العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 ذو الحجة 1431هـ/30-11-2010م, 12:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 67 إلى 74]

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أتتّخذنا هزواً قال...} وهذا في القرآن كثيرٌ بغير الفاء، وذلك لأنه جوابٌ يستغنى أوّله عن آخره بالوقفة عليه، فيقال: ماذا قال لك؟ فيقول القائل: قال كذا وكذا؛ فكأنّ حسن السّكوت يجوز به طرح الفاء. وأنت تراه في رءوس الآيات -لأنها فصولٌ- حسناً؛ من ذلك: {قال فما خطبكم أيّها المرسلون * قالوا إنّا أرسلنا}، والفاء حسنة مثل قوله: {فقال الملأ الّذين كفروا} ولو كان على كلمة واحدة لم تسقط العرب منه الفاء. من ذلك: قمت ففعلت، لا يقولون: قمت فعلت، ولا: قلت قال، حتى يقولوا: قلت فقال، وقمت فقام؛ لأنها نسقٌ وليست باستفهام يوقف عليه؛ ألا ترى أنه {قال}: فرعون {لمن حوله ألا تستمعون * قال رب‍ّكم وربّ آبائكم الأوّلين} فيما لا أحصيه.
ومثله من غير الفعل كثيرٌ في كتاب الله بالواو وبغير الواو؛ فأما الذي بالواو فقوله: {قل أؤنبّئكم بخيرٍ من ذلكم للّذين اتّقوا عند ربّهم} ثم قال بعد ذلك: {الصّابرين والصّادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار}. وقال في موضع آخر: {التّائبون العابدون الحامدون} وقال في غير هذا: {إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات} ثم قال في الآية بعدها: {إنّ الّذين آمنوا} ولم يقل: وإنّ.
فاعرف بما جرى تفسير ما بقى، فإنّه لا يأتي إلا على الذي أنبأتك به من الفصول أو الكلام المكتفى يأتي له جوابٌ. وأنشدني بعض العرب:


لمّا رأيت نبطاً أنصارا
=
شمّرت عن ركبتي الإزارا
=
كنت لها من النّصارى جارا
). [معاني القرآن: 1/43-44]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجل: {وإذ قال موسى لقومه إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتّخذنا هزوا قال أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين (67)}
المعنى: واذكروا إذ قال موسى لقومه، أمروا بذبح بقرة يضرب ببعضها قتيل تشاجروا فيمن قتله فلم يعلم قاتله، فأمر اللّه عزّ وجلّ بضرب المقتول بعضو من أعضاء البقرة.
وزعموا في التفسير أنهم أمروا أن يضربوه بالفخذ اليمنى أو الذنب، وأحب الله تعالى أن يريهم كيف إحياء الموتى،
وفي هذه الآية احتجاج على مشركي العرب لأنهم لم يكونوا مؤمنين بالبعث، فأعلمهم النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الخبر الذي لا يجوز أن يعلمه إلا من قرأ الكتب أو أوحى إليه، وقد علم المشركون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمّيّ وأن أهل الكتاب يعلمون -وهم يخالفونه- أن ما أخبر به من هذه الأقاصيص حق.
{قالوا أتتّخذنا هزوا} فانتفى موسى من الهزؤ، لأن الهازئ جاهل لاعب فقال: {أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين} فلما وضح لهم أنه من عند الله {قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي} وإنّما سألوا ما هي؟ لأنهم لا يعلمون أن بقرة يحيا بضرب بعضها ميت). [معاني القرآن: 1/149-150]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {لاّ فارضٌ ولا بكرٌ عوانٌ بين ذلك...}
و"العوان" ليست بنعتٍ للـ"بكر"؛ لأنها ليست بهرمة ولا شابّة؛ انقطع الكلام عند قوله: {ولا بكرٌ} ثم استأنف فقال: {عوانٌ بين ذلك} و"العوان" يقال منه: قد عوّنت.
و"الفارض": قد فَرَضَت، وبعضهم: قد فَرُضَت.
وأما "البكر" فلم نسمع فيها بفعل؛ والبكر يكسر أوّلها إذا كانت بكرا من النّساء، والبكر مفتوح أوّله من بكارة الإبل.
ثم قال {بين ذلك} و"بين" لا تصلح إلاّ مع اسمين فما زاد، وإنمّا صلحت مع "ذلك" وحده؛ لأنّه في مذهب اثنين، والفعلان قد يجمعان بـ"ذلك" و"ذاك"؛ ألا ترى أنّك تقول: أظنّ زيدا أخاك، وكان زيدٌ أخاك، فلا بدّ لـ"كان" من شيئين، ولا بدّ لـ"أظن" من شيئين، ثم يجوز أن تقول: قد كان ذاك، وأظنّ ذلك.
وإنما المعنى في الاسمين اللذين ضمّهما "ذلك": بين الهرم والشّباب.
ولو قال في الكلام: بين هاتين، أو بين تينك، يريد الفارض والبكر كان صوابا، ولو أعيد ذكرهما لم يظهر إلا بتثنية؛ لأنهما اسمان ليسا بفعلين، وأنت تقول في الأفعال فتوحّد فعلهما بعدها. فتقول: إقبالك وإدبارك يشقّ عليّ، ولا تقول: أخوك وأبوك يزورني.
ومما يجوز أن يقع عليه "بين" وهو واحدٌ في اللّفظ مما يؤدّى عن الاثنين فما زاد قوله: {لا نفرّق بين أحدٍ منهم} ولا يجوز: لا نفرق بين رجل منهم؛ لأنّ "أحدا" لا يثنّى كما يثنى الرجل ويجمع، فإن شئت جعلت "أحدا" في تأويل اثنين، وإن شئت في تأويل أكثر؛ من ذلك قول الله عزّ وجلّ: {فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين} وتقول: بين أيّهم المال؟ وبين من قسم المال؟ فتجرى "من" و"أيّ" مجرى أحد، لأنّهما قد يكونان لواحد ولجمع). [معاني القرآن: 1/44-45]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({إنّها بقرةٌ لا فارضٌ ولا بكرٌ عوانٌ}
{لا فارض}: مسنّة، {ولا بكر}: صغيرة. {بين ذلك}: والعرب تقول: لا كذا ولا كذا ولكن بين ذلك؛ فمجاز هذه الآية: بين هذا الوصف، ولذلك قال: {بين ذلك}، وقال رؤبة:
فيها خطوطٌ من سوادٍ وبلق
فـ"الخطوط" مؤنثة و"السواد" و"البلق" اثنان، ثم قال:
كأنه في الجلد توليع البهق
قال أبو عبيدة: فقلت لرؤبة: إن كانت خطوط فقل: كأنها، وإن كان سواد وبلق فقل: كأنهما، فقال: كأنّ ذاك ويلك توليع البهق، ثم رجع إلى السواد والبلق والخطوط فقال:
يحسبن شاماً أو رقاعاً من بنق
جماعة "شأمة"). [مجاز القرآن: 1/43-44]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لّنا ما هي قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ لاّ فارضٌ ولا بكرٌ عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون}
أما قوله: {إنّها بقرةٌ لاّ فارضٌ ولا بكرٌ عوان} فارتفع ولم يصر نصبا كما ينتصب النفي، لأن هذه صفة في المعنى للبقرة. والنفي المنصوب لا يكون صفة من صفتها، إنما هو اسم مبتدأ وخبره مضمر، وهذا مثل قولك: "عبد اللّه لا قائمٌ ولا قاعدٌ" أدخلت "لا" للمعنى وتركت الإعراب على حاله لو لم يكن فيه "لا"). [معاني القرآن: 1/79]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({إنها بقرة لا فارض}: لا مسنة، كما يقال: فرضت تفرض، إذا أسنت.
{ولا بكر} أي: لا صغيرة). [غريب القرآن وتفسيره:72-73]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لا فارضٌ} أي: لا مسنّة، يقال: فرضت البقرة فهي فارض، إذا أسنّت. قال الشاعر:

يا ربّ ذي ضغن وضب فارض= له قروء كقروء الحائض
أي: ضغن قديم.
{ولا بكرٌ} أي: ولا صغيرة لم تلد، ولكنها {عوانٌ بين} تينك.
ومنه يقال في المثل: «العوان لا تعلّم الخمرة» يراد أنها ليست بمنزلة الصغيرة التي لا تحسن أن تختمر). [تفسير غريب القرآن:52-53]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({قال إنه يقول إنّها بقرة لا فارض ولا بكر}
ارتفع {فارض} بإضمار هي، ومعنى {لا فارض}: لا كبيرة، {ولا بكر}: لا صغيرة، أي: ليست بكبيرة ولا صغيرة.
{عوان} العوان: دون المسنة وفوق الصغيرة.
ويقال من الفارض: فرضت تفرض فروضا، ومن العوان: قد عوّنت تعوّن، ويقال: حرب عوان، إذا لم تكن أول حرب وكانت ثانية. قال زهير:

إذا لقحت حرب عوان مضرّة = ضروس تهرّ الناس أنيابها عصل
ومعنى {بين ذلك} بين البكر والفارض، وبين الصغيرة والكبيرة وإنما جاز {بين ذلك} و "بين" لا يكون إلا مع اثنين أو أكثر، لأن ذلك ينوب عن الخمل، فتقول: ظننت زيدا قائما، فيقول القائل: "ظننت ذلك"). [معاني القرآن: 1/150]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (وكل عوان فهو بعد شيء، يقال: حرب عوان، إذا كانت قبلها حرب، هذا أصل العوان، والعوان -في غير هذا من الحيوان-: الشيء بين الشيئين، لا كبير ولا صغير). [ياقوتة الصراط: 174]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لا فارض} لا مسنة، {ولا بكر} صغيرة، {عوان} أي: بين صغيرة وكبيرة).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 29]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ("الفَارِض": المسنة. "البِكْر": الصغيرة). [العمدة في غريب القرآن: 77]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ادع لنا ربّك يبيّن لّنا ما لونها...}
"الّلون" مرفوعٌ؛ لأنك لم ترد أن تجعل "ما" صلةً فتقول: (بيّن لنا ما لونها)، ولو قرأ به قارئٌ كان صوابا، ولكنه أراد -والله أعلم-: ادع لنا ربك يبيّن لنا أي شيء لونها، ولم يصلح للفعل الوقوع على "أيّ"؛ لأن أصل "أيّ" تفرّق جمع من الاستفهام، ويقول القائل: بين لنا أسوداء هي أم صفراء؟ فلما لم يصلح للتّبيّن أن يقع على الاستفهام في تفرّقه لم يقع على أيّ؛ لأنها جمع ذلك المتفرّق، وكذلك ما كان في القرآن مثله، فأعمل في "ما" "وأيّ" الفعل الذي بعدهما، ولا تعمل الذي قبلهما إذا كان مشتقّاً من العلم؛ كقولك: ما أعلم أيّهم قال ذاك، ولا أعلمنّ أيّهم قال ذاك، وما أدري أيّهم ضربت، فهو في العلم والإخبار والإنباء وما أشبهها على ما وصفت لك.
منه قول الله تبارك وتعالى: {وما أدراك ما هيه}، {وما أدراك ما يوم الدّين} "ما" الثانية رفعٌ، فرفعتها بـ"يوم"؛ كقولك: ما أدراك أي شيء يوم الدّين، وكذلك قول الله تبارك وتعالى: {لنعلم أي الحزبين أحصى} رفعته بـ"أحصى"، وتقول -إذا كان الفعل واقعا على "أيّ"-: ما أدرى أيّهم ضربت.
وإنما امتنعت من أن توقع على "أي" الفعل الذي قبلها من العلم وأشباهه؛ لأنك تجد الفعل غير واقع على "أي" في المعنى؛ ألا ترى أنك إذا قلت: اذهب فاعلم أيّهما قام، أنك تسأل غيرهما عن حالهما فتجد الفعل واقعا على الذي أعلمك، كما أنك تقول: سل أيّهم قام، والمعنى: سل الناس أيّهم قام. ولو أوقعت الفعل على "أيّ" فقلت: اسأل أيّهم قام، لكنت كأنك تضمر أيّاً مرّة أخرى؛ لأنك تقول: سل زيدا أيّهم قام، فإذا أوقعت الفعل على زيد فقد جاءت "أيّ" بعده. فكذلك "أيّ" إذا أوقعت عليها الفعل خرجت من معنى الاستفهام، وذلك إن أردته جائز، تقول: لأضربنّ أيّهم يقول ذاك؛ لأنّ الضرب لا يقع على [اسم ثم يأتي بعد ذلك استفهام، وذلك لأن الضرب لا يقع على] اثنين، وأنت تقول في المسألة: سل عبد الله عن كذا، كأنك قلت: سله عن كذا، ولا يجوز ضربت عبد الله كذا وكذا، إلا أن تريد صفة الضرب، فأما الأسماء فلا.
وقول الله: {ثمّ لننزعنّ من كلّ شيعةٍ أيّهم أشدّ على الرّحمن عتيّاً} من نصب (أيّاً) أوقع عليها النزع وليس باستفهام، كأنه قال: ثم لنستخرجن العاتي الذي هو أشد. وفيها وجهان من الرفع:
أحدهما: أن تجعل الفعل مكتفيا بـ"من" في الوقوع عليها، كما تقول: قد قتلنا من كل قوم، وأصبنا من كل طعام، ثم تستأنف أيّاً فترفعها بالذي بعدها، كما قال جلّ وعزّ: {يبتغون إلى ربّهم الوسيلة أيّهم أقرب} أي ينظرون أيّهم أقرب. ومثله {يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم}.
وأما الوجه الآخر: فإن في قوله تعالى: {ثم لننزعنّ من كلّ شيعةٍ} لننزعن من الذين تشايعوا على هذا، ينظرون بالتشايع أيهم أشدّ وأخبث، وأيهم أشدّ على الرحمن عتيّاً، والشيعة ويتشايعون سواء في المعنى.
وفيه وجه ثالث من الرفع: أن تجعل {ثمّ لننزعنّ من كلّ شيعةٍ} بالنداء؛ أي: لننادين أيّهم أشدّ على الرّحمن عتيّاً، وليس هذا الوجه يريدون.
ومثله مما تعرفه به قوله: {أفلم ييأس الّذين آمنوا أن لو يشاء اللّه لهدى النّاس جميعاً}، فقال بعض المفسرين: {أفلم ييأس الّذين آمنوا}: ألم يعلم، والمعنى -والله أعلم-: أفلم ييأسوا علما بأن الله لو شاء لهدى الناس جميعا. وكذلك {لننزعنّ} يقول: يريد ننزعهم بالنداء).
[معاني القرآن: 1/46-48]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({بقرةٌ صفراء} إن شئت صفراء، وإن شئت سوداء، كقوله: {جمالاتٌ صفر} أي: سود. {فاقعٌ لونها} أي: ناصع). [مجاز القرآن: 1/44]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لّنا ما لونها قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ صفراء فاقعٌ لّونها تسرّ النّاظرين}
أما قوله: {بقرةٌ صفراء فاقعٌ} فـ"الفاقع": الشديد الصفرة. ويقال: "أبيض يققٌ": أي: شديد البياض، و"لهاقٌ" و"لهقٌ" و"لهاقٌ"، و"أخضر ناضرٌ" و"أحمر قانئٌ" و"ناصعٌ" و"فاقمٌ". ويقال: "قد قنأت لحيته فهي تقنأ قنوءا" أي: احمّرت. قال الشاعر:

............. = كما قنأت أنامل صاحب الكرم
و "قاطف الكرم". وقال آخر:

من خمرّ ذي نطفٍ أغنّ كأنّما = قنأت أنامله من الفرصاد
). [معاني القرآن: 1/79-80]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({بقرة صفراء} قالوا: سوداء. كقوله {جمالات صفر} أي: سود. {فاقع لونها}: أي ناصع). [غريب القرآن وتفسيره: 73]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({صفراء فاقعٌ لونها} أي: ناصع صاف.
وقد ذهب قوم إلى أن الصفراء: السوداء، وهذا غلط في نعوت البقر. وإنما يكون ذلك في نعوت الإبل؛ يقال: بعير أصفر، أي أسود، وذلك أن السّود من الإبل يشوب سوادها صفرة. قال الشاعر:

تلك خيلي منه وتلك ركابي= هنّ صفر أولادها كالزّبيب
أي: سود.
ومما يدلك على أنه أراد الصفرة بعينها قوله {فاقع لونها}، والعرب لا تقول: أسود فاقع -فيما أعلم-، إنما تقول: أسود حالك، وأحمر قاني وأصفر فاقع). [تفسير غريب القرآن:53-54]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما لونها قال إنه يقول إنّها بقرة صفراء فاقع لونها تسرّ النّاظرين}
موضع (ما) رفع بالابتداء، لأن تأويله الاستفهام، كقولك: ادع لنا ربك يبين لنا أيّ شيء لونها، ومثله {فلينظر أيّها أزكى طعاما}.
ولا يجوز في القراءة {ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما لونها} على أن يجعل (ما) لغوا، ولا يقرأ القرآن إلا كما قرأت القرّاء المجمع عليهم في الأخذ عنهم.
{قال إنه يقول إنها} ما بعد القول من باب "إن" مكسور أبدا، كأنك تذكر القول في صدر كلامك، وإنما وقعت "قلت" في كلام العرب أن يحكى بها ما كان كلاما يقوم بنفسه قبل دخولها فيؤدي مع ذكرها ذلك اللفظ، تقول: قلت زيد منطلق. كأنك قلت: زيد منطلق، وكذلك: إن زيدا منطلق، لا اختلاف بين النحويين في ذلك، إلا أن قوما من العرب -وهم بنو سليم- يجعلون باب "قلت" أجمع كباب "ظننت"، فيقولون: قلت زيدا منطلقا، فهذه لغة لا يجوز أن يوجد شيء منها في كتاب الله عزّ وجلّ، ولا يجوز (قال أنه يقول إنها)، لا يجوز إلا الكسر.
وأمّا قوله عزّ وجلّ: {صفراء فاقع لونها}
{فاقع} نعت للأصفر الشديد الصفرة، يقال: أصفر فاقع وأبيض ناصع وأحمر قان، قال الشاعر:

يسقي بها ذو تومتين كأنما = قنأت أنامله من الفرصاد
أي: احمرت حمرة شديدة، ويقال: أحمر قاتم وأبيض يقق، ولهق ولهاق، وأسود حالك وحلوك وحلوكي ودجوجي، فهذه كلها صفات مبالغة في الألوان، وقد قالوا: إن {صفراء} ههنا: سوداء.
ومعنى {تسر الناظرين} أي: تعجب الناظرين). [معاني القرآن: 1/150-152]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت 437هـ): ({صفراء}: سوداء، وقيل: هي صفراء وليست سوداء. {فاقع} أي: ناصع).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 29]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({صَفْرَاء}: سوداء، وقيل: صفراء حتى قرنها وظلفها. {فَاقِعٌ}: ناصع).
[العمدة في غريب القرآن:77-78]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لّنا ما هي إنّ البقر تشابه علينا وإنّا إن شاء اللّه لمهتدون}
أما قوله: {إنّ البقر تشابه علينا} [فـ] جعل "البقر" مذكرا مثل "التمر" و"البسر"، كما تقول: إنّ زيداً تكلم يا فتى.
وإن شئت قلت (يشّابه) وهي قراءة مجاهد.
ذكّر "البقر" يريد {يتشابه} ثم أدغم التاء في الشين. ومن أنّث "البقر" قال: {تشّابه} فادغم، وإن شاء حذف التاء الآخرة ورفع كما تقول "إنّ هذه تكلّم يا فتى" لأنها في "تتشابه" إحداهما تاء "تفعل" والأخرى التي في "تشابهت" فهو في التأنيث معناه "تفعل". وفي التذكير معناه "فعل" و"فعل" أبدا مفتوح كما ذكرت لك والتاء محذوفة إذا أردت التأنيث لأنك تريد "تشابهت فهي تتشابه" وكذلك كل [ما كان] من نحو "البقر" ليس بين الواحد والجماعة [فيه] إلا الهاء، فمن العرب من يذكره ومنهم من يؤنثه، ومنهم من يقول: "هي البرّ والشعير" وقال: {والنّخل باسقاتٍ لّها طلعٌ نّضيدٌ} فأنث على تلك اللغة وقال: {باسقات} فجمع لأن المعنى جماعة.
وقال الله -جل ثناؤه-: {ألم تر أنّ اللّه يزجي سحاباً ثمّ يؤلّف بينه} فذكر في لغة من يذكر، وقال: {وينشئ السّحاب الثّقال} فجمع على المعنى لأن المعنى معنى سحابات، وقال: {ومنهم مّن ينظر إليك}، وقال: {ومنهم مّن يستمعون إليك} على المعنى واللفظ.
وقد قال بعضهم: (إنّ الباقر) مثل "الجامل"، يعني: "البقر" و"الجمال" قال الشاعر:

مالي رأيتك بعد أهلك موحشا = خلقاً كحوض الباقر المتهدّم
وقال:
[فإن تك ذا شاءٍ كثيرٍ فإنّهم] = ذوو جاملٍ لا يهدأ اللّيل سامره
وأما قوله: {إنّها بقرةٌ لاّ ذلولٌ تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمةٌ}
{مسلمة} على "إنّها بقرةٌ مسلّمةٌ"). [معاني القرآن: 1/80-82]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {مسلّمةٌ لا شية فيها...} غير مهموز؛ يقول: ليس فيها لونٌ غير الصّفرة.
وقال بعضهم: هي صفراء حتى ظلفها وقرنها أصفران). [معاني القرآن: 1/48]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({إنّها بقرةٌ لا ذلولٌ تثير الارض ولا تسقى الحرث مسلّمةٌ لاشية فيها} أي: لون سوى لون جميع جلدها). [مجاز القرآن: 1/44]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({قالوا الآن جئت بالحقّ} أي: الآن تبّينا ذلك، ولم تزل جائياً بالحق). [مجاز القرآن: 1/44]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قال إنّه يقول إنّها بقرةٌ لاّ ذلولٌ تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمةٌ لاّ شية فيها قالوا الآن جئت بالحقّ فذبحوها وما كادوا يفعلون}
{لاّ شية فيها} يقول: "لا وشي فيها" من "وشيت شيةً" كما تقول: "وديته ديةً" و"وعدته عدةً".
وإذا استأنفت (ألآن) قطعت الألفين جميعا، لأن الألف الأولى مثل ألف "الرّجل" وتلك تقطع إذا استؤنفت، والأخرى همزة ثابتة تقول "ألآن" فتقطع ألف الوصل، ومنهم من يذهبها ويثبت الواو التي في {قالوا} لأنه إنّما كان يذهبها لسكون اللام، واللام قد تحرّكت لأنه قد حوّل عليها حركة الهمزة). [معاني القرآن: 1/82]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({لا شية فيها}: لا لون فيها سوى لون جلدها.
وقال بعضهم: هي صفراء حتى ظلفها وقرنها أصفران). [غريب القرآن وتفسيره: 74]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لا ذلولٌ} يقال في الدّواب: دابّة ذلول بيّنة الذل -بكسر الذال-، وفي الناس: رجل ذليل بيّن الذّل -بضم الذال-.
{تثير الأرض} أي تقلّبها للزراعة، ويقال للبقرة: المثيرة.
{ولا تسقي الحرث} أي لا يسنى عليها فيستقي بها الماء لسقي الزرع.
{مسلّمةٌ} من العمل.
{لا شية فيها} أي: لا لون فيها يخالف معظم لونها، كالقرحة والرثمة والتحجيل، وأشباه ذلك.
و"الشّية": مأخوذة من وشيت الثوب فأنا أشيه، وهي من المنقوص أصلها "وشية" مثل: "زنة" و"عدة"). [تفسير غريب القرآن: 54]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قال إنه يقول إنّها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحقّ فذبحوها وما كادوا يفعلون} معناه: ليست بذلول ولا مثيرة.
وقوله: {ولا تسقي الحرث} يقال: سقيته إذا ناولته فشرب، وأسقيته جعلت له سقيا، فيصح ههنا (ولا تُسقي) بالضم.
وقوله: {لا شية فيها} أي: ليس فيها لون يفارق لونها، و"الوشي" في اللغة: خلط لون بلون وكذلك في الكلام، يقال: وشيت الثوب أشيه شية ووشيا، كقولك: وديت فلانا أديه دية، ونصب {لا شية} فيه على النّفي، ولو قرئ (لَا شيةٌ) فيها لجاز، ولكن القراءة بالنصب.
وقوله: {الآن جئت بالحقّ} فيه أربعة أوجه حكى بعضها الأخفش:
فأجودها: (قالوا الآن) بإسكان اللام وحذف الواو من اللفظ، وزعم الأخفش أنه يجوز قطع ألف الوصل ههنا فيقول: (قالوا ألآن جئت بالحقّ) وهذه رواية، وليس له وجه في القياس ولا هي عندي جائز، ولكن فيها وجهان غير هذين الوجهين -وهما جيدان في العربية-:
يجوز: (قالوا لآن) على إلقاء الهمزة، وفتح اللام من الآن، وترك الواو محذوفة لالتقاء الساكنين، ولا يعتد بفتحة اللام.
ويجوز: (قالوا لان جيت بالحق) ولا أعلم أحدا قرأ بها، فلا يقرأن بحرف لم يقرأ به وإن كان ثابتا في العربية.
والذين أظهروا الواو: أظهروها لحركة اللام لأنهم كانوا حذفوها لسكونها، فلما تحركت ردوها.
والأجود في العربية حذفها؛ لأن قرأ (ب تقول "الأحمر"، ويلقون الهمزة فيقولون "لحمر" فيفتحون اللام ويقرأون ألف الوصل لأن اللام في نية السكون، وبعضهم يقول "لحمر" ولا يقرّ ألف الوصل يريد: الأحمر.
فأمّا نصب {الآن} فهي حركة لالتقاء السّاكنين، ألا ترى أنك تقول: أنا الأن أكرمك، وفي الآن فعلت كذا وكذا، وإنما كان في الأصل مبنيا وحرك لالتقاء السّاكنين.
وبنى {الآن} وفيه الألف واللام، لأن الألف واللام دخلتا بعهد غير متقدم. إنما تقول: الغلام فعل كذا، إذا عهدته أنت ومخاطبتك، وهذه الألف واللام تنوبان عن معنى الإشارة. المعنى أنت إلى هذا الوقت تفعل، فلم يعرب {الآن} كما لا يعرب هذا). [معاني القرآن: 1/152-153]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (و"الشية": لون مخالف لسائر الجلد). [ياقوتة الصراط: 174]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لا شية} أي: لا لون فيها سوى لون جلدها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 29]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ("الشِيَةَ": اختلاط الألوان.
{لاَّ ذَلُولٌ}: لا تمتهن بالعمل. {تُثِيرُ}: تقلع. {الْحَرْثَ}: الزرع.{مُسَلَّمَةٌ}: مسلمة من كل عمل). [العمدة في غريب القرآن: 78]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وإذ قتلتم نفساً فادّارأتم فيها...}، وقوله: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلةً}، {وإذ فرقنا بكم البحر} يقول القائل: وأين جواب "إذ" وعلام عطفت؟ ومثلها في القرآن كثيرٌ بالواو ولا جواب معها ظاهرٌ؟
والمعنى -والله أعلم- على إضمار "واذكروا إذ أنتم" أو "إذ كنتم" فاجتزئ بقوله: "اذكروا" في أوّل الكلام، ثم جاءت "إذ" بالواو مردودةً على ذلك.
ومثله من غير "إذ" قول الله: {وإلى ثمود أخاهم صالحاً} وليس قبله شيء تراه ناصباً لـ"صالح"؛ فعلم بذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- والمرسل إليه أنّ فيه إضمار "أرسلنا"، ومثله قوله: {ونوحاً إذ نادى من قبل}، {وذا النّون إذ ذهب مغاضباً}، {وإبراهيم إذ قال لقومه} يجرى هذا على مثل ما قال في "ص": {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحق} ثم ذكر الأنبياء الذين من بعدهم بغير "واذكر" لأنّ معناهم متّفق معروفٌ، فجاز ذلك. ويستدل على أنّ "واذكروا" مضمرة مع "إذ" أنه قال: {واذكروا إذ أنتم قليلٌ مستضعفون في الأرض}، {واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثّركم} فلو لم تكن ها هنا "واذكروا" لاستدللت على أنّها تراد؛ لأنّها قد ذكرت قبل ذلك.
ولا يجوز مثل ذلك في الكلام بسقوط الواو إلاّ أن يكون معه جوابه متقدّما أو متأخّرا؛ كقولك: ذكرتك إذ احتجت إليك أو إذ احتجت ذكرتك). [معاني القرآن: 1/35]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فادّارأتم فيها}: اختلفتم فيها، من التدارئ والدرء). [مجاز القرآن: 1/45]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإذ قتلتم نفساً فادّارأتم فيها واللّه مخرجٌ مّا كنتم تكتمون}
أما قوله: {وإذ قتلتم نفساً فادّارأتم فيها} فإنما هي "فتدارأتم"، ولكن التاء تدغم -أحياناً- كذا في الدال لأن مخرجها من مخرجها، فلما أدغمت فيها حوّلت فجعلت دالا مثلها، وسكنّت فجعلوا ألفاً قبلها حتى يصلوا إلى الكلام بها كما قالوا: "اضرب" فألحقوا الألف حين سكنت الضاد.
ألا ترى أنك إذا استأنفت قلت "ادّارأتم" ومثلها {يذّكّرون} و{تذّكّرون} [و] {أفلم يدّبّروا القول} ومثله في القرآن كثير، وإنما هو "يتدبّرون" فأدغمت التاء في الدال، لأن التاء قريبة المخرج من الدال، مخرج الدال بطرف اللسان وأطراف الثنيتين، ومخرج التاء بطرف اللسان وأصول الثنيتين. فكل ما قرب مخرجه فافعل به هذا، ولا تقل في "يتنزّلون": "ينّزّلون" لأن النون ليست من حروف الثنايا كالتاء). [معاني القرآن: 1/82]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({فادارأتم فيها} أي: اختلفتم فيها). [غريب القرآن وتفسيره: 74]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فادّارأتم فيها}: اختلفتم، والأصل: تدارأتم، فأدغمت التاء في الدال، وأدخلت الألف ليسلم السكون للدال الأولى، يقال: كان بينهم تدارؤا في كذا، أي: اختلاف.
ومنه قول القائل في رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلم-: «كان شريكي فكان خير شريك؛ لا يماري ولا يداري» أي: لا يخالف).
[تفسير غريب القرآن:54-55]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ قتلتم نفسا فادّارأتم فيها واللّه مخرج ما كنتم تكتمون} معناه: فتدارأتم فيها، أي: تدافعتم، أي: ألقى بعضكم على بعض، يقال: "درأت فلانا" إذا دافعته، و"داريته" إذا لاينته، و"درّيته" إذا ختلته، ولكن التاء أدغمت في الدال لأنها من مخرج واحد، فلما أدغمت سكنت فاجتلبت لها ألف الوصل، فتقول: "ادارأ القوم" أي: تدافع القوم.
وقوله عزّ وجلّ: {مخرج ما كنتم تكتمون} الأجود في {مخرجٌ} التنوين؛ لأنه إنما هو لما يستقبل أو للحال، ويجوز حذف التنوين استخفافا فيقرأ(مخرجُ ما كنتم تكتمون)، فإن كان قرئ به وإلا فلا يخالف القرآن كما شرحنا.
وقوله عزّ وجلّ: {إن البقر تشابه علينا} القراءة في هذا على أوجه،
فأجودها والأكثر {تشابه علينا} على فتح الهاء والتخفيف، ويجوز "تشّابه علينا"، و"يشّابه علينا" بالتاء والياء.
وقد قرئ "إن الباقر يشّابه علينا" والعرب تقول في جمع "البقر والجمال": "الباقر والجامل"، يجعلونه اسما للجنس، قال طرفة بن العبد:

وجامل خوّع من نيبه=زجر المعلّى أصلا والسفيح
ويروي "مني به" وهو أكثر الرواية، وليس بشيء، وقال الشاعر:

ما لي رأيتك بعد عهدك موحشا = خلقا كحوض الباقر المتهدم
وما كان مثل بقرة وبقر، ونخلة ونخل، وسحابة وسحاب، فإن العرب تذكره وتؤنثه، فتقول: هذا بقر وهذه بقر، وهذا نخل وهذه نخل.
فمن ذكّر؛ فلأن في لفظ الجمع أن يعبر عن جنسه، فيقال: فتقول هذا جمع، وفي لفظه أن يعبر عن الفرقة والقطعة، فتقول: هذه جماعة وهذه فرقة، قال اللّه عزّ وجلّ: {ألم تر أنّ اللّه يزجي سحابا ثمّ يؤلّف بينه} فذكر، وواحدته "سحابة"، وقال: {والنخل باسقات} فجمع على معنى جماعة، ولفظها واحد.
فمن قرأ (إن البقر تشابه علينا) فمعناه أن (جماعة البقر تتشابه علينا)، فأدغمت التاء في الشين لقرب مخرج التاء من الشين، ومن قرأ (تشّابه علينا)أراد (تتشابه)، فحذف التاء الثانية لاجتماع تاءين كما قرئ {لعلكم تذكرون}، ومن قرأ (يشّابه علينا) -بالياء- أراد جنس البقر -أيضا-، والأصل (يتشابه علينا)، فأدغم التاء في الشين). [معاني القرآن: 1/153-155]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فادرأتم}: اختلفتم وتدافعتم. و"الدرء": الدفع). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 29]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({فََادَّارَأْتُمْ}: اختلفتم). [العمدة في غريب القرآن: 78]

تفسير قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فقلنا اضربوه ببعضها...} يقال: إنه ضرب بالفخذ اليمنى، وبعضهم يقول: ضرب بالذّنب.
ثم قال الله عزّ وجلّ: {كذلك يحيي اللّه الموتى} معناه -والله أعلم-: {اضربوه ببعضها} فيحيا {كذلك يحيي اللّه الموتى}، أي: اعتبروا ولا تجحدوا بالبعث، وأضمر "فيحيا"، كما قال: {أن اضرب بعصاك البحر فانفلق} والمعنى -والله أعلم-: فضرب البحر فانفلق).
[معاني القرآن: 1/48-49]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فقلنا اضربوه ببعضها} أي: اضربوا القتيل ببعضها، ببعض البقرة.
{ويريكم آياته} أي: عجائبه، ويقال: فلان آية من الآيات، أي: عجب من العجب، ويقال: اجعل بيني وبينك آية، أي: علامة، وآيات بينات، أي: علامات وحجج، و"الآية" من القرآن: كلام متصل إلى انقطاعه). [مجاز القرآن: 1/45]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({ويريكم آياته}: أي عجائبه، يقال: اجعل بيني وبينك آية، أي: علامة، و"الآية" من القرآن: كلام متصل إلى انقطاعه). [غريب القرآن وتفسيره: 74]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فقلنا اضربوه ببعضها} أي: اضربوا القتيل ببعض البقرة.
قال بعض المفسرين: فضربوه بالذّنب. وقال بعضهم: بالفخذ، فحيي). [تفسير غريب القرآن: 55]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({بِبَعْضِهَا} قيل: بالذنب، وقيل: بالفخذ. {آيَاتِهِ}: علاماته). [العمدة في غريب القرآن: 78-79]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار...} تذكير {منه} على وجهين:
إن شئت ذهبت به -يعني "منه"- إلى أن البعض حجرٌ، وذلك مذكر، وإن شئت جعلت البعض جمعا في المعنى فذكّرته بتذكير بعض، كما تقول للنسوة: ضربني بعضكنّ.
وإن شئت أنثته هاهنا بتأنيث المعنى كما قرأت القرّاء: {ومن يقنت منكنّ للّه} "ومن تقنت" بالياء والتاء، على المعنى، وهي في قراءة أبيّ: "وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منها الأنهار"). [معاني القرآن: 1/49]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({قست قلوبكم} أي: جفت، والقاسي: الجافي اليابس). [مجاز القرآن: 1/45]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ثمّ قست قلوبكم مّن بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشدّ قسوةً وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار وإنّ منها لما يشّقّق فيخرج منه الماء وإنّ منها لما يهبط من خشية اللّه وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون}
قال: {فهي كالحجارة أو أشدّ قسوةً}، وليس قوله: {أو أشدّ} كقولك: "هو زيدٌ أو عمرو" إنّما هذه {أو} التي في معنى الواو، نحو قولك: "نحن نأكل البرّ أو الشعير أو الأرزّ، كلّ هذا نأكل" فـ{أشدّ} ترفع على خبر المبتدأ. وإنما هو "وهي أشدّ قسوةً".
وقال بعضهم (فهْي كالحجارة) فأسكن الهاء، وبعضهم يكسرها، وذلك أن لغة العرب في "هي" و"هو" ولام الأمر، إذا كان قبلهن واو أو فاء أسكنوا أوائلهن، ومنهم من يدعها، قال: (وَهُوَ اللّه لا إله إلاّ هو) [و] قال: (وَهُوَ العزيز الحكيم). [و] قال: وَ(لِْيَتُوبوا) وقف وكسر. وقال: (فَلِيَعْبُدُوا) وقف وكسر.
باب إنّ وأنّ.
قال: {وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار وإنّ منها لما يشّقّق فيخرج منه الماء وإنّ منها لما يهبط} فهذه اللاّم لام التوكيد، وهي منصوبة تقع على الاسم الذي تقع عليه "إنّ" إذا كان بينها وبين "إنّ" حشو نحو هذا، [و] هو مثل: "إنّ في الدار لزيداً"، وتقع أيضاً في خبر "إنّ" وتصرف "إنّ" إلى الابتداء، تقول: "أشهد إنّه لظريفٌ "قال الله عزّ وجل: {واللّه يعلم إنّك لرسوله واللّه يشهد إنّ المنافقين لكاذبون}، وقال: {أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور * وحصّل ما في الصّدور * إنّ ربّهم بهم يومئذٍ لّخبيرٌ}، وهذا لو لم تكن فيه اللام كان "أنّ ربّهم" لأن "أنّ" الثقيلة إذا كانت هي وما عملت فيه بمنزلة "ذاك" أو بمنزلة اسم فهي أبدا "أنّ" مفتوحة، وإن لم يحسن مكانها وما عملت فيه اسم فهي "إنّ" على الابتداء، ألا ترى إلى قوله: {اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأنّي فضّلتكم على العالمين}، يقول: "اذكروا هذا" وقال: {فلولا أنّه كان من المسبّحين للبث}، لأنه يحسن في مكانه "لولا ذاك" وكل ما حسن فيه "ذاك" أن تجعله مكان "أنّ" وما عملت فيه فهو "أنّ"، وإذا قلت {يعلم إنّك لرسوله} لم يحسن أن تقول: "يعلم لذالك"، فإن قلت: اطرح اللام أيضاً وقل "يعلم ذاك"، فاللام ليست مما عملت فيه "إنّ".
وأما قوله: {إلاّ إنّهم ليأكلون الطّعام} فلم تنكسر هذه من أجل اللام، [و] لو لم تكن فيها لكانت "إنّ" أيضاً، لأنه لا يحسن أن تقول "ما أرسلنا قبلك إلاّ ذاك" و"ذاك" هو القصة، قال الشاعر:

ما أعطياني ولا سألتهما = إلاّ وإني لحاجزي كرمي
فلو ألقيت من هذه اللام أيضاً لكانت "أن"، وقال: {ذلكم فذوقوه وأنّ للكافرين عذاب النّار} كأنه قال: "ذاك الأمر"، وهذا قوله: {وأنّ للكافرين عذاب النّار} تقع في مكانه "هذا"، وقال: {ذلكم وأنّ اللّه موهن كيد الكافرين} كأنه على جواب من قال: "ما الأمر"؟ أو نحو ذلك فيقول للذين يسألون: "ذلكم" كأنه قال: "ذلكم الأمر وأنّ اللّه موهن كيد الكافرين" فحسن أن يقول: "ذلكم" و"هذا"، وتضمر الخبر أو تجعله خبر مضمر.
وقال: {إنّ لك ألاّ تجوع فيها ولا تعرى * وأنّك لا تظمأ فيها ولا تضحى} لأنه يجوز أن تقول: "إنّ لك ذاك" و"هذا" وهذه الثلاثة الأحرف يجوز فيها كسر "إنّ" على الابتداء، {فنادته الملائكة.. أنّ اللّه يبشّرك} فيجوز أن تقول: "فنادته الملائكة بذاك" وإن شئت رفعته على الحكاية كأنه يقول: (فنادته الملائكة فقالت: "إنّ اللّه يبشّرك") لأنّ كلّ شيء بعد القول حكاية، تقول: (قلت: "عبد اللّه منطلقٌ") و(قلت: "إنّ عبد اللّه زيداً منطلقٌ") إلاّ في لغة من أعمل القول من العرب كعمل الظن، فذاك ينبغي [له] أن يفتح "أنّ".
وقال: {إنّ هذه أمّتكم أمّةً واحدةً} فيزعمون أنّ هذا "ولأنّ هذه أمّتكم أمّةٌ واحدةٌ وأنا ربّكّم فاتّقون" يقول: "فاتّقون لأنّ هذه أمّتكم"، وهذا يحسن فيه كَذَاكَ، فإن قلت: "كيف تلحق اللام ولم تكن في الكلام"؟
فإن طرح اللام وأشباهها من حروف الجرّ من "أنّ" حسن ألا تراه يقول "أشهد أنّك صادقٌ" وإنّما هو "أشهد على ذلك".
وقال: {وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحداً} يقول: "فلا تدعوا مع الله أحدا لأنّ المساجد لله"، وفي هذا الإعراب ضعف، لأنه عمل فيه ما بعده، أضافه إليه بحرف الجر، ولو قلت "أنّك صالحٌ بلغني" لم يجز، وإن جاز في "ذلك"، لأنّ حرف الجر لما تقدم ضميره قوي، وقد قرئ مكسورا، قال بعضهم: إنّما هذا على {أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ مّن الجنّ} و"أوحي إلي أنّ المساجد للّه" و"أوحي إليّ أنه لمّا قام عبد اللّه"، وقد قرئ {وأنّه تعالى جدّ ربّنا} ففتح كل "أن" يجوز فيه على الوحي، وقال بعضهم (وإنّه تعالى جدّ ربّنا) فكسروها من قول الجن، فلما صار بعد القول صار حكاية وكذاك ما بعده مما هو من كلام الجن.
وأما "إنّما" فإذا حسن مكانها "أنّ" فتحتها، وإذا لم تحسن كسرتها، قال: {إنّما أنا بشرٌ مّثلكم يوحى إليّ أنّما إلهكم إله واحدٌ} فالآخرة يحسن مكانها "أنّ" فتقول: "يوحى إليّ أنّ إلهكم إلهٌ واحد"، قال الشاعر:

أراني -ولا كفران للّه- إنّما = أواخي من الأقوام كلّ بخيل
لأنّه لا يحسن ههنا "أنّ" [فـ] لو قلت: "أراني أنما أواخي من الأقوام" لم يحسن. وقال:

أبلغ الحارث بن ظالم المو = عد والناذر النّذور عليّا
أنّما تقتل النّيام، ولا تقـ = ـتل يقظان ذا سلاحٍ كميّا
فحسن أن تقول: "أنّك تقتل النّيام".
وأمّا قوله عز وجل: {أيعدكم أنّكم إذا متٌّم وكنتم تراباً وعظاماً أنّكم مّخرجون} فالآخرة بدلٌ من الأولى.
وأمّا "إن" الخفيفة فتكون في معنى "ما" كقول الله عز وجل: {إن الكافرون إلاّ في غرورٍ} أي: ما الكافرون، وقال: {إن كان للرّحمن ولدٌ} أي: ما كان للرحمن ولد، {فأنا أول العابدين} من هذه الأمة للرّحمن، بنفي الولد عنه، أي: أنا أول العابدين بأنّه ليس للرحمن ولد، وقال بعضهم (فأنا أول العبدين) يقول: "أنا أول من يغضب من ادّعائكم للّه ولدا"، ويقول: "عبد يعبد عبدا" أي: غضب.
وقال: {وتظنّون إن لّبثتم إلاّ قليلاً} فهي مكسورة أبدا إذا كانت في معنى "ما"، وكذلك {ولقد مكّناهم فيما إن مّكّنّاكم فيه} فـ"إن" بمنزلة "ما"، و"ما" التي قبلها بمنزلة "الذي"، ويكون للمجازاة نحو قوله: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه}، {وإن تعفوا وتصفحوا}، وتزاد "إن" مع "ما"، يقولون: "ما إن كان كذا وكذا" أي: "ما كان كذا وكذا"، و"ما إن هذا زيدٌ"، ولكنها تغير "ما" "فلا ينصب بها الخبر، وقال الشاعر:

وما إن طبنا جبنٌ ولكن = منايانا وطعمة آخرينا
وتكون خفيفة في معنى الثقيلة، وهي مكسورة ولا تكون إلاّ وفي خبرها اللام، يقولون: "إن زيدٌ لمنطلقٌ" ولا يقولونه بغير لام مخافة أن تلتبس بالتي معناها "ما".
وقد زعموا أن بعضهم يقول: "إن زيداً لمنطلقٌ" يعملها على المعنى وهي مثل {إن كلّ نفسٍ لّمّا عليها حافظٌ} يقرأ بالنصب والرفع، و"ما" زيادة للتوكيد، واللام زيادة للتوكيد وهي التي في قوله: {وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين} ولكنها إنما وقعت على الفعل حين خففت كما تقع "لكن" على الفعل إذا خففت. ألا ترى أنك تقول: "لكن قد قال ذاك زيد" ولم يعرّوها من اللام في قوله: {وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين} وعلى هذه اللغة فيما نرى -والله أعلم- {إن هذان لساحران} وقد شددها قوم فقالوا (إنّ هذان)، وهذا لا يكاد يعرف إلا أنهم يزعمون أن بلحارث بن كعب يجعلون الياء في أشباه هذا ألفا فيقولون: "رأيت أخواك" و"رأيت الرجلان" و"أوضعته علاه" و"ذهبت إلاه" فزعموا أنه على هذه اللغة بالتثقيل تقرأ، وزعم أبو زيد أنه سمع أعرابياً فصيحا من بلحارث يقول: "ضربت يداه" و"وضعته علاه" يريد: يديه وعليه. وقال بعضهم (إنّ هذين لساحران) وذلك خلاف الكتاب، قال الشاعر:

طاروا عليهن فشلٌ علاها
=
واشدد بمثنى حقبٍ حقواها
=
ناجيةً وناجياً أباها
وأمّا "أن" الخفيفة فتكون زائدةً مع "فلمّا" و"لمّا"، قال: {فلمّا أن جاء البشير} وإنما هي "فلمّا جاء البشير"، وقال: {ولمّا جاءت رسلنا} يقول "ولمّا جاءت"، وتزاد أيضاً مع "لو" يقولون: "أن لو جئتني كان خيراً لك" يقول "لو جئتني".
وتكون في معنى "أي" قال: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا} يقول "أي امشوا".
وتكون خفيفة في معنى الثقيلة في مثل قوله: {أن الحمد للّه} و{أنّ لعنة اللّه عليه} على قولك "أنه لعنة اللّه" و"أنه الحمد للّه"، وهذه بمنزلة قوله: {أفلا يرون ألاّ يرجع إليهم قولاً} [و] {وحسبوا ألاّ تكون فتنةٌ} ولكن هذه إذا خففت وهي إلى جنب الفعل لم يحسن إلا "إن" معها "لا" حتى تكون عوضا من ذهاب التثقيل والإضمار، ولا تعوض "لا" في قوله: {أن الحمد للّه} لأنها لا تكون، وهي خفيفة، عاملة في الاسم، وعوّضتها "لا" إذا كانت مع الفعل لأنهم أرادوا أن يبيّنوا أنها لا تعمل في هذا المكان وأنها ثقيلة في المعنى، وتكون "أن" الخفيفة تعمل في الفعل وتكون هي والفعل اسما للمصدر، نحو قوله: {على أن نّسوّي بنانه} إنما هي "على تسوية بنانه"). [معاني القرآن: 1/83-89]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({قست قلوبكم}: جفت وعست، و"عتتت" مثلها). [غريب القرآن وتفسيره: 74]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ثمّ قست قلوبكم} أي: اشتدت وصلبت). [تفسير غريب القرآن: 55]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار وإنّ منها لما يشّقّق فيخرج منه الماء وإنّ منها لما يهبط من خشية اللّه وما اللّه بغافل عمّا تعملون}
تأويل {قست} في اللغة: غلظت ويبست وصلبت، فتأويل القسو في القلب: ذهاب اللين والرحمة والخضوع والخشوع منه.
ومعنى {من بعد ذلك} أي: من بعد إحياء الميت لكم بعضو من أعضاء البقرة، وهذه آية عظيمة كان يجب على من يشاهدها -فشاهد بمشاهدتها من قدرة عزّ وجلّ ما يزيل كل شك- أن يلين قلبه ويخضع،
ويحتمل أن يكون {من بعد ذلك} من بعد إحياء الميت والآيات التي تقدمت ذلك نحو مسخ القردة والخنازير، ونحو رفع الجبل فوقهم، ونحو انبجاس الماء من حجر يحملونه معهم، وإنما جاز ذلك وهؤلاء الجماعة مخاطبون، ولم يقل "ذلكم" -ولو قال "ذلكم" كان جيدا- وإنما جاز أن تقول للجماعة بعد "ذلك" وبعد "ذلكم"؛ لأن الجماعة تؤدي عن لفظها: الجميع والفريق، فالخطاب في لفظ واحد، ومعنى جماعة.
وقوله عزّ وجلّ: {فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة} وقد روي (أو أشدَّ قسوة) ومعنى تشبيه القسوة بالحجارة قد بيناه، ودخول "أو" ههنا لغير معنى الشك، ولكنها (أو) التي تأتي للإباحة، تقول: الذين ينبغي أن يؤخذ عنهم العلم الحسن أو ابن سيرين، فلست بشاك، وإنما المعنى ههنا: هذان أهل أن يؤخذ عنهما العلم، فإن أخذته عن الحسن فأنت مصيب، وإن أخذته عن ابن سيرين فأنت مصيب، وإن أخذته عنهما جميعا فأنت مصيب، فالتأويل: اعلموا أن قلوب هؤلاء إن شبهتم قسوتها بالحجارة فأنتم مصيبون أو بما هو أشد فأنتم مصيبون ولا يصلح أن تكون (أو) ههنا بمعنى الواو.
وكذلك قوله: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا... أو كصيّب} أي: إن مثلتهم بالمستوقد فذلك مثلهم، وإن مثلتهم بالصيّب فهو لهم مثل، وقد شرحناه في مكانه شرحا شافيا كافيا إن شاء اللّه.
فمن قرأ {أشد قسوة} رفع أشد بإضمار "هي" كأنّه قال: أو هي أشد قسوة، ومن نصب (أو أشد قسوة) فهو على خفض في الأصل بمعنى الكاف. ولكن "أشد" أفعل لا ينصرف لأنه على لفظ الفعل، وهو نعت ففتح وهو في موضع جر.
ويجوز في قوله تعالى {فهي كالحجارة}: (فهْي كالحجارة) -بإسكان الهاء-، لأن الفاء مع هي قد جعلت الكلمة بمنزلة (فخذ)، فتحذف الكسرة استثقالا، وقد روى بعض النحويين أنه يجوز في "هي" الإسكان في الياء من (هي) ولا أعلم أحدا قرأ بها، وهي عندي لا يجوز إسكانها ولا إسكان الواو في هو، لا يجوز "هو ربكم" وقد روى الإسكان بعض النحويين وهو رديء لأن كل مضمر فحركته -إذا انفرد- الفتح، نحو (أنا ربكم)، فكما لا تسكن نون أنا لا تسكن هذه الواو.
وقوله عزّ وجلّ: {وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار} بين عزّ وجلّ كيف كانت قلوبهم أنها أشد قسوة وأصلب من الحجارة، وأعلم أن الحجارة تتفجر منها الأنهار، ومنها ما يشّقّق فيخرج منه الماء يعني: العيون التي تخرج من الحجارة ولا تكون أنهارا، ومنها ما يهبط من خشية الله، فقالوا: إن الذي يهبط من خشية الله نحو الجبل الذي تجلى اللّه له حين كلم موسى عليه السلام، وقال قوم: إنها أثر الصنعة التي تدل على أنّها مخلوقة، وهذا خطأ، لأن ليس منها شيء ليس أثر الصنعة بينا في جميعها وإنما الهابط منها مجعول فيه التميز كما قال عزّ وجلّ: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدّعا من خشية اللّه}، وكما قال: {ألم تر أنّ اللّه يسجد له من في السّماوات}، ثم قال: {والنّجوم والجبال} فأعلم أن ذلك تمييز أراد اللّه منها، ولو كان يراد بذلك الصنعة لم يقل: {وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب}، لأن أثر الصنعة شامل للمؤمن وغيره).
[معاني القرآن: 1/155-158]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({قست قلوبكم} أي: اشتدت وصلبت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 30]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({قَسَتْ}: صلبت). [العمدة في غريب القرآن: 79]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24 ذو الحجة 1431هـ/30-11-2010م, 12:32 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 75 إلى 86]

{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)}

تفسير قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام اللّه ثمّ يحرّفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون} هذه الألف ألف استخبار، وتجري في كثير من المواضع مجرى الإنكار والنهي إذا لم يكن معها نفي، كأنّه أيئسهم من الطمع في إيمان هذه الفرقة من اليهود، فإذا كان في أول الكلام نفي، فإنكار النفي تثبيت، نحو قوله عزّ وجلّ: {ألم يأتكم نذير * قالوا بلى}،
فجواب {أفتطمعون} "لا" كما وصفنا.
وقوله عزّ وجلّ: {وقد كان فريق منهم يسمعون كلام اللّه ثمّ يحرّفونه من بعد ما عقلوه} يروي في التفسير أنهم سمعوا كلام اللّه لموسى -عليه السلام- فحرفوه فقيل في هؤلاء الذين شاهدهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم كفروا وحرفوا، فلهم سابقة في كفرهم). [معاني القرآن: 1/158]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {أتحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم...} هذا من قول اليهود لبعضهم؛ أي: لا تحدّثوا المسلمين بأنكم تجدون صفة محمد -صلى الله عليه وسلم- في التوراة وأنتم لا تؤمنون به، فتكون لهم الحجة عليكم، {أفلا تعقلون}.
قال الله: {أولا يعلمون أنّ اللّه يعلم ما يسرّون وما يعلنون} هذا جوابهم من قول الله). [معاني القرآن: 1/50]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أتحدّثونهم بما فتح الله عليكم} أي: بما منّ الله عليكم، وأعطاكم دونهم).[مجاز القرآن: 1/45]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم ليحاجّوكم به عند ربّكم أفلا تعقلون}
المعنى: أتخبرونهم بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكره موجود في كتابكم وصفته.
{ليحاجّوكم به عند ربّكم} أي: لتكون لهم الحجة في إيمانهم بالنبي -صلى الله عليه وسلم- عليكم، إذ كنتم مقرّين به تخبرون بصحة أمره من كتابكم فهذا بين حجته عليكم عند اللّه.
{أفلا تعقلون} أي: أفلا تعقلون حجة الله عليكم في هذا). [معاني القرآن: 1/158-189]

تفسير قوله تعالى: {أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)}

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ وإن هم...}
فـ"الأمانيّ " على وجهين في المعنى، ووجهين في العربية؛
فأما في العربية؛ فإنّ من العرب من يخفّف الياء فيقول: "إلاّ أماني وإن هم" ومنهم من يشدّد، وهو أجود الوجهين.
وكذلك ما كان مثل "أمنيّة"، ومثل "أضحيّة"، و"أغنيّة"، ففي جمعه وجهان: التخفيف والتشديد، وإنما تشدّد لأنك تريد الأفاعيل، فتكون مشدّدة لاجتماع الياء من جمع الفعل والياء الأصلي، وإن خفّفت حذفت ياء الجمع فخففت الياء الأصلية، وهو كما يقال: القراقير والقراقر، فمن قال (الأماني) بالتخفيف فهو الذي يقول القراقر، ومن شدّد (الأمانيّ) فهو الذي يقول القراقير.
والأمنيّة في المعنى: التلاوة، كقول الله عزّ وجلّ: {إلاّ إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته} أي: في تلاوته، والأمانيّ -أيضا-: أن يفتعل الرجل الأحاديث المفتعلة؛ قال بعض العرب لابن دأب وهو يحدّث الناس: أهذا شيء رويته أم شيء تمنّيته؟ يريد: افتعلته، وكانت أحاديث يسمعونها من كبرائهم ليست من كتاب الله، وهذا أبين الوجهين). [معاني القرآن: 1/49-50]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ وإن هم إلاّ يظنّون}
باب من الاستثناء.
{ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ} منصوبة لأنه مستثنى ليس من أول الكلام، وهذا الذي يجيء في معنى "لكن" خارجا من أول الكلام إنما يريد "لكن أمانيّ" و"لكنّهم يتمنّون"، وإنما فسرناه بـ"لكن" لنبين خروجه من الأول، ألا ترى أنك إذا ذكرت "لكن" وجدت الكلام منقطعاً من أوله، ومثل ذلك في القرآن كثير [منه قوله عز وجل] {وما لأحدٍ عنده من نّعمةٍ تجزى * إلاّ ابتغاء وجه ربّه} وقال: {ما لهم به من علمٍ إلاّ اتّباع الظّنّ} وقال: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقيّةٍ ينهون عن الفساد في الأرض إلاّ قليلاً} يقول: "فهلاّ كان منهم من ينهى"، ثم قال: "ولكن قليلاً منهم من ينهى"، ثم قال "ولكن قليلٌ منهم قد نهوا"، فلما جاء مستثنى خارجاً من الأول انتصب، ومثله {فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها إلاّ قوم يونس} يقول: "فهلاّ كانت"، ثم قال: "ولكنّ قوم يونس" فـ"إلا" تجيء في معنى "لكنّ"، وإذا عرفت أنها في معنى "لكنّ" فينبغي أن تعرف خروجها من أوله، وقد يكون {إلاّ قوم يونس} رفعا، تجعل "إلاّ" وما بعده في موضع صفة بمنزلة "غير" كأنه قال: "فهلا كانت قريةٌ آمنت غير قرية قوم يونس"، ومثلها {لو كان فيهما آلهةٌ إلاّ اللّه لفسدتا} فقوله: {إلاّ اللّه} صفة [و] لولا ذلك لانتصب، لأنه مستثنى مقدم يجوز إلقاؤه من الكلام، وكل مستثنى مقدم يجوز إلقاؤه من الكلام نصب، وهذا قد يجوز إلقاؤه [فـ] لو قلت "لو كان فيهما آلهةٌ لفسدتا" جاز، فقد يجوز فيه النصب ويكون مثل قوله "ما مرّ بي أحدٌ إلاّ زيداً مثلك"، قال الشاعر فيما هو صفة:


أنيخت فألقت بلدةً فوق بلدةٍ = قليلٌ بها الأصوات إلاّ بغامها
وقال:

وكلّ أخٍ مفارقه أخوه = لعمر أبيك إلا الفرقدان
ومثل المنصوب الذي في معنى "لكن" قول الله عز وجل: {وإن نّشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون * إلاّ رحمةً مّنّا} وهو في الشعر كثير وفي الكلام، قال الفرزدق:

وما سجنوني غير أني ابن غالب = وأني من الأثرين غير الزعانف
يقول: "ولكنّني"، وهو مثل قولهم: "ما فيها أحدٌ إلا حماراً" لما كان ليس من أول الكلام جعل على معنى "لكنّ" ومثله:

ليس بيني وبين قيسٍ عتاب = غير طعن الكلا وضرب الرقاب
وقوله:

حلفت يميناً غير ذي مثنويّةٍ = ولا علم إلاّ حسن ظنٍّ بغايب
وبصاحب.
باب الجمع.
وأمّا تثقيل {الأمانيّ} فلأن واحدها "أمنيّة" مثقّل، وكلّ ما كان واحده مثقلا مثل: "بختيّة" و"بخاتيّ" فهو مثقّل، وقد قرأ بعضهم (إلاّ أماني) فخفف، وذلك جائز لأن الجمع على غير واحده وينقص منه ويزاد فيه، فأما "الأثافي" فكلّهم يخفّفها وواحدها "أثفيّة" مثقّلة، وإنما خففوها لأنهم يستعملونها في الكلام والشعر كثيرا، وتثقيلها في القياس جائز، ومثل تخفيف "الأماني" قولهم: "مفتاح" و"مفاتح" وفي "معطاء": "معاطٍ"،
قال الأخفش: قد سمعت بلعنبر تقول: "صحاري" و"معاطيّ" فتثقل.
وقوله: {وإن هم إلاّ يظنّون} أي: فماّ هم إلاّ يظنّون). [معاني القرآن: 1/89-91]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({الأماني} الأمنية في المعنى: التلاوة، ويقال للحديث: المفتعل، قيل لبعضهم في حديث: تمنيته أم حديث رويته؟ أي: افتعلته). [غريب القرآن وتفسيره: 74]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلّا أمانيّ} أي: لا يعلمون الكتاب إلّا أن يحدثهم كبراؤهم بشيء، فيقبلونه ويظنون أنه الحق وهو كذب، ومنه قول عثمان -رضي اللّه عنه-: «ما تغنّيت ولا تمنّيت» أي: ما اختلقت الباطل.
وتكون الأمانيّ: التّلاوة، قال اللّه عز وجل: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلّا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته} يريد: إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته.
يقول: فهم لا يعلمون الكتاب إلّا تلاوة ولا يعلمون به، وليسوا كمن يتلوه حقّ تلاوته، فيحلّ حلاله ويحرّم حرامه، ولا يحرفه عن مواضعه).
[تفسير غريب القرآن:55-56]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلّا أمانيّ وإن هم إلّا يظنّون}
معنى "الأمّي" في اللغة: المنسوب إلى ما عليه جبلّة أمّته، أي: لا يكتب فهو في أنه لا يكتب على ما ولد عليه، وارتفع {أمّيّون} بالابتداء و{منهم} الخبر، ومن قول الأخفش يرتفع {أمّيّون} بفعل "هم"، كان المعنى: واستقر منهم أمّيّون.
ومعنى {إلّا أمانيّ} قال الناس في معناه قولين:
قالوا: معناه: لا يعلمون الكتاب إلا تلاوة، كما قال عزّ وجلّ: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ إلّا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته} أي: إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته.
وقد قيل: الأماني أكاذيب العرب، تقول أنت إنما تتمنى هذا القول، أي: تختلقه.
ويجوز أن يكون أماني منسوبا إلى القائل إذا قال ما لا يعلمه فكأنه إنما يتمناه، وهذا مستعمل في كلام الناس، تقول للذي يقول ما لا حقيقة له وهو يحبه: هذا منى، وهذه أمنية.
وفي لفظ أماني وجهان:
العرب تقول هذه أمان وأمانيّ يا هذا، بالتشديد والتخفيف، فمن قال (أمانيّ) بالتشديد فهو مثل أحدوثة وأحاديث، وقرقورة وقراقير، ومن قال (أمان) بالتخفيف فهو مما اجتمعت فيه الياءان أكثر لثقل الياء.
والعرب تقول في أثفية أثافيّ وأثاف، والتخفيف أكثر لكثرة استعمالهم أثاف، والأثافي: الأحجار التي تجعل تحت القدر). [معاني القرآن: 1/159-190]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (و"الأماني": التلاوة). [ياقوتة الصراط: 175]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إلا أماني} إلا أباطيل وأكاذيب، قال عثمان رضي الله عنه: "ما تمنيت منذ أسلمت" أي: ما كذبت.
أي: لا يعلمون الكتاب إلا أن يحدثهم كبراؤهم بشيء فيقبلونه ويظنون أنه الحق وهو باطل كذب.
(الأماني) في غير هذه: التلاوة، وكقوله تعالى: {إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} أي: تلاوته). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 30]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ("الأمنية": التلاوة). [العمدة في غريب القرآن: 79]

تفسير قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فويلٌ لّلّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمناً قليلاً فويلٌ لّهم مّمّا كتبت أيديهم وويلٌ لّهم مّمّا يكسبون}
{فويلٌ لّلّذين يكتبون الكتاب} يرفع "الويل" لأنه اسم مبتدأ جعل ما بعده خبره، وكذلك "الويح و"الويل" و"الويس" إذا كانت بعدهنّ هذه اللام ترفعهن، وأما "التعس" و"البعد" وما أشبههما فهو نصب أبدا، وذلك أنّ كل ما كان من هذا النحو تحسن إضافته بغير لام فهو رفع باللام، ونصب بغير لام، نحو: {ويلٌ لّلمطفّفين} و"ويلٌ لزيدٍ"، ولو ألقيت اللام قلت: "ويل زيدٍ" و"ويح زيدٍ" و"ويس زيدٍ"، فقد حسنت إضافته بغير لام فلذلك رفعته باللام مثل: {ويلٌ يومئذٍ لّلمكذّبين}.
وأما قوله: {ألا بعداً لّمدين} و{ألا بعداً لّثمود} و{والّذين كفروا فتعساً لّهم} فهذا لا تحسن إضافته بغير لام، ولو قلت: "تعسهم" أو "بعدهم" لم يحسن، وانتصاب هذا كله بالفعل، كأنك قلت: "أتعسهم اللّه تعساً" و"أبعدهم اللّه بعدا"، وإذا قلت: "ويل زيدٍ" فكأنك قلت: "ألزمه اللّه الويل"، وأما رفعك إياه باللام؛ فإنما كان لأنك جعلت ذلك واقعا واجبا لهم في الاستحقاق، ورفعه على الابتداء، وما بعده مبني عليه، وقد ينصبه قوم على ضمير الفعل وهو قياس حسن، فيقولون: "ويلاً لزيد" و"ويحاً لزيد"، قال الشاعر:

كسا اللؤم تيماً خضرةً في جلودها = فويلاً لتيمٍ من سرابيلها الخضر
قال الأخفش: "حدثني عيسى بن عمر أنه سمع الأعراب ينشدونه هكذا بالنصب، ومنهم من يرفع ما ينصب في هذا الباب، قال أبو زبيد:

أغار وأقوى ذات يومٍ وخيبةٌ = لأوّل من يلقى غيٌ ميسّر
باب اللام.
وقوله: {ليشتروا به ثمناً قليلاً} فهذه اللام إذا كانت في معنى "كي" كان ما بعدها نصبا على ضمير "أن"، وكذلك المنتصب بـ"كي" هو أيضاً على ضمير "أن" كأنه يقول: "الاشتراء"، فـ"يشتروا" لا يكون اسما إلا بـ"أن"، فـ"أن" مضمرة وهي الناصبة وهي في موضع جر باللام. وكذلك {كي لا يكون دولةً} "أن" مضمرة وقد جرتها "كي"، وقالوا: "كيمه" فـ"مه" اسم لأنه "ما" التي في الاستفهام وأضاف "كي" إليها، وقد تكون "كي" بمنزلة "أن" هي الناصبة وذلك قوله: {لّكيلا تأسوا} فأوقع عليها اللام، ولو لم تكن "كي" وما بعدها اسما لم تقع عليها اللام وكذلك ما انتصب بعد "حتّى" إنّما انتصب بمضمر "أن" قال: {حتّى يأتي وعد اللّه} و{حتّى تتّبع ملّتهم} إنّما هو "حتّى أن يأتي " و"حتّى أن تتّبع"، وكذلك جميع ما في القرآن من "حتّى"، وكذلك {وزلزلوا حتّى يقول الرّسول} أي: "حتّى أن يقول"، لأنّ "حتّى" في معنى "إلىّ"، تقول "أقمنا حتّى الليل" أي: "إلى اللّيل".
فإن قيل: إظهار "أن" ههنا قبيح؛ قلت: "قد تضمر أشياء يقبح إظهارها إذا كانوا يستغنون عنها"، ألا ترى أنّ قولك: "إن زيداً ضربته" منتصب بفعل مضمر لو أظهرته لم يحسن، وقد قرئت هذه الآية (وزلزلوا حتّى يقولُ الرّسولُ) يريد: "حتّى الرّسول قائلٌ"، جعل ما بعد "حتّى" مبتدأ، وقد يكون ذلك نحو قولك: "سرت حتّى أدخلها" إذا أردت: "سرت فإذا أنا داخلٌ فيها"، و"سرت أمس حتّى أدخلها اليوم" أي: حتّى "أنا اليوم أدخلها فلا أمنع"، وإذا كان غاية للسير نصبته، وكذلك ما لم يجب مما يقع عليه "حتّى" نحو: {لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين أو أمضى حقباً}.
وأما {ولن يخلف اللّه وعده} فنصب بـ"لن" كما نصب بـ"أن"، وقال بعضهم: إنما هي "أن" جعلت "لا" كأنه يريد "لا أن يخلف اللّه وعده" فلما كثرت في الكلام حذفت، وهذا قول، وكذلك جميع "لن" في القرآن.
وينبغي لمن قال ذلك القول أن يرفع "أزيدٌ لن تضرب" لأنه في معنى "أزيد لا ضرب له"، وكذلك ما نصب بـ"إذن" تقول: "إذن آتيك" تنصب بها كما تنصب بـ"أن" وبـ"لن" فإذا كان قبلها الفاء أو الواو رفعت نحو قول الله عز وجل: {وإذاً لاّ تمتّعون إلاّ قليلاً} وقال: {فإذاً لاّ يؤتون النّاس نقيراً} وقد يكون هذا نصبا أيضاً عنده على إعمال "إذن"، وزعموا أنّه في بعض القراءة منصوب؛ وإنّما رفع لأنّ معتمد الفعل صار على الفاء والواو ولم يحمل على "إذن"، فكأنه قال: "فلا يؤتون الناس إذا نقيرا" [و] "ولا تمتّعون إذن"، وقوله: {لّئلاّ يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيءٍ} [و] {وحسبوا أن لا تكون فتنةٌ} و{أن لا يرجع إليهم قولاً} فارتفع الفعل بعد "أن لا" لأنّ ["أن"] هذه مثقّلة في المعنى، ولكنها خففت وجعل الاسم فيها مضمرا، والدليل على ذلك أنّ الاسم يحسن فيها والتثقيل، ألا ترى أنّك تقول "أفلا يرون أنّه لا يرجع إليهم"، وتقول: "أنّهم لا يقدرون على شيء" [و] "أنّه لا تكون فتنة". وقال: {آيتك أن لا تكلّم الناس} نصب لأن هذا ليس في معنى المثقّل، إنما هو {آيتك أن لا تكلّم} كما تقول: (آيتك أن تكلّم) وأدخلت "لا" للمعنى الذي أريد من النفي، ولو رفعت هذا جاز على معنى (آيتك أنك لا تكلم)، ولو نصب الآخر جاز على أن تجعلها "أن" الخفيفة التي تعمل في الأفعال، ومثل ذلك {إنّه ظنّ أن لّن يحور} وقال: {تظنّ أن يفعل بها فاقرةٌ} وقال: {إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه} وتقول: "علمت أن لا تكرّمني" و"حسبت أن لا تكرمني"، فهذا مثل ما ذكرت لك، فإنما صار "علمت" و"استيقنت" ما بعده رفع لأنه واجب، فلما كان واجبا لم يحسن أن يكون بعده "أن" التي تعمل في الأفعال، لأن تلك إنما تكون في غير الواجب، ألا ترى أنك تقول "أريد أن تأتيني" فلا يكون هذا إلا لأمر لم يقع، وارتفع ما بعد الظن وما أشبهه لأنه مشاكل للعلم لأنه يعلم بعض الشيء إذا كان يظنه، وأما "خشيت أن لا تكرمني" فهذا لم يقع، ففي مثل هذا تعمل "أن" الخفيفة، ولو رفعته على أمر قد استقر عندك وعرفته كأنك جريته فكان لا يكرمك فقلت: "خشيت أن لا تكرمني" أي: "خشيت أنّك لا تكرمني" جاز.
وزعم يونس أن ناسا من العرب يفتحون اللام التي في مكان "كي" وأنشدوا هذا البيت، فزعم أنه سمعه مفتوحا:

يؤامرني ربيعة كلّ يومٍ = لأهلكه وأقتني الدّجاجا
وزعم خلف أنها لغة لبني العنبر وأنه سمع رجلا ينشد هذا البيت منهم مفتوحا:

فقلت لكلبيّي قضاعة إنّما = تخبّر تماني أهل فلجٍ لأمنعا
يريد "من أهل فلجٍ".
وقد سمعت أنا ذلك من العرب، وذلك أن أصل اللام الفتح وإنما كسرت في الإضافة ليفرق بينها وبين لام الابتداء.
وزعم أبو عبيدة أنه سمع لام "لعلّ" مفتوحة في لغة من يجرّبها ما بعدها في قول الشاعر:

لعلّ اللّه يمكنني عليها = جهاراً من زهيرٍ أو أسيد
يريد "لعلّ عبد اللّه" فهذه اللام مكسورة لأنها لام إضافة.
وقد زعم أنه قد سمعها مفتوحة فهي مثل لام "كي"، وقد سمعنا من العرب من يرفع بعد "كيما" وأنشد:

إذا أنت لم تنفع فضرّ فإنّما = يرجّى الفتى كيما يضرّ وينفع
فهذا جعل "ما" اسما وجعل "يضرّ" و"ينفع" من صلته جعله اسما للفعل وأوقع "كي" عليه وجعل "كي" بمنزلة اللام.
وقوله: {ألم يعلموا أنّه من يحادد اللّه ورسوله فأنّ له نار جهنّم}، وقوله: {أنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفورٌ رّحيمٌ} فيشبه أن تكون الفاء زائدة كزيادة "ما" ويكون الذي بعد الفاء بدلا من "أن" التي قبلها، وأجوده أن تكسر "إن" وأن تجعل الفاء جواب المجازاة، وزعموا أنهم يقولون "أخوك فوجد" "بل أخوك فجهد" يريدون "أخوك وجد" و"بل أخوك جهد" فيزيدون الفاء، وقد فسر الحسن {حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها} على حذف الواو، وقال: "معناها: قال لهم خزنتها"، فالواو في هذا زائدة، قال الشاعر:

فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن = إلاّ كلمّة حالمٍ بخيال
وقال:

فإذا وذلك ليس إلاّ حينه = وإذا مضى شيءٌ كأن لم يفعل
كأنه زاد الواو وجعل خبره مضمرا، ونحو هذا مما خبره مضمر كثير). [معاني القرآن: 1/92-96]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فويلٌ للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه} أي: يزيدون في كتب اللّه ما ليس منها، لينالوا بذلك غرضا حقيرا من الدنيا). [تفسير غريب القرآن: 56]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فويل للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم ممّا كتبت أيديهم وويل لهم ممّا يكسبون}
"الويل" في اللغة: كلمة يستعملها كل واقع في هلكة، وأصله في العذاب والهلاك، وارتفع "ويل" بالابتداء، وخبره {للّذين}، ولو كان في غير القرآن لجاز (فويلا للذين) على معنى: جعل الله ويلا للذين، والرفع على معنى: ثبوت الويل للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمنا قليلا.
يقال: إن هذا في صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-، كتبوا صفته على غير ما كانت عليه في التوراة،
ويقال في التفسير: إنهم كتبوا صفته أنه آدم طويل، وكانت صفته فيها أنه آدم ربعة، فبدّلوا فألزمهم الله الويل بما كتبت أيديهم ومن كسبهم على ذلك، لأنهم أخذوا عليه الأموال وقبلوا الهدايا). [معاني القرآن: 1/160]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إلاّ أيّاماً مّعدودةً...}
يقال: كيف جاز في الكلام: لآتينك أياما معدودة، ولم يبين عددها؟
وذلك أنهم نووا الأيام التي عبدوا فيها العجل، فقالوا: لن نعذّب في النار إلا تلك الأربعين الليلة التي عبدنا فيها العجل، فلما كان معناها مؤقّتا معلوما عندهم وصفوه بـ"معدودة" و"معدودات"، فقال الله: قل يا محمد: هل عندكم من الله عهدٌ بهذا الذي قلتم {أم تقولون على اللّه ما لا تعلمون}). [معاني القرآن: 1/50]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({اتخذتم عند الله عهداً} أي: وعداً، والميثاق: العهد يوثق له). [مجاز القرآن: 1/45]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({عند الله عهدا} أي: وعدا). [غريب القرآن وتفسيره: 74]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وقالوا لن تمسّنا النّار إلّا أيّاماً معدودةً} قالوا: إنما نعذّب أربعين يوما قدر ما عبد أصحابنا العجل.
{قل أتّخذتم عند اللّه عهداً} أي أتخذتم بذلك من اللّه وعدا؟). [تفسير غريب القرآن: 56]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقالوا لن تمسّنا النّار إلّا أيّاما معدودة قل أتّخذتم عند اللّه عهدا فلن يخلف اللّه عهده أم تقولون على اللّه ما لا تعلمون}
{تمسنا} نصب بـ{لن}، وقد اختلف النحويون في علة النصب بـ"لن".
فروي عن الخليل قولان؛
أحدهما: أنها نصبت كما نصبت "أن" وليس ما بعدها بصلة لها، لأن "لن يفعل"، نفي "سيفعل" فقدم ما بعدها عليها، نحو قولك: زيدا لن أضرب، كما تقول: زيدا لم أضرب،
وقد روى سيبويه عن بعض أصحاب الخليل عن الخليل أنه قال: الأصل في "لن": "لا أن"، ولكن الحذف وقع استخفافا، وزعم سيبويه أن هذا ليس بجيد، لو كان كذلك لم يجز (زيدا لن أضرب)، وعلى مذهب سيبويه جميع النحويين، وقد حكى هشام عن الكسائي في "لن" مثل هذا القول الشاذ عن الخليل، ولم يأخذ به سيبويه ولا أصحابه.
ومعنى {أيّاما معدودة} قالوا: إنّما نعذّب لأننا عبدنا العجل أياما، قيل في عددها قولان، قيل: سبعة أيام، وقيل: أربعون يوما، وهذه الحكاية عن اليهود، هم الذين قالوا: {لن تمسّنا النّار إلّا أيّاما معدودة}.
وقوله عزّ وجلّ: {قل أتّخذتم عند اللّه عهدا} بقطع الألف هي تقرأ على ضربين: {أتخذتم} بتبيين الذال، و(اتختم) بإدغام الذال في التاء، والألف قطع لأنها ألف استفهام وتقرير.
وقوله عزّ وجلّ: {عند اللّه عهدا} المعنى: عهد اللّه إليكم في أنه لا يعذبكم إلا هذا المقدار.
وقوله عزّ وجلّ: {فلن يخلف اللّه عهده} أي: إن كان لكم عهد فلن يخلفه اللّه، {أم تقولون على الله ما لا تعلمون}). [معاني القرآن: 1/160-161]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إلا أياما معدودة} قالوا: نعذب قدر ما عبدنا العجل، أربعين يوما.
وقيل: قالوا: إنما نعذب سبعة أيام، لكل ألف سنة من سني الدنيا يوم، وعمر الدنيا عندهم سبعة آلاف سنة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 30]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({عَهْداً}: وعدا). [العمدة في غريب القرآن: 79]

تفسير قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {بلى من كسب سيّئةً...}
وضعت "بلى" لكل إقرار في أوّله جحد، ووضعت "نعم" للاستفهام الذي لا جحد فيه، فـ"بلى" بمنزلة "نعم" إلا أنها لا تكون إلاّ لما في أوّله جحد؛ قال الله تبارك وتعالى: {فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقاً قالوا نعم} فـ"بلى" لا تصلح في هذا الموضع.
وأما الجحد فقوله: {ألم يأتكم نذيرٌ. قالوا بلى قد جاءنا نذيرٌ} ولا تصلح ها هنا "نعم" أداة؛ وذلك أن الاستفهام يحتاج إلى جواب بـ "نعم" و"لا" ما لم يكن فيه جحدٌ، فإذا دخل الجحد في الاستفهام لم يستقم أن تقول فيه "نعم" فتكون كأنك مقرٌّ بالجحد وبالفعل الذي بعده؛ ألا ترى أنّك لو قلت لقائل قال لك: أما لك مالٌ؟ فلو قلت: "نعم" كنت مقرّاً بالكلمة بطرح الاستفهام وحده، كأنك قلت :"نعم مالي مالٌ"، فأرادوا أن يرجعوا عن الجحد ويقرّوا بما بعده فاختاروا "بلى" لأنّ أصلها كان رجوعا محضاً عن الجحد إذا قالوا: ما قال عبد الله بل زيدٌ، فكانت "بل" كلمة عطف ورجوع لا يصلح الوقوف عليها، فزادوا فيها ألفا يصلح فيها الوقوف عليه، ويكون رجوعا عن الجحد فقط، وإقرارا بالفعل الذي بعد الجحد، فقالوا: "بلى"، فدلّت على معنى الإقرار والإنعام، ودل لفظ "بل" على الرجوع عن الجحد فقط). [معاني القرآن: 1/52-53]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ثم قال عزّ وجلّ: {بلى من كسب سيّئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون} ردا لقولهم: {لن تمسّنا النّار إلّا أيّاما معدودة}.
وقوله عزّ وجلّ: {وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون} فألحق في هذه الآية، والإجماع أن هذا لليهود خاصة لأنه عزّ وجلّ في ذكرهم،
وقد قيل: {من كسب سيئة}: الشرك باللّه، {وأحاطت به خطيئته}: الكبائر، والذي جرى في هذه الأقاصيص إنما هو إخبار عن اليهود).
[معاني القرآن: 1/162]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلاّ اللّه...}
رفعت {تعبدون} لأنّ دخول "أن" يصلح فيها، فلمّا حذف الناصب رفعت، كما قال الله: {أفغير اللّه تأمرونّي أعبد} (قرأ الآية)، وكما قال: {ولا تمنن تستكثر}، وفي قراءة عبد الله "ولا تمنن أن تستكثر" فهذا وجهٌ من الرفع، فلما لم تأت بالناصب رفعت، وفي قراءة أبيّ: "وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدوا" ومعناها الجزم بالنهى، وليست بجواب لليمين، ألا ترى أنه قد قال: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطّور خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ} فأمروا، والأمر لا يكون جوابا لليمين؛ لا يكون في الكلام أن تقول: واللّه قم، ولا أن تقول: والله لا تقم، ويدلّ على أنه نهىٌ وجزمٌ أنه قال: {وقولوا للنّاس حسناً} كما تقول: افعلوا ولا تفعلوا، أو لا تفعلوا وافعلوا، وإن شئت جعلت {لا تعبدون} جوابا لليمين؛ لأنّ أخذ الميثاق يمينٌ، فتقول: لا يعبدون، ولا تعبدون، والمعنى واحد.
وإنّما جاز أن تقول (لا يعبدون) و(لا تعبدون) وهم غيّبٌ، كما قال: "قل للّذين كفروا سيغلبون" و"ستغلبون" بالياء والتاء؛ "سيغلبون" بالياء على لفظ الغيب، والتّاء على المعنى؛ لأنه إذا أتاهم أو لقيهم صاروا مخاطبين، وكذلك قولك: استحلفت عبد الله ليقومنّ؛ لغيبته، واستحلفته لتقومنّ، لأني قد كنت خاطبته، ويجوز في هذا: استحلفت عبد الله لأقومنّ؛ أي: قلت له احلف لأقومنّ، كقولك: قل لأقومنّ، فإذا قلت: استحلفت، فأوقعت فعلك على مستحلفٍ جاز فعله أن يكون بالياء والتاء والألف، وإذا كان هو حالفا وليس معه مستحلف كان بالياء وبالألف ولم يكن بالتاء؛ من ذلك: حلف عبد الله ليقومنّ فلم يقم، وحلف عبد الله لأقومنّ؛ لأنهّ كقولك: قال لأقومنّ، ولم يجز بالتّاء؛ لأنه لا يكون مخاطبا لنفسه؛ لأنّ التاء لا تكون إلاّ لرجل تخاطبه، فلما لم يكن مستحلفٌ سقط الخطاب.
وقوله: {قالوا تقاسموا باللّه لنبيّننّه وأهله} فيها ثلاثة أوجهٍ: "لتبيّتنّه" و"ليبيّتنّه" و"لنبيّتنّه" بالتاء والياء والنون، إذا جعلت "تقاسموا" على وجه فعلوا، فإذا جعلتها في موضع جزمٍ قلت: تقاسموا لتبيتنه ولنبيتنه، ولم يجز بالياء، ألا ترى أنكّ تقول للرجل: احلف لتقومنّ، أو احلف لأقومنّ، كما تقول: قل لأقومنّ، ولا يجوز أن تقول للرّجل: احلف ليقومنّ، فيصير كأنّه لآخر، فهذا ما في اليمين). [معاني القرآن: 1/53-45]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلاّ اللّه وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للنّاس حسناً وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة ثمّ تولّيتم إلاّ قليلاً مّنكم وأنتم مّعرضون}
قوله: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلاّ اللّه} وقوله: {وبالوالدين إحساناً} فجعله أمراً، كأنّه يقول: "وإحساناً بالوالدين" أي: "أحسنوا إحسانا".
وقال: {وقولوا للنّاس حسناً} فهو على أحد وجهين؛ إمّا أن يكون يراد بـ"الحُسْنِ": "الحَسَنُ" كما تقول: "البَخَل" و"البُخْل"، وإمّا أن يكون جعل "الحُسْن" هو "الحَسَن" في التشبيه كما تقول: "إنّما أنت أكلٌ وشربٌ"، قال الشاعر:

وخيلٍ قد دلفتٌ لها بخيلٍ = تحيّة بينهم ضربٌ وجيعٌ
"دلفت": "قصدت" فجعل التحية ضربا، وهذه الكلمة في الكلام ليست بكثيرة وقد جاءت في القرآن.
وقد قرأها بعضهم (حَسَنًا) يريد: "قولوا لهم حسناً"، وقال بعضهم (قولوا للناس حسنى) يؤنثها ولم ينّونها، وهذا لا يكاد يكون لا "الحسنى" لا يتكلم بها إلا بالألف واللام، كما لا يتلكم بتذكيرها إلا بالألف واللام [فـ] لو قلت: "جاءني أحسن وأطول" لم يحسن حتّى تقول: "جاءني الأحسن والأطول" فكذلك هذا يقول: "جاءتني الحسنى والطولى"، إلاّ أنهم قد جعلوا أشياء من هذا أسماء نحو "دنيا" و"أولى"، قال الراجز:
في سعي دنيا طال ما قد مدّت
ويقولون: "هي خيرة النساء" ["هنّ خيرات النّساء"] لا يكادون يفردونه وإفراده جائز، وفي كتاب الله عز وجل: {فيهنّ خيراتٌ حسان} وذلك أنه لم يرد "أفعل" وإنما أراد تأنيث الخير لأنه لما وصف فقال: "فلان خيرٌ" أشبه الصفات فأدخل الهاء للمؤنث.
وأما قوله: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل} ثم قال: {وقولوا للنّاس حسناً} ثم قال: {ثمّ تولّيتم إلا قليلا منكم} فلأنه خاطبهم من بعدما حدث عنهم وذا في الكلام والشعر كثير، قال الشاعر:

أسيئي بنا أو أحسني لا ملومةٌ = لدينا ولا مقليةٌ إن تقلّب
وإنما يريدون: "تقلّيت"، وقال الآخر:

شطّت مزار العاشقين فأصبحت = عسراً عليّ طلابك ابنةٌ مخرم
إنّما أراد: "فأصبحت ابنة مخرمٍ عسراً على طلابها"، وجاز أن يجعل الكلام كأنه خاطبها لأنه حين قال: "شطّت مزار العاشقين" كأنه قال: "شططت مزار العاشقين" لأنه إيّاها يريد بهذا الكلام، ومثله مما يخرج من أوله قوله:
إنّ تميماً خلقت ملموما
فأراد القبيلة بقوله: "خلقت" ثم قال "ملموما" على الحي أو الرجل، ولذلك قال:
مثل الصّفا لا تشتكي الكلوما
ثم قال:
قوماً ترى واحدهم صهميما
فجاء بالجماعة لأنه أراد القبيلة أو الحي، ثم قال:
لا راحم الناس ولا مرحوما
وقال الشاعر:

أقول له والرمح يأطرمتنه = تأمّل خفافاً إنّني أنا ذلكا
و "تبيّن خفافاً"، يريد: "أنا هو"، وفي كتاب الله عز وجل: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} فأخبر بلفظ الغائب وقد كان في المخاطبة لأن ذلك يدل على المعنى، وقال الأسود:

وجفنةٍ كإزاء الحوض مترعةٍ = ترى جوانبها بالشّحم مفتونا
فيكون على أنه حمله على المعنى، أي: ترى كلّ جانبٍ منها، أو جعل صفة الجميع واحدا كنحو ما جاء في الكلام، وقوله "مأطر متنه" يثنى متنه. وكذلك {الحمد للّه ربّ العالمين} ثم قال: {إيّاك نعبد} لأن الذي أخبر عنه هو الذي خاطب، قال رؤبة:

الحمد للّه الأعزّ الأجلل = أنت مليك الناس ربّاً فاقبل
وقال زهير:

فإنّي لو ألاقيك اجتهدنا = وكان لكلّ منكرةٍ كفاء
فأبرئ موضحات الرأس منه = وقد يشفى من الجرب الهناء
وقال الله تبارك وتعالى: {ذوقوا فتنتكم هذا الّذي كنتم به تستعجلون} فذكّر بعد التأنيث، كأنه أراد: هذا الأمر الذي كنتم به تستعجلون، ومثله {فلماّ رأى الشّمس بازغةً قال هذا ربّي هذا أكبر فلمّا أفلت} فيكون هذا على: الذي أرى ربّي، أي: هذا الشيء ربي، وهذا يشبه قول المفسرين {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} قال: إنّما دخلت "إلى" لأن معنى "الرفث" و"الإفضاء" واحد، فكأنه قال: "الإفضاء إلى نسائكم"، وإنما يقال: "رفث بامرأته" ولا يقال: "إلى امرأته"، وذا عندي كنحو ما يجوز من "إلى" في مكان "الباء" ، في مكانها، وفي مكان "على" في قوله: {فأثابكم غمّاً بغمٍّ} إنما هو "غمّاً على غمٍّ" [وقوله] {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطارٍ} أي: "على قنطارٍ"، كما تقول: "مررت به" و"مررت عليه"، كما قال الشاعر -وأخبرني من أثق به أنه سمعه من العرب-:

إذا رضيت عليّ بنو قشيرٍ = لعمر اللّه أعجبني رضاها
يريد: "عنى"، وذا يشبه {وإذا خلوا إلى شياطينهم} لأنك تقول: "خلوت إليه وصنعنا كذا وكذا" و"خلوت به"، وإن شئت جعلتها في معنى قوله: {من أنصاري إلى اللّه} أي: "مع اللّه"، وكما قال: {ونصرناه من القوم} أي: "على القوم"). [معاني القرآن: 1/97-100]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): (و"الميثاق": العهد). [غريب القرآن وتفسيره: 75]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلّا اللّه} أمرناهم بذلك فقبلوه، وهو أخذ الميثاق عليهم.
{وبالوالدين إحساناً} أي: وصّيناهم بالوالدين إحسانا، مختصر كما قال: {وقضى ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه وبالوالدين إحساناً} أي: ووصى بالوالدين). [تفسير غريب القرآن: 56]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلّا اللّه وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للنّاس حسنا وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة ثمّ تولّيتم إلّا قليلا منكم وأنتم معرضون} القراءة على ضربين، (تعبدون) و(يعبدون) بالياء والتاء، وقد روي وجه ثالث لا يؤخذ به لأنه مخالف للمصحف، قرأ ابن مسعود: (لا تعبدوا).
ورفع {لا تعبدون} -بالتاء- على ضربين، على أن يكون (لا) جواب القسم لأن أخذ الميثاق بمنزلة القسم، والدليل على ذلك قوله: {وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للنّاس} فجاء جواب القسم باللام فكذلك هو بالنفي بـ"لا"، ويجوز أن يكون رفعه على إسقاط "أن" على معنى "ألا تعبدوا" فلما سقطت "أن" رفعت، وهذا مذهب الأخفش وغيره من النحويين،
فأما القراءة بالتاء؛ فعلى معنى الخطاب والحكاية، كأنّه قيل: قلنا لهم لا تعبدون إلا الله، وأمّا (لا يعبدون) بالياء فإنهم غيب، وعلامة الغائب الياء.
ومعنى "أخذ الميثاق والعهد" قد بيّناه قبل هذا الموضع.
وقوله عزّ وجلّ: {وبالوالدين إحسانا} نصب على معنى: وأحسنوا بالوالدين إحسانا، بدل من اللفظ (أحسنوا).
{وذي القربى واليتامى}: جمع على فعالى، كما جمع أسير على أسارى، يقال: يَتِم يَيْتَم يُتْمًا ويَتْمًا إذا فقد أباه، هذا للإنسان فأمّا غيره فيتمه من قبل أمه.
أخبرني بذلك محمد بن يزيد، عن الرياشي، عن الأصمعي: إن اليتيم في الناس من قبل الأب، وفي غير الناس من قبل الأم،
{والمساكين} مأخوذ من السكون، وأحدهم مسكين كأنّه قد أسكنه الفقر.
وقوله عزّ وجلّ: {وقولوا للنّاس حسنا} فيها ثلاثة أقوال:
(حسْنًا) بالتنوين وإسكان السين، و(حسَنًا) بالتنوين وفتح السين، وروى الأخفش (حسنى) غير منون.
فأما الوجهان الأولان؛ فقرأهما الناس، وهما جيدان بالغان في اللغة، وأما "حسنى" فكان لا ينبغي أن يقرأ به لأنه باب الأفعل والفعلى، نحو الأحسن والحسنى، والأفضل والفضلى، لا يستعمل إلا بالألف واللام، كما قال اللّه عزّ وجلّ: {إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى} وقال: {للّذين أحسنوا الحسنى وزيادة}.
وفي قوله {حسنا} بالتنوين قولان:
المعنى: قولوا للناس قولا ذا حسن، وزعم الأخفش أنّه يجوز أن يكون (حُسْنًا) في معنى (حَسَنًا)، فأمّا (حُسْنًا) فصفة، المعنى: قولا حسنا،
وتفسير: {قولوا للناس حسنا} مخاطبة لعلماء اليهود، قيل لهم: اصدقوا في صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
{وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة} اعلموا أنه قد أخذ عليهم الميثاق وعهد عليهم فيه بالصدق في صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقوله عزّ وجلّ: {ثمّ تولّيتم إلّا قليلا منكم} يعني أوائلهم الذين أخذ عليهم الميثاق،
وقوله {وأنتم معرضون} أي: وأنتم -أيضا- كأوائلكم في الإعراض عمّا عهد إليكم فيه،
ونصب {إلّا قليلا} على الاستثناء، والمعنى: استثني قليلا منكم). [معاني القرآن: 1/162-164]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ("المِيثَاقَ": العهد). [العمدة في غريب القرآن: 79]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({لا تسفكون دماءكم} سفك دمه: أي صبّ دمه، كما يسفح نحي السمن: يهريقه).
[مجاز القرآن: 1/45]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم مّن دياركم ثمّ أقررتم وأنتم تشهدون}
[وقوله] {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم} فرفع هذا، لأنه كلّ ما كان من الفعل على "يفعل هو" و"تفعل أنت" و"أفعلٌ أنا" و"نفعل نحن" فهو أبداً مرفوع، لا تعمل فيه إلا الحروف التي ذكرت لك من حروف النصب أو حروف الجزم والأمر والنهي والمجازاة، وليس شيء من ذلك ههنا وإنما رفع لموقعه في موضع الأسماء، ومعنى هذا الكلام حكاية، كأنه قال: "استحلفناهم لا يعبدون" أي: قلنا لهم: "واللّه لا تعبدون"، وذلك أنها تقرأ (يعبدون) و{تعبدون}.
قال: {وحفظاً مّن كلّ شيطان مّاردٍ * لاّ يسّمّعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون} فإن شئت جعلت "لا يسّمّعون" مبتدأ، وإن شئت قلت: هو في معنى "أن لا لا يسّمّعوا" فلما حذفت "أن" ارتفع، كما تقول: "أتيتك تعطيني وتحسن إليّ وتنظر في حاجتي"، ومثله: "مره يعطيني" إن شئت جعلته على "فهو يعطيني"، وإن شئت على "أن يعطيني"، فلما ألقيت "أن" ارتفع، قال الشاعر:

ألا أيّهذا الزاجري أحضر الوغي = وأن أتبع اللّذّات هل أنت مخلدي
فـ"أحضر" في معنى "أن أحضر"). [معاني القرآن: 1/100-101]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم} أي: لا يسفك بعضكم دم بعض.
{ولا تخرجون أنفسكم من دياركم} أي: لا يخرج بعضكم بعضا من داره ويغلبه عليها.
{ثمّ أقررتم} أي: ثمّ قبلتم ذلك وأقررتم به.
{وأنتم تشهدون} على ذلك). [تفسير غريب القرآن:56-57]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثمّ أقررتم وأنتم تشهدون} يقال: سفكت الدم أسفكه سفكا إذا صببته، ورفع {لا تسفكون} على القسم، وعلى حذف "أن" كما وصفنا في قوله: {لا تعبدون}، ومثل حذف "أن" قول طرفة:

ألا أيّهذا الزاجري أحضر الوغى= وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
وواحد الدماء دم -يا هذا- مخفف، وأصله "دمى" في قول أكثر النحويين، ودليل من قال إن أصله دمي قول الشاعر:

فلو أنّا على حجر ذبحنا= جرى الدّميان بالخبر اليقين
وقال قوم: أصله "دمي" إلا إنّه لما حذف ورد إليه ما حذف منه حركت الميم لتدل الحركة على أنه استعمل محذوفا.
وقوله عز وجل: {ولا تخرجون أنفسكم من دياركم} عطف على {لا تسفكون دماءكم}.
وقوله: {ثم أقررتم} أي: اعترفتم بأن هذا أخذ عليكم في العهد وأخذ على آبائكم، وأنتم أيها الباقون المخاطبون تشهدون أن هذا حق).
[معاني القرآن: 1/164-165]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لا تسفكون دماءكم} أي: لا يسفك بعضكم دماء بعض، وكذلك {ولا تخرجون أنفسكم من دياركم}). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 30]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وهو محرّمٌ عليكم إخراجهم...}
إن شئت جعلت {هو} كناية عن الإخراج، {وتخرجون فريقاً مّنكم مّن ديارهم} أي: وهو محرّم عليكم؛ يريد: إخراجهم محرّم عليكم، ثم أعاد الإخراج مرة أخرى تكريرا على "هو" لمّا حال بين الإخراج وبين "هو" كلامٌ، فكان رفع الإخراج بالتكرير على "هو" وإن شئت جعلت "هو" عمادا ورفعت الإخراج بـ{محرم}؛ كما قال الله جل وعزّ: {وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر} فالمعنى -والله أعلم-: ليس بمزحزحه من العذاب التّعمير؛ فإن قلت: إن العرب إنما تجعل العماد في الظّنّ لأنّه ناصب، وفي "كان" و"ليس" لأنهما يرفعان، وفي "إنّ" وأخواتها لأنهن ينصبن، ولا ينبغي للواو وهي لا تنصب ولا ترفع ولا تخفض أن يكون لها عمادٌ،
قلت: لم يوضع العماد على أن يكون لنصب أو لرفع أو لخفض، إنما وضع في كل موضع يبتدأ فيه بالاسم قبل الفعل، فإذا رأيت الواو في موضع تطلب الاسم دون الفعل صلح في ذلك العماد؛ كقولك: أتيت زيدا وأبوه قائم، فقبيحٌ أن تقول: أتيت زيدا وقائم أبوه، وأتيت زيدا ويقوم أبوه؛ لأنّ الواو تطلب الأب، فلما بدأت بالفعل وإنما تطلب الواو الاسم أدخلوا لها "هو" لأنّه اسمٌ .
قال الفراء: سمعت بعض العرب يقول: كان مرّة وهو ينفع النّاس أحسابهم، وأنشدني بعض العرب:

فأبلغ أبا يحيى إذا ما لقيته = على العيس في آباطها عرقٌ يبس
بأنّ السّلامي الذي بضريّةٍ = أمير الحمى قد باع حقّي بني عبس
بثوبٍ ودينارٍ وشاةٍ ودرهمٍ = فهل هو مرفوعٌ بما ها هنا رأس
فجعل مع "هل" العماد وهي لا ترفع ولا تنصب؛ لأن "هل" تطلب الأسماء أكثر من طلبها فاعلا؛ قال: وكذلك "ما" و"أمّا"، تقول: ما هو بذاهب أحدٌ، وأمّا هو فذاهبٌ زيد، لقبح أمّا ذاهب فزيد). [معاني القرآن: 1/50-52]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً مّنكم مّن ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرّمٌ عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلاّ خزيٌ في الحياة الدّنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ الّعذاب وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون}
قال: (تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان) فجعلها من "تتظاهرون" وأدغم التاء في الظاء وبها نقرأ، وقد قرئت {تظاهرون} مخففة بحذف التاء الآخرة لأنّها زائدة لغير معنى، وقال: (وإن يأتوكم أسرى) وقرئت {أسارى}، وذلك لأن "أسير" "فعيل"، وهو يشبه "مريضاً" لأنّ به عيبا كما بالمريض، وهذا "فعيل" مثله، وقد قالوا في جماعة "المريض": "مرضى"، وقالوا: "أسارى" فجعلوها مثل "سكارى" و"كسالى"، لأنّ جمع "فعلان" الذي به علة قد يشارك جمع "فعيل" وجمع "فعل" نحو: "حبطٌ" و"حبطى" و"حباطى" و"حبجٌ" و"حبجى" و"حباجى"، وقد قالوا: "أسارى" كما قالوا: "سكارى".
وقال بعضهم: (تفدوهم) من "تفدى"، وبعضهم: {تفادوهم} من "فادى" يفادي" وبها نقرأ، وكل ذلك صواب.
وقال: {فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلاّ خزيٌ}، وقال: {ما هذا إلاّ بشرٌ مّثلكم} و{وما أمرنا إلاّ واحدةٌ} رفع، لأن كل ما لا تحسن فيه الباء من خبر "ما" فهو رفع، لأن "ما" لا تشبه في ذلك الموضع بالفعل، وإنما تشبه بالفعل في الموضع الذي تحسن فيه الباء، لأنها حينئذ تكون في معنى "ليس" لا يشركها معه شيء، وذلك قول الله عز وجل: {ما هذا بشراً}، وتميم ترفعه، لأنه ليس من لغتهم أن يشبهوا "ما" بالفعل.
وقال: {ثمّ أنتم هؤلاء} وفي موضع آخر {ها أنتم هؤلاء} كبعض ما ذكرنا وهو كثير في كلام العرب، وردّد التنبيه توكيدا، وتقول: "ها أنا هذا" و"ها أنت هذا" فتجعل "هذا" للذي يخاطب، وتقول: "هذا أنت"، وقد جاء أشد من ذا، قال الله عز وجل: {ما إنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوّة} والعصبة هي تنوء بالمفاتيح، قال:

تنوء بها فتثقلها = عجيزتها......
يريد: "تنوء بعجزيتها"، أي: "لا تقوم إلا جهدا بعد جهد"، قال الشاعر:

مثل القنافذ هدّاجون قد بلغت = نجران أو بلغت سوآتهم هجر
وهو يريد أن السوآت بلغت هجراً، و"هجر" رفعٌ لأنّ القصيدة مرفوعة، ومثل ذا قول الشاعر:

وتلحق خيلٌ لا هوادة بينها = وتشقى الرّماح بالضياطرة الحمر
والضياطرة هم يشقون بالرماح، و"الضياطرة" هم العظام وواحدهم "ضيطار" مثل "بيطار"، ومثل قول الشاعر:

لقد خفت حتّى ما تزيد مخافتي = على وعلٍ بذي الفقارة عاقل
يريد: حتى ما تزيد مخافة وعلٍ على مخافتي). [معاني القرآن: 1/101-103]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} وقد بينت معنى هذه الآية في المشكل.
{تظاهرون}: تعاونون، والتّظاهر: التعاون، ومنه قوله: {إن تتوبا إلى اللّه فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه} أي: تعاونا عليه، و"اللّه ظهير" أي: عون. وأصل التّظاهر من الظّهر، فكأنّ التظاهر: أن يجعل كلّ واحد من الرجلين أو من القوم، الآخر له ظهرا يتقوّى به ويستند إليه).
[تفسير غريب القرآن: 57]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرّم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلّا خزي في الحياة الدّنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب وما اللّه بغافل عمّا تعملون}
{ثم أنتم هؤلاء} الخطاب وقع لليهود من بني قريظة وبني النضير لأنهم نكثوا، فقتل بعضهم بعضا، وأخرج بعضهم بعضا من ديارهم وهذا نقض عهدهم
وقوله عزّ وجلّ: {تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان} قرئت بالتخفيف والتشديد، {تظاهرون} و(تظّاهرون)، فمن قرأ بالتشديد؛ فالأصل فيه (تتظاهرون) فأدغم التاء في الظاء لقرب المخرجين، ومن قرأ بالتخفيف؛ فالأصل فيه -أيضا- (تتظاهرون) فحذفت التاء الثانية لاجتماع تاءين.
وتفسير {تظاهرون}: تتعاونون، يقال: قد ظاهر فلان فلانا إذا عاونه، منه قوله {وكان الكافر على ربه ظهيرا} أي: معينا.
وقوله عزّ وجلّ: {بالإثم والعدوان} العدوان: الإفراط في الظلم؛ ويقال: عدا فلان في ظلمه عدوا وعدوا وعدوانا وعداء، هذا كله معناه: المجاوزة في الظلم. وقوله عزّ وجلّ: {ولا تعدوا في السّبت} إنما هو من هذا، أي: لا تظلموا فيه.
وقوله عزّ وجلّ: {وإن يأتوكم أسارى تفادوهم} القراءة في هذا على وجوه:
(أسرى تَفْدوهم) و(أسرى تُفَادوهم)، و(أُسَارى تفادوهم)، ويجوز (أَسَارى) ولا أعلم أحد قرأ بها، وأصل الجمع "فُعالى".
أعلم الله مناقضتهم في كتابه وأنه قد حرّم عليهم قتلهم وإخراجهم من ديارهم، وأنهم يفادونهم إذا أسروا ويقتلونهم ويخرجونهم من ديارهم، فوبّخهم فقال: {فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلّا خزي في الحياة الدّنيا} يعني: ما نال بني قريظة وبني النضير، لأن بني النضير أجلوا إلى الشام،
و(بني) قريظة أبيدوا -حكم فيهم بقتل المقاتلة وسبي الذراري- فقال الله عزّ وجلّ: {ذلك لهم خزي في الدّنيا}، ولغيرهم من سائر الكفار: الخزي في الدنيا: القتل وأخذ الجزية مع الذلة والصغار.
ثم أعلم اللّه عزّ وجلّ أن ذلك غير مكفر عن ذنوبهم، وأنهم صائرون بعد ذلك إلى عذاب عظيم، فقال: {ذلك لهم خزي في الدّنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب وما اللّه بغافل عمّا تعملون}.
ومعنى {ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم}
{هؤلاء} في معنى "الذين"، و{تقتلون} صلة لـ{هؤلاء}، كقولك: ثم أنتم الذين تقتلون أنفسكم، ومثله قوله: {وما تلك بيمينك يا موسى}.
وقوله عزّ وجلّ: {وهو محرم عليكم إخراجهم}
{هو} على ضربين:
جائز أن يكون بإضمار الإخراج الذي تقدم ذكره، قال: {وتخرجون فريقا منكم من ديارهم ... وهو محرم عليكم إخراجهم}، ثم بين -لتراخي الكلام- أن ذلك الذي حرم الإخراج.
وجائز أن يكون للقصة والحديث والخبر، كأنه قال: والخبر محرم عليكم إخراجهم، كما قال عزّ وجلّ: {قل هو اللّه أحد} أي: الأمر الذي هو الحق توحيد اللّه عزّ وجلّ .
{خزي} يقال في الشر والسوء: خزي الرجل خزيا، ويقال في الحياء: خزي يخزي خزاية.
ومعنى {يردون إلى أشد العذاب}، و{عذاب عظيم}، و{عذاب أليم} أن العذاب على ضربين، على قدر المعاصي.
والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ: {فأنذرتكم نارا تلظّى * لا يصلاها إلّا الأشقى * الّذي كذّب وتولّى} فهذه النار الموصوفة ههنا لا يدخلها إلا الكفار). [معاني القرآن: 1/165-168]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ):{تظاهرون}: تعاونون). [ياقوتة الصراط: 175]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ):{الخزي}: المباعدة من الخير). [ياقوتة الصراط: 175]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تظاهرون} أي: تعاونون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 30]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تَظَاهَرُونَ}: تعاونون). [العمدة في غريب القرآن: 79]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)}


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 ذو الحجة 1431هـ/30-11-2010م, 12:39 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من87 إلى 91]

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88) وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)}

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وقفّينا} أي: أردفنا من يقفوه.
{وأيّدناه بروح القدس} أي: شدّدناه وقوّيناه، ورجل ذو أيد وذو آد: أي قوة، والله تبارك وتعالى ذو الأيد، قال العجاج:

من أن تبدّلت بآدى آدا
{والسّماء بنيناها بأيدٍ} أي: بقوة). [مجاز القرآن: 1/45-46]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({وقفينا}: أردفنا، من قفا أثره يقفو.
{وأيدناه}: قويناه، يقال: رجل ذو أيد، ومنه {والسماء بنيناها بأيد} أي: بقوة). [غريب القرآن وتفسيره: 75]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وقفّينا من بعده بالرّسل} أي: أتبعناه بهم وأردفناه إيّاهم، وهو من القفا مأخوذ، ومنه يقال: "قفوت الرجل" إذا سرت في أثره). [تفسير غريب القرآن: 57]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولقد آتينا موسى الكتاب وقفّينا من بعده بالرّسل وآتينا عيسى ابن مريم البيّنات وأيّدناه بروح القدس أفكلّما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذّبتم وفريقا تقتلون}
{ولقد آتينا موسى الكتاب} يعني: التوراة.
وقوله {وقفّينا من بعده بالرّسل} أي: أرسلنا رسولا يقفو رسولا في دعائه إلى توحيد اللّه والقيام بشرائع دينه، يقال من ذلك: "فلان يقفو فلانا" إذا أتبعه.
وقوله عزّ وجلّ: {وآتينا عيسى ابن مريم البيّنات}
معنى {آتينا}: أعطينا، ومعنى {البيّنات}: الآيات التي يعجز عنها المخلوقون مما أعطيه عيسى -صلى الله عليه وسلم- من إحيائه الموتى وإبرائه الأكمه والأبرص.
وقوله عزّ وجلّ: {وأيّدناه بروح القدس}
معني "أيّدنا" في اللغة: قوينا وشددنا، قال الشاعر:
من أن تبدّلت بآد آدا
يريد :من أن تبدلت بأيد آدا، يريد بقوة قوة الأد والأيد القوة.
وقوله عزّ وجلّ {بروح القدس} "روح القدس": جبريل عليه السلام، و"القدس": الطهارة، وقد بيّناه.
وقوله عزّ وجلّ: {أفكلّما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم} نصب "كلما" كنصب سائر الظروف، ومعنى {استكبرتم}: أنفتم وتعظمتم من أن تكونوا أتباعا، لأنهم كانت لهم رياسة، وكانوا متبوعين فآثروا الدنيا على الآخرة). [معاني القرآن: 1/168-169]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (و"القدس": الطهر، ومنه قولنا: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ، أي: طُهْرٌ طُهْرٌ).
[ياقوتة الصراط:175-176]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وقفينا من بعده بالرسل} أي: أتبعناه وأردفناه، من قفوت أثره). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 30]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَقَفَّيْنَا}: أتبعنا، {وَأَيَّدْنَاهُ}: قويناه). [العمدة في غريب القرآن: 79]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فقليلاً مّا يؤمنون...} يقول القائل: هل كان لهم قليلٌ من الإيمان أو كثيرٌ؟
ففيه وجهان من العربية:
أحدهما: ألاّ يكونوا آمنوا قليلا ولا كثيرا، ومثله مما تقوله العرب بالقلّة على أن ينفوا الفعل كلّه قولهم: قلّ ما رأيت مثل هذا قطّ، وحكى الكسائي عن العرب: مررت ببلادٍ قلّ ما تنبت إلاّ البصل والكرّاث، أي: ما تنبت إلاّ هذين، وكذلك قول العرب: ما أكاد أبرح منزلي؛ وليس يبرحه وقد يكون أن يبرحه قليلا.
والوجه الآخر: أن يكونوا يصدقون بالشيء قليلا ويكفرون بما سواه -بالنبي صلى الله عليه وسلم- فيكونون كافرين؛ وذلك أنه يقال: من خلقكم؟ ومن رزقكم؟ فيقولون الله تبارك وتعالى، ويكفرون بما سواه: بالنبي صلى الله عليه وسلم وبآيات الله، فذلك قوله: {قليلاً ما يؤمنون}. وكذلك قال المفسرون في قول الله: {وما يؤمن أكثرهم باللّه إلاّ وهم مشركون} على هذا التفسير). [معاني القرآن: 1/59-60]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({قلوبنا غلفٌ} كل شيء في غلاف، ويقال: سيفٌ أغلف، وقوسٌ غلفاء، ورجل أغلف: إذا لم يختتن.
{قلوبنا في أكنّةٍ} أي: في أغطية واحدها كنان، قال عمر بن أبي ربيعة:

تحت عينٍ كنانها = ظلّ بردٍ مرحّل
{لعنهم الله} أي: أطردهم وأبعدهم، قالوا: ذئبٌ لعين، أي: مطرود مبعد، وقال الشمّاخ:

ذعرت به القطا ونفيت عنه = مقام الذئب كالرجل اللّعين
يريد: مقام الذئب اللعين كالرجل). [مجاز القرآن: 1/46]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وقالوا قلوبنا غلفٌ بل لّعنهم اللّه بكفرهم فقليلاً مّا يؤمنون}
قال: {فقليلاً مّا يؤمنون} وتفسيره: "فقليلاً يؤمنون" و"ما" زائدة، كما قال: {فبما رحمةٍ مّن اللّه لنت لهم} يقول: "فبرحمةٍ من اللّه"، وقال: {إنّه لحقٌّ مّثل ما أنّكم تنطقون} أي: لحقٌّ مثل أنّكم تنطقون وزيادة "ما" في القرآن والكلام نحو ذا كثير، قال:

لو بأبانين جاء يخطبها = خضّب ما أنف خاطبٍ بدم
أي: خضّب بدمٍ أنف خاطبٍ). [معاني القرآن: 1/103]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({قلوبنا غلف} أي: في أغطية، ومنه قلب أغلف، ورجل أغلف: إذا كان غير مختون.
{لعنهم الله}: أطردهم الله وأبعدهم، يقال: ذئب لعين، أي: مطرود). [غريب القرآن وتفسيره: 75]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({قلوبنا غلفٌ} جمع أغلف، أي: كأنّها في غلاف لا تفهم عنك ولا تعقل شيئا مما تقول، وهو مثل قوله: {قلوبنا في أكنّةٍ ممّا تدعونا إليه}، يقال: غلّفت السيف: إذا جعلته في غلاف، فهو سيف أغلف، ومنه قيل لمن لم يختن: أغلف.
ومن قرأه (غُلُفٌ) أراد جمع غلاف، أي: هي أوعية للعلم). [تفسير غريب القرآن:57-58]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم اللّه بكفرهم فقليلا ما يؤمنون}
تقرأ على وجهين (غُلْف) و(غُلُف)، وأجود القراءتين (غُلْف) بإسكان اللام، لأن له شاهدا من القرآن، ومعنى (غُلْف): ذوات غلف، الواحد منها أَغْلَف وغُلْف مثل أحمر وحُمْر، فكأنهم قالوا: قلوبنا في أوعية، والدليل على ذلك قوله: {وقالوا قلوبنا في أكنّة ممّا تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب}.
ومن قرأ (غُلُف) فهو جمع غلاف وغُلُف، مثل: مثال ومُثُل، وحِمار وحُمُر، فيكون معنى هذا: إن قلوبنا أوعية للعلم،
والأول أشبه؛ ويجوز أن تسكن (غُلُف) فيقال: غُلْف، كما يقال في جمع مثال: مُثْل.
فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن الأمر على خلاف ما قالوا فقال: {بل لعنهم اللّه بكفرهم} معنى {لعنهم} في اللغة: أبعدهم،
فالتأويل -واللّه أعلم-: بل طبع اللّه على قلوبهم، كما قال: {ختم اللّه على قلوبهم}، ثم أخبر عزّ وجلّ أن ذلك مجازاة منه لهم على كفرهم، فقال: {بل لعنهم اللّه بكفرهم}، واللعن -كما وصفنا-: الإبعاد، قال الشّمّاخ:

وماء قد وردت لوصل أروى = عليه الطير كالورق اللّجين
ذعرت به القطا ونفيت عنه = مقام الذئب كالرجل اللّعين
). [معاني القرآن: 1/169-170]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (و"اللعن": الطرد من الخير). [ياقوتة الصراط: 176]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( و(غُلْف) جمع "أغلف" أي: كأنها في غلاف، مغلقة لا تفهم ولا تعقل عنك شيئا، ومن قرأ (غُلُف) جمع غلاف، أي: غلف للعلم، أي: أوعية، ويجوز أن يكون من أسكن اللام أراد: جمع غلاف، وأسكن تخفيفا).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 31]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({غُلْفٌ}: في أغطية، {لَّعَنَهُمُ}: باعدهم). [العمدة في غريب القرآن:79-80]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولمّا جاءهم كتابٌ مّن عند اللّه مصدّقٌ...}
[إن شئت] رفعت الـ"مصدّق" ونويت أن يكون نعتاً للكتاب لأنّه نكرةٌ، ولو نصبته على أن تجعل الـ"مصدّق" فعلا للكتاب لكان صوابا، وفي قراءة عبد الله في آل عمران: "ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقاً" فجعله فعلا، وإذا كانت النكرة قد وصلت بشيء سوى نعتها ثم جاء النّعت، فالنّصب على الفعل أمكن منه إذا كانت نكرة غير موصولةٍ، وذلك لأنّ صلة النكرة تصير كالموقّتة لها، ألا ترى أنك إذا قلت: مررت برجل في دارك، أو بعبدٍ لك في دارك، فكأنّك قلت: بعبدك أو بسايس دابّتك، فقس على هذا؛ وقد قال بعض الشعراء:

لو كان حيّ ناجياً لنجا = من يومه المزلّم الأعصم
فنصب ولم يصل النّكرة بشيء وهو جائزٌ.
فأما قوله: {وهذا كتابٌ مصدّقٌ لساناً عربيّاً} فإنّ نصب "الّلسان" على وجهين:
أحدهما: أن تضمر شيئا يقع عليه الـ"مصدّق"، كأنك قلت: وهذا يصدّق التوراة والإنجيل لساناً عربيّاً لأنّ التوراة والإنجيل لم يكونا عربيّين فصار اللسان العربيّ مفسّرا.
وأما الوجه الآخر: فعلى ما فسّرت لك لما وصلت الـ"كتاب" بالـ"مصدّق" أخرجت "لساناً" ممّا في "مصدّق" من الرّاجع من ذكره،
ولو كان "الّلسان" مرفوعا لكان صواباً؛ على أنه نعتٌ وإن طال). [معاني القرآن: 1/55-56]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فلمّا جاءهم مّا عرفوا كفروا به...} وقبلها " ولمّا"، وليس للأولى جوابٌ، فإن الأولى صار جوابها كأنه في الفاء التي في الثانية، وصارت {كفروا به} كافية من جوابهما جميعا.
ومثله في الكلام: ما هو إلاّ أن أتاني عبد الله فلما قعد أوسعت له وأكرمته، ومثله قوله: {فإمّا يأتينّكم منّي هدىً فمن تبع هداي} في البقرة، {فمن اتّبع هداي} في "طه"، اكتفى بجوابٍ واحد لهما جميعا {فلا خوفٌ عليهم} في البقرة، {فلا يضلّ ولا يشقى} في "طه"، وصارت الفاء في قوله: {فمن تبع} كأنها جواب لـ"إمّا"، ألا ترى أنّ الواو لا تصلح في موضع الفاء، فذلك دليلٌ على أن الفاء جواب وليست بنسقٍ).
[معاني القرآن: 1/59]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({يستفتحون}: يستنصرون). [مجاز القرآن: 1/47]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ولمّا جاءهم كتابٌ مّن عند اللّه مصدّقٌ لّما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا فلمّا جاءهم مّا عرفوا كفروا به فلعنة اللّه على الكافرين}
قال: {ولمّا جاءهم كتابٌ مّن عند اللّه مصدّقٌ لّما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا فلمّا جاءهم مّا عرفوا كفروا به}
فإن قيل: فأين جواب {ولمّا جاءهم كتابٌ مّن عند اللّه مصدّقٌ لّما معهم}؟
قلت: جوابه في القرآن كثير، [و] استغني عنه في هذا الموضع إذ عرف معناه، كذلك جميع الكلام إذا طال تجيء فيه أشياء ليس لها أجوبة في ذلك الموضع ويكون المعنى مستغنى به نحو قول الله عز وجل: {ولو أنّ قرآناً سيّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو كلّم به الموتى بل للّه الأمر جميعاً} فيذكرون [أن] تفسيره: "لو سيّرت الجبال بقرآنٍ غير هذا لكان هذا القرآن ستسيّر به الجبال" فاستغني عن اللّفظ بالجواب إذ عرف المعنى، وقال: {لا تحسبنّ الّذين يفرحون بما أتوا وّيحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنّهم بمفازةٍ مّن العذاب} ولم يجئ لـ{تحسبنّ} الأول بجواب وترك للاستغناء بما في القرآن من الأجوبة، وقال: {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيراً لّهم} معناه: "لا يحسبنّه خيراً لهم" وحذف ذلك الكلام وكان فيما بقي دليل على المعنى، ومثله {وإذا قيل لهم اتّقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلّكم ترحمون} ثم قال: {وما تأتيهم مّن آيةٍ} من قبل أن يجيء بقوله "فعلوا كذا وكذا" لأن ذلك في القرآن كثير، استغني به، وكان في قوله: {وما تأتيهم مّن آيةٍ مّن آيات ربّهم إلاّ كانوا عنها معرضين} دليل على أنّهم أعرضوا فاستغني بهذا وكذلك جميع ما جاز فيه نحو هذا، وقال: {فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرّةٍ وليتبّروا ما علوا تتبيراً} وقال: {ليتبرّوا} على معنى: "خلّيناهم وإيّاكم لم نمنعكم منهم بذنوبكم"، وقال: {ليسوءوا وجوهكم} ولم يذكر أنه خلاهم وإياهم على وجه الترك في حال الابتلاء بما أسلفوا ثم لم يمنعهم من أعدائهم أن يسلطوا عليهم بظلمهم، وقال: {ولو ترى إذ الظّالمون في غمرات الموت} فليس لهذا جواب، وقال: {ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب} فجواب هذا إنما هو في المعنى، وهذا كثير، وسنفسر كل ما مررنا به إن شاء الله، وزعموا أن هذا البيت ليس له جواب:

ودوّيّةٍ قفرٍ تمشّى نعامها = كمشي النّصارى في خفاف الأرندج
يريد: "وربّ دوّيّةٍ" ثم لم يأت له بجواب، وقال:

حتى إذا أسلكوه في قتائدةٍ = شلاًّ كما تطرد الجمالة الشردا
فهذا ليس له جواب إلا في المعنى، وزعم بعضهم أنّ هذا البيت:

فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن = إلاّ كلمّة حالمٍ بخيال
قالوا: الواو فيه ليست بزائدة ولكن الخبر مضمر). [معاني القرآن: 1/103-105]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({يستفتحون على الذين كفروا}: يستنصرون بتمنيهم أن يبعث الله عز وجل محمدا -صلى الله عليه وسلم-). [غريب القرآن وتفسيره:75-76]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا} يقول: كانت اليهود إذا قاتلت أهل الشرك استفتحوا عليهم، أي: استنصروا اللّه عليهم، فقالوا: اللهم انصرنا بالنّبي المبعوث إلينا، فلما جاءهم النبي -صلّى اللّه عليه وسلم- وعرفوه كفروا به، و"الاستفتاح": الاستنصار). [تفسير غريب القرآن: 58]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {ولمّا جاءهم كتاب من عند اللّه مصدّق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة اللّه على الكافرين}
تقرأ {جاءهم} بفتح الجيم والتفخيم، وهي لغة أهل الحجاز، وهي اللغة العليا القدمى،
والإمالة إلى الكسر لغة بني تميم وكثير من العرب، ووجهها أنها الأصل من ذوات الياء فأميلت لتدل على ذلك.
ومعنى {كتاب اللّه} ههنا: القرآن، واشتقاقه من "الكتب" وهي جمع "كتبة" وهي: الخرزة، وكل ما ضممت بعضه إلى بعض على جهة التقارب والاجتماع فقد كتبته، و"الكتيبة": الفرقة التي تحارب، من هذا اشتقاقها لأن بعضها منضم إلى بعض، وسمى كلام الله -عزّ وجلّ- الذي أنزل على نبيه "كتابا" و"قرآنا" و"فرقانا"، فقد فسرنا معنى "كتاب". ومعنى "قرآن" معنى الجمع، يقال: ما قرأت هذه الناقة سلّى قط، أي: لم يضطمّ رحمها على ولد قط، قال الشاعر:
هجان اللّون لم تقرأ جنينا
قال أكثر النّاس: لم تجتمع جنينا، أي: لم تضم رحمها على الجنين.
وقال قطرب في "قرآن" قولين:
أحدهما هذا، وهو المعروف الذي عليه أكثر الناس،
والقول الآخر ليس بخارج من الصّحّة، وهو حسن، قال: "لم تقرأ جنينا": لم تلقه مجموعا.
وقال: يجوز أن يكون معنى قرأت: لفظت به مجموعا، كما أن لفظت من اللفظ، اشتقاقه من لفظت كذا وكذا، إذا ألقيته، فكأن قرأت القرآن لفظت به مجموعا.
وقوله عزّ وجلّ: {مصدق لما معهم} أي: يصدق بالتوراة والإنجيل ويخبرهم بما في كتبهم مما لا يعلم إلا بوحي أو قراءة كتب، وقد علموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أميا لا يكتب.
وقوله: {وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا} ضم {قبل} لأنها غاية، كان يدخلها بحق الإعراب الكسر والفتح، فلما عدلت عن بابها بنيت على الضم، فبنيت على ما لم يكن يدخلها بحق الإعراب، وإنما عدلت عن بابها لأن أصلها الإضافة فجعلت مفردة تنبئ عن الإضافة، المعنى: وكانوا من قبل هذا.
ومعنى: {يستفتحون على الّذين كفروا} فيه قولان:
قال بعضهم: كانوا يخبرون بصحة أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقيل: "وكانوا يستفتحون على الذين كفروا": يستنصرون بذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-، "فلما جاءهم ما عرفوا" أي: ما كانوا يستنصرون وبصحته يخبرون، "كفروا" وهم يوقنون أنهم معتمدون للشقاق عداوة للّه.
وقوله عزّ وجلّ: {فلعنة اللّه على الكافرين} قد فسرنا اللعنة، وجواب {ولمّا جاءهم كتاب} محذوف؛ لأن معناه معروف دلّ عليه {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به}). [معاني القرآن: 1/170-171]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا} أي: كانوا يستنصرون الله إذا قاتلوا الشرك، بأن يقولوا: انصرنا عليهم بالنبي المبعوث إلينا، فلما جاءهم ذلك النبي وعرفوه كفروا به، وهو محمد صلى الله عليه وسلم).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 31]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَسْتَفْتِحُونَ}: يستنصرون). [العمدة في غريب القرآن: 80]

تفسير قوله تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {بئسما اشتروا به أنفسهم...} معناه -والله أعلم-: باعوا به أنفسهم.
وللعرب في "شروا" و"اشتروا" مذهبان:
فالأكثر منهما أن يكون "شروا": باعوا، و"اشتروا": ابتاعوا،
وربمّا جعلوهما جميعا في معنى: باعوا،
وكذلك البيع؛ يقال: بعت الثوب، على معنى أخرجته من يدي، وبعته: اشتريته، وهذه اللّغة في تميم وربيعة، سمعت أبا ثروان يقول لرجل: بع لي تمرا بدرهم، يريد اشتر لي؛ وأنشدني بعض ربيعة:

ويأتيك بالأخبار من لم تبع له = بتاتاً ولم تضرب له وقت موعد
على معنى لم تشتر له بتاتا؛ قال الفرّاء: والبتات: الزاد.
وقوله: {بئسما اشتروا به أنفسهم}
{أن يكفروا} في موضع خفض ورفع؛ فأما الخفض فأن تردّه على الهاء التي في {به} على التكرير على كلامين كأنّك قلت: اشتروا أنفسهم بالكفر. وأما الرفع فأن يكون مكرورا أيضا على موضع "ما" التي تلي {بئس}.
ولا يجوز أن يكون رفعاً على قولك: بئس الرجل عبد الله، وكان الكسائيّ يقول ذلك.
قال الفراء: و"بئس" لا يليها مرفوعٌ موقّت ولا منصوبٌ موقّت، ولها وجهان؛ فإذا وصلتها بنكرة قد تكون معرفةً بحدوث ألفٍ ولام فيها نصبت تلك النكرة، كقولك: بئس رجلاً عمرو، ونعم رجلاً عمرو، وإذا أوليتها معرفة فلتكن غير موقّتة، في سبيل النكرة، ألا ترى أنك ترفع فتقول: نعم الرجل عمرو، وبئس الرجل عمرو، فإن أضفت النكرة إلى نكرة رفعت ونصبت، كقولك: نعم غلام سفر زيدٌ، وغلام سفر زيدٌ، وإن أضفت إلى المعرفة شيئا رفعت، فقلت: نعم سائس الخيل زيدٌ، ولا يجوز النّصب إلا أن يضطرّ إليه شاعرٌ، لأنهم حين أضافوا إلى النكرة رفعوا، فهم إذا أضافوا إلى المعرفة أحرى ألاّ ينصبوا.
وإذا أوليت "نعم" و"بئس" من النكرات مالا يكون معرفةً مثل "مثل" و"أي" كان الكلام فاسدا؛ خطأٌ أن تقول: نعم مثلك زيدٌ، ونعم أي رجل زيد؛ لأن هذين لا يكونان مفسّرين، ألا ترى أنك لا تقول: [لله] درّك من أي رجل، كما تقول: للّه درّك من رجل.
ولا يصلح أن تولي نعم وبئس "الذي" ولا "من" ولا "ما" إلا أن تنوي بهما الاكتفاء دون أن يأتي بعد ذلك اسمٌ مرفوع. من ذلك قولك: بئسما صنعت، فهذه مكتفية، وساء ما صنعت، ولا يجوز ساء ما صنيعك، وقد أجازه الكسائي في كتابه على هذا المذهب.
قال الفراء: ولا نعرف ما جهته، وقال: أرادت العرب أن تجعل "ما" بمنزلة الرجل حرفا تامّاً، ثم أضمروا لصنعت "ما" كأنّه قال: بئسما ما صنعت، فهذا قوله وأنا أجيزه.
فإذا جعلت "نعم" صلة لـ"ما" بمنزلة قولك "كلّما" و"إنّما" كانت بمنزلة "حبّذا" فرفعت بها الأسماء؛ من ذلك قول الله عز وجل: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي} رفعت "هي" بـ"نعمّا" ولا تأنيث في "نعم" ولا تثنية إذا جعلت "ما" صلة لها فتصير "ما" مع "نعم" بمنزلة "ذا" من "حبّذا" ألا ترى أنّ "حبذا" لا يدخلها تأنيث ولا جمعٌ.
ولو جعلت "ما" على جهة الحشو كما تقول: عما قليلٍ آتيك، جاز فيه التأنيث والجمع، فقلت: بئسما رجلين أنتما، وبئست ما جاريةً جاريتك. وسمعت العرب تقول في "نعم" المكتفية بـ"ما": بئسما تزويجٌ ولا مهر، فيرفعون التزويج بـ"بئسما"). [معاني القرآن: 1/56-58]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {بغياً أن ينزّل اللّه من فضله...} موضع "أن" جزاءٌ، وكان الكسائي يقول في "أن": هي في موضع خفض، وإنما هي جزاءٌ.
إذا كان الجزاء لم يقع عليه شيء قبله وكان ينوي بها الاستقبال كسرت "إن" وجزمت بها فقلت: أكرمك إن تأتني، فإن كانت ماضية قلت: أكرمك أن تأتيني، وأبين من ذلك أن تقول: أكرمك أنْ أتيتني؛ كذلك قال الشاعر:

أتجزع أن بان الخليط المودّع = وحبل الصّفا من عزّة المتقطّع
يريد أتجزع بأن، أو لأن كان ذلك.
ولو أراد الاستقبال ومحض الجزاء لكسر "إن" وجزم بها، كقول الله جلّ ثناؤه: {فلعلّك باخعٌ نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا} فقرأها القرّاء بالكسر، ولو قرئت بفتح "أن" على معنى [إذ لم يؤمنوا] ولأن لم يؤمنوا، ومن أن لم يؤمنوا [لكان صوابا] وتأويل "أن" في موضع نصب، لأنها إنما كانت أداة بمنزلة "إذ" فهي في موضع نصب إذا ألقيت الخافض وتمّ ما قبلها، فإذا جعلت لها الفعل أو أوقعته عليها أو أحدثت لها خافضا فهي في موضع ما يصيبها من الرفع والنصب والخفض). [معاني القرآن: 1/58-59]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فباءوا بغضبٍ على غضبٍ...}
لا يكون {باءوا} مفردةً حتى توصل بالباء، فيقال: باء بإثم يبوء بوءاً.
وقوله: {بغضبٍ على غضبٍ} أن الله غضب على اليهود في قولهم: {يد اللّه مغلولةٌ غلّت أيديهم}، ثم غضب عليهم في تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم حين دخل المدينة، فذلك قوله: {فباءوا بغضبٍ على غضبٍ}). [معاني القرآن: 1/60]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل اللّه بغياً أن ينزّل اللّه من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضبٍ على غضبٍ وللكافرين عذابٌ مّهينٌ}
قال: {بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل اللّه بغياً أن ينزّل اللّه من فضله} فـ{ما} وحدها اسم، و{أن يكفروا} تفسير له نحو: "نعم رجلاً زيدٌ" و{أن ينزّل} بدلٌ من {بما أنزل اللّه}). [معاني القرآن: 1/105-106]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({بئس ما اشتروا به أنفسهم} معناه: باعوا.
وللعرب في "شروا" و"اشتروا" مذهبان:
الأكثر أن يكونوا بـ"شروا": باعوا، و"اشتروا": ابتاعوا.
وربما جعلوهما جميعا في معنى: باعوا.
وكذلك البيع: يقال بعت الثوب، أي: أخرجته من يدي، وبعته: اشتريته، وحكي عن بعض العرب أنه قال: بع لي تمرا بدرهم، أي: اشتر، وقال الشاعر:

ويأتيك بالأخبار من لم تبع له = بتاتا ولم تضرب له رأس موعد
وقال الراجز:

إذا الثريا طلعت عشايا = فبع لراعي غنم كسايا
أي: اشتر). [غريب القرآن وتفسيره: 76]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل اللّه بغيا أن ينزّل اللّه من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين}
"بئس" إذا وقعت على "ما" جعلت معها بمنزلة اسم منكور، وإنما ذلك في "نعم" و"بئس" لأنهما لا يعملان في اسم علم، إنما يعملان في اسم منكور دال على جنس، أو اسم فيه ألف ولام يدل على جنس، وإنما كانتا كذلك لأن "نعم" مستوفية لجميع المدح، و"بئس" مستوفية لجميع الذم، فإذا قلت: نعم الرجل زيد، فقد استحق زيد المدح الذي يكون في سائر جنسه.
قال أبو إسحاق: وفي (نعم الرجل زيد) أربع لغات:
نَعِم الرجل زيد، ونِعِمَ الرجل زيد، ونِعْم الرجل زيد، ونَعْمَ الرجل زيد.
وكذلك إذا قلت: بئس الرجل، دللت على أنه استوفى الذم الذي يكون في سائر جنسه، فلم يجز إذ كان يستوفى مدح الأجناس أن يعمل في غير لفظ جنس، فإذا كان معها اسم جنس بغير ألف ولام فهو نصب أبدا، وإذا كانت فيه الألف واللام فهو رفع أبدا، وذلك كقولك: نعم رجلا زيد، ونعم الرجل زيد، فلما نصب "رجل" فعلى التمييز، وفي "نعم" اسم مضمر على شريطة التفسير، و"زيد" مبين من هذا الممدوح، لأنك إذا قلت: "نعم الرجل" لم يعلم من تعني، فقولك "زيد" تريد به: هذا الممدوح هو زيد.
وقال سيبويه والخليل جميع ما قلنا في "نعم" و"بئس"، وقالا: إن شئت رفعت "زيدا" لأنه ابتداء مؤخّر، كأنك قلت -حين قلت (نعم رجلا زيد)-: نعم زيد نعم الرجل، وكذلك كانت "ما" في "نعم" بغير صلة لأن الصلة توضح وتخصص، والقصد في "نعم" أن يليها اسم منكور أو جنس، فقوله {بئسما اشتروا به أنفسهم}: بئس شيئا اشتروا به أنفسهم.
وقوله عزّ وجلّ: {أن يكفروا بما أنزل اللّه} موضعه رفع: المعنى ذلك الشيء المذموم أن يكفروا بما أنزل اللّه.
وقوله عزّ وجلّ: {فنعمّا هي} كأنه قال: فنعم شيئا هي،
وقال قوم: إنّ "نعم" مع "ما" بمنزلة "حبّ" مع "ذا"، تقول: حبّذا زيد، وحبذا هي، ونعما هي،
والقول الأول هو مذهب النحويين وروى جميع النحويين (بئسما تزويج ولا مهر) والمعنى فيه: بئس شيئا تزويج ولا مهر.
وقوله عزّ وجلّ: {أن يكفروا بما أنزل اللّه بغيا أن ينزّل اللّه من فضله على من يشاء من عباده} معناه: أنهم كفروا بغيا وعداوة للنبي -صلى الله عليه وسلم- لأنهم لم يشكّوا في نبوته -صلى الله عليه وسلم- وإنما حسدوه على ما أعطاه الله من الفضل،
المعنى: كفروا بغيا لأن نزّل اللّه الفضل على النبي -صلى الله عليه وسلم-،
ونصب {بغيا} مفعولا له، كما تقول: فعلت ذلك حذر الشر، أي: لحذر الشر، كأنك قلت: حذرت حذرا، ومثله من الشعر قول الشاعر وهو حاتم الطائي:

وأغفر عوراء الكريم ادّخاره = وأعرض عن شتم اللئيم تكرما
المعنى: أغفر عوراء الكريم لادّخاره، وأعرض عن شتم اللئيم للتكرم.
وكأنه قال: أدخر الكريم ادخارا، وأتكرم على الكريم تكرما، لأن قوله (أغفر عوراء الكريم) معناه: أدخر الكريم، وقوله (وأعرض عن شتم اللئيم تكرما) معناه: أتكرم على اللئيم،
وموضع {أن} الثانية نصب، المعنى: أن يكفروا بما أنزل اللّه لأن ينزل اللّه، أي: كفروا لهذه العلّة، فشرحه كهذا الذي شرحناه.
وقوله عزّ وجلّ: {فباءوا بغضب على غضب}
معنى {باءوا} في اللغة: احتملوا، يقال: قد بؤت بهذا الذنب، أي: تحملته.
ومعنى {بغضب على غضب} فيه قولان:
قال بعضهم: {بغضب} من أجل الكفر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- {على غضب} على الكفر بعيسى -صلى الله عليه وسلم-، يعني بهم اليهود.
وقيل: {فباءوا بغضب على غضب} أي: بإثم استحقوا به النار، على إثم تقدم أي: استحقوا به أيضا النّار). [معاني القرآن: 1/172-174]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (و"باءوا" أي: رجعوا). [ياقوتة الصراط: 173]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({اشْتَرَوْاْ}: ابتاعوا). [العمدة في غريب القرآن: 80]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ويكفرون بما وراءه...} يريد: سواه، وذلك كثيرٌ في العربية أن يتكلّم الرجل بالكلام الحسن فيقول السّامع: ليس وراء هذا الكلام شيء، أي ليس عنده شيء سواه). [معاني القرآن: 1/60]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فلم تقتلون أنبياء اللّه من قبل...}
يقول القائل: إنما "تقتلون" للمستقبل فكيف قال: "من قبل"؟ ونحن لا نجيز في الكلام أنا أضربك أمس.
وذلك جائز إذا أردت بـ"تفعلون" الماضي، ألا ترى أنّك تعنّف الرجل بما سلف من فعله فتقول: ويحك لم تكذب! لم تبغّض نفسك إلى الناس! ومثله قول الله: {واتّبعوا ما تتلو الشّياطين على ملك سليمان} ولم يقل: ما تلت الشياطين، وذلك عربيّ كثير في الكلام؛ أنشدني بعض العرب:

إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمةٌ = ولم تجدي من أن تقرّي بها بدّا
فالجزاء للمستقبل، والولادة كلها قد مضت، وذلك أن المعنى معروفٌ؛
ومثله في الكلام: إذا نظرت في سير عمر -رحمه الله- لم يسئ؛ المعنى: لم تجده أساء؛ فلما كان أمر عمر لا يشك في مضيّه لم يقع في الوهم أنه مستقبل؛
فلذلك صلحت "من قبل" مع قوله: {فلم تقتلون أنبياء اللّه من قبل} وليس الذين خوطبوا بالقتل هم القتلة، إنما قتل الأنبياء أسلافهم الذين مضوا فتولّوهم على ذلك ورضوا به فنسب القتل إليهم). [معاني القرآن: 1/60-61]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ويكفرون بما وراءه} أي: بما بعده). [مجاز القرآن: 1/47]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل اللّه قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحقّ مصدّقاً لّما معهم قل فلم تقتلون أنبياء اللّه من قبل إن كنتم مّؤمنين}
قال: {وهو الحقّ مصدّقاً لّما معهم قل فلم تقتلون أنبياء اللّه} فنصب {مصدّقاً} لأنه خبر معرفة.
و{تقتلون} في معنى "قتلتم"، كما قال الشاعر:

ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني = فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني
يريد: "لقد مررت" بقوله "أمرّ"). [معاني القرآن: 1/106]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ويكفرون بما وراءه}: بما بعده). [غريب القرآن وتفسيره: 77]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل اللّه قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحقّ مصدّقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء اللّه من قبل إن كنتم مؤمنين} أي: بالقرآن الذي أنزل اللّه على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
{قالوا نؤمن بما أنزل علينا} وقد بين الله أنهم غير مؤمنين بما أنزل عليهم، وقد بيّنّا ذلك فيما مضى.
وقوله تعالى: {ويكفرون بما وراءه وهو الحقّ} معناه: ويكفرون بما بعده، أي: بما بعد الذي أنزل عليهم، {وهو الحقّ مصدّقا لما معهم} فهذا يدل على أنهم قد كفروا بما معهم إذ كفروا بما يصدّق ما معهم، نصب {مصدقا} على الحال، وهذه حال مؤكدة،
زعم سيبويه والخليل وجميع النحويين الموثوق بعلمهم أن قولك "هو زيد قائما" خطأ، لأن قولك "هو زيد" كناية عن اسم متقدم فليس في الحال فائدة، لأن الحال توجب ههنا إنّه إذا كان قائما فهو زيد، فإذا ترك القيام فليس بزيد، وهذا خطأ.
فأما قولك "هو زيد معروفا"، و"هو الحق مصدقا"، ففي الحال فائدة، كأنك قلت: انتبه له معروفا، وكأنه بمنزلة قولك "هو زيد حقا"، فـ"معروفا" حال لأنه إنما يكون زيدا لأنه يعرف بزيد، وكذلك "الحق"، القرآن هو الحق إذ كان مصدقا لكتب الرسل.
أكذبهم اللّه في قولهم: {نؤمن بما أنزل علينا} فقال: {قل فلم تقتلون أنبياء اللّه من قبل إن كنتم مؤمنين} أي: أيّ كتاب جوّز فيه قتل نبي؟ وأي دين وإيمان جوز فيه ذلك؟
فإن قال قائل: فلم قيل لهم فلم تقتلون أنبياء الله من قبل، وهؤلاء لم يقتلوا نبيا قط؟
قيل له: قال أهل اللغة في هذا قولين:
أحدهما: إن الخطاب لمن شوهد من أهل مكة ومن غاب خطاب واحد، فإذا قتل أسلافهم الأنبياء وهم مقيمون على ذلك المذهب فقد شركوهم في قتلهم.
وقيل أيضا: لم رضيتم بذلك الفعل، وهذا القول الثاني يرجع إلى معنى الأول.
وإنما جاز أن يذكر هنا لفظ الاستقبال والمعنى المضي لقوله {من قبل} ودليل ذلك قوله {قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبيّنات وبالّذي قلتم فلم قتلتموهم} فقوله {فلم تقتلون} بمنزلة (فلم قتلتم).
وقيل في قوله: {إن كنتم مؤمنين} قولان:
أحدهما: ما كنتم مؤمنين،
وقيل: إنّ إيمانكم ليس بإيمان، و"الإيمان" ههنا واقع على أصل العقد والدين، فقيل لهم: ليس إيمان إيمانا إذا كان يدعو إلى قتل الأنبياء).
[معاني القرآن: 1/174-175]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ):{وراءه}: سواه، و"الوراء" -أيضاً-: الخلف، والوراء -أيضاً-: القدام، والوراء -أيضاً-: ابن الابن). [ياقوتة الصراط: 176]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَرَاءهُ}: ما بعده). [العمدة في غريب القرآن: 80]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24 ذو الحجة 1431هـ/30-11-2010م, 01:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 106 إلى 123]

{مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119) وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)}

تفسير قوله تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها...} (أو ننسئها) , (أو نُنْسِهَا), عامة القرّاء يجعلونه من النسيان، وفي قراءة عبد الله: (ما ننسك من آيةٍ أو ننسخها نجئ بمثلها أو خيرٍ منها), وفي قراءة سالم مولى أبي حذيفة: (ما ننسخ من آيةٍ أو ننسكها)، فهذا يقوّي النّسيان, والنّسخ: أن يعمل بالآية, ثم تنزل الأخرى, فيعمل بها, وتترك الأولى.
والنّسيان ها هنا على وجهين:
أحدهما: على الترك؛ نتركها فلا ننسخها، كما قال الله جل ذكره: {نسوا اللّه فنسيهم} يريد: تركوه فتركهم.
والوجه الآخر: من النّسيان الذي ينسى، كما قال الله: {واذكر ربّك إذا نسيت}, وكان بعضهم يقرأ: (أو ننسأها) يهمز، يريد: نؤخرها من النّسيئة؛ وكلٌّ حسن ...
- وحدثني قيس, عن هشام بن عروة بإسناد يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلا ً يقرأ, فقال: ((يرحم الله هذا، هذا أذكرني آياتٍ قد كنت أنسيتهنّ)) ). [معاني القرآن: 1/64-65]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ما ننسخ من آية} أي: ننسخها بأية أخرى، {أو ننسها} من النّسيان: نذهب بها, ومن همزها جعلها من "نؤخرها" من التأخير، ومن قال: تنسُوها, كان مجازها تمضيها، وقال جرير:
= ولا أنسأتكم غضبي
ونسأت الناقة: سقتها، وقال طرفة:
وعنسٍ كألواح الإران نسأتُها= على لاحبٍ كأنه ظهر برجد
يعني أنه يسوقها, ويمضيها.
{نأت بخيرٍ منها} أي: نأتيك منها بخير). [مجاز القرآن: 1/49-50]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها نأت بخيرٍ مّنها أو مثلها ألم تعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}
قال: {ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها نأت بخيرٍ مّنها أو مثلها}, وقال بعضهم: (ننسأها) أي: نؤخّرها، وهو مثل {إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر}؛ لأنّه تأخير, و{النسيئة} و{النسيء} أصله واحدٌ من "أنسأت" إلاّ أنّك تقول: "أنسأت الشيء" أي: أخّرته, ومصدره: النسيء,
و"أنسأتك الدين" أي: جعلتك تؤخّره, كأنه قال: "أنسأتك" , فـ"نسأت",
و"النسيء" أنّهم كانوا يدخلون الشهر في الشهر, وقال بعضهم: (أو نَنْسَها) كل ذلك صواب, وجزمه بالمجازاة, و النسيء في الشهر: التأخير.
{أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدّل الكفر بالإيمان فقد ضلّ سواء السّبيل}
قال: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل}, ومن خفف قال: (سيل),
فإن قيل: كيف جعلتها بين بين وهي تكون بين الياء الساكنة وبين الهمزة، والياء الساكنة لا تكون بعد ضمة، والسين مضمومة؟
قلت: أمّا في "فُعِلَ", فقد تكون الياء الساكنة بعد الضمة؛ لأنهم قد قالوا "قيل" و"بيع", وقد تكون الياء في بعض "فُعِلَ" واواً خالصة لانضمام ما قبلها, وهي معه في حرف واحد كما تقول: "لم توطؤ الدابّة", وكما تقول: "قد رؤس فلان"). [معاني القرآن: 1/110]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ما ننسخ من آية أو ننساها}: نؤخرها، ومنه: البيع بنسيئة أي: بتأخير، ومنه: نسأ الله في أجلك.
ومن قال: (نَنْسَها) فمعنى نتركها من النسيان ومنه {نسوا الله فنسيهم}).[غريب القرآن وتفسيره: 79]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ({ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها} أراد: أو ننسكها, من النسيان.
ومن قرأها: (أو ننسأها) بالهمز؛ أراد: نؤخّرها فلا ننسخها إلى مدة, ومنه: النّسيئة في البيع، إنما هو: البيع بالتّأخير.
ومنه: النّسيء في الشهور، إنما هو: تأخير تحريم «المحرّم».
{نأت بخيرٍ منها} أي: بأفضل منها, ومعنى فضلها: سهولتها وخفتها). [تفسير غريب القرآن: 60-61]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير (106)}
في {ننسها} غير وجه قد قرئ به: (أو نُنْسِهَا)، و(نَنْسَهَا)، و(نَنْسَؤُها).
فأما النسخ في اللغة؛ فإبطال شيء, وإقامة آخر مقامه، العرب تقول: نسخت الشمس الظل، والمعنى: أذهبت الظل, وحلّت محلّه،
وقال أهل اللغة في معنى {أو ننسها} قولين:-
1- قال بعضهم: (أو نَنْسَهَا) من النسيان، وقالوا: دليلنا على ذلك قوله عزّ وجلّ: {سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء اللّه}, فقد أعلم اللّه أنه يشاء أن ينسى، وهذا القول عندي ليس بجائز؛ لأن اللّه عزّ وجل قد أنبأ النبي صلى الله عليه وسلم في قوله {ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك} أنّه لا يشاء أن يذهب بالذي أوحى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وفي قوله {فلا تنسى * إلا ما شاء اللّه} قولان يبطلان هذا القول الذي حكينا عن بعض أهل اللغة:-
أحدهما: {فلا تنسى} أي: لست تترك إلا ما شاء اللّه أن تترك،
ويجوز أن يكون: إلا ما شاء الله مما يلحق بالبشرية، ثم تذكر بعد، ليس أنه على طريق السلب للنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً أوتيه من الحكمة.
2- وقيل في {أو ننسها} قول آخر, وهو خطأ أيضاً, قالوا: أو نتركها, وهذا يقال فيه: نسيت إذا تركت، ولا يقال: أنسيت أي: تركت، وإنما معنى {أو ننسها}: أو نتركها, أي: نأمر بتركها،
فإن قال قائل: ما معنى تركها غير النسخ؟ وما الفرق بين الترك والنسخ؟
فالجواب في ذلك: أن النسخ يأتي في الكتاب في نسخ الآية بآية , فتبطل الثانية العمل بالأولى.
ومعنى الترك: أن تأتي الآية بضرب من العمل , فيؤمر المسلمون بترك ذلك بغير آية تأتي ناسخة للتي قبلها، نحو: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن}, ثم أمر المسلمون بعد ذلك بترك المحنة, فهذا معنى الترك، ومعنى النسخ قد بيّنّاه, فهذا هو الحق.
ومن قرأ (أو ننسؤها) أراد: نؤخرها, والنّسء في اللغة التأخير، يقال: نسأ اللّه في أجله, وأنسأ اللّه أجله, أي: أخر أجله.
وقوله: {نأت بخير منها}المعنى: بخير منها لكم ، {أو مثلها}، فأما ما يؤتى فيه بخير من المنسوخ , فتمام الصيام الذي نسخ الإباحة في الإفطار لمن استطاع الصيام, ودليل ذلك قوله: {ولتكملوا العدّة}, فهذا هو خير لنا كما قال اللّه عزّ وجلّ.
وأمّا قوله {أو مثلها} أي: نأتي بآية ثوابها كثواب التي قبلها، والفائدة في ذلك أن يكون الناسخ أسهل في المأخذ من المنسوخ، والإيمان به أسوغ, والناس إليه أسرع نحو القبلة التي كانت على جهة, ثم أمر اللّه النبي صلى الله عليه وسلم بجعل البيت قبلة المسلمين وعدل بها عن القصد لبيت المقدس، فهذا وإن كان السجود إلى سائر النواحي متساوياً في العمل والثواب، فالذي أمر الله به في ذلك الوقت كان الأصلح، والأدعى للعرب, وغيرهم إلى الإسلام). [معاني القرآن: 1/190-191]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (و{ننسها} أي: ننسكها يا محمد، من النسيان.
ومن قرأ (ننسأها) فهو من التأخير، أي: نؤخرها ولا ننسخها إلى مدة، ومنه النسأة في البيع أي: التأخير، والنسيء في الشهور: تأخيرها عن وقتها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 32]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (نَنْسَأَهَا): نؤخرها. (نَنْسَاهَا): نتركها). [العمدة في غريب القرآن: 81]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض وما لكم من دون اللّه من وليّ ولا نصير}
لفظ {ألم} ههنا لفظ استفهام, ومعناه: التوقيف، وجزم {ألم} ههنا كجزم "لم"؛ لأن حرف الاستفهام لا يغير العامل عن عمله،
ومعنى الملك في اللغة: تمام القدرة واستحكامها, فما كان مما يقال فيه ملك سمي: الملك، وما نالته القدرة مما يقال فيه مالك, فهو ملك، تقول: ملكت الشيء أملكه ملكا.
وكقوله تعالى {على ملك سليمان} أي: في سلطانه وقدرته.
وأصل هذا من قولهم: ملكت العجين أملكه إذا بالغت في عجنه، ومن هذا قيل في التزويج شهدنا "إملاك" فلان، أي: شهدنا عقد أمر نكاحه, وتشديده.
ومعنى الآية: إن اللّه يملك السّماوات والأرض, ومن فيهن, فهو أعلم بوجه الصلاح فيما يتعبدهم به، من ناسخ , ومنسوخ, ومتروك, وغيره.
وقوله عزّ وجلّ: {وما لكم من دون اللّه من وليّ ولا نصير}
هذا خطاب للمسلمين يخبرون فيه أن من خالفهم فهو عليهم، وأن اللّه جلّ وعزّ ناصرهم، والفائدة فيه: أنه بنصره إياهم, يغلبون من سواهم). [معاني القرآن: 1/191]

تفسير قوله تعالى:{أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم...}
{أم} في المعنى تكون ردّا على الاستفهام على جهتين؛
إحداهما: أن تفرّق معنى "أيّ",
والأخرى: أن يستفهم بها, فتكون على جهة النسق، والذي ينوى بها الابتداء إلاّ أنه ابتداء متّصلٌ بكلام, فلو ابتدأت كلاماً ليس قبله كلامٌ، ثم استفهمت لم يكن إلاّ بالألف أو بهل؛ ومن ذلك قول الله: {الم * تنزيل الكتاب لا ريب فيه من ربّ العالمين * أم يقولون افتراه}، فجاءت "أم" وليس قبلها استفهام، فهذا دليل على أنها استفهامٌ مبتدأ على كلامٍ قد سبقه,
وأمّا قوله: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم} فإن شئت جعلته على مثل هذا، وإن شئت قلت: قبله استفهام, فردّ عليه؛ وهو قول الله: {ألم تعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير},
وكذلك قوله: {ما لنا لا نرى رجالاً كنّا نعدّهم مّن الأشرار * اتّخذناهم سخريًّا أم زاغت عنهم الأبصار} فإن شئت جعلته استفهاماً مبتدأ قد سبقه كلامٌ، وإن شئت جعلته مردوداً على قوله: {مالنا لا نرى رجالاً}, وقد قرأ بعض القرّاء: {أتّخذناهم سخرياً} يستفهم في {أتّخذناهم سخرياً} بقطع الألف لينسّق عليه "أم" ؛ لأن أكثر ما تجيء مع الألف؛ وكلٌّ صواب,
ومثله: {أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي}, ثم قال: {أم أنا خيرٌ من هذا} والتفسير فيهما واحد, وربّما جعلت العرب "أم" إذا سبقها استفهام لا تصلح "أي" فيه على جهة "بل"؛ فيقولون: هل لك قبلنا حق أم أنت رجلٌ معروفٌ بالظّلم, يريدون: بل أنت رجلٌ معروف بالظّلم؛ وقال الشاعر:
فواللّه ما أدري أسلمى تغوّلت = أم النّوم أم كلٌّ إليّ حبيبٌ
معناه: بل كلّ إليّ حبيب.
وكذلك تفعل العرب في "أو" فيجعلونها نسقاً مفرّقة لمعنى ما صلحت فيه "أحدٌ"، و"إحدى" كقولك: اضرب أحدهما زيداً أو عمراً, فإذا وقعت في كلام لا يراد به أحدٌ , وإن صلحت جعلوها على جهة بل؛ كقولك في الكلام: اذهب إلى فلانٍ , أو دع ذلك, فلا تبرح اليوم, فقد دلّك هذا على أن الرجل قد رجع عن أمره الأوّل , وجعل "أو" في معنى "بل"؛ ومنه قول الله: {وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون}, وأنشدني بعض العرب:
بدت مثل قرن الشّمس في رونق الضّحى = وصورتها أو أنت في العين أملح
يريد: بل أنت). [معاني القرآن: 1/71-72]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فقد ضلّ سواء السّبيل...} و "سواء" في هذا الموضع قصد، وقد تكون "سواء" في مذهب غير؛ كقولك للرجل: أتيت سواءك). [معاني القرآن: 1/73]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({سواء السّبيل} أي: وسطه،
قال عيسى بن عمر: ما زلت أكتب حتى انقطع سوائي: أي: وسطي،
وقال حسّان بن ثابت يرثى عثمان بن عفّان:
يا ويح أنصار النبي ونسله= بعد المغيّب في سواء الملحد). [مجاز القرآن: 1/50]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({سواء السبيل}: وسطه وقصده، ومثله {في سواء الجحيم}).[غريب القرآن وتفسيره: 79]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ({فقد ضلّ سواء السّبيل} أي: ضلّ عن وسط الطريق، وقصده). [تفسير غريب القرآن: 61]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدّل الكفر بالإيمان فقد ضلّ سواء السّبيل (108)}
أجود القراءة بتحقيق الهمزة، ويجوز جعلها بين بين، يكون بين الهمزة والياء فيلفظ بها (سُيل), وهذا إنما تحكمه المشافهة؛ لأن الكتاب فيه غير فاصل بين المتحقق والمليّن, وما جعل ياء خالصة، ويجوز (كما سِيلَ موسى من قبل), من قولك: سِلْت أَسَال، في معنى: سُئِلت أُسْأَل, وهي لغة للعرب حجاها جميع النحويين، ولكن القراءة على الوجهين اللذين شرحناهما قبل هذا الوجه من تحقيق الهمزة, وتليينها.
ومعنى {أم} ههنا, وفي كل مكان لا تقع فيه عطفاً على ألف الاستفهام إلا أنها لا تكون مبتدأة, أنها تؤذن بمعنى بل,
ومعنى ألف الاستفهام، المعنى "بل أتريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل",
فمعنى الآية: أنهم نهوا أن يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم ما لا خير لهم في السؤال عنه , وما يكفّرهم، وإنما خوطبوا بهذا بعد وضوح البراهين لهم , وإقامتها على مخالفتهم , وقد شرحنا ذلك في قوله: {فتمنّوا الموت}, وما أشبه ذلك مما تقدم شرحه, فأعلم المسلمون أن السؤال بعد قيام البراهين كفر، كما قال عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}, وقوله: {ومن يتبدّل الكفر بالإيمان فقد ضلّ سواء السّبيل} أي: من يسأل عما لا يعنيه النبي صلى الله عليه وسلم بعد وضوح الحق , فقد ضل سواء السبيل, أي: قصد السبيل).
[معاني القرآن: 1/192-193]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( "السَوَاء": الوسط, {السَّبِيلِ}: الطريق). [العمدة في غريب القرآن: 82]

تفسير قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {كفّاراً...} ها هنا انقطع الكلام، ثم قال: {حسداً} كالمفسّر لم ينصب على أنه نعتٌ للكفار، إنما هو كقولك للرجل: هو يريد بك الشر حسداً وبغياً). [معاني القرآن: 1/73]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {مّن عند أنفسهم...} من قبل أنفسهم لم يؤمروا به في كتبهم). [معاني القرآن: 1/73]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فاعفوا واصفحوا} عن المشركين، وهذا قبل أن يؤمر بالهجرة والقتال؛ فكل أمر نهى عنه عن مجاهدة الكفار فهو قبل أن يؤمر بالقتال، وهو مكي). [مجاز القرآن: 1/50]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردّونكم من بعد إيمانكم كفّاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبيّن لهم الحقّ فاعفوا واصفحوا حتّى يأتي اللّه بأمره إنّ اللّه على كلّ شيء قدير}
يعني به: علماء اليهود.
وقوله: {حسداً من عند أنفسهم} موصول بـ{ود الذين كفروا}، لا بقوله {حسداً}؛ لأن حسد الإنسان لا يكون من عند نفسه،
ولكن المعنى: مودتهم بكفركم من عند أنفسهم، لا أنهم عندهم الحق الكفر، ولا أن كتابهم أمرهم بما هم عليه من الكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم ، الدليل على ذلك قوله: {من بعد ما تبيّن لهم الحق}.
وقوله عزّ وجلّ: {فاعفوا واصفحوا حتّى يأتي اللّه بأمره} هذا في وقت لم يكن المسلمون أمروا فيه بحرب المشركين، وإنما كانوا يدعون بالحجج البينة وغاية الرفق حتى بين الله أنهم إنما يعاندون بعد وضوح الحق عندهم , فأمر المسلمون بعد ذلك بالحرب.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّ اللّه على كلّ شيء قدير} أي: قدير على أن يدعو إلى دينه بما أحب مما هو عنده الأحكم والأبلغ,
ويقال: أَقدر على الشيء, قَدْراً, وقَدَرًا, وقُدْرة، وقُدْرَانا، ومَقْدِرَة , ومقدُرة , ومقدَرة.
هذه سبعة أوجه, مروية كلها، وأضعفها مقدِرة بالكسر). [معاني القرآن: 1/193-194]

تفسير قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وآتوا الزّكاة} أي: أعطوا). [مجاز القرآن: 1/51]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({آتوا الزكاة} أي: أعطوا).[غريب القرآن وتفسيره: 79]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ)
: ({آتُوا}: أعطوا). [العمدة في غريب القرآن: 82]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وقالوا لن يدخل الجنّة إلاّ من كان هوداً أو نصارى...} يريد: يهوديّاً, فحذف الياء الزائدة ورجع إلى الفعل من اليهودية,
وهي في قراءة أبيّ وعبد الله: {إلاّ من كان يهوديا أو نصرانيً},
وقد يكون أن تجعل "اليهود" جمعاً، واحده "هائد" ممدود، وهو مثل: حائل ممدود-من النوق- وحول، وعائط, وعوط, وعيط, وعوطط).
[معاني القرآن: 1/73]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({برهانكم}: بيانكم , وحجتكم). [مجاز القرآن: 1/51]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وقالوا لن يدخل الجنّة إلاّ من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيّهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}
قال: {لن يدخل الجنّة إلاّ من كان هوداً أو نصارى} فزعموا أن "الهود": جماعة "الهائد"، و"الهائد": التائب الراجع إلى الحق,
وقال في مكان آخر: {وقالوا كونوا هوداً} أي: كونوا راجعين إلى الحق، ويقال: "هائد", و"هوّد" مثل: "ناقه" و"نقّه"، و"عائد" و"عوّد"، و"حائل" و"حوّل"، و"بازل" و"بزّل,
وجعل {من كان} واحداً؛ لأنّ لفظ {من} واحدٌ، وجمع في قوله: {هوداً أو نصارى}, وفي هذا الوجه تقول: "من كان صاحبك"). [معاني القرآن: 1/110-111]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقالوا لن يدخل الجنّة إلّا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيّهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}
الإخبار في هذا عن أهل الكتاب، وعقد النصارى معهم في قوله: {وقالوا}؛ لأن الفريقين يقرآن التوراة، ويختلفان في تثبيت رسالة موسى وعيسى، فلذلك قال اللّه عزّ وجلّ: {وقالوا} فأجملوا.
فالمعنى: أن اليهود قالت: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، والنصارى قالت: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا، وجاز أن يلفظ بلفظ جمع؛ لأن معنى {من} معنى جماعة, فحمل الخبر على المعنى.
والمعنى: إلا الذين كانوا هوداً, وكانوا نصارى,
وهو جمع هائد, وهود، مثل: حائل, وحول، وبازل, وبزل, وقد فسّرنا واحد النصارى, وجمعه فيما مضى من الكتاب.
وقوله عزّ وجلّ: {تلك أمانيّهم} هذا كما يقال للذي يدعي ما لا يبرهن حقيقته: إنما أنت متمن.
و{أمانيّهم} مشددة، ويجوز في العربية: (تلك أَمَانِيهِمْ), ولكن القراءة بالتشديد لا غير، للإجماع عليه، ولأنه أجود في العربية.
وقوله عزّ وجلّ: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}أي: إن كنتم عند أنفسكم صادقين, فبينوا ما الذي دلكم على ثبوت الجنة لكم). [معاني القرآن: 1/194]

تفسير قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({بلى من أسلم وجهه لله وهو محسنٌ} ذهب إلى لفظ الواحد، والمعنى يقع على الجميع).
[مجاز القرآن: 1/51]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} (؟) ). [مجاز القرآن: 1/51]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {بلى من أسلم وجهه للّه وهو محسن فله أجره عند ربّه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} أي: فهذا يدخل الجنة، فإن قال قائل: فما برهان من آمن في قولكم؟
قيل: ما بيناه من الاحتجاج للنبي صلى الله عليه وسلم , ومن إظهار البراهين بأنبائهم ما لا يعلم إلا من كتاب, أو وحي، وبما قيل لهم في تمني الموت، وما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم من الآيات الدالة على تثبيت الرسالة، فهذا برهان من أسلم وجهه للّه). [معاني القرآن: 1/195]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({يتلون الكتاب}: يقرؤنه). [مجاز القرآن: 1/51]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقالت اليهود ليست النّصارى على شيء وقالت النّصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الّذين لا يعلمون مثل قولهم فاللّه يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}
يعني به: أن الفريقين يتلوان التوراة، وقد وقع بينهم هذا الاختلاف, وكتابهم واحد، فدل بهذا على ضلالتهم، وحذر بهذا وقوع الاختلاف في القرآن، لأن اختلاف الفريقين أخرجهما إلى الكفر, فتفهموا هذا المكان, فإن فيه حجة عظيمة, وعظة في القرآن.
وقوله عزّ وجلّ: {كذلك قال الّذين لا يعلمون مثل قولهم} يعني به الذين ليسوا بأصحاب كتاب نحو: مشركي العرب, والمجوس.
المعنى: أن هؤلاء أيضاً قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا.
وقوله عزّ وجلّ: {فاللّه يحكم بينهم يوم القيامة} المعنى: يريهم من يدخل الجنة عياناً, ويدخل النار عياناً.
وهذا هو حكم الفصل فيما تصير إليه كل فرقة، فأما الحكم بينهم في العقيدة فقد بينه اللّه عزّ وجلّ فيما أظهر من حجج المسلمين، وفي عجز الخلق عن أن يأتوا بمثل القرآن). [معاني القرآن: 1/195]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلاّ خائفين...} هذه الرّوم كانوا غزوا بيت المقدس فقتلوا, وحرّقوا وخرّبوا المسجد, وإنما أظهر الله عليهم المسلمين في زمن عمر -رحمه الله- فبنوه، ولم تكن الروم تدخله إلا مستخفين، لو علم بهم لقتلوا). [معاني القرآن: 1/74]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {لّهم في الدّنيا خزيٌ...}
يقال: إن مدينتهم الأولى أظهر الله عليها المسلمين, فقتلوا مقاتلتهم، وسبوا الذراري والنساء، فذلك الخزي). [معاني القرآن: 1/74]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولهم في الآخرة عذابٌ عظيمٌ} يقول فيما وعد الله المسلمين من فتح الروم، ولم يكن بعد). [معاني القرآن: 1/74]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ومن أظلم ممّن مّنع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلاّ خائفين لّهم في الدّنيا خزيٌ ولهم في الآخرة عذابٌ عظيمٌ}
قال: {ومن أظلم ممّن مّنع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه} إنما هو "من أن يذكر فيها اسمه" ولكن حروف الجرّ تحذف مع "أن" كثيراً ويعمل ما قبلها فيها حتى تكون في موضع نصب، أو تكون {أن يذكر} بدلًا من "المساجد" يريدون: "من أظلم ممّن منع أن يذكر".
وقال: {وسعى في خرابها}, فهذا على "منع" , و"سَعَى" .
ثم قال: {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلاّ خائفين} فجعله جميعاً لأنّ {من} تكون في معنى الجماعة). [معاني القرآن: 1/111]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه} نزلت في «الرّوم» حين ظهروا على «بيت المقدس» فخرّبوه, فلا يدخله أحد أبداً منهم إلّا خائف.
{لهم في الدّنيا خزيٌ} أي: هوان, ذكر المفسرون: أنه فتح مدينتهم رومية). [تفسير غريب القرآن: 61]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلّا خائفين لهم في الدّنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم}
موضع (من) رفع , ولفظها لفظ استفهام، المعنى: وأي أحد أظلم ممن منع مساجد اللّه، و (أظلم) رفع بخبر الابتداء، وموضع "أن" نصب على البدل من مساجد اللّه، المعنى: ومن أظلم ممن منع أن يذكر في مساجد اللّه اسمه.
وقد قيل في شرح هذه الآية غير قول: -
جاء في التفسير: أن هذا يعني به الروم، لأنهم كانوا دخلوا بيت المقدس وخربوه.
وقيل: يعني به مشركو مكة؛ لأنهم سعوا في منع المسلمين من ذكر اللّه في المسجد الحرام.
وقال بعض أهل اللغة غير هذا؛ زعم أنه يعني به جميع الكفار الذين تظاهروا على الإسلام، ومنعوا جملة المساجد، لأن من قاتل المسلمين حتى منعهم الصلاة , فقد منع جميع المساجد , وكل موضع متعبّد فيه فهو مسجد، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: ((جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا))، فالمعنى على هذا المذهب: ومن أظلم ممن خالف ملة الإسلام.
وقوله عزّ وجلّ: {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلّا خائفين} أعلم اللّه في هذه الآية أن أمر المسلمين يظهر على جميع من خالفهم حتى لا يمكن دخول مخالف إلى مساجدهم إلا خائفاً, وهذا كقوله عزّ وجلّ: {ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون}.
قوله: {لهم في الدّنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم} يرتفع (خزي) من وجهتين:
إحداهما: الابتداء،
والأخرى: الفعل الذي ينوب عنه (لهم),
المعنى: وجب لهم خزي في الدنيا وفي الآخرة عذاب عظيم، والخزي الذي لهم في الدنيا: أن يقتلوا إن كانوا حرباًً, ويجزوا إن كانوا ذمة، وجعل لهم عظيم العذاب؛ لأنهم أظلم من ظلم لقوله: {ومن أظلم ممّن منع}). [معاني القرآن: 1/195-197]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه} نزلت في منع الروم المسلمين من بيت المقدس، فلا يدخله أحد منهم إلا خائفاً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 33]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ("الْخِزْي": الهوان). [العمدة في غريب القرآن: 82]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولله المشرق والمغرب} ما بين قطري المغرب، وما بين قطري المشرق، والمشارق والمغارب فيهما، فهو مشرق كلّ يوم تطلع فيه الشمس من مكان لا تعود فيه إلى قابلٍ، والمشرقين والمغربين: مشرق الشتاء ومشرق الصيف، وكذلك مغربهما، (القطر , والقتر , والحدّ , والتّخوم واحد).
{إنّ الله واسعٌ}أي: جواد يسع لما يسأل). [مجاز القرآن: 1/51]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه إنّ اللّه واسعٌ عليمٌ}, قال: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه}؛ لأنّ {أينما} من حروف الجزم من المجازاة , والجواب في الفاء). [معاني القرآن: 1/111]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فثم وجه الله}: قبلة الله.
قال مجاهد: "قبلة الله أين ما كنت من شرق أو غرب؛ فاستقبلها").[غريب القرآن وتفسيره:79-80]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ({وللّه المشرق والمغرب} نزلت في ناس من أصحاب رسول اللّه -صلى اللّه عليه وعلى آله- كانوا في سفر, فعميت عليهم القبلة: فصلّى ناس قبل المشرق، وآخرون قبل المغرب, وكان هذا قبل أن تحوّل القبلة إلى الكعبة).
[تفسير غريب القرآن: 62]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عز وجل: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه إنّ اللّه واسع عليم}
يرتفعان كما وصفنا من جهتين، ومعنى {للّه} أي: هو خالقهما.
وقوله: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه}
{تولّوا}جزم بـ{أينما}, والجواب {فثمّ وجه اللّه}, وعلامة الجزم في {تولّوا} سقوط النون, و (ثمّ) موضع نصب ولكن مبني على الفتح لا يجوز أن تقول ثمّا زيد.
وإنما بني على الفتح لالتقاء السّاكنين، و"ثم" في المكان أشارة بمنزلة: هنا زيد؛ فإذا أردت المكان القريب قلت: هنا زيد، وإذا أردت المكان المتراخي عنك قلت: ثمّ زيد، وهناك زيد، فإنما منعت (ثمّ) الإعراب لإبهامها, ولا أعلم أحدا شرح هذا الشرح؛ لأن هذا غير موجود في كتبهم.
ومعنى الآية:
أنه قيل فيها: أنه يعني به البيت الحرام، فقيل: {أينما تولوا فثم وجه الله} أي: فاقصدوا وجه اللّه بتيمّمكم القبلة، ودليل من قال هذا القول قوله: {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} فقد قيل: إن قوماً كانوا في سفر , فأدركتهم ظلمة ومطر , فلم يعرفوا القبلة فقيل: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه}.
وقال بعض أهل اللغة: إنما المعنى : معنى قوله: {وهو معكم أين ما كنتم}, فالمعنى على قوله هذا: أن اللّه معكم أينما تولوا؛ كأنه أينما تولوا فثم الله, {وهو معكم},
وإنّما حكينا في هذا ما قال الناس: وليس عندنا قطع في هذا، واللّه عزّ وجلّ أعلم بحقيقته؛ ولكن قوله: {إنّ اللّه واسع عليم} يدل على توسيعه على الناس في شيء رخص لهم به). [معاني القرآن: 1/197-198]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَجْهُ اللّهِ}: قبلة الله). [العمدة في غريب القرآن: 82]

تفسير قوله تعالى: {َقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {كلٌّ لّه قانتون...} يريد: مطيعون، وهذه خاصّة لأهل الطاعة ليست بعامّة).
[معاني القرآن: 1/74]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({قانتون}: كل مقرٌّ بأنه عبد له، قانتات: مطيعات). [مجاز القرآن: 1/51]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({كل له قانتون} أي: كل يقر بأنه له عبد بالقول، وقانتات: مطيعات).
[غريب القرآن وتفسيره: 80]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({كلٌّ له قانتون}: مقرّون بالعبودية، موجبون للطاعة, و"القنوت" يتصرف على وجوه قد بينتها في «تأويل المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 62]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وقالوا اتّخذ اللّه ولدا سبحانه بل له ما في السّماوات والأرض كلّ له قانتون}
{قالوا} للنصارى, ومشركي العرب؛ لأن النصارى قالت: المسيح ابن اللّه، وقال مشركو العرب: الملائكة بنات اللّه، فقال اللّه عزّ وجلّ: {بل له ما في السّماوات والأرض كلّ له قانتون}
"القانت" في اللغة: المطيع، وقال الفرّاء: {كل له قانتون}, هذا خصوص, إنما يعني به أهل الطاعة،
والكلام يدل على خلاف ما قال؛ لأن قوله: {ما في السّماوات والأرض كلّ له قانتون} "كل" إحاطة, وإنما تأويله: كل ما خلق اللّه في السّماوات والأرض فيه أثر الصنعة, فهو قانت للّه, والدليل على أنه مخلوق,
و"القانت" في اللغة: القائم -أيضاً-؛ ألا ترى أن القنوت إنما يسمى به من دعا قائماً في الصلاة: قانتاً, فالمعنى: كل له قانت مقر بأنه خالقه، لأن أكثر من يخالف ليس بدفع أنه مخلوق, وما كان غير ذلك, فأثر الصنعة بين فيه، فهو قانت على العموم، وإنما القانت الداعي). [معاني القرآن: 1/198]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({كل له قانتون} أي: مقرون بالعبودية, والقنوت في غير هذا: طول القيام، وهو الدعاء أيضاً, وأصله كله الطاعة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 33]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({قَانِتُونَ}: طائعون). [العمدة في غريب القرآن: 82]

تفسير قوله تعالى:{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فإنّما يقول له كن فيكون...} رفعٌ, ولا يكون نصباً, إنما هي مرودة على "يقول" , "فإنما يقول فيكون", وكذلك قوله: {ويوم يقول كن فيكون قوله الحقّ} رفعٌ لا غير, وأمّا التي في النحل: {إنّما قولنا لشيء إذا أردناه أن نّقول له كن فيكون} فإنها نصب، وكذلك التي في "يس" نصبٌ؛ لأنّها مرودةٌ على فعل قد نصب بـ"أن"، وأكثر القرّاء على رفعهما, والرفع صوابٌ، وذلك أن تجعل الكلام مكتفياً عند قوله: {إذا أردناه أن نّقول له كن} فقد تمّ الكلام، ثم قال: فسيكون ما أراد الله, وإنّه لأحبّ الوجهين إليّ، وإن كان الكسائيّ لا يجيز الرفع فيهما, ويذهب إلى النّسق). [معاني القرآن: 1/74-175]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({بديع}: مبتدع؛ وهو البادىء الذي بدأها, {وإذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون} أي: أحكم أمراً، قال أبو ذؤيب:
وعليهما مسرودتان قضاهما= داود أو صنع السّوابغ تبّع
أي: أحكم عملهما،
فرفع {فيكون}؛ لأنه ليس عطفاً على الأول، ولا فيه شريطة فيجازى، إنما يخبر أن الله تبارك وتعالى إذا قال: كن، كان).[مجاز القرآن: 1/52]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({بديع السّماوات والأرض وإذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون}
قال: {وإذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون} فرفعه على العطف؛ كأنه إنما يريد أن يقول: "إنّما يقول كن فيكون" , وقد يكون أيضاً رفعه على الابتداء, وقال: {إذا أردناه أن نّقول له كن فيكون}, فإن جعلت {يكون} ههنا معطوفةً, نصبت لأنّ {أن نقول} نصب بـ"أن" كأنه يريد: "أن نقول فيكون", فإن قال: كيف والفاء ليست في هذا المعنى؟
فإن الفاء والواو قد تعطفان على ما قبلهما وما بعدهما، وإن لم يكن في معناه نحو "ما أنت وزيداً"، وإنما يريد "لم تضرب زيداً" , وترفعه على "ما أنت وما زيد" وليس ذلك معناه, ومثل قولك: "إيّاك والأسد",
والرفع في قوله: {فيكون} على الابتداء نحو قوله: {لّنبيّن لكم ونقرّ في الأرحام ما نشاء} , وقال: {ليضلّ عن سبيل اللّه بغير علمٍ ويتّخذها هزواً}, وقد يكون النصب في قوله: {ويتّخذها}, وفي {نقرّ في الأرحام} أيضاً على أول الكلام, قال الشاعر -فرفع على الابتداء- :
يعالج عاقراً أعيت عليه = ليلقحها فينتجها حوارا
وقال الشاعر أيضاً :
وما هو إلاّ أنّ أراها فجاءةً = فأبهت حتّى ما أكاد أجيب
والنصب في قوله: {فأبهت} على العطف, والرفع على الابتداء). [معاني القرآن: 1/111-112]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({بديع السموات}: مبتدعها. {إذا قضى أمرا}: أحكم أمرا). [غريب القرآن وتفسيره: 80]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ({بديع السّماوات والأرض}: مبتدعهما). [تفسير غريب القرآن: 62]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {بديع السّماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنّما يقول له كن فيكون}
يعني: أنشاهما على غير حذاء, ولا مثال، وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه؛ قيل له: أبدعت، ولهذا قيل لكل من خالف السّنّة والإجماع مبتدع؛ لأنه يأتي في دين الإسلام بما لم يسبقه إليه الصحابة والتابعون.
وقوله: عزّ وجلّ: {وإذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون}؛ رفع {يكون} من جهتين:
إن شئت على العطف على {يقول}، وإن شئت الاستئناف، المعنى: فهو يكون،
ومعنى الآية: قد تكلم الناس فيها بغير قول:
قال بعضهم: {إنما يقول له كن فيكون}, إنما يريد: فيحدث, كما قال الشاعر:
امتلأ الحوض وقال قطني= مهلا رويدا قد ملأت بطني
والحوض لم يقل.
وقال بعض أهل اللغة: {إنّما يقول له كن فيكون} يقول له, وإن لم يكن حاضرا: كن؛ لأن ما هو معلوم عنده بمنزلة الحاضر.
وقال قائل: {إنّما يقول له كن فيكون} له معنى من أجلها؛ فكأنه إنما يقول من أجل إرادته إياه {كن}أي: أحدث, فيحدث،
وقال قوم: هذا يجوز أن تكون لأشياء معلومة أحدث فيها أشياء فكانت، نحو قوله: {فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين} واللّه أعلم).
[معاني القرآن: 1/198-199]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بَدِيعُ}: مبتدع, {قَضَى}: حكم). [العمدة في غريب القرآن: 82]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {تشابهت قلوبهم...} يقول: تشابهت قلوبهم في اتفاقهم على الكفر, فجعله اشتباهاً, ولا يجوز (تشّابهت) بالتثقيل؛ لأنّه لا يستقيم دخول تاءين زائدتين في "تفاعلت" ولا في أشباهها, وإنما يجوز الإدغام إذا قلت في الاستقبال: تتشابه (عن قليل), فتدغم التاء الثانية عند الشين). [معاني القرآن: 1/75]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({لولا يكلّمنا الله}: هلاّ يكلمنا الله, قال الأشهب ابن رميلة:
تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم= بنى ضوطرى لولا الكمىّ المقنّعا
يقول: هلاّ تعدّون الكمىّ المقنّعا, يقال: رجل ضوطرى, وامرأة ضوطرة, أي: ضخمة كثيرة الشحم, ومثله ضيطار). [مجاز القرآن: 1/52-53]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({لولا يكلمنا الله}: هلا يكلمنا الله). [غريب القرآن وتفسيره: 81]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ({لولا يكلّمنا اللّه}: هلّا يكلمنا, {تشابهت قلوبهم}: في الكفر, والفسق, والقسوة).
[تفسير غريب القرآن: 62]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقال الّذين لا يعلمون لولا يكلّمنا اللّه أو تأتينا آية كذلك قال الّذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بيّنّا الآيات لقوم يوقنون}
{لولا}: معنى هلا، المعنى: هلا يكلمنا اللّه, أو تأتينا آية، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن كفرهم في التعنّت بطلب الآيات على اقتراحهم كقول الذين من قبلهم لموسى: {أرنا اللّه جهرة} وما أشبه هذا، فأعلم الله أن كفرهم متشابه، وأن قلوبهم قد تشابهت في الكفر.
وقوله عزّ وجلّ: {قد بيّنّا الآيات لقوم يوقنون} المعنى فيه: أن من أيقن وطلب الحق , فقد آتته الآيات البينات، نحو المسلمين, ومن لم يشاق من علماء اليهود، لأنه لما أتاهم صلى الله عليه وسلم بالآيات التي يعجز عنها من أنبائهم بما لا يعلم إلا من وحي، ونحو انشقاق القمر , وآياته التي لا تحصى عليه السلام، والقرآن الذي قيل لهم , فأتوا بسورة من مثله , فعجزوا عن ذلك, ففي هذا برهان شاف). [معاني القرآن: 1/200]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لَوْلاَ}: هلا). [العمدة في غريب القرآن: 83]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم...}
قرأها ابن عباس, وأبو جعفر محمد بن عليّ بن الحسين جزماً, وقرأها بعض أهل المدينة جزماً, وجاء التفسير بذلك إلا أنّ التفسير على فتح التاء على النهي, والقرّاء بعد على رفعها على الخبر: (ولست تسئل)، وفي قراءة أبيّ: (وما تسأل), وفي قراءة عبد الله: (ولن تسأل), وهما شاهدان للرفع). [معاني القرآن: 1/75]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({إنّا أرسلناك بالحقّ بشيراً ونذيراً ولا تسأل عن أصحاب الجحيم}
قال: {إنّا أرسلناك بالحقّ بشيراً ونذيراً ولا تسأل عن أصحاب الجحيم}, وقد قرئت: (ولا تَسْأَلُ) وكلّ هذا رفعٌ ؛ لأنه ليس بنهيٍ, وإنّما هو حال؛ كأنه قال: {أرسلناك بشيراً ونذيراً}, وغير سائلٍ, أو غير مسئول, وقد قرئتا جزما جميعاً على النهي). [معاني القرآن: 1/112]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم}
نصب {بشيراً ونذيراً} على الحال، ومعنى {بشيراً} أي: مبشراً المؤمنين بما لهم من الثواب، وينذر المخالفين بما أعد لهم من العقاب.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} وتقرأ: (ولا تَسْأَلُ), ورفع القراءتين جميعاً من جهتين:
إحداهما: أن يكون {ولا تسأل} استئنافاً, كأنّه قيل: ولست تسأل عن أصحاب الجحيم، كما قال عزّ وجلّ: {فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب}, ويجوز أن يكون له الرفع على الحال، فيكون المعنى: أرسلناك غير سائل عن أصحاب الجحيم.
ويجوز أيضاً: (ولا تَسْأَلْ عن أصحاب الجحيم), وقد قرئ به , فيكون جزماً بلا.
وفيه قولان على ما توجبه اللغة:
أن يكون أمره اللّه بترك المسألة، ويجوز أن يكون النهي لفظاً, ويكون المعنى على تفخيم ما أعد لهم من العقاب، كما يقول لك القائل الذي تعلم أنت أنه يجب أن يكون من تسأل عنه في حال جميلة, أو حال قبيحة، فتقول: لا تسأل عن فلان, أي: قد صار إلى أكثر مما تريد، ويقال: سألته أسأله مسألة وسؤالاً, والمصادر على فعال تقلّ في غير الأصوات والأدواء, فأمّا في الأصوات فنحو: الدعاء, والبكاء, والصراخ, وأما في الأدواء فنحو: الزكام, والسعال, وما أشبه ذلك، وإنما جاء في السؤال؛ لأن السؤال لا يكون إلا بصوت). [معاني القرآن: 1/200-201]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({حتّى تتّبع ملّتهم} أي: دينهم، والملل: الأديان). [مجاز القرآن: 1/53]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النّصارى حتّى تتّبع ملّتهم قل إنّ هدى اللّه هو الهدى ولئن اتّبعت أهواءهم بعد الّذي جاءك من العلم ما لك من اللّه من وليّ ولا نصير}
قد شرحنا معنى: اليهود والنصارى, و "ترضى" يقال في مصدره: رضي، يرضى، رضا ومرضاة، ورِضواناً ورُضواناً.
ويروي عن عاصم في كل ما في القرآن من {رضوان} الوجهان جميعا، فأمّا ما يرويه عنه أبو عمرو فـ"رِضوان" بالكسر، وما يرويه أبو بكر بن عياش: فـ"رُضوان"، والمصادر تأتي على فِعلان وفُعلان، فأمّا فِعلان، فقولك: عرفته عرفاناً, وحسبته حسباناً, وأما فُعلان كقولك: غفرانك لا كفرانك.
وقوله عزّ وجلّ: {حتّى تتّبع ملّتهم}
{تتّبع} نصب بـ{حتى}، والخليل , وسيبويه, وجميع من يوثق بعلمه يقولون: إن الناصب للفعل بعد "حتى" (أن) إلّا أنها لا تظهر مع "حتى"، ودليلهم أن "حتى" غير ناصبة هو: أن "حتى" بإجماع خافضة، قال اللّه عزّ وجلّ: {سلام هي حتى مطلع الفجر} فخفض {مطلع} بـ{حتى}، ولا نعرف في العربية أن ما يعمل في اسم يعمل في فعل، ولا ما يكون خافضاً لاسم يكون ناصباً لفعل، فقد بان أن "حتى" لا تكون ناصبة، كما أنك إذا قلت: جاء زيد ليضربك , فالمعنى: جاء زيد لأن يضربك، لأن اللام خافضة للاسم، ولا تكون ناصبة للفعل، وكذلك: ما كان زيد ليضربك، اللام خافضة، والناصب لـ"يضربك" أن المضمرة, ولا يجوز إظهارها مع هذه اللام، وإنما لم يجز ؛ لأنها جواب لما يكون مع الفعل , وهو حرف واحد يقول القائل: سيضربك، وسوف يضربك، فجعل الجواب في النفي بحرف واحد كما كان في الإيجاب بشيء واحد.
ونصب {ملتهم} بـ{تتبع}، ومعنى {ملتهم} في اللغة: سنتهم وطريقتهم، ومن هذا الملة أي: الموضع الذي يختبز فيه؛ لأنها تؤثر في مكانها كما يؤثّر في الطريق.
وكلام العرب إذا اتفق لفظه, فأكثره مشتق بعضه من بعض، وآخذ بعضه برقاب بعض.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّ هدى اللّه هو الهدى} أي: الصراط الذي دعا إليه , وهدى إليه هو الطريق , أي: طريق الحق.
وقوله عزّ وجلّ: {ولئن اتّبعت أهواءهم} إنما جمع ولم يقل هواهم؛ لأن جميع الفرق ممن خالف النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليرضيهم منه إلا اتباع هواهم, وجمع هوى على أهواء، كما يقال: جمل وأجمال، وقتب وأقتاب.
وقوله عزّ وجلّ: {ما لك من اللّه من وليّ ولا نصير} الخفض في {نصير} القراءة المجمع عليها، ولو قرئ: (ولا نصيرٌ) بالرفع كان جائزاً؛ لأن معنى من ولي: ما لك من اللّه ولي, ولا نصير.
ومعنى الآية: أن الكفار كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الهدنة , ويرون إنّه إن هادنهم وأمهلهم أسلموا، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنهم لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم، فنهاه اللّه , ووعظه في الركون إلى شيء مما يدعون إليه، ثم أعلمه اللّه عزّ وجل وسائر الناس أن من كان منهم غير متعنت , ولا حاسد, ولا طالب لرياسة , تلا التوراة كما أنزلت , فذكر فيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم حق, فآمن به , فقال تعالى: {الّذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون}). [معاني القرآن: 1/202-203]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({حَقَّ تِلاَوَتِهِ}: حق تلاوته). [العمدة في غريب القرآن: 83]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({يتلونه حقّ تلاوته} أي: يحلّون حلاله، ويحرّمون حرامه, {ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون} وقع على الجميع). [مجاز القرآن: 1/53]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({الّذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون}
قال: {يتلونه حقّ تلاوته} كما يقولون: "هَذَا حقٌّ عالمٍ" , وهو مثل "هَذا عالمٌ كلّ عالمٍ"). [معاني القرآن: 1/113]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({يتلونه حق تلاوته}: يحلون حلاله ويحرمون حرامه.
وقال بعضهم: يتبعونه حق اتباعه). [غريب القرآن وتفسيره: 81]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({الّذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون } يعني: أن الذين تلوا التوراة على حقيقتها، أولئك يؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا دليل: أن غيرهم جاحد لما يعلم حقيقته؛ لأن هؤلاء كانوا من علماء اليهود، وكذلك من آمن من علماء النصارى ممن تلا كتبهم.
و{الذين} يرفع بالابتداء، وخبر الابتداء {يتلونه}, وإن شئت كان خبر الابتداء {يتلونه} و{أولئك} جميعاً, فيكون للابتداء خبران، كما تقول: هذا حلو حامض). [معاني القرآن: 1/203]

تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأنّي فضّلتكم على العالمين }
{يا بني إسرائيل} نصب ؛ لأنه نداء مضاف، وأصل النداء: النصب، ألا ترى أنك إذا قلت: يا بني زيد، فقال لك قائل: ما صنعت؛ قلت: ناديت بني زيد، فمحال أن تخبره بغير ما صنعت، وقد شرحناه قبل هذا شرحا أبلغ من هذا، و"إسرائيل" لا يتصرف، وقد شرحنا شرحه في مكانه , وما فيه من اللغات.
وقوله عزّ وجلّ: {اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأنّي فضّلتكم على العالمين} موضع (أن) نصب كأنه قال: اذكروا أني فضلتكم على العالمين.
والدليل من القرآن على أنهم فضلوا قول موسى صلى الله عليه وسلم كما قال الله عزّ وجلّ: {وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين}
وتأويل تفضيلهم في هذه الآية: ما أوتوا من الملك , وأن فيهم أنبياء , وأنهم أعطوا علم التوراة، وأن أمر عيسى ومحمد -صلى الله عليهما وسلم- لم يكونوا يحتاجون فيه إلى آية غير ما سبق عندهم من العلم به، فذكرهم اللّه عزّ وجلّ ما هم عارفون، ووعظهم فقال: {واتّقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون}). [معاني القرآن: 1/203-204]

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا يقبل منها عدلٌ...} يقال: فديةٌ). [معاني القرآن: 1/75]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({لا تجزى نفسٌ عن نفسٍ شيئاً} أي: لا تغنى.
{ولا يقبل منها عدلٌ} أي: مثلٌ، يقال: هذا عدل هذا؛ والعدل: الفريضة، والصّرف: النافلة؛
وقال أبو عبيدة: العدل: المثل، والصّرف: المثل، والعدل: الفداء، قال الله تبارك وتعالى: {وإن تعدل كلّ عدل}). [مجاز القرآن: 1/53]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({لا يقبل منها عدل} العدل: الفداء، ومنه {وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها} وقالوا: الفريضة والصرف والنافلة). [غريب القرآن وتفسيره: 81]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولا تنفعها شفاعةٌ} هذا للكافر, فليس له شافع فينفعه، ولذلك قال الكافرون: {فما لنا من شافعين ولا صديقٍ حميمٍ} حين رأوا تشفيع اللّه في المسلمين). [تفسير غريب القرآن: 62]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({واتّقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون} العدل: الفدية، وقيل لهم: {ولا تنفعها شفاعة}؛ لأنهم كانوا يعتمدون على أنهم أبناء أنبياء اللّه، وأنهم يشفعون لهم، فأيئسهم اللّه عزّ وجلّ من ذلك, وأعلمهم أن من لم يتبع محمداً صلى الله عليه وسلم فليس ينجيه من عذاب اللّه شيء , وهو كافر). [معاني القرآن: 1/204]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 24 ذو الحجة 1431هـ/30-11-2010م, 01:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 124 إلى 141]

{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134) وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ...}
يقال: أمره بخلالٍ عشرٍ من السّنّة؛ خمسٌ في الرأس، وخمس في الجسد؛
فأما اللاتي في الرأس: فالفرق، وقصّ الشّارب، والاستنشاق، والمضمضة، والسّواك,
وأما اللاتي في الجسد: فالختان، وحلق العانة، وتقليم الأظافر، ونتف الرفغين, يعني: الإبطين, قال الفرّاء: ويقال للواحد "رفغ"، والاستنجاء.
{فأتمّهنّ}: عمل بهنّ؛ فقال الله تبارك وتعالى: {إنّي جاعلك للنّاس إماماً}: يهتدى بهديك ويستنّ بك، فقال: ربّ {ومن ذرّيّتي} على المسئلة).
[معاني القرآن: 1/76]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {لا ينال عهدي الظّالمين...} يقول: لا يكون للمسلمين إمام مشرك, وفي قراءة عبد الله: (لا ينال عهدي الظّالمون), وقد فسّر هذا؛ لأن ما نالك فقد نلته، كما تقول: نلت خيرك، ونالني خيرك). [معاني القرآن: 1/76]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وإذا ابتلى إبراهيم ربّه} أي: اختبره). [مجاز القرآن: 1/54]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ قال إنّي جاعلك للنّاس إماماً قال ومن ذرّيّتي قال لا ينال عهدي الظّالمين}
قال: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} أي: اختبره, و{إبراهيم} هو المبتلي؛ فلذلك انتصب,
وقال: {لا ينال عهدي الظّالمين}؛ لأنّ العهد هو الذي لا ينالهم، وقال بعضهم: (لا ينال عهدي الظالمون), والكتاب بالياء, وإنما قالوا: (الظالمون)؛ لأنهم جعلوهم الذين لا ينالون). [معاني القرآن: 1/113]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} أي: اختبر اللّه إبراهيم بكلمات, يقال: هي عشر من السّنّة, {فأتمّهنّ} أي: عمل بهن كلّهن). [تفسير غريب القرآن: 63]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمّهنّ قال إنّي جاعلك للنّاس إماما قال ومن ذرّيّتي قال لا ينال عهدي الظّالمين} المعنى: اذكروا إذ ابتلى إبراهيم ربه.
ومعنى {فأتمهن}: وفّى بما أمر به فيهن، وقد اختلفوا في الكلمات:
1- فقال قوم: تفسيرها أنه أمره بخمس خلال في الرأس، وخمس خلال في البدن،
فأمّا اللاتي في الرأس: فالفرق, وقص الشارب , والسواك، والمضمضة، والاستنشاق،
وأمّا التي في البدن : فالختان , وحلق العانة , والاستنجاء , وتقليم الأظافر , ونتف الإبط, فهذا مذهب قوم , وعليه كثير من أهل التفسير.
2- وقال قوم: أن الذي ابتلاه به: ما أمره به من ذبح ولده, وما كان من طرحه في النار، وأمر النجوم التي جرى ذكرها في القرآن في قوله عزّ وجلّ: {فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكباً}, وما جرى بعد الكواكب من ذكر القمر والشمس، فهذا مذهب قوم.
وجميع هذه الخلال قد ابتلي بها إبراهيم، وقد وفّى بما أمر به, وأتى بما يأتي به المؤمن, بل البر المصطفى المختار،
ومعنى {ابتلى}: اختبر.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّي جاعلك للنّاس إماماً}؛ الأم: في اللغة القصد، تقول: أممت كذا وكذا، إذا قصدته, وكذلك قوله: {فتيمّموا صعيداً طيّباً}, أي: فاقصدوا, والإمام: الذي يؤتم به, فيفعل أهله وأمته كما فعل، أي: يقصدون لما يقصد.
{قال ومن ذرّيّتي قال لا ينال عهدي الظّالمين}: فأعلم اللّه إبراهيم أن في ذريته الظالم، وقد قرئت (لا ينال عهدي الظالمون), والمعنى في الرفع والنصب واحد؛ لأن النّيل مشتمل على العهد وعلى الظالمين إلا أنه منفي عنهم، والقراءة الجيّدة هي على نصب الظالمين؛ لأن المصحف هكذا فيه، وتلك القراءة جيدة باللغة إلا أني لا أقرأ بها، ولا ينبغي أن يقرأ بها؛ لأنها خلاف المصحف؛ ولأن المعنى: أن إبراهيم عليه السلام كأنّه قال: واجعل الإمامة تنال ذريتي, واجعل هذا العهد ينال ذريتي، قال اللّه: {لا ينال عهدي الظالمين}, فهو على هذا أقوى أيضاً).[معاني القرآن: 1/205]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات} أي: اختبره، والكلمات هي عشر:خمس في الرأس، وخمس في البدن: فالتي في الرأس هي: الفرق، وقص الشارب، والاستنشاق، والمضمضة، والسواك.
والتي في البدن هي: الختان، ونتف الإبط، وتقليم الظفر، وحلق العانة، والاستنجاء بالماء.
{فأتمهن} أي: عمل بهن). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 33]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذ جعلنا البيت مثابةً لّلنّاس...} يثوبون إليه -من المثابة والمثاب- أراد: من كل مكان. والمثابة في كلام العرب كالواحد؛ مثل: المقام والمقامة.
وقوله: {وأمناً...} يقال: إن من جنى جناية أو أصاب حدّا ثم عاذ بالحرم لم يقم عليه حدّه حتى يخرج من الحرم، ويؤمر بألاّ يخالط, ولا يبايع، وأن يضيّق عليه حتى يخرج؛ ليقام عليه الحدّ، فذلك أمنه, ومنّ جنى من أهل الحرم جناية, أو أصاب حدّا, أقيم عليه في الحرم). [معاني القرآن: 1/76-77]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واتّخذوا من مّقام إبراهيم مصلًّى...} وقد قرأت القرّاء بمعنى الجزم, والتفسير مع أصحاب الجزم, ومن قرأ: (واتّخَذوا), ففتح الخاء كان خبراً, يقول: جعلناه مثابة لهم واتخذوه مصلى، وكلّ صواب إن شاء الله). [معاني القرآن: 1/77]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أن طهّرا بيتي...} يريد: من الأصنام ألاّ تعلّق فيه.
وقوله: {للطّائفين والعاكفين...} يعني: أهله, {والرّكّع السّجود} يعني: أهل الإسلام). [معاني القرآن: 1/77]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({مثابةً} مصدر (يثوبون إليه) أي: يصيرون إليه.
{والعاكفين} العاكف أي: المقيم. {والركّع السّجود}: الذين يركعون , ويسجدون , والراكع: العاثر من الدواب, قال الشاعر:
على قرواء تركع في الظّراب
الظراب: الجبال الصغار؛ قال لبيد:
أخبّر أخبار القرون التي مضت= أدبّ كأنّي كلما قمت راكع
).[مجاز القرآن: 1/54]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذ جعلنا البيت مثابةً لّلنّاس وأمناً واتّخذوا من مّقام إبراهيم مصلًّى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود}
قال: {وإذ جعلنا البيت مثابةً لّلنّاس وأمناً} على {اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم}, {وإذ جعلنا البيت مثابةً لّلنّاس}, وألحقت الهاء في "المثابة" لما كثر من يثوب إليه، كما تقول: "نسّابة" و"سيّارة" لمن يكثر ذلك منه.
وقال: {واتّخذوا من مّقام إبراهيم مصلًّى} يريد (واتّخذوا) كأنّه يقول: واذكروا نعمتي , وإذ اتّخذوا مصلى من مقام إبراهيم, و{اتّخِذوا} بالكسر , وبها نقرأ ؛ لأنّها تدلّ على الغرض.
وقال: {والرّكّع السّجود} , فـ{السّجود} جماعة "السّاجد" كما تقول: "قومٌ قعودٌ" , و"جلوسٌ"). [معاني القرآن: 1/113-114]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({مثابة للناس}: مصيرا يصيرون إليه لا يقضون منه وطرا. والعاكف: المقيم).
[غريب القرآن وتفسيره:81-82]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({جعلنا البيت مثابةً للنّاس} أي: معاداً لهم، من قولك: ثبت إلى كذا وكذا، عدت إليه, وثاب إليه جسمه بعد العلة، أي: عاد. أراد: أن الناس يعودون إليه مرة بعد مرة.
{العاكفين}: المقيمين, يقال: عكف على كذا، إذا أقام عليه. ومنه قوله: {وانظر إلى إلهك الّذي ظلت عليه عاكفاً}, ومنه الاعتكاف، إنما هو: الإقامة في المساجد على الصلاة , والذكر للّه). [تفسير غريب القرآن: 63]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ جعلنا البيت مثابة للنّاس وأمنا واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود}
{مثابة}: يثوبون إليه، والمثاب والمثابة واحد، وكذلك المقام والمقامة.
قال الشاعر:
وإنّي لقوّام مقاوم لم يكن= جرير ولا مولى جرير يقومها
وواحد المقاوم "مقام", وقال زهير:
وفيهم مقامات حسان وجوهها= وأندية ينتابها القول والفعل
وواحد المقامات "مقامة",
و الأصل في مثابة "مثوبة", ولكن حركة الواو نقلت إلى التاء، وتبعت الواو الحركة فانقلبت ألفا، وهذا إعلال إتباع، تبع مثابة باب "ثاب" وأصل ثاب "ثوب"، ولكن الواو قلبت ألفا لتحركها, وانفتاح ما قبلها لا اختلاف بين النحويين في ذلك.
وهذا الباب فيه صعوبة إلا أن كتابنا هذا يتضمن شرح الإعراب والمعاني , فلا بد من استقصائها على حسب ما يعلم.
ومعنى قوله {وأمنا}؛ قيل: كان من جنى جناية ثم دخل الحرم لم يقم عليه الحد، ولكن لا يبايع , ولا يكلم حتى يضطر إلى الخروج منه، فيقام عليه الحد.
وقوله عزّ وجلّ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى} قرئت {واتخذوا} بالفتح والكسر: واتخذوا، واتّخذوا .
روى أن عمر بن الخطاب قال للنبي صلى الله عليه وسلم, وقد وقفا على مقام إبراهيم: "أليس هذا مقام خليل ربنا؟" وقال بعضهم: "مقام أبينا, أفلا نتخذه مصلى؟"؛ فأنزل الله عزّ وجلّ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى}, فكان الأمر.
والقراءة: {واتخذوا} بالكسر على هذا الخبر أبين, ولكن ليس يمتنع (واتخَذوا)؛ لأن الناس اتخذوا هذا، فقال: {وإذ جعلنا البيت مثابة}, (واتخَذوا), فعطف بجملة على جملة.
وقوله عزّ وجلّ: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود}
معنى "طهّراه": امنعاه من تعليق الأصنام عليه، و"الطائفون": هم الذين يطوفون بالبيت، و"العاكفون": المقيمون به، ويقال: قد عكف يعكف , ويعكف على الشيء عكوفاً, أي: أقام عليه، ومن هذا قول الناس: فلان معتكف على الحرام، أي: مقيم عليه.
{والرّكع السجود}: سائر من يصلي فيه من المسلمين.
و{بيتي}: الأجود فيه فتح الياء، وإن شئت سكّنتها، و"الرّكع": جمع راكع، مثل: غاز وغزى، و"السجود" جمع ساجد، كقولك: ساجد وسجود، وشاهد وشهود). [معاني القرآن: 1/206-207]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مثابة للناس} أي: معاداً يعودون إليه, و"العاكف": المقيم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 33]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَثَابَةً}: مصير, "الْعَاكِفُونَ": المقيمون). [العمدة في غريب القرآن: 83]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن كفر..} من قول الله تبارك وتعالى: {فأمتّعه} على الخبر, وفي قراءة أبيّ: (ومن كفر فنمتّعه قليلاً ثمّ نضطرّه إلى عذاب النار), فهذا وجه, وكان ابن عباس يجعلها متّصلة بمسألة إبراهيم -صلى الله عليه- على معنى: "ربّ ومن كفر فأمتعه قليلا ثم اضطرّه", منصوبة موصولة, يريد: ثم اضطرره؛ فإذا تركت التضعيف نصبت، وجاز في هذا المذهب كسر الراء في لغة الذين يقولون مدّة, وقرأ يحيى بن وثّاب: (فإمتعه قليلا ثم إضطرّه) بكسر الألف كما تقول: أنا أعلم ذلك). [معاني القرآن: 1/78]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم باللّه واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتّعه قليلاً ثمّ أضطرّه إلى عذاب النّار وبئس المصير}
قال: {وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم} , فـ{من آمن} بدل على التبيان كما تقول: "أخذت المال نصفه" , و"رأيت القوم ناساً منهم", ومثل ذلك {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه}, يريد: عن قتالٍ فيه، وجعله بدلاً, ومثله: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً}, ومثله: {قال الملأ الّذين استكبروا من قومه للّذين استضعفوا لمن آمن منهم}, لشبيه هذا أيضاً إلاّ أنه قدر فيه حرف الجرّ.
وقال: (ومن كفر فأمتعه قليلاً) على الأمر (ثمّ أضطره) فجزم (فأمتعه) على الأمر , وجعل الفاء جواب المجازاة,
وقال بعضهم: {فأمتّعه}, وبها نقرأ رفع على الخبر , وجواب المجازاة الفاء). [معاني القرآن: 1/114]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم باللّه واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتّعه قليلا ثمّ أضطرّه إلى عذاب النّار وبئس المصير} المعنى: واذكروا إذ قال إبراهيم.
{وأمنا}: ذا أمن.
وقوله عزّ وجل: {وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم...} {من} نصب بدل من {أهله}، المعنى: أرزق من آمن من أهله دون غيرهم؛ لأن الله تعالى قد أعلمه أن في ذريته غير مؤمن، لقوله: عزّ وجل: {لا ينال عهدي الظّالمين}.
وقوله عزّ وجلّ: {قال ومن كفر فأمتّعه قليلا ثمّ أضطرّه إلى عذاب النار} أكثر القراءة على: {فأمتّعه قليلاً ثم أضطره} على الإخبار، وقد قرئ أيضاً: (فأمتعه ثم اضطرّه) على الدعاء، ولفظ الدعاء كلفظ الأمر مجزوم، إلا أنه استعظم أن يقال "أمر"، فمسألتك من فوقك -نحو: أعطني، وأغفر لي- دعاء ومسألة، ومسألتك من دونك أمر، كقولك لغلامك: افعل كذا وكذا,
والراء مفتوحة في قوله: (ثم اضطرّه), لسكونها , وسكون الراء التي قبلها الأصل: ثم اضطرره، ويجوز: (ثم أضطره) , ولا أعلم أحداً قرأ بها).
[معاني القرآن: 1/207-208]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل...}
يقال: هي أساس البيت, واحدتها : قاعدة، ومن النساء اللواتي قد قعدن عن المحيض قاعد بغير هاء, ويقال لامرأة الرجل: قعيدته). [معاني القرآن: 1/78]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله:{ربّنا تقبّل منّا...}
يريد: يقولان ربنا, وهي في قراءة عبد الله: {ويقولان ربنا}). [معاني القرآن: 1/78]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({قواعد البيت}: أساسه، مخفف، والجميع أسس، وجماع الأسّ إذا ضممته آساس، تقديره: أفعال؛ {والقواعد}: الواحد من قواعد البيت: قاعدة, والواحدة من قواعد النسا : قاعدة، وقاعد أكثر، قال الكميت ابن زيد:
في ذروة من يفاعٍ أوّلهم= زانت عواليها قواعدها
وقال أيضاً:
وعاديةٍ من بناء الملوك= تمتّ قواعد منها وسورا
واحدها: قاعدة.
{يرفع}: أي: يبني). [مجاز القرآن: 1/54-55]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم}
قال: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا} , أي: كان إسماعيل الذي قال: {ربّنا تقبّل منّا}). [معاني القرآن: 1/114]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({قواعد البيت}: أساسه الواحدة منه قاعدة ويقال قاعد وقواعد النساء واحدتهن قاعد. القواعد الأزواج). [غريب القرآن وتفسيره: 82]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({القواعد من البيت}: أساسه, واحدها: قاعدة, فأما قواعد النساء , فواحدها: قاعد, وهي العجوز.). [تفسير غريب القرآن: 63-64]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم (127)}
القواعد: واحدتها قاعدة , وهي كالأساس, والأس للبنيان، إلا أن كل قاعدة فهي للتي فوقها، وإسماعيل عطف على إبراهيم.
وقوله:{ربّنا تقبّل منّا},والمعنى يقولان :{ربّنا تقبّل منّا}, ومثله في كتاب اللّه:
{والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم) ومثله: (والملائكة يدخلون عليهم من كلّ باب (23) سلام عليكم}أي: يقولون سلام عليكم). [معاني القرآن: 1/208]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ):{القواعد} من النساء: واحدتها: قاعد، والقواعد من البناء: يعني: الأساس، واحدتها: قاعدة).[ياقوتة الصراط: 178]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ):{القواعد} أساس البيت، واحدتها قاعدة، وواحدة قواعد النساء : قاعد, وهي العجوز). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 33]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْقَوَاعِــــدَ}: الأســـــاس). [العمدة في غريب القرآن: 83]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وأرنا مناسكنا...}
وفي قراءة عبد الله: {وأرهم مناسكهم} ذهب إلى الذّرّيّة, {وأرنا} ضمّهم إلى نفسه، فصاروا كالمتكلّمين عن أنفسهم؛ يدلّك على ذلك قوله: {وابعث فيهم رسولًا} رجع إلى الذّرّيّة خاصّة). [معاني القرآن: 1/79]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وأرنا مناسكنا}, أي: علّمنا، قال حطائط بن يعفر:
أريني جواداً مات هزلاً لأننني= أرى ما ترين أو بخيلا مخلّداً
لأنني بفتح اللام, أراد: دلّيني , ولم يرد رؤية العين، ومعنى (لأنني): لعلني). [مجاز القرآن: 1/55]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا أمّةً مّسلمةً لّك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنّك أنت التّوّاب الرّحيم}
قال: {وأرنا مناسكنا}, وقال بعضهم : {وأرنا} أسكن الراء كما تقول "قد علم ذلك " , وبالكسر نقرأ, وواحد "المناسك": "منسك" : مث: ل "مسجد" , ويقال أيضاً: "منسك"). [معاني القرآن: 1/114-115]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({وأرنا منا سكنا}: أي علمنا. وقوله {ولو يرى الذين ظلموا}: أي يعلم الذين ظلموا). [غريب القرآن وتفسيره: 82]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وأرنا مناسكنا},أي : علّمنا). [تفسير غريب القرآن: 64]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا أمّة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنّك أنت التّوّاب الرّحيم (128)}
تفسير المسلم في اللغة الذي قد استسلم لأمر اللّه كله , وخضع له، فالمسلم المحقق هو الذي أظهر القبول لأمر اللّه كله , وأضمر مثل ذلك، وكذلك قوله: {قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا}
المعنى: قولوا جميعاً: خضعنا, وأظهرنا الإسلام, وباطنهم غير ظاهرهم ؛ لأن هؤلاء منافقون, فأظهر اللّه عزّ وجلّ النبي على أسرارهم، فالمسلم على ضربين مظهر القبول , ومبطن مثل ما يظهر، فهذا يقال له : مؤمن، ومسلم إنما يظهر غير ما يبطن فهذا غير مؤمن؛ لأن التصديق والإيمان هو بالإظهار مع القبول، ألا ترى أنهم إنما قيل لهم {ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم}, أي: أظهرتم الإيمان خشية.
وقوله " عزّ وجلّ: {وأرنا مناسكنا}
معناه: عزفنا متعبداتنا، وكل متعبّد , فهو منسك ومنسك، ومن هذا قيل للعابد: ناسك، وقيل للذبيحة المتقرب بها إلى الله تعالى: النسيكة؛كأنّ الأصل في النسك : إنما هو من الذبيحة للّه جلّ وعزّ, وتقرأ أيضاً {وأرنا} على ضربين: بكسر الراء , وبإسكانها, والأجود الكسر.
وإنما أسكن أبو عمرو؛ لأنه جعله بمنزلة فخذ , وعضد , وهذا ليس بمنزلة فخذ, ولا عضد؛ لأن الأصل في هذا { أرئنا}, فالكسرة إنما هي كسرة همزة ألقيت, وطرحت حركتها على الراء , فالكسرة دليل الهمزة، فحذفها قبيح، وهو جائز على بعده ؛ لأن الكسر والضم إنما يحذف على جهة الاستثقال.
فاللفظ بكسرة الهمزة , والكسرة التي في بناء الكلمة واللفظ به واحد، ولكن الاختيار ما وصفنا أولاً). [معاني القرآن: 1/208-209]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وأرنا مناسكنا}: علمناها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 33]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَأَرِنَا}: علمنا, {مَنَاسِكَنَا}: الموقف الذي يذكر الله فيه مثل: عرفات, وغيرها). [العمدة في غريب القرآن: 83]

تفسير قوله تعالى:{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ويزكّيهم} أي: يطهّرهم، قال: {نفساً زكيّةً}, أي: مطّهرة). [مجاز القرآن: 1/56]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ويزكيهم}: يطهرهم، ونفس زاكية منه). [غريب القرآن وتفسيره: 82]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والحكمة: الفقه, والعلم). [ياقوتة الصراط: 178]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ويزكيهم} أي: يطهرهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 34]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُزَكِّيهِـــمْ}: يطهرهــــم). [العمدة في غريب القرآن: 84]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {إلاّ من سفه نفسه...}
العرب توقع سفه على {نفسه},وهي معرفة, وكذلك قوله: {بطرت معيشتها}, وهي من المعرفة كالنكرة، لأنه مفسّر، والمفسّر في أكثر الكلام نكرة؛ كقولك: ضقت به ذرعاً, وقوله: {فإن طبن لكم عن شيء مّنه نفساً} فالفعل للذرع؛ لأنك تقول: ضاق ذرعي به، فلمّا جعلت الضيق مسندا إليك فقلت: ضقت جاء الّذرع مفسرا ؛ لأن الضيق فيه؛ كما تقول: هو أوسعكم داراً, دخلت الدار ؛ لتدلّ على أن السعة فيها لا في الرّجل؛ وكذلك قولهم: قد وجعت بطنك، ووثقت رأيك - أو - وفقت.
قال أبو عبد الله: أكثر ظنّي وثقت بالثاء, إنما الفعل للأمر، فلمّا أسند الفعل إلى الرجل صلح النصب فيما عاد بذكره على التفسير؛ ولذلك لا يجوز تقديمه، فلا يقال: رأيه سفه زيدٌ، كما لا يجور دارا أنت أوسعهم؛ لأنه وإن كان معرفة فإنه في تأويل نكرة، ويصيبه النصب في موضع نصب النكرة ولا يجاوزه). [معاني القرآن: 1/79]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({سفه نفسه}, أي: أهلك نفسه , وأوبقها، تقول: سفهت نفسك). [مجاز القرآن: 1/56]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ومن يرغب عن مّلّة إبراهيم إلاّ من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدّنيا وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين}
قال: {إلاّ من سفه نفسه}, فزعم أهل التأويل أنه في معنى: "سفّه نفسه", وقال يونس: "أراها لغة", ويجوز في هذا القول: "سفهت زيداً"، وهو يشبه "غبن رأيه" , و"خسر نفسه" إلا أن هذا كثير، ولهذا معنى ليس لذاك, تقول: "غبن في رأيه" , و"خسر في أهله" , و"خسر في بيعه". وقد جاء لهذا نظير، قال: "ضرب عبد اللّه الظهر والبطن" ومعناه: على الظهر والبطن" كما قالوا: "دخلت البيت" وإنما هو "دخلت في البيت", وقوله: "توجّه مكّة والكوفة" ,وإنما هو: إلى مكّة والكوفة, ومما يشبه هذا قول الشاعر:
نغالي اللّحم للأضياف نيئاً = ونبذله إذا نضج القدور.
يريد: نغالى باللحم, ومثل هذا : {وإن أردتّم أن تسترضعوا أولادكم} , يقول: "لأولادكم" , و {ولا تعزموا عقدة النّكاح}, أي: على عقدة النكاح, وأحسنمن ذلك أن تقول: "إنّ سفه نفسه" جرت مجرى "سفه" إذ كان الفعل غير متعد، وإنما عداه إلى "نفسه" و"رأيه" وأشباه ذا ممّا هو في المعنى نحو "سفه" إذا لم يتعد, وأما "غبن" و"خسر" فقد يتعدى إلى غيره تقول: "غبن خمسين" و"خسر خمسين"). [معاني القرآن: 1/115]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({سفه نفسه}: أهلكها وأوبقها). [غريب القرآن وتفسيره: 82]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({إلّا من سفه نفسه}, أي: من سفهت نفسه, كما تقول: غبن فلان رأيه, والسّفه: الجهل). [تفسير غريب القرآن: 64]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلّا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدّنيا وإنه في الآخرة لمن الصّالحين }
معنى {من}التقرير والتوبيخ، ولفظها لفظ الاستفهام وموضعها رفع بالابتداء، والمعنى ما يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه، والملّة قد بيناها , وهي السّنّة والمذهب، وقد أكثر النحويون , واختلفوا في تفسير {سفه نفسه}, وكذلك أهل اللغة،
فقال الأخفش: أهل التأويل يزعمون أن المعنى : سفه نفسه,
وقال يونس النحوي: أراها لغة، وذهب يونس إلى أن فعل للمبالغة،كما أن فعل للمبالغة , فذهب في هذا مذهب التأويل، ويجوز على هذا القول سفهت زيدا بمعنى : سفهت زيداً,
وقال أبو عبيدة معناه: أهلك نفسه، وأوبق نفسه، فهذا غير خارج من مذهب أهل التأويل ومذهب يونس.
وقال بعض النحويين: إن نفسه منصوب على التفسير،
وقال التفسير في النكرات أكثر نحو : طاب زيد بأمره نفساً, وقر به عيناً, وزعم أن هذه المفسّرات المعارف أصل الفعل لها , ثم نقل إلى الفاعل نحو : وجع زيد رأسه، وزعم أن أصل الفعل للرأس , وما أشبهه، وأنه لا يجيز تقديم شيء من هذه المنصوبات, وجعل {سفه نفسه} من هذا الباب.
قال أبو إسحاق: وعندي أن معنى التمييز لا يحتمل التعريف ؛ لأن التمييز إنما هو واحد يدل على جنس أو خلة تخلص من خلال , فإذا عرفه صار مقصوداً قصده، وهذا لم يقله أحد ممن تقدم من النحويين.
وقال أبو إسحاق: إن {سفه نفسه} بمعنى : سفه في نفسه إلا أن " في " حذفت، كما حذفت حروف الجر في غير موضع.
قال الله عزّ وجلّ: {ولا جناح عليكم أن تسترضعوا أولادكم}
والمعنى : أن تسترضعوا لأولادكم، فحذف حرف الجرّ في غير ظرف، ومثله قوله عزّ وجلّ: {ولا تعزموا عقدة النكاح},أي: على عقدة النكاح, ومثله قول الشاعر:
نغالي اللحم للأضياف نيئاً= ونرخصه إذا نضج القدور
المعنى: نغالي باللحم، ومثله قول العرب: ضرب فلان الظهر والبطن, والمعنى: على الظهر والبطن. فهذا الذي استعمل من حذف حرف الجر موجود في كتاب اللّه، وفي إشعار العرب وألفاظها المنثورة، وهو عندي مذهب صالح.
والقول الجيّد عندي في هذا أن سفه في موضع جهل، فالمعنى: - واللّه أعلم - إلا من جهل نفسه، أي: لم يفكر في نفسه.
كقوله عزّ وجلّ: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}, فوضع جهل, وعدى كما عدى.
فهذا جميع ما قال الناس في هذا، وما حضرنا من القول فيه.
وقوله عزّ وجلّ: {ولقد اصطفيناه في الدّنيا}
معناه: اخترناه , ولفظه مشتق من الصفوة.
{وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين}:فالصالح في الآخرة الفائز). [معاني القرآن: 1/209-211]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({من سفه نفسه} أي: في نفسه, وقيل: معناها سفهت نفسه, وقيل: جهل نفسه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 34]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({سَفِهَ نَفْسَــــهُ}: جهــــــل). [العمدة في غريب القرآن: 84]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {إذ قال له ربّه أسلم قال أسلمت لربّ العالمين}
معناه: اصطفاه إذ قال له ربه أسلم: أي: في ذلك الوقت {قال أسلمت لربّ العالمين}). [معاني القرآن: 1/211]

تفسير قوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ووصّى بها إبراهيم بنيه...}
في مصاحف أهل المدينة: {وأوصى}, وكلاهما صوابٌ كثيرٌ في الكلام.
وقوله: {ويعقوب...}
أي: ويعقوب وصّى بهذا أيضاً, وفي إحدى القراءتين قراءة عبد الله , أو قراءة أبيّ: {أن يا بنيّ إن الله اصطفى لكم الدين}, يوقع وصى على "أن" , يريد: وصّاهم "بأن" , وليس في قراءتنا "أن"، وكلّ صواب, فمن ألقاها قال: الوصيّة قول، وكلّ كلام رجع إلى القول جاز فيه دخول أن، وجاز إلقاء أن؛ كما قال الله عزّ وجلّ في النساء: {يوصيكم اللّه في أولادكم للذكر مثل حظّ الأنثيين}؛ لأن الوصيّة كالقول؛ وأنشدني الكسائي:
إني سأبدي لك فيما أبدي = لي شجنان شجن بنجد
= وشجن لي ببلاد السند =
لأن الإبداء في المعنى بلسانه؛ ومثله قول الله عزّ وجلّ: {وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرةً}, لأن العدة قول, فعلى هذا يبنى ما ورد من نحوه.
وقول النحويّين: إنما أراد: أن فألقيت ليس بشيء؛ لأن هذا لو كان لجاز إلقاؤها مع ما يكون في معنى القول وغيره, وإذا كان الموضع فيه ما يكون معناه معنى القول, ثم ظهرت فيه أن فهي منصوبة الألف. وإذا لم يكن ذلك الحرف يرجع إلى معنى القول سقطت أن من الكلام.
فأمّا الذي يأتي بمعنى القول فتظهر فيه أن مفتوحة فقول الله تبارك وتعالى: {إنّا أرسلنا نوحاً إلى قومه أن أنذر قومك} جاءت أن مفتوحة؛ لأن الرسالة قول, وكذلك قوله: {فانطلقوا وهم يتخافتون. أن لا يدخلنا} والتخافت قول, وكذلك كلّ ما كان في القرآن, وهو كثير, منه قول الله {وآخر دعواهم أن الحمد للّه}. ومثله: {فأذّن مؤذّنٌ بينهم أن لعنة اللّه على الظّالمين}الأذان قول، والدعوى قول في الأصل.
وأمّا ما ليس فيه معنى القول فلم تدخله أن , فقول الله : {ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربّهم ربّنا أبصرنا} , فلمّا لم يكن في "أبصرنا" كلام يدلّ على القول, أضمرت القول , فأسقطت أن؛ لأن ما بعد القول حكاية لا تحدث معها أن,ومنه قول الله: {والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم}, معناه: يقولون: أخرجوا, ومنه قول الله تبارك وتعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا}, معناه: يقولان: {ربّنا تقبّل منّا} , وهو كثير, فقس بهذا ما ورد عليك.
وقوله:{... قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون}
قرأت القرّاء :{نعبد إلهك وإله آبائك} , وبعضهم قرأ :{وإله أبيك} واحداً, وكأن الذي قال: أبيك, ظنّ أن العمّ لا يجوز في الآباء, فقال: {وإله أبيك إبراهيم}, ثم عدّد بعد الأب العّم, والعرب تجعل الأعمام كالآباء، وأهل الأمّ كالأخوال, وذلك كثير في كلامهم). [معاني القرآن: 1/80-82]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({اصطفى لكم الدّين}أي: أخلص لكم الدين من الصفوة). [مجاز القرآن: 1/56]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين فلا تموتنّ إلاّ وأنتم مّسلمون}
قال: {ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ} , فهو - والله أعلم - , وقال يعقوب: يا بني؛ لأنه حين قال: {ووصّى بها} قد أخبر أنه قال لهم شيئاً, فأجرى الأخير على معنى الأول , وإن شئت قلت: {ويعقوب} معطوف, كأنك قلت: "ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب" ,. ثم فسر ما قال يعقوب، قال: "يا بني"). [معاني القرآن: 1/116]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({اصطفى لكم الدين}: أخلصه من الصفوة). [غريب القرآن وتفسيره: 82]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين فلا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون}
قوله: (بها) هذه الهاء ترجع على الملة؛ لأن إسلامه هو إظهار طريقته وسنته, ويدل على قوله: {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم}, قوله: {إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين}
وإنما كسرت " إن"؛ لأن معنى وصي وأوصى: قول: المعنى : قال لهم إن اللّه اصطفى لكم الدين، ووصى أبلغ من أوصى، لأن أوصى جائز أن يكون قال لهم مرة واحدة، ووصّى لا يكون إلا لمرات كثيرة.
وقوله عزّ وجلّ: {فلا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون}
إن قال قائل: كيف ينهاهم عن الموت، وهم إنما يماتون، فإنما وقع هذا على سعة الكلام، وما تكثر استعماله " العرب " نحو قولهم: " لا أرينك ههنا "، فلفظ النهي إنما هو للمتكلّم، وهو في الحقيقة للمكلّم.
المعنى: لا تكونن ههنا , فإن من كان ههنا - رأيته - , والمعنى في الآية: ألزموا الإسلام، فإذا أدرككم الموت , صادفكم مسلمين).[معاني القرآن: 1/211-212]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({اصطفى}: أخلص , واختار). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 34]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({اصْطَفَى}: اختــــار). [العمدة في غريب القرآن: 84]

تفسير قوله تعالى:{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {قل بل ملّة إبراهيم حنيفاً...}
أمر الله محمدا صلى الله عليه وسلم؛ فإن نصبتها بـ "نكون" كان صواباً,و وإن نصبتها بفعل مضمر كان صواباً, كقولك: بل نتّبع "ملّة إبراهيم"، وإنما أمر الله النبي محمدا صلى الله عليه وسلم ’, فقال: {قل بل ملّة إبراهيم}). [معاني القرآن: 1/82]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أم كنتم شهداء}: (أم) تجئ بعد كلام قد انقطع، وليست في موضع هل، ولا ألف الاستفهام، قال الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسطٍ= غلس الظّلام من الرّباب خيالا
يقول: كذبتك عينك، هل رأيت، أوبل رأيت). [مجاز القرآن: 1/56-57]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق}, والعرب تجعل العم , والخال أباً.
قال أبو عبيدة: لم اسمع من حمّاد هذا، قال حماد بن زيد عن أيوب، عن عكرمة: إنّ النبي صلى الله عليه قال يوم الفتح، حيث بعث العباس إلى أهل مكة: (( ردّوا عليّ أبي , فإنّي أخاف أن يفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة ابن مسعود))، ثم قال: ((لئن فعلوا، لأضرمنّها عليهم ناراً)), وكان النبي صلى الله عليه بعث عروة إلى ثقيف، يدعوهم إلى الله، فرقى فوق بيتٍ، ثم ناداهم إلى الإسلام فرماه رجل بسهم، فقتله). [مجاز القرآن: 1/56-57]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون}
قال: {أم كنتم شهداء} استفهام مستأنف.
وقال: {إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه} , فأبدل "إذ" الآخرة من الأولى.
وقال: {إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} , على البدل, وهو في موضع جر إلا أنها أعجمية , فلا تنصرف.
وقوله: {إلهاً واحداً}, على الحال). [معاني القرآن: 1/116]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون }
المعنى: بل أكنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت، إذ قال لبنيه , فقولك: (إذ) الثانية، موضعها نصب كموضع الأولى، وهذا بدل مؤكد.
وقوله: {قالوا نعبد إلهك وإله آبائك}
القراءة على الجمع، وقال بعضهم: {وإله أبيك}, كأنه كره أن يجعل العم أباه، وجعل إبراهيم بدلاً من أبيك مبينا عنه، وبخفض إسماعيل وإسحاق، كان المعنى : إلهك , وإله أبيك , وإله إسماعيل، كما تقول: رأيت غلام زيد وعمرو , أي : غلامهما، ومن قال:{وإله آبائك}فجمع , وهو المجتمع عليه، جعل إبراهيم وإسماعيل وإسحاق بدلاً, وكان موضعهم خفضاً على البدل المبين عن آبائك.
وقوله عزّ وجلّ: {إلهاً واحداً}: منصوب على ضربين:
1- إن شئت على الحال، كأنهم قالوا نعبد: إلهك في حال وحدانيته،
2- وإن شئت على البدل, وتكون الفائدة من هذا البدل ذكر التوحيد، فيكون المعنى : نعبد إلهاً واحداً). [معاني القرآن: 1/212-213]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({تلك أمّةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم مّا كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون}
قال: {تلك أمّةٌ قد خلت لها ما كسبت}, يقول: "قد مضت" , ثم استأنف , فقال: {لها ما كسبت}). [معاني القرآن: 1/116]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{تلك أمّة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون (134)}
معنى {خلت} :مضت، كما تقول لثلاث خلون من الشهر , أي: مضين.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تسألون عمّا كانوا يعملون}: المعنى: إنما تسألون عن أعمالكم). [معاني القرآن: 1/213]

تفسير قوله تعالى: {َقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({بل ملّة إبراهيم}: انتصب، لأن فيه ضمير فعلٍ، كأن مجازه بل اتبعوا ملة إبراهيم، أو: عليكم ملة إبراهيم.
{حنيفاً}: الحنيف في الجاهلية : من كان على دين إبراهيم، ثم سمّى من اختتن , وحج البيت حنيفاً لما تناسخت السنون، وبقي من يعبد الأوثان من العرب قالوا: نحن حنفاء على دين إبراهيم، ولم يتمسكوا منه إلا بحج البيت، والختان؛ والحنيف اليوم: المسلم.
قال ذو الرمة:
إذا خالف الظّلّ العشيّ رأيته= حنيفاً ومن قرن الضّحى يتنصّر
يعني : الحرباء). [مجاز القرآن: 1/57-58]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين}
قال: {بل ملّة إبراهيم} بالنصب). [معاني القرآن: 1/116]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الحنيف}: من كان على دين إبراهيم عليه السلام). [غريب القرآن وتفسيره: 82]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {الحنيف}: المستقيم, وقيل للأعرج: حنيف، نظراً له إلى السلامة). [تفسير غريب القرآن: 64]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملّة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين}
المعنى: قالت اليهود: كونوا هودااً, وقالت النصارى: كونوا نصارى.
وجزم تهتدوا على الجواب للأمر، وإنما معنى الشرط قائم في الكلمة.
المعنى: إن تكونوا على هذه الملة تهتدوا، فجزم تهتدوا على الحقيقة جواب الجزاء.
وقوله عزّ وجلّ: {بل ملة إبراهيم حنيفاً}
تنصب الملة على تقدير: بل نتبع ملة إبراهيم,
ويجوز أن تنصب على معنى: بل نكون أهل ملة إبراهيم، وتحذف " الأهل " كما قال الله عزّ وجلّ: {واسأل القرية التي كنّا فيها}؛لأن القرية لا تسأل ولا تجيب.
ويجوز الرفع:{بل ملة إبراهيم حنيفاً},
والأجود والأكثر: النصب, ومجاز الرفع على معنى: قل: ملتنا وديننا ملة إبراهيم، ونصب {حنيفاً}على الحال.
المعنى: بل نتبع ملة إبراهيم في حال حنيفته، ومعنى الحنيفة في اللغة: الميل, فالمعنى: أن إبراهيم حنيف إلى دين اللّه، دين الإسلام.
كما قال عزّ وجلّ: {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام} فلم يبعث نبي إلا به.
وإن اختلفت شرائعهم، فالعقد توحيد اللّه عزّ وجلّ والإيمان برسله وإن اختلفت الشرائع، إلا أنّه لا يجوز أن تترك شريعة نبي، أو يعمل بشريعة نبي قبله تخالف شريعة نبي الأمة التي يكون فيها, وإنما أخذ الحنف من قولهم: امرأة حنفاء , ورجل أحنف، وهو الذي تميل قدماه كل واحدة منهما بأصابعها إلى أختها بأصابعها، قالت أم الأحنف بن قيس وكانت ترقصه، وخرج سيد بني تميم: -
والله لولا حنف في رجله= ودقة في ساقه من هزله
ما كان في فتيانكم من مثله). [معاني القرآن: 1/213-214]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الحَنِيف}: الذي لا يرجع عن دينه). [العمدة في غريب القرآن: 84]

تفسير قوله تعالى: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {لا نفرّق بين أحدٍ مّنهم...}
يقول: لا نؤمن ببعض الأنبياء , ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى). [معاني القرآن: 1/82]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قولوا آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النّبيّون من ربّهم لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون}
{لا نفرّق بين أحد منهم}: المعنى: لا نكفر ببعض , ونؤمن ببعض). [معاني القرآن: 1/214]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فإنّما هم في شقاقٍ }: مصدر شاققته وهو المشاقّة أيضاً، وشاقّه: باينه، قال النابغة الجعديّ:
وكان إليها كالذي اصطاد بكرها= شقاقاً وبغضاً أو أطمّ وأهجرا
ومجازه: حارب، وعصى). [مجاز القرآن: 1/58-59]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({في شقاق}: في محاربة وعصيان). [غريب القرآن وتفسيره: 83]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فإنّما هم في شقاقٍ} أي: في عداوة, ومباينة). [تفسير غريب القرآن: 64]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما هم في شقاق فسيكفيكهم اللّه وهو السّميع العليم (137)}
فإن قال قائل: فهل للإيمان مثل هو غير الإيمان؟
قيل له: المعنى واضح بين، وتأويله: فإن أتوا بتصديق مث: ل تصديقكم , وإيمانكم بالأنبياء، ووحّدوا كتوحيدكم, فقد اهتدوا، أي: فقد صاروا مسلمين مثلكم.
{وإن تولّوا فإنّما هم في شقاق}, أي: في مشاقة , وعداوة, ومن هذا قول الناس: فلان قد شق عصا المسلمين، إنما هو قد فارق ما اجتمعوا عليه من اتباع إمامهم، وإنما صار في شق غير شق المسلمين.
وقوله عزّ وجلّ: {فسيكفيكهم اللّه}
هذا ضمان من اللّه عزّ وجلّ في النصر لنبيه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إنما يكفيه إياهم بإظهار ما بعثه به على كل دين سواهو, هذا كقوله: {ليظهره على الدّين كلّه}, فهذا تأويله , واللّه أعلم.
وكذا قوله:{كتب اللّه لأغلبنّ أنا ورسلي}
فإن قال قائل : فإن من المرسل من قتل.
فإن تأويل ذلك - والله أعلم - : أن اللّه غالب هو , ورسله بالحجة الواضحة، والآية البينة، ويجوز أن تكون غلبة الآخرة ؛ لأن الأمر هو على ما يستقر عليه في العاقبة.
وقد قيل: إن الله لم يأمر رسولاً بحرب , فاتبع ما أمره الله به في حربه إلا غلب, فعلى هذا التأويل : يجوز أن يكون لم يقتل رسول قط محارباً). [معاني القرآن: 1/214-215]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({في شقاق}: عداوة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 34]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الشِقَاقٍ}: المحاربـــة). [العمدة في غريب القرآن: 84]

تفسير قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {صبغة اللّه...}
نصب، مردودة على الملّة، وإنما قيل :{صبغة الله}؛ لأن بعض النصارى كانوا إذا ولد المولود , جعلوه في ماء لهم , يجعلون ذلك تطهيراً له كالختانة, وكذلك هي في إحدى القراءتين, قل {صبغة اللّه}, وهي الختانة، اختتن إبراهيم صلى الله عليه وسلم فقال: {صبغة الله}: يأمر بها محمدا صلى الله عليه وسلم , فجرت الصبغة على الختانة , لصبغهم الغلمان في الماء، ولو رفعت الصبغة والمل‍ّة كان صواباً كما تقول العرب: جدّك لاكدّك، وجدّك لا كدّك, فمن رفع أراد: هي ملّة إبراهيم، هي صبغة الله، هو جدّك, ومن نصب أضمر مثل: الذي قلت لك من الفعل).[معاني القرآن: 1/82-83]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({صبغة الله}: أي: دين الله، وخلقته التي خلقه عليها، وهي : فطرته، من فاطر , أي: خالق). [مجاز القرآن: 1/59]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({صبغة اللّه ومن أحسن من اللّه صبغةً ونحن له عابدون}
قال: {صبغة الله} بالنصب؛ لأنهم حين قالوا لهم: {كونوا هوداً}, كأنه قيل لهم: "اتّخذوا هذه الملّة" , فقالوا: "لا , {بل ملّة إبراهيم}, أي: نتّبع ملّة إبراهيم، ثم أبدل "الصّبغة" من "الملّة" , فقال: {صبغة اللّه} بالنصب, أو يكون أراد: ثم حذف "أصحاب" كما قال: {ولكنّ البرّ من آمن باللّه} يريد: "برّ من آمن باللّه", والصّبغة: هي الدين). [معاني القرآن: 1/116-117]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({صبغة الله}: دين الله وإنما قيل صبغة الله لأن بعض النصارى كانوا إذا ولد لهم المولود جعلوه في ماء لهم ويقولون: هذا تطهير له كالختانة فجرت الصبغة على الختانة). [غريب القرآن وتفسيره: 83]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({صبغة اللّه}, يقال: دين اللّه, أي:ألزم دين اللّه, ويقال: الصّبغة : الختان وقد بينت اشتقاق الحرف في كتاب «تأويل المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 64]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {صبغة اللّه ومن أحسن من اللّه صبغة ونحن له عابدون}
يجوز أن تكون{صبغة}منصوبة على قوله: {بل نتبع ملة إبراهيم}, أي: بل نتبع صبغة اللّه, ويجوز أن يكون نصبها على: بل نكون أهل صبغة الله, كما قلنا في ملة إبراهيم، ويجوز أن ترفع الصبغة على إضمار هي، كأنهم قالوا: هي صبغة اللّه , أي: هي ملة إبراهيم : صبغة الله.
وقيل: إنما ذكرت الصبغة ؛ لأنّ قوماً من النصارى؟, كانوا يصبغون أولادهم في ماء لهم، ويقولون هذا تطهير كما أن الختان تطهير لكم؛ فقيل لهم: {صبغة اللّه ومن أحسن من اللّه صبغة}, أي: التطهير الذي أمر به مبالغ في النظافة.
ويجوز أن يكون - واللّه أعلم - صبغة الله, أي: خلقة اللّه جلّ وعزّ الخلق، فيكون المعنى:. أن اللّه ابتدأ الخلق على الإسلام، ويكون دليل هذا القول قول الله عزّ وجلّ: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى}
وجاء في الحديث: أنهم أخرجهم كالذر، ودليل هذا التأويل أيضا قوله عزّ وجلّ: {فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليه}, ويجوز أن يكون منه الخبر: ((كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه )), وصبغت الثوب ؛ إنما هو غيرت لونه, وخلقته). [معاني القرآن: 1/215-216]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والصبغة: الدين). [ياقوتة الصراط: 178]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({صِبْغَةَ اللّهِ}: دين الله). [العمدة في غريب القرآن: 84]

تفسير قوله تعالى:{قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قل أتحاجّوننا في اللّه وهو ربّنا وربّكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون}
قال: {أتحاجّونّا} مثقلة ؛ لأنهما حرفان مثلان, فأدغم أحدهما في الآخر، واحتمل الساكن قبلهما إذ كان من حروف اللين، وحروف اللين الياء والواو والألف إذا كن سواكن, وقال بعضهم {أتحاجّوننا} فلم يدغم , ولكن أخفى فجعل حركة الأولى خفيفة , وهي متحركة في الوزن، وهي في لغة الذين يقولون: "هذه مائة دّرهمٍ" يشمون شيئاً من الرفع ولا يبينون , وذلك الإخفاء,وقد قرئ هذا الحرف على ذلك:{ما لك لا تأمنّا على يوسف} بين الإدغام والإظهار, ومثل ذلك {إنّي ليحزنني أن تذهبوا به} , وأشباه هذا كثير , وإدغامه أحسن حتى يسكن الأول). [معاني القرآن: 1/117]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قل أتحاجّوننا في اللّه وهو ربّنا وربّكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون}
في {أتحاجّوننا في الله}: لغات, فأجودها: {أتحاجوننا} بنونين , وإن شئت بنون واحدة {أتحاجونّا} على إدغام الأولى في الثانية , وهذا وجه جيد، ومنهم من إذا أدغم أشار إلى الفتح كما قراوا: {ما لك لا تأمنّا على يوسف} على الإدغام والإشارة إلى الضم، وإن شئت حذفت إحدى النونين , فقلت:{أتحاجون}, فحذف لاجتماع النونين , قال الشاعر:
تراه كالثغام يعلّ مسكاً= يسوء الغانيات إذا فليني
يريد : فلينني، ورأيت مذهب المازني , وغيره ردّ هذه القراءة، وكذلك ردّوا {فبم تبشرون}, قال أبو إسحاق: والأقدام على رد هذه القراءة غلط ؛ لأن نافعاً رحمه الله قرأ بها، وأخبرني إسماعيل بن إسحاق أنّ نافعاً رحمه اللّه لم يقرأ بحرف إلا وأقل, ما قرأ به إثنان من قراء المدينة، وله وجه في العربية فلا ينبغي أن يرد، ولكن " الفتح " في قوله{فبم تبشرون}:أقوى في العربية.
ومعنى قوله: {قل أتحاجّوننا في الله}: أن الله عزّ وجلّ أمر المسلمين أن يقولوا لليهود الذين ظاهروا من لا يوحد اللّه عزّ وجلّ من النصارى وعبدة الأوثان، فأمر الله أن يحتج عليهم بأنكم تزعمون أنكم موحدون، ونحن نوحّد , فلم ظاهرتم من لا يوحّد الله جلّ وعزّ:{وهو ربّنا وربّكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم}: ثم أعلموهم : أنهم مخلصون، وإخلاصهم إيمانهم بأن الله عزّ وجلّ واحد، وتصديقهم جميع رسله، فاعلموا أنهم مخلصون، دون من خالفهم). [معاني القرآن: 1/216-217 ]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أم تقولون إنّ إبراهيم}: أم في موضع ألف الاستفهام، ومجازها: أتقولون). [مجاز القرآن: 1/59]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({أم تقولون إنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هوداً أو نصارى قل أأنتم أعلم أم اللّه ومن أظلم ممّن كتم شهادةً عنده من اللّه وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون}
قال: {أم يقولون إنّ إبراهيم}, قال بعضهم : {أم تقولون} على {قل أتحاجّوننا}, و{أم تقولون}, ومن قال: {أم يقولون} جعله استفهاماً مستأنفاً كما تقول: "إنّها لإبلٌ" , ثم تقول: "أم شاءٌ"). [معاني القرآن: 1/117-118]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أم تقولون إنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم اللّه ومن أظلم ممّن كتم شهادة عنده من اللّه وما اللّه بغافل عمّا تعملون (140)}
كأنّهم قالوا لهم: بأيّ الحجتين تتعلّقون في أمرنا؟, أبالتوحيد , فنحن موحدون، أم باتباع دين الأنبياء , فنحن متبعون؟.
وقوله عزّ وجلّ: {قل أأنتم أعلم أم الله}
تأويله: أن النبي الذي أتانا بالآيات المعجزات , وأتاكم بها أعلمكم، وأعلمنا أن الإسلام دين هؤلاء الأنبياء.
والأسباط: هم الذين من ذرية الأنبياء، والأسباط اثنا عشر سبطا ً, وهم ولد يعقوب عليه السلام، ومعنى السبط في اللغة: الجماعة الذين يرجعون إلى أب واحد، والسبط في اللغة الشجرة، فالسبط، الذين هم من شجرة واحدة.
وقوله:{ومن أظلم ممّن كتم شهادة عنده من الله}
يعني بهم: هؤلاء الذين هم علماء اليهود؛ لأنهم قد علموا أن رسالة النبي حق، وإنما كفروا حسداً, كما قال الله عزّ وجلّ, وطلباً لدوام رياستهم , وكسبهم؛ لأنهم كانوا يتكسبون بإقامتهم على دينهم, فقيل: ومن أظلم ممن كتم أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم, ولا أحد أظلم منه , وقوله: {وما اللّه بغافل عمّا تعملون}.
يعني: من كتمانكم ما علمته من صحة أمر النبي صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 1/218]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {تلك أمّة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون (141)}المعنى: لها ثواب ما كسبت، ولكم ثواب ما كسبتم). [معاني القرآن: 1/218]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 24 ذو الحجة 1431هـ/30-11-2010م, 02:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 142 إلى 157]

{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}

تفسير قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({سيقول السّفهاء من النّاس ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مّستقيمٍ}
قال: {وإن كانت لكبيرةً}, يعني "القبلة", و لذلك أنث). [معاني القرآن: 1/118]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {سيقول السّفهاء من النّاس ما ولّاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (142)}
فيه قولان:
1- قيل يعني به: كفار أهل مكة،
2- وقيل يعني به: اليهود والسفهاء , واحدهم سفيه، مثل : شهيد وشهداء، وعليم وعلماء.

وقوله عزّ وجلّ: {ما ولّاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها}, معنى {ما ولّاهم}: ما عدلهم عنها يعني قبلة بيت المقدس.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمر بالصلاة إلى بيت المقدس؛ لأن مكة وبيت الله الحرام كانت العرب آلفة لحجّه، فأحبّ اللّه عزّ وجلّ أن يمتحن القوم بغير ما ألفوه , ليظهر من يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم ممن لا يتبعه، كما قال اللّه عزّ وجلّ: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلّا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه}, فامتحن الله ببيت المقدس فيما روى لهذه العلة، والله أعلم
وقوله عزّ وجلّ: {قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}
معناه: حيث أمر الله أن يصلّى ويتعبّد، فهو له، وعالم به، وهو فيه كماقال: {وهو اللّه في السّماوات وفي الأرض يعلم سرّكم وجهركم ويعلم ما تكسبون (3)}
وكما قال: {وهو معكم أين ما كنتم}
وكما قال:{ما يكون من نجوى ثلاثة إلّا هو رابعهم}
وقوله عزّ وجلّ: {إلى صراط مستقيم}: معناهّ: طريق مستقيم كما يحبّ الله). [معاني القرآن: 1/218-219]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطاً...}: يعني : عدلاً, {لّتكونوا شهداء على النّاس}, يقال: إن كلّ نبيّ يأتي يوم القيامة , فيقول: ((بلّغت))، فتقول أمّته: لا، فيكذّبون الأنبياء، ثم يجاء بأمّة محمد صلى الله عليه وسلم فيصدّقون الأنبياء ونبيّهم, ثم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم , فيصدّق أمّته، فذلك قوله تبارك وتعالى: {لّتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيداً}، ومنه قول الله: {فكيف إذا جئنا من كل أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيداً}). [معاني القرآن: 1/83]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم...}
أسند الإيمان إلى الأحياء من المؤمنين، والمعنى : فيمن مات من المسلمين قبل أن تحوّل القبلة, فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف بصلاة إخواننا الذين ماتوا على القبلة الأولى؟, فأنزل الله تبارك وتعالى: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}, يريد إيمانهم ؛ لأنهم داخلون معهم في الملّة، وهو كقولك للقوم: قد قتلناكم وهزمناكم، تريد: قتلنا منكم، فتواجههم بالقتل, وهم أحياء). [معاني القرآن: 1/83-84]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أمّةً وسطاً}, أي: عدلاً خياراً، ومنه قولهم: فلان واسطٌ في عشيرته، أي: في خيار عشيرته.
وقال غيلان:
= وقد وسطت مالكاًوحنظلاً
أي: صرت من أوسطهم , وخيارهم, وواسط: في موضع وسط، كما قالوا: ناقة يبسٌ ويابسة الخلف). [مجاز القرآن: 1/59]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({رءوفٌ}: فعول من الرأفة، وهي أشدّ الرحمة.
قال الكميت:
وهم الأرأفون بالناس في الرأ= فة والأحلمون في الأحلام). [مجاز القرآن: 1/59]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أمة وسطا} أي: عدلا وقالوا خيارا وقالوا فلان واسطا في عشيرته أي من خيارهم.
{رءوف}: من الرأفة وهي أشد الرحمة). [غريب القرآن وتفسيره: 83]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({جعلناكم أمّةً وسطاً}, أي: عدلاً خياراً, ومنه قوله في موضع آخر: {قال أوسطهم ألم أقل لكم لو لا تسبّحون}
أي: خيرهم, وأعدلهم, قال الشاعر:
هم وسط يرضى الأنام بحكمهم = إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم
ومنه قيل للنبي صلى اللّه عليه وعلى آله: ((هو أوسط قريش حسباً)), وأصل هذا أن خير الأشياء أوساطها، وأن الغلو والتقصير مذمومان.
{لتكونوا شهداء على النّاس}, أي: على الأمم المتقدمة لأنبيائهم). [تفسير غريب القرآن: 64-65]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وكذلك جعلناكم أمّة وسطا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلّا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلّا على الّذين هدى اللّه وما كان اللّه ليضيع إيمانكم إنّ اللّه بالنّاس لرءوف رحيم}
معنى الأمة: الجماعة, أي: جماعة كانت إلا أن هذه الجماعة وصفت بأنها وسط.
وفي {أمّة وسطاً}, قولان:
1- قال بعضهم وسطاً: عدلاً.
2- وقال بعضهم: أخياراً, واللفظان مختلفان, والمعنى واحد؛ لأن العدل خير , والخير عدل.

وقيل في صفة النبي صلى الله عليه وسلم : إنه من أوسط قومه جنساً, أي: من خيارها، والعرب تصف الفاضل النسب بأنه: من أوسط قومه، وهذا يعرف حقيقته أهل اللغة؛ لأن العرب تستعمل التمثيل كثيرا "
فتمثل القبيلة بالوادي والقاع وما أشبهه فخير الوادي وسطه فيقال: هذا من وسط قومه، ومن وسط الوادي، وسرر الوادي وسرارة الوادي وسر الوادي، ومعناه كله: من خير مكان فيه، فكذلك النبي صلى الله عليه وسلم من خير مكان في نسب العرب, {وكذلك جعلناكم أمّة وسطًا}: أي: خياراً.
وقوله عزّ وجلّ: {لتكونوا شهداء على النّاس}
{تكونوا} في موضع نصب.
المعنى: جعلناكم خياراً؛ لأن شهداء، فنصب {تكونوا } بأن, و{شهداء} نصب خبر تكونوا، إلا أن {شهداء} لا ينون، لأنه لا ينصرف لأن فيه ألف التأنيث، وألف التأنيث يبنى معها الاسم, ولم يلحق بعد الفراغ من الاسم فلذلك لم تنصرف {شهداء}.
فإن قال قائل: فلم جعل الجمع بألف التأنيث قيل: كما جعل التأنيث في نحو قولك جريب وأجربة، وغراب وأغربة , وضارب وضربة، وكاتب وكتبة.
وتأويل {لتكونوا شهداء على الناس}, فيه قولان:
1- جاء في التفسير أن أمم الأنبياء تكذب في الآخرة إذا سئلت عمن أرسل إليها فتجحد أنبياءها، هذا فيمن جحد في الدنيا منهم فتشهد هذه الأمة بصدق الأنبياء، وتشهد عليهم بتكذيبهم، ويشهد النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة بصدقهم , وإنّما جازت هذه الشهادة، وإن لم يكونوا ليعاينوا تلك الأمم لأخبار النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهذا قول.

2- وقال قوم {لتكونوا شهداء على النّاس}, أي: محتجين على سائر من خالفكم، ويكون الرسول محتجاً عليكم , ومبيناًلكم.
والقول الأول: أشبه بالتفسير , وأشبه بقوله:{وسطاً} ؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم يحتج على المسلمين , وغيرهم.
وقوله عزّ وجلّ: {وإن كانت لكبيرة إلّا على الّذين هدى اللّه}
يعني: قبلة بيت المقدس، أي: وإن كان اتباعها لكبيرة.
المعنى: إنه كبير على غير المخلصين، فأما من أخلص , فليست بكبيرة عليه، كما قال: {إلّا على الّذين هدى الله}, أي: فليست بكبيرة عليهم.
وهذه اللام دخلت على " إن " لأن اللام إذا لم تدخل مع إن الخفيفة كان الكلام جحدا فلولا " اللام " كان المعنى " ما كانت كبيرة " فإذا جاءت إن واللام, فمعناه التوكيد للقصة، واللام تدخل في الخبر، ونحن نشرح دخولها على " الخفيفة " في موضعها إن شاء اللّه.
وقوله عزّ وجلّ: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}
هذه اللام أهي، التي يسميها النحويون لام الجحود، وهي تنصب الفعل المستأنف, وقد أحكمنا شرحها قبل هذا الموضوع.
ومعنى: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} أي: من كان صلّى إلى بيت المقدس قبل أن تحوّل القبلة إلى البيت الحرام بمكة , فصلاته غير ضائعة وثوابه قائم، وقيل: إنّه كان قوم قالوا: فما نصنع بصلاتنا التي كنا صليناها إلى بيت المقدس، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم},أي: تصديقكم بأمر تلك القبلة.
وقيل أيضا: إنّ جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفّوا , وهم يصلون إلى بيت المقدس قبل نقل القبلة إلى بيت اللّه الحرام، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاتهم , فأنزل الله عزّ وجلّ: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم إنّ اللّه بالنّاس لرءوف رحيم}: إن شئت قلت لرؤوف، وإن شئت لرووف رحيم, فهمزت , وخففت , ومعنى الرأفة كمعنى الرحمة). [معاني القرآن: 1/220-221]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ليضيع إيمانكم}, أي: صلاتكم إلى بيت المقدس,{والرأفة}أشد الرحمة، ومنه:{رؤوف}). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 34]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَسَطاً}: عـــــدلاً, {الرَّأْفَةُ}: أشد الرحمة). [العمدة في غريب القرآن: 84]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فولّوا وجوهكم شطره...}
يريد: نحوه وتلقاءه، ومثله في الكلام: ولّ وجهك شطره، وتلقاءه، وتجاهه). [معاني القرآن: 1/84]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({شطر المسجد الحرام}, أي: قصد المسجد الحرام، قال الهذليّ:
إنّ العسير بها داءٌ مخامرها= فشطرها نظر العينين محسور
العسير: الناقة التي لم تركب,شطرها: نحوها، وقال ابن أحمر:
تعدو بنا شطر جمعٍ وهي عاقدةٌ= قد كارب العقد من إيقادها الحقبا
إيقادها: سرعتها). [مجاز القرآن: 1/60]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({شطر المسجد الحرام}: تلقاءه). [غريب القرآن وتفسيره: 84]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({شطر المسجد الحرام}: نحوه وقصده). [تفسير غريب القرآن: 65]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلة ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره وإنّ الّذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنّه الحقّ من ربّهم وما اللّه بغافل عمّا يعملون}
المعنى: في النظر إلى السماء، وقيل: تقلب عينك، والمعنى واحد؛ لأن التقلب إنما كان لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بترك الصلاة إلى بيت المقدس, فكان ينتظر أن ينزل عليه الوحي إلى أي قبلة يصلّي، وتقلب مصدر تقلّب تقلّباً, ويجوز في الكلام تقلاباً, ولا يجوز في القرآن لأنه تغيير للمصحف.
وقوله عزّ وجلّ: {فلنولّينّك قبلة ترضاها}: قد كان النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين أمر بأن ينتقل عن الصلاة إلى بيت المقدس، فأمر بأن يصلي إلى بيت اللّه الحرام، وقيل في قوله: {ترضاها}, قولان :-
1- قال قوم معناه: تحبها، لا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن راضياً بتلك القبلة، لأن كل ما أمر الله الأنبياء " عليهم السلام " به , فهي راضية به , وإنما أحبها النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنها كانت -فيما يروى - قبلة الأنبياء؛
2- وقيل: لأنها كانت عنده ادعى لقومه إلى الإيمان.

وقوله عزّ وجلّ:{فولّ وجهك شطر المسجد الحرام}
أي: المسجد الحرام، فأمر أن يستقبل - وهو بالمدينة - مكة، والبيت الحرام، وأمر أن يستقبل البيت حيث كان الناس،
ومعنى الشطر: النحو, وشطر منصوب على الظرف.

قال الشاعر:
إنّ العسير بها داء يخامرها= فشطرها نظر العينين محسور
أي: فنحوها، ولا اختلاف بين أهل اللغة أن الشطر : النحو، وقول الناس : فلان شاطر، معناه : قد أخذ في نحو غير الاستواء، فلذلك قيل شاطر ؛ لعدوله عن الاستواء، يقال: قد شطر الرجل يشطر شطارة وشطارة، ويقال: هؤلاء قوم مشاطرونا, أي: دورهم تتصل بدورنا ,كما تقول هؤلاء يناحوننا, أي: نحن نحوهم، وهم نحونا، فلذلك هم شاطرونا.
وقوله عزّ وجلّ:{إلّا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه}.
إن قال قائل ما معنى: {إلّا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه}, واللّه عزّ وجلّ قد علم ما يكون قبل كونه؟
فالجواب في ذلك: أن اللّه يعلم من يتبع الرسول ممن لا يتبعه من قبل وقوعه , وذلك العلم لا تجب به مجازاة في ثواب ولا عقاب , ولكن المعنى: ليعلم ذلك منهم شهادة , فيقع عليهم بذلك العلم : اسم مطيعين , واسم عاصين، فيجب ثوابهم على قدر عملهم.
ويكون معلوم ما في حال وقوع الفعل منهم علم شهادة كما قال عزّ وجلّ: {عالم الغيب والشهادة}, فعلمه به قبل وقوعه علم غيب، وعلمه به في حال وقوعه شهادة، وكل ما علمه الله شهادة , فقد كان معلوماً عنده غيباً؛ لأنه يعلمه قبل كونه، وهذا يبين كل ما في القرآن مثله نحو قوله تعالى: {ولنبلونّكم حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين ونبلو أخباركم}). [معاني القرآن: 1/222-223]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْمُمْتَرِينَ}: الشاكين, {شَطْرَ}: تلقاء). [العمدة في غريب القرآن: 85]

تفسير قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آيةٍ مّا تبعوا قبلتك...}
أجيبت (لئن) بما يجاب به لو., ولو في المعنى ماضية، ولئن مستقبلة، ولكن الفعل ظهر فيهما بفعل , فأجيبتا بجواب واحدٍ، وشبّهت كلّ واحدة بصاحبتها, والجواب في الكلام في (لئن) بالمستقبل مثل قولك: لئن قمت لأقومنّ، ولئن أحسنت لتكرمنّ، ولئن أسأت لا يحسن إليك,
وتجيب لو بالماضي فتقول: لو قمت لقمت، ولا تقول: لو قمت لأقومنّ. فهذا الذي عليه يعمل، فإذا أجيبت لو بجواب لئن , فالذي قلت لك من لفظ فعليهما بالمضيّ، ألا ترى أنك تقول: لو قمت، ولئن قمت، ولا تكاد ترى تفعل تأتى بعدهما، وهي جائزة، فلذلك قال {ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفرّاً لظلّوا} فأجاب (لئن) بجواب (لو)، وأجاب (لو) بجواب (لئن) , فقال:{ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير} الآية).
[معاني القرآن: 1/84]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({بكلّ آيةٍ} أي: علامة، وحجة). [مجاز القرآن: 1/60]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آيةٍ مّا تبعوا قبلتك وما أنت بتابعٍ قبلتهم وما بعضهم بتابعٍ قبلة بعضٍ ولئن اتّبعت أهواءهم مّن بعد ما جاءك من العلم إنّك إذا لّمن الظّالمين}
قال: {ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آيةٍ مّا تبعوا قبلتك}؛ لأن معنى قوله: {ولئن أتيت}، ولو أتيت,ألا ترى أنك تقول: "لئن جئتني ما ضربتك" على معنى "لو" كما قال: {ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفرّاً لّظلّوا}, يقول: "ولو أرسلنا ريحاً" ؛ لأن معنى "لئن" مثل معنى "لو" ؛ لأنّ "لو" لم تقع , وكذلك "لئن" كذا يفسره المفسرون, وهو في الإعراب على أنّ آخره معتمد لليمين, كأنه قال "و الله ما تبعوا" , أي: ما هم بمتّبعين). [معاني القرآن: 1/118]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتّبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنّك إذا لمن الظّالمين}
زعم بعض النحويين، أن " لئن " أجيب بجواب " لو " ؛ لأن الماضي: وليها كما ولي " لو ", فأجيب بجواب " لو ", ودخلت كل واحدة منها على أختها , قال اللّه عزّ وجلّ: {ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرّا لظلّوا من بعده يكفرون}
فجرت مجرى: {ولو أرسلنا ريحاً}, وكذلك قال الأخفش بهذا القول،
قال سيبويه وجميع أصحابه: إن معنى {لظلّوا من بعده يكفرون}: ليظلّنّ , ومعنى (لئن) غير معنى " لو " في قول الجماعة، وإن كان هؤلاء قالوا : إنّ الجواب متفق؛ فإنهم لا يدفعون أن معنى {لئن}ما يستقبل , ومعنى " لو " ماض , وحقيقة معنى " لو " أنها يمتنع بها الشيء لامتناع غيره، تقول: لو أتيتني لأكرمتك، أي: لم تأتني فلم أكرمك، فإنما امتنع إكرامي لامتناع إتيانك.

ومعنى " إن " , و (لئن) أنه يقع الشيء فيهما، لوقوع غيره في المستقبل تقول إن تأتني أكرمك، فالإكرام يقع بوقوع الإتيان فهذه حقيقة معناهما.
فأما التأويل: فإنّ أهل الكتاب قد علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم حق , وأن صفته ونبوته في كتابهم، وهم يحققون العلم بذلك , فلا تغني الآيات عند من يجد ما يعرف.
وقوله عزّ وجلّ: {وما بعضهم بتابع قبلة بعض}؛ لأن أهل الكتاب تظاهروا على النبي صلى الله عليه وسلم , واليهود لا تتبع قبلة النصارى، ولا النصارى تتبع قبلة اليهود، وهم مع ذلك في التظاهر على النبي متفقون.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّك إذا لمن الظّالمين} أي: أنك لمنهم أن اتبعت أهواءهم, وهذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم, ولسائر أمّته؛ لأن ما خوطب به من هذا الجنس, فقد خوطب به الأمة , والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ:{يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء}, أول الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم, وليس معه لفظ الأمة، وآخره دليل أن الخطاب عام). [معاني القرآن: 1/224]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (و{العلم} هاهنا: القرآن). [ياقوتة الصراط: 179]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله: {وإنّ فريقاً مّنهم ليكتمون الحقّ وهم يعلمون... الحقّ من رّبّك...}
المعنى: أنهم لا يؤمنون بأن القبلة التي صرف إليها محمد صلى الله عليه وسلم قبلة إبراهيم صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء، ثم استأنف {الحقّ},فقال: يا محمد هو {الحقّ من رّبّك}، إنها قبلة إبراهيم , {فلا تكوننّ من الممترين}: فلا تشكّنّ في ذلك,والممتري: الشاك). [معاني القرآن: 1/85]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإنّ فريقا منهم ليكتمون الحقّ وهم يعلمون}: يعني به: علماء اليهود, و (الذين) رفع بالابتداء، وخبر (الذين) : (يعرفونه)، وفي (يعرفونه) قولان:
1- قال بعضهم: يعرفون أن أمر القبلة ,وتحول النبي صلى الله عليه وسلم من قبل بيت المقدس إلى البيت الحرام حق, كما يعرفون أبناءهم.

2- وقيل معنى {يعرفونه}: يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم , وصحة أمره.
وقوله عزّ وجلّ: {وإنّ فريقا منهم ليكتمون الحقّ وهم يعلمون}
أي: يعلمون {أنّه الحق}, أي: يكتمون صفته، ومن لا يعلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم , وما جاء به , {وهم يعلمون}, أنّه الحق). [معاني القرآن: 1/225]

تفسير قوله تعالى: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({الحقّ من رّبّك فلا تكوننّ من الممترين}
قال: {الحقّ من رّبّك} على ضمير الاسم , ولكن استغني عنه لما ذكره كأنه قال: "هو الحقّ من ربّك"). [معاني القرآن: 1/118]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الممترين}: الشاكين).[غريب القرآن وتفسيره: 84]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الحقّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين} أي: من الشاكين , والخطاب أيضاً عام , أي: فلا تكونوا من الشاكين). [معاني القرآن: 1/225]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الممترين}: الشاكين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 34]

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولكلٍّ وجهةٌ...}: يعني : قبلة .{هو مولّيها}: مستقبلها، الفعل لكلٍّ، يريد: مولٍّ وجهه إليها, والتولية في هذا الموضع : إقبال.
وفي {يولّوكم الأدبار}، {ثمّ ولّيتم مدبرين} انصراف, وهو كقولك في الكلام: انصرف إليّ، أي : أقبل إليّ، وانصرف إلى أهلك, أي: اذهب إلى أهلك, وقد قرأ ابن عباس وغيره :{هو مولاّها},وكذلك قرأ أبو جعفر محمد بن عليّ، فجعل الفعل واقعاً عليه, والمعنى واحد, والله أعلم).
[معاني القرآن: 1/85]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أين ما تكونوا...}
إذا رأيت حروف الاستفهام قد وصلت بـ (ما)، مثل قوله: أينما، ومتى ما، وأيّ ما، وحيث ما، وكيف ما، و{أيّاًما تدعوا} كانت جزاء, ولم تكن استفهاماً, فإذا لم توصل بـ (ما) كان الأغلب عليها الاستفهام، وجاز فيها الجزاء, فإذا كانت جزاء جزمت الفعلين: الفعل الذي مع أينما وأخواتها، وجوابه؛ كقوله: {أين ما تكونوا يأت بكم اللّه} , فإن أدخلت الفاء في الجواب رفعت الجواب؛ فقلت في مثله من الكلام: أينما تكن فآتيك, كذلك قول الله - تبارك وتعالى - {ومن كفر فأمتّعه}.
فإذا كانت استفهاما رفعت الفعل الذي يلي أين وكيف، ثم تجزم الفعل الثاني؛ ليكون جوابا للاستفهام، بمعنى الجزاء؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {هل أدلّكم على تجارةٍ تنجيكم من عذابٍ أليم} , ثم أجاب الاستفهام بالجزم؛ فقال تبارك وتعالى : {يغفر لكم ذنوبكم}.
فإذا أدخلت في جواب الاستفهام فاءً نصبت كما قال الله تبارك وتعالى: {لولا أًخّرتني إلى أجلٍ قريبٍ فأًصّدّق} فنصب.
فإذا جئت إلى العطوف التي تكون في الجزاء , وقد أجبته بالفاء كان لك في العطف ثلاثة أوجه؛ إن شئت رفعت العطف؛ مثل قولك: إن تأتني فإني أهل ذاك، وتؤجر وتحمد، وهو وجه الكلام. وإن شئت جزمت، وتجعله كالمردود على موضع الفاء, والرفع على ما بعد الفاء, وقد قرأت القرّاء:{من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم}, رفع وجزم, وكذلك: {إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لّكم ويكفّر} جزم ورفع. ولو نصبت على ما تنصب عليه عطوف الجزاء إذا استغنى لأصبت؛ كما قال الشاعر:
فإن يهلك النعمان تعر مطّيةٌ = وتخبأ في جوف العياب قطوعها
وإن جزمت عطفاً بعد ما نصبت تردّه على الأوّل، كان صواباً؛ كما قال بعد هذا البيت:
وتنحط حصانٌ آخر اللّيل نحطةً = تقصّم منها أو تكاد ضلوعها
وهو كثير في الشعر والكلام, وأكثر ما يكون النصب في العطوف إذا لم تكن في جواب الجزاء الفاء، فإذا كانت الفاء فهو الرفع والجزم.
وإذا أجبت الاستفهام بالفاء , فنصبت , فانصب العطوف، وإن جزمتها فصواب,من ذلك قوله في المنافقين: {لولا أخّرتني إلى أجلٍ قريبٍ فأصّدّق وأكن}, رددت "وأكن" على موضع الفاء؛ لانها في محلّ جزمٍ؛ إذ كان الفعل إذا وقع موقعها بغير الفاء جزم, والنصب على أن تردّه على ما بعدها، فتقول: "وأكون" , وهي في قراءة عبد الله بن مسعود :{وأكون}بالواو، وقد قرأ بها بعض القرّاء قال: وأرى ذلك صواباً, لأن الواو ربما حذفت من الكتاب وهي تراد؛ لكثرة ما تنقص وتزاد في الكلام؛ ألا ترى أنهم يكتبون "الرحمن" وسليمن بطرح الألف والقراءة بإثباتها؛ فلهذا جازت, وقد أسقطت الواو من قوله: {سندع الزّبانية}, ومن قوله: {ويدع الإنسان بالشّرّ} الآية، والقراءة على نيّة إثبات الواو, وأسقطوا من الأيكة ألفين فكتبوها في موضع ليكة، وهي في موضع آخر الأيكة، والقرّاء على التمام، فهذا شاهد على جواز "وأكون من الصّالحين".
وقال بعض الشعراء:
فأبلوني بليّتكم لعلّي = أصلكم وأستدرج نويّا
فجزم (وأستدرج), فإن شئت رددته إلى موضع الفاء المضمرة في لعلّى، وإن شئت جعلته في موضع رفع , فسكّنت الجيم لكثرة توالى الحركات, وقد قرأ بعض القراء :{لا يحزنهم الفزع الأكبر}بالجزم وهم ينوون الرفع، وقرءوا :{أنلزمكموها وأنتم لها كارهون}, والرفع أحبّ إليّ من الجزم). [معاني القرآن: 1/84-85]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولكلٍّ وجهةٌ...}: العرب تقول: هذا أمر ليس له وجهة، وليس له جهة، وليس له وجه؛ وسمعتهم يقولون: وجّه الحجر، جهةٌ مّاله، ووجهة مّاله، ووجهٌ مّاله, ويقولون: ضعه غير هذه الوضعة، والضّعة، والضعة, ومعناه: وجّه الحجر فله جهة؛ وهو مثل، أصله في البناء يقولون: إذا رأيت الحجر في البناء لم يقع موقعه , فأدره , فإنك ستقع على جهته, ولو نصبوا على قوله: وجّهه جهته , لكان صواباً). [معاني القرآن: 1/90]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها}, أي: موجّهها). [مجاز القرآن: 1/60]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم اللّه جميعاً إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}
قال: {ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها} على: "ولكل أمّةٍ وجهةٌ" , وقد قال قوم {ولكلّ وجهةٍ} , فلم ينونوا "كلّ", وهذا لا يكون ؛ لأنك لا تقول: "لكلّ رجلٍ هو ضاربه", ولكن تقول: لكلّ رجلٍ ضاربٌ" , فلو كان "هو مولٍّ" كان كلاماً, فأما "مولّيها" على وجه ما قرأ , فليس بجائز). [معاني القرآن: 1/118]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({هو موليها}: موجهها وجهة إليها والفعل " لكل" والتولية في هذا الموضع إقبال وفي قوله ثم {وليتم مدبرين} و{يولوكم الأدبار}: فرار وهو قولك في الكلام: كان فلان موليا معرضا عني فانصرف إلي أي أقبل إلي، وانصرف إلى أهله أي ذهب إليهم). [غريب القرآن وتفسيره: 84]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({لكلٍّ وجهةٌ},أي: قبلة, {مولّيها},أي: موليها وجهه ,أي: مستقبلها, يريد : أن كل ذي ملّة له قبلة). [تفسير غريب القرآن: 65]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولكلّ وجهة هو مولّيها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم اللّه جميعا إنّ اللّه على كلّ شيء قدير}
يقال: هذه جهة و وجهة و وجهة، وكذلك يقال: ضعة ووضعة وضعة.
وقيل في قوله:{هو موليها}, قولان: -
1- قال بعض أهل اللغة , وهو أكثر القول: هو "لكل: المعنى: هو موليها وجهه، أي : وكل أهل وجهة هم الذين ولوا وجوههم إلى تلك الجهة , وقد قرئ أيضاً:هو مولّاها, وهو حسن.
2- وقال قوم: أي اللّه - على ما يزعمون - يولي أهل كل ملة القبلة التي يريد، وكلا القولين جائز، واللّه أعلم.

وقوله عزّ وجلّ:{فاستبقوا الخيرات} أي: فبادروا إلى القبول من الله عزّ وجلّ، وولّوا وجوهكم حيث أمركم أن تولوا.
وقوله عزّ وجلّ: {أين ما تكونوا يأت بكم اللّه جميعاً},أي: يرجعكم إليه.
{إنّ اللّه على كلّ شيء قدير}: فتوفون ما عملتم , وأينما تجزم ما بعدها؛ لأنها إذا وصلت ب " ما " جزمت ما بعد, وكان الكلام شرطاً, وكان الجواب جزماً كالشرط, وإن كانت استفهاماً نحو: أين زيد ؟, فإن أجبته أجبت بالجزم، تقول: أين بيتك أزرك؟, المعنى: إن أعرف بيتك أزرك.
وزعم بعض النحويين أن قوله: {هّل أدلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم}, جوابه :{يغفر لكم}
وهذا خطأ لأنه ليست بالدلالة تجب المغفرة , إنما تجب المغفرة بقبولهم ما يؤدي إليهم النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن {يغفر لكم ذنوبكم}جواب {تؤمنون باللّه ورسوله وتجاهدون}: فإنه أمر في لفظ خبر.
المعنى: آمنوا باللّه ورسوله , وجاهدوا , يغفر لكم). [معاني القرآن: 1/225-226]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ولكل وجهة هو موليها}, أي: قبلة هو موليها وجهه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 34]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وِجْهَةٌ}: قبلـــة, {مُوَلِّيهَـــا}: موجههـــا). [العمدة في غريب القرآن: 85]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149)}
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والشطر: الجانب، والشطر: النصف). [ياقوتة الصراط: 179]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلاّ الّذين ظلموا منهم...}
يقول القائل: كيف استثنى الذين ظلموا في هذا الموضع؟ , ولعلهم توهّموا أن ما بعد إلاّ يخالف ما قبلها؛ فإن كان ما قبل إلاّ فاعلا كان الذي بعدها خارجاً من الفعل الذي ذكر، وإن كان قد نفى عما قبلها الفعل ثبت لما بعد إلا؛ كما تقول: ذهب الناس إلاّ زيداً, فزيد خارج من الذهاب، ولم يذهب الناس إلا زيد، فزيد ذاهب، والذهاب مثبت لزيد.
فقوله: {إلاّ الّذين ظلموا}معناه: إلا الذين ظلموا منهم, فلا حجّة لهم , {فلا تخشوهم} , وهو كما تقول في الكلام: الناس كلّهم لك حامدون إلا الظالم لك المعتدي عليك، فإن ذلك لا يعتدّ بعداوته , ولا بتركه الحمد لموضع العداوة, وكذلك الظالم لا حجّة له, وقد سمّي ظالماً.
وقد قال بعض النحويين: إلا في هذا الموضع بمنزلة الواو؛ كأنه قال: {لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّةٌ}, ولا للذين ظلموا, فهذا صواب في التفسير، خطأ في العربية؛ إنما تكون إلا بمنزلة الواو إذا عطفتها على استثناء قبلها، فهنالك تصير بمنزلة الواو؛ كقولك: لي على فلان ألف إلا عشرة إلا مائة، تريد بـ (إلاّ) الثانية أن ترجع على الألف، كأنك أغفلت المائة , فاستدركتها , فقلت: اللهمّ إلا مائ, فالمعنى : له عليّ ألف ومائة، وأن تقول: ذهب الناس إلا أخاك، اللهمّ إلا أباك, فتستثنى الثاني، تريد: إلا أباك وإلا أخاك؛ كما قال الشاعر:
ما بالمدينة دار غير واحدةٍ = دار الخليفة إلا دار مروانا
كأنه أراد: ما بالمدينة دار إلا دار الخليفة , ودار مروان). [معاني القرآن: 1/89-90]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واخشوني...}
أثبتت فيها الياء , ولم تثبت في غيرها، وكلّ ذلك صواب، وإنما استجازوا حذف الياء ؛ لأن كسرة النون تدلّ عليها، وليست تهيّب العرب حذف الياء من آخر الكلام إذا كان ما قبلها مكسوراً, من ذلك {ربّي أكرمن} , و{ أهانن} في سورة "الفجر" وقوله: {أتمدّونن بمالٍ} , ومن غير النون "المناد" و"الداع" وهو كثير، يكتفى من الياء بكسرة ما قبلها، ومن الواو بضمّة ما قبلها؛ مثل قوله:
{سندع الزّبانية . ويدع الإنسان} , وما أشبهه، وقد تسقط العرب الواو , وهي واو جماع، اكتفي بالضمّة قبلها , فقالوا في ضربوا: قد ضرب، وفي قالوا: قد قال ذلك، وهي في هوازن وعليا قيس؛ أنشدني بعضهم:
إذا ما شاء ضرّوا من أرادوا = ولا يألو لهم أحد ضرارا
وأنشدني الكسائي:
متى تقول خلت من أهلها الدار= كأنهم بجناحى طائر طاروا
وأنشدني بعضهم:
فلو أن الأطبّا كان عندي = وكان مع الأطباء الأساة
وتفعل ذلك في ياء التأنيث؛ كقول عنترة:
إن العدوّ لهم إليك وسيلة = إن يأخذوك تكحّلي وتخضّب
يحذفون ياء التأنيث, وهي دليل على الأنثى اكتفاء بالكسرة). [معاني القرآن: 1/90-91]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلاّ الّذين ظلموا منهم},موضع (إلاّ) ها هنا ليس بموضع استثناء، إنما هو موضع واو الموالاة، ومجازها: لئلا يكون للناس عليكم حجة، وللذين ظلموا، وقال الأعشى:
إلاّ كخارجة المكلّف نفسه= وابني قبيصة أن أغيب ويشهدا
ومعناه: وخارجة، وقال عنز بن دجاجة المازنيّ:
من كان أسرع في تفّرق فالجٍ= فلبونه جربت معاً وأغدّت
إلاّ كناشرة الذي ضيّعتم... كالغصن في غلوائه المتنبّت
غلوائه: سرعة نباته، يريد: وناشرة الذي ضيعتم، لأن بني مازن يزعمون أن فالجا الذي في بني سليم، وناشرة الذي في بني أسد: هما، ابنا مازنٍ.
{أولئك عليهم صلواتٌ من ربّهم ورحمة}, يقول: ترحّمٌ من ربهم، قال الأعشى:
تقول بنتي إذا قرّبت مرتتحلاً= يا ربّ جنّب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صلّيت فاغتمضى= نوماً فإن لجنب المرء مضطجعا
فمن رفع (مثل) جعله: عليك مثل ذلك قلت لي ودعوت لي به، ومن نصبه جعله أمراً يقول: عليك بالترحم والدعاء للي). [مجاز القرآن: 1/60-62]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلاّ الّذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتمّ نعمتي عليكم ولعلّكم تهتدون}
وقال: {لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلاّ الّذين ظلموا} , فهذا معنى "لكنّ", وزعم يونس أنه سمع أعرابياً فصيحا يقول: "ما أشتكي شيئاً إلاّ خيراً" , وذلك أنه قيل له: "كيف تجدك؟", وتكون "إلاّ" بمنزلة الواو نحو قول الشاعر:
وأرى لها داراً بأغدرة السـ = ـيدان لم يدرس لها رسم
إلاّ رماداً هامداً دفعت = عنه الرياح خوالدٌ سحم
أراد: أرى لها داراً ورماداً.
وقال بعض أهل العلم : إن الذين ظلموا ههنا: هم ناس من العرب كانوا يهوداً أو نصارى، فكانوا يحتجون على النبي صلى الله عليه، فأما سائر العرب فلم يكن لهم حجة , وكانت حجة من يحتج منكسرة, إلا أنك تقول لمن تنكسر حجته: إن لك علي الحجة , ولكنها منكسرة , وإنك تحتج بلا حجة , وحجتك ضعيفة.

وقال: {ولأتمّ نعمتي عليكم} , يقول: لأن لا يكون للناس عليكم حجة, ولأتمّ نعمتي عليكم, عطف على الكلام الأول). [معاني القرآن: 1/119-120]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({لئلّا يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلّا الّذين ظلموا}, أي: إلّا أن يحتج عليكم الظالمون بباطل من الحجج, وهو قول اليهود: كنت , وأصحابك تصلون إلى بيت المقدس، فإن كان ذلك ضلالاً, فقد مات أصحابك عليه, وإن كان هدى فقد حوّلت عنه.
فأنزل اللّه: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}, أي: صلاتكم, فلم تكن لأحد حجة). [تفسير غريب القرآن: 65-66]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره لئلّا يكون للنّاس عليكم حجّة إلّا الّذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتمّ نعمتي عليكم ولعلّكم تهتدون}
{لئلّا يكون للنّاس عليكم حجّة}: أي: قد عرفكم اللّه أمر الاحتجاج في القبلة مما قد بيّنّاه ؛ لئلا يكون للناس على اللّه حجة في قوله: {ولكلّ وجهة هو مولّيها}, أي: هو موليها لئلا يكون.
وقوله عزّ وجلّ: {إلّا الّذين ظلموا منهم فلا تخشوهم}
قال بعضهم : لكن الذين ظلموا منهم , فلا تخشوهم، والقول عندي: أن المعنى في هذا واضح, المعنى لئلا يكون للناس عليكم حجة، إلا من ظلم باحتجاجه فيما قد وضح له، كما تقول: ما لك على من حجة إلا الظلم، أي: إلا أن تظلمني، المعنى: ما لك عليّ من حجة ألبتّة، ولكنك تظلمني، وما لك على حجة إلا ظلمي, وإنما سميّ ظلمة هنا حجة ؛ لأن المحتج به سماه حجة وحجّته داحضة عند اللّه.
قال اللّه عزّ وجلّ: {حجّتهم داحضة عند ربّهم}: سميت حجة إلا أنها حجة مبطلة, فليست بحجة موجبة حقاً.
وهذا بيان شاف إن شاء اللّه.
وقوله عزّ وجلّ:{ولأتمّ نعمتي عليكم}, أي عرفتكم لئلا يكون عليكم حجة , {ولأتمّ نعمتي عليكم},{ولعلّكم تهتدون}). [معاني القرآن: 1/225-227]

تفسير قوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {كما أرسلنا فيكم...}
جواب لقوله: {فاذكروني أذكركم}: كما أرسلنا، فهذا جواب مقدّم ومؤخّر.
وفيها وجه آخر: تجعلها من صلة ما قبلها لقوله: {أذكركم} , ألا ترى أنه قد جعل لقوله: {اذكروني} جواباً مجزوماً, فكان في ذلك دليل على أن الكاف التي في (كما) لما قبلها؛ لأنك تقول في الكلام: كما أحسنت فأحسن, ولا تحتاج إلى أن تشترط لـ (أحسن)؛ لأن الكاف شرط، معناه:افعل كما فعلت, وهو في العربية أنفذ من الوجه الأوّل مما جاء به التفسير؛ وهو صواب بمنزلة جزاء يكون له جوابان؛ مثل قولك: إذا أتاك فلان فأته ترضه, فقد صارت (فأته) , و(ترضه) جوابين). [معاني القرآن: 1/92]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({كما أرسلنا فيكم رسولاً مّنكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكّيكم ويعلّمكم الكتاب والحكمة ويعلّمكم مّا لم تكونوا تعلمون}
قوله: {كما أرسلنا فيكم رسولاً مّنكم يتلو عليكم آياتنا ويزكّيكم ويعلّمكم الكتاب والحكمة} , {فاذكروني أذكركم}, أي: كما فعلت هذا, فاذكرونني). [معاني القرآن: 1/120]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ ونجل: {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكّيكم ويعلّمكم الكتاب والحكمة ويعلّمكم ما لم تكونوا تعلمون (151)}: (كما) تصلح أن تكون جوابا لما قبلها، فيكون: {لعلّكم تهتدون}., {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم}, والأجود أن تكون (كما) معلقة بقوله عزّ وجلّ {فاذكروني أذكركم}.
أي: فاذكروني بالشكر والإخلاص كما أرسلنا فيكم.
فإن قال قائل فكيف يكون جواب {كما أرسلنا}: {فاذكروني أذكركم}, جواب ههنا إنما يصلح أن يكون جوابين ؛ لأن قوله:{فاذكروني} أمر، وقوله :{أذكركم}جزاء اذكروني,والمعنى :إن تذكروني أذكركم..
ومعنى الآية: أنها خطاب لمشركي العرب، فخاطبهم اللّه عزّ وجلّ بمادلهم على إثبات رسالة النبي صلى الله عليه وسلم , فقال:كما أرسلنا فيكم محمدا - صلى الله عليه وسلم - وهو رجل منكم أمّي تعلمون أنه لم يتل كتابا قبل رسالته, ولا بعدها إلا بما أوحي إليه. وإنكم كنتم أهل جاهلية لا تعلمون الحكمة , ولا أخبار الأنبياء، ولا آبائهم ولا أقاصيصهم,فأرسل إليكم النبي صلى الله عليه وسلم ,فأنبأكم بأخبار الأنبياء، وبما كان من أخبارهم مع أممهم، لا يدفع ما أخبر به أهل الكتاب، فكما أنعمت عليكم بإرساله فاذكروني بتوحيدي، وتصديقه صلى الله عليه وسلم.
{اشكروا لي}: أذكركم برحمتي , ومغفرتي , والثناء عليكم.
وقوله عزّ وجلّ:{ولا تكفرون}: الأكثر الذي أتى به القرّاء حذف الياءات مع النون). [معاني القرآن: 1/228]

تفسير قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واشكروا لي...}
العرب لا تكاد تقول: شكرتك، إنما تقول: شكرت لك، ونصحت لك. ولا يقولون: نصحتك، وربما قيلتا؛ قال بعض الشعراء:
هم جمعوا بؤسي ونعمي عليكم = فهلاّ شكرت القوم إذ لم تقاتل
وقال النابغة:
نصحت بني عوفٍ فلم يتقبّلوا = رسولي ولم تنجح لديهم وسائلي). [معاني القرآن: 1/92]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا استعينوا بالصّبر والصّلاة إنّ اللّه مع الصّابرين (153)}
{يا أيّها} نداء مفرد مبهم , و {الذين} في موضع رفع صفة لـ{أيّها}, هذا مذهب الخليل, وسيبويه.
وأما مذهب الأخفش, فالذين صلة لأي , وموضع الذين رفع بإضمار الذكر العائد على أي , كأنّه على مذهب الأخفش بمنزلة قولك: يا من الذين، أي: يا من هم الذين.
و " ها " لازمة لأي عوض عما حذف منها للإضافة، وزيادة في التنبيه.
وأي في غير النداء لا يكون فيها " هاء " , ويحذف معها الذكر العائد عليها، تقول أضرب أيّهم أفضل، وأيّهم هو أفضل, تري:د الذي هو أفضل .
وأجاز المازني أن تكون صفة , أي: نصباً, فأجاز: يا أيها الرجل أقبل، وهذه الإجازة غير معروفة في كلام العرب،
ولم يجز أحد من النحويين هذا المذهب قبله، ولا تابعة عليه أحد بعده , فهذا مطروح مرذول لمخالفته كلام العرب, والقرآن, وسائر الأخبار.

ومعنى {استعينوا بالصبر والصلاة} أي: بالثبات على ما أنتم عليه, وإن نالكم فيه مكروه في العاجل، فإن الله مع الصابرين.
وتأويل إن اللّه معهم أي يظهر دينه على سائر الأديان.
لأن من كان الله معه , فهو الغالب, كما قال عزّ وجلّ: {فإنّ حزب اللّه هم الغالبون}.
ومعنى: استعينوا بالصلاة، أي: أنكم إذا صليتم , تلوتم في صلاتكم ما تعرفون به فضل ما أنتم عليه, فكان ذلك لكم عوناً). [معاني القرآن: 1/229]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أمواتٌ...}: رفع بإضمار مكني من أسمائهم؛ كقولك: لا تقولوا: هم أموات بل هم أحياء, ولا يجوز في الأموات النصب؛ لأن القول لا يقع على الأسماء إذا أضمرت وصوفها , أو أظهرت؛ كما لا يجوز قلت عبد الله قائما، فكذلك لا يجوز نصب الأموات؛ لأنك مضمر لأسمائهم، إنما يجوز النصب فيما قبله القول إذا كان الاسم في معنى قولٍ؛ من ذلك: قلت خيراً , وقلت شرّاً, فترى الخير والشرّ منصوبين؛ لأنهما قول، فكأنك قلت: قلت كلاما حسنا أو قبيحا. وتقول: قلت لك خيرا، وقلت لك خير، فيجوز، إن جعلت الخير قولا نصبته كأنك قلت: قلت لك كلاماً, فإذا رفعته فليس بالقول، إنما هو بمنزلة قولك: قلت لك مال, فابن على ذا ما ورد عليك؛ من المرفوع قوله: {سيقولون ثلاثةٌ رابعهم كلبهم} , و"خمسةٌ" و"سبعةٌ"، لا يكون نصباً؛ لأنه إخبار عنهم فيه أسماء مضمرة؛ كقولك: هم ثلاثة، وهم خمسة,
وأمّا قوله تبارك وتعالى :{ويقولون طاعةٌ}, فإنه رفع على غير هذا المذهب, وذلك أن العرب كانوا يقال لهم: لا بدّ لكم من الغزو في الشتاء والصيف، فيقولون: سمع وطاعة؛ معناه: منّا السمع والطاعة، فجرى الكلام على الرفع, ولو نصب على: نسمع سمعاً, ونطيع طاعة كان صواباً.

وكذلك قوله تبارك وتعالى في سورة محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم: {فأولى لهم طاعةٌ وقولٌ معروف}, عيّرهم , وتهدّدهم بقوله: "فأولى لهم"، ثم ذكر ما يقولون فقال: يقولون إذا أمروا "طاعة", "فإذا عزم الأمر" نكلوا وكذبوا فلم يفعلوا, فقال الله تبارك وتعالى: {فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم}، وربما قال بعضهم: إنما رفعت الطاعة بقوله: لهم طاعة، وليس ذلك بشيء, والله أعلم,ويقال أيضاً: "وذكر فيها القتال" و"طاعة" فأضمر الواو، وليس ذلك عندنا من مذاهب العرب، فإن يك موافقاً للتفسير , فهو صواب). [معاني القرآن: 1/93-94]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أمواتٌ بل أحياءٌ ولكن لاّ تشعرون}, قال: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أمواتٌ} على: ولا تقولوا هم أمواتٌ, وقال: {ولا تحسبنّ الّذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتاً} نصب على "تحسب"، ثم قال: {بل أحياءٌ}, أي: بل هم أحياءٌ, ولا يكون أن تجعله على الفعل؛ لأنه لو قال: "بل احسبوهم أحياء" ,كان قد أمرهم بالشك).
[معاني القرآن: 1/120]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون (154)}: بإضمار مكنيهم، أي: لا تقولوا هم أموات، فنهاهم اللّه أن يسمّوا من قتل في سبيل الله ميتاً, وأمرهم بأن يسموهم شهداء فقال:{بل أحياء عند ربّهم يرزقون}, فأعلمنا أن من قتل في سبيل اللّه حي.
فإن قال قائل: فما بالنا نرى جثة غير متصرفة؟, فإن دليل ذلك : مثل ما يراه الإنسان في منامه، وجثته غير متصرفة على قدر ما يرى ,واللّه عزّ وجلّ قد توفى نفسه في نومه , فقال تعالى:
{اللّه يتوفّى الأنفس حين موتها والّتي لم تمت في منامها}, وينتبه المنتبه من نومه , فيدركه الانتباه , وهو في بقية من ذلك، فهذا دليل أن أرواح الشهداء جائز أن تفارق أجسامهم، وهم عند اللّه أحياء، فالأمر فيمن قتل في سبيل الله لا يجب أن يقال له : ميت , لكن يقال له: شهيد , وهو عند الله حي.
وقد قيل فيها قول غير هذا , وهذا القول الذي ذكرته آنفا هو الذي أختاره, قالوا : معنى الأموات , أي: لا تقولوا هم أموات في دينهم، بل قولوا : إنهم أحياء في دينهم.
وقال أصحاب هذا القول: دليلنا والله أعلم - قوله: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارج منها}, فجعل المهتدي حياً, وانّه حين كان على الضلالة كان ميتا، والقول الأول أشبه بالدين, وألصق بالتفسير.
قوله عزّ وجلّ: {ولنبلونكم بشي من الخوف والجوع}
اختلف النحويون في فتح هذه الواوي:
فقال سيبويه: إنها مفتوحة لالتقاء السّاكنين.
وقالّ غيره من أصحابه: أنها مبنية على الفتح، وقد قال سيبويه في لام يفعل؛ لأنها مع ذلك قد تبنى على الفتحة، فالذين قالوا من أصحابه إنها مبنية على الفتح غير خارجين من قول له,وكلا القولين جائز).
[معاني القرآن: 1/229-230]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولنبلونّكم بشيءٍ مّن الخوف والجوع ونقصٍ مّن الأموال والأنفس والثّمرات...}
ولم يقل (بأشياء) لاختلافها, وذلك أن من تدلّ على أن لكل صنفٍ منها شيئا مضمراً, بشيء من الخوف وشيء من كذا، ولو كان بأشياء , لكان صواباً). [معاني القرآن: 1/94]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثّمرات وبشّر الصّابرين (155)}
ولم يقل بأشياء، فإنما جاء على الاختصار، والمعنى يدل على أنّه , وشيء من الخوف , وشيء من الجوع , وشيء من نقص الأموال والأنفس، وإنما جعل الله هذا لابتلاء ؛ لأنه أدعى لمن جاء بعد الصحابة , ومن كان في عصر صلى الله عليه وسلم إلى أتباعهم ؛ لأنهم يعلمون أنه لا يصبر على هذه الأشياء إلا من قد وضح له الحق , وبان له البرهان، -واللّه عزّ وجلّ يعطيهم ما ينالهم من المصائب في العاجل والآجل، وما هو أهم نفعاً لهم , فجمع بهذا الدلالة على البصيرة , وجوز الثواب للصابرين على ذلك الابتلاء , فقال عزّ وجلّ:
{وبشّر الصّابرين}: بالصلاة عليهم من ربّهم , والرحمة, وبأنهم المهتدون). [معاني القرآن: 1/231]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {قالوا إنّا للّه...}
لم تكسر العرب (إنا) إلا في هذا الموضع مع اللام في التوجّع خاصّة, فإذا لم يقولوا (للّه) فتحوا , فقالوا: إنا لزيد محبّون، وإنا لربّنا حامدون عابدون, وإنما كسرت في {إنّا للّه}؛ لأنها استعملت فصارت كالحرف الواحد، فأشير إلى النون بالكسر لكسرة اللام التي في "للّه"؛ كما قالوا: هالك وكافر، كسرت الكاف من كافر لكسرة الألف؛ لأنه حرف واحد، فصارت "إنا للّه" كالحرف الواحد ؛ لكثرة استعمالهم إياها، كما قالوا: الحمد للّه). [معاني القرآن: 1/94-95]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (فقال عزّ وجلّ: {الّذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا للّه وإنّا إليه راجعون}, أي: نحن وأموالنا للّه , ونحن عبيده يصنع بنا ما شاء، وفي ذلك صلاح لنا وخير.
{وإنّا إليه راجعون} أي: نحن مصدقون بأنا نبعث , ونعطي الثواب على تصديقنا، والصبر على ما ابتلانا به). [معاني القرآن: 1/231]

تفسير قوله تعالى:{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({عليهم صلوات من ربهم}أي: ترحم).[غريب القرآن وتفسيره: 84]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أولئك عليهم صلواتٌ من ربّهم} أي : مغفرة, والصلاة تتصرف على وجوه قد بينتها في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 66]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}
والصلاة في اللغة على ضربين:
1-
أحدهما الركوع , والسجود،
2- والآخر: الرحمة ,والثناء , والدعاء,
فصلاة الناس على الميت إنما معناها: الدعاء , والثناء على الله صلاة،
والصلاة من اللّه عزّ وجلّ على أنبيائه, وعباده, معناها: الرحمة لهم، والثناء عليهم، وصلاتنا الركوع , والسجود كما وصفنا, والدعاء صلاة, قال الأعشى:

عليك مثل الذي صليت فاغتمضي= نوماً فإن لجنب المرء مضطجعا
ويروى مثل الذي صليت، فمن قال عليك مثل الذي صليت، فمعناه: أنه يأمرها بأن تدعو له مثل الذي دعا لها, أي: تعيد الدعاء له, ومن روى عليك مثل الذي صليت؛ فهو رد عليها.
كأنه قال عليك مثل دعائك، أن ينالك من الخير مثل الذي أردت لي بهذه , ودعوت به لي.
وقال الشاعر:
صلى على يحيى وأشياعه = ربّ كريم وشفيع مطاع
المعنى: عليه الرحمة من اللّه , والثناء الجميل.
وأصل هذا كله عندي من اللزوم, يقال: صلي, وأصلى, واصطلى، إذا لزم, ومن هذا ما يصلى في النار، أي أنه يلزم.
وقال أهل اللغة في الصلاة: هي من الصّلوين، وهما مكتنفاًذنب الناقة, وأول موصل الفخذ من الإنسان، وكأنهما في الحقيقة مكتنف العصعص, والأصل عندي القول الأول.
ألا ترى أن الاسم للصيام هو: الإمساك عن الطعام والشراب،
وأصل الصيام: الثبوت على الإمساك عن الطعام،
وكذلك الصلاة: إنما هي لزوم ما فرض اللّه، والصلاة من أعظم الفرض الذي أمر بلزومه,
وأما المصلي الذي يأتي في أثر السابق من الخيل , فهو مسمى من الصلوين لا محالة، وهما مكتنفاذنب الفرس، فكأنة يأتي مع ذلك المكان.

قال الشاعر في الصيام الذي هو ثبوت على القيام:
خيل صيام وخيل غير صائمة= تحت العجاج وخيل تعلك اللجما
وقوله تعالى: {وإنّا إليه راجعون}
الأكثرون في قوله:{إنّا للّه}, تفخيم الألف ولزوم الفتح, وقد قيل: وهو كثير في كلام العرب: إنّ اللّه بإمالة الألف إلى الكسر، وكان ذلك في هذا الحرف بكثرة الاستعمال، وزعم بعض النحويين أن النون كسرت، ولم يفهم ما قاله القوم, إنما الألف ممالة إلى الكسرة.
وزعم أن هذا مثل قولهم:" الحمد لله "، فهذا صواب , أعني : قولهم (إنّا للّه) بالكسر , وقولهم " الحمد لله من أعظم الخطأ، فكيف يكون ما هو صواب بإجماع كالخطأ). [معاني القرآن: 1/232-233]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({صلوات} أي: مغفرة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 34]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({صَلَــــوَاتٌ}: رحمـــة). [العمدة في غريب القرآن: 85]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 24 ذو الحجة 1431هـ/30-11-2010م, 02:20 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 158 إلى 176]

{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما...}
كان المسلمون قد كرهوا الطواف بين الصفا والمروة؛ لصنمين كانا عليهما، فكرهوا أن يكون ذلك تعظيماً للصنمين، فأنزل الله تبارك وتعالى: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما} , وقد قرأها بعضهم :{ألاّ يطّوف}, وهذا يكون على وجهين؛
أحدهما أن تجعل "لا" مع "أن" صلة على معنى الإلغاء؛ كما قال: {ما منعك ألاّ تسجد إذ أمرتك} , والمعنى: ما منعك أن تسجد,
والوجه الآخر أن تجعل الطواف بينهما يرخّص في تركه, والأوّل المعمول به).
[معاني القرآن: 1/95]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن تطوّع خيراً...}
تنصب على جهة فعل, وأصحاب عبد الله وحمزة :{ومن يطّوّع}؛ لأنها في مصحف عبد الله:{يتطوع}). [معاني القرآن: 1/95]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({شعائر الله}: واحدتها شعيرة، وهي في هذا الموضع: ما أشعر لموقفٍ, أو مشعرٍ, أو منحرٍ , أي: أعلم لذاك, وفي موضع آخر: الهدى، إذا أشعرها، وهو أن يقلّدها، أو يحللّها, فأعلم أنها هدىٌ، والأصل: أن يشعرها بحديدة في سنامها من جانبها الأيمن: يطعنها حتى يخرج الدم). [مجاز القرآن: 1/62]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما ومن تطوّع خيراً فإنّ اللّه شاكرٌ عليمٌ}
قال: {فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما}, "إطّوّف" , "يطّوّف"؛ وهي من "تطوّف", فأدغم التاء في الطاء، فلما سكنت جعل قبلها ألفاً حتى يقدر على الابتداء بها, وإنما قال:{لا جناح عليه}؛ لأن ذلك كان مكروهاً في الجاهلية في الجاهلية, فأخبر أنه ليس بمكروه عنده). [معاني القرآن: 1/120]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({شعائر الله} واحدتها شعيرة وهي في هذا الموضع ما أشعر لموقف أو مسعى أو منحر أي صير علما، والمشاعر المواضع التي صيرت أعلاما مثل عرفة والمزدلفة وغير ذلك، وهي في موضع آخر الهدى إذ أشعرتها، والأشعار أن تبضع من جانبها الأيمن حتى يخرج الدم.
والتقليد ما تقلد من نعل أو غيرها).
[غريب القرآن وتفسيره: 85]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فلا جناح عليه}, أي: لا إثم عليه.
{أن يطّوّف بهما}, أي: يتطوّف, فأدغمت التاء في الطاء, وكان المسلمون في صدر الإسلام يكرهون الطواف بينهما، لصنمين كانا عليهما، حتى أنزل اللّه هذا, وقرأ بعضهم: ألا يطوف بهما, وفي هذه القراءة وجهان:
أحدهما: أن يجعل الطواف مرخّصا في تركه بينهما.
والوجه الآخر: أن يجعل «لا» مع «أن» صلة, كما قال: {ما منعك ألّا تسجد}, هذا قول الفراء). [تفسير غريب القرآن: 66-67]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما ومن تطوّع خيرا فإنّ اللّه شاكر عليم}
الصفا في اللغة: الحجارة الصلبة الصلدة التي لا تنبت شيئا، وهو جمع , واحدته: ضفاة وصفا، مث:ل حصاة وحصى،
والمروة والمرو: الحجارة اللينة.

وهذان الموضعان من شعائر اللّه، أي: من أعلام متعبداته , وواحدة الشعائر : شعيرة، والشعائر كلى ما كان من موقف , أو مسعى, أوذبح.
وإنما قيل شعائر : لكل علم لما تعبد به؛ لأن قولهم شعرت به: علمته، فلهذا سمّيت الأعلام التي هي متعبّدات شعائر.
وقوله عزّ وجلّ: {فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما}
وإنما كان المسلمون اجتنبوا الطواف بينهما لأن الأوثان كانت قبل الإسلام منصوبة بينهما، فقيل إنّ نصب الأوثان بيتهما قبل الإسلام لا يوجب اجتنابهما؛ لأن البيت الحرام والمشاعر طهّرت بالإسلام من الأوثان وغيرها.
فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن هذين من شعائره , وأنه لا جناح في الطواف بينهما , وأن من تطوع بذلك, فاللّه شاكر عليم.
والشكر من الله عزّ وجلّ: المجازاة والثناء الجميل، والحج والعمرة يكونان فرضا وتطوعا - والطواف بالبيت مجراه مجرى الصلاة إلا أنه يطوف بالبيت الحاجّ والمعتمر، وغير الحاجّ والمعتمر، ومعنى قولهم حججت في اللغة قصدت، وكل قاصد شيئا فقد حجّه، وكذلك كل قاصد شيئا فقد اعتمره، قال الشاعر:
يحج مأمومة في قعرها لجف... قاست الطبيب قذاها كالمغاريد
وقال الشاعر في قوله اعتمر أي قصد:
لقد سما ابن معمر حين اعتمر... مغزى بعيدا من بعيد وضبر
وقوله عزّ وجلّ: {فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما}
أي: لا إثم عليه،
والجناح: أخذ من جنح إذا مال, وعدل عن القصد, وأصل ذلك من جناح الطائر، و{أن يطّوّف بهما}, فيه غير وجه:
يجوز: أن يطوّف, وأن يطوّف، وأن يطوف بهما، فمن قرأ: أن يطوّف بهما, أراد: أن يتطوف , فأدمغت التاء في الطاء لقرب المخرجين،
ومن قرأ: أن يطوّف بهما, فهو من طوّف إذا أكثرا التّطواف.

وفي قوله عزّ وجلّ: {ومن تطوّع خيراً}, وجهان:-
إن شئت قلت: {ومن تطوّع خيراً} على لفظ المضي , ومعناه: الاستقبال؛ لأن الكلام شرط وجزاء, فلفظ الماضي فيه يؤول إلى معنى الاستقبال,
ومن قرأ: يطّوّع, فالأصل يتطوع , فأدغمت التاء في الطاء, ولست تدغم حرفاً من حرف إلا قلبته إلى لفظ المدغم فيه).
[معاني القرآن: 1/233-235]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والجناح: الإثم). [ياقوتة الصراط: 178]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والشعائر: المناسك، واحدتها: شعيرة). [ياقوتة الصراط: 179]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فلا جناح}: فلا إثم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 34]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({شَعَائِرَ اللَّهِ}: مناســـك). [العمدة في غريب القرآن: 85]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاّعنون...}
قال ابن عباس: {اللاعنون}: كلّ شيء على وجه الأرض إلا الثقلين,
قال عبد الله بن مسعود: إذا تلا عن الرجلان , فلعن أحدهما صاحبه , وليس أحدهما مستحقّ اللعن رجعت اللعنة على المستحقّ لها، فإن لم يستحقّها واحد منهما رجعت على اليهود الذين كتموا ما أنزل الله تبارك وتعالى, فجعل اللعنة من المتلاعنين من الناس على ما فسّر).
[معاني القرآن: 1/95-96]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ويلعنهم اللّاعنون}, قال ابن مسعود: إذا تلاعن اثنان, وكان أحدهما غير مستحق للعن، رجعت اللعنة على المستحق لها، فإن لم يستحقها أحد منهما رجعت على اليهود). [تفسير غريب القرآن: 67]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّنّاه للنّاس في الكتاب أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللّاعنون}
هذا إخبار عن علماء اليهود الذين كتموا ما علموه من صحة أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: {من بعد ما بيّنّاه للنّاس في الكتاب}, يعني: به القرآن.
ومعنى {ويلعنهم اللّاعنون}: فيه غير قول، أما ما يروى عن ابن عباس فقال: {اللّاعنون}: كل شيء في الأرض إلا الثقلين.
ويروى عن ابن مسعود أنه قال:{اللّاعنون}: الاثنان إذا تلاعنا لحقت اللعنة بمستحقها منهما، فإن لم يستحقها واحد منهما , رجعت على اليهود، وقيل:{اللّاعنون}, هم المؤمنون، فكل من آمن باللّه من الإنس والجن والملائكة فهم اللاعنون لليهود , وجميع الكفرة , فهذا ما روي في قوله: {اللّاعنون}, واللّه عزّ وجلّ أعلم). [معاني القرآن: 1/235]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({إلّا الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا}, أي: بيّنوا التوبة بالإخلاص ,والعمل). [تفسير غريب القرآن: 67]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إلّا الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التّوّاب الرّحيم}
{الذين} في موضع نصب على الاستثناء، والمعنى: أن من تاب بعد هذا, وتبين منهم أن ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم حق، قبل الله توبته.
فأعلم الله عزّ وجلّ: أنه يقبل التوبة ويرحم , ويغفر الذنب الذي لا غاية بعده).
[معاني القرآن: 1/235]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {إن الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين...}
فـ "الملائكة والناس" في موضع خفض؛ تضاف اللعنة إليهم على معنى: عليهم لعنة الله , ولعنة الملائكة, ولعنة الناس, وقرأها الحسن:{لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعون}, وهو جائز في العربية , وإن كان مخالفاً للكتاب, وذلك أن قولك:{عليهم لعنة الله}, كقولك: يلعنهم الله , ويلعنهم الملائكة والناس,
والعرب تقول: عجبت من ظلمك نفسك، فينصبون النفس؛ لأن تأويل الكاف رففع, ويقولون: عجبت من غلبتك نفسك، فيرفعون النفس؛ لأن تأويل الكاف نصب, فابن على ذا ما ورد عليك.

ومن ذلك قول العرب: عجبت من تساقط البيوت بعضها على بعض، وبعضها على بعض, فمن رفع ردّ البعض إلى تأويل البيوت؛ لأنها رفع؛ ألا ترى أن المعنى: عجبت من أن تساقطت بعضها على بعض, ومن خفض أجراه على لفظ البيوت، كأنه قال: من تساقط بعضها على بعض.
وأجود ما يكون فيه الرفع أن يكون الأوّل الذي في تأويل رفع, أو نصب قد كنى عنه؛ مثل قولك: عجبت من تساقطها, فتقول ها هنا: عجبت من تساقطها بعضها على بعض؛ لأن الخفض إذا كنيت عنه قبح أن ينعت بظاهر، فردّ إلى المعنى الذي يكون رفعا في الظاهر، والخفض جائز, وتعمل فيما تأويله النصب بمثل هذا فتقول: عجبت من إدخالهم بعضهم في إثر بعض؛ تؤثر النصب في (بعضهم)، ويجوز الخفض). [معاني القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({إن الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين}
قال: {أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين}؛ لأنه أضاف اللعنة , ثم قال: {خالدين فيها}نصب على الحال). [معاني القرآن: 1/121]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّار أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين} يعني: لم يتوبوا قبل موتهم من كفرهم.
{أولئك عليهم لعنة اللّه}: واللعنة هي إبعاد اللّه، وإبعاده عذابه.
وقوله عزّ وجلّ: {والملائكة والنّاس أجمعين} ا لمعنى: لعنة الملائكة , ولعنة الناس أجمعين.
فإن قال قائل: كيف يلعنه الناس أجمعون، وأهل دينه لا يلعنونه؟, قيل له: إنّهم يلعنونه في الآخرة، كما قال عزّ وجلّ:{ ثمّ يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً}
وقرأ الحسن: {أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين}: وهو جيد في العربية إلا أني أكرهه لمخالفته المصحف، والقراءة، إنما ينبغي أن يلزم فيها السنة، ولزوم السنة فيها أيضًا أقوى عند أهل العربية؛ لأن الإجماع في القراءة إنما يقع على الشيء الجيّد البالغ , ورفع الملائكة في قراءة الحسن على تأويل: أولئك جزاؤهم أن لعنهم اللّه , والملائكة، فعطف الملائكة على موضع إعراب لله في التأويل.
ويجوز على هذا: عجبت من ضرب زيد وعمرو , ومن قيامك وأخوك, المعنى: عجبت من أن ضرب زيد وعمرو , ومن أن قمت أنت وأخوك.
ومعنى {خالدين فيها} أي: في اللعنة, وخلودهم فيها: خلود في العذاب). [معاني القرآن: 1/235-236]

تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)}

تفسير قوله تعالى:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإلهكم إله واحد لا إله إلّا هو الرّحمن الرّحيم}
أخبر عزّ وجلّ بوحدانيته , ثم أخبر بالاحتجاج في الدلالة على أنه واحد , فقال:{إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك الّتي تجري في البحر بما ينفع النّاس وما أنزل اللّه من السّماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبثّ فيها من كلّ دابّة وتصريف الرّياح والسّحاب المسخّر بين السّماء والأرض لآيات لقوم يعقلون}). [معاني القرآن: 1/237]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وتصريف الرّياح...}, تأتى مرّة جنوباً, ومرّة شمالاً,وقبولاً, ودبوراً, فذلك تصريفها). [معاني القرآن: 1/97]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({والفلك}: تقع على الواحد، وعلى الجميع، وهي السفينة والسّفن، والعرب تفعل ذلك قالوا: هي الطّرفاء، وهذه الطّرفاء.
{وبثّ فيها}, أي: فرّق وبسط، {وزرابيّ مبثوثةٌ}, أي: متفرقة مبسوطة). [مجاز القرآن: 1/62]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الفلك}: السفن وهو جميع واحدة فلكه ويذكر ويؤنث، قال {في الفلك المشحون} وفي موضع آخر {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} ويقال الفلك واحد وجميع.
{وبث فيها}: فرق فيها ومنه {زرابي مبثوثة}). [غريب القرآن وتفسيره: 85]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({والفلك}: السّفن، واحد , وجمع بلفظ واحد). [تفسير غريب القرآن: 67]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك الّتي تجري في البحر بما ينفع النّاس وما أنزل اللّه من السّماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبثّ فيها من كلّ دابّة وتصريف الرّياح والسّحاب المسخّر بين السّماء والأرض لآيات لقوم يعقلون}
فهذه الآيات تدل على أنه واحد - عزّ وجلّ - فأما الآية في أمر السماء فمن أعظم الآية لأنهها سقف بغير عمد، والآية في الأرض عظيمة فيما يرى من سهلها وجبلها وبحارها. وما فيها من معادن الذهب والفضة والرصاص والحديد اللاتي لا يمكن أحد أن ينشئ مثلها، وكذلك في تصريف الرياح، وتصريفها أنها تأتي من كل أفق فتكون شمالا مرة وجنوبا مرة ودبورا مرة وصبا مرة، وتأتي لواقح للسحاب.
فهذه الأشياء وجميع ما بث الله في الأرض دالة على أنه واحد.
كما قال عزّ وجلّ: {وإلهكم إله واحد} - لا إله غيره لأنه لا يأتي آت بمثل هذه الآيات (إلا واحدا) ). [معاني القرآن: 1/237]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْفُلْكِ}: السفن, {وَبـــَثَّ}: فرق, {الأَسْبَابُ}: الحبال). [العمدة في غريب القرآن: 86]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أنداداً يحبّونهم كحبّ اللّه...}
يريد - والله أعلم - يحبّون الأنداد، كما يحبّ المؤمنون الله, ثم قال: {والّذين آمنوا أشدّ حبّاً للّه} من أولئك الأنداد). [معاني القرآن: 1/97]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب...}
يوقع "يرى" على "أن القوة لله وأن الله" وجوابه متروك, والله أعلم,و قوله: {ولو أنّ قرآناً سيّرت به الجبال أو قطّعت}, وترك الجواب في القرآن كثير؛ لأن معاني الجنة والنار مكرر معروف, وإن شئت كسرت إنّ , وإنّ وأوقعت "يرى" على "إذ" في المعنى , وفتح أنّ وأنّ مع الياء أحسن من كسرها.
ومن قرأ :{ولو ترى الّذين ظلموا} بالتاء كان وجه الكلام أن يقول: "إن القوة..." بالكسر ", وإن..."؛ لأن "ترى" قد وقعت على {الذين ظلموا}
فاستؤنفت "إن ", "وإنّ" , ولو فتحتهما على تكرير الرّؤية من "ترى" , ومن "يرى" لكان صواباً؛ كأنه قال: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب يرون {أنّ القوّة للّه جميعاً}). [معاني القرآن: 1/98]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولو يرى الذين ظلموا}, أي: يعلم، وليس برؤية عين.). [مجاز القرآن: 1/62]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أنداداً يحبّونهم كحبّ اللّه والّذين آمنوا أشدّ حبّاً للّه ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب أنّ القوّة للّه جميعاً وأنّ اللّه شديد العذاب}
قال: {ولو ترى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب إنّ القوّة للّه جميعاً}, فـ"إنّ" مكسورة على الابتداء إذ قال: {ولو ترى},
وقال بعضهم : {ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة للّه جميعاً} , يقول: "ولو يرون أنّ القوّة للّه", أي: "لو يعلمون" ؛ لأنهم لم يكونوا علموا قدر ما يعاينون من العذاب، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم. فإذا قال: {ولو ترى}, فإنما يخاطب النبي صلى الله عله وسلم , ولو كسر "إنّ" إذا قال: {ولو يرى الذين ظلموا} على الابتداء جاز لو يرى أو يعلم, وقد تكون في معنى لا يحتاج معها إلى شيء , تقول للرجل: "أما واللّه لو تعلم" , و"لو يعلم" , قال الشاعر:

إن يكن طبّك الدّلال فلوفي = سالف الدّهر والسنين الخوالي
فهذا ليس له جواب إلاّ في المعننى, وقال:
فبحظٍّ مما تعيش ولا تذ = هب بك التّرهات في الأهوال
فأضمر "فعيشي", وقال بعضهم {ولو ترى}, وفتح {أنّ} على {ترى}, وليس ذلك ؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يعلم، ولكن أراد أن يعلم ذلك الناس كما قال: {أم يقولون افتراه} , ليخبر الناس عن جهلهم , وكما قال: {ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض}). [معاني القرآن: 1/121-122]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أندادا يحبّونهم كحبّ اللّه والّذين آمنوا أشدّ حبّا للّه ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب أنّ القوّة للّه جميعا وأنّ اللّه شديد العذاب}
فأعلم أن بعد هذا البيان والبرهان؛ تتخذ من دونه الأنداد, وهي الأمثال، فأبان أن من الناس من يتخذ ندّا يعلم أنه لا ينفع , ولا يضر , ولا يأتي بشيء مما ذكرنا، وعنى بهذا مشركي العرب.
وقوله عزّ وجلّ: {يحبّونهم كحبّ الله}
أي: يسوّون بين هذه الأوثان وبين اللّه عزّ وجلّ في المحبة.
وقال بعض النحويين: يحبونهم كحبكم أنتم للّه, وهذا قول ليس بشيء, ودليل نقضه قوله: {والّذين آمنوا أشدّ حبّاً للّه}
والمعنى: أن المخلصين الذين لا يشركون مع اللّه غيره هم المحبّون حقاً.
وقوله عزّ وجلّ: {ولو يرى الّذين ظلموا- إذ يرون العذاب - أنّ القوّة للّه جميعاً}.
في هذا غير وجه:
1- يجوز أنّ القوة للّه, وأن اللّه،
2- ويجوز أن القوة للّه, وإن الله، ولو ترى الذين ظلموا , وتفتح أن مع ترى، وتكسر، وكل ذلك قد قرئ به.

قرأ الحسن:{ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب إنّ القوة، وإنّ اللّه}: ونحن نفسر ما يجب أن يجرى عليه هذا إن شاء اللّه.
من قرأ : {أنّ القوة}, فموضع أن نصب بقوله :{ولو يرى الذين ظلموا أن القوة للّه جميعاً}, وكذلك نصب أن الثانية , والمعنى: ولو يرى الذين ظلموا شدّة عذاب اللّه وقوته , لعلموا مضرةاتخاذهم الأنداد، وقد جرى ذكر الأنداد في قوله: {ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أنداداً}:
ويجوز أن يكون: العامل في أنّ الجواب على ما جاء في التفسير: يروى في تفسير هذا : أنه لو رأى الذين كانوا يشركون في الدنيا عذاب الآخرة , لعلموا حين يرونه أن القوة للّه جميعاً, ففتح أنّ أجود وأكثر في القراءة، وموضعها نصب في هاتين الجهتين على ما وصفنا،
ويجوز أن تكون: " إنّ " مكسورة مستأنفة، فيكون جواب {ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب}, لرأوا أمرا عظيماً لا تبلغ صفته؛ لأن جواب لو إنما يترك لعظيم الموصوف نحو قوله عزّ وجلّ: {ولو أنّ قرآنا سيّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو كلّم به الموتى}

المعنى: لكان هذا القرآن أبلغ من كل ما وصف, وتكون:{أنّ القوّة للّه جميعاً}, على الاستئناف.
يخبر بقوله: أن القوة للّه جميعاً, ويكون الجواب المتروك غير معلق بإنّ.
ومن قرأ:{ولو ترى الذين ظلموا}, فإن التاء خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم : يراد به الناس
كما قال: {ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض وما لكم من دون اللّه من وليّ ولا نصير}
فهو بمنزلة: ألم تعلموا, وكذلك : ولو ترى الذين ظلموا بمنزلة: ولو ترون, وتكون {أنّ القوّة للّه جميعاً} مستأنفة كما وصفنا.
ويكون الجواب - واللّه أعلم - : لرأيتم أمرا عظيما, كما يقول: لو رأيت فلانً, ا والسياط تأخذه، فيستغنى عن " الجواب ؛ لأن المعنى معلوم.
ويجوز فتح أن مع ترى , فيكون: لرأيتم أيها المخاطبون أن القوة للّه جميعا، أو لرأيتم أن الأنداد لم تنفع، وإنما بلغت الغاية في الضرر ؛ لأن القوة للّه جميعا.
و{جميعا}منصوبة - على الحال: المعنى أن القوة ثابتة للّه عزّ وجلّ في حال اجتماعها). [معاني القرآن: 1/237-239]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وتقطّعت بهم الأسباب}, أي: الوصلات التي كانوا يتواصلون عليها في الدنيا، واحدتها: وصلة). [مجاز القرآن: 1/63]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({وتقطعت بهم الأسباب}: الوصلات التي كانوا يتواصلون عليها في الدنيا. والسبب الحبل وكل شيء بين اثنين من عهد أو رحم فهو سبب ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي)).). [غريب القرآن وتفسيره: 86]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وتقطّعت بهم}, يعني: الأسباب التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا).[تفسير غريب القرآن: 68]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب}
يعني به: السادة , والأشراف {من الّذين اتّبعوا}, وهم الأتباع, والسفلة.
{ورأوا العذاب}, يعنى به: التابعون , والمتبوعون، {وتقطّعت بهم الأسباب}, أي: انقطع وصلهم الذي كان جمعهم.
كما قال:{لقد تقطّع بينكم وضلّ عنكم ما كنتم تزعمون} : فبينهم وصلهم, والذي تقطع بينهم في الآخر كان وصل بينهم في الدنيا.
وإنما ضمّت الألف في قوله {اتّبعوا}لضمّة التاء، والتاء ضمت علامة ما لم يسمّ فاعله.
فإن قال قائل: فما لم يسم فاعله مضموم الأول، والتاء المضمومة في {اتّبعوا} ثالثة، قيل إنما يضم لما لم يسم فاعله الأول من متحركات الفعل، فإذا كان في الأول ساكن اجتلبت له ألف الوصل، وضم ما كان متحركاً, فكان المتحرك من اتبعوا التاء الثانية فضمت دليلاً على ترك الفاعل، وأيضاً فإن في {اتّبعوا}ألف وصل دخلت من أجل سكون فاء الفعل؛ لأن مثاله من الفعل افتعلوا، فالألف ألف وصل, ولا يبنى عليه ضمة الأول في فعل لم يسمّ فاعله، والفاء ساكنة، والسّاكن لا يبنى عليه فلم يبق إلا الثالث، وهو التاء فضمت علماً للفعل الذي لم يسم فاعله، فكان الثالث لهذه العلة هو الأول). [معاني القرآن: 1/239-240]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({حسراتٍ} : الحسرة: أشدّ الندامة). [مجاز القرآن: 1/63]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ( (الحسرة): أشد الندامة). [غريب القرآن وتفسيره: 86]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({لو أنّ لنا كرّةً}, أي: رجعة, {كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ عليهم} ,يريد: أنهم عملوا في الدنيا أعمالاً لغير اللّه، فضاعت, وبطلت). [تفسير غريب القرآن: 68]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّة فنتبرّأ منهم كما تبرّءوا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النّار}
أي: عودة إلى الدنيا فنتبرأ منهم، موضع "أن" رفع، المعنى : لو وقع لنا كرور , لتبرأنا منهم، كما تبرأوا منا، يقال : تبرأت منهم تبرؤا، وبرئت منه براءة , وبرئت من المرض , وبرأت أيضاً, لغتان: أبرأ، برءا، وبريت القلم , وغيره , وأبريه غير مهموز، وبرأ اللّه الخلق برءاً.
وقوله عزّ وجلّ: {كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسرات}
أي: كـ تبرّي بعضهم من بعض , يريهم اللّه أعمالهم حسرات عليهم؛ لأن ما عمله الكافر غير نافعه مع كفره، قال الله عزّ وجلّ:{الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم}
وقال: {حبطت أعمالهم}, ومعنى:{أضلّ أعمالهم}, لم يجازهم على ما عملوا من خير، وهذا كما تقول لمن عمل عملاً, لم يعد عليه فيه نفع: لقد ضل سعيك). [معاني القرآن: 1/240]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({كرة}, أي: رجعة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْحَسْـــــرَةِ}: أشد الندامـــة). [العمدة في غريب القرآن: 86]

تفسير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({خطوات الشّيطان}, هي الخطى، واحدتها: خطوة، ومعناها: أثر الشيطان). [مجاز القرآن: 1/63]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({خطوات الشيطان}: قالوا خطاه، وكل معصية فهي من خطوات الشيطان). [غريب القرآن وتفسيره: 86]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان}, أي: لا تتبعوا سبيله, ومسلكه, وهي جمع خطوة, والخطوة: ما بين القدمين - بضم الخاء - , والخطوة: الفعلة الواحدة، بفتح الخاء. واتباعهم خطواته: أنهم كانوا يحرمون أشياء قد أحلها اللّه، ويحلون أشياء حرمها الله). [تفسير غريب القرآن: 68]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{يا أيّها النّاس كلوا ممّا في الأرض حلالا طيّبا ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان إنّه لكم عدوّ مبين}
هذا على ضربين: أحدهما الإباحة لأكل جميع الأشياء إلا ما قد حظر الله عزّ وجلّ من الميتة , وما ذكر معها، فيكون {طيّباً}نعتاً للحلال، ويكون طيباً نعتا لما يستطاب، والأجود أن يكون {طيّباً} من حيث يطيب لكم، أي: لا تأكلوا وتنفقوا مما يحرم عليكم , كقوله عزّ وجلّ:
{ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون}
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان}: أكثر القراءة خطوات بضم الخاء والطاء، وإن شئت أسكنت الطاء.
{خطوات} لثقل الضمة، وإن شئت خطوات، وهي قراءة شاذة , ولكنها جائزة في العربية قوية، وأنشد الخليل, وسيبويه, وجميع البصريين النحويين:
ولما رأونا باديا ركباتنا= على موطن لا نخلط الجدّ بالهزل
ومعنى {خطوات الشيطان}: طرقه، أي: لا تسلكوا الطريق الذي يدعوكم إليه الشيطان). [معاني القرآن: 1/241]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({خطوات الشيطان}, أي: سبيله , ومسلكه، وهو جمع خطوة, والخطوة: ما بين القدمين, والخطوة بالفتح: الفعلة الواحدة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({خُطُــــوَاتِ}: طرق المعاصــي). [العمدة في غريب القرآن: 86]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أولو كان آباؤهم...}
تنصب هذه الواو؛ لأنها ولو عطفٍ أدخلت عليها ألف الاستفهام، وليست بـ (أو) التي واوها ساكنة؛ لأن الألف من , أو لا يجوز إسقاطها، وألف الاستفهام تسقط؛ فتقول: ولو كان، أو لو كان إذا استفهمت.
وإنما عيّرهم الله بهذا لما قالوا: {بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا} , قال الله تبارك وتعالى: يا محمد قل {أولو كان آباؤهم}, فقال "آباؤهم" لغيبتهم، ولو كانت "آباؤكم" لجاز؛ لأن الأمر بالقول يقع مخاطبا؛ مثل قولك: قل لزيد يقم، وقل له قم, ومثله:{أولو كان الشّيطان يدعوهم}، {أولم يسيروا}.
ومن سكّن الواو من قوله: {أو آباؤنا الأوّلون} في الواقعة , وأشباه ذلك في القرآن، جعلها "أو" التي تثبت الواحد من الاثنين, وهذه الواو في فتحها بمنزلة قوله: {أثمّ إذا ما وقع} دخلت ألف الاستفهام على "ثمّ" , وكذلك :{أفلم يسيروا}). [معاني القرآن: 1/98]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ألفينا عليه آباءنا}: أي: وجدنا). [مجاز القرآن: 1/63]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً}, الألف ليست ألف الاستفهام, أو الشك، إنما خرجت مخرج الاستفهام تقريراً بغير الاستفهام,{أولو كان آباؤهم لا يعلقون شيئاً}, أي: وإن كان آباؤهم.
{ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع}, إنما الذي ينعق الراعي، ووقع المعنى على المنعوق به وهي الغنم؛ تقول: كالغنم التي لا تسمع التي ينعق بها راعيها؛ والعرب تريد الشيء فتحوّله إلى شيء من سببه، يقولون: أعرض الحوض على الناقة وإنما تعرض الناقة على الحوض، ويقولون: هذا القميص لا يقطعني، ويقولون: أدخلت القلنسوة في رأسي، وإنما أدخلت رأسك في القلنسوة، وكذلك الخفّ، وهذا الجنس؛ وفي القرآن:{ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة}, ما إنّ العصبة لتنوء بالمفاتح: أي: تثقلها, والنعيق: الصياح بها، قال الأخطل:
انعق بضأنك يا جرير فإنما= منّتك نفسك في الخلاء ضلالا). [مجاز القرآن: 1/63-64]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): (في التفسير {ألفينا}: وجدنا). [غريب القرآن وتفسيره: 86]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا}, أي: وجدنا عليه آباءنا). [تفسير غريب القرآن: 68]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل اللّه قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون}
معنى: {ألفينا}: صادفنا، فعنّفهم اللّه , وعاب عليهم تقليدهم آباءهم.
فقال: {أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون}
المعنى: أيتبعون آباءهم , وإن كانوا جهالاً, وهذه الواو مفتوحة ؛ لأنها واو عطف، دخلت عليها ألف التوبيخ، وهي ألف الاستفهام , فبقيت الواو مفتوحة على ما يجب لها). [معاني القرآن: 1/242]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ألفينا عليه آباءنا},أي: وجدنا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَلْفَيْنَـــا}: وجدنـــا). [العمدة في غريب القرآن: 86]

تفسير قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق...}
أضاف المثل إلى الذين كفروا، ثم شبّههم بالراعي,ولم يقل: كالغنم, والمعنى - والله أعلم - : مثل الذين كفرواكمثل البهائم التي لا تفقه ما يقول الراعي أكثر من الصوت، فلو قال لها: ارعي أو اشربي، لم تدر ما يقول لها, فكذلك مثل الذين كفروا فيما يأتيهم من القرآن , وإنذار الرسول, فأضيف التشبيه إلى الراعي، والمعنى - والله أعلم - في المرعي, وهو ظاهر في كلام العرب أن يقولوا: فلان يخافك كخوف الأسد، والمعنى: كخوفه الأسد؛ لأن الأسد هو المعروف بأنه المخوف, وقال الشاعر:
لقد خفت حتى ما تزيد مخافتي = على وعلٍ في ذى المطارة عاقل
والمعنى: حتى ما تزيد مخافة , وعلٍ على مخافتي,وقال الآخر:
كانت فريضة ما تقول كما = كان الزناء فريضة الرّجم
والمعنى: كما كان الرجم فريضة الزناء, فيتهاون الشاعر بوضع الكلمة على صحّتها ؛ لإتّضاح المعنى عند العرب, وأنشدني بعضهم:
إن سراجا لكريم مفخره = تحلى به العين إذا ما تجهره
والعين: لا تحلى به، إنما يحلى هو بها.
وفيها معنىً آخر: تضيف المثل إلى الذين كفروا, وإضافته في المعنى إلى الوعظ؛ كقولك : مثل وعظ الذين كفروا , وواعظهم كمثل الناعق؛ كما تقول: إذا لقيت فلاناً, فسلّم عليه تسليم الأمير, وإنما تريد به: كما تسلّم على الأمير,وقال الشاعر:
فلست مسلّما ما دمت حيّاً = على زيدٍ بتسليم الأمير
وكلٌّ صواب). [معاني القرآن: 1/99-100]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون...}
رفع؛ وهو وجه الكلام؛ لأنه مستأنف خبرٍ، يدلّ عليه قوله: {فهم لا يعقلون} كما تقول في الكلام: هو أصمّ فلا يسمع، وهو أخرس فلا يتكلّم, ولو نصب على الشتمّ مثل الحروف في أوّل سورة البقرة في قراءة عبد الله:{وتركهم في ظلماتٍ لا يبصرون صمّاً بكماً عمي}لجاز). [معاني القرآن: 1/100]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({كمثل الذي ينعق}: يصوت للغنم، كالراعي. شبه النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه من لا يتفهم عنه بالراعي يصوت للغنم). [غريب القرآن وتفسيره: 86]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلّا دعاءً}, أراد: مثل الذين كفروا ومثلنا في وعظهم, فحذف «ومثلنا» اختصاراً, إذ كان في الكلام ما يدل عليه، على ما بينت في «تأويل المشكل».
{كمثل الّذي ينعق}, وهو: الراعي، يقال: نعق بالغنم ينعق بها إذا صاح بها.
{بما لا يسمع} , يعني: الغنم.
{إلّا دعاءً ونداءً}حسب، ولا يفهم قولاً). [تفسير غريب القرآن: 68-69]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلّا دعاء ونداء صمّ بكم عمي فهم لا يعقلون}
وضرب اللّه عزّ وجلّ لهم هذا المثل، وشبههم بالغنم المنعوق بها بما لا يسمع منه إلا الصوت، فالمعنى: مثلك يا محمد، ومثلهم كمثل الناعق والمنعوق به، بما لا يسمع، لأن سمعهم ما كان ينفعهم، فكانوا في شركهم ,وعدم قبول ما يسمعون بمنزلة من لم يسمع، والعرب تقول لمن يسمع , ولا يعمل بما يسمع: أصم.
قال الشاعر:
= أصمّ عمّا ساءه سميع
وقوله عزّ وجلّ :{صمّ بكم عمي}
وصفهم بالبكم , وهو الخرس، وبالعمى؛ لأنهم في تركهم ما يبصرون من الهداية بمنزلة العمي, وقد شرحنا هذا في أول السورة شرحا كافيا إن شاء اللّه). [معاني القرآن: 1/242]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ومثل الذين كفروا.. }الآية, أراد: ومثل الذين كفروا , ومثلنا في وعظهم كمثل الراعي الذي ينعق بما لا يسمع، وهي الغنم, وفي الكلام حذف, واختصار معجز). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لاَ يَعْقِلُونَ}: لا يميزون, {يَنْعِقُ}: يصيح بالغنم). [العمدة في غريب القرآن: 86]

تفسير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير...}
نصب لوقوع "حرّم" عليها, وذلك أن قولك "إنّما" على وجهين:-
أحدهم: ا أن تجعل "إنّما" حرفا واحدا، ثم تعمل الأفعال التي تكون بعدها في الأسماء، فإن كانت رافعة رفعت، وإن كانت ناصبة نصبت؛ فقلت: إنما دخلت دارك، وإنما أعجبتني دارك، وإنّما مالي مالك, فهذا حرف واحد.
وأمّا الوجه الآخر: فأن بجعل "ما" منفصلة من (إنّ) , فيكون "ما" على معنى الذي، فإذا كانت كذلك وصلتها بما يوصل به الذي، ثم يرفع الاسم الذي يأتي بعد الصلة؛ كقولك إنّ ما أخذت مالك، إن ما ركبت دابّتك, تريد: إن الذي ركبت دابتك، وإن الذي أخذت مالك, فأجرهما على هذا.
وهو في التنزيل في غير ما موضع؛ من ذلك قوله تبارك وتعالى: {إنّما الل‍ّه إلهٌ واحدٌ}، {إنّما أنت نذيرٌ} فهذه حرف واحد، هي وإنّ، لأن "الذي" لا تحسن في موضع "ما".
وأمّا التي في مذهب (الذي) فقوله: {إنّما صنعوا كيد ساحرٍ}, معناه: إن الذي صنعوا كيد ساحرٍ, ولو قرأ قارئ:{إنما صنعوا كيد ساحر}, نصباً, كان صواباً إذا جعل إنّ وما حرفاً واحداً, وقوله: {إنّما اتّخذتم من دون اللّه أوثاناً مودّة بينكم} قد نصب المودّة قوم، ورفعها آخرون على الوجهين اللذين فسّرت لك, وفي قراءة عبد الله:{إنما مودّة بينكم في الحياة الدنيا}, فهذه حجّة لمن رفع المودّة؛ لأنها مستأنفة لم يوقع الاتّخاذ عليها، فهو بمنزلة قولك: إن الذي صنعتموه ليس بنافع، مودّة بينكم ثم تنقطع ببعد , فإن شئت رفعت المودّة بـ "بين"؛ وإن شئت أضمرت لها اسماً قبلها يرفعها؛ كقوله :{سورةٌ أنزلناها}, وكقوله: {لم يلبثوا إلاّ ساعةً من نهارٍ بلاغٌ فهل يهلك}.
فإذا رأيت "إنّما" في آخرها اسم من الناس, وأشباههم ممّا يقع عليه "من" فلا تجعلنّ "ما" فيه على جهة (الذي)؛ لأن العرب لا تكاد تجعل "ما" للناس. من ذلك: إنّما ضربت أخاك، ولا تقل: أخوك؛ لأن "ما" لا تكون للناس.
فإذا كان الاسم بعد "إنّما" وصلتها من غير الناس جاز فيه لك الوجهان؛ فقلت: إنّما سكنت دارك., وإن شئت: دارك, وقد تجعل العرب "ما" في بعض الكلام للناس، وليس بالكثير.
وفي قراءة عبد الله: {والنّهار إذا تجلّى والذّكر والأنثى}, وفي قراءتنا: {وما خلق الذّكر والأنثى}, فمن جعل {ما خلق} للذكر والأنثى , جاز أن يخفض "الذكر والأنثى", كأنه قال : والذي خلق الذكر والأنثى., ومن نصب "الذكر" جعل "ما" و"خلق" كقوله: وخلقه الذكر والأنثى، يوقع خلق عليه, والخفض فيه على قراءة عبد الله حسن، والنصب أكثر.
ولو رفعت {إنّما حرّم عليكم الميتة}, كان وجهاً,
وقد قرأ بعضهم: {إنما حرّم عليكم المّيتة}, ولا يجوز هاهنا إلا رفع الميتة , والدم؛ لأنك إن جعلت "إنّما"حرفا واحدا رفعت الميتة والدم؛ لأنه فعل لم يسمّ فاعله، وإن جعلت "ما" على جهة (الذي) رفعت الميتة والدم؛ لأنه خبر لـ"ما").
[معاني القرآن: 1/100-102]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وما أهلّ به لغير اللّه...}
الإهلال: ما نودي به لغير الله على الذباح , وقوله: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ}, غير في هذا الموضع حال للمضطرّ؛ كأنك قلت: فمن اضطرّ , لا باغياً, ولا عادياً, فهو له حلال, والنصب ها هنا بمنزلة قوله: {أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلاّ ما يتلى عليكم غير محلّي الصّيد}, ومثله : {إلاّ أن يؤذن لكم إلى طعامٍ غير ناظرين إناه} , و"غير" ها هنا لا تصلح , "لا" في موضعها؛ لأنّ "لا" تصلح في موضع غير. وإذا رأيت "غير" يصلح "لا" في موضعها , فهي مخالفة "لغير" التي لا تصلح "لا" في موضعها.
ولا تحلّ الميتة للمضطرّ إذا عدا على الناس بسيفه، أو كان في سبيل من سبل المعاصي, ويقال: إنه لا ينبغي لآكلها أن يشبع منها، ولا أن يتزوّد منها شيئاً, إنما رخّص له فيما يمسك نفسه). [معاني القرآن: 1/103]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وما أهلّ به},أي: وما أريد به، وله مجاز آخر، أي: ما ذكر عليه من أسماء آلهتهم، ولم يرد به الله عز وجل, جاء في الحديث: أرأيت من لا شرب , ولا أكل , ولا صاح , فاستهلّ : أليس مثل ذلك يطل؟.
{غير باغٍ ولا عادٍ}, أي: لا يبغي , فيأكله غير مضطر إليه، ولا عادٍ شبعه). [مجاز القرآن: 1/64]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير اللّه فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه إنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ}
قال: {إنّما حرّم عليكم الميتة} , وإنما هي "الميّتة" خففت , وكذلك قوله: {بلدةً ميتاً} , يريد به "ميّتا" , ولكن يخففون الياء كما يقولون في "هيّن" , و"ليّن": هين" و"لين" خفيفة, قال الشاعر:
ليس من مات فاستراح بميتٍ = إنّما الميت ميّت الأحياء
فثقل وخفف في معنى واحد, فأما {الميتة}, فهي الموت). [معاني القرآن: 1/122]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أهل به}: أريد به.
{غير باغ ولا عاد}: لا يبغي فيأكله غير مضطر إليه ولا عاد شبعه). [غريب القرآن وتفسيره: 87]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فمن اضطرّ غير باغٍ}, أي: غير باغ على المسلمين، مفارق لجماعتهم، ولا عاد عليهم بسيفه, ويقال: غير عاد في الأكل حتى يشبع , ويتزوّد.
{وما أهلّ به لغير اللّه},أي: ما ذبح لغير اللّه, وإنما قيل ذلك: لأنه يذكر عند ذبحه غير اسم اللّه، فيظهر ذلك، أو يرفع الصوت به, وإهلال الحج منه، إنما هو إيجابه بالتّلبية, واستهلال الصبيّ منه إذا ولد، أي: صوته بالبكاء). [تفسير غريب القرآن: 69]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير اللّه فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إنّ اللّه غفور رحيم}
النّصب في {الميتة}, وما عطف عليها هو القراءة، ونصبه لأنه مفعول به، دخلت " ما " تمنع إنّ من العمل، ويليها الفعل، وقد شرحنا دخول ما مع إن، ويجوز : إنما حرم عليكم الميتة، والذي أختاره أن يكون ما تمنع أن من العمل، ويكون المعنى : ما حرم عليكم إلا الميتة، والدم , ولحم الخنزير؛ لأن " إنما " تأتي إثباتاً لما يذكر بعدها لما سواه.
قال الشاعر:
أنا الزائد الحامي الذمار وإنما= يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
المعنى: ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا أو مثلي، فالاختيار ما عليه جماعة القراء ؛ لإتباع السنة، وصحته في المعنى..
ومعنى {ما أهلّ به لغير الله} أي: ما رفع فيه الصوت بتسمية غير الله عليه , وهذا موجود في اللغة, ومنه الإهلال بالحج , إنما هو رفع الصوت بالتلبية.
والميتة: أصلها الميّتة، فحذقت الياء الثانية استخفافاً, لثقل الياءين , والكسرة , والأجود في القراءة الميتة بالتخفيف.
وكذلك في قوله: {أومن كان ميتاً فأحييناه} أصله: أو من كان ميّتا بالتشديد، وتفسير الحذف, والتخفيف فيه كتفسيره في الميتة.
وقوله عزّ وجلّ: {فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد}
في تفسيرها ’ ومعناها ثلاثة أوجه:
1- قال بعضهم: {فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد}, أي : فمن اضطر جائعاً غير باغ - غير آكلها تلذذا - ولا عاد, ولا مجاوز ما يدفع عن نفسه الجوع، فلا إثم عليه.

2- وقالوا: {غير باغ}: غير مجاوز قدر حاجته , وغير مقصر عما يقيم به حياته،
3- وقالوا: أيضا: معنى غير باغ على إمام, وغير متعد على أمته.

ومعنى البغي في اللغة: قصد الفساد، يقال: بغى الجرح يبغي بغياً, إذا ترامى إلى فساد، هذا إجماع أهل اللغة, ويقال: بغى الرجل حاجته يبغيها بغاء., والعرب تقول خرج في بغاء إبله , قال الشاعر:
لا يمنعنك من بغاء الخير تعقاد التمائم= إنّ الأشائم كالأيامن والأيامن كالأشائم
ويقال: بغت المرأة تبغي بغاء إذا فجرت, قال اللّه عزّ وجلّ: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصّناً}أي: على الفجور .
ويقال: ابتغى لفلان أن يفعل كذا, أي: صلح له أن يفعل كذا, وكأنه قال: طلب فعل كذا , فانطلب له، أي: طاوعه، ولكن اجتزئ , بقولهم ابتغى،
والبغايا في اللغة شيئان:
1- البغايا الفواجر.
2- والبغايا الإماء، قال الأعشى:

والبغايا يركضن أكسية ألا= ضريج والشرعبيّ ذا الأذيال
ونصب {غير باغ} على الحال). [معاني القرآن: 1/244]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({وما أهل به لغير الله} أي: ما ذبح لغير الله تبارك وتعالى). [ياقوتة الصراط: 179]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({غير باغ}, أي: على المسلمين، مفارق للجماعة، {ولا عاد} عليهم بسيفه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أُهِلَّ بِهِ}: أريد به, {بَاغٍ}: يأكل من غير مجاعة, {عَادٍ}: يشبع منها). [العمدة في غريب القرآن: 87]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلّا النّار ولا يكلّمهم اللّه يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم}
يعني: علماء اليهود الذين كتموا أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله:{ويشترون به ثمناً قليلاً} , أي: كتموه ؛ لأنهم أخذوا على كتمانه الرّشى.
{أولئك ما يأكلون في بطونهم إلّا النّار}: المعنى: أن الذين يأكلونه , يعذبون به، فكأنهم: إنما أكلوا النار, وكذلك قوله عزّ وجلّ:ئ{الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلّا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ}
أي: يصيرهم أكله في الآخرة إلى مثل هذه الحالة.
و (الّذين) نصب ب (إنّ)، وخبر (إنّ) جملة الكلام , وهي {أولئك ما يأكلون في بطونهم إلّا النّار}, و (أولئك) رفع بالابتداء , وخبر (أولئك}: {ما يأكلون في بطونهم إلّا الار}.
وقوله عزّ وجلّ:{ولا يكلمهم اللّه يوم القيامة}
فيه غير قول:
1-
قال بعضهم معناه يغضب عليهم، كما تقول: فلان لا يكلم فلاناً, تريد هو غضبان عليه.

2- وقال بعضهم معنى {لا يكلمهم اللّه يوم القيامة}: لا يرسل إليهم الملائكة بالتحية،
3- وجائز إن يكون: {لا يكلمهم الله}: لا يسمعهم الله كلامه، ويكون الأبرار , وأهل المنزلة الذين رضي اللّه عنهم يسمعون كلامه.

وقوله عزّ وجلّ: {ولا يزكّيهم}
أي: لا يثنى عليهم، ومن لا يثني اللّه عليه , فهو معذب.
وقوله عزّ وجلّ: {ولهم عذاب أليم}
معنى {أليم}: مؤلم , ومعنى مؤلم : مبالغ في الوجع). [معاني القرآن: 1/245]

تفسير قوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله: {فما أصبرهم على النّار...}
فيه وجهان:
أحدهما معناه: فما الذي صبّرهم على النار؟,
والوجه الآخر: فما أجرأهم على النار! .

قال الكسائيّ: سألني قاضى اليمن وهو بمكّة، فقال: اختصم إليّ رجلان من العرب، فحلف أحدهما على حقّ صاحبه، فقال له: ما أصبرك على الله! , وفي هذه أن يراد بها: ما أصبرك على عذاب الله، ثم تلقى العذاب فيكون كلامً, كما تقول: ما أشبه سخاءك بحاتم). [معاني القرآن: 1/103]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فما أصبرهم على النّار}: (ما) في هذا الموضع في معنى الذي، فمجازها: ما الذي صبّرهم على النار، ودعاهم إليها، وليس بتعجب). [مجاز القرآن: 1/64]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النّار}
قال: {فما أصبرهم على النّار}, فزعم بعضهم أنه تعجب منهم كما قال: {قتل الإنسان ما أكفره} تعجباً من كفره,وقال بعضهم {فما أصبرهم}, أي: ما أصبرهم، و: ما الذي أصبرهم). [معاني القرآن: 1/122]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فما أصبرهم على النار}: ما أجراهم عليها.
قالوا في التفسير ما أعملهم بأعمال أهل النار،
وقالوا معناها: فما الذي صبرهم على النار. ويقال اختصم رجلان من العرب فحلف أحدهما على حق صاحبه فقال له الآخر: ما أصبرك على الله أي ما أصبرك على عذاب الله كما يقال ما أشبه سخاك بحاتم).
[غريب القرآن وتفسيره: 87]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فما أصبرهم على النّار}: ما أجرأهم,
وحكى الفراء عن الكسائي أنه قال: أخبرني قاضي المين: أنه اختصم إليه رجلان، فحلف أحدهما على حق صاحبه, فقال له الآخر: ما أصبرك على اللّه, ويقال منه قوله: {اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا} .

قال مجاهد: ما أصبرهم على النار، وما أعملهم بعمل أهل النار, وهو وجه حسن, يريد ما أدومهم على أعمال النار, وتحذف الأعمال.
قال أبو عبيدة: ما أصبرهم على النار، بمعنى : ما الذي أصبرهم على ذلك , ودعاهم إليه,وليس بتعجب). [تفسير غريب القرآن: 69-70]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النّار}
{فما أصبرهم على النّار}: وفيه غير وجه:
1- قال بعضهم: أيّ شيء أصبرهم على النار؟.

2- وقال بعضهم: فما أصبرهم على عمل يؤدي إلى النار ؛ لأن هؤلاء كانوا علماء بأن من عاند النبي صلى الله عليه وسلم صار إلى النار.
كما تقول: ما أصبر فلاناً على الجنس ,أي: ما أبقاه منه). [معاني القرآن: 1/245]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فما أصبرهم على النار} , أي:
1-
أجرأهم,
2-وقيل: ما أعملهم بعمل أهل النار,
3-وقيل: المعنى ما الذي يصبرهم على ذلك، وهو تقرير بلفظ الاستفهام).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاقٍ بعيدٍ}
قال: {ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ} , فالخبر مضمر , كأنه يقول: "ذلك معلوم لهم : بأن الله نزل الكتاب؛ لأنه قد أخبرنا في الكتاب أن ذلك قد قيل لهم , فالكتاب حق). [معاني القرآن: 1/122-123]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد}
المعنى: الأمر ذلك، أو ذلك الأمر , فذلك مرفوع بالابتداء, أو بخبر الابتداء.
وقوله عزّ وجلّ: {وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد}
بتباعد بعضهم في مشاقّة بعض؛ لأن اليهود والنصارى هم الّذين اختلفوا في الكتاب, ومشاقتهم بعيدة). [معاني القرآن: 1/246]


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 24 ذو الحجة 1431هـ/30-11-2010م, 02:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [لآيات من 177 إلى 188]

{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)}

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {لّيس البرّ أن تولّوا وجوهكم...}
إن شئت رفعت "البرّ" , وجعلت "أن تولوا" في موضع نصب,
وإن شئت نصبته وجعلت "أن تولّوا" في موضع رفع؛ كما قال: {فكان عاقبتهما أنّهما في النّار} في كثير من القرآن, وفي إحدى القراءتين "ليس البرّ بأن"، فلذلك اخترنا الرفع في "البرّ"، والمعنى في قوله: {ليس البرّ بأن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} , أي: ليس البرّ كله في توجّهكم إلى الصلاة , واختلاف القبلتين , {ولكنّ البرّ من آمن باللّه}, ثم وصف ما وصف إلى آخر الآية, وهي من صفات الأنبياء لا لغيرهم.

وأمّا قوله: {ولكنّ البرّ من آمن باللّه} , فإنه من كلام العرب أن يقولوا: إنما البرّ الصادق الذي يصل رحمه، ويخفى صدقته , فيجعل الاسم خبرا للفعل والفعل خبراً للاسم؛ لأنه أمر معروف المعنى.
فأمّا الفعل الذي جعل خبراً للاسم فقوله: {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيراً لهم}, فـ (هو) كناية عن البخل. فهذا لمن جعل "الذين" في موضع نصبٍ , وقرأها "تحسبنّ" بالتاء, ومن قرأ بياء جعل "الذين" في موضع رفع، وجعل (هو) عماداً للبخل المضمر، فاكتفى بما ظهر في "يبخلون" من ذكر البخل؛ ومثله في الكلام:
هم الملوك وأبناء الملوك لهم = والآخذون به والساسة الأول
قوله: به يريد: بالملك، وقال آخر:
إذا نهي السفيه جرى إليه = وخالف والسفيه إلى خلاف
يريد : إلى السفه.
وأما الأفعال التي جعلت أخباراً للناس , فقول الشاعر:
لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى= ولكنما الفتان كلّ فتىً ندي
فجعل "أن" خبراً للفتيان.
وقوله: {من آمن باللّه} , (من) في موضع رفع، وما بعدها صلة لها، حتى ينتهي إلى قوله: {والموفون بعهدهم}, فتردّ "الموفون" على "من" , و"والموفون" من صفة "من" ؛ كأنه: من آمن , ومن فعل , وأوفى, ونصبت{الصابرين}؛ لأنها من صفة "من" , وإنما نصبت لأنها من صفة اسم واحد، فكأنه ذهب به إلى المدح؛ والعرب تعترض من صفات الواحد إذا تطاولت بالمدح أو الذمّ , فيرفعون إذا كان الاسم رفعاً, وينصبون بعض المدح ؛ فكأنهم ينوون إخراج المنصوب بمدحٍ مجدّدٍ غير متبع لأوّل الكلام؛ من ذلك قول الشاعر:
لا يبعدن قومى الذين هم = سمّ العداة وآفة الجزر
النازلين بكلّ معتركٍ= والطيّبين معاقد الأزر
وربما رفعوا (النازلون) , و(الطيبون)، وربما نصبوهما على المدح، والرفع على أن يتبع آخر الكلام أوّله, وقال بعض الشعراء:
إلى الملك القرم وابن الهمام = وليث الكتيبة في المزدحم
وذا الرأي حين تغمّ الأمور = بذات الصليل وذات الّلجم
فنصب (ليث الكتيبة) , و(ذا الرأي) على المدح والاسم قبلهما مخفوض؛ لأنه من صفة واحدٍ، فلو كان الليث غير الملك لم يكن إلا تابعاً, كما تقول مررت بالرجل والمرأة، وأشباهه, قال: , وأنشدني بعضهم:
فليت التي فيها النجوم تواضعت = على كل غثّ منهم وسمين
غيوث الحيا في كل محلٍ ولزبةٍ = أسود الشّرى يحمين كلّ عرين
فنصب, ونرى أنّ قوله: {لكن الرّاسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصّلاة والمؤتون الزّكاة}, أنّ نصب "المقيمين" على أنه نعت للراسخين، فطال نعته , ونصب على ما فسّرت لك, وفي قراءة عبد الله : "والمقيمون - والمؤتون" , وفي قراءة أبيّ : "والمقيمين" , ولم يجتمع في قراءتنا وفي قراءة أبيّ إلا على صوابٍ, و الله أعلم.
حدّثنا الفرّاء قال: وقد حدثني أبو معاوية الصرير , عن هشام بن عروة , عن أبيه, عن عائشة : أنها سئلت عن قوله: {إنّ هذان لساحران}, وعن قوله: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون} , وعن قوله: {والمقيمين الصّلاة والمؤتون الزّكاة} , فقالت: يا ابن أخي , هذا كان خطأ من الكاتب.
وقال فيه الكسائيّ: "والمقيمين" موضعه خفض يردّ على قوله: {بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك}: ويؤمنون بالمقيمين الصلاة هم , والمؤتون الزكاة, قال: وهو بمنزلة قوله: {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين},
وكان النحويّون يقولون: "المقيمين" مردودة على {بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك... إلى المقيمين} , وبعضهم:{لكن الراسخون في العلم منهم}, ومن "المقيمين" , وبعضهم "من قبلك" , ومن قبل "المقيمين".

وإنما امتنع من مذهب المدح - يعني الكسائيّ - الذي فسّرت لك ؛ لأنه قال: لا ينصب الممدوح إلا عند تمام الكلام، ولم يتمم الكلام في سورة النساء, ألا ترى أنك حين قلت: {لكن الراسخون في العلم منهم }, إلى قوله:{والمقيمين ... والمؤتون}, كأنك منتظر لخبره وخبره في قوله: {أولئك سنؤتيهم أجراً عظيماً} , والكلام أكثره على ما وصف الكسائي, ولكن العرب إذا تطاولت الصفة جعلوا الكلام في الناقص , وفي التامّ كالواحد؛ ألا ترى أنهم قالوا في الشعر:
حتى إذا قملت بطونكم= ورأيتم أبناءكم شبّوا
وقلبتم ظهر المجنّ لنا = إنّ اللئيم العاجز الخبّ
فجعل جواب {حتى إذا}بالواو، وكان ينبغي ألا يكون فيه واو، فاجتزئ بالإتباع , ولا خبر بعد ذلك, وهذا أشدّ ما وصفت لك.
ومثله في قوله: {حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها}
, ومثله, وفي قوله: {فلمّا أسلما وتلّه للجبين وناديناه أن يا إبراهيم} جعل بالواو, وفي قراءة عبد الله :{فلمّا جهّزهم بجهازهم وجعل السّقاية}, وفي قراءتنا بغير واو, وكلٌّ عربيّ حسن.

وقد قال بعضهم:{وآتى المال على حبه ذوي القربى ...والصابرين}, فنصب الصابرين على إيقاع الفعل عليهم, والوجه أن يكون نصباً على نيّة المدح؛ لأنه من صفة شيء واحد, والعرب تقول في النكرات كما يقولونه في المعرفة , فيقولون: مررت برجل جميل وشابّاً بعد، ومررت برجل عاقل وشرمحاً طوالا؛ وينشدون قوله:
ويأوي إلى نسوةٍ بائساتٍ = وشعثاً مراضيع مثل السّعالي
(وشعثٍ) , فيجعلونها خفضا بإتباعها أوّل الكلام، ونصباً على نية ذمّ في هذا الموضع). [معاني القرآن: 1/103-108]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن بالله}, فالعرب تجعل المصادر صفاتٍ، فمجاز البرّ ها هنا: مجاز صفة ل(من آمن بالله)، وفي الكلام: ولكن البارّ من آمن بالله، قال النابغة:
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي= على وعلٍ في ذي القفارة عاقل
{والموفون بعهدهم}: رفعت على موالاة قوله: {ولكنّ البرّ من آمن بالله}, وفي وفعل {والموفون بعهدهم}, ثم أخرجوا :{والصّابرين في البأساء} من الأسماء المرفوعة، والعرب تفعل ذلك إذا كثر الكلام؛ سمعت من ينشد بيت خرنق بنت هفّان من بني سعد بن ضبيعة، رهط الأعشى:
لا يبعدن قومي الذين هم= سمّ العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معتركٍ= والطيبين معاقد الأزر
فيخرجون البيت الثاني من الرفع إلى النصب، ومنهم من يرفعه على موالاة أوله في موضع الرفع). [مجاز القرآن: 1/65-66]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({لّيس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون}
قال: {ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين}, ثم قال: {وآتى المال على حبّه} , {وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة} , فهو على أول الكلام :{ولكنّ البرّ برّ من آمن باللّه وأقام الصلاة وآتى الزكاة} , ثم قال: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين}, فـ{الموفون} رفع على "ولكنّ الموفين" يريد "برّ الموفين" , فلما لم يذكر "البرّ" , أقام {الموفون} مقام البرّ كما قال: {وسأل القرية} فنصبها على {اسأل} , وهو يريد "أهل القرية"، ثم نصب {الصّابرين} على فعل مضمر كما قال: {لّكن الرّاسخون في العلم منهم والمؤمنون} , ثم قال: {والمقيمين}, فنصب على فعل مضمر , ثم قال: {والمؤتون الزّكاة} , فيكون رفعاً على الابتداء , أو بعطفه على "الراسخين", قال الشاعر:
لا يبعدن قومي الذين هم = سمّ العداة وآفة الجزر
النازلين بكلّ معتركٍ = والطّيّبون معاقد الأزر
ومنهم من يقول "النازلون" و"الطيبين",
ومنهم من يرفعهما جميعاً, وينصبهما جميعاً كما فسرت لك, ويكون {الصّابرين} معطوفاً على {ذوي القربى} , {وآتى الصّابرين}.

وقال: {في البأساء والضّرّاء} , فبناه على "فعلاء" وليس له "أفعل" لأنه اسم، كما قد جاء "أفعل" في الأسماء ليس معه "فعلاء" نحو "أحمد".
وقد قالوا "أفعل" في الصفة ولم يجئ له "فعلاء"، قالوا: "أنت من ذاك أوجل" و"أوجر" , ولم يقولوا: "وجلاء" ولا "وجراء" , وهما من الخوف, ومنه "رجلٌ أوجل" و"أوجر").
[معاني القرآن: 1/124]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ابن السّبيل}: الضّيف , و{والصّابرين في البأساء},أي: في الفقر,وهو من البؤس.
{والضّرّاء}: المرض والزّمانة والضر, ومنه يقال: ضرير بيّن الضّر, فأما الضّر - بفتح الضاد - فهو ضدّ النفع.
{وحين البأس}, أي : حين الشدّة, ومنه يقال: لا بأس عليك, وقيل للحرب: البأس). [تفسير غريب القرآن: 70]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون}
المعنى: ليس البر كله في الصلاة , {ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه } إلى آخر الآية،
فقيل:إن هذا خصوص في الأنبياء وحدهم؛ لأن هذه الأشياء التي وصفت لا يؤديها بكليتها على حق الواجب إلا الأنبياء عليهم السلام, وجائز أن يكون لسائر الناس، لأن اللّه عزّ وجلّ قد أمر الخلق بجميع ما في هذه الآية.

ولك في البرّ وجهان:
1- لك أن تقرأ :{ليس البرّ أن تولّوا}, و {ليس البرّ أن تولّوا}, فمن نصب جعل أن مع صلتها الاسم، فيكون المعنى: ليس توليتكم وجوهكم البرّ كلّه، ومن رفع البر فالمعنى: ليس البّر كله توليتكم، فيكون البر اسم ليس، وتكون{أن تولّوا} الخبر.

وقوله عزّ وجلّ: {ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر}
إذا شددت (لكنّ) نصبت البر، وإذا خففت رفعت البر، فقلت ولكن البر من آمن باللّه، وكسرت النون من التخفيف لالتقاء السّاكنين، والمعنى: ولكن ذا البر من آمن باللّه،
ويجوز أن تكون: ولكن البر بر من آمن باللّه، كما قال الشاعر:

وكيف تواصل من أصبحت= خلالته كأبي مرحب
المعنى كخلالة أبي مرحب, ومثله:{واسأل القرية الّتي كنّا فيها}
المعنى: وأسال أهل القرية.
وقوله عزّ وجلّ: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا}.
في رفعها قولان:
الأجود أن يكون: مرفوعاً على المدح؛ لأن النعت إذا طال , وكثر رفع بعضه , ونصب على المدح.

المعنى: هم الموفون بعهدهم , وجائز أن يكون معطوفاً على من, المعنى: ولكن البر، وذو البر المؤمنون, والموفون بعهدهم.
وقوله عزّ وجلّ: {والصّابرين}
في نصبها وجهان: أجودهما: المدح كما وصفنا في النعت إذا طال.
المعنى: أعني الصابرين،
قال بعض النحويين: إنه معطوف على ذوي القربى.

كأنه قال: وآتي المال على حبه ذوي القربى , والصابرين , وهذا لا يصلح إلا أن يكون: والموفون رفع على المدح للمضمرين؛ لأن ما في الصلة لا يعطف عليه بعد المعطوف على الموصول.
ومعنى {وحين البأس},أي: شدة الحرب، يقال: قد بأس الرجل يبأس بأساً وباساً, وبؤساً, يا هذا إذا افتقر, وقد بؤس الرجل ببؤس، فهو بئيس ؛ إذا اشتدت شجاعته). [معاني القرآن: 1/246-248]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وابن السبيل}: المسافر المحتاج، وقيل: الضيف الغريب, {في البأساء}: في الفقر , {والضراء}: الزمانة، والضر بالضم: الوجع والمرض، والضر بالفتح: ضد النفع, {وحين البأس}: حين الشدة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 36]

تفسير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى...}
فإنه نزل في حيّين من العرب كان لأحدهما طول على الآخر في الكثرة والشرف، فكانوا يتزوّجون نساءهم بغير مهور، فقتل الأوضع من الحيّين من الشريف قتلى، فأقسم الشريف ليقتلنّ الذكر بالأنثى والحرّ بالعبد وأن يضاعفوا الجراحات، فأنزل الله تبارك وتعالى هذا على نبيّه، ثم نسخه قوله: {وكتبنا عليهم فيها أنّ النّفس بالنّفس} إلى آخر الآية.
فالأولى منسوخة لا يحكم بها.

وأما قوله: {فاتّباعٌ بالمعروف وأداء إليه بإحسانٍ} فإنه رفع. وهو بمنزلة الأمر في الظاهر؛ كما تقول: من لقي العدوّ فصبرا واحتسابا, فهذا نصب؛ ورفعه جائز, وقوله تبارك وتعالى: {فاتّباعٌ بالمعروف} , رفع ونصبه جائز. وإنما كان الرفع فيه وجه الكلام؛ لأنها عامّة فيمن فعل ويراد بها من لم يفعل, فكأنه قال: فالأمر فيها على هذا، فيرفع, وينصب الفعل إذا كان أمرا عند الشيء يقع ليس بدائم؛ مثل قولك للرجل: إذا أخذت في عملك فجدّاً جدّاً , وسيرا سيرا, نصبت؛ لأنك لم تنو به العموم , فيصير كالشيء الواجب على من أتاه وفعله؛ ومثله قوله: {ومن قتله منكم متعمّداً فجزاءٌ مثل ما قتل من النّعم} , ومثله : {فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ}, ومثله في القرآن كثير، رفع كله؛ لأنها عامّة. فكأنه قال: من فعل هذا فعليه هذا.
وأمّا قوله: {فضرب الرّقاب}, فإنه حثّهم على القتل إذا لقوا العدوّ؛ ولم يكن الحثّ كالشيء الذي يجب بفعلٍ قبله؛ فلذلك نصب، وهو بمنزلة قولك: إذا لقيتم العدوّ فتهليلا وتكبيرا , وصدقا عند تلك الوقعة .
قال الفرّاء: ذلك وتلك لغة قريشٍ، وتميم تقول : ذاك وتيك الوقعة , كأنه حثّ لهم، وليس بالمفروض عليهم أن يكبّروا، وليس شيء من هذا إلا نصبه جائز على أن توقع عليه الأمر؛ فليصم ثلاثة أيّامٍ، فليمسك إمساكاً بالمعروف, أو يسرّح تسريحاً بإحسانٍ). [معاني القرآن: 1/109-110]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فمن عفى له من أخيه شيءٌ }:أي: ترك له). [مجاز القرآن: 1/66]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيءٌ فاتّباعٌ بالمعروف وأداءٌ إليه بإحسان ذلك تخفيفٌ مّن رّبّكم ورحمةٌ فمن اعتدى بعد ذلك فله عذابٌ أليمٌ}
قال: {فاتّباعٌ بالمعروف وأداءٌ إليه بإحسان}, أي: "فعليه اتباعٌ بالمعروف أو أداءٌ إليه بإحسان" , على الذي يطلب). [معاني القرآن: 1/125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فمن عفي له من أخيه شيء}: ترك له). [غريب القرآن وتفسيره: 87]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({كتب عليكم القصاص}, قال ابن عباس: كان القصاص في بني إسرائيل , ولم تكن فيهم الدّية, فقال اللّه عز وجل لهذه الأمة: {كتب عليكم القصاص}.
والكتاب يتصرّف على وجوه قد بينتها في «تأويل المشكل».
{فمن عفي له من أخيه شيءٌ}, قال: قبول الدية في العمد، والعفو عن الدم.
{فاتّباعٌ بالمعروف},أي: مطالبة بالمعروف, يري: د ليطالب آخذ الدية الجاني مطالبة لا يرهقه فيها.
{وأداءٌ إليه بإحسانٍ}, أي: ليوأد المطالب ما عليه أداء بإحسان, لا يبخسه, ولا يمطله مطل مدافع.
{ذلك تخفيفٌ من ربّكم}: عما كان على من قبلكم, يعني: القصاص, {ورحمةٌ}لكم.
{فمن اعتدى بعد ذلك},أي: قتل بعد أخذ الدية، فله عذاب أليم , قال قتادة: يقتل, ولا تؤخذ منه الدية.
وقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم: ((لا أعافي رجلاً قتل بعد أخذه الدية)).). [تفسير غريب القرآن: 71-72]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتّباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربّكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}
معنى {كتب عليكم}: فرض عليكم،
وقوله {الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثثى} يقال : إنه كان لقوم من العرب طول على آخرين , فكانوا يتزوجون فيهم بغير مهور، ويطلبون بالدم أكثر من مقداره، فيقتلون بالعبد من عبيدهم الحر من الذين لهم عليهم طول , فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {فمن عفي له من أخيه شيء فاتّباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} أي: من ترك له القتل , ورضي منه بالدّية , وهو قاتل متعمد للقتل , عفي له بأن ترك له دمه، ورضي منه بالدية , قال اللّه عز وجلّ: {ذلك تخفيف من ربّكم ورحمة}, وذكر أن من كان قبلنا لم يفرض عليهم إلا النفس , كما قال عزّ وجلّ: {وكتبنا عليهم فيها أنّ النّفس بالنّفس}, أي: في التوراة -, فتفضل اللّه على هذه الأمة بالتخفيف , والدية إذا رضي بها , وفي الدم.

ومعنى {فاتّباع بالمعروف}على ضربين:
جائز أن يكون: فعلى صاحب الدم اتباع بالمعروف، أي: المطالبة بالدية، وعلى القاتل أداء بإحسان ,
وجائز أن يكون: الإتباع بالمعروف , والأداء بإحسان جميعاً على القاتل , واللّه أعلم.

وقوله غز وجلّ: {فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}أي: بعد أخذ الدية، ومعنى اعتدى: ظلم، فوثب فقتل قاتل صاحبه بعد أخذ الدية ,{فله عذاب أليم},أي: موجع.
ورفع {فاتّباع بالمعروف}على معنى فعليه اتباع , ولو كان في غير القرآن لجاز , فاتباعاً بالمعروف , وأداء على معنى , فليتبع أتباعاً, ويؤد أداء, ولكن الرفع أجود في العربية, وهو على ما في المصحف, وإجماع القراء ,فلا سبيل إلى غيره). [معاني القرآن: 1/248-249]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({كتب عليكم}, أي: فرض عليكم.
{فمن عفي له}, أي ترك، وقيل: يسر، وقيل: هي قبول الدية في العمد.
{فمن اعتدى بعد ذلك}, أي: قتل بعد أن أخذ الدية من الجاني، قال قتادة: يقتل , ولا تقبل منه الدية,وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا أعافي أحداً بعد أخذ الدية)).). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 36]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({عُفِيَ لَهُ}: ترك ما له). [العمدة في غريب القرآن: 87]

تفسير قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولكم في القصاص حياةٌ...}: يقول: إذا علم الجاني أنه يقتصّ منه: إن قتل قتل انتهى عن القتل , فحيى, فذلك قوله: "حياة"). [معاني القرآن: 1/110]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولكم في القصاص حياةٌ} , يريد: أن سافك الدم إذا أقيد منه، ارتدع من يهمّ بالقتل , فلم يقتل خوفاًَ على نفسه أن يقتل, فكان في ذلك حياة). [تفسير غريب القرآن: 72]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلّكم تتّقون}
{حياة}رفع على ضربين:
1-
على الابتداء،
2- وعلى لكم؛ كأنّه قال: وثبت لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب, أي: يا ذوي العقول.

ومعنى الحياة في القصاص: أن الرجل - إذا علم أنّه يقتل إن قتل - أمسك عن القتل , ففي إمساكه عن القتل حياة الذي همّ هو بقتله, وحياة له؛ لأنه من أجل القصاص , أمسك عن القتل , فسلم أن يقتل). [معاني القرآن: 1/249]

تفسير قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {كتب عليكم...}: معناه في كلّ القرآن: فرض عليكم). [معاني القرآن: 1/110]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {الوصيّة للوالدين والأقربين...}
كان الرجل يوصى بما أحبّ من ماله لمن شاء من وارثٍ أو غيره، فنسختها آية المواريث, فلا وصية لوارثٍ، والوصيّة في الثلث لا يجاوز، وكانوا قبل هذا يوصى بماله كلّه , وبما أحبّ منه.
و "الوصيّة" مرفوعة بـ "كتب"، وإن شئت جعلت "كتب" في مذهب , قيل: فترفع الوصية باللام في "الوالدين" كقوله تبارك وتعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الأنثيين}). [معاني القرآن: 1/110]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف حقّاً على المتّقين}
قال: {إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين} , فـ{الوصيّة} على الاستئناف، كأنه - والله أعلم - : {إن ترك خيراً} , فالوصية {للوالدين والأقربين بالمعروف حقّاً}). [معاني القرآن: 1/125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً}, أي: مالًا.
{الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف}, أي: يوصي لهم , ويقتصد في ذلك، لا يسرف , ولا يضر, وهذه منسوخة بالمواريث). [تفسير غريب القرآن: 72]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف حقّا على المتّقين}
المعنى: وكتب عليكم إلا أن الكلام إذا طال استغنى عن العطف بالواو،
وعلم أن معناه معني الواو؛ ولأن القصة الأولى قد استتمّت, وانقضى معنى الفرض فيها،
فعلم أن المعنى : فرض عليكم القصاص , وفرض عليكم الوصية.

ومعنى{كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصيّة للوالدين والأقربين}: هذا الفرض بإجماع نسخته آيات المواريث في سورة النساء وهذا مجمع عليه، ولكن لا بد من تفسيره ليعلم كيف كان وجه الحكمة فيه؛ لأن اللّه عزّ وجلّ لا يتعبد في وقت من الأوقات إلا بما فيه الحكمة البالغة,
فمعنى {كتب عليكم}: فرض عليكم - إن ترك أحدكم مالاً - الوصية {للوالدين والأقربين بالمعروف}, فرفع الوصية على ضربين:
أحدهما: على ما لم يسم فاعله، كأنه قال: كتب عليكم الوصية للوالدين، أي: فرض عليكم،
ويجوز أن تكون: رفع الوصية على الابتداء، ويجوز أن تكون للوالدين الخبر، ويكون على مذهب الحكاية؛ لأن معنى كتب عليكم : قيل لكم: الوصية للوالدين والأقربين, وإنما أمروا بالوصية في ذلك الوقت ؛ لأنهم كانوا ربما جاوزوا بدفع المال إلى البعداء طلباً للرياء والسمعة.

ومعنى{حضر أحدكم الموت}: ليس هو إنّه كتب عليه أن يوصي إذا حضره الموت؛ لأنه إذا عاين الموت يكون في شغل عن الوصية وغيرها.
ولكن المعنى: كتب عليكم أن توصّوا , وأنتم قادرون على الوصية، فيقول الرجل :إذا حضرني الموت، أي : إذا أنا مت , فلفلان كذا، على قدر - ما أمر به - , والذي أمر به أن يجتهد في العدل في وقت الإمهال، فيوصي بالمعروف كما قال اللّه عزّ وجلّ :لوالديه ولأقربيه, ومعنى بالمعروف : بالشيء الذي يعلم ذو التمييز : أنه لا جنف فيه , ولا جور، وقد قال قوم: إن المنسوخ من هذا ما نسخته المواريث, وأمر الوصية في الثلث باق، وهذا القول ليس بشيء؛ لأن إجماع المسلمين أن ثلث الرجل له , إن شاء أن يوصي بشي فله، وإن ترك فجائز , فالآية في قوله: {كتب عليكم}, الوصية منسوخة بإجماع, وكما وصفنا.
وقوله عزّ وجلّ: {حقّاً على المتّقين}: نصب على حق ذلك عليكم حقاً, ولو كان في غير القرآن فرفع كان جائزاً, على معنى : ذلك حق على المتقين). [معاني القرآن: 1/249-251]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({إن ترك خيرا}, أي: مالاً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 36]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فمن بدّله بعد ما سمعه}, أي: بدل الوصية , فإثم ما بدّل عليه).
[تفسير غريب القرآن: 73]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فمن بدّله بعدما سمعه فإنّما إثمه على الّذين يبدّلونه إنّ اللّه سميع عليم }
يعني: فمن بدل أمر الوصية بعد سماعه إيّاها، فإنما إثمه على مبدله، ليس على الموصى إذا احتاط , أو اجتهد فيمن يوصى إليه إثم، ولا على الموصى له إثم , وإنما الإثم على الموصي إن بدل.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّ اللّه سميع علم}
أي: قد سمع ما قاله الموصي، وعلم ما يفعله الموصى إليه؛ لأنه عزّ وجلّ عالم الغيب والشهادة). [معاني القرآن: 1/251]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فمن خاف من مّوصٍ جنفاً...}
والعرب تقول: وصيّتك , وأوصيتك، وفي إحدى القراءتين :{وأوصى بها إبراهيم}, بالألف, والجنف: الجور, {فأصلح بينهم}, وإنما ذكر الموصي وحده , فإنه أنما قال "بينهم" , يريد : أهل المواريث, وأهل الوصايا؛ فلذلك قال "بينهم", ولم يذكرهم؛ لأن المعنى يدلّ على أن الصلح إنما يكون في الورثة والموصى لهم). [معاني القرآن: 1/111]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({من موصٍ جنفاً},أي: جوراً عن الحق، وعدولاً، قال عامر الخصفّي:
هم المولى وقد جنفوا علينا= وإنّا من لقائهم لزور
جنفوا: أي: جاروا، والمولى هاهنا في موضع الموالى، أي: بنى العم، كقوله: {يخرجكم طفلاً}). [مجاز القرآن: 1/66]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ( (الجنف): الجور والعدول عن الحق ومنه {غير متجانف لإثم}). [غريب القرآن وتفسيره: 88]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( (الجنف): الميل عن الحق, يقال: جنف يجنف جنفاً.
يقول: إن خاف , أي : علم من الرجل في وصيته ميلاً عن الحق، فأصلح بينه وبين الورثة، وكفّه عن الجنف؛ فلا إثم عليه، أي: على الموصي.
قال طاوس: هو الرجل يوصي لولد ابنته , يريد: ابنته). [تفسير غريب القرآن: 73]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه إنّ اللّه غفور رحيم}
أي: ميلاً, أو إثماً, أو قصداًلإثم,{فأصلح بينهم}, أي: عمل بالإصلاح بين الموصى لهم , فلا إثم عليه، أي: لأنه إنما يقصد إلى إصلاح بعد أن يكون الموصي قد جعل الوصية بغير المعروف مخالفاً لأمر اللّه , فإذا ردها الموصى إليه إلى المعروف، فقد ردها إلى ما أمر اللّه به). [معاني القرآن: 1/251]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (الجنف: الميل عن الحق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 36]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الجَنَـــف}: الميـــل). [العمدة في غريب القرآن: 87]

تفسير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم...}:dقال: ما كتب على الذين قبلنا، ونحن نرى النصارى يصومون أكثر من صيامنا وفي غير شهرنا،؟ >
... وحدثني محمد بن أبان القرشي , عن أبى أميّة الطنافسيّ , عن الشّعبيّ أنه قال: لو صمت السنة كلها ,لأفطرت اليوم الذي يشكّ فيه, فيقال: من شعبان، ويقال: من رمضان, وذلك أن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا، فحوّلوه إلى الفصل,وذلك أنهم كانوا ربما صاموه في القيظ فعدّوه ثلاثين يوما، ثم جاء بعدهم قرن منهم فأخذوا بالثقة في أنفسهم, فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما، ثم لم يزل الآخر يستّن سنّة الأوّل حتى صارت إلى خمسين, فذلك قوله: {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم}). [معاني القرآن: 1/111]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({كتب عليكم الصّيام}, أي: فرض عليكم). [مجاز القرآن: 1/66]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون}
قال: {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم}). [معاني القرآن: 1/125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({كتب عليكم الصّيام}: فرض). [تفسير غريب القرآن: 73]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون}
المعنى: فرض عليكم الصيام فرضا كالذي فرض على الذين من قبلكم.
وقيل: إنه قد كان فرض على النصارى صوم رمضان فنقلوه عن وقته، وزادوا فيه، ولا أدري كيف وجه هذا الحديث، ولا ثقة ناقليه، ولكن الجملة أن اللّه عزّ وجلّ قد أعلمنا أنه فرض على من كان قبلنا الصيام، وأنه فرض علينا كما فرضه على الذين من قبلنا.
وقوله عزّ وجلّ: {لعلّكم تتّقون}
المعنى: أنّ الصّيام وصلة إلى التقي، لأنه من البر الذي يكف الإنسان عن كثير مما تتطلع إليه النفس من المعاصي، فلذلك قيل :{لعلّكم تتّقون}
و " لعل " ههنا على ترجي العباد، والله عزّ وجلّ من وراء العلم أتتقون أم لا, ولكن المعنى : أنه ينبغي لكم بالصوم أن يقوى رجاؤكم في التقوى). [معاني القرآن: 1/252]

تفسير قوله تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أيّاماً مّعدوداتٍ...}
نصبت على أن كلّ ما لم تسمّ فاعله إذا كان فيها اسمان أحدهما غير صاحبه رفعت واحداً, ونصبت الآخر؛ كما تقول: أعطي عبد الله المال, ولا تبال أكان المنصوب معرفة أو نكرة, فإن كان الآخر نعتا للأوّل , وكانا ظاهرين رفعتهما جميعاً, فقلت: ضرب عبد الله الظريف، رفعته؛ لأنه عبد الله, وإن كان نكرة نصبته , فقلت: ضرب عبد الله راكباً, ومظلوماً, وماشياً, وراكباً). [معاني القرآن: 1/112]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله: {فعدّةٌ مّن أيّامٍ أخر...}
رفع على ما فسرت لك في قوله :{فاتباع بالمعروف}, ولو كانت نصبا ً, كان صواباً). [معاني القرآن: 1/112]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ...}
يقال: وعلى الذين يطيقون الصوم, ولا يصومون أن يطعم مسكيناً مكان كل يومٍ يفطره, ويقال: على الذين يطيقونه الفدية يريد الفداء، ثم نسخ هذا فقال تبارك وتعالى: {وأن تصوموا خيرٌ لّكم} من الإطعام). [معاني القرآن: 1/112]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({أيّاماً مّعدوداتٍ فمن كان منكم مّريضاً أو على سفرٍ فعدّةٌ مّن أيّامٍ أخر وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ فمن تطوّع خيراً فهو خيرٌ لّه وأن تصوموا خيرٌ لّكم إن كنتم تعلمون}
ثم قال: {أيّاماً}, أي: كتب الصّيام أياماً؛ لأنك شغلت الفعل بالصيام حتى صار هو يقوم مقام الفاعل، وصارت الأيّام كأنك قد ذكرت من فعل بها.
وقال: {فمن كان منكم مّريضاً أو على سفرٍ فعدّةٌ مّن أيّامٍ أخر} , يقول: "فعليه عدّةٌ" رفع، وإن شئت نصبت "العدّة" على "فليصم عدّةً" إلاّ أنّه لم يقرأ.
وقال: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} وقد قرئت {فدية طعام مسكين} , وهذا ليس بالجيد، إنما الطعام تفسير للفدية، وليست الفديةبإ ضافة إلى الطعام, وقوله: {يطيقونه}, يعني : الصيام, وقال بعضهم {يطوّقونه}, أي: يتكلّفون الصيام, ومن قال: {مساكين} , فهو يعني : جماعة الشهر ؛ لأن لكل يوم مسكيناً, ومن قال: {مسكين} , فإنما أخبر ما يلزمه في ترك اليوم الواحد.
وقال: {وأن تصوموا خيرٌ لّكم}؛ لأن "أن" الخفيفة وما عملت فيه بمنزلة الاسم كأنه قال:" والصيام خيرٌ لكم"). [معاني القرآن: 1/125-126]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعدّةٌ من أيّامٍ أخر} , أي: فعليه عدّة من أيام أخر مثل عدّة ما فاته.
{وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ فمن تطوّع خيراً فهو خيرٌ له} , وهذا منسوخ بقوله: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}, والشهر منصوب لأنه ظرف, ولم ينصب بإيقاع شهد عليه, كأنه قال: فمن شهد منكم في الشهر , ولم يكن مسافرا فليصم؛ لأن الشهادة للشهر قد تكون للحاضر والمسافر). [تفسير غريب القرآن: 73-74]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أيّاماً معدودات فمن كان منكم مريضاًأو على سفر فعدّة من أيّام أخر وعلى الّذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوّع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون}
نصب (أيّاما) على ضربين:
أجودهما: أن تكون على الظرف كأنه كتب عليكم الصيام في هذه الأيام , والعامل فيه الصيام , كان المعنى : كتب عليكم أن تصوموا أياماً معدودات.

وقال بعض النحويين: إنه منصوب مفعول ما لم يسمّ فاعله , نحو: أعطي زيد المال, وليس هذا بشيء ؛ لأن الأيام ههنا معلقة بالصوم, وزيد والمال مفعولان لأعطى, فلك أن تقيم أيهما شئت مقام الفاعل, وليس في هذا إلا نصب الأيام بالصيام.
وقوله عزّ وجلّ: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدّة من أيّام أخر}أي: فعليه عدة، أو فالذي ينوب عن صومه في وقت الصوم عدة من أيام أخر.
و( أخر) في موضع جر، إلا أنها لا تنصرف ففتح فيها المجرور.
ومعنى {وعلى الذين يطيقونه} أي: يطيقون الصوم فدية طعام مسكين، أي: إن أفطر , وترك الصوم , كان فدية تركه طعام مسكين.
وقد قرئ {طعام مساكين}فمعنى: طعام مساكين فدية أيام يفطر فيها , وهذا بإجماع , وبنص القرآن منسوخ, نسخته الآية التي تلي هذه.
وقوله عزّ وجلّ:{وأن تصوموا خير لكم}
رفع خير خبر الابتداء, المعنى : صومكم خير لكم, هذا كان خيراً لهم مع جواز الفدية، فأما ما بعد النسخ , فليس بجائز أن يقال: الصوم خير من الفدية والإفطار في هذا الوقت؛ لأنه ما لا يجوز ألبتّة فلا يقع تفضيل عليه فيوهم فيه أنه جائز, وقد قيل: إن الصوم الذي كان فرض في أول الإسلام: صوم ثلاثة أيام في كل شهر , ويوم عاشوراء، ولكن شهر رمضان نسخ الفرض في ذلك الصوم كله). [معاني القرآن: 1/253]

تفسير قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {شهر رمضان...}
رفع مستأنف أي: ولكم "شهر رمضان" {الّذي أنزل فيه القرآن} , وقرأ الحسن نصباً على التكرير "وان تصوموا" شهر رمضان "خير لكم" , والرفع أجود, وقد تكون نصباً من قوله :{كتب عليكم الصيام}, شهر رمضان, توقع الصيام عليه: أن تصوموا شهر رمضان.
وقوله: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه} دليل على نسخ الإطعام, يقول: من كان سالماً ليس بمريض, أو مقيماً, ليس بمسافر فليصم , {ومن كان مريضاً أو على سفرٍ} قضى ذلك, {يريد اللّه بكم اليسر} في الإفطار في السفر , {ولا يريد بكم العسر}: الصوم فيه). [معاني القرآن: 1/112-113]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولتكملوا العدّة...}
في قضاء ما أفطرتم, وهذه اللام في قوله:{ولتكملوا العدّة}, لام كى , لو ألقيت كان صواباً,والعرب تدخلها في كلامها على إضمار فعلٍ بعدها, ولا تكون شرطا للفعل الذي قبلها وفيها الواوألا ترى أنك تقول: جئتك لتحسن إليّ، ولا تقول جئتك ولتحسن إليّ, فإذا قلته ,فأنت تريد: ولتحسن إليّ جئتك, وهو في القرآن كثير, منه قوله: {ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة} , ومنه قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض وليكون من الموقنين} , لو لم تكن فيه الواو كان شرطاً على قولك: أريناه ملكوت السموات ليكون, فإذا كانت الواو فيها فلها فعل مضمر بعدها {وليكون من الموقنين} أريناه, ومنه في غيراللام قوله: {إنّا زيّنّا السّماء الدّنيا بزينةٍ الكواكب}, ثم قال :{وحفظاً}, لو لم تكن الواو , كان الحفظ منصوباً بـ "زينا", فإذا كانت فيه الواو , وليس قبله شيء , ينسق عليه , فهو دليل على أنه منصوب بفعلٍ مضمرٍ بعد الحفظ؛ كقولك في الكلام: قد أتاك أخوك ومكرما لك، فإنما ينصب المكرم على أن تضمر أتاك بعده). [معاني القرآن: 1/113-114]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({شهر رمضان الّذي أنزل فيه القرآن هدًى لّلنّاس وبيّناتٍ مّن الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشّهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفرٍ فعدّةٌ مّن أيّامٍ أخر يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدّة ولتكبّروا اللّه على ما هداكم ولعلّكم تشكرون}
{ولتكملوا العدّة}, وهو معطوف على ما قبله كأنه قال "ويريد لتكملوا العدّة" , {ولتكبّروا اللّه}, وأما قوله: {يريد اللّه ليبيّن لكم}, فإنما معناه : يريد هذا ليبين لكم, قال الشاعر:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما = تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل
فمعناه: أريد هذا الشيء لأنسى ذكرها, أو يكون أضمر "أن" بعد اللام وأوصل الفعل إليها بحرف الجر.
قال: {فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه}, فعدّى الفعل بحرف الجر، والمعنى: عرّفهم الاختلاف حتى تركوه".
ثم قال: {شهر رمضان} على تفسير الأيام، كأنه حين قال: {أيّاماً مّعدوداتٍ}, فسرها فقال: "هي شهر رمضان", وقد نصب بعضهم {شهر رمضان} , وذلك جائز على الأمر، كأنه قال: "شهر رمضان فصوموا"، أو جعله ظرفاً على {كتب عليكم الصّيام} , {شهر رمضان}, أي: "في شهر رمضان" , و"رمضان" في موضع جر ؛ لأن الشهر أضيف إليه ,ولكنه لا ينصرف.
وقال: {الّذي أنزل فيه القرآن هدىً لّلنّاس وبيّناتٍ مّن الهدى} فموضع {هدىً} و{بيّناتٌ} نصب لأنه قد شغل الفعل بـ{القرآن} , وهو كقولك: "وجد عبد الله ظريفا".
وأما قوله: {والفرقان} , فجرّ على{وبيناتٍ من الفرقان}). [معاني القرآن: 1/127]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {شهر رمضان الّذي أنزل فيه القرآن هدى للنّاس وبيّنات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشّهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدّة من أيّام أخر يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدّة ولتكبّروا اللّه على ما هداكم ولعلّكم تشكرون}
القراءة بالرفع , ويجوز النصب، وهي قراءة ليست بالكثيرة , ورفعه على ثلاثة أضرب:
أحدها: الاستئناف, المعنى: الصيام الذي كتب عليكم, أو الأيام التي كتبت عليكم شهر رمضان،
ويجوز أن يكون: رفعه على البدل من الصيام , فيكون مرفوعاً على ما لم يسم فاعله، المعنى : كتب عليكم شهر رمضان.

ويجوز أن يكون: رفعه على الابتداء , ويكون الخبر: {الّذي أنزل فيه القرآن}, والوجهان اللذان شرحناهما :" الذي " فيهما رفع على صفة الشهر، ويكون الأمر بالفرض فيه :{فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}
ومعنى من شهد: من كان شاهدا غير مسافر , فليصم، ومن كان مسافراً, أو مريضاً , فقد جعل له أن يصوم عدة أيام المرض , وأيام السفر من أيام أخر، ومن نصب شهر رمضان , نصبه على وجهين:
أحدهما: أن يكون بدلا من أيام معدودات.

والوجه الثاني: على الأمر، كأنه قال : عليكم شهر رمضان, على الإغراء.
وقوله عزّ وجلّ: {يريد اللّه بكم اليسر}أي: أن ييسّر عليكم بوضعه عنكم الصوم في السفر , والمرض.
وقوله عزّ وجلّ: {ولتكمّلوا العدّة}, قرئ بالتشديد، ولتكملوا بالتخفيف, من كمّل يكمّل، وأكمل يكمل.
ومعنى اللام والعطف ههنا معنى لطيف هذا الكلام معطوف محمول على المعنى
(المعنى: فعل اللّه ذلك ؛ ليسهل عليكم , ولتكملوا العدة.
قال الشاعر:
بادت وغيّر آيهن مع البلي= إلاّ رواكد جمرهنّ هباء
ومشجج أما سواء قذا له= فبدا وغيره ساره المعزاء
فعطف مشجج على معنى بها رواكد ومشجج، لأنه إذ قال بادت إلاّ رواكد , علم أن المعنى : بقيت رواكد ومشجج). [معاني القرآن: 1/253-254]

تفسير قوله تعالى: {و إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ...}
قال المشركون للنبيّ صلى الله عليه وسلم: كيف يكون ربّنا قريبا يسمع دعاءنا، وأنت تخبرنا أن بيننا وبينه سبع سموات غلظ كلّ سماءٍ مسيرة خمسمائة عامٍ وبينهما مثل ذلك؟ !, فأنزل الله تبارك وتعالى: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ} أسمع ما يدعون .
{فليستجيبوا لي} : يقال: إنها التلبية). [معاني القرآن: 1/114]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فليستجيبوا لي}, أي: يجيبوني, قال كعب الغنويّ:
وداعٍ دعا يا من يجيب إلى النّدى= فلم يستجبه عند ذاك مجيب
أي: فلم يحبه عند ذاك مجيب). [مجاز القرآن: 1/67]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون}
قوله: {يرشدون}؛ لأنها من: "رشد" "يرشد" , ولغة للعرب "رشد" "يرشد" , وقد قرئت: {يرشدون}). [معاني القرآن: 1/127]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فليستجيبوا لي}, أي: يجيبوني، هذا قول أبي عبيدة، وأنشد:
وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى = فلم يستجبه عند ذاك مجيب
أي: فلم يجبه). [تفسير غريب القرآن: 74]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون}
المعنى: إذا قال قائل: اين اللّه؟, فالله عزّ وجلّ قريب, لا يخلو منه مكان
كما قال: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلّا هو رابعهم}, وكما قال: {وهو معكم أين ما كنتم}
{وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون}
وقوله عزّ وجلّ: {أجيب دعوة الدّاع إذا دعان}
إن شئت قلت: إذا دعاني بياء , وإن شئت بغير ياء إلا أن المصحف يتبع, فيوقف على الحرف كما هو فيه.
ومعنى الدعاء للّه عزّ وجلّ على ثلاثة أضرب:-
فضرب منها: توحيده , والثناء عليه كقولك : يا الله لا إله إلا أنت ,وقولك: ربّنا لك الحمد، فقد دعوته: بقولك ربنا، ثم أتيت بالثناء والتوحيد, ومثله: {وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين}
أي : يستكبرون عن توحيدي , والثناء عليّ، فهذا ضرب من الدعاء.
وضرب ثان: هو مسألة الله العفو والرحمة، وما يقرب منه , كقولك : اللهم اغفر لنا.
وضرب ثالث : هو مسألته من الدنياو كقولك:اللهم ارزقني مالا وولدا وما أشبه ذلك.
وإنما سمي هذا أجمع دعاء ؛ لأن الإنسان يصدر في هذه الأشياء بقوله: يا اللّه، ويا رب، ويا حي, فكذلك سمي :دعاء.
وقوله عزّ وجلّ:{فليستجيبوا لي }, أي: فليجيبوني.
قال الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندا= فلم يستجبه عند ذاك مجيب
أي : فلم يجبه أحد). [معاني القرآن: 1/254-255]

تفسير قوله تعالى: {حِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم...}
وفي قراءة عبد الله :{فلا رفوث ولا فسوق}, وهو الجماع فيما ذكروا؛ رفعته بـ {أحل لكم}, لأنك لم تسمّ فاعله). [معاني القرآن: 1/114]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فالآن باشروهنّ...}
يقول: عند الرّخصة التي نزلت ولم تكن قبل ذلك لهم, وقوله: {وابتغوا ما كتب اللّه لكم وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم}, يقال: الولد، ويقال: "اتبعوا" بالعين, وسئل عنهما ابن عباس , فقال: سواء). [معاني القرآن: 1/114]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود...}
فقال رجل للنبيّ صلى الله عليه وسلم: أهو الخيط الأبيض , والخيط الأسود؟ , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(( إنك لعريض القفا؛ هو الليل من النهار)).). [معاني القرآن: 1/114-115]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ليلة الصّيام}: مجازها ليل الصيام، والعرب تضع الواحد في موضع الجميع، قال عامر الخصفّي:
هم المولى وقد جنفوا علينا= وإنّا من لقائهم لزور
{الرّفث}, أي: الإفضاء إلى نسائكم، أي: النكاح.
{هنّ لباسٌ لكم}: يقال لامرأة الرجل: هي فراشه، ولباسه وإزاره، ومحل إزاره، قال الجعديّ:
= تثنّت عليه فكانت لباساً). [مجاز القرآن: 1/67]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الخيط الأبيض من الخيط الأسود}: الخيط الأبيض: هو الصبح المصدّق، والخيط الأسود : هو الليل، والخيط: هو اللون). [مجاز القرآن: 1/68]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الخيط الأبيض من الخيط الأسود}: الليل من النهار). [غريب القرآن وتفسيره: 88]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الرّفث}: الجماع, ورفث القول هو الإفصاح بما يجب أن يكنى عنه من ذكر النكاح.
{تختانون أنفسكم}, أي : تخونونها بارتكاب ما حرّم اللّه عليكم.
{وابتغوا ما كتب اللّه لكم}, يعني من الولد, أمر تأديب , لا فرض.
{وكلوا واشربوا}: أمر إباحة.
{حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض} , وهو بياض النهار.
{من الخيط الأسود} , وهو سواد الليل, ويتبين هذا من هذا عند الفجر الثاني.
{عاكفون في المساجد}, أي : مقيمون, والعاكف: المقيم في المسجد الذي أوجب العكوف فيه على نفسه). [تفسير غريب القرآن: 74-75]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنّ وابتغوا ما كتب اللّه لكم وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمّ أتمّوا الصّيام إلى اللّيل ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود اللّه فلا تقربوها كذلك يبيّن اللّه آياته للنّاس لعلّهم يتّقون}
{الرفث}: كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من المرأة، والمعنى ههنا : كناية عن الجماع, أي : أحل لكم ليلة الصيام الجماع، لأنه كان في أول فرض الصيام الجماع محرما ًفي ليلة الصيام، والأكل والشرب بعد العشاء الآخرة والنوم, فأحل الله الجماع والأكل والشراب إلى وقت طلوع الفجر.
وقوله عزّ وجلّ: {هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ}
قد قيل فيه غير قول: قيل المعنى: فتعانقوهن , ويعانقنكم، وقيل : كل فريق منكم يسكن إلى صاحبه , ويلابسه , كما قال عزّ وجلّ: {وجعل منها زوجها ليسكن إليها}
والعرب تسمى المرأة لباسا ً, وإزارا ً, قال الشاعر:
إذا ما الضجيع ثنى عطفه= تثنّت فكانت عليه لباساً
وقال أيضا:
ألا أبلغ أبا حفص رسولاً= فدى لك من أخي ثقة إزاري
قال أهل اللغة: فدى لك امرأتي.
قوله عزّ وجلّ: {وابتغوا ما كتب اللّه لكم}
قالوا معناه : الولد, ويجوز أن يكون -, وهو الصحيح عندي , واللّه أعلم .
{ وابتغوا ما كتب اللّه لكم}: اتبعوا القرآن فيما أبيح لكم فيه , وأمرتم به, فهو المبتغى.
وقوله عزّ وجلّ:{حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}هما فجران:
أحدهما يبد, و أسود معترضا , وهو الخيط الأسود، والأبيض يطلع ساطعاً يملأ الأفق، وحقيقته حتّى يتبين لكم الليل من النهار، وجعل اللّه عزّ وجلّ حدود الصيام طلوع الفجر الواضح، إلا أن اللّه عزّ وجلّ بين في فرضه ما يستوي في علمه أكثر الناس.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد}
معنى الباشرة هنا: الجماع, وكان الرجل يخرج من المسجد, وهو معتكف , فيجامع , ثم يعود إلى المسجد، والاعتكاف أن يحبس الرجل نفسه في مسجد جماعة يتعبّد فيه، فعليه إذا فعل ذلك ألا يجامع , وألا يتصرّف إلا فيما لا بد له منه من حاجته.
وقوله عزّ وجلّ: {تلك حدود اللّه فلا تقربوها}
معنى الحدود: ما منع الله عزّ وجلّ من مخالفتها، ومعنى الحدّاد في اللغة: الحاجب، وكل من منع شيئا فهو حدّاد, وقولهم: أحدّت المرأة على زوجها , معناه: قطعت الزينة , وامتنعت منها، والحديد إنما سمي حديداً؛ لأنه يمتنع به من الأعداء, وحدّ الدّار هو ما يمنع غيرها أن تدخل فيها.
وقوله عزّ وجلّ: {كذلك يبيّن اللّه آياته للنّاس} أي: مثل البيان الذي ذكر، المعنى: ما أمرهم به يبين لهم). [معاني القرآن: 1/255-257]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ):{الرفث}: الجماع). [ياقوتة الصراط: 179]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ):{الرفث}: الجماع, ورفث القول: هو الإفصاح بالخنا عن الجماع, ونحوه.
{تختانون أنفسكم} : أي: تخونونها بارتكاب ما حرم الله عليكم.
{حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} تخرجون الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أي: سواد الليل من بياض الفجر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 36-37]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْخَيْطُ الأَبْيَضُ}: النهار, {الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} : الليل). [العمدة في غريب القرآن: 87-88]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وتدلوا بها إلى الحكّام}, وفي قراءة أبيّ:{ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولا تدلوا بها إلى الحكّام} فهذا مثل قوله: {ولا تلبسوا الحقّ بالباطل وتكتموا الحقّ}, معناه: ولا تكتموا, وإن شئت جعلته إذا ألقيت منه "لا" نصبا على الصرف؛ كما تقول: لا تسرق وتصدّق, معناه: لا تجمع بين هذين كذا وكذا؛ وقال الشاعر:
لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله = عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
والجزم في هذا البيت جائز , أي: لا تفعلن واحداً من هذين). [معاني القرآن: 1/115]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فريقاً}: الفريق : هي الطائفة). [مجاز القرآن: 1/68]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام لتأكلوا فريقاً مّن أموال النّاس بالإثم وأنتم تعلمون}
قال: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام}, جزم على العطف ونصب , إذا جعله جواباً بالواو). [معاني القرآن: 1/127-128]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}, أي: لا يأكل بعضكم مال بعض بشهادات الزور.
{وتدلوا بها إلى الحكّام},أي: تدلي بمال أخيك إلى الحاكم, ليحكم لك به , وأنت تعلم أنك ظالم له, فإن قضاءه باحتيالك في ذلك عليك , لا يحل لك شيئاً كان محرماً عليك.
وهو مثل قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وعلى آله: ((فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار)).). [تفسير غريب القرآن: 75]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام لتأكلوا فريقا من أموال النّاس بالإثم وأنتم تعلمون}
{تأكلوا} جزم بلا؛ لأن " لا " التي ينهي بها تلزم الأفعال دون الأسماء تأثيرها فيها بالجزم؛ لأن الرفع يدخلها، بوقوعها موضع الأسماء والنصب يدخلها لمضارعة الناصب فيها الناصب للأسماء، وليس فيها بعد هذين الحيزين إلا الجزم, ومعنى {بالباطل },أي: بالظلم.
{وتدلوا بها إلى الحكّام} أي: تعملون على ما يوجبه ظاهر الحكم , ويتركون ما قد علمتم أنه الحق، ومعنى تدلوا في اللغة: إنّما أصله من أدليت الدلو إذا أرسلتها للمليء، ودلوتها إذا أخرجتها، ومعنى أدلى لي فلان بحجته : أرسلها, وأتى بها على صحة، فمعنى {وتدلوا بها إلى الحكّام} أي: تعملون على ما يوجبه الإدلاء بالحجة، وتخونون في الأمانة.
{لتأكلوا فريقاً من أموال النّاس بالإثم وأنتم تعلمون} أي: وأنتم تعلمون أن الحجة عليكم في الباطن، وإن ظهرخلافها.
ويجوز أن يكون: موضع:{وتدلوا }جزماً, ونصباً, فأما الجزم , فعلى النهي.
معطوف على : {ولا تأكلوا},
ويجوز أن تكون: نصباً على ما تنصب الواو، وهو الذي يسميه بعض النحويين: الصرف، ونصبه بإضمار أن، المعنى : لا تجمعوا بين الأكل بالباطل , والإدلاء إلى الحكام، وقد شرحنا هذا قبل هذا المكان).
[معاني القرآن: 1/257-258]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}, أي: شهادات الزور، {وتدلوا بها}, أي: تدلي بمال أخيك إلى الحاكم , وأنت تعلم أنك ظالم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 37]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 24 ذو الحجة 1431هـ/30-11-2010م, 02:43 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 189 إلى 196]

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)}

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {يسألونك عن الأهلّة...}
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن نقصان القمر وزيادته, ما هو؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: ذلك لمواقيت حجكم, وعمرتكم, وحلّ ديونكم, وانقضاء عدد نسائكم). [معاني القرآن: 1/115]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها...}
وذلك أن أهل الجاهلية ألا قريشاً, ومن ولدته قريش من العرب , كان الرجل منهم إذا أحرم في غير أشهر الحج في بيت مدرٍ , أو شعرٍ , أو خباءٍ نقب في بيته نقباً من مؤخّره , فخرج منه ودخل , ولم يخرج من الباب، وإن كان من أهل الأخبية , والفساطيط خرج من مؤخّره , ودخل منه, فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهو محرم, ورجل محرم يراه، دخل من باب حائطٍ , فاتّبعه ذلك الرجل، فقال له: ((تنحّ عني)) .
قال: ولم؟ .
قال: ((دخلت من الباب, وأنت محرم)).
قال: إني قد رضيت بسنّتك وهديك.
قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني أحمس)).
قال: فإذا كنت أحمس , فإني أحمس, فوفّق الله الرجل، فأنزل الله تبارك وتعالى: {وأتوا البيوت من أبوابها واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون}). [معاني القرآن: 1/116]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها} : البرّ هنافي موضع البار، ومجازها: أي: اطلبوا البرّ من أهله, ووجهه, ولا تطلبوه عند الجهلة المشركين). [مجاز القرآن: 1/68]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس والحجّ وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون}
قال: {هي مواقيت للنّاس والحجّ}, فجر {الحجّ}؛ لأنه عطفه على "الناس" , فانجر باللام.
وقال: {ولكنّ البرّ من اتّقى}يريد "برّ من اتقّى"). [معاني القرآن: 1/128]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها}
قال الزّهري: كان أناس من الأنصار إذا أهلّوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء، يتحرجون من ذلك. وكان الرجل يخرج مهلّا بها فتبدو له الحاجة فيرجع فلا يدخل من باب الحجرة من أجل السقف ولكنه يقتحم الجدار من وراء. ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته. وكانت قريش وحلفاؤها الحمس لا يبالون ذلك. فأنزل اللّه: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى},أي برّ من اتقى , كما قال: {ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر}, أي: بر من آمن باله). [تفسير غريب القرآن: 75-76]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس والحجّ وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون}
كان النّبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الهلال في بدئه دقيقاً, وعن عظمه بعد، وعن رجوعه دقيقاً كالعرجون القديم، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنه جعل ذلك ليعلم الناس، أوقاتهم في حجهم وعدد نسائهم، وجميع ما يريدون عدمه مشاهرة؛ لأن هذا أسهل على الناس من حفظ عدد الأيام، ويستوي فيه الحاسب , وغير الحاسب.
ومعنى الهلال واشتقاقه: من قولهم : استهل الصبي إذا بكى حين يولد , أو صاح، وكأن قولهم أهل القوم بالحج والعمرة,أي: رفعوا أصواتهم بالتلبية، وإنما قيل له هلال ؛ لأنه حين يرى , يهل الناس بذكره , ويقال: أهل الهلال , واستهل، ولا يقال: أهلّ، ويقال: أهللنا, أي : رأينا الهلال وأهللنا شهر كذا وكذا، إذا دخلنا فيه.
وأخبرني من أثق به من رواة البصريين والكوفيين جميعاً بما أذكره في أسماء الهلال , وصفات الليالي التي في كل شهر.
فأول ذلك: إنما سمي الشهر شهراً لشهرته وبيانه، وسمّي هلالاً لما وصفنا من رفع الصوت بالإخبار عنه،
وقد اختلف الناس في تسميته هلالاً, وكم ليلة يسمّى؟ , ومتى يسمّى قمراً؟,
1- فقال بعضهم يسمى هلالاً لليلتين من الشهر, ثم لا يسمى هلالاً إلى أن يعود في الشهر التالي،
2-وقال بعضهم يسمى هلالاً ثلاث ليال, ثم يسمى قمراً,
3- وقال بعضهم : يسمى هلالاً إلى أن يحجّر , وتحجيره : أن يستدير بخطة دقيقة, وهو قول الأصمعي,
4-وقال بعضهم يسمى هلالاً إلى أن يبهر ضوؤه سواد الليل، فإذا غلب ضوؤة سواد الليل , قيل له: قمر، وهذا لا يكون إلا في الليلة السابعة، والذي عندي, وما عليه الأكثر أنه يسمى هلالاً ابن ليلتين، فإنه في الثالثة يبين ضوؤه,
واسم القمر: الزبرقان، واسم دارته: الهالة، واسم ضوئ: ه الفخت
وقد قال بعض أهل اللغة : لا أدري الفخت اسم ضوئه أم ظلمته، واسم ظلمته على الحقيقة (واسم ظله) : السّمر، ولهذا قيل للمتحدثين ليلاً: سمّار، ويقال: ضاء القمر , وأضاء، ويقال: طلع القمر، ولا يقال: أضاءت القمر , أو ضاءت.

قال أبو إسحاق وحدثني من أثق به, عن الرّياشي , عن أبي زيد، وأخبرني أيضاً من أثق ب, ه عن ابن الأعرابي بما أذكره في هذا الفصل: قال أبو زيد الأنصاري، يقال للقمر ابن ليلة: عتمة سخيلة حل أهلها برميلة، وابن ليلتين: حديث أمتين كذب ومين , ورواه ابن الأعرابي بكذب ومين، وابن ثلاث : حديث فتيات غير جد مؤتلفات.
وقيل ابن ثلاث: قليل اللباث، وابن أربع عتمة ربع , لا جائع /, ولا مرضع، وعن ابن الأعرابي : عتمة أم الربع، وابن خمس حديث وأنس،وقال أبو زيد : عشا خلفات قعس، وابن ست سمروبت, وابن سبع : دلجة الضبع , وابن ثمان : قمر أضحيان , وابن تسع , عن أبي زيد: انقطع السشسع، وعن غيره : يلتقط فيه الجزع، وابن عشر : ثلث الشهر، وعن أبي زيد , وغيره : محنق الفجر,
ولم تقل العرب بعد العشر في صفته ليلة ليلة كما قالت في هده العشر , ولكنهم جزأوا صفته أجزاء عشرة، فجعلوا لكل ثلاث ليال صفة, فقالوا:
ثلاث غرر، وبعضهم يقول غز، وثلاث شهب، وثلاث بهر وبهر، وثلاث عشر، وثلاث بيض، وثلاث درع، ودرع،
ومعنى الدرع: سواد مقدّم الشاة , وبياض مؤخرها، وإنما قيل لها : درع ودرع ؛ لأن القمر يغيب في أولها, فيكون أول الليل أدرع ؛ لأن أوله أسود, وما بعده مضي، وثلاث خنس؛ لأن القمر ينخنس فيها , أي: يتأخر، وثلاث دهم، وإنما قيل لها دهم ؛ لأنها تظلم حتى تدهامّ، وقال بعضهم : ثلاث حنادس، وثلاث فحم ؛ لأن القمر يتفحم فيها، أي: يطلع في آخر الليل , وثلاث دادي، وهي أواخر الشهر , وإنما أخذت من الدأداء , وهو ضرب من السير تسرع فيه الإبل نقل أرجلها إلى موضع أيديها, فالدأدأة آخر نقل القوائم، فكذلك الدأدي في آخر الشهر.

وجمع هلال: أهله،لأدنى العدد وأكثره؛ لأن فعالاً يجمع في أقل العدد على أفعلة , مثل, مثال,وأمثلة,وحمار, وأحمرة , وإذا جاوز أفعلة جمع على فعل، مثل:حمر , ومثل,فكرهوا في التضعيف فعل نحو : هلل, وخلل، فقالوا: أهلة, وأخلة، فاقتصروا على جمع أدنى العدد، كما اقتصروا في ذوات الواو , والياء على ذلك، نحو كساء , وأكسية , ورداء, وأردية.
وقوله عزّ وجلّ: {وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى}
قيل: إنه كان قوم من قريش , وجماعة معهم من العرب إذا خرج الرجل منهم في حاجة فلم يقضها, ولم تتيسر له رجع , فلم يدخل من باب بيته سنة، يفعل ذلك تطيراً, فأعلمهم اللّه عزّ وجل أن ذلك غير بر، أي: الإقامة على الوفاء بهذه السّنة ليس ببر،
وقال الأكثر من أهل التفسير: إنهم الحمس، وهم قوم من قريش، وبنو عامر بن صعصعة , وثقيف , وخزاعة، كانوا إذا أحرموا , لا يأقطون الأقط، ولا ينفون الوبر , ولا يسلون السّمن، وإذا خرج أحدهم من الإحرام لم يدخل من باب بيته، وإنما سمّوا الحمس؛ لأنهم تحمّسوا في دينهم , أي: تشددوا.

وقال أهل اللغة الحماسة الشدة في الغضب, والشدة في القتال، والحماسة على الحقيقة الشدة في كل شيء.
وقال العجاج:
= وكم قطعنا من قفاف حمس =
أي: شداد, فأعلمهم اللّه عزّ وجلّ أن تشددهم في هذا الإحرام ليس ببر, وأعلمهم أن البر التقي, فقال:{ولكنّ البرّ من اتّقى}.
المعنى: ولكن البر برّ من اتقى مخالفة أمر اللّه عزّ وجلّ، فقال:
{وأتوا البيوت من أبوابها}, فأمرهم اللّه بترك سنة الجاهلية في هذه الحماسة). [معاني القرآن: 1/257-263]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج}
سبب نزول هذه الآية: أن بعض المسلمين يسأل النبي صلى الله عليه وسلم لم خلقت هذه الأهلة , فأنزل الله عز وجل: {قل هي مواقيت للناس والحج} : فجعلها الله عز وجل مواقيت لحج المسلمين , وإفطارهم , وصومهم , ومناسكهم , ولعدة نسائهم , ومحل دينهم , والله أعلم بما يصلح خلقه .
قال أبو إسحاق: هلال مشتق من استهل الصبي إذا بكى , وأهل القوم بحجة وعمرة , أي: رفعوا أصواتهم بالتلبية , فقيل له: هلال ؛ لأنه حين يرى يهل الناس بذكره , وأهل , واستهل , ولا يقال: أهللنا, أي: رأينا الهلال, وأهللنا شهر كذا وكذا إذا دخلنا فيه, وسمي شهر لشهرته , وبيانه .
قال الأصمعي: ولا يسمى هلالاً حتى يحجر, وتحجيره : ةأن يستدير بخطة دقيقة , وقيل: ليلتين, وثلاث.
وقيل: حتى يغلب ضوءه, وهذا في السابعة .
قال أبو إسحاق: والأجود عندي أن يسمى هلالاً لليلتين ؛ لأنه في الثالثة يتبين ضوءه). [معاني القرآن: 1/103-104]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها}
روى شعبة , عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب يقول: نزلت فينا هذه الآية , كانت الأنصار إذا حجوا , فجاءوا , لم يدخلوا البيوت من أبوابها ,ولكن من ظهورها, فجاء رجل من الأنصار , فدخل من قبل بابه , فنزلت هذه الآية: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها}). [معاني القرآن: 1/105]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها}: كان ناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة , لم يحل بينهم وبين السماء شيء، يتحرجون بمن ذلك، فاذا خرج الرجل مهلاً,ثم بدت له حاجة رجع , فدخل بيته من ظهره، من أجل السقف، لئلا يحول بينه وبين السماء، فاعلموا أنه ليس من البر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 37]

تفسير قوله تعالى:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا}, أي: لا تعتدوا على من وادعكم , وعاقدكم). [تفسير غريب القرآن: 76]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين}
قالوا في تفسيره : قاتلوا أهل مكة،
وقال قوم : هذا أول فرض الجهاد , ثم نسخه:{وقاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافّة}

وقوله عزّ وجلّ:{ولا تعتدوا}أي: لا تظلموا، والاعتداء: مجاوزة الحق، وقيل في تفسيره قولان:
قيل: {لا تعتدوا} : لا تقاتلوا غير من أمرتم بقتاله, ولا تقتلوا غيرهم،
وقيل: {لا تعتدوا}أي: لا تجاوزوا إلى قتل النساء والأطفال).
[معاني القرآن: 1/263]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا}
قبل, أي: ولا تقاتلوا من عاهدتم , وعاقدتم.
وقيل: لا تقاتلوا من لم يقاتلكم
قال ابن زيد ثم نسخ ذلك فقال جل وعز: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم}, أي: وجدتموهم .
{وأخرجوهم من حيث أخرجوكم}, يعني: مكة). [معاني القرآن: 1/105-106]

تفسير قوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم...}
فهذا وجه قد قرأت به العامّة, وقرأ أصحاب عبد الله: {ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه فإن قتلوكم فاقتلوهم}, والمعنى هاهنا: فإن بدءوكم بالقتل , فاقتلوهم, والعرب تقول: قد قتل بنو فلان إذا قتل منهم الواحد, فعلى هذا قراءة أصحاب عبد الله, وكلّ حسن.
وقوله: {فإن انتهوا} فلم يبدءوكم ,{فلا عدوان} على الذين انتهوا، إنما العدوان على من ظلم: على من بدأكم , ولم ينته.
فإن قال قائل: أرأيت قوله: {فلا عدوان إلاّ على الظّالمين}, أعدوانٌ هو وقد أباحه الله لهم؟ , قلنا: ليس بعدوان في المعنى، إنما هو لفظ على مثل ما سبق قبله؛
ألا ترى أنه قال: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}, فالعدوان من المشركين في اللفظ ظلم في المعنى، والعدوان الذي أباحه الله وأمر به المسلمين إنما هو قصاص. فلا يكون القصاص ظلماً, وإن كان لفظه واحداً, ومثله قول الله تبارك وتعالى:{وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها}, وليست من الله على مثل معناها من المسيء؛ لأنها جزاء). [معاني القرآن: 1/116-117]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({والفتنة أشدّ من القتل},أي: الكفر أشدّ من القتل في أشهر الحرم، يقال: رجل مفتون في دينه , أي: كافر). [مجاز القرآن: 1/68]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({والفتنة أشد من القتل}: الكفر).[غريب القرآن وتفسيره: 88]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({واقتلوهم حيث ثقفتموهم},أي: حيث وجدتموهم.
{وأخرجوهم من حيث أخرجوكم},يعني: من مكة.
{والفتنة أشدّ من القتل},يقول: الشرك أشد من القتل في الحرم). [تفسير غريب القرآن: 76]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشدّ من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين}
أي: حيث وجدتموهم، يقال: ثقفته أثقفه ثقفاًوثقافة، ويقال: رجل ثقف لقف, ومعنى الآية: لا تمتنعوا من قتلهم في الحرم وغيره.
وقوله عزّ وجلّ: {والفتنة أشدّ من القتل}
أي: فكفرهم في هذه الأمكنة أشد من القتل.
وقوله عزّ وجلّ:{ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه}
كانوا قد نهوا عن ابتدائهم بقتل , أو قتال حتى يبتدي المشركون بذلك.
وتقرأ: {ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه}, أي: لا تبدأوهم بقتل حتى يبدأوكم به، وجائز : ولا تقتلوهم, وإن وقع القتل ببعض دون بعض؛ لأن اللغة يجوز فيها قتلت القوم , وإنّما قتل بعضهم إذا كان في الكلام دليل على إرادة المتكلم). [معاني القرآن: 1/263-264]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {والفتنة أشد من القتل}
قال مجاهد: ارتداد المؤمن أشد عليه من القتل.
والفتنة في الأصل الاختبار , فتأويل الكلام : الاختبار الخبيث الذي يؤدي إلى الكفر أشد من القتل , وفتنته فلانة , أي: صارت له كالمختبرة , أي: اختبر بجمالها, وفتنت الذهب في النار , أي: اختبرته لأعلم خالص هو أم مشوب ؟.
وقيل لهذا السبب لكل ما أحميته في النار فتنته ؛ لأنه بذلك كالمختبر .
وقيل في قوله عز وجل: {يوم هم على النار يفتتنون} , هو من هذا , أي: يشوون.
قال أبو العباس: والقول عندي - والله أعلم - : إنما هو يحرقون بفتنتهم , أي: يعذبون بكفرهم من فتن الكافر .
وقيل: يختبرون, فيقال : ما سلككم في سقر ؟, وأفتنه العذاب , أي: جزاه بفتنته, كقولك: كرب , وأكربته ,والعلم لله تعالى .
يقال: فتن الرجال وفتن وأفتنته , أي: جعلت فيه فتنته كقولك: دهشته , وكحلته , هذا قول الخليل , وأفتنته جعلته فاتناً, وهذا خضر فتن .
وقال الأخفش في قوله عز وجل: {بأيكم المفتنون} , قال يعني : الفتنة, كقولك خذ ميسوره , ودع معسوره.
وكان سيبويه يأبى أن يكون المصدر على مفعول, ويقول المعتمد خذ ما يسر لك منه). [معاني القرآن: 1/107-108]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه}
قال قتادة: ثم نسخ ذلك بعد فقال:{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} .
قال ابن عباس : أي: شرك , قال: ويكون الدين لله , ويخلص التوحيد لله). [معاني القرآن: 1/108]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ثقفتموهم}, وجدتموهم.
{والفتنة أشد من القتل} في الأشهر الحرم؛ لأنهم استعظموا قتل المسلمين في رجب، فأعلموا أن الشرك الذي هم عليه أشد من ذلك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 37]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فإن انتهوا فإنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ}
أما قوله: {فإن انتهوا فإنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ} , يريد: فإنّ اللّه لهم). [معاني القرآن: 1/128]

تفسير قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ ويكون الدّين للّه فإن انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظّالمين}
قوله:{فلا عدوان إلاّ على الظّالمين}؛ لأنه يجوز أن يقول {إن انتهوا}, وهو قد علم: أنهم لا ينتهون إلا بعضهم , فكأنه قال: {إن انتهى بعضهم فلا عدوان إلا على الظالمين منهم},فأضمركما قال: {فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر}, أي: فعليه ما استيسر كما تقول: "زيداً أكرمت" , وأنت تريد : "أكرمته" , وكما تقول : إلى من تقصد ؟. أقصد, تريد : "إليه"). [معاني القرآن: 1/128]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكذلك قوله: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ},أي : لا سبيل.
وأصل العدوان: الظلم, وأراد بالعدوان: الجزاء, يقول: لا جزاء ظلم إلّا على ظالم, وقد بينت هذا في كتاب «تأويل المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 77]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة ويكون الدّين للّه فإن انتهوا فلا عدوان إلّا على الظّالمين (193)}
هذا أمر من اللّه عزّ وجلّ أن يقاتل كل كافر ؛ لأن المعنى ههنا في الفتنة والكفر). [معاني القرآن: 1/264]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال: {فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين}
قال قتادة: والظالم الذي أبى أن يقول: لا إله إلا الله). [معاني القرآن: 1/108]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فلا عدوان}, أي: لا سبيل، وأصل العدوان: الظلم، وأراد به هاهنا: الجزاء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 38]

تفسير قوله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين}
أما قوله: {فاعتدوا عليه} , فإن الله لم يأمر بالعدوان، وإنما يقول: إيتوا إليهم , الذي كان يسمى بالاعتداء, أي: افعلوا بهم كما فعلوا بكم، كما تقول: "إن تعاطيت مني ظلماً تعاطيته منك" , والثاني ليس بظالم, قال عمرو بن شأس:
جزينا ذوي العدوان بالأمس مثله = قصاصاً سواءً حذوك النّعل بالنّعل). [معاني القرآن: 1/128-129]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ}, قال مجاهد: فخرت قريش أن صدّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، عن البيت الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرام, فأقصّه اللّه , فدخل عليهم من قابل في الشهر الحرام في البلد الحرام إلى البيت الحرام, وأنزل اللّه: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ}.
وقوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه}, أي: من ظلمكم , فجزاؤه جزاء الاعتداء على ما بينت في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 77-78]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين}
{الشّهر)} رفع بالابتداء , وخبره {بالشّهر الحرام}, ومعناه: قتال الشهر الحرام.
ويروى أن المشركين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهر الحرام : هل فيه قتال؟, فأنزل الله عز وجلّ أن القتل فيه كبير، أي : عظيم في الإثم، وإنما سألوا ليغرّوا المسلمين، فإن علموا أنهم لم يؤمروا بقتلهم قاتلوهم، فأعلمهم الله عزّ وجلّ أن القتال فيه محرم إلا أن يبتدئ المشركون بالقتال فيه , فيقاتلهم المسلمون.
فالمعنى في قوله: {الشّهر الحرام}, أي : قتال الشهر الحرام، أي: في الشهر الحرام، بالشهر الحرام.
وأعلم اللّه عزّ وجلّ أن هذه الحرمات قصاص، أي : لا يجوز للمسلمين إلا قصاصاً.
وقوله عزّ وجلّ:{فمن اعتدى عليكم}
أي: من ظلم , فقاتل , فقد اعتدى، {فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}, وسمي الثاني اعتداء ؛ لأنه مجازاة اعتداء , فسمي بمثل اسمه؛ لأن صورة الفعلين واحدة, وإن كان أحدهما طاعة , والآخر معصية، والعرب تقول ظلمني فلان , فظلمته , أي: جازيته بظلمه، وجهل عليّ , فجهلت عليه , أي: جازيته بجهله.
قال الشاعر:
ألا لا يجهلنّ أحد علينا= فنجهل فوق جهل الجاهلينا
أي: فنكافئ على الجهل بأكثر من مقداره.
وقال اللّه عزّ وجلّ:{ومكروا ومكر اللّه}
وقال: {فيسخرون منهم سخر اللّه منهم}
جعل اسم مجازاتهم مكراً كما مكروا، وجعل اسم مجازاتهم على سخريتهم سخرياً, فكذلك: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه}). [معاني القرآن: 1/263-265]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال عز وجل: {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص}
أي: قتال الشهر الحرام بقتال الشهر الحرام .
قال مجاهد: صدت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت الحرام في الشهر الحرام ذي القعدة , فأقضه الله منهم من قابل , فدخل البيت الحرام في الشهر الحرام ذي القعدة , وقضى عمرة .
وقال غيره : قال الله عز وجل: {والحرمات قصاص} , فجمع ؛ لأنه جل ثناؤه أراد : الشهر الحرام , والبلد الحرام , وحرمة الإحرام). [معاني القرآن: 1/109]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال عز وجل: {فمن اعتدى عليكم}
قال مجاهد : أي: من قاتلكم فيه , {فاعتدوا عليه} , فاقتلوه فيه, سمي الثاني اعتداء ؛ لأنه جزاء الأول). [معاني القرآن: 1/109-110]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه}, أي: من ظلمكم , فجازوه بمثله). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 38]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({التّهلكة}: والهلاك، والهلك، والهلك واحد). [مجاز القرآن: 1/68]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة وأحسنوا إنّ اللّه يحبّ المحسنين}
قال: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة} , يقول: "إلى الهلكة", والباء زائدة نحو زيادتها في قوله: {تنبت بالدّهن}, وإنما هي: تنبت الدهن, قال الشاعر:
كثيراً بما يتركن في كلّ حفرةٍ = زفير القواضي نحبها وسعالها
يقول: "كثيراً يتركن" , وجعل الباء , و"ما" زائدتين). [معاني القرآن: 1/129]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({التهلكة}: الهلاك). [غريب القرآن وتفسيره: 88]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: ({وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة وأحسنوا إنّ اللّه يحبّ المحسنين}
أي: في الجهاد في سبيل اللّه، وكل ما أمر اللّه به من الخير , فهو من سبيل الله، أي: من الطريق إلى اللّه عزّ وجلّ؛ لأن السبيل في اللغة: الطريق، وإنما استعمل في الجهاد أكثر ؛ لأنه السبيل الذي يقاتل فيه على عقد الدين.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}
أصل بأيديكم:بأيديكم بكسر الياء, ولكن الكسرة لا تثبت في الياء إذا كان ما قبلها مكسوراً لثقل الكسرة في الياء.
{وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة وأحسنوا إنّ اللّه يحبّ المحسنين}
وقوله عزّ وجلّ: {إلى التّهلكة)}, معناه: إلى الهلاك، يقال: هلك الرجل يهلك , هلاكاً, وهلكا وتهلكة , وتهلكة.
وتهلكة اسم, ومعناه: إن لم تنفقوا في سبيل الله هلكتم، أي : عصيتم الله فهلكتم، وجائز أن يكون هلكتم بتقوية عدوكم عليكم , واللّه أعلم.
وقوله عزّ وجلّ: {وأحسنوا إنّ اللّه يحبّ المحسنين}
أي: أنفقوا في سبيل الله , فمن أنفق في سبيل اللّه , فمحسن). [معاني القرآن: 1/266]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}
أصح ما قيل في هذا: أن سعيد بن جبير روى عن ابن عباس, لا تمسكوا النفقة في سبيل الله, فتهلكوا.
وحدثنا محمد بن جعفر الأنباري, قال: حدثنا عبد الله بن يحيى, قال: حدثنا عاصم, قال: حدثنا قيس بن الربيع, عن الأعمش, عن شقيق,
قال حذيفة : التهلكة ترك النفقة .

وقال البراء, والنعمان بن بشير : هو الرجل يذنب الذنب , فيلقي بيده , ثم يقول: لا يغفر لي .
وقال عبيدة: هو الرجل يعمل الذنوب والكبائر , ثم يقول: ليس لي توبة , فيلقي بيديه إلى التهلكة .
وقال أبو قلابة : هو الرجل يصيب الذنب , فيقول: ليس لي توبة , فينهمك في الذنوب.
قال أبو جعفر : والقول الأول أولى ؛ لأن أبا أيوب الأنصاري يروي قال : نزلت فينا معاشر الأنصار لما أعز الله دينه , قلنا سراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أموالنا قد ضاعت , فلو أقمنا فيها, وأصلحنا منها ما ضاع , فأنزل الله في كتابه يرد علينا ما هممنا به: {أنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} , فكانت التهلكة في الإقامة التي أردنا أن نقيم في أموالنا, ونصلحها, فأمرنا بالغزو.,
قال أبو جعفر : فدل على وجوب الجهاد على المسلمين , وقيل أيض: اً معنى : وأحسنوا , وأنفقوا.
قال أبو إسحاق : وأحسنوا في أداء الفرائض .
وقال عكرمة : أي: أحسنوا الظن بالله.
وقال ابن زيد: عودوا على من ليس في يده شيء , والمعنى في قوله: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} على ما تقدم , أي: إن امتنعتم من النفقة في سبيل الله , عصيتم الله , فهلكتم , ويجوز أن يكون المعنى: قويتم عدوكم , فهلكتم). [معاني القرآن: 1/110-112]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({التَّهْلُكَــــةِ}: الهلاك، إلحاد الأموال). [العمدة في غريب القرآن: 88]

تفسير قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه...}
وفي قراءة عبد الله :{وأتمّوا الحجّ والعمرة إلى البيت لله}, فلو قرأ قارئ :{والعمرة لله}, فرفع العمرة ؛ لأن المعتمر إذا أتى البيت, فطاف به , وبين الصفا والمروة , حلّ من عمرته, والحج يأتي فيه عرفاتٍ , وجميع المناسك؛ وذلك قوله: {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه} يقول: أتموا العمرة إلى البيت في الحج إلى أقصى مناسكه.
{فإن أحصرتم} العرب تقول للذي يمنعه من الوصول إلى إتمام حجّه , أو عمرته: خوف , أو مرض، وكل ما لم يكن مقهوراً كالحبس , والسّجن .
يقال للمريض: قد أحصر، وفي الحبس , والقهر: قد حصر, فهذا فرق بينهما, ولو نويت في قهر السلطان : أنها علّة مانعة, ولم تذهب إلى فعل الفاعل, جاز لك أن تقول: قد أحصر الرجل, ولو قلت في المرض وشبهه: إن المرض قد حصره , أو الخوف، جاز أن تقول: حصرتم, وقوله:{وسيّداًوحصوراً}, يقال: إنه المحصر عن النساء؛ لأنها علّة , وليس بمحبوس, فعلى هذا , فابن). [معاني القرآن: 1/117-118]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله:{فما استيسر من الهدي...}
"ما" في موضع رفع؛ لأن أكثر ما جاء من أشباهه في القرآن مرفوع, ولو نصبت على قولك: أهدوا ما استيسر, وتفسير الهدى في هذا الموضع بدنة , أو بقرة , أو شاة.
{فمن لم يجد} الهدى , صام ثلاثة أيامٍ , يكون آخرها: يوم عرفة، واليومان في العشر، فأمّا السبعة فيصومها إذا رجع في طريقه، وإن شاء إذا وصل إلى أهله , و"السبعة" فيها الخفض على الإتباع للثلاثة, وإن نصبتها , فجائز على فعل مجدّد؛ كما تقول في الكلام: لا بدّ من لقاء أخيك , وزيدٍ , وزيداً). [معاني القرآن: 1/118]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ذلك لمن لّم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} , يقول: ذلك لمن كان من الغرباء من غير أهل مكّة، فأمّا أهل مكة , فليس ذلك عليهم, و"ذلك" في موضع رففع, وعلى تصلح في موضع اللام؛ أي: ذلك على الغرباء). [معاني القرآن: 1/118]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وأتمّوا الحجّ والعمرة لله}, والمعنى: أن العمرة ليست بمفترضة، وإنما نصبت على ما قبلها.
قال أبو عبيدة: وأخبرنا ابن عون , عن الشّعبي : أنه كان يقرأ {وأتمّوا الحجّ والعمرة لله} يرفع العمرة، ويقول: إنها ليست بمفترضة, ومن نصبها أيضاً جعلها غير مفترضة.
{فإن أحصرتم}: أي: إن قام بكم بعير، أو مرضتم، أو ذهبت نفقتكم، أوفاتكم الحجّ، فهذاكله محصر، والمحصور: الذي جعل في بيت، أو دار، أو سجنٍ.
{الهدي}, قال يونس: كان أبو عمرو يقول في واحد الهدى: هدية، تقديرها: جدية السرج، والجميع : الجدى مخفف, قال أبو عمرو: ولا أعلم حرفاً يشبهه.
{أو نسك} : النّسك أن ينسك، يذبح لله، فالذبيحة النسيكة.
{فصيام ثلاثة أيّامٍ في الحجّ وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرةٌ كاملةٌ}, العرب تؤكد الشيء , وقد فرغ منه , فتعيده بلفظ غيره تفهيماً , وتوكيدا). [مجاز القرآن: 1/68-70]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه فمن كان منكم مّريضاً أو به أذًى مّن رّأسه ففديةٌ مّن صيامٍ أو صدقةٍ أو نسكٍ فإذا أمنتم فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي فمن لّم يجد فصيام ثلاثة أيّامٍ في الحجّ وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرةٌ كاملةٌ ذلك لمن لّم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه شديد العقاب}
أما قوله: {فإن أحصرتم}, فلأنك تقول: "أحصرني بولي" , و"أحصرني مرضي" , أي: جعلني أحصر نفسي, وتقول: "حصرت الرجل" , أي: حبسته، فهو "محصور", وزعم يونس , عن أبي عمرو أنه يقول: "حصرته إذا منعتهه عن كلّ وجهٍ" , وإذا منعته من التقدم خاصة ,فقد "أحصرته"، ويقول بعض العرب في المرض , وما أشبهه من الإعياء , والكلال: "أحصرته".
وقال: {ففديةٌ مّن صيامٍ}, أي: فعليه فدية.
وقال: {فمن لّم يجد فصيام ثلاثة أيّامٍ في الحجّ وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرةٌ كاملةٌ} , فإنما قال: {عشرةٌ كاملةٌ}, وقد ذكر سبعة, وثلاثة , ليخبر أنها مجزية، وليس ليخبر عن عدتها، ألا ترى أن قوله: {كاملةٌ} إنما هي "وافية".
وقد ذكروا أنّه في حرف ابن مسعودٍ :{تسعٌ وتسعون نعجةً} أنثى , وذلك أن الكلام يؤكد بما يستغنى به عنه , كما قال: {فسجد الملائكة كلّهم أجمعون},وقد يستغنى بأحدهما، ولكن تكرير الكلام كأنه أوجب ألا ترى أنك تقول: "رأيت أخويك كليهما" ,. ولو قلت: "رأيت أخويك", أستغنيت , فتجيء بـ"كليهما" توكيداً, وقال بعضهم في قول ابن مسعود :{أنثى}, أنه إنما أراد "مؤنّثة" يصفها بذلك ؛ لأن ذلك قد يستحب من النساء.
وقال: {ذلك لمن لّم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}, وإذا وقفت قلت: {حاضري}؛ لأن الياء إنما ذهبت في الوصل لسكون اللام من "المسجد"، وكذلك {غير محلّي الصّيد}, وقوله: {عمّ يتساءلون} , و{فيم أنت من ذكراها}, وأشباه هذا مما ليس هو حرف إعراب, وحرف الإعراب الذي يقع عليه الرفع, والنصب, والجر , ونحو "هو" , و"هي"، فإذا وقفت عليه , فأنت فيه بالخيار, إن شئت ألحقت الهاء , وإن شئت لم تلحق, وقد قالت العرب في نون الجميع , ونون الاثنين في الوقف بالهاء , فقالوا: "هما رجلانه" , و"مسلمونه" , و"قد قمته" إذا أرادوا: "قد قمت",
وكذلك ما لم يكن حرف إعراب إلا أن بعضه أحسن من بعض، وهو في المفتوح أكثر, فأما "مررت بأحمر" , و"يعمر" , فلا يكون الوقف في هذا بالهاء ؛ لأن هذا قد ينصرف عن هذا الوجه, وكذلك ما لم يكن حرف إعراب , ثم كان يتغير عن حاله , فإنه لا تلحق فيه الهاء إذا سكت عليه, وأما قوله: {إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} , فإذا وقفت قلت : "تبوء" ؛ لأنها "أن تفعل" , فإذا وقفت على "تفعل" لم تحرّك.

قال: {وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوّءا} , إذا وقفت عليه, لأنه "أن تفعّلا" , وأنت تعني فعل الاثنين , فهكذا الوقف عليه , قال: {ولقد بوّأنا بني إسرائيل مبوّأ صدقٍ} , فإذا وقفت , قلت: "مبوّأ" , ولا تقول: "مبوّءا" ؛ لأنه مضاف، فإذا وقفت عليه لم يكن ألف. ولو أثبت فيه الألف , لقلت في وقف {غير محلّي الصّيد}: "محلين", ولكنه مثل "رأيت غلامي زيد" , فإذا وقفت قلت: "غلامي".
وقال: {فلمّا تراءى الجمعان}, فإذا وقفت قلت: "تراءى" , ولم تقل: "تراءيا" ؛ لأنك قد رفعت الجمعين بذا الفعل، ولو قلت: "تراءيا" كنت قد جئت باسم مرفوع بذا الفعل , وهو الألف , ويكون قولك: "الجمعان" ليس بكلام إلا على وجه آخر). [معاني القرآن: 1/130-131]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({وأتموا الحج والعمرة لله}: قالوا العمرة الزيارة والمعتمر الزائر
{فإن أحصرتم}: الإحصار كل ما حبس عن المضي للحج من مرض أو خوف أو غيره، والحصر الحبس، وفلان محصور، وفي الأول محصر.
{النسك}: الذبح لله والنسيكة الذبيحة). [غريب القرآن وتفسيره:88-89]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فإن أحصرتم} من الإحصار, وهو أن يعرض للرجل ما يحول بينه , وبين الحج من مرض, أو كسر , أو عدو, يقال: أحصر الرجل إحصاراً فهو محصر, فإن حبس في سجن , أو دار , قيل: قد حصر , فهو محصور.
{فما استيسر من الهدي}, أي: فما تيسّر من الهدى وأمكن, والهدي: ما أهدي إلى البيت, وأصله هديّ مشدد فخفف, وقد قرئ:{حتّى يبلغ الهدي محلّه} بالتشديد, واحده: هديّة, ثم يخفف , فيقال: هدية.
{ولا تحلقوا رؤوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه}, هو من حلّ يحل، والمحلّ: الموضع الذي يحل به نحره.
{فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه}, أراد : فحلق, {ففديةٌ من صيامٍ}, فحذف: فحلق ؛ اختصاراً على ما بينت في «تأويل المشكل» .
{أو نسكٍ}, أي: ذبح, يقال: نسكت للّه، أي: ذبحت له). [تفسير غريب القرآن: 78]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه شديد العقاب}
يجوز في العمرة:
1-النصب
2-والرفع:
والمعنى في النصب: أتموهما.

والمعنى في الرفع: وأتموا الحج، والعمرة لله، أي: هي مما تتقرّبون به إلى اللّه عزّ وجلّ, وليس بفرض.
وقيل أيضاً في قوله عزّ وجلّ: {وأتمّوا الحجّ والعمرة} غير قول: يروى عن علي , وابن مسعود - رحمة الله عليهما - أنهما قالا: إتمامهما أن تحرم من دويرة أهلك.
ويروى عن غيرهما , إنّه قال : إتمامهما أن تكون النفقة حلالًا, وينتهي عما نهى الله عنه.
وقال بعضهم: إن الحج والعمرة لهما مواقف , ومشاعر، كالطواف, والموقف بعرفة , وغير ذلك، فإتمامهما تأدية كل ما فيهما، وهذا بين.
ومعنى: اعتمر في اللغة , قيل فيه قولان: قال بعضهم:اعتمر : قصد.
قال الشاعر:
لقد سما ابن معمر حين اعتمر= مغزى بعيدا من بعيد وضبر
المعنى: حين قصد مغزى بعيداً, وقال بعضهم : معنى : اعتمر: زار من الزيارة.
ومعنى العمرة في العمل: الطواف بالبيت , والسعي بين الصفا والمروة فقط، والعمرة للإنسان في كل السنة، والحج وقته وقت واحد من السنة.
ومعنى اعتمر عندي في قصد البيت, أنه إنما خص بهذا - أعني بذكر اعتمر - ؛ لأنه قصد العمل في وضع عامر , لهذا قيل معتمر.
وقوله عزّ وجلّ: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي}
الرواية عند أهل اللغة: أنه يقال للرجل الذي يمنعه الخوف , أو المرض من التصرف : قد احصر , فهو محصر, ويقال للرجل الذي حبس : قد حصر , فهو محصور.
وقال الفراء: لو قيل للذي حبس أحصر لجاز، كأنه يجعل حابسه بمنزلة المرض , والخوف الذيمنعه من التصرف، وألحق في هذا ما عليه أهل اللغة من أنه يقال للذي يمنعه الخوف , والمرض : أحصر , وللمحبوس حصر، وإنما كان ذلك هو الحق ؛ لأن الرجل إذا امتنع من التصرف , فقد حبس نفسه، فكأن المرض أحبسه , أي: جعله يحبس نفسه، وقوله : حصرت فلاناً, إنما هو حبسته، لا أنه حبس نفسه، ولا يجوز فيه أحصر.
وقوله عزّ وجلّ: {فما استيسر من الهدي}
موضع " ما " رفع المعنى , فواجب عليه ما استيسر من الهدي، وقد قيل في الهدى: الهدي, والهدي جمع هدية, وهدي، كقولهم في حذية السرج حذيّة وحذي, وقال بعضهم:ما استيسر : ما تيسر من الإبل , والبقر.
وقال بعضهم : بعير , أو بقرة , أو شاة , وهذا هو الأجود.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تحلقوا رءوسكم حتّى يبلغ الهدي محله}
قالوا في محله : من كان حاجاً, محله يوم النحر، ولمن كان معتمراً: يوم بدخل مكة.
وقوله عزّ وجلّ: {فمن كان منكم مريضاص أو به أذى من رأسه ففدية}أي: فعليه فدية، ولو نصب جاز في اللغة على إضمار , فليعط فدية , أو فليأت بفدية، وإنما عليه الفدية إذا حلق رأسه, وحل من إحرامه , وقوله :{أو نسك}, أي: أو نسيكة يذبحها، والنسيكة الذبيحة..
وقوله عزّ وجلّ: {فإذا أمنتم فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي}أي: فعليه ما استيسر من الهدي، وموضع (ما) رفع , ويجوز أن يكون نصباً على إضمار : فليهد ما استيسر من الهدي.
وقوله عزّ وجلّ:{فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم}معناه: فعليه صيام، والنصب جائز على : فليصم هذا الصيام، ولكن القراءة لا تجوز بما لم يقرأ به.
وقوله عزّ وجلّ: {تلك عشرة كاملة}
قيل فيها غير قول:
1- قال بعضهم: {كاملة}, أي: تكمل الثواب.

2- وقال بعضهم :{كاملة}في البدل من الهدي.
والذي في هذا - واللّه أعلم - أنه لما قيل :{فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم}: جاز أن يتوهم المتوهم أن الفرض ثلاثة أيام في الحج , أو سبعة في الرجوع , - فأعلم اللّه عزّ وجلّ - أن العشرة مفترضة كلها، فالمعنى المفروض عليكم : صوم عشرة كاملة على ما ذكر من تفرقها في الحج والرجوع.
وقوله عزّ وجلّ: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}أي: هذا الفرض على من لم يكن من أهله بمكة , و{حاضري المسجد الحرام}, أصله: حاضرين المسجد الحرام , فسقطت النون للإضافة , وسقطت الياء في الوصل لسكونها , وسكون اللام في المسجد، وأما الوقف , فتقول فيه: متى اضطررت إلى أن تقف{حاضري}). [معاني القرآن: 1/267-269]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وأتموا الحج والعمرة لله}
يروى عن عمر: أن إتمامهما ترك الفسخ؛لأن الفسخ كان جائزا ًفي أول الإسلام
وقال عبد الله بن سلمة: سألت عليا عن قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله},ما إتمامهما ؟، قال:إن تحرم بهما من دويرة أهلك .
قال أبو جعفر :و ذهب إلى هذا جماعة من الكوفيين, وقال:وجعل الميقات حتى لا يتجاوز,فأما الأفضل فما قال علي.
وروى علقمة,عن عبد الله قال: لا يجاور بهما البيت .
وقال مجاهد,وإبراهيم : إتمامهما أن يفعل ما أمر به فيهما , وهذا كأنه إجماع؛لأن عليه أن يأتي المشاعر وما أمر به,وبذلك يتم حجه,فأما الإحرام من بلده,فلو كان من الإتمام
لفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد قال الحسن:أحرم عمران بن الحصين من البلد الذي كان فيه , فأنكر ذلك عمر عليه,وقال: أيحرم رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من داره ؟!.
وقيل: إتمامهما: أن تكون النفقة حلالاً.
وقال سفيان : إتمامهما: أن يحرم لهما قاصداً, لالتجارة
وقرأ الشعبي : والعمرة لله بالرفع , وقال العمرة: تطوع, والناس جميعاً يقرؤنها بالنصب,وفي المعنى قولان:
قال ابن عمر,والحسن,وسعيد بن جبير ,و طاووس,وعطاء,وابن سيرين : هي فريضة .
وقال جابر بن عبد الله ,و الشعبي:هي تطوع .
وليس يجب في قراءة من قرأ بالنصب أنها فرض ؛ لأنه ينبغي لمن دخل في عمل هو لله أن يتمه .
قيل: معنى الحج مأخوذ من قولهم حججت كذا ,
أي :تعرفت كذا , فالحاج يأتي مواضع بتعرفها .
قال الشاعر:
يحج مأمومة في قعرها لجف = فاست الطبيب قذاها كالمغاريد). [معاني القرآن: 1/112-115]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فإن أحصرتم},يعنني:منعتم عن إتمامهما
وفي الإحصار قولان:
أحدهما: قاله ابن عمر : وهو مذهب أهل المدينة,قال:لا يكون إلا من عدو .
قال أبو جعفر : والقول الآخر قاله ابن مسعود , وهو قول أهل الكوفة : أنه من العدو , ومن المرض , وأن من أصابه من ذينك شيء , بعث بهدي , فإذا نحر حل ., وروى سعيد بن جبير , عن ابن عباس مثله .
وروى طاووس , عن ابن عباس مثل الأول , وتلا {فإذا آمنتم} , قال : فهل الأمن إلا من خوف؟
فقد صار في الآية إشكال ؛ لأن الإحصار عند جميع أهل اللغة: إنما هو من المرض الذي يحبس عن الشيء , فأما من العدو , فلا يقال فيه إلا حصر يقال : حصر حصراً, وفي الأول أحصر إحصاراً.
والقول في الآية على مذهب ابن عمر أنه يقال: وأقتلت الرجل , عرضته للقتل , وأقبره جعل له قبراً, وأحصرته على هذا عرضته للحصر كما يقال: أحبسته , أي: عرضته للحبس , وأحصر أي : أصيب بما كان مسببا للحصر , وهو فوت الحج.

وقد روي,عن عكرمة, عن الحجاج بن عمرو الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(( من عرج , أو كسر, فقد حل , وعليه حجة أخرى )), قال : فحدثت بذا ابن عباس, وأبا هريرة, فقالا : صدق , وإنما روي هذا , عن عكرمة حجاج الصواف , وروى الجلة خلاف هذا .
روى سفيان , عن عمرو بن دينار , عن ابن عباس وابن طاووس , عن أبيه , عن ابن عباس : لا حصر إلا من عدو .
وروى أبو نجيح , عن عكرمة : أن المحصر يبعث بالهدي , فإذا بلغ الهدي محله حل , وعليه الحج من قابل). [معاني القرآن: 1/116-118]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فما استيسر من الهدي}
قال ابن عمر, وابن الزبير, وعائشة : من الإبل , والبقر خاصة , شيء دون شيء .
وروى جعفر , عن أبيه , عن علي رضوان الله عنه : فما استيسر من الهدي شاة.
وقال ابن عباس: يكون من الغنم , ويكون شركاً في دم , وهو مذهب سعد). [معاني القرآن: 1/118]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى:{ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله}
قال: قال مجاهد : يعني : يوم النحر.
وقال خالد بن أبي عمران , عن القاسم بن محمد: حتى ينحر .
وقال أكثر الكوفيين : ينحر عنه الهدي في أي يوم شاء في الحرم.
وقال الكسائي في قوله: {محله}, إنما كسرت الحاء ؛ لأنه من حل يحل , حيث يحل أمره , ولو أراد حيث يحل ؛ لكان محله , وإنما هو على الحلال). [معاني القرآن: 1/119]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه}
روى مجاهد , عن عبد الرحمن بن أبي ليلى , عن كعب بن عجرة : أنه لما كان مع الرسول , فآذاه القمل في رأسه , فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق رأسه , وقال: ((صم ثلاثة أيام , أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين مدان, أو انسك بشاة)) .
قال أبو جعفر : أي : ذلك فعلت , أجزأ عنك
وقال عطاء : هذا لمن كان به قمل, أو صداع , و ما أشبهما .
قال أبو جعفر : وفي الكلام حذف , والمعنى : فحلق , أو اكتحل , أو تداوى بشيء فيه طيب , فعليه فدية). [معاني القرآن: 1/120]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي}
قال الربيع بن أنس : إذا أمن من خوفه , وبرأ من مرضه, أي: من خوف العدو , والمرض .
وقال علقمة: إذا برأ من مرضه). [معاني القرآن: 1/121]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي}
التمتع عند الفقهاء المدنيين, والكوفيين: أن يعتمر الذي ليس أهله حاضري المسجد الحرام في أشهر الحج , ويحل من عمرته, ثم يحج في تلك السنة , ولم يرجع إلى أهله بين العمرة والحج , فقد تمتع من العمرة إلى الحج , أي : انتفع بما ينتفع به الحلال , والمتعة , والمتاع في اللغة الانتفاع, ومنه قوله تعالى: {ومتعوهن}
وقال أهل المدينة: وكذلك إذا اعتمر قبل أشهر الحج , ثم دخلت عليه أشهر الحج , ولم يحل , فحل في أشهر الحج , ثم حج.
وقال الكوفيون: إن كان طاف أكثر طواف العمرة قبل دخول أشهر الحج , فليس بتمتع , وإن كان قد بقي عليه الأكثر , فهو متمتع .
وقال طاووس: من اعتمر في السنة كلها في المحرم , فما سواه من الشهور , فأقام حتى يحج , فهو متمتع .
وروى ابن أبي طلحة , عن ابن عباس : {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج}, يقول: من أحرم بالعمرة في أشهر الحج.
وروى عنه عطاء : العمرة لمن أحصر , ولمن خليت سبيله , أصابتهما هذه الآية .
وروى عنه سعيد بن جبير : على من أحصر الحج في العام القابل , فإن حج , فاعتمر في أشهر الحج, فإن عليه الفدية , فهذه الأقوال , عن ابن عباس متفقة , وأصحها ما رواه سعيد بن جبير ؛ لأن اتساق الكلام على مخاطبة من أحصر , وإن كان ممن لم يحصر , فتمتع , فحكمه هذا الحكم .
فعلى هذا يصح ما رواه عطاء عنه , وكذلك ما رواه علي بن أبي طلحة غير أن نص التأويل على المخاطبة لمن أحصر .
وقال عبد الله بن الزبير : ليس التمتع الذي يصنعه الناس اليوم , يتمتع أحدهم بالعمرة قبل الحج , ولكن الحاج إذا فاته الحج ,أو ضلت راحلته, أو كسر حتى يفوته الحج , فإنه يجعله عمرة , وعليه الحج من قابل , وعليه ما استيسر من الهدي,
فتأويل ابن الزبير: أنه لا يكون إلا لمن فاته الحج ؛ لأنه تعالى قال: {فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج}, فوقع الخطاب لمن فاته الحج بالحصر .

وخالفه في هذا الأئمة منهم عمر بن الخطاب , وعلي بن أبي طالب, وسعد, فقالوا هذا للمحصرين , وغيرهم, ويدلك على أن حكم غير المحصر غي هذا كحكم المحصر قوله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}, فهذا للمحصر , وغيره سواء , وكذلك التمتع). [معاني القرآن: 1/121-124]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم}
قالت عائشة, وابن عمر : الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج ممن لم يجد هديًا ما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة , ومن لم يصم , صام أيام منى .,
وكان ابن عمر يستحب أن يصوم قبل يوم التروية ويوم عرفة .

وقال الشعبي, وعطاء وطاووس, وإبراهيم : {فصيام ثلاثة أيام في الحج} : قبل يوم التروية يوماً, ويوم التروية, ويوم عرفة). [معاني القرآن: 1/124-125]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وسبعة إذا رجعتم}
روى شعبة , عن محمد بن أبي النور , عن حيان السلمي قال: سألت ابن عمر عن قوله تعالى: {وسبعة إذا رجعتم}, قال: إذا رجعتم إلى أهليكم .
وروى سفيان, عن منصور, عن مجاهد قال : إن شاء صامها في الطريق, إنما هي رخصة, وكذا قال عكرمة والحسن.
والتقدير عند بعض أهل اللغة: إذا رجعتم من الحج , أي: إذا رجعتم إلى ما كنتم عليه قبل الإحرام من الحل.
وقال عطاء: إذا رجعتم إلى أهليكم , وهذا كأنه إجماع). [معاني القرآن: 1/126]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال عز وجل: {تلك عشرة كاملة}
وقد علم أنها عشرة, وأحسن ما قيل في هذا: أنه لو لم يقل تلك عشرة كاملة , جاز أن يتوهم السامع أنه إنما عليه أن يصوم ثلاثة في الحج , أو سبعة إذا رجع ؛ لأنه لم يقل وسبعة أخرى
كما يقول أنا آخذ منك في سفرك درهماً, وإذا قدمت إلا اثنين , أي: لا آخذ إذا قدمت إلا اثنين .
وقال محمد بن يزيد: لو لم يقل تلك عشرة , جاز أن يتوهم السامع أن بعدها شيئا آخر , فقوله: {تلك عشرة} , بمنزلة قولك في العدد فذلك كذا وكذا
وأما معنى:{كاملة}, فروى هشيم فيه , عن عباد بن راشد, عن الحسن قال : كاملة من الهدي, أي: قد كملت في المعنى الذي جعلت له, فلم يجعل معها غيرها, وهي كاملة الأجر ككمال الهدي). [معاني القرآن: 1/126-127]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {ذلك لمن يكن أهله حاضري المسجد الحرام}
قال مجاهد : أهل الحرم.
وقال الحسن, وإبراهيم, والأعرج, ونافع: هم أهل مكة خاصة .
وقال عطاء, وقال مكحول: هم أهل المواقيت , ومن بعدهم إلى مكة .
قال أبو جعفر, وقول الحسن , ومن معه أولى ؛لأن الحاضر للشيء هو الذي معه ,وليس كذا أهل المواقيت , وأهل منى , وكلام العرب لأهل مكة أن يقولوا : هم أهل المسجد الحرام .
قال أبو جعفر: فتبين أن معنى {حاضري المسجد}: لأهل مكة , ومن يليهم ممن بينه و بين مكة ما لا تقصر فيه الصلاة ؛لأن
الحاضر للشيء: هو الشاهد له ولنفسه,وإنما يكون المسافر مسافراًلشخوصه إلى ما يقصر فيه,وإن لم يكن كذلك لم يستحق اسم غائب). [معاني القرآن: 1/127-128]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فإن أحصرتم} الإحصار: كل ما حبس من الحاج، من مرض, أو خوف، والحصر في السجن, والأول يقال فيه: أحصر , فهو محصر, والثاني يقال فيه: حصر , فهو محصور.
{الهدي}: ما أهدي إلى البيت، وأصله التشديد للياء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 38]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْعُمْرَةَ}: الزيارة. {أُحْصِرْتُمْ}: حبستم. {النُسُك}: الذبح لله). [العمدة في غريب القرآن: 88]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:40 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة