أن التنوين حذف لعلة قد ذكرناها، ويكون دخول " لا " مع حروف العطف مؤكدا، لأنك إذا عطفت على موضع ما بعد " لا " عطفته بتنوين.

تقول: لا رجل وغلاما لك.
قال الشاعر:
فلا أب وابنا مثل مروان وابنه... إذا هو بالمجد ارتدى أو تأزّرا.
ومعنى {والكافرون هم الظّالمون} أي: هم الذين وضعوا الأمر غير موضعه وهذا أصل الظلم في اللغة). [معاني القرآن: 1/335-336]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة}
قوله: {أنفقوا} تصدقوا والخلة الصداقة). [معاني القرآن: 1/259]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ولا خلة} أي: لا صداقة تنفع يومئذ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 42]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الخُلَّـــةٌ}: المــــودة). [العمدة في غريب القرآن: 92]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {القيّوم}: القائم وهو الدائم الذي لا يزول، وهو فيعول.
{سنةٌ} السّنة: النّعاس، والوسنة: النّعاس أيضاً. قال عدي بن الرّقاع:
وسنان أقصده النّعاس فرنّقت... في عينه سنةٌ وليس بنائم
{ولا يئوده}: ولا يثقله، تقول: لقد آداني هذا الأمر، وما أداك فهو لي آئدٌ، قال الكميت:
علينا كالنّهاء مضاعفات... من الماذيّ لم تؤد المتونا
تقول: ما أثقلك فهو لي مثقل). [مجاز القرآن: 1/78-79]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({اللّه لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ لّه ما في السّماوات وما في الأرض من ذا الّذي يشفع عنده إلاّ بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيءٍ مّن علمه إلاّ بما شاء وسع كرسيّه السّماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العليّ العظيم}
قال: {لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ} تقول "وسن" يوسن" "سنّة" و"وسناً"
وقال: {ولا يؤوده حفظهما} لأنه من "آده" "يؤوده" "أوداً" وتفسيره: لا يثقله). [معاني القرآن: 1/148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({القيوم}: القائم وهو الدائم.
{سنة}:السنة النعاس والوسنان من ذلك.
{يؤده}: يثقله، أدني الشيء يؤودني أودا). [غريب القرآن وتفسيره: 96]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ):(السّنة): النّعاس من غير نوم.
قال ابن الرّقاع:

وسنان أقصده النّعاس فرنقت في عينه سنة وليس بنائم
فأعلمك أنه وسنان، أي: ناعس، وهو غير نائم. وفرق اللّه سبحانه بين السّنة والنوم، يدلّك على ذلك.
{ولا يؤده حفظهما} أي لا يثقله. يقال: آده الشيء يؤوده وآده يئيده، والوأد: الثّقل). [تفسير غريب القرآن: 93]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {اللّه لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السّماوات وما في الأرض من ذا الّذي يشفع عنده إلّا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلّا بما شاء وسع كرسيّه السّماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العليّ العظيم}
يروى عن ابن عباس رحمة الله عليه أنّه قال: أشرف آية في القرآن آية الكرسي.
وإعراب {لا إله إلا هو} النصب بغير تنوين في {إله} المعنى: لا إله لكل مخلوق إلا هو، وهو محمول على موضع الابتداء المعنى ما إله للخلق إلا هو، وإن قلت في الكلام لا إله إلا الله جاز،
أما القرآن فلا يقرأ فيه إلا بما قد قرأت القراء به، وثبتت به الرواية الصحيحة، ولو قيل في الكلام لا رجل عندك إلا زيدا جاز، ولا إله إلا اللّه جاز ولكن الأجود ما في القرآن، وهو أجود أيضا في الكلام.

قال اللّه عزّ وجلّ: {إنّهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلّا اللّه يستكبرون} فإذا نصبت بعد إلا فإنما نصبت على الاستثناء.
وقوله عزّ وجلّ: {الحيّ القيّوم}
معنى {الحيّ}: الدائم البقاء،
ومعنى {القيّوم}: القائم بتدبير سائر أمر خلقه
ويجوز القائم، ومعناهما واحد.
فهو الله عزّ وجلّ قائم بتدبير أمر الخلق في إنشائهم ورزقهم وعلمه بأمكنتهم وهو قوله عزّ وجلّ: {وما من دابّة في الأرض إلّا على اللّه رزقها ويعلم مستقرّها ومستودعها}.
ومعنى: {لا تأخذه سنة} أي: لا يأخذه نعاس.
{ولا نوم} وتأويله أنه لا يغفل عن تدبير أمر الخلق.
ومعنى {من ذا الّذي يشفع عنده إلّا بإذنه} أي: لا يشفع عنده إلا بما أمر به من دعاء بعض المسلمين لبعض ومن تعظيم المسلمين أمر الأنبياء والدعاء لهم، وما علمنا من شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما كان المشركون يزعمون أنّ الأصنام تشفع لهم، والدليل على ذلك قولهم: {ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى} وذلك قولهم: {ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه}، فأنبأ اللّه عزّ وجلّ أن الشفاعة ليست إلا ما أعلم من شفاعة بعض المؤمنين لبعض في الدعاء وشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ومعنى {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}أي: يعلم الغيب الذي تقدمهم والغيب الذي يأتي من بعدهم.
ومعنى {ولا يحيطون بشيء من علمه إلّا بما شاء} أي: لا يعلمون الغيب لا مما تقدمهم ولا مما يكون من بعدهم.
ومعنى {إلّا بما شاء}: إلا بما أنبأ به ليكون دليلا على تثبيت نبوتهم.
وقوله عزّ وجلّ: {وسع كرسيّه السّماوات والأرض} قيل فيه غير قول:
1-قال ابن عباس: كرسيه علمه
ويروى عن عطاء أنه
قال: ما السّماوات والأرض في الكرسي إلا حلقة في فلاة، وهذا القول بين لأن الذي نعرفه من الكرسي في اللغة: الشيء الذي يعتمد عليه ويجلس عليه.
فهذا يدل أن الكرسي عظيم، عليه السّماوات والأرضون، والكرسيّ في اللغة والكراسة إنما هو الشيء الذي ثبت ولزم بعضه بعضا، والكرسي ما تلبّد بعضه على بعض في آذان الغنم ومعاطن الإبل.
2- وقال قوم: {كرسيّه} قدرته التي بها يمسك السّماوات والأرض.
قالوا: وهذا قولك اجعل لهذا الحائط كرسيا، أي اجعل له ما يعمده ويمسكه، وهذا قريب من قول ابن عباس رحمه اللّه لأن علمه الذي وسع السموات والأرض لا يخرج من هذا.
واللّه أعلم بحقيقة الكرسي، إلا أن جملته أنه أمر عظيم من أمره - جلّ وعزّ.
ومعنى {ولا يئوده حفظهما}أي: لا يثقله، فجائز أن تكون الهاء للّه عزّ وجلّ، وجائز أن تكون للكرسي، وإذا كانت للكرسي فهو من أمر اللّه). [معاني القرآن: 1/336-338]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {الله لا إله إلا هو}أي: لا إله للخلق إلا هو.
{الحي القيوم} أي: القائم بخلقه المدبر لهم.
وروي عن ابن عباس القيوم الذي لا يزول.
وقرأ عمر بن الخطاب رحمة الله عليه (القيام).
وقرأ علقمة (الحي القيم).
قال ابن كيسان: القيوم فيعول من القيام وليس بفعول لأنه ليس في الكلام فعول من ذوات الواو ولو كان ذلك لقيل قووم، والقيام فيعال أصله القيوام، وأصل القيوم القيووم وأصل القيم في قول البصرين القيوم.
وقال الكوفيون الأصل القويم.
قال ابن كيسان: ولو كان كذا في الأصل لم يجز فيه التغير كما لا يجوز في طويل وسويق.
وقوله جل وعز: {لا تأخذه سنة ولا نوم}
قال الحسن وقتادة: نعسة.
وأنشد أهل اللغة:
وسنان اقصده النعاس فرنقت = في عينه سنة وليس بنائم
والمعنى: لا يفصل عن تدبير أمر الخلق.
قال تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} لما قالوا الأصنام شفعاؤنا عند الله فأعلم الله أن المؤمنين إنما يصلون على الأنبياء ويدعون للمؤمنين كما أمروا وأذن لهم
ثم قال تعالى: {يعلم ما بين أيديهم} أي: ما تقدمهم من الغيب {وما خلفهم} ما يكون بعدهم
{ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} لا يعلمون من ذلك شيئا إلا ما أراد أن يطلعهم عليه أو يبلغه أنبياؤه تثبيتا لنبوتهم
ثم قال تعالى: {وسع كرسيه السموات والأرض}
وحكى يعقوب الحضرمي وسع كرسيه السموات والأرض ابتداء وخبر
وروى سفيان وهشيم عن مطرف عن جعفر عن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {وسع كرسيه السموات والأرض} قال: علمه ألا ترى إلى قوله: {ولا يؤوده حفظهما}
وقد استشهد لهذا القول ببيت لا يعرف وهو ولا يكرسيء علم الله مخلوق
أي: لا يعلم علم الله مخلوق وهو أيضا لحن لأن الكرسي غير مهموز
وقيل كرسيه قدرته التي يمسك بها السموات والأرض كما تقول اجعل لهذا الحائط كرسيا أي ما يعمده وهذا قريب من قول ابن عباس.
وقال أبو هريرة: الكرسي بين يدي العرش.
وفي الحديث ((ما السموات والأرض في جوف الكرسي إلا كحلقة في أرض فلاة))
والله جل وعز أعلم بما أراد غير أن الكرسي في اللغة: الشيء الذي يعتمد عليه وقد ثبت ولزم بعضه بعضا ومنه الكراسة والكرسي ما تلبد بعضه على بعض
وقال الحسن: الكرسي هو العرش.
ومال محمد ابن جرير إلى قول ابن عباس وزعم أنه يدل على صحته ظاهر القرآن وذلك قوله عز وجل: {ولا يؤوده حفظهما}
وقال جل وعز إخبارا: {ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما} فأخبر أن علمه وسع كل شيء وكذا وسع كرسيه السموات والأرض والضمير الذي في حفظهما للسموات والأرض
ثم قال تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}
قال الحسن وقتادة: لا يثقل عليه.
قال أبو إسحاق:
فجائز أن تكون: الهاء لله عز وجل
وجائز أن تكون: للكرسي وإذا كانت للكرسي هو من أمر الله).
[معاني القرآن: 1/259-266]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ((السنة) النعاس من غير نوم، (وسنة) أصله (وسنة)، والوسنة من الوسن، يريد الغفوة التي تلبس المرء قبل النوم، نقلت حركة الواو على السين، تقول، ضربني الوسن، تريد الغفوة.
{يؤوده} يثقله. والأود: الثقل). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 42]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْقَيُّومُ}: الدائم.
{سِنَةٌ}
: نعاس.
{لاَ يَؤُودُهُ}: لا يثقله). [العمدة في غريب القرآن: 92]

تفسير قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا انفصام لها} أي: لا تكسر، وقال الكميت:
فهم الآخذون من ثقة الامر... بتقواهم وعرىً لا إنفصام لها)
{بالطّاغوت}: الطّاغوت: الأصنام، والطواغيت من الجن والإنس شياطينهم. {العروة الوثقى} شبّه بالعرى التي يتمسك بها). [مجاز القرآن: 1/79]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({لا إكراه في الدّين قد تّبيّن الرّشد من الغيّ فمن يكفر بالطّاغوت ويؤمن باللّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها واللّه سميعٌ عليمٌ}
قال: {قد تّبيّن الرّشد من الغيّ} وإن شئت {الرّشد من الغيّ} مضمومة ومفتوحة). [معاني القرآن: 1/149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({الطاغوت}: الأصنام والطواغيت من الجن والإنس شياطينهم
{العروة الوثقى}: شبهت بالعروة التي يتمسك بها). [غريب القرآن وتفسيره: 96-97]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): {لا انفصام لها} أي: لا انكسار. يقال: فصمت القدح، إذا كسرته وقصمته). [تفسير غريب القرآن: 93]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرّشد من الغيّ فمن يكفر بالطّاغوت ويؤمن باللّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها واللّه سميع عليم}
(إكراه) نصب بغير تنوين، ويجوز الرفع " لا إكراه " ولا يقرا به إلا أن تثبت رواية صحيحة وقالوا في (لا إكراه في الدّين) ثلاثة أقوال:
1- قال بعضهم إن هذه نسخها أمر الحرب في قوله جلّ وعزّ: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم}
2- وقيل إن هذه الآية نزلت بسبب أهل الكتاب في أنّ لا يكرهوا بعد أن يؤدوا الجزية، فأما مشركو العرب فلا يقبل منهم جزية وليس في أمرهم إلا القتل أو الإسلام.

3- وقيل معنى {لا إكراه في الدّين} أي: لا تقولوا فيه لمن دخل بعد حرب أنه دخل مكرها، لأنه إذا رضي بعد الحرب وصح إسلامه فليس بمكره.
ومعنى {فمن يكفر بالطّاغوت}: قيل الطاغوت مردة أهل الكتاب، وقيل إن الطاغوت الشيطان، وجملته أن من يكفر به، وصدق باللّه وما أمر به فقد استمسك بالعروة الوثقى، أي: فقد عقد لنفسه عقدا وثيقا لا تحله حجة.
وقوله عزّ وجلّ: {لا انفصام لها}: لا انقطاع لها.
يقال فصمت الشيء أفصمه فصما أي قطعته.
ومعنى {واللّه سميع عليم} أي: يسمع ما يعقد على نفسه الإنسان من أمر الإيمان، ويعلم نيته في ذلك). [معاني القرآن: 1/338-339]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {لا إكراه في الدين}
حدثنا أحمد بن محمد بن سلمة يعنى الطحاوي قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا وهب بن جرير عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {لا إكراه في الدين} قال: كانت المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد فتحلف لئن عاش ولد لتهودنه فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم ناس من أبناء الأنصا،ر فقالت: الأنصار يا رسول الله أبناؤنا، فأنزل الله: {لا إكراه في الدين}.
قال سعيد ابن جبير: فمن شاء لحق بهم ومن شاء دخل الإسلام.
قال أبو جعفر: أي وأقام.
وقال الشعبي: هي في أهل الكتاب خاصة لا يكرهون إذا أدوا الجزية.
وقال سليمان بن موسى: نسخها جاهد الكفار والمنافقين وتأولها عمر على أنه لا يكره المملوك على الإسلام.
وقيل لا يقال لمن أسلم من أهل الحرب أسلمت مكرها لأنه إذا ثبت على الإسلام فليس بمكره). [معاني القرآن: 1/266-268]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {فمن يكفر بالطاغوت}
روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: الطاغوت الشيطان والجبت السحر.
وقال الشعبي وعكرمة والضحاك: الطاغوت الشيطان.
وقال الحسن: الطاغوت الشياطين.
وحدثنا سعيد بن موسى بقرقيسيا قال حدثنا محمد بن مالك عن يزيد عن يزيد عن محمد بن سلمة عن خصيف قال: الجبت الكاهن والطاغوت الشيطان.
وقال الشعبي وعكرمة والضحاك: الطاغوت الشيطان.
وقال مجاهد في قوله تعالى: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت}هو كعب بن الأشرف.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال متقاربة وأصل الطاغوت في اللغة مأخوذ من الطغيان يؤدي عن معناه من غير اشتقاق كما قيل اللآل من اللؤلؤ.
قال سيبويه وأما الطاغوت فهو اسم واحد مؤنث يقع على الجمع
فعلى قول سيبويه: إذا جمع فعله ذهب به إلى الشياطين وإذا وحده ذهب به إلى الشيطان.
قال أبو جعفر: ومن حسن ما قيل في الطاغوت أنه من طغى على الله وأصله طغووت مثل جبروت من طغى إذا تجاوز حده ثم تقلب اللام فتجعل عينا وتقلب العين فتجعل لاما كجبذ وجذب ثم تقلب الواو ألفا لتحركها وتحرك ما قبلها فتقول طاغوت.
والمعنى: فمن يجد ربوبية كل معبود من دون الله ويصدق بالله.
وأصل الجبت في اللغة: الذي لا خير فيه.
وقال قطرب: أصله الجبس وهو الثقيل الذي لا خير فيه.
وقال أبو عبيدة: الجبت والطاغوت كل ما عبد من دون الله.
قال أبو جعفر: وهذا غير خارج مما قلنا وخالف محمد بن يزيد سيبويه في قوله هو اسم واحد فقال الصواب عندي أنه جماعة.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد {فقد استمسك بالعروة الوثقى} أي: الإيمان.
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس بالعروة الوثقى لا إله إلا الله.
ثم قال تعالى: {لا انفصام لها}
قال مجاهد: أي لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم أي لا يزيل عنهم اسم الإيمان حتى يكفروا
يقال فصمت الشيء أي قطعته). [معاني القرآن: 1/268-272]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لا انفصام لها} أي: لا انكسار لها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 43]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الطَّاغُـــوتِ}: الشيطـــان). [العمدة في غريب القرآن: 92]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أولياؤهم الطّاغوت} في موضع جميعٍ لقوله: {يخرجونهم}، والعرب تفعل هذا، قال:
في حلقكم عظمٌ وقد شجينا
وقال العباس بن مرداس:
فقلنا أسلموا إنا أخوكم... فقد برئت من الإحن الصّدور). [مجاز القرآن: 1/79]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم مّن الظّلمات إلى النّور والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يخرجونهم مّن النّور إلى الظّلمات أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}
[قال] {والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت} جماعة في المعنى وهو في اللفظ واحد وقد جمع فقالوا "الطواغيت". وأما قوله:
{يخرجهم مّن الظّلمات إلى النّور} فيقول: "يحكم بأنّهم كذاك" كما تقول: "قد أخرجك الله من ذا الأمر" ولم تكن فيه قط.
وتقول: "أخرجني فلان من الكتبة" ولم تكن فيها قط. أي: لم يجعلني من أهلها ولا فيها).
[معاني القرآن: 1/149]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}
يقال قد توليت فلانا، ووليت فلانا ولاية، والولاية بالكسر اسم لكل ما يتولى، ومعنى ولى على ضروب، فاللّه - ولي المؤمنين في حجاجهم وهدايتهم، وإقامة البرهان لهم لأنه يزيدهم بإيمانهم هداية، كما قال عزّ وجلّ: {والّذين اهتدوا زادهم هدى}.
ووليهم أيضا في نصرهم وإظهار دينهم على دين مخالفيهم،
ووليهم أيضا بتولي قولهم ومجازاتهم بحسن أعمالهم.

وقوله عزّ وجلّ: {يخرجهم من الظّلمات إلى النّور} أي: يخرجهم من ظلمات الجهالة إلى نور الهدى لأن أمر الضلالة مظلم غير بين، وأمر الهدى واضح كبيان النور.
وقد قال قوم {يخرجهم من الظّلمات إلى النّور} يحكم لهم بأنهم خارجون من الظلمات إلى النور، وهذا ليس قول أهل التفسير، ولا قول أكثر أهل اللغة.
إنما قاله الأخفش وحده.
والدليل على أنه يزيدهم هدى ما ذكرناه من الآية.
وقوله عزّ وجلّ: {فأمّا الّذين آمنوا فزادتهم إيمانا}.
ومعنى {والّذين كفروا أولياؤهم الطاغوت}أي: الذين يتولون أمرهم هم الطاغوت.
وقد فسرنا الطاغوت.
و {الطاغوت} ههنا واحد في معنى جماعة، وهذا جائز في اللغة إذا كان في الكلام دليل على الجماعة.
قال الشاعر:
بها جيف الحسرى فأمّا عظامها... فبيض وأمّا جلدها فصليب
جلدها في معنى جلودها). [معاني القرآن: 1/339-340]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور}
قال الضحاك: الظلمات الكفر والنور الإيمان ومثل الكفر بالظلمات والإيمان بالنور.
قرئ على أحمد بن شعيب عن محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا المعتمر قال سمعت منصورا يحدث رجل عن عبدة بن أبي لبابة في هذه الآية {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} إلى قوله: {هم فيها خالدون} قال: هم أناس كانوا آمنوا بعيسى فلما جاء محمد كفروا به قال وكان ناس قد كفروا بعيسى فلما جاء محمد آمنوا به فنزلت هذه الآية فيهم.
قال أبو عبد الرحمن رواه جرير عن منصور عن مجاهد.
فإن قيل: ما معنى {يخرجونهم من النور إلى الظلمات} ولم يكونوا في نور قط؟
فالجواب: أنه يقال رأيت فلانا خارج الدار وإن لم يكن خرج منها وأخرجته من الدار جعلته في خارجها وكذا أخرجه من النور جعله خارجا منه وإن لم يكن كان فيه
وقيل هذا تمثيل لما صرفوا عنه كانوا بمنزلة من أخرج منه كما يقال لم أخرجتني من ملتك.
وقيل لما ولدوا على الفطرة وهي أخذ الميثاق وما فطروا عليه من معرفة الله جل وعز: {ثم كفروا} كانوا قد أخرجوا من النور.
قال الأخفش: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} يحكم بأنهم كذلك تقول قد أخرجكم الله من هذا الأمر ولم تكونوا فيه قط
قال أبو إسحاق: ليس هذا بشيء إنما هو يزيدهم بإيمانهم هدى وهو وليهم في حجاجهم وهدايتهم وفي نصرهم على عدوهم ويتولى ثوابهم). [معاني القرآن: 1/273-275]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 09:27 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 258 إلى 262]

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)}

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم...}
وإدخال العرب (إلى) في هذا الموضع على جهة التعجّب؛ كما تقول للرجل: أما ترى إلى هذا! والمعنى - والله أعلم -: هل رأيت مثل هذا أو رأيت هكذا! والدليل على ذلك أنه قال: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ} فكأنه قال: هل رأيت كمثل الذي حاجّ إبراهيم في ربه {أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها} وهذا في جهته بمنزلة ما أخبرتك به في مالك وما منعك.
ومثله قول الله تبارك وتعالى: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون للّه} ثم قال تبارك وتعالى: {قل من ربّ السموات السّبع وربّ العرش العظيم. سيقولون لله} فجعل اللام جوابا وليست في أوّل الكلام. وذلك أنك إذا قلت: من صاحب هذه الدار؟ فقال لك القائل: هي لزيد، فقد أجابك بما تريد. فقوله: زيدٌ ولزيدٍ سواء في المعنى. فقال: أنشدني بعض بني عامر:

فأعلم أنني سأكون رمساً * إذا سار النواجع لا يسير
فقال السائرون لمن حفرتم * فقال المخبرون لهم: وزير
ومثله في الكلام أن يقول لك الرجل: كيف أصبحت؟ فتقول أنت: صالح، بالرفع، ولو أجبته على نفس كلمته لقلت: صالحا. فكفاك إخبارك عن حالك من أن تلزم كلمته.
ومثله قول الله تبارك وتعالى: {ما كان محمد أبا أحدٍ من رجالكم ولكن
رسول الله} وإذا نصبت أردت: ولكن كان رسول الله، وإذا رفعت أخبرت، فكفاك الخبر مما قبله. وقوله: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء} رفع وهو أوجه من النصب، لأنه لو نصب لكان على: ولكن أحسبهم أحياء؛ فطرح الشكّ من هذا الموضع أجود.
ولو كان نصبا كان صوابا كما تقول: لا تظننه كاذبا، بل اظننه صادقا.
وقال الله تبارك وتعالى: {أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوّي بنانه} إن شئت جعلت نصب قادرين من هذا التأويل، كأنه في مثله من الكلام قول القائل: أتحسب أن لن أزورك؟ بل سريعا إن شاء الله، كأنه قال: بلى فاحسبني زائرك. وإن كان الفعل قد وقع على (أن لن نجمع) فإنه في التأويل واقع على الأسماء. وأنشدني بعض بني فقعس:

أجدّك لن ترى بثعيلبات * ولا بيدان ناجيةً ذمولا
ولا متداركٍ والشمس طفلٌ * ببعض نواشغ الوادي حمولا
فقال: ولا متداركٍ، فدلّ ذلك على أنه أراد ما أنت براءٍ بثعيلبات كذا ولا بمتداركٍ.
وقد يقول بعض النحويّين: إنا نصبنا (قادرين) على أنها صرفت عن نقدر، وليس ذلك بشيء، ولكنه قد يكون فيه وجه آخر سوى ما فسّرت لك: يكون خارجا من (نجمع) كأنه في الكلام قول القائل: أتحسب أن لن أضربك؟ بلى قادرا على قتلك، كأنه قال: بلى أضربك قادراً على أكثر من ضربك).
[معاني القرآن: 1/170-171]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فبهت}: انقطع وذهبت حجته، و"بهت" أكثر الكلام، و"بهت" إن شئت). [مجاز القرآن: 1/79]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه اللّه الملك إذ قال إبراهيم ربّي الّذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الّذي كفر واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
قال: {فبهت الّذي كفر} أي: بهته إبراهيم و{بهت} أجود وأكثر). [معاني القرآن: 1/149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({فبهت الذي كفر}: انقطع وذهبت حجته. والباهت: الناظر الذي لا يحير شيئا). [غريب القرآن وتفسيره: 97]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه اللّه الملك} أي حاجّة لأن آتاه اللّه الملك، فأعجب بنفسه وملكه فقال: {أنا أحيي وأميت} أي: أعفو عمن استحق القتل فأحييه، و«أميت»: أقتل من أريد قتله فيموت.
{فبهت الّذي كفر} أي: انقطعت حجته). [تفسير غريب القرآن:93-94]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه اللّه الملك إذ قال إبراهيم ربّي الّذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الّذي كفر واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
هذه كلمة يوقف بها المخاطب على أمر يعجب منه، ولفظها لفظ استفهام، تقول في الكلام: ألم تر إلى فلان صنع كذا وصنع كذا.
وهذا مما أعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة على أهل الكتاب ومشركي العرب لأنه نبأ لا يجوز أن يعلمه إلا من وقف عليه بقراءة كتاب أو تعليم معلم، أو بوحي من اللّه عزّ وجلّ.
فقد علمت العرب الذين نشأ بينهم رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أنه أمّيّ، وأنه لم يعلم التوراة والإنجيل وأخبار من مضى من الأنبياء، فلم يبق وجه تعلم منه هذه الأحاديث إلا الوحي.
وقوله عزّ وجلّ: {أن آتاه اللّه الملك} أي: آتى الكافر الملك، وهذا هو الذي عليه أهل التفسير وعليه يصح المعنى، وقال قوم إن الذي آتاه - الله الملك إبراهيم عليه السلام وقالوا: اللّه عزّ وجلّ لا يملك الكفار وإنما قالوا هذا لذكره عزّ وجلّ: {آتاه الملك} واللّه قال: {تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء} فتأويل إيتاء اللّه الكافر الملك ضرب من امتحانه الذي يمتحن الله به خلقه، وهو أعلم بوجه الحكمة فيه.
والدليل على أن الكافر هو الذي كان ملّك إنّه قال: {أنا أحيي وأميت} وأنه دعا برجلين فقتل أحدهما وأطلق الآخر، فلولا أنه كان ملكا وإبراهيم عليه السلام غير ملك لم يتهيأ له أن يقتل وإبراهيم الملك، وهو النبي عليه السلام.
وأمّا معنى احتجاجه على إبراهيم بأنه يحيى ويميت، وترك إبراهيم مناقضته في الإحياء والإماتة، فمن أبلغ ما يقطع به الخصوم ترك الإطالة والاحتجاج بالحجة المسكتة لأن إبراهيم لما قال له: {فإنّ اللّه يأتي بالشّمس من المشرق فأت بها من المغرب} كان جوابه على حسب ما أجاب في المسألة الأولى أن يقول: فأنا أفعل ذلك فتبيّن عجزه وكان في هذا إسكات الكافر فقال اللّه عز وجل: {فبهت الّذي كفر} وتأويله انقطع وسكت متحيّرا، يقال: بهت الرجل يبهت بهتا إذا انقطع وتحير، ويقال بهذا المعنى " بهت الرجل يبهت "، ويقال بهت الرجل أبهته بهتانا إذا قابلته بكذب). [معاني القرآن: 1/340-341]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (قوله جل وعز: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه}
وهذه ألف التوقيف وفي الكلام معنى التعجب أي اعجبوا له.
قال ابن عباس ومجاهد: هو نمروذ بن كنعان.
قال سفيان: فدعا برجلين فقتل أحدهما واستحيا الآخر.
قال سفيان: فبهت الذي كفر فسكت فلم يجبه بشيء.
وقرئ {فبهت الذي كفر} أي: فبهت إبراهيم الذي كفر). [معاني القرآن: 1/275-276]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ):{فبهت الذي كفر} أي: تحير). [ياقوتة الصراط: 181]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فبهت الذي كفر} أي: انقطعت حجته.
(العروش) السقوف). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 43]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَبُهِتَ}: انقطع في حجته). [العمدة في غريب القرآن: 93]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {كم لبثت} وقد جرى الكلام بالإدغام للثاء؛ لقيت التاء وهي مجزومة.
وفي قراءة عبد الله (اتّختّم العجل) (وإني عتّ بربي وربكم) فأدغمت الذال أيضا عند التاء، وذلك أنهما متناسبتان في قرب المخرج، والثاء والذال مخرجهما ثقيل، فأنزل الإدغام بهما لثقلهما؛ ألا ترى أن مخرجهما من طرف اللسان.
وكذلك الظاء تشاركهن في الثقل. فما أتاك من هذه الثلاثة الأحرف فأدغم. وليس تركك الإدغام بخطأ، إنما هو استثقال.
والطاء والدال يدغمان عند التاء أيضا إذا أسكنتا؛ كقوله: {أحطت بما لم تحط به} تخرج الطاء في اللفظ تاء، وهو أقرب إلى التاء من الأحرف الأول، تجد ذلك إذا امتجنت مخرجيهما).
[معاني القرآن: 1/172]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {لم يتسنّه} جاء التفسير: لم يتغير [بمرور السنين عليه، مأخوذ من السنة]، وتكون الهاء من أصله [من قولك: بعته مسانهة، تثبت وصلا ووقفا. ومن وصله بغير هاء جعله من المساناة؛ لأن لام سنة تعتقب عليها الهاء والواو]، وتكون زائدةً صلةً بمنزلة قوله: {فبهداهم اقتده} فمن جعل الهاء زائدة جعل فعّلت منه تسنيت؛ ألا ترى أنك تجمع السنة سنوات فيكون تفعّلت على صحة، ومن قال في [تصغير] السنة سنينة وإن كان ذلك قليلا جاز أن يكون تسنيت تفعّلت أبدلت النون بالياء لمّا كثرت النونات، كما قالوا تظنّيت وأصله الظن.
وقد قالوا هو مأخوذ من قوله: {من حمإٍ مسنون} يريد: متغيّر. فإن يكن كذلك فهو أيضا مما أبدلت نونه ياء.
ونرى أن معناه مأخوذ من السنة؛ أي لم تغيّره السنون. والله أعلم.
حدّثنا محمد بن الجهم، قال حدّثنا الفراء، قال حدثني سفيان بن عيينة رفعه إلى زيد
ابن ثابت قال: كتب في حجر ننشزها ولم يتسن وانظر إلى زيد بن ثابت فنقط على الشين والزاي أربعا وكتب {يتسنه} بالهاء.
وإن شئت قرأتها في الوصل على وجهين:
1-تثبت الهاء وتجزمها،
2- وإن شئت حذفتها؛ أنشدني بعضهم:

فليست بسنهاء ولا رجّبيّة * ولكن عرايا في السنين الجوائح
والرجّبيّة: التي تكاد تسقط فيعمد حولها بالحجارة. والسنهاء: النخلة القديمة. فهذه قوّة لمن أظهر الهاء إذا وصل). [معاني القرآن: 1/172-173]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولنجعلك آيةً للنّاس} إنما أدخلت فيه الواو لنيّة فعل بعدها مضمر؛ كأنه قال: ولنجعلك آية فعلنا ذلك. وهو كثير في القرآن.
وقوله: {آيةً للنّاس} حين بعث أسود اللحية والرأس وبنو بنيه شيب، فكان آية لذلك).
[معاني القرآن: 1/173]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ننشزها} قرأها زيد بن ثابت كذلك، والإنشاز نقلها إلى موضعها.
وقرأها ابن عباس "ننشرها". إنشارها: إحياؤها. واحتجّ بقوله: {ثم إذا شاء أنشره}.
وقرأ الحسن - فيما بلغنا - {ننشرها} ذهب إلى النشر والطيّ.
والوجه أن تقول: أنشر الله الموتى فنشروا إذا حيوا، كما قال الأعشى:

* يا عجبا للميت الناشر *
وسمعت بعض بني الحارث يقول: كان به جرب فنشر، أي: عاد وحيي. وقوله: "فلما تبين له قال أعلم أنّ الله على كل شيء قدير" جزمها ابن عبّاس، وهي في قراءة أبيّ وعبد الله جميعا: "قيل له اعلم" واحتجّ ابن عباس فقال: أهو خير من إبراهيم وأفقه؟ فقد قيل له: {واعلم أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ}.
والعامّة تقرأ: "أعلم أن الله" وهو وجه حسن؛ لأن المعنى كقول الرجل عند القدرة تتبين له من أمر الله: (أشهد أن لا إله إلا الله) والوجه الآخر أيضا بيّن).
[معاني القرآن: 1/173-174]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {خاويةٌ}: لا أنيس بها، {على عروشها} على بيوتها وأبنيتها.
{لم يتسنّه}: لم تأت عليه السنون فيتغير، وهذا في قول من قال للسنة: (سنية) مصغرة، وليست من الأسن المتغير، ولو كانت منها لكانت ولم يتأسن.
{ننشرها}: نجييها ومن قال: (ننشزها) قال: ننشز بعضها إلى بعض) ). [مجاز القرآن: 1/80]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها قال أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مائة عامٍ ثمّ بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يومٍ قال بل لّبثت مائة عامٍ فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آيةً للنّاس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحماً فلمّا تبيّن له قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}
قال: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ} الكاف زائدة والمعنى - والله أعلم - {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه} {أو كالّذي مرّ على قريةٍ} والكاف زائدة.
وفي كتاب الله {ليس كمثله شيءٌ} يقول: "ليس كهو" لأنّ الله ليس له مثل.

وقال: {لم يتسنّه} فتثبت الهاء للسكوت وإذا وصلت حذفتها مثل (إخشه).
وأثبتها بعضهم في الوصل فقال: {لم يتسنّه وانظر} فجعل الهاء من الأصل وذلك في المعنى: لم تمرر عليه السنون "فـ" السّنة" منهم من يجعلها من الواو فيقول: "سنيّةٌ" ومنهم من يجعلها من الهاء فيقول: "سنيهةٌ" يجعل الذي ذهب منها هاء كأنه أبدلها من الواو كما قالوا: "أسنتوا": إذا أصابتهم السنون. أبدل التاء من الهاء ويقولون: "بعته مساناةً" و"مسانهةً". ويكون: {لم يتسنّه} أن تكون هذه الهاء للسكوت.
ويحمل قول الذين وصلوا بالهاء على الوقف الخفي وبالهاء نقرأ في الوصل.

وقال: {وانظر إلى حمارك ولنجعلك آيةً للنّاس وانظر إلى العظام كيف ننشزها} من "نشرت" التي هي "ضدّ "طويت"
وقال بعضهم {ننشزها} لأنه قد تجتمع "فعلت" و"أفعلت" كثيراً في معنى واحد تقول: "صددت" و"أصددت" وقد قال: {ثمّ إذا شاء أنشره} وقال بعضهم {ننشرها} أي: نرفعها. تقول: "نشز هذا" و"أنشزته".

وقال: {أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} إذا عنى نفسه.
وقال بعضهم {قال اعلم} جزم على الأمر كما يقول: "اعلم أنّه قد كان كذا وكذا" كأنه يقول ذاك لغيره وإنما ينبه نفسه والجزم أجود في المعنى إلا أنه أقل في القراءة والرفع قراءة العامة وبه نقرأ).
[معاني القرآن: 1/150-151]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({خاوية على عروشها}: الخاوية التي لا أنيس بها والعروش البيوت والأبنية.
{لم يتسنه}: لم تأت عليه السنون فتغيره.
{كيف ننشزها}: من قرأها بالزاي، فهي " نرفع" بعضها إلى بعض. ومن قرأها بالراء فهو نحييها يقال أنشر الله الموتى فنشروا). [غريب القرآن وتفسيره:97-98]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أو كالّذي مرّ على قريةٍ} أي: هل رأيت [أحدا كالذي حاج إبراهيم في ربه]، أو كالذي مر على قرية ؟! على طريق التعجب {وهي خاويةٌ} أي خراب.
و{عروشها} سقوفها. وأصل ذلك أن تسقط السقوف ثم تسقط الحيطان عليها.
{ثمّ بعثه اللّه}، أي: أحياه.
{لم يتسنّه}: لم يتغير بممر السنين عليه. واللفظ مأخوذ من السّنة.
يقال: سانهت النّخلة، إذا حملت عاما، وحالت عاما. قال الشاعر:
وليست بسنهاء ولا رجيبة، ولكن عرايا في السنين الجوائح
وكأن «سنة» من المنقوص: وأصلها: «ستهة».
فمن ذهب إلى هذا قرأها - في الوصل والوقف - بالهاء: «يتسنّه».

قال أبو عمرو الشّيباني: «لم يتسنّه»: لم يتغير، من قوله: من حمإٍ مسنونٍ، فأبدلوا النون من «يتسنّن» هاء.
كما قالوا: تظنّيت وقصّيت أظفاري، وخرجنا نتلعّى. أي نأخذ اللّعاع. وهو: بقل ناعم.

{ولنجعلك آيةً للنّاس} أي: دليلا للناس، وعلما على قدرتنا.
وأضمر «فعلنا ذلك».
كيف ننشرها بالراء، أي: نحييها. يقال: أنظر اللّه لميت فنشر. وقال: {ثمّ إذا شاء أنشره} [عبس: 22].
ومن قرأ {ننشزها} بالزاي، أراد: نحرك بعضها إلى بعض ونزعجه. ومنه يقال: نشز الشيء، ونشزت المرأة على زوجها.
وقرأ الحسن: «ننشرها». كأنه من النّشر عن الطّيّ. أو على أنه يجوز «أنشر اللّه الميت ونشره»: إذا أحياه. ولم أسمع به [في «فعل» و«أفعل»]). [تفسير غريب القرآن:94-96]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أو كالّذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مائة عام ثمّ بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للنّاس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحما فلمّا تبيّن له قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير}
هذا الكلام معطوف على معنى الكلام الأول، والمعنى - واللّه أعلم - أرأيت كالذي مرّ على قرية، والقرية في اللغة: سميت قرية لاجتماع الناس فيها، يقال قريت الماء في الحوض إذا جمعته.
وقوله عزّ وجلّ: {وهي خاوية على عروشها}.
معنى {خاوية}: خالية -
و {عروشها} - قال أبو عبيدة: هي الخيام وهي بيوت الأعراب، وقال غير أبي عبيدة: معنى {وهي خاوية على عروشها}: بقيت حيطانها لا سقوف لها.

ويقال خوت الدار والمدينة تخوي خواء - ممدود - إذا خلت من أهلها، ويقال فيها: " خويت " والكلام هو الأول - ويقال للمرأة إذا خلا جوفها بعد الولادة وللرجل إذا خلا جوفه من الطعام - قد خوي ويخوى خوى - مقصور - وقد يقال فيه خوى يخوي - والأول في هذا أجود.
وقوله عزّ وجلّ: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها} معناه: من أين يحيي هذه اللّه بعد موتها.
وقيل في التفسير إنه كان مؤمنا وقد قيل إنه كان كافرا، ولا ينكر أن يكون مؤمنا أحبّ أن يزداد بصيرة في إيمانه فيقول: ليت شعري كيف تبعث الأموات كما قال إبراهيم عليه السلام: {ربّ أرني كيف تحي الموتى}.
وقوله عزّ وجلّ: {فأماته اللّه مائة عام ثمّ بعثه}معناه: ثم أحياه لأنه لا يبعث ولا يتصرف إلا وهو حي.
وقوله عزّ وجلّ: {كم لبثت}.
يقرأ بتبيين الثاء، وبإدغام الثاء في التاء، وإنما أدغمت لقرب المخرجين.
ومعنى {قال لبثت يوما أو بعض يوم}: أنه كان أميت في صدر النهار ثم بعث بعد مائة سنة في آخر النهار، فظن أنّ مقدار لبثه ما بين أول النهار وآخره، فأعلمه اللّه أنه قد لبث مائة عام وأراه علامة ذلك ببلى عظام حماره، وأراه طعامه وشرابه غير متغير وأراه كيف ينشز العظام، وكيف تكتسى اللحم.
فقال: {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه}.
يجوز بإثبات الهاء وبإسقاط الهاء في الكلام، ومعناه لم تغيره السنون، فمن قال في السنة سانهت فالهاء من أصل الكلمة، ومن قال في السّنة سانيت فالهاء زيدت لبيان الحركة، ووجه القراءة على كل حال إثباتها والوقوف عليها بغير وصل فمن جعله سانيت ووصلها إن شاء أو وقفها على من جعله من سانهت، فأما من قال: إنه من تغير من أسن الطعام يأسن فخطأ.
وقد قال بعض النحويين: إنه جائز أن يكون من (التغيير) من قولك من حمإ مسنون وكان الأصل عنده " لم يتسنن " ولكنه أبدل من النون ياء كما قال:
تقضي البازي إذا البازي كسر
يريد تقضض، وهذا ليس من ذاك لأن " مسنون " إنما هو مصبوب على سنة الطريق.
وقوله عزّ وجلّ: {وانظر إلى العظام كيف ننشزها}.
يقرأ (ننشزها) بالزاي، وننشرها، وننشرها بالراء، فمن قرأ {ننشزها} كان معناه نجعلها بعد بلاها وهجودها ناشزه ينشز بعضها إلى بعض، أي يرتفع.
والنشز في اللغة: ما ارتفع عن الأرض، ومن قرأ (ننشرها)، و (ننشرها)، فهو من أنشر اللّه الموتى ونشرهم - وقد يقال نشرهم اللّه أي بعثهم، كما قال: (وإليه النّشور).
وقوله عزّ وجلّ: {فلمّا تبيّن له قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير} معناه: فلما تبين له كيف إحياء الموتى.
قال: {أعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير}، فإن كان كلما قيل أنه كان مؤمنا، فتأويل ذكره: {أعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير} ليس لأنه لم يكن يعلم قبل ما شاهد ولكن تأويله: أني قد علمت ما كنت أعلمه غيبا - مشاهدة، ومن قرأ {اعلم أن اللّه على كل شي قدير} فتأويله إذا جزم أنه يقبل على نفسه فيقول: " اعلم أيها الإنسان أن اللّه على كل شيء قدير " - والرفع على الإخبار). [معاني القرآن: 1/342-344]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {أو كالذي مر على قرية خاوية على عروشها}
روى علي بن الحكم عن الضحاك قال: يقال هو عزير والقرية بيت المقدس.
{فأماته الله مائة عام} فكان أول شيء حيي منه رأسه فجعل ينظر إلى كل ما يخلق منه وإلى حماره.
قال سعيد عن قتادة: وذكر لنا أنه عزير أتى على بيت المقدس بعد ما خربه بختنصر قال فقال أنى تعمر هذه بعد خربها
ثم قال تعالى: {فأماته الله مائة عام}
ذكر لنا أنه مات ضحى وبعث قبل غيبوبة الشمس بعد مائة عام فقال لبثت يوما أو بعض يوم
وقال كعب: هو عزير.
قال مجاهد: هو رجل من بني إسرائيل.
قال عبد الله بن عبيد بن عمير: هو أرميا وكان نبيا.
والخاوية الخالية
وقال الكسائي: يقال خوت خويا وخواء وخواية.
والعروش السقوف أي ساقطة على سقوفها
قال أبو عبيدة: ويقال خوت عروشها بيوتها والعروش الخيام وهي بيوت الأعراب.
قال الكسائي والفراء: الكاف في قوله: {أو كالذي} عطف على معنى الكلام أي هل رأيت كالذي حاج إبراهيم: {أو كالذي مر على قرية}
وقيل: هي زائدة كما قال ليس كمثله شيء). [معاني القرآن: 1/277-279]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {لم يتسنه}
قال عكرمة وقتادة: لم يتغير.
وقال مجاهد: لم ينتن.
قال بعض أهل اللغة: لم يتسن من قولهم آسن الماء إذا أنتن.
وقال أبو عمر الشيباني: لم يتسنه لم يتغير.
من قوله تعالى: {من حمأ مسنون} ثم أبدل من إحدى النونين ياء كما قيل تقصيت وتظنيت وقصيت أظافري.
قال أبو جعفر: والقولان خطأ لو كان من قولهم أسن الماء إذا انتن لكان يتأسن.
قال أبو إسحاق: وليس مسنون لأن مسنونا مصبوب على سنة الأرض.
قال أبو جعفر: والصحيح أنه من السنة أي لم تغيره السنون). [معاني القرآن: 1/279-280]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولنجعلك آية للناس}
قال سفيان عن الأعمش قال: رجع إلى بنيه شيوخا وهو شاب.
قال الكسائي: لا يكون الملام إلا بإضمار فعل.
والمعنى عنده: فعلنا هذا لنجعلك دليلا للناس وعلما على قدرتنا ومثله وحفظا). [معاني القرآن: 1/281]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وانظر إلى العظام كيف ننشرها}أي: نحييها
و{ننشزها}
بالزاي معجمة، أي: نركب بعض
العظام على بعض ونرفع بعضها إلى بعض.
والنشز والنشز ما ارتفع عن الأرض.
ومن قرأ قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير.
فقال قتادة: في قراءته أنه جعل ينظر كيف يوصل بعض عظامه إلى بعض لأن أول ما خلق منه رأسه وقيل له انظر فقال عن ذلك هذا
وروى طاووس عن ابن عباس {قال اعلم} على الأمر.
وإنما قيل له ذلك
قال هارون في قراءة عبد الله قيل اعلم على وجه الأمر.
وقد يجوز أن يكون خاطب نفسه بهذا). [معاني القرآن: 1/281-283]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لم يتسنه} لم يتغير.
{ننشرها} بالراء: نحييها، ومن قرأ بالزاي: فمعناه: كيف نحرك بعضها إلى بعض ونزعجه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 43]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (العُرُوشِ): الأبنية.
{يَتَسَنَّهْ}: لم يتغير، لم يأت عليه السنون. {نُنشِرُهَا}: نخرجها من القبور.{نُنشِزُهَا}: نرفعها). [العمدة في غريب القرآن: 93]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فصرهنّ إليك} ضمّ الصاد العامّة.
وكان أصحاب عبد الله يكسرون الصاد.
وهما لغتان:
فأمّا الضمّ فكثير،
وأما الكسر ففي هذيل وسليم. وأنشدني الكسائيّ عن بعض بني سليم:

وفرعٍ يصير الجيد وحفٍ كأنه * على الليت قنوان الكروم الدوالح
ويفسّر معناه: قطّعهن، ويقال: وجّههن.
ولم نجد قطّعهنّ معروفة من هذين الوجهين، ولكني أرى - والله أعلم - أنها إن كانت من ذلك أنها من صريت تصري، قدّمت ياؤها كما قالوا: عثت وعثيت، وقال الشاعر:

صرت نظرة لو صادفت جوز دارع * غدا والعواصي من دم الجوف تنعر
والعرب تقول: بات يصري في حوضه إذا استقى ثم قطع واستقى؛ فلعله من ذلك . وقال الشاعر:
يقولون إن الشأم يقتل أهله * فمن لي إن لم آته بخلود
تعرّب آبائي فهلاّ صراهم * من الموت أن لم يذهبوا وجدودي). [معاني القرآن: 1/174]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فصرهنّ إليك} : فمن جعل من صرت تصور، ضمّ، قال: (صرهنّ إليك) ضمّهن إليك، ثم اقطعهن.
{ثمّ أجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءاً} : فمن جعل من (صرت قطّعت وفرّقت) قال: خذ أربعة من الطير إليك فصرهن إليك، أي: قطعهن ثم ضع على كل جبل منهن جزءاً قالت خنساء:
لظلت الشّمّ منها وهي تنصار
الشّمّ: الجبال، تنصار: تقطع وتصدع وتفلق؛ وأنشد بعضهم بيت أبي ذؤيب:
فانصرن من فزعٍ وسدّ فروجه... غبرٌ ضوارٍ وافيان وأجدع
صرنا به الحكم: أي فصّلنا به الحكم. وقال المعلّي بن جمال العبديّ.
وجاءت خلعة دهسٌ صفايا... يصور عنوقها أحوى زنيم
ولون الدّهاس: لون الرمل كأنه تراب رملٍ أدهس.
خلعة:
خيار شائه؛ صفايا: غزارٌ، ويقال للنخلة: صفيّة أي كثيرة الحمل).
[مجاز القرآن: 1/80-81]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن لّيطمئنّ قلبي قال فخذ أربعةً مّن الطّير فصرهنّ إليك ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ مّنهنّ جزءًا ثمّ ادعهنّ يأتينك سعياً واعلم أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ}
أما قوله: {ربّ أرني كيف تحيي الموتى} فلم يكن ذلك شكا منه ولم يرد به رؤية القلب وإنما أراد به رؤية العين.
وقوله الله عز وجل له {أولم تؤمن} يقول: "ألست قد صدقت" أي: أنت كذاك. قال الشاعر:
ألستم خير من ركب المطايا = وأندى العالمين بطون راح
وقوله: {لّيطمئنّ قلبي} أي: قلبي ينازعني إلى النظر فإذا نظرت اطمأن قلبي.
قال: {فخذ أربعةً مّن الطّير فصرهنّ إليك} أي: قطّعهنّ وتقول منها: "صار" "يصور".
وقال بعضهم {فصرهنّ} فجعلها من "صار" "يصير" وقال: {إليك} لأنه يريد: "خذ أربعةً إليك فصرهنّ").
[معاني القرآن: 1/151-152]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({فصرهن إليك}: ضمهن إليك وأملهن، والأصور المائل العنق،
وقال بعضهم: قطعهن. وقد قرئت بكسر الصاد والمعنى واحد).
[غريب القرآن وتفسيره: 98]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي} بالنظر. كأن قلبه كان معلقا بأن يرى ذلك. فإذا رآه اطمأن وسكن، وذهبت عنه محبة الرؤية.
{فصرهنّ إليك} أي: فضمّهن إليك.
يقال: صرت الشيء فانصار، أي: أملته فمال.
وفيه لغة أخرى: «صرته» بكسر الصاد.

{ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءاً} أي: ربعا من كل طائر.
فأضمر «فقطعهن»، واكتفى بقوله: {ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ} عن قوله: فقطعهن. لأنه يدل عليه. وهذا كما تقول: خذ هذا الثوب، واجعل على كل رمح عندك منه علما.
{ثمّ ادعهنّ يأتينك سعياً} يقال: عدوا. ويقال: مشيا على أرجلهن ولا يقال للطائر إذا طار: سعى). [تفسير غريب القرآن:96-97]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي قال فخذ أربعة من الطّير فصرهنّ إليك ثمّ اجعل على كلّ جبل منهنّ جزءا ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيا واعلم أنّ اللّه عزيز حكيم}
{وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي قال فخذ أربعة من الطّير فصرهنّ إليك ثمّ اجعل على كلّ جبل منهنّ جزءا ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيا واعلم أنّ اللّه عزيز حكيم}
موضع " إذ " نصب، المعنى اذكر هذه القصة - وقوله (ربّ أرني).
أصله أرإني، ولكن المجمع عليه في كلام العرب والقراءة طرح الهمزة، ويجوز (أرني). وقد فسرنا إلقاء هذه الكسرة فيما سلف من الكتاب.
وموضع {كيف} نصب بقوله: {تحي الموتى} أي: بأي حال تحي الموتى وإبراهيم عليه السلام لم يكن شاكا ولكنه لم يكن شاهد إحياء ميّت، ولا يعلم كيف تجتمع العظام المتفرقة البالية، المستحيلة، من أمكنة متباينة فأحب علم ذلك مشاهدة.
ويروى في التفسير: أنه كان مرّ بجيفة على شاطئ البحر والحيتان تخرج من البحر فتنتف من لحم الجيفة، والطير تحط عليها وتنسر منها، ودوابّ الأرض تأكل منها، ففكر كيف يجتمع ما تفرق من تلك الجيفة فحلّ في حيتان البحر وطير السماء ودواب الأرض ثم يعود ذلك حيا، فسأل اللّه تبارك وتعالى أن يريه كيف يحي الموتى، وأمره اللّه أن يأخذ أربعة من الطير، وهو قوله عز وجل: {فصرهنّ إليك} وتقرأ فصرهنّ إليك - بالضم والكسر -.
قال أهل اللغة: معنى صرهنّ: أملهن إليك، وأجمعهن إليك، قال ذلك أكثرهم،
وقال بعضهم: صرهن إليك اقطعهن، فأما نظير صرهن أملهن وأجمعهن فقول الشاعر:

وجاءت خلعة دهس صفايا... يصور عنوقها أحوى زنيم
المعنى: أن هذه الغنم يعطف عنوقها هذا الكبش الأحوى.
ومن قال صرت: قطعت، فالمعنى فخذ أربعة من الطير فصرهن أي قطعهنّ، ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا.
المعنى: اجعل على كل جبل من كل واحد منهن جزءا.
ففعل ذلك إبراهيم عليه السلام ثم دعاهن فنظر إلى الريش يسعى بعضه إلى بعض، وكذلك العظام واللحم.
وقوله عزّ وجلّ: {واعلم أنّ اللّه عزيز حكيم}.
{عزيز} أي: لا يمتنع عليه ما يريد - {حكيم} فيما يدبر، لا يفعل إلا ما فيه الحكمة.
فشاهد إبراهيم عليه السلام ما كان يعلمه غيبا رأي عين، وعلم كيف يفعل اللّه ذلك، فلما قص اللّه ما فيه البرهان والدلالة على أمر توحيده.
وما آتاه الرسل من البيّنات حثّ على الجهاد، وأعلن أن من عانده بعد هذه البراهين فقد ركب من الضلال أمرا عظيما وأن من جاهد من كفر بعد هذا البرهان فله - في جهاده ونفقته فيه - الثواب العظيم، وأن الله عزّ وجلّ وعد في الجنّة عشر أمثالها من الجهاد.
ووعد في الجهاد أن يضاعف الواحد بسبع مائة مرة لما في إقامة الحق من التوحيد، وما في الكفر من عظم الفساد فقال:
{مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة واللّه يضاعف لمن يشاء واللّه واسع عليم}. [معاني القرآن: 1/344-346]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي}
فيه قولان:
أحدهما: إن المعنى ليطمأن قلبي للمشاهدة كأن نفسه طالبته برؤية ذلك فإذا رآه اطمان والإنسان قد يعلم الشيء من جهة ثم يطلب أن يعلمه من غيرها، وهذا القول مذهب الجلة من العلماء وهو مذهب ابن عباس والحسن
قال الحسن: ولا يكون الخبر عند ابن آدم كالعيان.
والقول الآخر: أن المعنى ولكن ليطمئن قلبي بأني إذا سألتك أجبتني، كما روى عن سفيان عن قيس بن مسلم عن سعيد بن جبير قال: أولم تؤمن بالخلة قال توقن بالخلة.
وروى أبو الهيثم عن سعيد بن جبير ولكن ليطمئن قلبي ليزداد). [معاني القرآن: 1/283-284]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {قال فخذ أربعة من الطير}
حدثنا عبد الباقي بن أحمد بن محمد بن عبد العزيز الأموي قال حدثنا أبي قال حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثنا عبد الله بن لهيعة عن عبيد الله بن هبيرة السبيني عن حنش الصنعاني عن عبد الله بن عباس في قول الله جل وعز: {فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك} قال: هو الحمام والطاووس والكركي والديك.
وروى الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: أخذ الديك والطاووس والغراب والحمامة.
قال مجاهد: فصرهن انتفهن بريشهن ولحومهن.
قال أبو عبيدة: صرت قطعت وصرت جمعت.
وحكى أبو عبيدة صرت عنقه أصورها وصرتها أصيرها أملتها وقد صور
يقرأ بالضم والكسر وأكثر القراء على الضم
قال الكسائي من ضمها: جعلها من صرت الشيء أملته وضممته إلي قال وصر وجهك إلي أي أقبل به .
والمعنى على هذه القراءة: فضمهن إليك وقطعهن ثم حذف وقطعهن لأنه قد دل عليه ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا.
ومن قرأ (فصرهن) بالكسر ففيه قولان:
أحدهما: أنه بمعنى الأول.
والآخر: أن أبا مالك والضحاك قالا فقطعهن.
قال أبو حاتم: هو من صار إذا قطع قال ويكون حينئذ على التقديم والتأخير كأنه قال فخذ أربعة من الطير إليك فصرهن.
قال غيره: ومنه قيل للقطيع من بقر الوحش صوار وصوار، أي: انقطعت فانفردت ولذلك قيل لقطع المسك أصورة كما قال: إذا تقوم يضوغ المسك أصورة
قال أبو جعفر: وأولى ما قيل في معنى فصرهن وصرهن إنهما بمعنى القطع على التقديم والتأخير أي فخذ إليك أربعة من الطير فصرهن.
ولم يوجد التفريق صحيحا عن أحد من المتقدمين
{ثم ادعهن }
قال ابن عباس: تعالين بإذن الله فطار لحم ذا إلى لحم ذا سعيا أي عدوا على أرجأهن ولا يقال للطائر إذا طار سعى.
{واعلم أن الله عزيز} أي: لا يمتنع عليه ما يريد.
{حكيم} فيما يدبر.
فلما قص ما فيه البراهين حث على الجهاد وأعلم أن من جاهد بعد هذا البرهان الذي لا يأتي به إلا نبي فله في جهاده الثواب العظيم، فقال تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله} إلى قوله: {واسع عليم}أي: جواد لا ينقصه ما يتفضل به من السعة عليهم أين يضعه). [معاني القرآن: 1/285-289]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فصرهن إليك} أي: ضمهن وأملهن، والكسر لغة.
{يأتينك سعيا} أي: عدوا على أرجلهن، ولا يقال للطائر سعى، إذا طار). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 43]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَصُرْهُنَّ}: ضمهن). [العمدة في غريب القرآن: 93]

تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة واللّه يضاعف لمن يشاء واللّه واسع عليم} أي: جواد لا ينقصه ما يتفضّل به من السعة، عليم حيث يضعه). [معاني القرآن: 1/346-347]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): ({مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله} إلى قوله: {واسع عليم} أي: جواد لا ينقصه ما يتفضل به من السعة عليهم أين يضعه). [معاني القرآن: 1/289]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)}


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 09:29 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 263 إلى 271]

{قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)}

تفسير قوله تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263)}

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {صفوانٌ} الصفوان: جماع، ويقال للواحدة: (صفوانة) في معنى الصّفاة،
والصّفا: للجميع، وهي الحجارة الملس.

{صلداً} والصّلد: التي لا تنبت شيئاً أبداً من الأرضين، والرؤوس، وقال رؤبة:
برّاق أصلاد الجبين الأجله
وهو الأجلح). [مجاز القرآن: 1/82]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى كالّذي ينفق ماله رئاء النّاس ولا يؤمن باللّه واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه ترابٌ فأصابه وابلٌ فتركه صلداً لاّ يقدرون على شيءٍ مّمّا كسبوا واللّه لا يهدي القوم الكافرين}
قال: {كمثل صفوان} والواحدة "صفوانةٌ".
ومنهم من يجعل "الصّفوان" واحدا فيجعله: الحجر.
ومن جعله جميعا جعله: الحجارة مثل: "التمرة" و"التمر".
وقد قالوا "الكذّان": الكذّانة" وهو شبه الحجر من الطين).
[معاني القرآن: 1/152]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({صفوان}: جماع واحده صفوانه وهي الصخرة الملساء التي لا يثبت عليها شيء.
ويقال إنه واحد وجمعه صفوان يكسر الصاد.

{صلدا}: والصلدة التي لا تنبت شيئا). [غريب القرآن وتفسيره:98-99]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (و({صّفوان}: الحجر. و(الوابل): أشدّ المطر.
و{الصّلد}: الأملس).
[تفسير غريب القرآن: 97]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى كالّذي ينفق ماله رئاء النّاس ولا يؤمن باللّه واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء ممّا كسبوا واللّه لا يهدي القوم الكافرين}
فالمن: أن تمنّ بما أعطيت وتعتدّ به كأنك إنما تقصد به الاعتداد والأذى أن توبخ المعطي.
فأعلم الله عزّ وجلّ أن المن والأذى يبطلان الصدقة كما تبطل نفقة المنافق الذي إنما يعطي وهو لا يريد بذلك العطاء ما عند اللّه، إنما يعطي ليوهم أنه مؤمن، وقال عزّ وجلّ: {فمثله كمثل صفوان} والصفوان: الحجر الأملس وكذلك الصفا.
وقوله عزّ وجلّ: {عليه تراب فأصابه وابلا}والوابل: المطر العظيم القطر - فإذا أصاب هذا المطر الحجر الذي عليه تراب لم يبق عليه من التراب شيء، وكذلك تبطل نفقة المنافق ونفقة المنّان والمؤذي.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه لا يهدي القوم الكافرين} أي: لا يجعلهم بكفرهم مهتدين، وقيل لا يجعل جزاءهم على الكفر أن يهديهم). [معاني القرآن: 1/347]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}أي: لا تمتنوا بما أعطيتم وتعتدوا به وكأنكم تقصدون ذلك.
والأذى: أن يوبخ المعطى.
فاعلم أن هذين يبطلان الصدقة كما تبطل صدقة المنافق الذي يعطي رياء ليوهم أنه مؤمن). [معاني القرآن: 1/289-290]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فمثله}أي: فمثل نفقته {كمثل صفوان} وهو: الحجر الأملس والوابل المطر العظيم القطر.
{فتركه صلدا}
قال قتادة: ليس عليه شيء.
والمعنى: لم يقدروا على كسبهم وقت حاجتهم ومحق فأذهب كما أذهب المطر التراب على الصفا ولم يوافق في الصفا مثبتا).[معاني القرآن: 1/290-290]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {صفوان}: جبل أملس). [ياقوتة الصراط: 182]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): {وابل}: مطر شديد). [ياقوتة الصراط: 182]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والصلد: الأقرع الذي لا نبات فيه). [ياقوتة الصراط: 182]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ((والصفوان) جمع صفوانة: وهي الصخرة الملساء التي لا تنبت شيئا.
(والوابل الخفيف مطر.
(والطل) الخفيف.
(والصلد) الأملس).
[تفسير المشكل من غريب القرآن:43-44]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({صَفْوَانٍ}: حجر.
{صَلْداً}: لا ينبت شيئاً.
{الوَابِلٌ}: ما عظم قطره من المطر). [العمدة في غريب القرآن:93-94]

تفسير قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بربوةٍ} ربوة: ارتفاع من المسيل). [مجاز القرآن: 1/82]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ومثل الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات اللّه وتثبيتاً مّن أنفسهم كمثل جنّةٍ بربوةٍ أصابها وابلٌ فآتت أكلها ضعفين فإن لّم يصبها وابلٌ فطلٌّ واللّه بما تعملون بصيرٌ}
قال: {كمثل جنّةٍ بربوةٍ} وقال بعضهم {بربوة} و{بربوة} و{برباوة} و{برباوة} كلٌّ من لغات العرب وهو كله من الرابية وفعله: "ربا" "يربو".
قال: {فآتت أكلها ضعفين} وقال: {مختلفاً أكله} و"الأكل": هو: ما يؤكل. و"الأكل" هو الفعل الذي يكون منك. تقول: "أكلت أكلاً" و"أكلت أكلةً واحدةً" وإذا عنيت الطعام قلت: "أكلةً واحدةً"، قال:
ما أكلةٌ أكلتها بغنيمةٍ = ولا جوعةٌ أن جعتها بغرام
ففتح الألف لأنه يعني الفعل. ويدلك عليه "ولا جوعةٌ" وإن شئت ضممت "الأكلة" وعنيت به الطعام.
و[قال: {فإن لّم يصبها وابلٌ فطلٌّ}]
وتقول في "الوابل" وهو: المطر الشديد: "وبلت السماء و"أوبلت" مثل "مطرت" و"أمطرت"، و"طلّت" و"أطلّت" من "الطلّ"، و"غاثت" و"أغاثت" من "الغيث". وتقول: "وبلت الأرض" فهي "موبولةٌ" مثل "وثئت رجله" [و] لا يكون "وبلت" وقوله: {أخذاً وبيلا} من ذا يعني: شديدا). [معاني القرآن: 1/152-153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وتثبيتا من أنفسهم}: يثبتون أين يضعون أموالهم.
وقال آخرون تصديقا ويقينا من أنفسهم.

{جنة بربوة}: الربوة كلما ارتفع عن مسيل الماء.
{الوابل}: ما عظم من المطر.
{والطل}: ما صغر ويقال وبلت الأرض وطلت). [غريب القرآن وتفسيره: 99]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وتثبيتاً من أنفسهم} أي: تحقيقا من أنفسهم.
(الربوة): الارتفاع. يقال: ربوة، وربوة أيضا.
(أكلها): ثمرها.
(الطّل): أضعف المطر). [تفسير غريب القرآن: 97]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ثم ضرب الله لمن ينفق يريد ما عند الله ولا يمن ولا يؤذي مثلا فقال:
{ومثل الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات اللّه وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنّة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطلّ واللّه بما تعملون بصير}أي: ليطلب مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم، أي ينفقونها مقرين أنها مما يثيب اللّه عليها.
{كمثل جنّة بربوة} بفتح الراء وبربوة. بالضم - وبربوة - بالكسر - وبرباوة، وهذا وجه رابع.
والربوة: ما ارتفع من الأرض.
والجنة: البستان، وكل ما نبت وكثف وكثر، وستر بعضه بعضا فهو جنة - والموضع المرتفع إذا كان له ما يرويه من الماء فهو أكثر ريعا من المستفل، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن نفقة هؤلاء المؤمنين تزكو كما يزكو نبت هذه الجنة التي هي في مكان مرتفع.

{أصابها وابل} وهو: المطر العظيم القطر.
{فآتت أكله} أي: ثمرها، ويقرأ أكلها والمعنى واحد.
{ضعفين} أي: مثلين.
{فإن لم يصبها وابل فطلّ}.
و(الطّلّ) المطر الدائم الصّغار القطر الذي لا يكاد يسيل منه المثاعب.
ومعنى {واللّه بما تعملون بصير} أي: عليم، وإذا علمه جازى عليه والذي ارتفع عليه (فطلّ) أنه على معنى فإن لم يصبها وابل فالذي يصيبها طلّ). [معاني القرآن: 1/347-348]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال: {ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم}أي: وينفقونها مقرين ثابتين أنها مما يثيب الله عليه
قال الحسن: إذا أراد أن ينفق تثبت فان كان الله أمضى وإلا أمسك.
وقال قتادة: تثبيتا أي احتسابا.
وقال مجاهد: يتثبتون أين يضعون أموالهم أي زكواتهم.
وقال الشعبي: تصديقا ويقينا.
قال أبو جعفر: ولو كان كما قال مجاهد لكان وتثبيتا من تثبت كتكرمت تكرما.
وقول قتادة واحتسابا لا يعرف إلا أن يراد به أن أنفسهم تثبتهم محتسبة وهذا بعيد.
وقول الشعبي حسن أي تثبيتا من أنفسهم لهم على إنفاق ذلك في طاعة الله جل وعز يقال ثبت فلانا في هذا الأمر أي صححت عزمة وقويت فيه رأيه أثبته تثبيتا أي أنفسهم موقنة مصدقة بوعد الله على تثبتهم في ذلك). [معاني القرآن: 1/291-292]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {كمثل جنة بربوة}
قال مجاهد: هي الأرض المرتفعة المستوية أضعفت في ثمرها.
قال قتادة: بربوة يقول بنشز من الأرض قال وهذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن يقول ليس لخيره خلف كما أنه ليس لخير هذه الجنة خلف على أي حال كان أن أصابها وابل وهو المطر الشديد وإن أصابها طل.
قال مجاهد: هو الندى.
وقيل مطر صغير في القدر يدوم.
قال محمد بن يزيد: أي فالطل يكفيها). [معاني القرآن: 1/292-293]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والطل: المطر الخفيف). [ياقوتة الصراط: 182]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وتثبيتا من أنفسهم} أي: تصديقا وتحقيقا.
الربوة: كل ما ارتفع من مسيل الماء، والضم والفتح والكسر في الراء لغات.
{أكلها} ثمرها.
والطل: كل ما صغر من نقط المطر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 44]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الرَّبْوَةٍ}: ما ارتفع من الأرض.
{الطَّلٌّ}: ما صغر من القطر). [العمدة في غريب القرآن: 94]

تفسير قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ مّن نّخيلٍ وأعنابٍ...}
ثم قال بعد ذلك {وأصابه الكبر} ثم قال {فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت} فيقول القائل: فهل يجوز في الكلام أن يقول: أتودّ أنّ تصيب مالا فضاع، والمعنى: فيضيع؟ قلت: نعم ذلك جائز في وددت؛ لأن العرب تلقاها مرّة بـ (أن) ومرّة بـ (لو) فيقولون: لوددت لو ذهبت عنا، [و] وددت أن تذهب عنا، فلمّا صلحت بلو وبأن ومعناهما جميعا الاستقبال استجازوا أن يردّوا فعل بتأويل لو، على يفعل مع أن،
فلذلك قال: فأصابها، وهي في مذهبه بمنزلة لو؛ إذ ضارعت إن بمعنى الجزاء فوضعت في مواضعها، وأجيبت إن بجواب لو، ولو بجواب إن؛ قال الله تبارك وتعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ ولأمةٌ مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم} والمعنى - والله أعلم -: وإن أعجبتكم؛ ثم قال{ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا [من بعده يكفرون]} فأجيبت لئن بإجابة لو ومعناهما مستقبل.
ولذلك قال في قراءة أبيّ "ودّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلوا" ردّه على تأويل: ودّوا أن تفعلوا. فإذا رفعت (فيميلون) رددت على تأويل لو؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {ودّوا لو تدهن فيدهنون} وقال أيضا {وتودّون أن غير ذات الشوكة تكون لكم} وربما جمعت العرب بينهما جميعا؛ قال الله تبارك وتعالى: {وما عملت من سوء تودّ لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا} وهو مثل جمع العرب بين ما وإن وهما جحد؛ قال الشاعر:

قد يكسب المال الهدان الجافي * بغير لا عصفٍ ولا اصطراف
وقال آخر:
ما إن رأينا مثلهن لمعشر* سود الرءوس فوالج وفيول
وذلك لاختلاف اللفظين يجعل أحدهما لغوا. ومثله قول الشاعر:
من النفر اللاء الذين إذا هم * تهاب اللئام حلقة الباب قعقعوا
ألا ترى أنه قال: اللاء الذين، ومعناهما الذين، استجيز جمعهما لاختلاف لفظهما، ولو اتفقا لم يجز.
لا يجوز ما ما قام زيد، ولا مررت بالذين الذين يطوفون. وأمّا قول الشاعر:

كماما امرؤٌ في معشرٍ غير رهطه * ضعيف الكلام شخصه متضائل
فإنما استجازوا الجمع بين ما وبين [ما] لأن الأولى وصلت بالكاف، - كأنها كانت هي والكاف اسماً واحدا - ولم توصل الثانية، واستحسن الجمع بينهما. وهو في قول الله {كلاّ لا وزر} كانت لا موصولةً، وجاءت الأخرى مفردة فحسن اقترانهما
فإذا قال القائل: (ما ما قلت بحسنٍ) جاز ذلك على غير عيب؛ لأنه
يجعل ما الأولى جحدا والثانية في مذهب الذي. [وكذلك لو قال: من من عندك؟ جاز؛ لأنه جعل من الأول استفهاما، والثاني على مذهب الذي]. فإذا اختلف معنى الحرفين جاز الجمع بينهما.
وأمّا قول الشاعر:
* كم نعمةٍ كانت لهاكم كم وكم *
إنما هذا تكرير حرف، لو وقعت على الأوّل أجزأك من الثاني. وهو كقولك للرجل: نعم نعم، تكررها، أو قولك: اعجل اعجل، تشديدا للمعنى. وليس هذا من البابين الأولين في شيء. وقال الشاعر:
هلاّ سألت جموع كنـ * دة يوم ولّوا أين أينا
وأمّا قوله: (لم أره منذ يوم يوم) فإنه ينوى بالثاني غير اليوم الأوّل، إنما هو في المعنى: لم أره منذ يوم تعلم. وأمّا قوله:
نحمي حقيقتنا وبعـ * ض القوم يسقط بين بينا
فإنه أراد: يسقط هو لا بين هؤلاء ولا بين هؤلاء. فكان اجتماعهما في هذا الموضع بمنزلة قولهم: هو جاري بيت بيت، ولقيته كفّة كفّة؛ لأن الكفّتين واحدة منك وواحدة منه. وكذلك هو جاري بيت بيت منها: بيتي وبيته لصيقان.
قال: كيف قال قوله: {فإن لّم يصبها وابلٌ فطلٌّ...}
وهذا الأمر قد مضى؟ قيل: أضمرت (كان) فصلح الكلام. ومثله أن تقول: قد أعتقت عبدين، فإن لم أعتق اثنين فواحدا بقيمتهما، والمعنى إلاّ أكن؛ لأنه ماض فلا بدّ من إضمار كان؛ لأن الكلام جزاء. ومثله قول الشاعر:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمةٌ * ولم تجدي من أن تقرّى بها بدّا). [معاني القرآن: 1/175-178]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إعصارٌ} الإعصار: ريح عاصف، تهبّ من الأرض إلى السماء، كأنه عمود فيه نار). [مجاز القرآن: 1/82]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ مّن نّخيلٍ وأعنابٍ تجري من تحتها الأنهار له فيها من كلّ الثّمرات وأصابه الكبر وله ذرّيّةٌ ضعفاء فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون}
قال: {له فيها من كلّ الثّمرات وأصابه الكبر وله ذرّيّةٌ ضعفاء فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت} وقال في موضع آخر {ذرّيّةً ضعافاً} وكلٌّ سواء لأنك تقول: "ظريفٌ" و"ظرافٌ" و"ظرفاء" وهكذا جمع "فعيل"). [معاني القرآن: 1/153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): (والإعصار: ريح عاصف تهب ثم تستدير كأنها عمود من الأرض إلى السماء). [غريب القرآن وتفسيره: 99-100]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الإعصار: ريح شديدة تعصف وترفع ترابا إلى السماء كأنه عمود. قال الشاعر:
إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا
أي: لاقيت ما هو أشد منك). [تفسير غريب القرآن: 97]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل ثناؤه: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كلّ الثّمرات وأصابه الكبر وله ذرّيّة ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون}
هذا مثل ضربه اللّه لهم للآخرة وأعلمهم أن حاجتهم إلى الأعمال الصالحة كحاجة هذا الكبير الذي له ذرية ضعفاء، فإن احترقت جنته وهو كبير وله ذرية ضعفاء انقطع به، وكذلك من لم يكن له في الآخرة عمل يوصله إلى الجنة فحسرته في الآخرة - مع عظيم الحسرة فيها - كحسرة هذا الكبير المنقطع به في الدنيا.
ومعنى: {فأصابها إعصار فيه نار}الإعصار: الريح التي تهب، من الأرض كالعمود إلى نحو السماء وهي التي تسميها الناس الزوبعة، وهي ريح شديدة، لا يقال إنها إعصار حتى تهبّ بشدة، قال الشاعر:
إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا
ومعنى {كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات} أي: كهذا البيان الذي قد تبين الصّدقة والجهاد وقصة إبراهيم – عليه السلام - والذي مرّ على قرية، وجميع ما سلف من الآيات، أي: كمثل بيان هذه الأقاصيص {يبين اللّه لكم الآيات}، أي: العلامات والدّلالات التي تحتاجون إليها في أمر توحيده، وإثبات رسالات رسله وثوابه وعقابه. {لعلّكم تتفكّرون}). [معاني القرآن: 1/348-349]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {أيود أحدكم أن تكون له جنة} إلى قوله: {فاحترقت}
قال ابن ملكية عن عبيد بن عمير سألهم عمر عن هذه الآية وذكرها فقالوا: الله أعلم فغضب عمر وقال: قولوا نعلم أو لا نعلم قال فقال ابن عباس: إن في نفسي منها شيئا فقال: قل ولا تحقر نفسك قال: ضرب مثلا للعمل قال: أي العمل قال فقال عمر: هذا رجل كان يعمل بطاعة الله فبعث إليه الشيطان فعمل بالمعاصي فأحرق الأعمال.
وروي عن ابن عباس بغير هذا الإسناد هذا مثل ضربه الله للمرائين بالأعمال يبطلها الله يوم القيامة أحوج ما كانوا إليها كمثل رجل كانت له جنة وكبر وله أطفال لا ينفعونه فأصاب الجنة إعصار ريح عاصف فيها سموم شديدة فاحترقت ففقدها أحوج ما كان إليها.
وروي عن ابن عباس أنه قال: الإعصار الريح الشديدة.
قال أبو جعفر: والإعصار هي التي يسميها الناس الزوبعة). [معاني القرآن: 1/294-295]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والإعصار: الريح). [ياقوتة الصراط: 182]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (و"الإعصار": الريح الشديدة، تعصف وتستدير وترتفع إلى السماء بتراب كأنه عمود). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 44]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (الإِعْصَار: ريح تهب فتصير مثل العمود). [العمدة في غريب القرآن: 94]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولستم بآخذيه إلاّ أن تغمضوا فيه...}
فتحت (أن) بعد إلاّ وهي في مذهب جزاء. وإنما فتحتها لأن إلا قد وقعت عليها بمعنى خفضٍ يصلح. فإذا رأيت (أن) في الجزاء قد أصابها معنى خفضٍ أو نصب أو رفع انفتحت. فهذا من ذلك.
والمعنى - والله أعلم - ولستم بآخذيه إلا على إغماض، أو بإغماض، أو عن إغماضٍ، صفة غير معلومة. ويدلك على أنه جزاء أنك تجد المعنى: أو أغمضتم بعض الإغماض أخذتموه.
ومثله قوله: {إلا أن يخافا ألاّ يقيما حدود الله} ومثله {إلاّ أن يعفون} هذا كلّه جزاء، وقوله: {ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله}
ألا ترى أن المعنى: لا تقل إني فاعل إلا ومعها إن شاء الله؛ فلمّا قطعتها (إلا) عن معنى الابتداء، مع ما فيها من نيّة الخافض فتحت. ولو لم تكن فيها (إلاّ) تركت على كسرتها؛ من ذلك أن تقول: أحسن إن قبل منك . فإن أدخلت (إلاّ) قلت: أحسن إلا ألاّ يقبل منك. فمثله
قوله: {وأن تعفوا أقرب للتقوى}، {وأن تصوموا خير لكم} هو جزاء، المعنى: إن تصوموا فهو خير لكم. فلما أن صارت (أن) مرفوعة بـ (خير) صار لها ما يرافعها إن فتحت وخرجت من حدّ الجزاء. والناصب كذلك.
ومثله من الجزاء الذي إذا وقع عليه خافض أو رافع أو ناصب ذهب عنه الجزم قولك: اضربه من كان، ولا آتيك ما عشت. فمن وما في موضع جزاء، والفعل فيهما مرفوع في المعنى؛ لأنّ كان والفعل الذي قبله قد وقعا على (من) و(ما) فتغيّر عن الجزم ولم يخرج من تأويل الجزاء؛ قال الشاعر:
فلست مقاتلا أبداً قريشا * مصيبا رغم ذلك من أصابا
في تأويل رفع لوقوع مصيب على من.
ومثله قول الله عزّ وجلّ: {وللّه على الناس حجّ البيت من استطاع} إن جعلت (من) مردودة على خفض (الناس) فهو من هذا، و(استطاع) في موضع رفع، وإن نويت الاستئناف بمن كانت جزاء، وكان الفعل بعدها جزما، واكتفيت بما جاء قبله من جوابه.
وكذلك تقول في الكلام: أيّهم يقم فاضرب، فإن قدّمت الضرب
فأوقعته على أي قلت اضرب أيّهم يقوم؛ قال بعض العرب: فأيّهم ما أخذها ركب على أيهم يريد. ومنه قول الشاعر:
فإني لآتيكم تشكّر ما مضى * من الأمر واستيجاب ما كان في غد
لأنه لا يجوز لو لم يكن جزاء أن تقول: كان في غد؛ لأن (كان) إنما خلقت للماضي إلاّ في الجزاء فإنها تصلح للمستقبل. كأنه قال: استيجاب أي شيء كان في غد.
ومثل إن في الجزاء في انصرافها عن الكسر إلى الفتح إذا أصابها رافع قول العرب: (قلت إنك قائم) فإنّ مكسورة بعد القول في كل تصرّفه. فإذا وضعت مكان القول شيئا في معناه مما قد يحدث خفضا أو رفعا أو نصبا فتحت أنّ، فقلت: ناديت أنك قائم، ودعوت، وصحت وهتفت. وذلك أنك تقول: ناديت زيدا، ودعوت زيدا، وناديت بزيد، (وهتفت بزيد) فتجد هذه الحروف تنفرد بزيد وحده؛ والقول لا يصلح فيه أن تقول: قلت زيدا، ولا قلت بزيد. فنفذت الحكاية في القول ولم تنفذ في النداء؛ لاكتفائه بالأسماء. إلا أن يضطرّ شاعر إلى كسر إنّ في النداء وأشباهه، فيجوز له؛ كقوله:
إني سأبدي لك فيما أبدي * لي شجنان شجنٌ بنجد
* وشجن لي ببلاد الهند *
لو ظهرت إنّ في هذا الموضع لكان الوجه فتحها.
وفي القياس أن تكسر؛ لأن رفع الشجنين دليل على إرادة القول، ويلزم من فتح أنّ لو ظهرت أن تقول: لي شجنين شجنا بنجد.

فإذا رأيت القول قد وقع على شيء في المعنى كانت أنّ مفتوحة. من ذلك أن تقول: قلت لك ما قلت أنك ظالم؛ لأنّ ما في موضع نصب. وكذلك قلت: زيد صالح أنه صالح؛ لأن قولك (قلت زيد قائم) في موضع نصب.
فلو أردت أن تكون أنّ مردودة على الكلمة التي قبلها كسرت فقلت: قلت ما قلت: إن أباك قائم، (وهي الكلمة التي قبلها) وإذا فتحت فهي سواها. قول الله تبارك وتعالى: {فلينظر الإنسان إلى طعامه أنّا} وإنا، قد قرئ بهما. فمن فتح نوى أن يجعل أنّ في موضع خفض، ويجعلها تفسيراً للطعام وسببه؛ كأنه قال: إلى صبّنا الماء وإنباتنا ما أنبتنا.
ومن كسر نوى الانقطاع من النظر عن إنّا؛ كأنه قال: فلينظر الإنسان إلى طعامه، ثم أخبر بالاستئناف).
[معاني القرآن: 1/178-181]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا تيممّوا الخبيث منه تنفقون} أي: لا تعمدوا له، قال خفاف بن ندبة:
فإن تك خيلي قد أصيب صميمها... فعمداً على عينٍ تيمّمت مالكا
{إلاّ أن تغمضوا فيه}: ترخّص لنفسك). [مجاز القرآن: 1/82-83]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أنفقوا من طيّبات ما كسبتم} يقول: تصدقوا من طيبات ما تكسبون: الذهب والفضة، {وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون} أي: لا تقصدون للرديء والحشف من التمر، وما لا تأخذونه أنتم إلّا بالإغماض فيه. أي بأن تترخّصوا). [تفسير غريب القرآن:97-98]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله تبارك اسمه: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلّا أن تغمضوا فيه واعلموا أنّ اللّه غنيّ حميد} فالمعنى: أنفقوا من جيّد ما كسبتموه من تجارة، ومن ورق وعين، وكذلك من جيّد الثمار، ومعنى {أنفقوا}: تصدقوا وكان قوم أتوا في الصدقة برديء الثمار.
ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر السعاة إلا يخرص الجعرور ومعى الفارة وذلك أنها من رديء النخل، فأمر ألا تخرص عليهم لئلا يعتلوا به في الصدقة.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون}أي: لا تقصدوا إلى رديء المال، والثمار فتتصدقوا به، وأنتم (تعلمون أنكم) لا تأخذونه إلا بالإغماض فيه.
ومعنى {ولستم بآخذيه إلّا أن تغمضوا فيه}: يقول: أنتم لا تأخذونه إلا بوكس، فكيف تعطونه في الصدقة.
وقوله عزّ وجلّ: {واعلموا أنّ اللّه غنيّ حميد}أي: لم يأمركم بأن تتصدقوا من عوز، ولكنه لاختباركم فهو حميد على ذلك وعلى جميع نعمه.
يقال قد غني زيد يغنى غنى - مقصور - إذا استغنى، وقد وقد غني القوم إذا نزلوا في مكان يقيهم، والمكان الذي ينزلون فيه مغنى، وقد غنّى فلان غناء إذا بالغ في التطريب في الإنشاد حتى يستغنى الشعر أن يزاد في نغمته، وقد غنيت المرأة غنيانا.
قال قيس بن الخطيم:
أجدّ بعمرة غنيانها... فتهجر أم شأننا شأنها
غنيانها: غناها.
والغواني: النساء، قيل إنهن سمين غواني لأنهن غنين بجمالهن. وقيل بأزواجهن).
[معاني القرآن: 1/349-350]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم}أي: تصدقوا بالجيد
وحدثنا أحمد بن محمد بن سلامة قال حدثنا بكار قال حدثنا مؤمل قال حدثنا سفيان عن السدي عن أبي مالك عن البراء قال: كانوا يجيئون في الصدقات بأردأ تمرهم وأردأ طعامهم فنزلت: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} إلى قوله: {إلا أن تغمضوا فيه} قال: لو كان لكم فأعطاكم لم تأخذوه إلا وأنتم ترون أنه قد نقصكم من حقكم
قال أبو إسحاق في قوله تعالى {واعلموا أن الله غني حميد} أي: لم يأمركم أن تصدقوا من عوز ولكنه بلا أخباركم فهو حميد على ذلك وعلى جميع نعمه). [معاني القرآن: 1/295-297]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والطيبات: الحلال، في كل القرآن). [ياقوتة الصراط: 183]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ولا تيمموا الخبيث} أي: لا تقصدوا له فتصدقوا به، وهو الذي من التمر والمال.
{تغمضوا فيه} تترخصوا فيه.، يقول عز وجل: لا تتصدقوا بما لا تأخذوه إلا برخص لو أعطاكموه أحد. وقيل: معناه إلا تتصدقوا بما لا تأخذونه إلا برخص حتى تغطوا أعينكم من كراهيتكم له لرداءته). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 44]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تَيَمَّمُـــواْ}: تقصـــدوا). [العمدة في غريب القرآن: 94]

تفسير قوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مّغفرةً مّنه وفضلاً واللّه واسعٌ عليمٌ}
قال: {الشّيطان يعدكم الفقر} وقال بعضهم {الفقر} مثل: "الضعف" و"الضعف" وجعل "يعد" متعدياً إلى مفعولين). [معاني القرآن: 1/153]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل وعلا: {الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مغفرة منه وفضلا واللّه واسع عليم}
يقال الفقر والفقر جميعا، والمعنى: أنه يحملكم على أن تؤدوا في الصدقة رديء المال يخوفكم الفقر بإعطاء الجيد - ومعنى {يعدكم الفقر}: يعدكم بالفقر ولكن الباء حذفت. وأفضى الفعل فنصب كما قال الشاعر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به... فقد تركتك ذا مال وذا نشب
ويقال وعدته أعده وعدا و عدة وموعدا وموعدة وموعودا وموعودة.
ومعنى {ويأمركم بالفحشاء}أي: بأن لا تتصدقوا فتتقاطعوا.
ومعنى{واللّه يعدكم مغفرة منه وفضلا}أي: يعدكم أن يجازيكم على صدقتكم بالمغفرة، ويعدكم أن يخلف عليكم.
ومعنى {واللّه واسع عليم}:
{واسع} يعطي من سعة، و {عليم} يعلم حيث يضع ذلك، ويعلم الغيب والشهادة). [معاني القرآن: 1/350-351]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى {الشيطان يعدكم الفقر} أي: بالفقر يخوفكم حتى تخرجوا الرديء في الزكاة ويأمركم بالفحشاء بأن لا تتصدقوا فتعصوا وتتقاطعوا
{والله يعدكم مغفرة منه وفضلا}أي: بأن يجازيكم على صدقاتكم بالمغفرة والخلف
{والله واسع عليم} يعطي من سعة ويعلم حيث يضع ذلك ويعلم الغيب والشهادة). [معاني القرآن: 1/297]

تفسير قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذّكّر إلّا أولو الألباب}
معنى {يؤتي} يعطي، و {الحكمة} فيها قولان:
1- قال بعضهم هي: النبوة.

2- ويروى عن ابن مسعود أن الحكمة هي القرآن، وكفى بالقرآن حكمة، لأن الأمّة به صارت علماء بعد جهل، وهو وصلة إلى كل علم يقرّب من اللّه عزّ وجلّ: وذريعة إلى رحمته؛ لذلك قال الله تعالى: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} أي: أعطي كل الحلم، وما يوصل إلى رحمة اللّه، و " يؤت " جزم بمن، والجواب {فقد أوتي خيرا كثيرا}
ومعنى {وما يذّكّر إلّا أولو الألباب} أي: ما يفكر فكرا يذكر به ما قص من آيات القرآن إلا أولو الألباب، أي: ذوو العقول.
وواحد الألباب لب، يقال قد لببت يا رجل وأنت تلب، لبابة ولبّا، وقرأت على محمد بن يزيد عن يونس: لببت لبابة.
وليس في المضاعف على فعلت غير هذا، ولم يروه أحد إلا يونس، وسألت غير البصريين عنه فلم يعرفه). [معاني القرآن: 1/351-352]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا}
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} قال: المعرفة بالقرآن ناسخة ومنسوخة ومحكمة ومتشابهة ومقدمة ومؤخرة وحلاله وحرامه وأمثاله.
قال مجاهد: العقل والعفة والإصابة في القول.
وقال زيد بن أسلم: الحكمة العقل في دين الله.
وقال الضحاك: الحكمة القرآن.
وقال قتادة: الفهم.
قلت: وهذه الأقوال متفقة وأصل الحكمة ما يمتنع به من السفه فقيل للعلم حكمة لأنه به يمتنع وبه يعلم الامتناع من السفه وهو كل فعل قبيح وكذا القرآن والعقل والفهم
وقال إبراهيم النخعي: الفهم في القرآن). [معاني القرآن: 1/297-298]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وما يذكر إلا أولو الألباب} أي: وما يفكر فكرا يذكر به ما قص من الآيات إلا ذوو العقول ومن فهم الله عز وجل أمره ونهيه). [معاني القرآن: 1/299]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {الألباب}: العقول في كل مكان). [ياقوتة الصراط: 183]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وما أنفقتم مّن نّفقةٍ أو نذرتم مّن نّذرٍ فإنّ اللّه يعلمه وما للظّالمين من أنصارٍ}
قال: {وما أنفقتم مّن نّفقةٍ أو نذرتم مّن نّذرٍ فإنّ اللّه يعلمه} تحمل الكلام على الآخر كما قال: {ومن يكسب خطيئةً أو إثماً ثمّ يرم به بريئاً}. وإن شئت جعلت تذكير هذا على "الكسب" في المعنى كما قال: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لّكم}يقول: "فالإيتاء خيرٌ لكم والإخفاء".
وقوله: {وما أنزل عليكم مّن الكتاب والحكمة يعظكم به} فهذا على {ما}.
وقوله: {أو نذرتم} تقول: "نذر" "ينذر على نفسه" "نذراً" و"نذرت مالي" فـ"أنا أنذره" "نذراً" أخبرنا بذلك يونس عن العرب وفي كتاب الله عز وجل: {إنّي نذرت لك ما في بطني محرّراً}، قال الشاعر:

هم ينذرون دمي وأنذر أن = لقيت بأن أشدّا
وقال عنترة:
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما = والنّاذرين إذا لم القهما دمي). [معاني القرآن: 1/153-154]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإنّ اللّه يعلمه وما للظّالمين من أنصار}أي: ما تصدقتم به من فرض لأنه في ذكر صدقة الزكاة وهي الفرض والنذر: التطوع، وكل ما نوى الإنسان أن يتطوع به فهو نذر.
{فإنّ اللّه يعلمه} أي: لا يخفى عليه فهو يجازي عليه، كما قال جلّ ثناؤه: {فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره}.
يقال نذرت النذر أنذره وأنذره، والجميع النّذور، وأنذرت القوم إذا أعلمتهم وخوفتهم إنذارا ونذيرا ونذرا.
قال اللّه عزّ وجلّ: {فستعلمون كيف نذير}.
وقال جل ثناؤه: {فكيف كان عذابي ونذر}.
النذر: مثل النّكر، والنذير مثل النكير). [معاني القرآن: 1/352]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال عز وجل: {وما أنفقتم من نفقة}
قال أبو إسحاق أي: في فرض لأنه ذكر صدقة الزكاة
{أو نذرتم من نذر} كل ما نوى الإنسان أن يتطوع به فهو نذر.
وقيل المعنى: ما أنفقتم من نفقة من غير نذر أو نذرتم ثم عقدتم على أنفسكم إنفاقه {فإن الله يعلمه} أي: لا يخفى عليه فهو يجازي به.
قال مجاهد: {يعلمه}أي يحصيه). [معاني القرآن: 1/299-300]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفّر عنكم من سيّئاتكم واللّه بما تعملون خبير}
معنى {إن تبدوا}: تظهروا، يقال بدا الشيء يبدو إذا ظهر، وأبديته أنا إبداء، إذا أظهرته، وبدا لي بدا " إذا تغيّر رأي عمّا كان عليه.
و{تبدوا} جزم بـ {إن}، وقوله: {فنعمّا هي} الجواب.
وروى أبو عبيد أنّ أبا جعفر وشيبة ونافعا وعاصما وأبا عمرو بن العلاء قرأوا: {فنعمّا هي} بكسر النون وجزم العين وتشديد الميم، وروى أن يحيى بن وثاب، والأشمس وحمزة والكسائي قرأوا: {فنعمّا هي} - بفتح النون وكسر العين.
وذكر أبو عبيد أنّه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله لابن العاص: ((نعمّا بالمال الصّالح للرجل الصّالح)).

فذكر أبو عبيد أنه يختار هذه القراءة من أجل هذه الرواية.
ولا أحسب أصحاب الحديث ضبطوا هذا، ولا هذه القراءة عند البصريين النحويين جائزة ألبتّة، لأن فيها الجمع بين ساكنين من غير حرف ما ولين.
فأما ما قرأناه من حرف عاصم ورواية أبي عمرو {فنعمّا هي}، بكسر النون والعين، فهذا جيّد بالغ لأن ههنا كسر العين والنون،
وكذلك قراءة أهل الكوفة (نعمّا هي) جيدة لأن الأصل في نعم نعم ونعم. ونعم فيها ثلاث لغات، ولا يجوز مع إدغام الميم نعمّا هي. و " ما " في تأويل - الشيء زعم البصريون أن نعمّا هي: نعم الشيء هي. وقد فسرنا هذا فيما مضى.

ومعنى {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير}:
هذا كان على عهد رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فكان الإخفاء في إيتاء الزكاة أحسن، فأمّا اليوم فالناس يسيئون الظن، فإظهار الزكاة أحسن، فأمّا التطوع فإخفاؤه أحسن، لأنه أدل على أنه يريد اللّه به وحده.
يقال أخفيت الشيء إخفاء إذا سترته، وخفي خفاء إذا استتر، وخفيته أخفيه خفيا إذا أظهرته،
وأهل المدينة يسمون النبّاش: المختفي.

قال الشاعر في خفيته أظهرته:
فإن تدفنوا الداء لا نخفه...وإن تبعثوا الحرب لا نقعد). [معاني القرآن: 1/353-355]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {إن تبدوا الصدقات}أي: تظهروها.
وفي الحديث: ((صدقة السر تطفئ غضب الرب))
وقيل كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما اليوم فالناس يسيئون الظن.
قال الحسن: إظهار الزكاة أحسن وإخفاء التطوع أفضل لأنه أدل على أنه يراد الله عز وجل به وحده.
وقال الضحاك: كان هذا يعمل به الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلما نزلت براءة بفريضة الصدقة وتفصيلها انتهت الصدقة إليه). [معاني القرآن: 1/300-301]


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 09:33 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 272 إلى 283]

{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274) الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)}

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({يوفّ إليكم} أي: توفّون أجره). [تفسير غريب القرآن: 98]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ليس عليك هداهم ولكنّ اللّه يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلّا ابتغاء وجه اللّه وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون}معناه: إنما عليك الإبلاغ كما قال - جلّ وعزّ - {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم}
ومعنى {ولكنّ اللّه يهدي من يشاء}أي: يوفق من يشاء للهداية، وقال قوم: لو شاء الله لهداهم أي لاضطرهم إلى أن يهتدوا - كما قال: {إن نشأ ننزّل عليهم من السّماء آية فظلّت أعناقهم لها خاضعين}، وكما قال - عزّ وجلّ - {ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى}
وهذا ليس كذلك. هذا فيه: {ولكنّ اللّه يهدي من يشاء} فلا مهتدي إلا بتوفيق الله - كما قال: {وما توفيقي إلاّ باللّه}.
ومعنى {وما تنفقون إلّا ابتغاء وجه اللّه}: هذا خاص للمؤمنين، أعلمهم أنه قد علم أنهم يريدون بنفقتهم ما عند اللّه جلّ وعزّ، لأنه إذا أعلمهم ذلك فقد علموا أنهم مثابون عليه، كما قال: {وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون}.
وقوله عزّ وجلّ: {فهو خير لكم ويكفّر عنكم من سيّئاتكم}.
الرفع في {يكفّر} والجزم جائزان، ويقرأ - ونكفر عنكم - بالنون والياء.
وزعم سيبويه أنه يختار الرفع في ويكفر، قال لأن ما بعد الفاء قد صار بمنزلته في غير الجزاء، وأجاز الجزم على موضع فهو خير لكم لأن المعنى يكن خيرا لكم،
وذكر أن بعضهم قرأ: {من يضلل اللّه فلا هادي له ويذرهم} بجزم الراء، والاختيار عنده الرفع في قوله {ويذرهم} وفي {ونكفّر} قال: فأمّا النصب فضعيف جدا، لا يجيز {ونكفّر عنكم} إلا على جهة الاضطرار، وزعم أنه نحو قول الشاعر:

سأترك منزلي لبني تميم... وألحق بالحجاز فأستريحا
إلا أن النصب أقوى قليلا: لأنه إنّما يجب به الشيء بوجوب غيره فضارع الاستفهام وما أشبهه.
هذا قول جميع البصريين وهو بين واضح). [معاني القرآن: 1/355-356]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ليس عليك هداهم}
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس كانوا يكرهون أن يتصدقوا على أقربائهم من المشركين فرخص لهم في ذلك فنزلت: {ليس عليك هداهم} إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 1/302]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {ابتغاء وجه الله} أي: طلب وجه الله - عز وجل - ورضاه). [ياقوتة الصراط: 183]

تفسير قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {لا يسألون النّاس إلحافاً...} ولا غير إلحاف. ومثله قولك في الكلام: قلّما رأيت مثل هذا الرجل؛ ولعلّك لم تر قليلا ولا كثيرا من أشباهه). [معاني القرآن: 1/181]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلحافاً}: إلحاحاً). [مجاز القرآن: 1/83]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({يحسبهم الجاهل أغنياء} لم يرد الجهل الذي هو ضد العقل، وإنما أراد الجهل الذي هو ضد الخبرة. يقول: يحسبهم من لا يخبر أمرهم.
{لا يسألون النّاس إلحافاً} أي: إلحاحا.
يقال: ألحف في المسألة: إذا ألح).
[تفسير غريب القرآن: 98]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {للفقراء الّذين أحصروا في سبيل اللّه لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التّعفّف تعرفهم بسيماهم لا يسألون النّاس إلحافا وما تنفقوا من خير فإنّ اللّه به عليم}
فقراء: جمع فقير مثل ظريف وظرفاء.
وقالوا في (أحصروا) قولين:
1- قالوا أحصرهم فرض الجهاد فمنعهم من التصرف.

2- وقالوا أحصرهم عدوهم لأنه شغلهم بجهاده، ومعنى {أحصروا}: صاروا إلى أن حصروا أنفسهم للجهاد، كما تقول رابط في سبيل اللّه.
ومعنى {لا يستطيعون ضربا في الأرض}أي: قد ألزموا أنفسهم أمر الجهاد فمنعهم ذلك من التصرف وليس لأنهم لا يقدرون أن يتصرفوا.
وهذا كقولك، أمرني المولى أن أقيم فما أقدر على أن أبرح، فالمعنى أني قد ألزمت نفسي طاعته، ليس أنه لا يقدر على الحركة " وهو صحيح سوي، ويقال ضربت في الأرض ضربا، وضرب الفحل الناقة إذا حمل عليها ضرابا، والضريب الجليد الذي يسقط على الأرض، يقال ضربت الأرض وجلدت الأرض وجلدت الأرض.

وروى الكسائي: ضربت الأرض وجلدت.
والأكثر ضربت وجلدات.
ومعنى {يحسبهم الجاهل أغنياء من التّعفّف}أي: يحسبهم الجاهل ويخالهم أغنياء من التعفف عن المسألة وإظهار التجمل.
ومعنى {لا يسألون النّاس إلحافا}:
روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال ((من سأل وله أربعون درهما فقد ألحف)) ومعنى ألحف أي: اشتمل بالمسألة، وهو مستغن عنها، واللّحاف من هذا اشتقاقه لأنه يشمل الإنسان في التغطية.
والمعنى: أنه ليس منهم سؤال فيكون منهم إلحاف.
كما قال امرؤ القيس:
على لاحب لا يهتدى بمناره... إذا سافه العود النباطيّ جرجرا
المعنى: ليس به منار فيهتدى بها، وكذلك ليس من هؤلاء سؤال فيقع فيه إلحاف). [معاني القرآن: 1/356-357]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله}
قال مجاهد: يعني مهاجري قريش الذين كانوا بالمدينة.
وقال غيره: معنى أحصروا في سبيل الله منعهم فرض الجهاد من التصرف.
وقيل شغلهم عدوهم بالقتال عن التصرف.
قال أبو جعفر: واللغة توجب إن أحصروا من المرض إلا أنه يجوز أن يكون المعنى صودفوا على هذه الحال). [معاني القرآن: 1/302]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {لا يستطيعون ضربا في الأرض} قيل قد ألزموا أنفسهم الجهاد كما يقال لا أستطيع أن أعصيك أي قد ألزمت نفسي طاعتك). [معاني القرآن: 1/303]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} ليس الجهل ههنا ضد العقل وإنما هو ضد الخبرة). [معاني القرآن: 1/303]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {تعرفهم بسيماهم لا يسالون الناس إلحافا} يقال الحف في المسألة أخفى وألح بمعنى واحد
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سأل وله أربعون درهما فقد ألحف)).
قال أبو إسحاق معناه: فقد شمل بالمسألة ومنه اشتق إلحاف قال، ومعنى {لا يسألون الناس إلحافا}: لا يكون منهم سؤال فيكون إلحاف كما قالي الشاعر:
على لا حب لا يهتدى بمنارة = إذا سافه العود النباطي جرجرا
أي: ليس به منار فيهتدى به). [معاني القرآن: 1/303-304]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يحسبهم الجاهل أغنياء} الجاهل هنا: الذي لم يختبرهم، فهو جاهل بهم.
{إلحافا} أي: إلحاحا. يقال: ألحف: إذا ألح). [تفسير المشكل من غريب القرآن:44-45]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إِلْحَافاً}: إلحاحا). [العمدة في غريب القرآن: 94]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار سرّاً وعلانيةً فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}
وقال: {الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار سرّاً وعلانيةً فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوفٌ عليهم} فجعل الخبر بالفاء إذ كان الاسم "الذي" وصلته فعل لأنه في معنى "من"، و"من" يكون جوابها بالفاء في المجازاة لأن معناها "من ينفق ماله فله كذا".
وقال: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه ثمّ ماتوا وهم كفّارٌ فلن يغفر اللّه لهم} وقال: {والّذين قتلوا في سبيل اللّه فلن يضلّ أعمالهم} وهذا في القرآن والكلام كثير ومثله "الذي يأتينا فله درهم").
[معاني القرآن: 1/154-155]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار سرّا وعلانية فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}
{الذين} رفع بالابتداء، وجاز أن يكون الخبر ما بعد الفاء، ولا يجوز في الكلام " زيد فمنطلق " لأن الفاء لا معنى لها -، وإنما صلح في الذين لأنها تأتي بمعنى الشرط والجزاء). [معاني القرآن: 1/358]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار}
حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية} قال: نزلت في علي بن أبي طالب رضوان الله عليه كانت معه أربعة دراهم فأنفق بالليل درهما وبالنهار درهما وسرا درهما وعلانية درهما). [معاني القرآن: 1/304-305]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {الّذين يأكلون الرّبا...}
أي: في الدنيا {لا يقومون} في الآخرة {إلاّ كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ} والمسّ: الجنون، يقال رجل ممسوس). [معاني القرآن: 1/182]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {المسّ}: من الشيطان، والجن، وهو اللّمم، وهو ما ألمّ به، وهو الأولق والألس والزّؤد، هذا كله مثل الجنون.
{فمن جاءه موعظةٌ من ربّه}: العرب تصنع هذا؛ إذا بدءوا بفعل المؤنث قبله.
{فله ما سلف}: ما مضى). [مجاز القرآن: 1/83]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون} من قبورهم يوم القيامة {إلّا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ} أي: من الجنون، [يقال: رجل ممسوس]). [تفسير غريب القرآن: 98]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلّا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ ذلك بأنّهم قالوا إنّما البيع مثل الرّبا وأحلّ اللّه البيع وحرّم الرّبا فمن جاءه موعظة من ربّه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى اللّه ومن عاد فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}
المعنى: الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون في الآخرة إلا كما يقوم المجنون.
من حال جنونه.
زعم أهل التفسير أن ذلك علم لهم في الموقف، يعرفهم به أهل الموقف، يعلم به أنّهم أكلة الربا في الدنيا يقال بفلان مس، وهو ألمس وأولق إذا كان به جنون.
وقوله عزّ وجلّ: {فمن جاءه موعظة من ربّه فانتهى}.
جاز تذكير {جاءه}، وقال: تعالى في موضع آخر (قد جاءتكم موعظة من ربّكم} لأن كل تأنيث ليس بحقيقي فتذكيره جائز ألا ترى أن الوعظ والموعظة معبران عن معنى واحد.
وقوله عزّ وجلّ: {فله ما سلف وأمره إلى اللّه}أي: قد صفح له عمّا سلف {وأمره إلى اللّه} أي اللّه وليّه.
ومعنى {ومن عاد فأولئك أصحاب النّار} أي: من عاد إلى استحلال الربا فهو كافر، لأن من أحلّ ما حرّم اللّه فهو كافر، وهؤلاء قالوا: {إنّما البيع مثل الرّبا} ومن اعتقد هذا فهو كافر). [معاني القرآن: 1/358-359]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}
المعنى: الذين يأكلون الربا في الدنيا لا يقومون في الآخرة {إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}
قال قتادة:أي الجنون.
وقال غيره: هذا علامة لهم يوم القيامة يخرج الناس من قبورهم مسرعين كما قال تعالى: {يخرجون من الأجداث سراعا} إلا أكلة الربا فإنهم يقومون ويسقطون أربى الله الربا في بطونهم يوم القيامة حتى ثقلهم منهم ينهضون ويسقطون ويريدون الإسراع فلا يقدرون). [معاني القرآن: 1/305-306]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى}
قال سفيان: يعني القرآن.
ومعنى {فله ما سلف}: مغفور له.
ثم قال تعالى: {وأمره إلى الله}
قال أبو إسحاق، أي: الله جل وعز: {وليه}.
قال غيره: {وأمره إلى الله} في عصمته وتوفيقه إن شاء عصمه عن أكله وإن شاء خذله عن ذلك
وقال بعض أهل التفسير: {وأمره إلى الله} في المستقبل
وهذا قول حسن بين، أي: وأمره إلى الله في المستقبل إن شاء ثبته على التحريم وإن شاء أباحه). [معاني القرآن: 1/307-308]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}
قال سفيان: من عاد فعمل بالربا حتى يموت.

وقال غيره: من عاد فقال إنما البيع مثل الربا فقد كفر). [معاني القرآن: 1/308]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الذين يأكلون الربا لا يقومون} أي: من قبورهم إلا مثل المجنون، و{المس} الجنون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 45]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْمــــَسِّ}: الجنــــون). [العمدة في غريب القرآن: 94]

تفسير قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يمحق الله الرّبا}: يذهبه كما يمحق القمر، ويمحق الرجل إذا انتقص ماله). [مجاز القرآن: 1/83]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)}

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وذروا ما بقي من الرّبا...}
يقول القائل: ما هذا الربا الذي له بقيّة، فإن البقيّة لا تكون إلاّ من شيء قد مضى؟ وذلك أن ثقيفا كانت تربي على قوم من قريش، فصولحوا على أن يكون ما لهم على قريش من الربا لا يحطّ، وما على ثقيف من الربا موضوع عنهم. فلمّا حلّ الأجل على قريش، وطلب منهم الحقّ نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مّؤمنين} فهذه تفسير البقيّة وأمروا بأخذ رءوس الأموال فلم يجدوها متيسّرة، فأبوا أن يحطّوا الربا ويؤخّروا رءوس الأموال، فأنزل الله تبارك وتعالى: {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ وأن تصّدّقوا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون}. {وإن كان ذو عسرة} من قريش {فنظرة} يا ثقيف {إلى ميسرة} وكانوا محتاجين، فقال - تبارك وتعالى -: {وأن تصدّقوا} برءوس الأموال {خير لكم}). [معاني القرآن: 1/182]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مؤمنين}
نزلت في قوم من أهل الطائف كانوا صولحوا على أن وضع عنهم ما كان عليهم من الربا، وجعل لهم أن يأخذوا ما لهم من الربا وكان لهم على قوم من قريش مال فطالبوهم عند المحل بالمال والربا فقالت تلك الفرقة ما بالنا من أشقى الناس يؤخذ منا الربا الذي قد وضع عن سائر الناس، فأمر الله عز وجلّ - بترك هذه البقية، وأعلم أن من كان مؤمنا قبل عن اللّه أمره ومن أبى فهو حرب، أي كافر، فقال: {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اللّه ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}). [معاني القرآن: 1/359]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا}
قال مجاهد: كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه ويزيده). [معاني القرآن: 1/308]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فأذنوا بحربٍ من الله}: أيقنوا، تقول: آذنتك بحرب، فأذنت به). [مجاز القرآن: 1/83]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فإن لّم تفعلوا فأذنوا بحربٍ مّن اللّه ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}
قال: {فإن لّم تفعلوا فأذنوا بحربٍ} تقول "قد أذنت منك بحربٍ" و"هو يأذن".
وقال: {لا تظلمون ولا تظلمون}.
وقال بعضهم {لا تظلمون ولا تظلمون} كله سواء في المعنى).
[معاني القرآن: 1/155]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فأذنوا بحربٍ من اللّه} أي: اعلموا.
ومن قرأ: «فآذنوا بحرب» أراد: أذنوا غيركم من أصحابكم. يقال: آذنني فأذنت).
[تفسير غريب القرآن: 98]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اللّه ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}
وقال بعضهم قآذنوا، فمن قال {فأذنوا}: فالمعنى: أيقنوا ومن قال (قآذنوا)كان معناه: فأعلموا كل من لم يترك الربا أنّه حرب.
يقال قد آذنته بكذا وكذا، أوذنه إيذانا إذا أعلمته وقد أذن له يأذن إذنا إذا علم به). [معاني القرآن: 1/359]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله}أي: فأيقنوا يقال أذنت بالشيء فأنا أذين به كما قال:
فإني أذين إن رجعت مملكا
ومعنى فآذنوا: فأعملوا غيركم أنكم على حربهم). [معاني القرآن: 1/309]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وان تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}
ثم قال الضحاك: كانوا في الجاهلية يتبايعون بالربا فجاء الإسلام وقد بقيت لهم أموال فأمروا أن يأخذوا رءوس أموالهم ولا يأخذوا الربا الذي كانوا أربوا به وأمروا أن يتصدقوا على من كان معسر). [معاني القرآن: 1/309-310]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {فأذنوا}: فاعلموا، وآذنتكم، أي: أعلمتكم). [ياقوتة الصراط: 183]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فأذنوا} فاعلموا. ومن قرأ بالمد وفتح الهمزة فمعناه: فأعلموا أصحابكم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 45]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَأْذَنـــُواْ}: فاعلمـــــــوا). [العمدة في غريب القرآن: 94]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ وأن تصدّقوا خيرٌ لّكم إن كنتم تعلمون}
قال: {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ} يقول: "وإن كان ممّن تقاضون ذو عسرة فعليكم أن تنظروا إلى الميسرة".
وقال بعضهم {فنظرة} وإن شئت لم تجعل لـ"كان" خبرا مضمرا وجعلت "كان" بمنزلة: "وقع".
وقال بعضهم {ميسره} وليست بجائزة لأنه ليس في الكلام "مفعلٌ". ولو قرؤها (موسره) جاز لأنه من "أيسر" مثل: "أدخل" فـ"هو مدخل".
وقال بعضهم {فناظره إلى ميسرةٍ} و{ميسرةٍ} فجعلها "فاعل" من "ناظر" وجزمها للأمر.

وقال: {وأن تصدّقوا خيرٌ لّكم} يقول: "الصدقة خيرٌ لكم". جعل {أن تصدّقوا} اسما مبتدأ وجعل {خيرٌ لّكم} خبر المبتدأ). [معاني القرآن: 1/155-156]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فنظرةٌ إلى ميسرةٍ} أي: انتظار.
{وأن تصدّقوا}
بما لكم على المعسر {خيرٌ لكم}).
[تفسير غريب القرآن: 99]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدّقوا خير لكم إن كنتم تعلمون} أي: وإن وقع (ذو عسرة)، ولو قرئت، وإن كان ذا عسرة لجاز أي وإن كان المدين الذي عليه الدّين ذا عسرة، ولكن لا يخالف المصحف والرفع على أن، {إن كان} على معنى إن وقع ذو عسرة - ورفع {فنظرة إلى ميسرة} على فعلى الّذي تعاملونه نظرة أي تأخير، يقال بعته بيعا بنظرة.
ومن قال: فناظرة إلى ميسرة ففاعلة من أسماء المصادر نحو (ليس لوقعتها كاذبة) ونحو {تظنّ أن يفعل بها فاقرة}
وإن شئت قلت إلى ميسرة فأما من قرأ (إلى ميسره) على جهة الإضافة إلى الهاء فمخطئ، لأن "ميسر" مفعل وليس في الكلام مفعل.
وزعم البصريون أنهم لا يعرفون مفعلا إنما يعرفون مفعلة.
فأمرهم اللّه بتأخير رأس المال بعد إسقاط الربا، إذا كان المطالب معسرا، وأعلمهم أن الصدقة برأس المال عليه أفضل.
فقال: {وأن تصدّقوا خير لكم إن كنتم تعلمون} ). [معاني القرآن: 1/359-360]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة}
قال إبراهيم: نزلت في الربا.
قال الربيع بن خيثم: هي لكل معسر ينظر.
قال أبو جعفر: وهذا القول الحسن لأن القراءة بالرفع بمعنى وإن وقع ذو عسرة من الناس أجمعين أم كان فيمن تطالبون أو تبايعون ذو عسرة ولو كان في الربا خاصة لكان النصب الوجه بمعنى: وإن كان الذي عليه الربا ذا عسرة
على أن المعتمر قد روى عن حجاج الوراق قال في مصحف عثمان وإن كان ذا عسرة والمعنى فعليكم النظرة أي التأخير إلى أن يوسر
وروى عن عطاء أنه قرأ (فناظرة إلى ميسرة) على جهة الأمر). [معاني القرآن: 1/310-311]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون}
قال إبرهيم، أي: برأس المال.
قال الضحاك: وأن تصدقوا من رأس المال خير من النظرة.
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال: زعم ابن عباس أن آخر آية نزلت من القرآن {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله}
قرئ على أحمد بن شعيب عن محمد بن عقيل عن علي بن الحسين قال حدثني أبي عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} الآية أنها آخر آية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 1/311-312]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فَنَظِرَةٌ}: صبر وانتظار.
{مَيْسَرَةٍ}: يسار وسعة). [العمدة في غريب القرآن: 95]

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {واتّقوا يوماً ترجعون فيه إلى اللّه...}
حدّثنا محمد بن الجهم عن الفرّاء قال: حدثني أبو بكر عيّاش عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس قال: آخر آية نزل بها جبريل صلى الله عليه وسلم {واتّقوا يوماً ترجعون فيه إلى اللّه}هذه، ثم قال: ضعها في رأس الثمانين والمائتين من البقرة). [معاني القرآن: 1/183]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {واتّقوا يوما ترجعون فيه إلى اللّه ثمّ توفّى كلّ نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} هذا يوم القيامة، ويقال إنها آخر آية نزلت من كتاب اللّه جلّ وعزّ.
كذا جاء في التفسير). [معاني القرآن: 1/360]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مّسمًّى...}
هذا الأمر ليس بفريضة، إنما هو أدب ورحمة من الله تبارك وتعالى. فإن كتب فحسن، وإن لم يكتب فلا بأس.
وهو مثل قوله: {وإذا حللتم فاصطادوا} أي: فقد أبيح لكم الصيد.
وكذلك قوله: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} ليس الانتشار والابتغاء بفريضة بعد الجمعة، إنما هو إذن.
وقوله: {ولا يأب كاتبٌ أن يكتب كما علّمه اللّه} أمر الكاتب ألاّ يأبى لقلّة الكتّاب كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم).
[معاني القرآن: 1/183]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فليكتب وليملل الّذي عليه الحقّ} فأمر الذي عليه الدين بأن يملّ لأنه المشهود عليه.
ثم قال {فإن كان الّذي عليه الحقّ سفيهاً} يعني جاهلا {أو ضعيفاً} صغيرا أو امرأة {أو لا يستطيع أن يملّ هو} يكون عييّا بالإملاء {فليملل وليّه}يعني: صاحب الدين.
فإن شئت جعلت الهاء للذي ولي الدين، وإن شئت جعلتها للمطلوب. كلّ ذلك جائز.

ثم قال تبارك وتعالى: {فإن لّم يكونا رجلين فرجلٌ وامرأتان} أي: فليكن رجل وامرأتان؛ فرفع بالردّ على الكون.
وإن شئت قلت: فهو رجل وامرأتان. ولو كانا نصبا أي فإن لم يكونا رجلين فاستشهدوا رجلا وامرأتين.
وأكثر ما أتى في القرآن من هذا بالرفع، فجرى هذا معه).
[معاني القرآن: 1/183-184]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ممّن ترضون من الشّهداء أن تضلّ إحداهما} بفتح أن، وتكسر.
فمن كسرها نوى بها الابتداء فجعلها منقطعة مما قبلها.
ومن فتحها فها أيضا على سبيل الجزاء إلا أنه نوى أن يكون فيه تقديم وتأخير. فصار الجزاء وجوابه كالكلمة الواحدة، ومعناه: - والله أعلم - استشهدوا امرأتين مكان الرجل كيما تذكّر الذاكرة الناسية إن نسيت؛ فلمّا تقدّم الجزاء اتّصل بما قبله، وصار جوابه مردودا عليه.
ومثله في الكلام قولك: (إنه ليعجبني أن يسأل السائل فيعطى) فالذي يعجبك الإعطاء إن يسأل، ولا يعجبك المسألة ولا الافتقار.
ومثله: استظهرت بخمسة أجمال أن يسقط مسلم فأحمله، إنما استظهرت بها لتحمل الساقط، لا لأن يسقط مسلم. فهذا دليل على التقديم والتأخير.

ومثله في كتاب الله {ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدّمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا} ألا ترى أن المعنى: لولا أن يقولوا إن أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم: هلاّ أرسلت إلينا رسولا. فهذا مذهب بيّن). [معاني القرآن: 1/184]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا يأب الشّهداء إذا ما دعوا} إلى الحاكم. {إلاّ أن تكون تجارةً حاضرةً} ترفع وتنصب.
فإن شئت جعلت {تديرونها} في موضع نصب فيكون لكان مرفوع ومنصوب.
وإن شئت جعلت "تديرونها" في موضع رفع. وذلك أنه جائز في النكرات أن تكون أفعالها تابعة لأسمائها؛ لأنك تقول: إن كان أحد صالح ففلان، ثم تلقى (أحدا) فتقول: إن كان صالح ففلان، وهو غير موقّت فصلح نعته مكان اسمه؛ إذ كانا جميعا غير معلومين، ولم يصلح ذلك في المعرفة؛ لأن المعرفة موقّتة معلومة، وفعلها غير موافق للفظها ولا لمعناها.

فإن قلت: فهل يجوز أن تقول: كان أخوك القاتل، فترفع؛ لأن الفعل معرفة والاسم معرفة فترفعا للاتفاق إذا كانا معرفة كما ارتفعا للاتفاق في النكرة؟
قلت: لا يجوز ذلك من قبل أن نعت المعرفة دليل عليها إذا حصّلت، ونعت النكرة متّصل بها كصلة الذي. وقد أنشدني المفضّل الضبّيّ:
أفاطم إني هالك فتبيّني * ولا تجزعي كلّ النساء يئيم
ولا أنبأن بأنّ وجهك شانه * خموشٌ وإن كان الحميم الحميم
فرفعهما. وإنما رفع الحميم الثاني لأنه تشديد للأول. ولو لم يكن في الكلام الحميم لرفع الأول.
ومثله في الكلام: ما كنا بشيء حين كنت، تريد حين صرت وجئت، فتكتفى (كان) بالاسم.

ومما يرفع من النكرات قوله: {وإن كان ذو عسرةٍ} وفي قراءة عبد الله وأبيّ "وإن كان ذا عسرة" فهما جائزان؛ إذا نصبت أضمرت في كان اسما؛ كقول الشاعر:
لله قومي أي قوم لحرّة * إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا! ‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍
وقال آخر:
أعينيّ هلاّ تبكيان عفاقا * إذا كان طعنا بينهم وعناقا
وإنما احتاجوا إلى ضمير الاسم في (كان) مع المنصوب؛ لأنه بنية (كان) على أن يكون لها مرفوع ومنصوب، فوجدوا (كان) يحتمل صاحبا مرفوعا فأضمروه مجهولا.
وقوله: {فإن كنّ نساء فوق اثنتين} فقد أظهرت الأسماء. فلو قال: فإن كان نساء جاز الرفع والنصب.
ومثله {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}.
ومثله {إلا أن
يكون ميتة أو دما مسفوحا} ومن قال {تكون ميتة} جاز فيه الرفع والنصب. وقلت {تكون} لتأنيث الميتة،
وقوله: {إنها إن تك مثقال حبة من خردل} فإن قلت: إن المثقال ذكر فكيف قال (تكن)؟ قلت: لأن المثقال أضيف إلى الحبّة وفيها المعنى؛ كأنه قال: إنها إن تك حبّة؛ وقال الشاعر:

على قبضة مرجوّة ظهر كفّه * فلا المرء مستحىٍ ولا هو طاعم
لأنه ذهب إلى الكفّ؛ ومثله قول الآخر:
وتشرق بالقول الذي قد أذعته * كما شرقت صدر القناة من الدم
وقوله:
أبا عرو لا تبعد فكلّ ابن حرّة * ستدعوه داعي موتة فيجيب
فأنّث فعل الداعي وهو ذكر؛ لأنه ذهب إلى الموتة. وقال الآخر:
قد صرّح السير عن كتمان وابتذلت * وقع المحاجن بالمهريّة الذّقن
فأنث فعل الوقع وهو ذكر؛ لأنه ذهب إلى المحاجن. وقوله: {ولا يضارّ كاتبٌ ولا شهيدٌ} أي: لا يدع كاتب وهو مشغول، ولا شهيد). [معاني القرآن: 1/185-187]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا يبخس منه شيئاً}: لا ينقص، قال: لا تبخسني حقي (؟)، قال في مثل: (تحسبها حمقاء وهي باخسة) أي ظالمة.
{أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى} أي: تنسى.
{ولا يأب الشّهداء إذا ما دعوا} قال فيمن شهد: لا يأب إذا دعى، وله قبل أن يشهد أن لا يفعل.
{أقسط عند الله} أعدل.
{فسوقٌ} الفسوق: المعصية في هذا الموضع). [مجاز القرآن: 1/83-84]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مّسمًّى فاكتبوه وليكتب بّينكم كاتبٌ بالعدل ولا يأب كاتبٌ أن يكتب كما علّمه اللّه فليكتب وليملل الّذي عليه الحقّ وليتّق اللّه ربّه ولا يبخس منه شيئاً فإن كان الّذي عليه الحقّ سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يملّ هو فليملل وليّه بالعدل واستشهدوا شهيدين مّن رّجالكم فإن لّم يكونا رجلين فرجلٌ وامرأتان ممّن ترضون من الشّهداء أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى ولا يأب الشّهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله ذلكم أقسط عند اللّه وأقوم للشّهادة وأدنى ألاّ ترتابوا إلاّ أن تكون تجارةً حاضرةً تديرونها بينكم فليس عليكم جناحٌ ألاّ تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضارّ كاتبٌ ولا شهيدٌ وإن تفعلوا فإنّه فسوقٌ بكم واتّقوا اللّه ويعلّمكم اللّه واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ}
قال: {واستشهدوا شهيدين مّن رّجالكم فإن لّم يكونا رجلين} أي: إن لم يكن الشهيدان رجلين.
{فرجلٌ وامرأتان}
فالذي يستشهد رجلٌ وامرأتان.

وقال: {ولا تسأموا} لأنها من "سئمت" "تسأم" "سآمةً" و"سأمةً" و"سآماً" و"سأماً".
[وقال] {ولا يأب الشّهداء} جزم لأنه نهي وإذا وقفت قلت "يأب" فتقف بغير ياء.
وقال: {إلاّ أن تكون تجارةٌ حاضرةٌ} أي: تقع تجارةٌ حاضرةٌ. وقد يكون فيها النصب على ضمير الاسم "إلاّ أن تكون تلك تجارةً.
وقال: {ولا يضارّ كاتبٌ ولا شهيدٌ} على النهي والرفع على الخبر. وهو مثل {لا تضارّ والدةٌ بولدها} إلاّ إنه لم يقرأ {لا تضارّ} رفعا.
وقوله: {إذا تداينتم بدينٍ} فقوله: {بدينٍ} تأكيد نحو قوله: {فسجد الملائكة كلّهم أجمعون} لأنك تقول "تداينّا" فيدل على قولك "بدينٍ" قال الشاعر:
داينت أروى والدّيون تقضى = [فمطلت بعضاً وأدّت بعضا]
تقوله: "داينتها وداينتني فقد تداينّا" كما تقول: "قابلتها وقابلتني فقد تقابلنا".
وقال: {أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله} فأضمر "الشاهد".
وقال: {إلى أجله} إلى الأجل الذي تجوز فيه شهادته والله أعلم).
[معاني القرآن: 1/156-157]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فليملل وليّه بالعدل أي} وليّ الحق.
{أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى} أي: تنسى إحداهما الشهادة، فتذكرها الأخرى. ومنه قول موسى عليه السلام: {فعلتها إذاً وأنا من الضّالّين} [الشعراء: 20] أي: من الناسين.
{ولا تسئموا} أي: لا تملوا، {أن تكتبوه صغيراً} من الدّين كان {أو كبيراً}.
{أقسط عند اللّه}: أعدل، {وأقوم للشّهادة}: لأن الكتاب يذكّر الشهود جميع ما شهدوا عليه، {وأدنى ألّا ترتابوا} أي: أن لا تشكّوا.
{إلّا أن تكون تجارةً حاضرةً تديرونها بينكم} أي: تتبايعونها بينكم.
{ولا يضارّ كاتبٌ}: فيكتب ما لم يملل عليه، {ولا شهيدٌ}: فيشهد بما لم يستشهد.
ويقال: هو أن يمتنعا إذا دعيا.
ويقال: «لا يضار» بمعنى لا يضارر «كاتب» أي يأتيه فيشغله عن سوقه وصنعته. هذا قول مجاهد والكلبي). [تفسير غريب القرآن:99-100]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمّى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علّمه اللّه فليكتب وليملل الّذي عليه الحقّ وليتّق اللّه ربّه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الّذي عليه الحقّ سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يملّ هو فليملل وليّه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممّن ترضون من الشّهداء أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى ولا يأب الشّهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند اللّه وأقوم للشّهادة وأدنى ألّا ترتابوا إلّا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألّا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضارّ كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنّه فسوق بكم واتّقوا اللّه ويعلّمكم اللّه واللّه بكلّ شيء عليم}
{يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدين}
يقال داينت الرجل إذا عاملته بدين، أخذت منه وأعطيته. وتداينّا على داينته، قال الشاعر:
داينت ليلى والدّيون تقضى... فمطلت بعضا وأدّت بعضا
ويقال دنت وأدّنت أي اقترضت، وأدنت إذا أقرضت.
قال الشاعر:
أدان وأنبّأه الأولون... بأن المدان مليء وفيّ
فالمعنى: إذا كان لبعضكم على بعض دين إلى أجل مسمّى فاكتبوه فأمر الله - عزّ وجلّ - بكتب الدين، حفظا منه للأموال، وكذلك الإشهاد فيها وللناس من الظلم لأن صاحب الدّين إذا كانت عليه الشهود والبينة قلّ تحديثه نفسه بالطمع في إذهابها، فأمر اللّه - جلّ وعزّ - بالإشهاد والكتاب.
قال بعض أهل اللغة: هذا أدب من اللّه عزّ وجلّ وليس بأمر حتم كما قال عزّ وجلّ: {وإذا حللتم فاصطادوا}- فليس يجب كلما يحل من الإحرام أن يصطاد، وكما قال: {فإذا قضيت الصّلاة فانتشروا في الأرض}.
وهذا خلاف ما أمر اللّه به في كتاب الدين والإشهاد لأن هذين جميعا إباحة بعد تحريم - قال الله عزّ وجلّ: {وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرما} وقال: {لا تقتلوا الصّيد وأنتم حرم} ثم أباح لهم - إذا زال الإحرام - الصيد " وكذلك " قال: {إذا نودي للصّلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر اللّه وذروا البيع} فأباح لهم بعد انقضاء الصلاة الابتغاء من فضله، والانتشار في الأرض لما أرادوا من بيع وغيره.
وليست آية الدّين كذلك، ولكن الذي رخص في ترك الإشهاد في قول قوم قوله: {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته} أي: يكتب بالحق، لا يكتب لصاحب الدين فضلا على الذي عليه الدين ولا ينقصه من حقه - فهذا العدل.
ومعنى {ولا يأب كاتب أن يكتب كما علّمه اللّه فليكتب} أي: لا يأب أن يكتب كما أمره اللّه به من الحق.
وقيل {كما علّمه اللّه فليكتب} أي: كما فضله اللّه بالكتاب فلا يمنعن المعروف بكتابه.
وأبى يأبى في اللغة منفرد لم يأت مثله إلا قلى يقلى، والذي أتى أبى يأبى لا غير - فعل يفعل، وهذا غير معروف إلا أن يكون في موضع العين من الفعل أو اللام حرف من حروف الحلق، وقد بيّناها، ولكن القول فيه أن الألف في أبى أشبهت الهمزة فجاء يفعل مفتوحا لهذه العلة، وهذا القول لإسماعيل بن إسحاق ومثله قلى يلقى.
ومعنى قوله عزّ وجلّ {ولا يبخس منه شيئا} أي: لا ينقص منه شيئا.
وقوله عزّ وجلّ: {فإن كان الّذي عليه الحقّ سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يملّ هو}.
السفيه: الخفيف العقل، ومن هذا قيل تسفهت الريح الشيء إذا حركته واستخفته، قال الشاعر:
مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت... أعاليها مرّ الرّياح النّواسم
فالنساء والصبيان اللاتي لا يميزن تميزا صحيحا سفهاء، والضعيف في عقله سفيه، والذي لا يقدر - على الإملاء العيي.
وجائز أن يكون: الجهول سفيها كهؤلاء.
ومعنى{فليملل وليه بالعدل} أي: الذي يقوم بأمره، لأن اللّه أمر ألا نؤتي السفهاء الأموال.
وأمر أن يقام لهم بها فقال: {وارزقوهم فيها واكسوهم}.

فوليه الذي يقوم مقامه في ماله لو كان مميزا.
وقال قوم: ولي الدّين. وهذا بعيد: كيف يقبل قول المدعي، وما حاجتنا إلى الكتاب والإشهاد والقول قوله: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم}.
معنى رجالكم من أهل ملتكم.
وقوله عزّ وجلّ: {فرجل وامرأتان ممّن ترضون من الشّهداء}أي: فالذي يشهد - إن لم يكن - رجلان - رجل وامرأتان.
ومعنى {ممن ترضون من الشهداء} أي: ممن ترضون مذهبه، ودل بهذا القول أن في الشهود من ينبغي ألا يرضى.

{أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى}.
من كسر (أن) فالكلام علي لفظ الجزاء، ومعناه: المعنى في (إن تضل) إن تنسى إحداهما، تذكرها الذاكرة فتذكر.
و{فتذكّر} رفع مع كسر (إن) لا غير - ومن قرأ "أن تضل فتذكر " وهي قراءة أكثر الناس، فزعم بعض أهل اللغة فيها أن الجزاء فيها مقدّم أصله التأخير وقال: المعنى: استشهدوا امرأتين مكان الرجل كي تذكر الذاكرة - الناسية. إن نسيت. فلما تقدم الجزاء اتصل بأول الكلام وفتحت أن وصار جوابه مردودا عليه.
ومثله إني ليعجبني أن يسأل السائل فيعطى، قال - والمعنى إنما يعجبه الإعطاء إن سأل السائل وزعم أن هذا قول بين.
ولست أعرف لم صار الجزاء إدا تقدم - وهو في مكانه أو في غير مكانه وجب أن يفتح (أن) معه.
وذكر سيبويه والخليل " وجميع النحويين الموثوق بعلمهم أن المعنى: استشهدوا امرأتين لأن تذكر إحداهما الأخرى، ومن أجل أن تذكر إحداهما الأخرى،
قال سيبويه: فإن قال إنسان فلم جاز (أن تضل) وإنما أعد هذا للإذكار، فالجواب أن الإذكار لما كان سببه الإضلال جاءت أن يذكر (أن تضل) لأنّ الإضلال هو السبب الذي أوجب الإذكار.

قال ومثله: أعددت هذا الجذع أن يميل الحائط، فأدعمه، وإنّما أعددته للدعم لا للميل، ولكن الميل ذكر لأنه سبب الدعم، كلما ذكر الإضلال لأنه سبب الإذكار - فهذا هو البيّن إن شاء الله.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا يأب الشّهداء إذا ما دعوا}.
يروى عن الحسن أنه قال: {ولا يأب الشّهداء إذا ما دعوا} لابتداء الشهادة، أي: ولا يأبوا إذا دعوا لإقامتها.
وهذا الذي قال الحسن هو الحق - واللّه أعلم - لأن الشهداء إذا أبوا - وكان ذلك لهم - أن يشهدوا تويت حقوقهم وبطلت معاملاتهم فيما يحتاجون إلى التوثق فيه.
وقال غير الحسن: {ولا يأب الشّهداء إذا ما دعوا} - وكانت في أعناقهم شهادة - أن يقيموها.
فأما إذا لم يكونوا شهداء فهم مخيرون في ابتداء الشهادة، إن شاءوا شهدوا وإن شاءوا أبوا.
ويدل على: توكيد أن الشاهد ينبغي له إذا ما دعي ابتداء أن يجيب.
قوله تعالى: {ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله} أي: لا تملوا أن تكتبوا ما أشهدتم عليه، فقد أمروا بهذا، فهذا يؤكد أن أمر الشهادة في الابتداء واجب، وأنه لا ينبغي أن يمل ويقال سئمت أسأم سآمة. سأما.
قال الراجز:
لما رأيت أنه لا قامة...وأنني ساق على السآمة
نزعت نزعا زعزع الدعامة ومعنى: {إلّا أن تكون تجارة حاضرة}.
أكثر القراء على: الرفع {تجارة حاضرة} على معنى: إلا أن تقع تجارة حاضرة.
ومن نصب تجارة - وهي قراءة عاصم فالمعنى إلا أن تكون المداينة تجارة حاضرة.

والرفع أكثر وهي قراءة الناس.
فرخص اللّه عزّ وجلّ في ترك كتابة ما يديرونه بينهم لكثرة ما تقع المعاملة فيه، وأنه أكثر ما تقع المتاجرة بالشيء القليل، وإن وقع فيه الدين.
ووكد في الإشهاد في البيع فقال: {وأشهدوا إذا تبايعتم} وقد بيّنّا ما الذي رخص في ترك، الإشهاد.
ومعنى {ولا يضارّ كاتب ولا شهيد}: قالوا فيه قولين:
1- قال بعضهم: {لا يضارّ}: لا يضارر، فأدغمت الراء في الراء، وفتحت لالتقاء الساكنين، ومعنى {لا يضارّ}: لا يكتب الكاتب إلا بالحق ولا يشهد الشاهد إلا بالحق.

2- وقال قوم: {ولا يضارّ كاتب ولا شهيد}: لا يدعى الكاتب وهو مشغول لا يمكنه ترك شغله إلا بضرر يدخل عليه، وكذلك لا يدعى الشاهد ومجيئه للشهادة يضرّ به
والأول أبين لقوله: {وإن تفعلوا فإنّه فسوق بكم} فالفاسق أشبه بغير العدل وبمن حرف الكتاب منه بالذي دعا شاهدا ليشهد، ودعا كاتبا ليكتب، وهو مشغول فليس يسمّى هذا فاسقا ولكن يسمى من كذب في الشهادة ومن حرف الكتاب فاسقا).
[معاني القرآن: 1/360-366]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} في معناها أقوال:
1-منها" أن هذا على الندب وليس بحتم.
2-ومنها أن أبا نضرة روى عن أبي سعيد الخدري أنه تلا هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين} حتى بلغ {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي ائتمن أمانته} قال: نسخت هذه الآية ما قبلها.
3-وقيل: إن هذا واجب في الأجل والإشهاد في العاجل وإنما الرخصة في الرهن.
ويقال: داينت الرجل إذا أقرضته واستقرضت منه وكذلك تداين القوم.
وأدنت الرجل بعته بدين ودنت وأدنت أي أخذت بدين وأنا دائن ومدان.
والمدين الملك إذا دان الناس له أي سمعوا وأطاعوا.
ومما يسأل عنه أن يقال ما وجه بدين وقد دل تداينهم على الدين فهل تكون مداينة بغير دين
فالجواب: أن العرب تقول تداينا، أي: تجارينا وتعاطينا الأخذ والإعطاء فجاء بدين مبينا للمعنى المقصود). [معاني القرآن: 1/312-314]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وليكتب بينكم كاتب بالعدل}
قال السدي: بالحق، أي: لا يكتب لصاحب الحق أكثر مما له ولا أقل.
ثم قال تعالى: {ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله} قيل كما علمه الله من الكتابة بالعدل، وقيل كما فضله الله بعلم الكتابة.
ثم قال تعالى: {فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو}
قال ابن وهب: أخبرني يونس أنه سأل ربيعة ما صفة السفيه فقال: الذي لا يثمر ماله في يدعه ولا ابتياعه ولا يمنع نفسه لذة يسقط في المال سقوط من لا يعد المال شيئا الذي لا يرى له عقل في مال.
وروي عن ابن عباس أنه قال: السفيه الجاهل بالإملاء والضعيف الأخرق.
وقال أبو إسحاق: السفيه الخفيف العقل ومن هذا تسفهت الريح إذا حركته واستخفته ومنه:
مشين كما اهتزت رماح تسفهت = أعاليها مر الرياح النواسم
وحكى غيره: أن السفه كل ما يقبح فعله أي هو فعل ليس بمحكم من قولهم ثوب سفيه إذا كان متخلخلا
فأما الضعيف: فهو والله أعلم الذي فيه ضعف من خرس أو هرم أو جنون
ثم قال تعالى: {فليملل وليه بالعدل}في معنى هذا قولان:
1-روى سفيان عن يونس عن الحسن فليملل وليه بالعدل، قال الضحاك: ولي السفيه الذي يجوز عليه أمره فهو وليه، أي: يقوم بأمره {بالعدل} هو الذي يملي الحق.
2-والقول الآخر: عن ابن عباس أن المعنى فليملل ولي الذي هو عليه.
واحتج بهذا القول: من ذهب إلى نفي الحجر عن الأحرار البالغين العقلاء وهو مذهب محمد بن سيرين وإبراهيم النخعي
ثم قال عز وجل: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} قيل: من أهل ملتكم.
ثم قال تعالى: {ممن ترضون من الشهداء} أي: ممن ترضون مذهبه.
قال إبراهيم ممن لم تظهر له ريبة
ثم قال تعالى: {أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} أي: أن تنسى احدهما فتذكرها الأخرى.
وروي عن الجحدري أن تضل أي: تنسى كما يقال أنسيت كذا.
فأما ما روي عن ابن عيينة من أنه قال: تصير شهادتهما بمنزلة شهادة الذكر فلا يعرفه أهل اللغة وهو أيضا خطأ لأنه لو كان إنما معناه نجعلها بمنزلة الذكر لم يحتج إلى أن تضل لأنها كانت تجعلها بمنزلة الذكر ضلت أو لم تضل، ولا يجوز أن: تصيرها بمنزلة الذكر وقد نسيت شهادتها
وأما فتح إن فنذكره في الإعراب إن شاء الله
ثم قال عز وجل: {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا}
روى ابن نجيح عن مجاهد قال: إذا دعي ليشهد وقد كان أشهد .
وقال الحسن: وإذا ما دعوا ابتداء للشهادة ولا يأبوا إذا دعوا لإقامتها.
قال أبو جعفر: قيل قول الحسن أشبه لأنه لو كان ذلك لهم لتويت الحقوق ولأن بعده {ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله} أي: لا تملوا أن تكتبوا الحق كان كثيرا أو قليلا كما يقال لأعطينك حقك صغر أو كبر.
وقال الأخفش: إن تكتبوه فأضمر الشاهد قال وقال إلى أجله أي إلى الأجل الذي تجوز فيه شهادته والله أعلم. هذا في كلام الأخفش نصا
قال أبو جعفر: واختار محمد بن جرير قول مجاهد أن المعنى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا أن ذلك إذا كانت عندك شهادة فدعيت وهو قول سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة والشعبي والنخعي.
قال محمد بن جرير: لأن الله قد ألزمهم اسم الشهداء وإنما يلزمهم اسم الشهداء إذا شهدوا على شيء قبل ذلك وغير جائز أن يقال لهم شهداء ولم يشهدوا
ولو كان ذلك لكان الناس كلهم شهداء بمعنى أنهم يشهدون فصار المعنى إذا ما دعوا ليؤدوا الشهادة وأيضا فدخول الألف واللام يدل على أن المعني بالنهي شخص معلوم
ثم قال تعالى: {ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة}
قال سفيان: معناه أعدل ثم قال وأقوم الشهادة أي أثبت لأن الكتاب يذكر الشاهد ما شهد عليه.
ثم قال تعالى: {وأدنى ألا ترتابوا} أي: لا تشكوا.
ثم رخص في ترك الكتابة فيما يجري بين الناس كثيرا فقال تعالى: {إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم}). [معاني القرآن: 1/314-322]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ولا يضار كاتب ولا شهيد} فيه أقوال:
1- منها أن المعنى على قول عطاء لا يمتنعا إذا دعيا.
كما روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال: كان عمر يقرأ {ولا يضارر كاتب ولا شهيد}
2-وقال طاووس: لا يضارر كاتب فيكتب ما لم يملل عليه.
3-وقال الحسن: ولا يضارر الشهيد أن يزيد في شهادته.
4-وروي عن ابن عباس ومجاهد ولا يضار كاتب ولا شهيد قالا نهي أن يجاء إلى الشاهد والكاتب فيدعيا إلى الكتابة والشهادة وهما مشغولان فيضارا فيقال قد أمركما الله ألا تمتنعا وهو مستغن عنهما والتقدير على هذا القول ولا يضارر وكذا قرأ ابن مسعود.
فنهى الله جل وعز عن هذا لأنه لو أطلقه لكان فيه شغل عن أمر دينهما ومعاشهما
ثم قال جل وعز: {وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم}
قال سفيان: فإنه فسوق بكم قال معصية). [معاني القرآن: 1/322-325]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {ولا يبخس} أي: لا ينقص). [ياقوتة الصراط: 183]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {سفيها} أي: ضعيف العقل). [ياقوتة الصراط: 183]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {بالعدل} أي: بالحق والإنصاف). [ياقوتة الصراط: 184]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {أن تضل} أي: أن تنسى). [ياقوتة الصراط: 184]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ):{لا تسأموا} أي: لا تملوا). [ياقوتة الصراط: 184]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ):{أقسط}: أعدل). [ياقوتة الصراط: 184]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({أن تضل إحداهما} أي: تنسى الشهادة.
{ولا تسأموا أن تكتبوه} تملوا أن تكتبوه.
{أقسط} أعدل.
{ولا يضار كاتب} أي: لا يكتب ما لم يملل عليه {ولا شهيد}أي: لا يشهد بما لم يشهد عليه. وقيل: هو أن يمتنعا إذا دعيا، فيكون {يضار} بمعنى: يضارر بكسر الراء. وقيل: هو بمعنى يضارر على ما لم يسم فاعله، فيكون المعنى: لا يشغلهما عن شغلهما). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 45]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَلِيُّهُ}: صاحب الحق.
{أَن تَضِلَّ}
: أن تنسى.
{تَسْأَمُوْاْ}: تملّوا). [العمدة في غريب القرآن: 95]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فرهانٌ مّقبوضةٌ...}
وقرأ مجاهد "فرهن" على جمع الرهان كما قال "كلوا من ثمره" لجمع الثمار. وقوله: {ومن يكتمها فإنّه آثمٌ قلبه} [وأجاز قوم (قلبه) بالنصب] فإن يكن حقا فهو من جهة قولك: سفهت رأيك وأثمت قلبك). [معاني القرآن: 1/188]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فرهنٌ مقبوضةٌ} قال أبو عمرو: الرّهان في الخيل، وأنشد قول قعنب بن أمّ صاحب من بني عبد الله بن غطفان:
بانت سعاد وأمس دونها عدن... وغلّقت عندها من قبلك الرّهن). [مجاز القرآن: 1/84]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإن كنتم على سفرٍ ولم تجدوا كاتباً فرهان مّقبوضةٌ فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته وليتّق اللّه ربّه ولا تكتموا الشّهادة ومن يكتمها فإنّه آثمٌ قلبه واللّه بما تعملون عليمٌ}
قال: {فرهان مّقبوضةٌ} تقول: "رهنٌ"، و"رهان" مثل: "حبلٌ" و"حبالٌ".
وقال أبو عمرو: "فرهنٌ" وهي قبيحةٌ لأنّ "فعلاً" لا يجمع على "فعل" إلا قليلاً شاذاً، زعم أنهم يقولون: "سقفٌ" و"سقفٌ" وقرأوا هذه الآية {سقفاً من فضّةٍ}.
وقالوا: "قلبٌ" و"قلبٌ" و"قلبٌ" من "قلب النّخلةٍ" و"لحد" و"لحد" لـ"لحد القبر" وهذا شاذٌ لا يكاد يعرف.
وقد جمعوا "فعلاً" على "فعلٍ" فقالوا: "ثطٌّ" و"ثطٌّ"، و"جونٌ" و"جونٌ"، و"وردٌ" و"وردٌ". وقد يكون "رهنٌ" جماعةً لـ"الرّهان" كأنّه جمع الجماعة و"رهان" أمثل من هذا الاضطرار. وقد قالوا: "سهمٌ خشنٌ" في "سهامٍ خشنٍ". خفيفة.
وقال أبو عمرو: "قالت العرب: "رهنٌ" ليفصلوا بينه وبين رهان الخيل.
قال الأخفش: "كلّ جماعةٍ على "فعل" فإنّه يقال فيها "فعل".

وقال{فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته} وهي من "أدّى" "يؤدّي" فلذلك همز و"اؤتمن" همزها لأنها من "الأمانة" [و] موضع الفاء منها همزة، إلاّ أنك إذا استأنفت ثبتت ألف الوصل فيها فلم تهمز موضع الفاء لئلا تجتمع همزتان). [معاني القرآن: 1/157-158]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فرهانٌ مقبوضةٌ} جمع «رهن».
ومن قرأ (فرهن مقبوضة) أراد جمع «رهان». فكأنه جمع الجمع).
[تفسير غريب القرآن: 100]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته وليتّق اللّه ربّه ولا تكتموا الشّهادة ومن يكتمها فإنّه آثم قلبه واللّه بما تعملون عليم}
قرأ الناس " فرهن مقبوضة " و " فرهان مقبوضة "
فأمّا "رهن" فهي قراءة أبي عمرو، وذكر فيه غير واحد أنها قرئت: " فرهن " ليفصل بين الرهان في الخيل وبين جمع رهن في غيرها، ورهن ورهان أكثر في اللغة:
1-قال الفراء " رهن " جمع رهان،
2-وقال غيره: رهن وررهن " مثل سقف وسقف.

وفعل وفعل قليل إلا إنّه صحيح قد جاء؛ فأما في الصفة فكثير، يقال: فرس ورد، وخيل ورد.
ورجل ثط وقوم ثط، والقراءة على " رهن " أعجب إليّ لأنها موافقة للمصحف، وما وافق المصحف وصح معناه وقرأت به القراء فهو المختار.
ورهان جيّد بالغ.
يقال: رهنت الرهن وأرهنته، وأرهنت أقلهما.
قال الشاعر في أرهنت:
فلمّا خشيت أظافيرهم... نجوت وأرهنتهم مالكا
وقال في رهنت: أنشده غير واحد:
فهل من كاهن أو ذي إله... إذا ما حان من ربي قفول
يراهنني فيرهنني بنيه... وأرهنه بني بما أقول
لما يدري الفقير متى غناه... وما يدري الغنيّ متى يعيل). [معاني القرآن: 1/366-368]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة}
وقرأ ابن عباس (كتابا) وقال: قد يوجد الكاتب ولا توجد الصحيفة.
وكذا قرأ أبو العالية وعكرمة والضحاك ومجاهد.
وقيل: إن كتابا جمع كاتب كما يقال قايم وقيام.
وقيل: هما بمنزلة اثنين.
ثم قال تعالى: {فرهان مقبوضة}
قرئ {فرهن مقبوضة} رهن جميع رهان ويجوز أن يكون جمع رهن مثل سقف وسقف). [معاني القرآن: 1/324-325]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 26 ذو الحجة 1431هـ/2-12-2010م, 09:36 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 284 إلى آخر السورة]

{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)}

تفسير قوله تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {للّه ما في السّماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء واللّه على كلّ شيء قدير}معناه: هو خالقهما.
{وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه}معناه: إن تظهروا العمل به أو تسرّوه يحاسبكم به اللّه، وقد قيل إن هذا منسوخ، روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ((تجوّز لهذه الأمة عن نسيانها وما حدّثت به أنفسها)).
ولما ذكر اللّه - جلّ وعزّ - فرض الصلاة والزكاة والطلاق والحيض والإيلاء والجهاد وأقاصيص الأنبياء والدّين والربا، ختم السورة بذكر تعظيمه وذكر تصديق نبيه - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين بجميع ذلك فقال:
{آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلّ آمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير}). [معاني القرآن: 1/368]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}فيها أقوال:
1- روي عن ابن مسعود وأبي هريرة وابن عباس أنها منسوخة بقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}.
2- إلا أن علي بن أبي طلحة روى عن ابن عباس أنه قال: لم تنسخ ولكن إذا جمع الله الخلائق يقول إني أخبركم بما أكننتم في أنفسكم فأما المؤمنون فيخبرهم ثم يغفر لهم
وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب فذلك قوله عز وجل: {يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء}وهو قول جل وعز: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} من الشك والنفاق.
وحدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمود بن غيلان قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن آدم بن سليمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية{وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} دخل قلوبهم منها شيء لم يدخلها من قبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا)) فألقى الله الإيمان في قلوبهم فأنزل الله عز وجل: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه} الآية وأنزل {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} قال: قد فعلت {ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا} قال: قد فعلت {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} قال: قد فعلت
وروى إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: نسختها الآية التي بعدها {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}
وروى مقسم عن ابن عباس نزلت في الشهادة، أي: في إظهارها وكتمانها
وقال مجاهد: هذا في الشك واليقين.
وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أمية أنها سألت عائشة عن هذه الآية {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} وسألتها عن هذه الآية {من يعمل سوءا يجز به} فقالت عائشة: ما سألني عنهما أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(( يا عائشة هذه معاتبة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة والشوكة حتى البضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيفزع لها فيجدها في ضبنه حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير))
وقال الضحاك: يعلمه الله يوم القيامة بما كان يسره ليعلم أنه لم يخف عليه.
وقيل: لا يكون في هذا نسخ لأنه خبر ولكن يبينه {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}
فالمعنى: والله أعلم وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه من الكبائر والذي رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس حسن والله أعلم بما أراد.
فأما ما روي عن ابن عباس من النسخ فمما يجب أن يوقف على تأويله إذ كانت الأخبار لا يقع فيها ناسخ ولا منسوخ.
فإن صح فتأويله أن الثاني مثل الأول كما تقول نسخت هذا من هذا
وقيل: فيه قول آخر يكون معناه فأزيل ما خالط قلوبهم من ذلك وبين). [معاني القرآن: 1/325-330]

تفسير قوله تعالى: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {غفرانك ربّنا...}
مصدر وقع في موضع أمر فنصب.
ومثله: الصلاة الصلاة.
وجميع الأسماء من المصادر وغيرها إذا نويت الأمر نصبت.
فأمّا الأسماء فقولك: اللّه اللّه يا قوم؛ ولو رفع على قولك: هو الله، فيكون خبرا وفيه تأويل الأمر لجاز؛ أنشدني بعضهم:

إن قوما منهم عمير وأشبا * ه عمير ومنهم السفّاح
لجديرون بالوفاء إذا قا * ل أخو النجدة السلاح السلاح
ومثله أن تقول: يا هؤلاء الليل فبادروا، أنت تريد: هذا الليل فبادروا. ومن نصب الليل أعمل فيه فعلا مضمرا قبله. ولو قيل: غفرانك ربّنا لجاز). [معاني القرآن: 1/188]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {غفرانك}: مغفرتك، أي اغفر لنا). [مجاز القرآن: 1/84]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({آمن الرّسول بما أنزل إليه من رّبّه والمؤمنون كلٌّ آمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحدٍ مّن رّسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير}
قال: {غفرانك ربّنا} جعله بدلا من اللفظ بالفعل كأنه قال: اغفر لنا غفرانك ربّنا" [و] مثله "سبحانك" إنما هو "تسبيحك" أي "نسبحك تسبيحك" وهو البراءة والتنزيه). [معاني القرآن: 1/158]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لا نفرّق بين أحدٍ من رسله} [«أحد» في معنى جميع.
كأنه قال: لا نفرق بين رسله]، فنؤمن بواحد، ونكفر بواحد). [تفسير غريب القرآن: 100]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلّ آمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير}
أي صدق الرسول بجميع هذه الأشياء التي جرى ذكرها وكذلك المؤمنون.
{كلّ آمن باللّه} أي: صدق بالله وملائكته وكتبه.
- وقرأ ابن عباس - وكتابه وقرأته جماعة من القراء.
فأمّا كتب فجمع كتاب، مثل: مثال ومثل، وحمار وحمر.
وقيل لابن عباس في قراءته " وكتابه " فقال: كتاب أكثر من كتب.
ذهب به إلى اسم الجنس
كما تقول: كثر الدرهم في أيدي الناس.
ومعنى {لا نفرّق بين أحد من رسله} أي: لا نفعل كما فعل أهل الكتاب قبلنا. الذين آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعض، نحو كفر اليهود بعيسى، وكفر النصارى بغيره فأخبر عن المؤمنين أنهم يقولون {لا نفرّق بين أحد من رسله}.
وقوله عزّ وجلّ: {وقالوا سمعنا وأطعنا}أي: " سمعنا " سمع قابلين. و {أطعنا}: قبلنا ما سمعنا، لأن من سمع فلم يعمل قيل له أصم - كما قال جلّ وعزّ: (صمّ بكم عمي). ليس لأنهم لا يسمعون ولكنهم صاروا - في ترك القبول بمنزلة من لا يسمع قال الشاعر:
أصمّ عمّا ساءه سميع
ومعنى {غفرانك ربّنا وإليك المصير} أي: أغفر غفرانك، وفعلان، من أسماء المصادر نحو السّلوان والكفران.
ومعنى {وإليك المصير} أي: نحن مقرون بالبعث). [معاني القرآن: 1/368-369]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله}أي: كلهم آمن بالله.
وقرأ ابن عباس(وكتابه) وقال: كتاب أكثر من كتب. يذهب إلى انه اسم للجنس
وقوله جل وعز: {لا نفرق بين أحد من رسله}
روي عن ابن مسعود وابن عباس ويحيى بن يعمر أنهم قرءوا (لا يفرق) بمعنى كل لا يفرق أي لا يفرق الرسول والمؤمنون بين أحد من رسله
ومن قرأ بالنون: فالمعنى عنده قالوا لا نفرق بين أحد من رسله أي لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض
ويدل على النون ربنا
ثم قال تعالى: {وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} ومعنى: غفرانك اغفر لنا غفرانا). [معاني القرآن: 1/330-331]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ):(سمعنا): قولك.
{وأطعنا}: أمرك). [ياقوتة الصراط:176-177]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لا نفرق بين أحد} أحد بمعنى الجمع، ليست بمعنى واحد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 46]

تفسير قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ وسعها}.
الوسع اسم في مثل معنى الوجد والجهد.
ومن قال في مثل الوجد: الوجد، وفي مثل الجهد: الجهد قال في مثله من الكلام: "لا يكلف الله نفسا إلاّ وسعها".
ولو قيل: وسعها لكان جائزا، ولم نسمعه). [معاني القرآن: 1/188]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {ربّنا ولا تحمل علينا إصراً} والإصر: العهد كذلك، قال في آل عمران {وأخذتم على ذلكم إصري} والإصر هاهنا: الإثم إثم العقد إذا ضيّعوا، كما شدّد على بني إسرائيل.
وقد قرأت القرّاء {فأذنوا بحربٍ من الله} يقول: فاعلموا أنتم به.
وقرأ قوم: فآذنوا أي فأعلموا.

وقال ابن عباس: فإن لم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة وقال: قد يوجد الكاتب ولا توجد الصحيفة ولا الدواة). [معاني القرآن: 1/189]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إصراً} الإصر: الثّقل وكلّ شيء عطفك على شيء من عهدٍ، أو رحم فقد أصرك عليه، وهو الأصر مفتوحة، فمن ذلك قولك: ليس بيني وبينك آصرة رحمٍ تأصرني عليك، وما يأصرني عليك حقٌ: ما يعطفني عليك؛ وقال الأبيرد في قوله عزّت قدرته: {فصرهنّ إليك}

فما تقبل الأحياء من حب خندفٍ... ولكن أطراف العوالي تصورها
أي: تضمّها إلينا.
ولو أن أمّ الناس حوّاء حاربت... تميم بن مرٍّ لم تجد من تجيرها). [مجاز القرآن: 1/84-85]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({لا تحمل علينا إصرا} الإصر: الثقل وكل شيء عطفك من عهد أو رحم فقد أصرك). [غريب القرآن وتفسيره: 100]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وسعها}: طاقتها.
الإصر: الثّقل أي لا تثقل علينا من الفرائض، ما ثقلته على بني إسرائيل.
{أنت مولانا} أي: وليّنا). [تفسير غريب القرآن: 100]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {لا يكلّف اللّه نفسا إلّا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربّنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الّذين من قبلنا ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين}
{لا يكلّف اللّه نفسا إلّا وسعها} أي: إلا قدر طاقتها، لا يكلفها فرضا من فروضه من صوم أو صلاة أو صدقة أو غير ذلك إلا بمقدار طاقتها.
ومعنى {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت}أي: لا يؤاخذ أحدا - بذنب غيره - كما قال - جلّ وعزّ: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}.
ومعنى (ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) قيل فيه قولان:
1- قال بعضهم إنه على ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((عفي لهذه الأمة عن نسيانها وما حدّثت به أنفسها))

2- وقيل: (إن نسينا أو أخطأنا) أي: إن تركنا.
و (أو أخطانا) أي: كسبنا خطيئة واللّه أعلم.
إلا أن هذا الدعاء أخبر اللّه به عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين وجعله في كتابه نيكون دعاء من يأتي بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة رحمهم اللّه.
وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن اللّه - جلّ وعزّ - قال في كل فصل من هذا الدعاء [فعلت فعلت] أي استجبت.
فهو من الدعاء الذي ينبغي أن يحفظ وأن يدعى به كثيرا.
وقوله جلّ وعزّ: (ربّنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الّذين من قبلنا).
كل عقد من قرابة أو عهد فهو إصر، العرب تقول: ما تأصرني على فلان آصرة. أي ما تعطفني عليه قرابة ولا منة قال الحطيئة:
عطفوا عليّ بغير آصرة... فقد عظم الأواصر
أي: عطفوا على بغير عهد قرابة، والمأصر من هذا مأخوذ إنما هو عقد ليحبس به، ويقال للشيء الذي تعقد به الأشياء الإصار.
فالمعنى: لا تحمل علينا أمرا يثقل كما حملته على الذين من قبلنا نحو ما أمر به بنو إسرائيل من قتل أنفسهم، أي لا تمتحنا بما يثقل.
(أيضا) نحو قوله: {ولولا أن يكون النّاس أمّة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرّحمن لبيوتهم سقفا من فضّة}
والمعنى: لا تمتحنا بمحنة تثقل.
ومعنى {ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به}أي: ما يثقل علينا، فإن قال قائل - فهل يجوز أن يحمّل اللّه أحدا ما لا يطيق؟
قيل له: إد أردت ما ليس في قدرته ألبتّة فهذا محال.
وإن أردت ما يثقل ويخسف فللّه عزّ وجلّ أن يفعل من ذلك ما أحب.
لأن الذي كلفه بني إسرائيل من قتل أنفسهم (يثقل)، وهذا كقول القائل: ما أطيق كلام فلان، فليس المعنى ليس في قدرتي أن كلّمه ولكن معناه في اللغة أنه يثقل عليّ.
ومعنى (فانصرنا على القوم الكافرين) أي: أنصرنا عليهم في إقامة الحجة عليهم، وفي غلبنا إياهم في حربهم وسائر أمرهم، حتى تظهر ديننا على الدّين كلّه كما وعدتنا). [معاني القرآن: 1/369-371]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت}
وسمعها أي: طاقتها أي لا يكلفها فرضا من الفروض لا تطيقه
{لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت}
قال محمد بن كعب: لها ما كسبت من الخير وعليها ما اكتسبت من الشر.
وقال غيره: معناه لا يؤاخذ أحد بذنب أحد.
وقوله جل وعز: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}
قال قطرب: النسيان ههنا الترك كقول الرجل للرجل لا تنسني من عطيتك أي تتركني منها.
قال: أو أخطانا أي خطئنا وأذنبنا ليس على الخطأ.
قال أبو جعفر: الذي قال قطرب في نسينا معروف في اللغة قال عز وجل: {نسوا الله فنسيهم}.
وقد يجوز أن يكون من النسيان لأن النسيان قد يكون سببه الإقبال على ما لا يحل حتى يقع النسيان.
والذي قال في أخطأنا لا يعرفه أهل اللغة لأنه إنما يقال خطينا أي تعمدنا الذنب وأخطأنا إذا لم نتعمده فلا يكون أحدهما بمعنى الآخر ولا يكون معنى أخطأنا دخلنا في الخطيئة كما يقال أظلمنا وأصبحنا وأنجدنا
وقوله جل وعز: {ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا}
قال مجاهد: الإصر العهد.
قال سعيد بن جبير: الإصر شدة العمل وما غلظ على بني إسرائيل من البول ونحوه.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم به))
قال الضحاك: كانوا يحملون أمورا شدادا.
قال مالك: الإصر الأمر الغليظ.
قال أبو عبيدة: الإصر الثقل.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد أي لا تأخذ عهدنا بما لا نقوم به إلا بثقل أي لا تحمل علينا إثم العهد كما قال تعالى: {وأخذتم على ذلكم إصري} وما أمروا به فهو بمنزلة ما أخذ عهدهم به ومعنى ما تأصرني على فلان آصرة أي ما يعطفني عليه عهد ولا قرابة.
وقوله جل وعز: {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} معنى: ما لا طاقة لنا به ما يثقل نحو لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة كما يقال لا أطيق مجالسة فلان أي ذلك يثقل علي
والإصر ثقل العهد والفرض وما لا طاقة لنا به ما يقل بالإضافة وقد يجوز أن يخف على غيرنا.
ثم قال جل وعز: {واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين}
{واعف عنا} أي: امح عنا ذنوبنا والعافي الدارس الممحي والعافية دروس البلاء.
{واغفر لنا} أي: غط على عقوبتنا واسترها.
وقيل، أي: امح عنا ذنوبنا.
{أنت مولانا} أي: ولينا وناصرنا وقال لبيد:
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه = مولى المخافة خلفها وأمامها). [معاني القرآن: 1/331-336]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( (الإصر) الثقل.
{أنت مولانا} ولينا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 46]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( الإِصْــر: الثقــــل). [العمدة في غريب القرآن: 95]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:21 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة