العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 02:33 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة النور

[ من الآية (1) إلى الآية (3) ]

{سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)}


قوله تعالى: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله جلّ وعزّ: (وفرضناها).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو: (وفرّضناها) بتشديد الراء.
وقرأ سائر القراء (وفرضناها) بتخفيف الراء.
قال أبو منصور: من قرأ (وفرّضناها) بالتشديد فالمعنى: أنزلنا منها فرضا بعد فرض، فلما كثرت شدد الفعل.
ومعنى فرّضنا: بيّنّا وفصلنا ما فيها من أمر ونهي وتوقيف وحدٍّ.
ومن خفف فمعناه: ألزمناكم العمل بما بيّن فيها من الواجبات والحقوق). [معاني القراءات وعللها: 2/201]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {وفرضناها} [1].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو مشددًا.
وقرأ الباقون مخففًا. فمن شدد فمعناه: بيناها وفصلناها وأحكمناها فرايض مختلفة.
وقال الفراء: من شدد فمعناه: فرضناه عليك وعلى من يجيئ بعدك. فالتشديد للتكثير، والدوام. ومن خفف يجعله من الفرض فرضنا؛ لأن الله تعالى ألزم العباد به لزومًا لا يفارقهم حتى الممات، مأخوذ من فرض القوس، وهو الحز الذي فيه الوتر. والفرض في غير هذا: صنف من التمر. قال الشاعر:
إذا أكلت سمكًا وفرضًا = ذهبت طولاً وذهبت عرضًا
والفرض أيضاً: نزول القرآن. قال الله تعالى: {إن الذي فرض عليك القرءان لرآدك إلى معاد} أي: إلى وطنك بمكة، و{سورة أنزلناها}
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/98]
يرتفع عند الكوفيين والبصريين بإضمار هذه سورة؛ لأن النكرة لا يبتدأ بها.
وقرأ عيسى بن عمر {سورة أنزلناها} بإضمار فعل [تقديره:] أنزلنا سورة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/99]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التّشديد والتّخفيف من قوله عزّ وجلّ: وفرضناها [1].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (وفرّضناها) مشدّدا.
وقرأها الباقون مخففة.
قال أبو علي: معنى فرضناها، فرضنا فرائضها فحذف المضاف وحسن إضافة الفرائض إلى السورة، وهي لله- سبحانه- لأنّها مذكورة فيها، ومفهومة عنها والتثقيل في (فرّضناها) لكثرة ما فيها من الفرض.
والتخفيف يصلح للقليل والكثير.
ومن حجّة التخفيف قوله: إن الذي فرض عليك القرآن [القصص/ 85] والمعنى: أحكام القرآن، وفرائض القرآن، كما أنّ التي في سورة النور كذلك). [الحجة للقراء السبعة: 5/309]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (قراءة أم الدرداء وعيسى الثقفي وعيسى الهمداني، ورويت عن عمر بن عبد العزيز: [سُورَةً]، بالنصب.
قال أبو الفتح: هي منصوبة بفعل مضمر، ولك في ذلك طريقان:
أحدهما أن يكون ذلك المضمر من لفظ هذا المظهر، ويكون المظهر تفسيرا له، وتقديره: أنزلنا سورة، فلما أضمره فسره بقوله: {أَنْزَلْنَاهَا}، كما قال:
أصبحْتُ لا أحمِلُ السِّلاحَ وَلَا ... أملِكُ رأسَ البَعِيرِ إنْ نَفَرَا
والذِّئبَ أخْشَاهُ إنْ مَرَرْتُ بِهِ ... وحْدِي وأخْشَى الرِّياحَ والْمَطَرَا
أي: وأخشى الذئب، فلما أضمره فسره بقوله: "أخشاه".
والآخر أن يكون الفعل الناصب لـ[سُورَةً] من غير لفظ الفعل بعدها، لكنه على معنى التحضيض، أي: اقرءوا سورة، أو تأملوا وتدبروا سورةً أنزلناها، كما قال تعالى: {فَقَالَ لَهُم
[المحتسب: 2/99]
رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}، أي: احفظوا ناقة الله. ويؤنس بإضمار ذلك ظهوره في قوله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}. فإذا كان تقديره هذا فقوله: {أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} إلى آخر ذلك منصوب الموضع لكونه صفة لـ"سورة". وإذا جعلت "أنزلناها" تفسيرا للفعل الناصب المضمر فلا موضع له من الإعراب أصلا، كما أنه لا موضع من الإعراب لقوله: أنزلنا سورة؛ لأنه لم يقع موقع المفرد، وهذا واضح.
وأما قراءة الجماعة: {سُورَةٌ}، بالرفع فمرفوعه بالابتداء، أي: فيما يُنزّل إليكم وما يتلى عليكم سورة من أمرها كذا، فالجملة بعدها إذًا في موضع رفع؛ لأنها صفة لسورة). [المحتسب: 2/100]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({سورة أنزلناها وفرضناها}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وفرضناها بالتّشديد وقرأ الباقون بالتّخفيف
معنى فرضناها فرضنا فرائضها فحذف المضاف وحسن ذلك لإضافة الفرائض إلى السّورة وهي لله سبحانه لأنّها مفهومة عنها قال الزّجاج من قرأ بالتّخفيف فمعناه ألزمناكم العمل بما فرض فيها ومن قرأ بالتّشديد فعلى وجهين أحدهما على التكثير على معنى إنّا فرضنا فيها فروضا وعلى معنى بينا ما فيها من الحلال والحرام وحجّة التّخفيف قوله {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم} ). [حجة القراءات: 494]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {وفرضناها} قرأه ابن كثير وأبو عمرو مشددا على التكثير، وذلك لكثرة ما في هذه السورة من الفرائض، وفي الكلام حذف على القراءة بالتشديد، تقديره: وفرضنا فرائضها، ثم حذفت الفرائض، وقام المضاف إليه مقامها، فاتصل الضمير بـ «فرضنا»، وقيل: معنى التشديد فصلناها بالفرائض، ويجوز أن يكون التشديد على معنى، فرضناها عليكم وعلى من بعدكم، فشدد لكثرة المفروض عليهم، لأنه فعل يتردد على كل من حدث من الخلق إلى يوم القيامة، فوقع التشديد ليدل على ذلك، وقرأ الباقون بالتخفيف؛ لأنه يقع للقليل والكثير، وقد أجمعوا على قوله: {إن الذي فرض عليك القرآن} «القصص 85» وقوله: {قد علمنا ما فرضنا عليهم} «الأحزاب 50»، وقيل: التخفيف على معنى: أوجبنا أحكامها بالفرض عليكم، والاختيار التخفيف؛ لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/133]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {وَفَرَّضْنَاهَا} [آية/ 1] بتشديد الراء:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو.
والوجه أن الفعل من التفعيل؛ لأجل الكثرة إعلامًا بكثرة ما في السورة من الفرض.
وقرأ الباقون {وَفَرَضْنَاهَا} بتخفيف الراء.
والوجه أن الفعل المخفف يصلح لتقليل الفعل وكثيره، وقد ذكرنا ذلك في غير موضع، ومثل المخفف قوله تعالى {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ}، وقيل في معناه: أنزل عليك القرآن، وقيل: أوجب عليك العمل به). [الموضح: 906]

قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا تأخذكم بهما رأفةٌ في دين اللّه)
قرأ ابن كثير وحده (رأفةٌ) مفتوحة الهمزة، وفي الحديد (رأفةٌ) ساكنة وقرأ الباقون رأفةٌ ساكنة الهمزة في السورتين، إلا أن أبا عمرو يطرحها وأمثالها إذا أدرج القراءة في الصلاة على ما روي عنه.
قال أبو منصور: هما لغتان (الرّأفةٌ) و(الرّآفةٌ) بوزن الرّعفة والرّعافة،
ومثله: الكأبة والكآبة، والسأمة والسآمة - وكأنّ الرأفة مرة واحدة، والرآفة مصدر كقولك ضؤل ضآلة). [معاني القراءات وعللها: 2/201]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {ولا تأخذكم بهما رأفة} [2].
فيه أربع قراءات:
قرأ أبو عمرو: {رافة} بترك الهمز إذا نزل.
قرأ ابن كثير: {رأفة} بفتح الهمز من غير مد.
وقرأ سائر الناس: {رأفة} بالهمز، والجزم، وهو الأصل، يقال: رؤف الرجل بالأجراء: إذا رحمهم رحمة شديدة، يرؤف رأفة مثل ظرف ظرفًا. ورئف رآفة مثل سقم سقامة، ورؤف رأفًا مثل كرم كرمًا.
فأما ابن كثير فإنه أدخل الهاء أدخل الهاء وبقاه على الفتح. كما قرأ حفص: {سبع سنين دأبًا}.
وحدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء. قال: تقول العرب:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/99]
السامة والسامة، والرأفة، والرآفة، فالرأفة: المرة الواحدة. والرآفة المصدر المجهول.
وحدثنا الصولي قال حدثنا: الطبري النحوي عن المازني عن أبي زيد قال: سمعت ابن جريح يقرأ {ولا تأخذكم بهما رآفة في دين الله} [2] بالمد مصدر رؤف رآفة.
وقرأ الناس كلهم: {ولا تأخذكم} بالتاء إلا عبد الرحمن السلمي فإنه قرأ {ولا يأخذكم} بالياء. فمن أنث فلتأنيث الرأفة لفظًا. ومن ذكر فلان تأنيثها غير حقيقي.
وسمعت ابن عرفة يقول، الرأفة رقة الرحمة، واعلم أن الرآفة بالمد: لغة لا قراءة، إلا ما ذكرته عن ابن جريج). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/100]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن كثير رأفة [2] هاهنا وفي سورة الحديد (رأفة) [27] ساكنة الهمزة، كذا قرأت على قنبل، وقال لي قنبل: كان ابن
[الحجة للقراء السبعة: 5/309]
أبي بزّة قد أوهم وقرأهما جميعا بالتحريك، فلما أخبرته أنّما هي هذه وحدها رجع.
وقرأ الباقون ساكنة الهمزة فيهما، ولم يختلفوا في الهمز غير أن أبا عمرو كان إذا أدرج القراءة وقرأ في الصلاة غيّر همزتها إلى الألف.
قال أبو زيد: رأفت بالرجل أرؤف به رأفة ورآفة، ورأفت به أرأف به وكلّ من كلام العرب.
ولعل رأفة التي قرأها ابن كثير لغة. ومعنى (لا تأخذكم بهما رأفة): كأنّه نهي عن رحمتهما، لأنّ رحمتهما قد تؤدّي إلى تضييع الحدود، وترك إقامته عليها). [الحجة للقراء السبعة: 5/310]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عيسى الثقفي: [الزَّانِيَةَ وَالزَّانِيَ]، بالنصب.
قال أبو الفتح: هذا منصوب بفعل مضمر أيضا، أي: اجلدوا الزانية والزاني، فلما أضمر الفعل الناصب فسره بقوله: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} . وجاز دخول الفاء في هذا الوجه لأنه موضع أمر، ولا يجوز: زيدا فضربته؛ لأنه خبر. وساغت الفاء مع الأمر لمضارعته الشرط، ألا تراه دالا على الشرط؟ ولذلك انجزم جوابه في قولك: زرني أزرك، لأن معناه زرني؛ فإنك إن تزرني أزرك. فلما آل معناه إلى الشرط. جاز دخول الفاء في الفعل المفسر للمضمر، فعليه تقول: بزيد فامرر، وعلى جعفر فانزل.
ولا موضع لقوله تعالى: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} ؛ لأنه تفسير، ولا يكون وصفا لـ[الزانيةَ] [والزانيَ] من حيث كانت المعرفة لا توصف بالنكرة، وكل جملة فهي نكرة. وأيضا فإن الأمر لا يوصف به كما لا يوصف بالنهي ولا بالاستفهام؛ لاستبهام كل واحد من ذلك لعدم الخبر منه. وأيضا فإن الموصوف لا تعرض بينه وبين صفته الفاء، لا تقول: مررت برجل فيضرب زيدا؛ وذلك لأن الصفة تجري مجرى الجزء من الموصوف، وجزء الشيء لا يعطف على ما مضى منه.
[المحتسب: 2/100]
فإن قلت: فقد أقول: مررت برجل قام فضرب زيدا، فكيف جاز العطف هنا؟ قيل: إنما عطفت صفة على صفة، ولم تعطف الصفة على الموصوف من حيث كان الشيء لا يعطف على نفسه لفساده). [المحتسب: 2/101]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله}
[حجة القراءات: 494]
قرأ ابن كثير {ولا تأخذكم بهما رأفة} بفتح الهمزة تقول رؤف رافا كما تقول كرم كرما
وقرأ الباقون {رأفة} ساكنة الهمزة وهو الأصل تقول رؤف يروف رأفة). [حجة القراءات: 495]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (2- قوله: {رأفة} قرأ ابن كثير بفتح الهمزة، وقرأ الباقون بالإسكان، وهما لغتان في «فعل وفعلة» إذا كان حرف الحلق عينه أو لامه، والفتح الأصل، وهو مصدر والإسكان فيه أكثر وأشهر، وهو الاختيار، وقد أجمعوا على الإسكان في الحديد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/133]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {رَأَفَةٌ} [آية/ 2] بفتح الهمزة مثل: رَعَفَة:
قرأها ابن كثير وحده.
[الموضح: 906]
والوجه أنه مصدر رأف يرؤف رأفةً بتسكين الهمزة، ورأفةً بتخفيفها، ورآفةً على وزن رعافة، ورأفةً على وزن رعفةٍ، وهذه هي قراءة ابن كثير.
وقرأ الباقون {رَأْفَةٌ} بسكون الهمزة فيهما، غير أبي عمرو فإنه لا يهمزهما إذا أدرج القراءة.
والوجه في الهمزة الساكنة أن الكلمة على وزن فعلة بسكون الهمزة، والهمزة عين الفعل، فأصلها أن تبقى همزة ساكنة.
وأما ترك أبي عمرو الهمزة فيها في حال الإدراج، فإنه خفف الهمزة، وتخفيفها أن يقلبها ألفًا، وأما تخصيصه ذلك بحال الإدراج؛ فلأنها حالة يتجوز فيها، فكان يقرأ فيها ما يستجيزه، وتخفيف الهمز جائزٌ). [الموضح: 907]

قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 02:42 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة النور

[ من الآية (4) إلى الآية (5) ]

{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)}


قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عبد الله بن مسلم بن يسار وأبي زرعة بن عمرو بن جرير: [بِأَرْبَعَةٍ شُهَدَاء]، بالتنوين.
قال أبو الفتح: هذا حسن في معناه؛ وذلك أن أسماء العدد من الثلاثة إلى العشرة لا تضاف إلى الأوصاف، ولا يقال: عندي ثلاثة ظريفين إلا في ضرورة إلى إقامة الصفة مقام الموصوف، وليس ذلك في حسن وضع الاسم هناك، والوجه عندي ثلاثة ظريفون. وكذلك قوله: [بِأَرْبَعَةٍ شُهداءَ] لتجري "شهداء" على "أربعة" وصفا؛ فهذا هذا.
فأما وجه قراءة الجماعة: {بِأَرْبَعَةِ شُهداءَ} بالإضافة فإنما ساغ ذلك لأنهم قد استعملوا الـ"شهداء" استعمال الأسماء؛ وذلك كقولهم: إذا دفن الشهيد صلت عليه الملائكة، وعد الشهداء يومئذ فكانوا كذا وكذا، ومنزلة الشهيد عند الله مكينة. فلما اتسع ذلك عنهم جرى عندهم مجرى الاسم؛ فحسنت إضافة اسم العدد إليه حسنها إذا أضيف إلى الاسم الصريح أو قريبا من ذلك.
واعلم منْ بَعْدُ أن الصفات لا تتساوى أحوالها في قيامها مقام موصوفاتها، بل بعضها في ذلك أحسن من بعض، فمتى دلت الصفة على موصوفها حسنت إقامتها مقامه، ومتى لم تدل على موصوفها قبحت إقامتها مقامه. فمن ذلك قولك: مررت بظريف، فهذا أحسن من قولك: مررت بطويل؛ وذلك أن الظريف لا يكون إلا إنسانا مذكرا ورجلا أيضا، وذلك أن الظُّرف
[المحتسب: 2/101]
إنما هو حسن العبارة، وأنه أمر يخص اللسان؛ فظريف إذا مما يختص الرجال دون الصبيان؛ لأن الصبي في غالب الأمر لا تصح له صفة الظرف، وليس كذلك قولنا: مررت بطويل؛ لأن الطويل قد يجوز أن يكون رجلا، وأن يكون رمحا، وأن يكون حبلا وجذعا، ونحو ذلك. فهذا هو الذي يقبح، والأول هو الذي يحسن، فإن قام دليل من وجه آخر على إرادة الموصوف ساغ وضع صفته موضعه، فاعرف ذلك واعتبره بما ذكرنا.
وإنما قبح حذف الموصوف من موضعين:
أحدهما أن الصفة إنما لحقت الموصوف إما للتخصيص والبيان، وأما للإسهاب والإطناب، وكل واحد من هذين لا يليق به الحذف، بل هو من أماكن الإطالة والهضب.
واعلم أن الصفة كما تفيد في الموصوف فكذلك قد يفيد الموصوف في صفته، ألا تراك إذا قلت: مررت بغلام طويل فقد علم أن طويلا هنا إنسان. ولو لم يتقدم ذكر الغلام لم يُعلم أنه لإنسان أو غيره: من الرمح، أو الجذع، ونحوهما. وكذلك قد علم بقولك: طويل، أن الرجل طويل وليس بربعة ولا قصير، وهذا أحد ما خلط الموصوف بصفته حتى صارت معه كالجزء منه، وذلك لتساويهما في إفادة كل واحد منهما في صاحبه ما لولا مكانه لم يُفِد فيه). [المحتسب: 2/102]

قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 02:54 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة النور

[ من الآية (6) إلى الآية (10) ]
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)}


قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أن تشهد أربع شهاداتٍ)، (فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ)
قرأ حفص وحمزة والكسائي (أربع شهاداتٍ) رفعا.
وقرأ الباقون (أربع شهاداتٍ) نصبًا.
قال أبو منصور: من قرأ (أربع) بالرفع على خبر الابتداء، المعنى: فشهادة أحدهم التي تدرأ حدّ القاذف أربع.
ومن نصب (أربع) فالمعنى: فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات بالله - والشهادة ها هنا: الأيمان، لا كشهادة شاهد). [معاني القراءات وعللها: 2/202] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله} [6].
قرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم {أربع} بالرفع، جعلوه خبر الابتداء، والمبتدأ {فشهادة}.
قال أبو حاتم: من رفع فقد لحن؛ لأن الشهادة واحدة. وقد أخبر عنها بجمع. ولا يجوز هذا كما لا يجوز زيد إخوتك. وغلط؛ لأن الشهادة وإن كانت واحدة في اللفظ فمعناها الجمع، وهذا كقوله صلاتي جمعين، وصومي شهر.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/100]
وقرأ الباقون: {أربع} بالنصب، جعلوه مفعولاً، أي: تشهد أربع شهادات). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/101]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله [النّور/ 6] في ضمّ العين وفتحها.
فقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم أربع شهادات بالله بالضمّ.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: (أربع شهادات بالله) فتحا.
قال أبو علي: من نصب قوله: (أربع شهادات بالله) نصبه
[الحجة للقراء السبعة: 5/310]
بالشهادة، وينبغي أن يكون قوله: فشهادة أحدهم مبنيا على ما يكون مبتدأ، تقديره: ما الحكم؟ أو: ما الغرض؟ أن يشهد أحدهم أربع شهادات، أو فعليهم أن يشهدوا، وإن شئت حملته على المعنى، لأنّ المعنى: يشهد أحدهم، فقوله: بالله يجوز أن يكون من صلة الشهادة، ومن صلة شهادات إذا نصبت الأربع، وقياس من أعمل الثاني أن يكون قوله: بالله من صلة شهادات، وحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، كما تقول: ضربت وضربني زيد. ومن رفع فقال:
فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله فإنّ الجارّ والمجرور من صلة شهادات، ولا يجوز أن يكون من صلة شهادة، لأنّك إن وصلتها بالشهادة فقد فصلت بين الصلة والموصول، ألا ترى أن الخبر الذي هو أربع شهادات يفصل). [الحجة للقراء السبعة: 5/311]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فشهادة أحدهم أربع شهادات باللّه إنّه لمن الصّادقين * والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين * ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات باللّه إنّه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصّادقين} 6 - 9
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {فشهادة أحدهم أربع} بالضّمّ وقرأ الباقون بالنّصب
قال الزّجاج من قرأ أربع فعلى خبر الابتداء المعنى فشهادة أحدهم الّتي تدرأ حد القاذف {أربع} والمبتدأ فشهادة ومن نصب {أربع} فالمعنى فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات وينتصب انتصاب المصادر كما تقول شهدت شهادة
قرأ حفص {والخامسة أن غضب الله عليها} بالنّصب على تأويل وتشهد الخامسة
وقرأ الباقون والخامسة بالرّفع على الابتداء والخبر
قرأ نافع {إن} خفيفة {لعنة الله} على الابتداء وقرأ الباقون {أن لعنة الله}
[حجة القراءات: 495]
قرأ نافع {إن} خفيفة {غضب} بكسر الضّاد وفتح الباء {الله} فاعل رفع {غضب} فعل ماض واسم الله رفع بفعله قال سيبويهٍ ها هنا هاء مضمرة وأن خفيفة من الثّقيلة المعنى أنه غضب الله عليها قال الشّاعر:
في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كل من يحفى وينتعل
وقرأ الباقون أن غضب الله عليها). [حجة القراءات: 496] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {أربع شهادات} قرأه حفص وحمزة والكسائي برفع {أربع} وهو الأول، وقرأه الباقون بالنصب.
وحجة من رفع أنه جعله {أربع} خبرًا عن «شهادة» في قوله: «فشهادة أحد» فيكون {بالله} متعلقًا بـ {شهادات}، ولا يتعلق بـ «شهادة» لأنك كنت تفرق بين الصلة والموصول بخبر الابتداء.
4- وحجة من نصب أن «شهادة» بمعنى {أن يشهد} فأعمل {يشهد} في {أربع} فنصبه، ورفع «الشهادة» بمضمر، كأنه قال: فلازم شهادة أحدهم، أو واجب شهادة أحدهم، أو فالحكم شهادة أحدهم، أو فالفرض شهادة أحدهم.
ويجوز أن يكون {إنه لمن الصادقين} خبرًا عن شهادة، ويجوز أن يكون مفعولًا للشهادة، فتعلق الشهادة كما تعلق العلم. ويجوز أن تنصب {أربع شهادات} على المصدر، كما تقول: شهدت مائة شهادة وضربته مائة سوط). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/134]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} [آية/ 6] بالرفع:
قرأها حمزة والكسائي و-ص- عن عاصم.
والوجه أنه ارتفع بكونه المبتدأ الذي هو {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ}.
وقرأ الباقون {أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ} بالنصب.
والوجه أن نصبه بالشهادة، والتقدير: فالحكم أن يشهد أحدهم أربع شهاداتٍ، فالشهادة مصدرٌ بمعنى الفعل، فانتصب به {أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ}
[الموضح: 907]
انتصاب المصادر، كأنه قال فالحكم شهادة أحدهم أربع مراتٍ). [الموضح: 908]

قوله تعالى: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (أنّ لعنت اللّه...)، (أنّ غضب اللّه)
قرأ نافع ويعقوب (أن) ساكنة النون خفيفة، و(لعنة الله) رفع، (أن غضب الله) فعل ماض.
قرأه نافع وحده.
وقرأ يعقوب (أنّ غضب اللّه) بفتح الغين والضاد وضم الباء.
وقرأ الباقون (أنّ لعنت) و(أنّ غضب اللّه) بتشديد النون، والنصب فيهما.
قال أبو منصور: العرب إذا شددت (أنّ) نصبت الاسم، وإذا خففت ووليها فهو اسم مرفوع،
ومن قرأ (أنّ غضب اللّه) بفتح الغين والضاد فهو مصدر.
ومن قرأ (أن غضب الله) فغضب فعل ماضٍ). [معاني القراءات وعللها: 2/202] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {والخامسة أن لعنة الله عليه} [7].
و{أن غضب الله} [9]
قرأ نافع وحده بتخفيف «أن» و{لعنة} رفع بالابتداء، وغضب فعل ماض. واسم الله تعالى رفع بفعله.
وقرأ الباقون بتشديد [«أن»] ونصب الغضب واللعنة.
ومعنى هذه الآية أن من قذف محصنة مسلمة بفاحشة فلم يأت بأربعة شهداء جلد ثمانين، ومن رمي امرأته بفاحشة تلاعنا. والملاعنة: أن يبدأ الرجل فيحلف بالله الذي لا إله إلا هو أنه صادق فيما رماها به، ويشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به، وتشهد المرأة أربع شهادات بالله إنه من الكاذبين فيما رماها به، وتشهد الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. ثم يفرق بينهما فلا يجتمعان أبدًا.
فأما من قذف مسلمة فلا تقبل شهادته أبدًا. ويقبل الله توبته. وقال آخرون: تقبل شهادته إن كانا الله قد قبل توبته. فيجعل الاستثناء في قوله: {أولئك هم الفاسقون * إلا الذين تابوا} [4، 5] استثناء متصلاً. وقرأ حفص وحده، {والخامسة} [7، 9] بالنصب على تأويل. وتشهد الخامسة.
والباقون يرفعون على الابتداء والخبر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/101] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وكلهم قرأ: والخامسة [النور/ 7] رفعا غير حفص عن عاصم فإنه قرأ (والخامسة) نصبا.
[الحجة للقراء السبعة: 5/311]
القول في ذلك أنّ من نصب (أربع شهادات بالله) وأضمر لقوله: فشهادة أحدهم أو حمله على المعنى، نصب (الخامسة) لأنّ الخامسة من الشهادات، فيكون المعنى: شهد أربع شهادات بالله، والخامسة، فيكون محمولا على ما حمل عليه الأربع في الإعراب، لأنّه بمعناه. ومن رفع أربع شهادات على أنّه خبر فشهادة أحدهم لزمه أن يرفع الخامسة أيضا. فيكون المعنى: أربع شهادات، والشهادة الخامسة، وما بعده من (أنّ) في موضع نصب. والخامسة بأن غضب الله هذا هو القياس، ويجعل الخامسة يتعلق بها الباء التي تقدر في بأنّ لأنّه بمعنى الشهادة فيتعلق به الجار كما يتعلق بالشهادة كما يتعلق إلى بالرفث في قوله: الرفث إلى نسائكم [البقرة/ 187] لمّا كان الرّفث بمعنى الإفضاء. ولا يجوز أن يكون تعلقه بالشهادة الموصوفة بالخامسة، لأنّ الموصول إذا وصفته لم يتصل به شيء بعد الوصف، فرواية غير حفص عن عاصم والخامسة يحملها على ما روي عنه من قوله: أربع شهادات المعنى: أربع شهادات والخامسة. ومن نصب الخامسة مع رفعه أربع شهادات بالله حمله على فعل دلّ عليه ما تقدم لازما. تقدم من قوله: فشهادة أحدهم أربع شهادات يدلّ على يشهد أحدهم ويشهد الخامسة بكذا. ومن نصب (أربع شهادات بالله) جاز في قوله: والخامسة أن يكون معطوفا على ما في صلة المصدر، وجاز أن يكون في صلة شهادات، لأنّه لم يفصل بين الصلة والموصول بالأجنبي، كما يفصل إذا رفع أربع شهادات، فإن رفع أربع شهادات لم يكن إلّا معطوفا على صلة شهادات، ولا يجوز أن يعطف على صلة المصدر الأوّل، لأنّك تفصل حينئذ بين الصلة والموصول بخبر الموصول، ويجوز أن لا تقدّر به العطف على الصلة، ولكن تضمر
[الحجة للقراء السبعة: 5/312]
فعلا يحمل عليه، وتنصبه به. وإذا رفع الخامسة، وقد رفع الأربع، حمل الخامسة على الأربع، لأنّها شهادة، كما أنّ «الأربع» شهادات، ومجموع ذلك خبر المبتدأ الذي هو فشهادة أحدهم. ومن نصب الخامسة وقد رفع أربع شهادات قطعه منه ولم يجعل الخبر المجموع، ولكن حمله على ما الكلام من معنى الفعل كأنّه ويشهد الخامسة، يضمر هذا الفعل، لأنّ في الكلام دلالة عليه.
قال: ولم يختلفوا في الأولى أنّها مرفوعة.
يعني بالأولى قوله: والخامسة بعد قوله: فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة ووجه ذلك أنّه لا يخلو أن يكون ما قبله من قوله: (أربع شهادات) مرفوعا أو منصوبا، فإن كان مرفوعا أتبع الرّفع، التّقدير: شهادة أحدهم أربع والخامسة، فيكون محمولا على ما قبلها من الرّفع، وإن كان ما قبله من قوله (أربع) منصوبا قطعه عنه، ولم يحمله على النصب. وحمل الكلام على المعنى، لأنّ معنى قوله: فشهادة أحدهم أربع شهادات: عليهم أربع شهادات، وحكمهم أربع شهادات والخامسة، فيحمله على هذا، كما أنّ قوله:
إلّا رواكد جمرهنّ هباء
[الحجة للقراء السبعة: 5/313]
معناه ثم رواكد فحمل قوله:
ومشجّج أمّا سواء قذاله عليه. ويجوز في القياس النصب في الخامسة الأولى، رفع أربع شهادات أو نصب، وإذا نصب فعلى قوله فشهادة أحدهم أربع شهادات والخامسة فيعطفه على الأربع المنصوبة. وإن رفع أربع شهادات، جاز النصب في الخامسة، لأن المعنى: يشهد أحدهم أربع شهادات، ويشهد الخامسة فينصبه لما في الكلام من الدّلالة على هذا الفعل، وأحسب أنّ غيرهم قد قرأ بذلك). [الحجة للقراء السبعة: 5/314]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: والخامسة أن لعنة الله عليه وأن غضب الله عليها [النور/ 7 - 9] فقرأ نافع وحده: (أن لعنة الله) و (أن غضب الله) بكسر الضاد رفع وقرأ الباقون: أن لعنة الله وأن غضب الله مشدّدة النون فيهما.
قال أبو الحسن: لا أعلم الثقيلة إلّا أجود في العربية، لأنّك إذا خفّفت فالأصل عندي التثقيل فتخفّف وتضمر، فأن تجيء بما عليه المعنى، ولا تكون أضمرت، ولا حذفت شيئا أجود، وكذلك: (إن الحمد لله) [يونس/ 10] وجميع ما في القرآن مما يشبه هذا.
فأمّا قراءة نافع: (والخامسة أن لعنة الله عليه)
[الحجة للقراء السبعة: 5/314]
قال سيبويه: من قال: (والخامسة أن غضب الله) فمعناه عنده: أنّه غضب الله عليها، ولا تخفّف في الكلام أبدا وبعدها الأسماء إلّا وأنت تريد الثقيلة على إضمار القصّة فيها، وكذلك قوله: أن الحمد لله رب العالمين [يونس/ 10] فيمن خفّف وعلى هذا قول الأعشى:
.. قد علموا أن هالك كلّ من يحفى وينتعل وإنّما خفّفت الثقيلة المفتوحة على إضمار القصّة والحديث، ولم تكن كالمكسورة في ذلك، لأنّ الثقيلة المفتوحة موصولة، والموصول يتشبّث بصلته أكثر من تشبّث غير الموصول بما يتصل، فلم يخفّف إلّا على هذا الحدّ، ليدلّ على اتصالها بصلتها أشدّ.
وأمّا قراءة نافع (أن غضب الله) فإنّ (أن) فيه المخفّفة من الثقيلة، وأهل العربية يستقبحون أن تلي الفعل حتى يفصل بينها وبين الفعل بشيء، ويقولون: استقبحوا أن تحذف ويحذف ما تعمل فيه، وأن تلي ما لم تكن تليه من الفعل بلا حاجز بينهما، فتجتمع هذه الاتساعات فيها، فإن فصل بينها وبين الفعل بشيء لم يستقبحوا ذلك كقوله: علم أن سيكون منكم مرضى [المزمل/ 20] و: أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا [طه/ 89] و: علمت أن قد قام. وإذا فصل بشيء من هذا النحو بينه وبين الفعل زال بذلك أن تلي ما لم يكن حكمها أن تليه. فإن قيل: فقد جاء: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [النجم/ 39] وجاء: نودي أن بورك من في النار ومن حولها
[الحجة للقراء السبعة: 5/315]
[النمل/ 8] فإنّ (ليس) تجري مجرى ما ونحوها ممّا ليس بفعل. فأمّا نودي أن بورك فإن قوله بورك على معنى الدعاء، فلم يجز دخول لا، ولا قد، ولا السين، ولا شيء ممّا يصحّ دخوله في الكلام، فيصحّ به الفصل وهذا مثل ما حكاه من قولهم: أما أن جزاك الله خيرا. فلم يدخل شيء من هذه الفواصل من حيث لم يكن موضعا لها، وغير الدّعاء في هذا ليس كالدّعاء، ووجه قراءة نافع: أن ذلك، قد جاء في الدّعاء ولفظه لفظ الخبر. وقد يجيء في الشّعر، وإن لم يكن شيء يفصل بين أن وبين ما تدخل عليه من الفعل، فإن قلت: فلم لا تكون أن. في قوله: (أن غضب الله) أن الناصبة للفعل وصل بالماضي؟
فيكون كقول من قرأ: (وامرأة مؤمنة أن وهبت نفسها للنبي) [الأحزاب/ 50] فإن ذلك لا يسهل. ألا ترى أنّها متعلقة بالشهادة، والشهادة بمنزلة العلم لا تقع بعدها الناصبة). [الحجة للقراء السبعة: 5/316] (م)
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعرج بخلاف وأبي رجاء وقتادة وعيسى وسلام وعمرو بن ميمون، ورويت عن عاصم: [أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ] [أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ].
وقرأ: [أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ] رفع وخفف النون، و[أَنَّ غَضَبُ اللَّهِ] نصب -يعقوب.
قال أبو الفتح: أما من خفف ورفع فإنها عنده مخففة من الثقيلة وفيها إضمار محذوف للتخفيف، أي: أنه لعنةُ الله عليه وأنه غضبُ الله عليها، فلما خففت أضمر اسمها وحذف، ولم يكن من إضماره بد؛ لأن المفتوحة إذا خففت لم تصر بالتخفيف حرف ابتداء، وإنما تلك إن المكسورة، وعليه قول الشاعر:
[المحتسب: 2/102]
فِي فِتيَةٍ كسُيُوفِ الهنْدِ قَدْ عَلِمُوا ... أنْ هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحْفَى ويَنْتَعِلُ
أي: أنه هالك كل من يحفى وينتعل.
وسبب ذلك أن اتصال المكسورة باسمها وخبرها اتصال بالمعمول فيه، واتصال المفتوحة باسمها وخبرها اتصالان: أحدهما اتصال العامل بالمعمول، والآخر اتصال الصلة بالموصول.
ألا ترى أن ما بعد المفتوحة صلة لها؟ فلما قوي مع الفتح اتصال أن بما بعدها لم يكن لها بد من اسم مقدر محذوف تعمل فيه، ولما ضعف اتصال المكسورة بما بعدها جاز إذا خففت أن تفارق العمل وتخلص حرف ابتداء، ولا يجوز أن تكون "أنْ" هنا بمنزلة أي للعبارة، كالتي في قول الله سبحانه: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا}، معناه أي: امشوا. قال سيبويه: لأنها لا تأتي إلا بعد كلام تام، وقوله: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ} كلام تام، وليست "الخامسة" وحدها كلاما تاما فتكون "أن" بمعنى "أي"، ولا تكون "أن" هنا زائدة كالتي في قوله:
ويوْمًا تُوَافِينا بوجْه مُقَسَّمٍ ... كَأَنْ ظَبْيَةٍ تَعْطُو إلَى وارِقِ السَّلَمْ
لأن معناه والخامسة أن الحال كذلك، يدل على ذلك قراءة الكافة: {أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ} وأن {غَضَبَ اللَّهِ} ). [المحتسب: 2/103]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (5- قوله: {أن لعنت الله} و{أن غضب الله} قرأه نافع فيهما بتخفيف {أن} ورفع «اللعنة» على الابتداء، وعليه الخبر وكسر الضاد من {غضب} على أنه فعل ماض، يرتفع به الاسم بعده، و{أن} يراد بها الثقيلة، ولا تخفف {أن} المفتوحة إلا وبعدها الأسماء، فتضمر معها الهاء، وإذا خففت المكسورة أضمرت معها القصة أو الحديث، وقد تقدم شرح الفرق
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/134]
بينهما، وقرأ الباقون بتشديد {أن} ونصب «اللعنة» وفتح الضاد من {غضب} يجعلونه مصدرًا، وينصبونه بـ {أن} ويخفضون الاسم بعده، على إضافة الغضب إليه، والاختيار ما عليه الجماعة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/135] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (6- قوله: {والخامسة} قرأ حفص بالنصب، وهو الثاني، وقرأ الباقون بالرفع.
وحجة من نصبه أنه نصبه على إضمار فعل، دل عليه الكلام تقديره: ويشهد الخامسة، أي الشهادة الخامسة؛ لأن {شهادة} تدل على «يشهد» ونصبه على أنه موضوع موضع المصدر، ويجوز نصب الخامسة في قراءة من نصب {أربع شهادات} على العطف على {أربع} ويجوز نصب {أربع}، و{الخامسة} على أنهما موضوعان موضع المصدر.
7- وحجة من رفع أنه عطفه على {أربع} إن كان ممن يقرأ {أربع شهادات} بالرفع، وإن كان يقرأ أربع} بالنصب رفع الخامسة على خبر ابتداء محذوف، تقديره: وشهادة أحدهم الخامسة، ويجوز أن يحمله على المعنى؛ لأن {أربع شهادات} وإن نصبته فمعناه الرافع فترفع {الخامسة} على العطف على معنى {أربع شهادات} ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/135]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {أَنْ لَعْنَتُ الله} [آية/ 7]، و{أَنْ غَضَبُ الله} [آية/ 9] بالتخفيف فيهما، ورفع اللعنة والغضب:
قرأهما نافع ويعقوب.
والوجه أن {أَنْ} مخففةٌ من الثقيلة، والأمر أو الشأن مضمرٌ، وقد ذكرنا أنَّ أنْ إذا خففت أضمر بعدها الأمر أو الشأن في الأغلب، فيكون الأمر أو الشأن اسم أنْ، والجملة التي بعده خبر أنْ، ورفع قوله {لَعْنَةُ الله} {غَضَبُ الله} على أن كل واحدٍ منهما مبتدأ، والجار مع المجرور الذي بعده خبره، والمبتدأ مع الخبر جملةٌ هي خبر أنْ، والتقدير أنه أي أن الأمر لعنة الله عليه وأن الشأن غضب الله عليه، كما قال تعالى {وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} عند من خفف، والتقدير أنه الحمد لله، على معنى أن الأمر أو الشأن، وقد مضى ذكر هذا.
وأما نافعٌ فإنه جعل {غَضِبَ} فعلًا ماضيًا وكسر الضاد وفتح الباء ورفع اسم الله.
[الموضح: 908]
والوجه أنّ أنْ مخففةٌ من الثقيلة كما قدمنا، واسمها مضمرٌ، وهو ضمير الأمر أو الشأن، والتقدير أنه غضب الله عليها، لكن أهل العربية يستقبحون أن تلي المخففة الفعل حتى يفصل بينها وبين الفعل بشيء نحو قوله تعالى {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} و{أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ}. ونحو قولك علمت أن قد قام زيدٌ، لكنه قد جاء في الدعاء بغير فصلٍ نحو قوله تعالى {نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ}.
ونافع حمله على ذلك.
وأما ارتفاع اسم الله فبأنه فاعل {غَضِبَ} و-إن- عن يعقوب {أَنْ غَضَبَ الله} بفتح الضاد، ونصب الباء، والجر في اسم الله.
والوجه أنه جعل {غَضَبَ} اسمًا لا فعلًا، فنصبه بأن المخففة، وجعل عملها مخففة كعملها مشددةً، وهذا قليلٌ، وجر اسم الله بإضافة غضبٍ إليه.
وقرأ الباقون {أنَّ} بالتشديد في الحرفين و{لَعْنَةَ الله} و{غَضَبَ الله} بالنصب فيهما، وإضافتهما إلى الله.
والوجه أن {أنَّ} مشددةٌ على أصلها، وهي تنصب الأسماء وترفع الأخبار وكل واحدٍ من {لَعْنَةَ الله} و{غَضَبَ الله} اسم {أنَّ}، والجار والمجرور الذي بعده خبر {أنَّ} ). [الموضح: 909] (م)

قوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أن تشهد أربع شهاداتٍ)، (فشهادة أحدهم أربع شهاداتٍ)
قرأ حفص وحمزة والكسائي (أربع شهاداتٍ) رفعا.
وقرأ الباقون (أربع شهاداتٍ) نصبًا.
قال أبو منصور: من قرأ (أربع) بالرفع على خبر الابتداء، المعنى: فشهادة أحدهم التي تدرأ حدّ القاذف أربع.
ومن نصب (أربع) فالمعنى: فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات بالله - والشهادة ها هنا: الأيمان، لا كشهادة شاهد). [معاني القراءات وعللها: 2/202] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقوله: إنه لمن الكاذبين [النور/ 8] في قول من نصب أربع شهادات بالله يجوز أن يكون من صلة شهادة أحدهم، وتكون الجملة التي هي إنه لمن الكاذبين في موضع نصب، لأنّ الشهادة كالعلم فيتعلق بها (إن) كما يتعلق بالعلم، والجملة في موضع نصب بأنّه مفعول به، وأربع شهادات ينتصب انتصاب المصادر.
ومن رفع أربع شهادات لم يكن قوله: إنه لمن الكاذبين إلّا من صلة شهادات دون شهادة، كما كان قوله: بالله من صلة شهادات دون صلة شهادة، لأنّك إن جعلته من صلة شهادة فصلت بين الصلة والموصول). [الحجة للقراء السبعة: 5/311]

قوله تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (أنّ لعنت اللّه...)، (أنّ غضب اللّه)
قرأ نافع ويعقوب (أن) ساكنة النون خفيفة، و(لعنة الله) رفع، (أن غضب الله) فعل ماض.
قرأه نافع وحده.
وقرأ يعقوب (أنّ غضب اللّه) بفتح الغين والضاد وضم الباء.
وقرأ الباقون (أنّ لعنت) و(أنّ غضب اللّه) بتشديد النون، والنصب فيهما.
قال أبو منصور: العرب إذا شددت (أنّ) نصبت الاسم، وإذا خففت ووليها فهو اسم مرفوع،
ومن قرأ (أنّ غضب اللّه) بفتح الغين والضاد فهو مصدر.
ومن قرأ (أن غضب الله) فغضب فعل ماضٍ). [معاني القراءات وعللها: 2/202] (م)
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (والخامسة أنّ)
قرأ حفص وحده (والخامسة أنّ غضب اللّه) نصبًا.
وقرأ الباقون (والخامسة) بالرفع.
قال أبو منصور: من نصب (الخامسة) فالمعنى: وليشهد الخامسة.
ومن قرأ (والخامسة) فهي معطوفة على قوله: (فشهادة أحدهم أربع)، بالرفع.
وقال الفراء: الخامسة في الآيتين مرفوعتان بما بعدهما من (أنّ) و(أنّ)، ولو نصبتهما على وقوع الفعل كان صوابًا، كأنك قلت: وليشهد الخامسة بأنّ لعنة الله). [معاني القراءات وعللها: 2/203]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {والخامسة أن لعنة الله عليه} [7].
و{أن غضب الله} [9]
قرأ نافع وحده بتخفيف «أن» و{لعنة} رفع بالابتداء، وغضب فعل ماض. واسم الله تعالى رفع بفعله.
وقرأ الباقون بتشديد [«أن»] ونصب الغضب واللعنة.
ومعنى هذه الآية أن من قذف محصنة مسلمة بفاحشة فلم يأت بأربعة شهداء جلد ثمانين، ومن رمي امرأته بفاحشة تلاعنا. والملاعنة: أن يبدأ الرجل فيحلف بالله الذي لا إله إلا هو أنه صادق فيما رماها به، ويشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به، وتشهد المرأة أربع شهادات بالله إنه من الكاذبين فيما رماها به، وتشهد الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. ثم يفرق بينهما فلا يجتمعان أبدًا.
فأما من قذف مسلمة فلا تقبل شهادته أبدًا. ويقبل الله توبته. وقال آخرون: تقبل شهادته إن كانا الله قد قبل توبته. فيجعل الاستثناء في قوله: {أولئك هم الفاسقون * إلا الذين تابوا} [4، 5] استثناء متصلاً. وقرأ حفص وحده، {والخامسة} [7، 9] بالنصب على تأويل. وتشهد الخامسة.
والباقون يرفعون على الابتداء والخبر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/101] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: والخامسة أن لعنة الله عليه وأن غضب الله عليها [النور/ 7 - 9] فقرأ نافع وحده: (أن لعنة الله) و (أن غضب الله) بكسر الضاد رفع وقرأ الباقون: أن لعنة الله وأن غضب الله مشدّدة النون فيهما.
قال أبو الحسن: لا أعلم الثقيلة إلّا أجود في العربية، لأنّك إذا خفّفت فالأصل عندي التثقيل فتخفّف وتضمر، فأن تجيء بما عليه المعنى، ولا تكون أضمرت، ولا حذفت شيئا أجود، وكذلك: (إن الحمد لله) [يونس/ 10] وجميع ما في القرآن مما يشبه هذا.
فأمّا قراءة نافع: (والخامسة أن لعنة الله عليه)
[الحجة للقراء السبعة: 5/314]
قال سيبويه: من قال: (والخامسة أن غضب الله) فمعناه عنده: أنّه غضب الله عليها، ولا تخفّف في الكلام أبدا وبعدها الأسماء إلّا وأنت تريد الثقيلة على إضمار القصّة فيها، وكذلك قوله: أن الحمد لله رب العالمين [يونس/ 10] فيمن خفّف وعلى هذا قول الأعشى:
.. قد علموا أن هالك كلّ من يحفى وينتعل وإنّما خفّفت الثقيلة المفتوحة على إضمار القصّة والحديث، ولم تكن كالمكسورة في ذلك، لأنّ الثقيلة المفتوحة موصولة، والموصول يتشبّث بصلته أكثر من تشبّث غير الموصول بما يتصل، فلم يخفّف إلّا على هذا الحدّ، ليدلّ على اتصالها بصلتها أشدّ.
وأمّا قراءة نافع (أن غضب الله) فإنّ (أن) فيه المخفّفة من الثقيلة، وأهل العربية يستقبحون أن تلي الفعل حتى يفصل بينها وبين الفعل بشيء، ويقولون: استقبحوا أن تحذف ويحذف ما تعمل فيه، وأن تلي ما لم تكن تليه من الفعل بلا حاجز بينهما، فتجتمع هذه الاتساعات فيها، فإن فصل بينها وبين الفعل بشيء لم يستقبحوا ذلك كقوله: علم أن سيكون منكم مرضى [المزمل/ 20] و: أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا [طه/ 89] و: علمت أن قد قام. وإذا فصل بشيء من هذا النحو بينه وبين الفعل زال بذلك أن تلي ما لم يكن حكمها أن تليه. فإن قيل: فقد جاء: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [النجم/ 39] وجاء: نودي أن بورك من في النار ومن حولها
[الحجة للقراء السبعة: 5/315]
[النمل/ 8] فإنّ (ليس) تجري مجرى ما ونحوها ممّا ليس بفعل. فأمّا نودي أن بورك فإن قوله بورك على معنى الدعاء، فلم يجز دخول لا، ولا قد، ولا السين، ولا شيء ممّا يصحّ دخوله في الكلام، فيصحّ به الفصل وهذا مثل ما حكاه من قولهم: أما أن جزاك الله خيرا. فلم يدخل شيء من هذه الفواصل من حيث لم يكن موضعا لها، وغير الدّعاء في هذا ليس كالدّعاء، ووجه قراءة نافع: أن ذلك، قد جاء في الدّعاء ولفظه لفظ الخبر. وقد يجيء في الشّعر، وإن لم يكن شيء يفصل بين أن وبين ما تدخل عليه من الفعل، فإن قلت: فلم لا تكون أن. في قوله: (أن غضب الله) أن الناصبة للفعل وصل بالماضي؟
فيكون كقول من قرأ: (وامرأة مؤمنة أن وهبت نفسها للنبي) [الأحزاب/ 50] فإن ذلك لا يسهل. ألا ترى أنّها متعلقة بالشهادة، والشهادة بمنزلة العلم لا تقع بعدها الناصبة). [الحجة للقراء السبعة: 5/316] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فشهادة أحدهم أربع شهادات باللّه إنّه لمن الصّادقين * والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين * ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات باللّه إنّه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصّادقين} 6 - 9
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {فشهادة أحدهم أربع} بالضّمّ وقرأ الباقون بالنّصب
قال الزّجاج من قرأ أربع فعلى خبر الابتداء المعنى فشهادة أحدهم الّتي تدرأ حد القاذف {أربع} والمبتدأ فشهادة ومن نصب {أربع} فالمعنى فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات وينتصب انتصاب المصادر كما تقول شهدت شهادة
قرأ حفص {والخامسة أن غضب الله عليها} بالنّصب على تأويل وتشهد الخامسة
وقرأ الباقون والخامسة بالرّفع على الابتداء والخبر
قرأ نافع {إن} خفيفة {لعنة الله} على الابتداء وقرأ الباقون {أن لعنة الله}
[حجة القراءات: 495]
قرأ نافع {إن} خفيفة {غضب} بكسر الضّاد وفتح الباء {الله} فاعل رفع {غضب} فعل ماض واسم الله رفع بفعله قال سيبويهٍ ها هنا هاء مضمرة وأن خفيفة من الثّقيلة المعنى أنه غضب الله عليها قال الشّاعر:
في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كل من يحفى وينتعل
وقرأ الباقون أن غضب الله عليها). [حجة القراءات: 496] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (5- قوله: {أن لعنت الله} و{أن غضب الله} قرأه نافع فيهما بتخفيف {أن} ورفع «اللعنة» على الابتداء، وعليه الخبر وكسر الضاد من {غضب} على أنه فعل ماض، يرتفع به الاسم بعده، و{أن} يراد بها الثقيلة، ولا تخفف {أن} المفتوحة إلا وبعدها الأسماء، فتضمر معها الهاء، وإذا خففت المكسورة أضمرت معها القصة أو الحديث، وقد تقدم شرح الفرق
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/134]
بينهما، وقرأ الباقون بتشديد {أن} ونصب «اللعنة» وفتح الضاد من {غضب} يجعلونه مصدرًا، وينصبونه بـ {أن} ويخفضون الاسم بعده، على إضافة الغضب إليه، والاختيار ما عليه الجماعة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/135] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {أَنْ لَعْنَتُ الله} [آية/ 7]، و{أَنْ غَضَبُ الله} [آية/ 9] بالتخفيف فيهما، ورفع اللعنة والغضب:
قرأهما نافع ويعقوب.
والوجه أن {أَنْ} مخففةٌ من الثقيلة، والأمر أو الشأن مضمرٌ، وقد ذكرنا أنَّ أنْ إذا خففت أضمر بعدها الأمر أو الشأن في الأغلب، فيكون الأمر أو الشأن اسم أنْ، والجملة التي بعده خبر أنْ، ورفع قوله {لَعْنَةُ الله} {غَضَبُ الله} على أن كل واحدٍ منهما مبتدأ، والجار مع المجرور الذي بعده خبره، والمبتدأ مع الخبر جملةٌ هي خبر أنْ، والتقدير أنه أي أن الأمر لعنة الله عليه وأن الشأن غضب الله عليه، كما قال تعالى {وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} عند من خفف، والتقدير أنه الحمد لله، على معنى أن الأمر أو الشأن، وقد مضى ذكر هذا.
وأما نافعٌ فإنه جعل {غَضِبَ} فعلًا ماضيًا وكسر الضاد وفتح الباء ورفع اسم الله.
[الموضح: 908]
والوجه أنّ أنْ مخففةٌ من الثقيلة كما قدمنا، واسمها مضمرٌ، وهو ضمير الأمر أو الشأن، والتقدير أنه غضب الله عليها، لكن أهل العربية يستقبحون أن تلي المخففة الفعل حتى يفصل بينها وبين الفعل بشيء نحو قوله تعالى {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} و{أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ}. ونحو قولك علمت أن قد قام زيدٌ، لكنه قد جاء في الدعاء بغير فصلٍ نحو قوله تعالى {نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ}.
ونافع حمله على ذلك.
وأما ارتفاع اسم الله فبأنه فاعل {غَضِبَ} و-إن- عن يعقوب {أَنْ غَضَبَ الله} بفتح الضاد، ونصب الباء، والجر في اسم الله.
والوجه أنه جعل {غَضَبَ} اسمًا لا فعلًا، فنصبه بأن المخففة، وجعل عملها مخففة كعملها مشددةً، وهذا قليلٌ، وجر اسم الله بإضافة غضبٍ إليه.
وقرأ الباقون {أنَّ} بالتشديد في الحرفين و{لَعْنَةَ الله} و{غَضَبَ الله} بالنصب فيهما، وإضافتهما إلى الله.
والوجه أن {أنَّ} مشددةٌ على أصلها، وهي تنصب الأسماء وترفع الأخبار وكل واحدٍ من {لَعْنَةَ الله} و{غَضَبَ الله} اسم {أنَّ}، والجار والمجرور الذي بعده خبر {أنَّ} ). [الموضح: 909] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {وَالْخَامِسَةَ} [آية/ 9] الثانية بالنصب:
رواها ص- عن عاصم.
والوجه أنه عطفٌ على قوله {أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ} من قوله {وَيَدْرَؤُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ} وتشهد الخامسة، أي الشهادة الخامسة.
وقرأ الباقون وياش- عن عاصم {وَالْخَامِسَةُ} بالرفع.
ولم يختلفوا في الخامسة الأولى أنها بالرفع.
والوجه في الثانية أنها معطوفةٌ على موضع {أَنْ تَشْهَدَ}؛ لأن موضعه رفعٌ بأنه فاعل {يَدْرَؤُ} والتقدير: ويدرؤ عنها العذاب شهادة أربع شهادات والشهادة الخامسة، فهي عطف على موضع الفاعل.
ويجوز أن تكون رفعًا بالابتداء {أَنَّ غَضَبَ الله} في موضع الخبر، والتقدير والشهادة الخامسة حصول الغضب عليها.
وأما الرفع المتفق عليه في الخامسة الأولى فوجهه أنه لا يخلو إما قبل الكلمة من قوله {أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ} من أن يكون رفعًا أو نصبًا على ما سبق، فإن كان رفعًا كانت الخامسة معطوفةً عليه، وإن كان نصبًا قطعها عنه ولم يجعلها محمولةً عليه بل حملها على المعنى؛ لأن معنى قوله {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ}: عليهم أربع شهاداتٍ أو حكمهم أربع شهادات، فعطف الخامسة على هذا الموضع). [الموضح: 910]

قوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 04:36 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة النور
[ من الآية (11) إلى الآية (18) ]
{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَٰئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)}


قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (والّذي تولّى كبره)
قرأ يعقوب الحضرمي وحده (والّذي تولّى كبره) بضم الكاف.
وكسرها الباقون.
قال أبو منصور: قرأ حميد الأعرج (كبره) بضم الكاف أيضًا.
وقال الفراء: الضم في الكاف وجه جيد في النحو، لأن العرب تقول: فلان تولى عظم أمر كذا وكذا، أي أكثره.
وأخبرني المنذري عن اليزيدي عن أبي زيد قال: قرأ بعضهم (كبره) بضم الكاف، وأظنها لغة، فأما الذي سمعناه
[معاني القراءات وعللها: 2/203]
فبكسر الكاف.
وقال الزجاج: من قرأ (كبره) فمعناه: من تولّى الإثم في ذلك.
ومن قرأ (كبره) أراد: معظمه.
وأخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت قال: كبر الشيء معظمه، قال: ويقال: كبر سياسة الناس في المال (والكبر من التكبر بالكسر.
قال: ويقال: الولاء للكبر، وهو أكبر ولد الرجل.
وأنشد:
تنام عن كبر شأنها فإذا... قامت رويدًا تكاد تنغرف
قال أبو منصور: وهذا هو الصحيح، والقراءة بكسر الكاف لا غير). [معاني القراءات وعللها: 2/204]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي رجاء وحُميد ويعقوب وسفيان الثوري وعَمرة بنت
[المحتسب: 2/103]
عبد الرحمن وابن قُطَيبٍ: [كُبْرَهُ]، بضم الكاف.
قال أبو الفتح: من قرأ كذلك أراد عُظْمَهُ، ومن كسر فقال: {كِبْرَهُ} أراد وزره وإثمه.
قال قيس بن الخطيم:
تَنَامُ عنْ كُبْر شَأْنِهَا فَإذَا ... قَامَتْ رُوَيْدًا تَكَادُ تَنْغَرِفُ
أي عن معظم شأنها). [المحتسب: 2/104]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {وَالَّذِي تَوَلَّى كُبْرَهُ} [آية/ 11] بضم الكاف:
قرأها يعقوب وحده.
والوجه أن كبر الشيء معظمه بضم الكاف، وكذلك عظمه.
وقرأ الباقون {كِبْرَهُ} بكسر الكاف.
والوجه أنه لغةٌ في الكبر بالضم، يقال كبر سياسة الناس في المال، بالكسر والضم جميعًا، والكبر من التكبر بالكسر لا غير). [الموضح: 911]

قوله تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)}
قوله تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَٰئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)}
قوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14)}
قوله تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)}

قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {إذ تلقونه بألسنتكم} [15].
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/101]
فيه خمس قراءات:
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي (إذ تلقونه) بإدغام الذال في التاء لقربهما وبسكون الذال.
وقرأ الباقون: {إذ تلقونه} بالإظهار؛ لأن الذال ليست أختًا للتاء. وهما من كلمتين.
وقرأ ابن كثير: {إذ تلقونه} بتشديد التاء. أراد: تتلقونه فأدغم وليس بجيد؛ لأنه جمع بين ساكنين.
وقرأ ابن مسعود وأبي: {تلقونه} بتاءين على الأصل، تاء الاستقبال وتاء الماضي. فكأن ابن كثير اعتبر هذا. وقد روى بتشديد التاء عن أبي عمر أيضًا.
والقراءة الخامسة قراءة عائشة: {إذ تلقونه} مخفف من الولق في السير، وفي الكذب، وهو السرعة، والأصل: تولقونه، فوقعت الواو بين تاء وكسرة فخزلت.
قال الشاعر:
إن الجليد زلق وزملق
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/102]
جاءت به عنس من الشام تلق = مجوع البطن كلابي الخلق
ومن شدد فقال: تلقونه فمعناه: تقبلونه وتأخذونه كما قال: {فتلقى آدم من ربه كلمات} أي: فبلها وأخذها. وكان الأصل في ذلك أن الناس لما أفاضوا في الإفك، وحديث عائشة كان الرجل يلقي الآخر فيقول: أما بلغك حديث عائشة؟ لتشيع الفاحشة في الذين آمنوا، فأنزل الله تعالى في براءتها، وأرغم أنوف المنافقين. فقال: {أولئك مبرءون مما يقولون} [26]، يعني عائشة وصفوان بن المعطل.
وفيها قراءة سادسة وسابعة، وثامنة وتاسعة عددتها في (البديع) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/103]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال أحمد: وروى عبيد عن أبي عمرو أنّه قرأ: إذ تلقونه [النور/ 15] مشدّدة التاء، مدغمة الذال، مثل ابن كثير. القطعيّ عن عبيد، وعبيد عن هارون عن أبي عمرو مثله، [قال أبو بكر]، وهو رديء إلّا أن تظهر الذّال من إذ.
قال بعض أصحاب أحمد بن موسى مثل قول ابن كثير غلط، إنّما ابن كثير يظهر الذال، ويشدّد التاء، يريد: تتلقّونه، وأبو عمرو لا يفعل ذلك، وإنّما أراد عبيد عن أبي عمرو بقوله: مشدّدة التاء، مدغمة الذّال أنّه يدغم الذّال في التّاء فيشدّدها، لذلك رجع إلى كلام أحمد.
[الحجة للقراء السبعة: 5/316]
أبو عمرو وحمزة والكسائي. (إذ تلقونه) مدغمة الذال في التاء، والباقون يظهرون الذال عند التاء، وكلّهم يخفّفها.
قال أبو علي: ابن كثير قد يدغم أحد المثلين في الآخر في الابتداء كما قال: فإذا هي تلقف [الأعراف/ 117] يريد تتلقف ولا يجوز أن يدغم هاهنا: إذ تتلقونه كما أدغم في قوله: (تلقف) لأنّ الذّال من (إذ) ساكنة فإذا أدغمها التقى ساكنان على وجه لا يستحسن، ألا ترى أنّ الذال من (إذ) ليس بحرف لين كالألف في (لا تناجوا) [المجادلة/ 9]
فيدغم التاء من قوله: (تلقون) كما يدغم من (لا تناجوا) فإذا كان كذلك لم يجز إدغام الذال من (إذ) في التاء، وأمّا إذا حذفت التاء الثانية من (تلقونه) وأنت تريد تتلقونه فبقيت تاء واحدة لم يمتنع أن يدغم الذال من إذ في التاء من تلقونه فتصير تاء مشدّدة). [الحجة للقراء السبعة: 5/317]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عائشة وابن عباس رضي الله عنهما وابن يعمر وعثمان الثقفي: [إِذْ تَلِقُونَهُ].
وقرأ: [إِذْ تُلْقُونَهُ]-من ألقيت- ابن السَّمَيْفَع.
وقرأ: [إِذْ تَتَقَفَّوْنَهُ] أُمُّ ابن عيينة. قال ابن عيينة: سمعت أمي تقرأ كذلك، وكانت على قراءة عبد الله.
وروي أيضا عن ابن عيينة قال: سمعت أمي تقرأ: [إذْ تَثَقَّفُونه]، قال: وكان أبوها يقرأ كما يقرأ عبد الله.
وقراءة الناس: {إذ تَلَقَّوْنَهُ} .
قال أبو الفتح: أما [تَلِقُونَهُ] فتسرعون فيه، وتَخِفُّون إليه. قال الزاجر:
جَاءَتْ بِهِ عَنْسٌ مِنَ الشَّامِ تَلِقْ
[المحتسب: 2/104]
أي تخِف وتسرع، وأصله تَلِقُون فيه أو إليه، فحذف حرف الجر وأوصل الفعل إلى المفعول، كقوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا}، أي: من قومه: والهاءُ ضمير الإفك الذي تقدم ذكره.
وأما [تُلْقُونَهُ] فمعناه تُلْقُونَهُ من أفواهكم، وأما [تَتَقَفَّوْنَهُ] فتجمعونه وتَحْطِبُونَهُ من عند أنفسكم، ولا أصل له عند الله تعالى. وعليه القراءة الأخرى [تَثَقَّفُونَهُ] من ثَقِفْتُ الشيءُ، إذا طلبتَه فأدركتَه، أي تتصيدون الكلام في الإفك من هنا ومن هنا). [المحتسب: 2/105]

قوله تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16)}
قوله تعالى: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17)}
قوله تعالى: {وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 04:39 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة النور
[ من الآية (19) إلى الآية (20) ]
{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20)}

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)}
قوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 04:44 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة النور

[ من الآية (21) إلى الآية (22) ]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)}


قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي جعفر وشيبة وعيسى الهمداني وعيسى الثقفي، ورويت عن عاصم والأعمش أيضا: [ما زَكا]، بالإمالة.
قال أبو الفتح: من الواو، لقولهم فيه: زكوت تزكو فأميلت ألفه، فإن كانت من الواو من حيث كان فعلا، والأفعال أقعد في الاعتلال من الأسماء من حيث كانت كثيرة التصرف، وله وضعت، والإمالة ضرب من التصرف، ولو كان اسما لم تحسن إمالته حسْنَها في الفعل؛ وذلك نحو العَفَا: ولد الحمار الوحشي، والسَّنَا: الذي يأتي من مكة. وقد تقدم نحو هذا، فهذا مثال يقاس به بإذن الله). [المحتسب: 2/105]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة علي والأعرج وعمرو بن عبيد وسلام: [خُطُؤاتِ] بالهمز.
وقرأ: [خَطَوَات] أبو السمَّال.
قال أبو الفتح: قد تقدم القول على ذلك فيما مضى). [المحتسب: 2/105]

قوله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عباس بن عياش بن أبي ربيعة وأبي جعفر وزيد بن أسلم: [يَتَأَلّ] يَتَفَعَّلُ.
قال أبو الفتح: تأَلَّيْتُ على كذا إذا حلفتُ، والألْوَةُ والإلْوَةُ والأُلْوَةُ والأَلِيَّةُ: اليمين.
أنشد الأصمعي:
عَجَّاجَةً هَجّاجَةَ تأَلَّى ... لَأُصْبِحَنَّ الأَحْقَرَ الأَذَلَّا
أي: ولا يحلف أُولُو الفضل منكم والسعة ألا يؤتوا أُولي القربى. ومن قرأ: [وَلا يَأْتَلِ] فمعناه: ولا يقصر، وهو يفتعل من قولهم: ما ألَوْتُ في كذا أي: ما قصرت). [المحتسب: 2/106]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: [وَلْتَعْفُوا وَلْتَصْفَحُوا] بالتاء وروي عنه بالياء.
قال أبو الفتح: هذه القراءة بالتاء كالأخرى المأثورة عنه عليه السلام: [فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا]، وقد ذكرنا ذلك وأنه هو الأصل، إلا أنه أصل مرفوض استغناءً عنه بقولهم: اعفوا واصفحوا وافرحوا، ولا وجه لإعادته). [المحتسب: 2/106]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 04:48 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة النور
[ من الآية (23) إلى الآية (26) ]
{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ۚ أُولَٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)}

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23)}
قوله تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)}

قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم (24)
قرأ حمزة والكسائي (يوم يشهد عليهم) بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء (تشهد).
[معاني القراءات وعللها: 2/204]
قال أبو منصور: قال الفراء: من قرأ بالتاء فلتأنيث الألسنة.
ومن قرأ بالياء فلتذكير اللسان، ولأن الفعل إذا تقدم كأنه للجمع.
وأخبرني المنذري عن الحرافي عن ابن السكيت قال: سمعت أبا عمرو يقول: اللسان نفسه يذكر ويؤنث.
فمن أنث اللسان جمعه ألسنًا، ومن ذكره جمعه ألسنةً.
قال: وأكثر العرب على تذكير اللسان). [معاني القراءات وعللها: 2/205]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم} [24].
قرأ حمزة والكسائي بالياء؛ لأن الفعل متقدم فيشبه بقولهم: قام الرجال، ولأن اللسان مذكر.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/103]
وقرأ الباقون: {تشهد} بالتاء لتأنيث الألسنة، والعرب تذكر اللسان، والذراع، وتؤنهما، فمن ذكره فقال: السن وأذرع، ومن أنت قال: ألسنة، وأذرعة.
وحدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء قال: من قال: هذه لسان ذهب بها إلى الرسالة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/104]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: يوم تشهد عليهم ألسنتهم [النور/ 24]. فقرأ حمزة والكسائي: (يوم يشهد عليهم) بالياء. وقرأ الباقون: تشهد عليهم بالتاء.
الياء والتاء في هذا النحو كلاهما حسن وقد مرّ نحوه). [الحجة للقراء السبعة: 5/317]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} 24
قرأ حمزة والكسائيّ (يوم يشهد عليهم ألسنتهم) بالياء لأن الواحد منها مذكّر والفعل متقدم وقد حيل بين الاسم والفعل بقوله عليهم وقرأ الباقون {يوم تشهد} بالتّاء لأنّها جماعة تقول هذه ألسنة). [حجة القراءات: 496]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (8- قوله: {يوم تشهد} قرأه حمزة والكسائي بالياء، لتفريق بين المؤنث وهو «ألسنة» وبين ما فعله، ولأن تأنيث الجمع غير حقيقي، ولأن الواحد من الألسنة مذكر، وقرأ الباقون بالتاء؛ لتأنيث لفظ الجمع في «ألسنة» و«ألسنة» جمع لسان على لغة من ذكّر كـ «حمار وأحمرة» وإذا جمع على
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/135]
لغة من أنثه قيل: ألسن). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/136]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {يَوْمَ يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} [آية/ 24] بالياء:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أنه إنما ذكر الفعل ولم يؤنث؛ لتقدمه؛ ولكون تأنيث الفاعل غير حقيقي؛ لأنه جمعٌ؛ وللفصل بين الفعل وفاعله.
وقرأ الباقون {تَشْهَدُ} بالتاء.
والوجه أن التأنيث لكون الفاعل جماعةً؛ ولما فيه من تاء التأنيث). [الموضح: 911]

قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة مجاهد وأبي روق: [يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقُّ] رفعا.
قال أبو الفتح: "الحق" هنا وصف الله سبحانه، أي: يومئذ يوفيهم الله الحق دينهم وجاز وصفه تعالى بالحق لما في ذلك من المبالغة، حتى كأنه يجعله هو هو على المبالغة، فهو كقولنا: رجل خَصْم، وقوم زَوْر، وقوله:
فَهُمْ رِضا وَهُمْ عَدْل
وعليه قوله تعالى : [إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ] ). [المحتسب: 2/107]

قوله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ۚ أُولَٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 04:55 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة النور

[ من الآية (27) إلى الآية (29) ]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ ۖ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ۖ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29)}


قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قول ابن عباس: أخطأ الكاتب، إنما هي [تستأْذنوا]، يعني قوله: [تستأْنسوا]
[المحتسب: 2/107]
وكذلك يروى عن بعد الله، وروي عن أُبَيّ: [حَتَّى تُسَلِّمُوا أو تَسْتَأْذِنُوا]، وكذلك قرأ ابن عباس.
قال أبو الفتح: {تَسْتَأْنِسُوا} هنا معناه تطلبوا وتلتمسوا الأنس، كما أن [تستأذنوا] إنما معناه تطلبوا الإذن. فأما قولهم: قد استأنست بفلان فليس من هذا، إنما ذاك معناه أنست به، وليس المراد فيه طلبت الأنس منه. وأنس في هذا واستأنس كسخر واستسخر، وهزئ واستهزأ، وعجب واستعجب، وقر واستقر، وعلا واستعلى. قال أوس بن حجر:
وَمُسْتَعْجِب مِمّا يَرَى منْ أناتِنَا ... ولَو زَبَنَتْهُ الحربُ لَمْ يَتَرَمْرَمِ). [المحتسب: 2/108]

قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ ۖ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ۖ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28)}
قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 05:00 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة النور

[ من الآية (30) إلى الآية (31) ]
{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)}


قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)}
قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (غير أولي الإربة من الرّجال (31)
قرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم (غير أولي الإربة) نصبًا.
وقرأ الباقون (غير أولي) خفضًا.
قال الفراء: من قرأ (غير أولي الإربة) بالخفض فلأنه نعت للتابعين، وليس التابعون بموقّتين، فكذلك صلحت (غير) نعتا لهم وإن كانوا معرفة. ومن
[معاني القراءات وعللها: 2/205]
قرأ (غير) بالنصب فلأن (غير) نكرة، فنصبت على القطع.
وإن شئت نصبته على الاستثناء، فتضع (إلا) في مرضع (غير) فيصلح، والوجه الأول أجود هما.
وأبو العباس ذهب إلى الاستثناء في هذا الموضع). [معاني القراءات وعللها: 2/206]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وليضربن بخمرهنّ (31)
روى عباس عن أبي عمرو (وليضربن) بكسر اللام.
وقوله (وليضربن) يجعلها لام كي.
وجزم الباقون اللام.
قال أبو منصور: من قرأ بالكسر فلأن هذه اللام في الأصل مكسورة قبل دخول الواو عليها.
ومن جزم اللام فلاستثقال الكسرة بين حركتين.
والقراء على تسكين اللام). [معاني القراءات وعللها: 2/206]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جل وعزّ: (أيّه المؤمنون (31)
و (يا أيّه السّاحر) (أيّه الثّقلان)
قرأ ابن عامر وحده (أيّه) بضم الهاء لها فيهن.
وقرأ الباقون بفتح الهاء فيهن.
ووقف أبو عمرو والكسائي: (أيّها) في الثلاثة الأحرف.
ووقف الباقون (أيّه) بغير ألف.
[معاني القراءات وعللها: 2/206]
قال أبو منصور: أما قراءة ابن عامر (أيّه) بضم الهاء فهو ضعيف في العربية والقراءة أيّها الناس: أيّ اسم مبهم مبني على الضم؛ لأنه منادى مفرد -، وهاء لازمة لأي للتنبيه، وهي عوض من الإضافة في (أي)؛ لأن أصل (أي) أن تكون مضافة إلى الاستفهام والخبر، وإذا أنثت قلت أيتها المرأة، واجتمع القراء على فتح الهاء في قوله: (يا أيّتها النّفس) فدل ذلك على أن القراءة (يا أيّها)، كذلك لا أدري لأحد أن يقرأ (أيّه) بضم الهاء، وقد قال أبو بكر بن الأنباري إنّ (أيّه)) لغة، وأجاز قراءة ابن عامر على تلك اللغة). [معاني القراءات وعللها: 2/207]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- وقوله تعالى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} [31].
روى عباس عن أبي عمرو: {وليضربن} بكسر اللام على معنى «كي» وتكون لام الأمر، فيكسر على الأصل كما قرئ: {وليطوفوا} ومعنى ذلك: أن نساء الجاهلية كن يسدلن خمرهن من وراء، ويكشفن صدورهن ونحورهن فأمرهن الله تعالى بالاستتار. فقال {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} [31] عينها، وكحلها، وخضابها. وقيل: {إلا ما ظهر منها}
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/104]
القلب والفتحة. والقلب: السوار، والفتحة: الخاتم. كان نساء العرب يلبسنه في الأصابع العشر من الذبل قال الشاعر:
* تسقط منه فتخي في كمي *
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/105]
فلا يجب أن تبدى زينتها. إلا لبعلها، وأبوها. ومن ذكر الله تعالى إلى قوله تعالى: {أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال} يعنى بالتابعين: المتصرف مع الرجال لا أرب له في النساء يكون شريسًا أي: عنينًا، أو شيخًا كبيرًا، أو غلامًا لم يشهد بعد، أي: لم يحتلم. يقال: أشهد فلان: إذا احتلم. يجب على المرأة أن تستر عن كل أحد سوى هؤلاء المذكورين. وكذلك تستتر عن المرأة اليهودية والنصرانية). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/106]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (9- وقوله تعالى: {غير أولي الإربة} [31].
قرأ عاصم برواية أبي بكر وابن عامر {غير} بالنصب فيكون نصبه على الحال، وعلى الاستثناء.
وقرأ الباقون (غير) بالكسر جعلوه نعتًا بالتابعين. ومن الإربة حديث عائشة: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم وكان أملككم لإربه» أي: لعضوه، ولحاجته إلى النساء.
وسئل ابن عباس، لم رخصت للشيخ إذا كان صائمًا، وكرهت لشاب؟! فقال: إن عرق الذكر معلق بعرنين الأنف. فإذا شم تحرك. وقيل: في قوله: {من شر غاسق إذا وقب} قال: من شر الذكر إذا قام.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/106]
وأكثر المفسرين على الليل إذا دخل بظلمته، ويحتجون بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها وقد نظر إلى القمر -: «تعوذي يا عائشة بهذا فإنه الغاسق إذا وقب»). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/107]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (10- وقوله تعالى: {آيه المؤمنون} [31].
قرأ ابن عامر: {أيه المؤمنون} ويقف كذلك ابتاعًا للمصحف؛ لأنها كذلك كتبت، وكذلك: {أيه الثقلان} {يأيه السحر}.
وقرأ الباقون {أيها} بألف. ويجب على قرائهم أن يقفوا بألف إذا اضطر إلى ذلك.
قال ابن مجاهد، لا ينبغي لأحد أن يتعمد الوقف عليه؛ لأن الألف قد سقطت لالتقاء الساكنين لفظًا. قال: وحدثني محمد بن [يحيى] الوراق عن محمد بن سعدان عن الكسائي، (أيها المؤمنون) وقف بألف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/107]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): ( [روى] عبّاس عن أبي عمرو: وليضربن [النور/ 31] على معنى: كي إن كان صحيحا.
وقرأ الباقون: ساكنة اللّام على الأمر.
قال أبو علي: تقدير اللام الجارّة في هذا الموضع فيه بعد، لأنّه ليس
[الحجة للقراء السبعة: 5/317]
المراد من أجل الضرب، فإذا لم يسغ هذا وجب أن تكون اللّام للأمر، كما أنّ ما بعده وما قبله كذلك، وذلك: قل للمؤمنين يغضوا... وقل للمؤمنات يغضضن... وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن [النور/ 30/ 31].
فهذا كلّه على الأمر والنهي. والمراد: مرهم بهذه الأشياء، فإن كسر أبو عمرو اللّام في (وليضربن) فإنّما كسرها لأنّ أصل هذه اللام الكسر في نحو: ليذهب زيد. كما أنّ أصل الهاء من: هي وهو:
الكسر والضمّ، وإنّما تسكن مع لام الأمر وحروف العطف على التشبيه بعضد وكتف، ونحو ذلك). [الحجة للقراء السبعة: 5/318]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في خفض الراء ونصبها من قوله عزّ وجلّ: غير أولي الإربة [النور/ 31]. فقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر (غير أولي الإربة) نصبا. وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: غير أولي خفضا.
قال أبو علي: (غير) فيمن جر صفة للتابعين، المعنى: لا يبدين زينتهن إلا للتابعين الذين لا إربة لهم في النساء، والإربة: الحاجة، لأنّهم في أنّهم لا إربة لهم كالأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء، أي: لم يقووا عليها. ومنه قوله: فأصبحوا ظاهرين [الصف/ 14] وجاز وصف التابعين بغير لأنّهم غير مقصودين بأعيانهم، فأجرى لذلك مجرى النكرة، كما أنّ قولك: مررت برجل أبي عشرة أبوه، جاز أن تعمله عمل الفعل لمّا لم تكن العشرة عشرة بأعيانهم.
وقد قيل: إنّ التابعين جاز أن يوصفوا بغير في نحو هذا لقصر الوصف
[الحجة للقراء السبعة: 5/318]
على شيء بعينه، فإذا قصر على شيء بعينه زال الشياع عنه واختصّ.
والتابعون ضربان: ذو إربة وغير ذي إربة، وليس ثالث، وإذا كان كذلك جاز لاختصاصه أن يجري وصفا على المعرفة، وعلى هذا: أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وكذلك: لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر [النساء/ 95] لأنّ المسلمين وغيرهم لا يخلون من أن يكونوا أصحّاء أو زمنى، فإذا وصفوا بأحد القسمين زال الشياع فساغ الوصف به لذلك.
ومن نصب (غير) احتمل ضربين:
أحدهما: أن تكون استثناء التقدير: لا يبدين زينتهنّ للتابعين إلّا ذا الإربة منهم، فإنّهنّ لا يبدين زينتهنّ لمن كان منهم ذا إربة.
والآخر: أن يكون حالا، المعنى: الذين يتبعونهنّ عاجزين عنهنّ وذو الحال: ما في التابعين من الذكر.
كلّهم قرأ: أيها المؤمنون [النور/ 31] ويا أيها الساحر [الزخرف/ 49] وأيها الثقلان [الرحمن/ 31] بفتح الهاء غير ابن عامر، فإنّه قرأ: (أيّة) بضم الهاء في الثلاثة الأحرف.
وكلّهم يقف (أيّة) بالهاء في الثلاثة، إلا أبا عمرو والكسائي فإنّهما وقفا: (أيّها) بالألف على الثلاثة الأحرف. قال أحمد: ولا ينبغي أن يتعمّد الوقف عليها لأنّ الألف سقطت في الوصل لسكونها وسكون اللام. أخبرني محمد بن يحيى الوراق قال: حدثني محمد بن سعدان عن الكسائي أنه كان يقف: (أيّها) بالألف.
[الحجة للقراء السبعة: 5/319]
قال أبو علي: الوقف على (أيّها) من قوله: يا أيها الساحر ونحوه بالألف، لأنّها إنّما كانت سقطت لسكونها وسكون لام المعرفة، كما قال أحمد، فإذا وقفت عليه زال التقاء الساكنين، فظهرت الألف، كما أنّك لو وقفت على: محلي من قوله: غير محلي الصيد [المائدة/ 1] لرجعت الياء المحذوفة لسكونها، وسكون اللام، وإذا كان حذف الألف من ها التي للتنبيه من يا أيها تحذف لهذا، فلا وجه لحذفها للوقف. ألا ترى أنّ من حذف الياء من الفواصل، والقوافي نحو: والليل إذا يسر [الفجر/ 4] وبعض القوم يخلق ثمّ لا يفر لم يحذف الألف من قوله: والليل إذا يغشى [الليل/ 1] ولا من نحو قوله:
داينت أروى والديون تقتضى وقد حذف الألف من بعض القوافي للضرورة والحاجة إلى إقامة القافية، فإن جعلت الحذف من (ها) من يأيّها على هذا الوجه لم يسغ، لأنّه لا حاجة هنا ولا ضرورة، ومما يضعّف ذلك أنّ الألف في حرف، والحروف لا يحذف منها إلّا أن تكون مضاعفة، فأمّا ضمّ ابن عامر الهاء من (يا أيّه الساحر) فلا يتّجه، لأنّ آخر الاسم هو الياء الثانية من أي، فينبغي أن يكون المضموم آخر
[الحجة للقراء السبعة: 5/320]
الاسم، ولو جاز أن يضمّ هذا من حيث كان مقترنا بالكلمة لجاز أن يضم الميم من (اللهمّ)، لأنّه آخر الكلمة.
ووجه الإشكال في ذلك، والشبهة، أنّه وجد هذا الحرف قد صار في بعض المواضع التي يدخل فيها بمنزلة، ما هو من نفس الكلمة، نحو: مررت بهذا الرجل، وغلام هذه المرأة، وليست يا وغيرها من الحروف التي ينبّه بها كذلك، فلمّا وجدها في أوائل المبهمة كذلك وفي الفعل في قول أهل الحجاز: هلمّ، جعله في الآخر أيضا بمنزلة شيء من نفس الكلمة، كما كان في الأوّل كذلك، واستجاز حذف الألف اللاحق للحرف لمّا رآه قد حذف في قولهم هلمّ، فأجرى عليه الإعراب لمّا كان كالشيء الذي من نفس الكلمة.
فإن قلت: فإنّه قد حرك الياء التي قبلها بالضمّ في: يا أيّه الرجل، فإنّه يجوز أن يقول: إنّ ذلك في هذا الموضع كحركات الإتباع نحو امرؤ وامرئ، ونحو ذلك، فهذا لعله وجه شبهته، وينبغي أن لا يقرأ بذلك ولا يؤخذ به.
وممّا يقوّي الشّبهة أنّ (ها) هذه قد لحقت في الآخر كما لحق في الأوّل، ألا ترى أنّهم قد قالوا فيما أنشده أبو زيد:
تبك الحوض علّاها ونهلى... ودون ذيادها عطن منيم
إن ها للتنبيه، لأنّ على ونهلى: حالان، فلمّا كانت إذا لحقت أولا بمنزلة شيء من نفس الكلمة، كذلك قدّرها إذا لحقت آخرا). [الحجة للقراء السبعة: 5/321]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا يبدين زينتهن إلّا} {لبعولتهن أو آبائهن} {أو التّابعين غير أولي الإربة من الرّجال} {وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلّكم تفلحون} 31
قرأ ابن عامر وأبو بكر غير أولي الإربة نصبا ونصبه على
[حجة القراءات: 496]
ضربين أحدهما الاستثناء المعنى لا يبدين إلّا للتابعين إلّا أولي الإربة فلا يبدين زينتهن لهم ويجوز أن يكون منصوبًا على الحال فيكون المعنى أو التّابعين لا مريدين النّساء أي في هذه الحال
وقرأ الباقون {غير} خفضا صفة المعنى لا يبدين زينتهن إلّا للتابعين الّذين لا إربة لهم في النّساء والإربة الحاجة قال الزّجاج وجاز وصف التّابعين ب غير وإن كانت غير يوصف بها النكرة فإن التّابعين ها هنا ليس بمقصود به إلى قوم بأعيانهم إنّما معناه لكل تابع غير ذي إربة
قرأ ابن عامر (أيه المؤمنون) بضم الهاء وكذلك (أيه السّاحر)
[حجة القراءات: 497]
و (أيه الثّقلان) وهذه لغة وحجته أن المصاحف جاءت في هذه الثّلاثة بغير ألف قال ثعلب كأن من يرفع الهاء يجعل الهاء مع أي اسما واحدًا على أنه اسم مفرد
وقرأ الباقون {أيها} بفتح الهاء فيهنّ وأبو عمرو والكسائيّ يقفان عليها بالألف لأنّها إنّما سقطت لسكونها وسكون لام المعرفة فإذا وقف عليها زال التقاء الساكنين فظهرت الألف فلا وجه لحذفها في الوقف). [حجة القراءات: 498]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (9- قوله: {غير أولي الإربة} قرأه أبو بكر وابن عامر بالنصب، على الاستثناء، ويجوز نصبه على الحال من المضمر المرفوع في التابعين، تقديره على الاستثناء: لا يبدين زينتهن إلا للتابعين إلا ذا الإربة منهم، وتقديره على الحال، ولا يبدين زينتهن إلا للتابعين عاجزين عن الإربة، والإربة في هذا الموضع الحاجة إلى النساء، {والتابعين} هم من لا حاجة لهم في النساء الخصي والعنِين، وقرأ الباقون بالخفض على الصفة للتابعين، وحسن أن يكون {غير} صفة للتابعين؛ لأنهم غير مقصود بهم قصد قوم بأعيانهم، إنما هم جنس، فهم نكرة في المعنى، فحسن أن تكون {غير} صفة لهم، وأيضًا فإنه لما اختصت {غير} بمعنى {أولي الإربة} دون غيرهم قربت من المعرفة، فحسن أن يوصف بها ما لفظه لفظ المعرفة كما أن {غير أولي الضرر} لما اختصت بغير الزمن قربت من المعرفة، فحسن أن يكون نعتًا لما قرب من المعرفة، وهذا كما قال: {غير المغضوب عليهم} فأتت {غير} صفة لـ {الذين} إذ لا يراد بـ {الذين} قوم بأعيانهم، إنما هم اسم لكل من أنعم عليه بالإيمان والإسلام، وقد تقدم هذا في قوله: {غير أولي الضرر} في «النساء 95»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/136]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (10- قوله: {أيه المؤمنون} قرأه ابن عامر {أيه المؤمنون} و{أيه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/136]
الثقلان} و{يأيه الساحر} بضم الهاء، وقرأ الباقون بالفتح، وكلهم وقف بغير ألف إلا أبا عمرو والكسائي فإنهما وقفا بألفه.
وحجة من ضم الهاء أنه حذف الألف في الوصل لالتقاء الساكنين، وحذفت من الخط لفقدها من اللفظ، فلما رأى الألف محذوفة من خط المصحف أتبع حركة الهاء حركة الياء قبلها، وقيل: بل ضم الهاء لأنه قدرها آخرًا في المعنى، كما هي أخرى في اللفظ، فضم كما يضم المنادى المفرد، وكلا اللغتين ضعيف، ويجوز أن تكون لغة مسموعة.
11- وحجة من حذف الألف في الوقف أنه اتبع الخط، واتبع اللفظ في الوصل؛ إذ لا ألف في الخط، لأنه كتب على لفظ الوصل، ولا ألف في الوصل، فحذفها لسكونها ولسكون ما بعدها.
12- وحجة من وقف بالألف أن الألف إنما حذفت في الوصل لسكونها وسكون ما بعدها، فلما وقف، وزال ما بعدها، ردها إلى أصلها، فأثبتها، ولم يعرج على الخط؛ لأن الخط لم يكتب على الوقف، إنما كتب على لفظ الوصل.
13- وحجة من فتح الهاء في الوصل أنه لما حذف الألف، لالتقاء الساكنين، أبقى الفتحة على حالها، تدل على الألف المحذوفة، فالفتح هو الأصل، وهو ما عليه الجماعة من فتح الهاء، وحذف الألف في الوقف اتباعًا للخط، وهو الاختيار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/137]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {غَيْرَ أُولِي الْإِرْبَةِ} [آية/ 31] بالنصب:
قرأها ابن عامر و-ياش- عن عاصم.
والوجه أنه يجوز أن تكون حالًا، وذو الحال ما في {التَّابِعِينَ} من
[الموضح: 911]
الذكر، والمعنى أن التابعين لهنٌ عاجزين عنهن.
ويجوز أن يكون استثناءً، والتقدير: يبدين زينتهن للتابعين إلا ذوي الإربة، فإنهن لا يبدين لهم الزينة، والإربة: الحاجة.
وقرأ الباقون {غَيْر} بالجر.
والوجه أنه صفة للتابعين، فلذلك انجر {غَيْرِ}، وإنما جاز وصف التابعين بغير أولي الإربة وهو نكرة؛ لأن التابعين غير مقصودين بأعيانهم، فأجروا لذلك مجرى النكرات.
ويمكن أن يكون وصفهم بغير إنما جاز؛ لأن {أُولِي الْإِرْبَةِ} مختصون ههنا، فأجروا مجرى المعارف؛ لأن التابعين قسمان: ذووا إربةٍ وغير ذوي إربة، فلاختصاصهم جاز وصف المعرفة بهم). [الموضح: 912]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {أَيُّهُ المُؤْمِنُونَ} [آية/ 31] بضم الهاء في الوصل:
قرأها ابن عامر وحده، وكذلك في الزخرف {يَأَيُّهُ السَّاحِرُ}، وفي الرحمن {أَيُّهُ الثَّقَلَانِ}.
ووجه ذلك بعيد، وهو أنه ضم ها التي للتنبيه بعد حذف الألف منها، وجعلها مع أي بمنزلة ما هو من نفس الكلمة نحو مررت بهذا الرجل وهذه المرأة، وهلم يا رجل، فكما جعلوا ها التنبيه في هذه المواضع مع ذا وفعل
[الموضح: 912]
الأمر ملازمةً للكلمة وبمنزلة ما هو منها وإن كانت في الأوائل، جعلها ابن عامر مع أي بمنزلة ما هو من نفس الكلمة وإن كانت في الآخر، فلهذا حذف الألف منها وعدها مع أي كالحرف الأخير منه، لأن هذه الألف تسقط لالتقاء الساكنين، ثم عد الهاء من أي بمنزلة الدال من زيد، فضمها للنداء، فقال {يَأَيُّهُ}، كما تقول يا زيد، وترك ضمة الياء على حالها، فجعلها حركة إتباع، كما أثبتت حركة الإتباع في نحو قولك: هذا امرؤ ورأيت امرءًا ومررت بامرئٍ.
وهذا إنما يكون في حال الوصل، فأما في الوقف فيكون بالألف؛ لأن ألف هل إنما سقطت لسكونها وسكون لام المعرفة، فإذا وقف عليها زال التقاء الساكنين فظهرت الألف.
وقرأ الباقون بفتح الهاء في الأحرف الثلاثة.
والوجه أن الفتح هو الأصل في هذه الهاء؛ لأن بعدها ألفًا.
وذكر جماعةٌ أن أبا عمرو والكسائي ويعقوب كانوا يقفون عليها بالألف، وكان الباقون يقفون بغير ألف، وليس في المصاحف ألفٌ.
والوجه أن الأصل على ما ذكرنا أن يكون بالألف في الوصل والوقف؛ لأنها ألفٌ في حرف، والحروف لا يحذف منها إلا في تخفيف التضعيف، والعذر لمن حذفها في الوقف أن الوقف موضع تغييرٍ وحذفٍ، ومع ذلك فالإثبات أولى). [الموضح: 913]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:07 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة