العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:33 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (40) إلى الآية (43) ]
{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}

قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن والزهري وابن أبي إسحاق وعيسى الثفقي والأعمش: [إسْراييل] بلا همز.
[المحتسب: 1/79]
قال أبو الفتح: إن لم يكن ذلك همزًا مخففًا فخَفِيَ بتخفيفه فعُبر عنه بترك الهمز، فذلك من تخليط العرب في الاسم الأعجمي.
قال أبو علي: العرب إذا نطقت بالأعجمي خلَّطت فيه، أنشدنا:
هل تعرف الدار لأم الخزرج ... منها فظَلْتَ اليوم كالْمُزَرَّج
قال: وقياسه كالمزرجَن؛ لأنه من الزَّرَجون وهو الخمر، والنون في زَرَجون ينبغي أن يكون أصلًا بمنزلة السين من قَرَبُوس.
وأنشدنا لرؤبة:
في خِدْرِ ميَّاسِ الدُّمى الْمُعَرجن
فهذا من العُرجون، وكذا كان قياسه أن يقول: المزرجن. وإذا جاز للعرب أن تخلِّط في العربي وهو من لغتها، فكيف يكون -ليت شعري- فيما ليس من لغتها؟!
ومما خلطت فيه من لغتها قول لبيد:
دَرَس المنا بِمُتالع فأَبان
[المحتسب: 1/80]
يريد: المنازل. وقال علقمة:
مُفدَّم بسَبَا الكَتان مَلْثُومُ
أراد: بسبائب، وهو كثير، ونكره الاستكثار من الشواهد والنظائر؛ تحاميًا لطول الكتاب). [المحتسب: 1/81]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الزهري: [وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوَفِّ بِعَهْدِكُمْ] مشددة.
قال أبو الفتح: ينبغي -والله أعلم- أن يكون قرأ بذلك؛ لأن فَعَّلت أبلغ من أفعلت؛ فيكون على {أوفوا بعهدي} أبالغ في توفيتكم؛ كأنه ضمان منه سبحانه أن يعطي الكثير عن القليل، فيكون ذلك كقوله سبحانه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}، وهو كثير). [المحتسب: 1/81]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (17- {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [آية/ 40]:-
بإثبات الياء في الوصل والوقف، قرأها يعقوب وحده، وكذلك {فاتّقُونِي} و{لا تَكْفُرُونِي} و{فَاسْمَعُونِي} و{أطِيعُونِي} و{يَسْقِيني} و{يَشْفِيني}، وكذلك {التَّلاقي} و{التّنادِي} و{بالوادِي} و{المُتعالِي} جميعًا سواء كانت فواصل أم غيرها، إلا في المنون نحو {واقٍ} و{والٍ}، وفي المنادى نحو: {يَا قَوْمِ} و{يَا رَبّ} و{يَا عِبادِ} إلا فيما أثبتت الياء منه في الكتاب وهو {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} و{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا}.
اعلم أن يعقوب إنما قرأ ما قرأه بالياء من هذه الحروف تمسكًا بالأصل؛ لأن الأصل في {فارْهَبُونِ} وأمثاله، هو إثباتُ الياءِ؛ لأن الياء هو ضمير
[الموضح: 271]
المنصوب في هذا الموضع، والنون دعامة أدخلت ليبقى آخر الكلمة التي لحقتها هذه الياء على حاله من حركةٍ أو سكونٍ أو واوٍ أو ياء، ولا يتغير، إذ لولا هذه النون لانكسر ما كان قبل الياء من حرف صحيح وانقلب ما كان من حرف علة، فأدخلت النون لتكسر لأجل الياء، ويسلم ما قبلها من التغيير، فإذا كان كذلك فالياء هي الأصل في الضمير، وإثبات الياء في هذه المواضع هو الأصل الذي عليه الوضع، وإنما حذفها من حذفها من رؤوس الآي؛ لأنها فواصل، وهي مثل القوافي في الشعر تطلب لها الموافقة والمشاكلة كما قال الأعشى:
8- ومن شانئٍ كاسفٍ وجهه = إذا ما انتسبت له أنكرن
ألا ترى أنه حذف الياء من أنكرني، وأسكن النون؛ لأنها قافية، وهي أيضًا موضع وقف، والوقف موضع تغيير.
وأما إثباته الياء في {التَلاَقِي} ونحوه مما فيه الألف واللام فإنه هو الأصل المنقاس أيضًا؛ لأن هذه الياء تحذف منها الحركة استثقالاً لها عليها، ولا تنوين يسقط لأجله الياء، فتثبت الياء ساكنة.
[الموضح: 272]
وإنما يحذفها من حذفها إرادة التخفيف، والأصل هو الإثبات.
وأما حذفه الياء من المنون والمنادى، فإن المنون تحذف (منه) الياء لاجتماعها مع التنوين؛ وهما ساكنان، فتحذف الياء لالتقاء الساكنين، وهي أولى بالحذف من التنوين؛ لأن التنوين إنما دخل لمعنىً، فلو حذف لزال ذلك المعنى، وهو علم التمكن، وإذا وقف عليه فالأولى أيضًا حذف الياء؛ لأن التنوين وإن زال في الوقف فهو في حكم الثبات.
وأما المنادى فإنه موضع حذفٍ، ألا ترى أنه يحذف منه التنوين للبناء، نحو: يا زيد، والحرف الأخير للترخيم نحو: يا حار.
وأما إثباته الياء فيما أثبت منه في الكتاب، فإنما تبع في ذلك المصحف وهو الإمام المتبع). [الموضح: 273]

قوله تعالى: {وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)}

قوله تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)}

قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:34 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (44) إلى الآية (48) ]
{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) }

قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)}

قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)}

قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)}

قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا يقبل منها شفاعةٌ)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (ولا تقبل) - بالتاء -، وروي عن عاصم مثل ذلك. وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فلتأنيث الشفاعة، ومن قرأ بالياء فلأن الشفاعة كالمصدر وإن كان لفظها مؤنثا، وهو كقول الله جلّ وعزّ: (وأخذت الذين ظلموا الصيحة)، وقال في موضع آخر: (وأخذ الذين ظلموا الصيحة)، لأن الصيحة وإن كان لفظها مؤنثا فهي مصدر، وكل ذلك جائز في كلام العرب). [معاني القراءات وعللها: 1/149]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: ولا تقبل منها شفاعة [البقرة/ 48].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: ولا تقبل بالتّاء. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائيّ: ولا يقبل بالياء. وروى يحيى بن آدم وابن أبي أميّة والكسائي وغيرهم عن أبي بكر وحفص عن عاصم بالياء. وروى الحسين الجعفيّ عن أبي بكر عن عاصم بالتاء.
[الحجة للقراء السبعة: 2/43]
قال أبو عليّ: المعنى في قوله: لا يقبل منها شفاعةٌ. لا يقبل فيه منها شفاعة، فمن ذهب إلى أن (فيه) محذوفة من قوله: واتّقوا يوماً لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ [البقرة/ 48] جعل (فيه) محذوفة بعد قوله: يقبل. ومن ذهب إلى أنه حذف الجارّ وأوصل الفعل إلى المفعول، ثم حذف الرّاجع من الصّفة. كما يحذف من الصّلة، كان مذهبه في قوله: لا يقبل أيضا مثله.
وحذف الهاء من الصفة يحسن، كما يحسن حذفها من الصلة، ألا ترى أن الفعل لا يتسلّط بحذف المفعول منه على الموصوف كما لا يتسلّط بذلك على الموصول؟
فممّا حذف منه الراجع من الصّفة قوله:
وما شيء حميت بمستباح وقول الأسود بن يعفر:
وفاقر مولاه أعارت رماحنا... سنانا كقلب الصّقر في الرّمح منجلا
[الحجة للقراء السبعة: 2/44]
فالهاء العائدة إلى المنكور الموصوف محذوفة، وهي المفعول الأوّل لأعارت. وموضع الجملة جرّ، كما أن موضع الجملة التي هي تقبل نصب بالعطف على الجملة التي هي وصف قبلها. ومن الحذف قوله:
تروّحي أجدر أن تقيلي... غدا بجنبي بارد ظليل
المعنى: تأتي مكانا أجدر أن تقيلي فيه. فحذف الجارّ، فوصل الفعل ثم حذف الضمير. وممّا لم يحذف فيه الرّاجع من الصفة قوله:
في ساعة يحبّها الطّعام وهذا في المعنى قريب من قوله: وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظّالمين من حميمٍ ولا شفيعٍ يطاع [المؤمن/ 18].
فالمعنى: ما للظالمين فيه من حميم ولا شفيع يطاع، وليست الجملة التي هي: ما للظّالمين من حميمٍ صفة كما
[الحجة للقراء السبعة: 2/45]
كانت في الآية الأخرى صفة. ومثل ذلك قوله: يوم لا يغني مولًى عن مولًى شيئاً ولا هم ينصرون إلّا من رحم اللّه [الدخان/ 41 - 42]. وقبول الشيء: هو تلقّيه والأخذ به
وخلاف الإعراض عنه، ومن ثم قيل لتجاه الشيء: قبالته، وقالوا: أقبلت المكواة الداء، أي: جعلتها قبالته. قال:
وأقبلت أفواه العروق المكاويا ويجوز أن يكون المخاطبون بذلك اليهود، لأنهم زعموا أن آباءها الأنبياء تشفع لها، فأويسوا من ذلك.
وقريب من هذا قوله: قل فلم يعذّبكم بذنوبكم [المائدة/ 18]. فأما الشفاعة فنراها من الشّفع الذي هو خلاف الوتر، قال:
وأخو الأباءة إذ رأى خلّانه... تلّى شفاعا حوله كالإذخر
فكأنه سؤال من الشفيع، يشفع سؤال المشفوع له.
وليس معنى لا تقبل منها شفاعة أنّ هناك شفاعة لا تقبل، ألا
[الحجة للقراء السبعة: 2/46]
ترى أن في قوله: ولا يشفعون إلّا لمن، ارتضى [الأنبياء/ 28] انتفاء الشفاعة عمن سوى المرتضين، فإذا كان كذلك، كان المعنى لا تكون شفاعة فيكون لها قبول، كما أن قوله: لا يسئلون النّاس إلحافاً [البقرة/ 273] معناه: لا يكون منهم سؤال فيكون منهم إلحاف، كقوله:
على لا حب لا يهتدى لمناره... إذا سافه العود الدّيافيّ جرجرا
وقوله:
لا يفزع الأرنب أهوالها... ولا ترى الضبّ بها ينجحر
[الحجة للقراء السبعة: 2/47]
فأما قوله: وكم من ملكٍ في السّماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلّا من بعد أن يأذن اللّه لمن يشاء ويرضى [النجم/ 26] فالمعنى: لا تغني شفاعتهم أن لو شفعوا، ليس أنّ هناك شفاعة مثبتة، ومثله: ولا تنفع الشّفاعة عنده إلّا لمن أذن له [سبأ/ 23] ومثله: يومئذٍ لا تنفع الشّفاعة إلّا من أذن له الرّحمن ورضي له قولًا [طه/ 109] فأطلق على المعنى الاسم، وإن لم يحدث كما قال:
لما تذكّرت بالدّيرين أرّقني... صوت الدّجاج وقرع بالنّواقيس
والمعنى: انتظار أصواتها، فأوقع عليه الاسم، ولمّا يكن. فإضافة الشفاعة إليهم كإضافة الصوت إليها. ويدلك على أن المعنى في قوله: لا تغني شفاعتهم ما ذكرنا، الآية التي تقدم ذكرها. وقوله: يوم يقوم الرّوح والملائكة صفًّا لا يتكلّمون إلّا من أذن له الرّحمن [النبأ/ 38] والشفاعة: كلام.
فأما قوله: إلّا من بعد أن يأذن اللّه لمن يشاء ويرضى [النجم/ 26] فالمعنى: لمن يشاء شفاعته على إضافة المصدر إلى المفعول به، الذي هو مشفوع له، ثم حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، فصار اللفظ: لمن يشاؤه. أي يشاء شفاعته، ثم حذف الهاء من الصلة. فأما قوله: ويرضى.
فتقديره: يرضاه، كما أنّ قوله: ولا يشفعون إلّا لمن ارتضى [الأنبياء/ 28] العائد منه إلى الموصول محذوف،
[الحجة للقراء السبعة: 2/48]
فكذلك العائد من يرضى. وأما قوله: ويعبدون من دون اللّه ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه [يونس/ 18] فإنما يعنون بقولهم: عند الله، في البعث. لأن منهم من قد كان معترفا بالبعث والنشور كالأعشى في قوله:
بأعظم منك تقى للحساب... إذا النّسمات نفضن الغبارا
وقول زهير:
يؤخّر فيوضع في كتاب فيدّخر... ليوم الحساب أو يعجّل فينقم
وقد كذّبهم الله في قولهم ذلك بقوله: قل أتنبّئون اللّه بما لا يعلم في السّماوات ولا في الأرض [يونس/ 18] وقوله: وإذا حشر النّاس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين [الأحقاف/ 60]. فالمصدر مضاف إلى الفاعلين، والمعنى: كانوا بعبادتهم إياها كافرين. ومثل هذا قوله:
وقال شركاؤهم ما كنتم إيّانا تعبدون [يونس/ 28] فالشركاء في هذه الآية هم الآلهة التي كانوا يعبدونها. وكذلك في قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/49]
وإذا رأى الّذين أشركوا شركاءهم، قالوا ربّنا هؤلاء شركاؤنا الّذين كنّا ندعوا من دونك [النحل/ 86] فإنما أضيف الشركاء إلى الذين أثبتوهم شركاء لادّعائهم شركتهم للقديم سبحانه وتعالى عن ذلك. وقد جاء إضافة هؤلاء الشركاء أيضا إلى الله تعالى في قوله: ويوم يناديهم أين شركائي [فصلت/ 47] فهذا لم يثبت به شركاء الله تعالى، وإنما أضافهم إليه على حسب ما كانوا يضيفونهم إليه، فحكى ذلك.
وعلى هذا قوله: وقالوا يا أيّها السّاحر ادع لنا ربّك [الزخرف/ 49] وهذا مما يعلم به أنّ المضاف إذا كان له ضرب من الملابسة بالمضاف إليه، جازت إضافته إليه، وعلى هذا قوله:
لتغني عنّي ذا إنائك أجمعا فأضاف الإناء إلى الشارب لشربه منه وإن كان ملكا للمشروب لبنه، أو في يده على غير وجه الملك.
[الحجة للقراء السبعة: 2/50]
ومن ذلك قوله: أم اتّخذوا من دون اللّه شفعاء، قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون، قل للّه الشّفاعة جميعاً [الزمر/ 43 - 44] فهذا مثل قوله: ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه [يونس/ 18]. وقوله: قل للّه الشّفاعة جميعاً معناه: في الآخرة. وإنما نسبت الشفاعة إليه سبحانه إبطالا لشفاعة من ادّعيت شفاعتهم لهم من الآلهة، ونفيا لها، وإعلاما أن الملائكة في الآخرة لا يشفعون إلا لمن أذن لهم في الشفاعة له، فنسبت الشفاعة إلى الله لمّا لم تكن إلا بأمره وإذنه فيها، وإن كانت الملائكة فاعليها في الحقيقة، فأما في الدنيا فقد تكون الشفاعة لغير الله. والضمير في (منها) من قوله: ولا تقبل منها عائد إلى نفس على اللفظ، وفي قوله: ولا هم ينصرون على المعنى، لأنه ليس المراد المفرد فلذلك جمع.
فأما حجة من قال: ولا تقبل فألحق علامة التأنيث، فهي أنّ الاسم الذي أسند إليه هذا الفعل مؤنّث، فيلزم أن يلحق المسند أيضا علامة التأنيث، ليؤذن لحاق العلامة بتأنيث
الاسم، كما ألحق الفصل حيث ألحق، ليؤذن بأنّ الخبر معرفة أو قريب من المعرفة.
ومما يقوي ذلك أن كثيرا من العرب إذا أسندوا الفعل إلى المثنى أو المجموع، ألحقوه علامة التثنية أو الجمع كقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/51]
ألفيتا عيناك....
وقوله:... يعصرن السّليط أقاربه فكما ألحقوا هاتين العلامتين لتؤذنا بالتثنية والجمع، كذلك ألحقت علامة التأنيث الفعل ليؤذن بما في الاسم منه، وكانت هذه العلامة أولى من لحاق علامتي التثنية والجمع، للزوم علامة التأنيث الاسم، وانتفاء لزوم هاتين العلامتين الاسم، وبحسب لزوم المعنى تلزم علامته، ألا ترى أن ما لا يلزم في كلامهم قد لا يعتدّ به اعتداد اللازم، كالواو الثانية في قوله: (ووري) فبحسب لزوم علامة التأنيث الاسم يحسن إلحاقه الفعل، وقد قال: فأخذتهم الصّيحة مشرقين [الحجر/ 73]. فأخذتهم الصّيحة بالحقّ [المؤمنون/ 41].
فكما تثبت العلامة في هذا النحو، كذلك ينبغي أن تثبت في نحو قوله: تقبّل.
ومن حجة من لم يلحق: أن التأنيث في الاسم ليس بحقيقي، وإذا كان كذلك حمل على المعنى فذكّر، ألا ترى أن الشفاعة والتشفّع بمنزلة، كما أن الوعظ والموعظة، والصيحة والصوت كذلك، وقد قال: فمن جاءه موعظةٌ من ربّه [البقرة/ 275] وأخذ الّذين ظلموا الصّيحة [هود/ 67].
فكما لم تلحق العلامة هنا، كذلك يحسن أن لا تلحق في
[الحجة للقراء السبعة: 2/52]
قوله: ولا تقبل لاتفاق الجميع في أن ذلك تأنيث غير حقيقي. وكلا الأمرين قد جاء به التنزيل كما رأيت.
ومما يقوّي التّذكير أنه قد فصل بين الفعل والفاعل بقوله: منها. والتذكير يحسن مع الفصل، كما حكي من قولهم: حضر القاضي اليوم امرأة. فإذا جاء التذكير في الحقيقي مع الفصل فغيره أجدر بذلك. فأما ما قاله أحمد بن يحيى: من أن التذكير أجود لقول ابن مسعود: «ذكّروا القرآن» فإنّ قول ابن مسعود لا يخلو من أن يريد به التذكير الذي هو خلاف التأنيث، أو يريد به معنى غير ذلك. فإن أراد به خلاف التأنيث، فليس يخلو من أن يريد: ذكّروا فيه التأنيث الذي هو غير حقيقي، أو التأنيث الذي هو حقيقي، فلا يجوز أن يريد التأنيث الذي هو غير حقيقيّ لأن ذلك قد جاء منه في القرآن ما يكاد لا يحصى كثرة، كقوله: وللدّار الآخرة [الأنعام/ 32] وكقوله: النّار وعدها اللّه [الحج/ 72] وقوله: والتفّت السّاق بالسّاق [القيامة/ 29] و: قالت رسلهم [إبراهيم/ 10] و: كأنّهم أعجاز نخلٍ خاويةٍ [الحاقة/ 7] والنّخل باسقاتٍ [ق/ 10] وشجرةً تخرج من طور سيناء [المؤمنون/ 20] ينشئ السّحاب الثّقال [الرعد/ 12].
فإذا ثبت هذا النحو في القرآن على الكثرة التي تراها، لم يجز أن يريد هذا. وإذا لم يجز أن يريد ذلك، كان إرادته به
[الحجة للقراء السبعة: 2/53]
التأنيث الحقيقيّ أبعد، كقوله: إذ قالت امرأت عمران [آل عمران/ 35] وقوله: ومريم ابنت عمران الّتي أحصنت [التحريم/ 12] وكانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما [التحريم/ 10] وقالت لأخته قصّيه فبصرت به عن جنبٍ [القصص/ 11].
فإن قلت: إنّما يريد: إذا احتمل الشيء التأنيث والتذكير، فاستعملوا التذكير وغلّبوه. قيل: هذا أيضا لا يستقيم، ألا ترى أن فيما تلونا: والنّخل باسقاتٍ وكأنّهم أعجاز نخلٍ خاويةٍ فأنّث مع جواز التذكير فيه، يدلك على ذلك قوله في الأخرى: أعجاز نخلٍ منقعرٍ [القمر/ 20] وقوله: من الشّجر الأخضر ناراً [يس/ 80] ولم يقل: الخضر ولا الخضراء، وقوله: السّحاب الثّقال ولم يقل: الثقيل، كما قال: منقعرٍ. فهذه المواضع يعلم منها أنّ ما ذكرت ليس بمراد ولا بمذهب. فإذا لا يصحّ أن يريد بقوله: «ذكّروا القرآن». التذكير الذي هو خلاف التأنيث، وإذا لم يرد ذلك، كان معنى غيره. فممّا يجوز أن يصرف إليه قول ابن مسعود، أنه يريد به الموعظة والدعاء إليه، كما قال: فذكر بالقرآن من يخاف وعيدى [ق/ 45] إلا أنّه حذف الجار، وإن كان قد ثبت في الآية، وفي قوله: وذكّرهم بأيّام اللّه [إبراهيم/ 5] على القياس الذي ينبغي أن يكون عليه، ألا ترى أنك تقول:
ذكر زيد العذاب والنار. فإذا ضعّفت العين، قلت: ذكّرت زيدا
[الحجة للقراء السبعة: 2/54]
العذاب، وذكّرته النار. فإذا ألحقت الجارّ كان كقوله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة [البقرة/ 195] وإذا حذف كان كقوله: وألقى في الأرض رواسي [النحل/ 15] فمما جاء بغير الجار قولها:
يذكّرني طلوع الشّمس صخرا... وأذكره لكلّ غروب شمس
ومما يدل على صحة ما ذكرنا من أن الأصل أن لا يلحق الجار، أن النسيان الذي هو خلاف الذكر، لمّا نقل بالهمزة التي هي في حكم تضعيف العين، لم تلحق الباء المفعول الثاني، وذلك قوله: وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره [الكهف/ 62] ويمكن أن يكون معنى قوله: «ذكّروا القرآن» أي: لا تجحدوه ولا تنكروه، كما أنكره من قال فيه:
أساطير الأوّلين [النحل/ 24] لإطلاقهم عليه لفظ التأنيث، فهؤلاء لم يذكّروه، لكنّهم أنّثوه بإطلاقهم التأنيث على ما كان مؤنث اللفظ، كقوله: إن يدعون من دونه إلّا إناثاً [النساء/ 117] فإناث جمع أنثى، وإنما يعني به ما اتخذوه آلهة، كقوله: أفرأيتم اللّات والعزّى. ومناة الثّالثة الأخرى [النجم/ 19، 20]. وقال العجّاج في صفة المنجنيق:
أورد حذّا تسبق الأبصارا وكلّ أنثى حملت أحجارا
[الحجة للقراء السبعة: 2/55]
فسمّاها أنثى، لتأنيثهم للفظها، وكذلك قول الفرزدق:
وكنّا إذا الجبّار صعّر خدّه... ضربناه تحت الأنثيين على الكرد
والأنثيان يريد بهما: الأذنين، وهذا النحو كثير في كلامهم). [الحجة للقراء السبعة: 2/56]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا يقبل منها شفاعة}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ولا تقبل منها بالتّاء وقرأ الباقون بالياء من قرأ بالتّاء فلتأنيث الشّفاعة وسقط السّؤال فصار كقوله {وأخذت الّذين ظلموا الصّيحة}
وحجّة من قرأ بالياء هي أن تأنيث الشّفاعة ليست حقيقيّة فلك في لفظه في الفعل التّذكير والتأنيث تقول قد قبل منك الشّفاعة وقبلت منك وكذلك {فمن جاءه موعظة} لأن معنى موعظة ووعظ وشفاعة وتشفع واحد فلذلك جاز التّذكير والتأنيث على اللّفظ والمعنى
[حجة القراءات: 95]
وحجّة أخرى لما فصل بين اسم المؤنّث وفعله بفاصل ذكر الفعل لأن الفاصل صار كالعوض منه ومثله {لئلّا يكون للنّاس عليكم حجّة} ). [حجة القراءات: 96]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (23- قوله: «ولا يُقبل» قرأه ابن كثير وأبو عمرو بالتاء، وقرأه الباقون بالياء.
وعلة من قرأه بالتاء أنه أتت لتأنيث لفظ الشفاعة، فهو ظاهر التلاوة، وبه قرأ الأعرج وابن محيصن وأهل مكة، وهو الأصل.
24- وعلة من قرأه بالياء أنه ذكر لأربع علل: الأولى أنه لما فرّق بين المؤنث وفعله، قام التفريق مقام التأنيث، وحسن التذكير، والثانية أنه لما كان تأنيث الشفاعة غير حقيقي، إذ لا ذكر لهما من لفظها ذكر؛ لأن التذكير هو الأصل، والتأنيث داخل عليه أبدًا، والثالثة أنه لما كان الشفاعة والشفيع بمعنى واحد، حمل التذكير على الشفيع، والرابعة أن ابن مسعود وابن عباس قالا: إذا اختلفتم في الياء والتاء فاجعلوها ياء، وذكر أبو عبيد عن ابن مسعود أنه قال: ذكروا القرآن، وإذا اختلفتم في الياء والتاء فاجعلوها ياء، فإنه أكثر ما جاء في القرآن، وإذا اختلفتم في الياء والتاء من القراء، قال الله جل ذكره: {قد كان لكم آية} «آل عمران 13» وقال:
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/238]
{قد جاءكم بينة} «الأنعام 153» وقال: {وأخذ الذين ظلموا الصيحة} «هود 67» وقال: {لولا أن تداركه نعمة} «القلم 49» وهو كثير، أتى على التذكير إجماع، فكان حمل هذا على ما أجمعوا عليه أولى، ويقوى التذكير إجماع القراء على تذكير الفعل مع ملاصقته للمؤنث في قوله: {وقال نسوة} «يوسف 30» وقوله: {وإن كان طائفة} «الأعراف 87» فإذا جاء التذكير بغير حائل فهو مع الحائل أجود وأقوى، والاختيار الياء، لما ذكرنا من العلة، ولأن به قرأ أكثر القراء، وذلك حجة، وكل ما وقع مثل هذا في التأنيث والتذكير أقول: علته كعلة {ولا يقبل}، فيستغنى عن إعادة هذه العلل وتكريرها، فاعلم ذلك). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/239]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (18- {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} [آية/ 48]:-
بالتاء، قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب.
لأن الشفاعة مؤنثة لمكان التاء، فينبغي أن يكون في الفعل المسند إليها علامة التأنيث؛ لتكون العلامة مؤذنة بأن الفاعل مؤنث، وهذا هو القياس في جميع الكلام.
وقرأ الباقون {يُقْبَلُ} بالياء.
ووجه ذلك أن تأنيث الشفاعة ليس بحقيقي؛ لأنها مصدر، فهي بمنزلة
[الموضح: 273]
التشفع كالموعظة في قوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ} إذ هي في معنى الوعظ، وكالصيحة في قوله تعالى: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} إذ هي في معنى الصوت.
ثم إنه فصل بين الشفاعة وبين فعلها بقوله {مِنْها} فازداد التذكير حسنًا، إذ جاء التذكير مع الفصل في الحقيقي نحو: حضر القاضي اليوم امرأة، فلأن يجيء في غير الحقيق أولى). [الموضح: 274]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:42 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (49) إلى الآية (53) ]
{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)}

قوله تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن محيصن: [يَذْبَحُونَ أَبْنَاءَكُمْ].
قال أبو الفتح: وجه ذلك أن فعَلت بالتخفيف قد يكون فيه معنى التكثير؛ وذلك لدلالة الفعل على مصدره، والمصدر اسم الجنس، وحسبك بالجنس سَعَة وعمومًا، ألا ترى إلى قول عبد الرحمن بن حسان:
وكنتَ أذلَّ من وتِد بقاعٍ ... يشجِّجُ رأسه بالفِهْرِاوجِي
ولم يقل: مُوجِّئ، فكأنه قال: يشجج رأسه بالفهر شاج؛ لأن واجئ فاعل كشاج. وأنشد أبو الحسن:
أنت الفداء لقِبْلَة هدَّمتَها ... ونقرتَها بيديك كلَّ مُنَقَّر
[المحتسب: 1/81]
كأنه قال: ونقرتها؛ لأن قوله: كل منقَّر عليه جاء، وبعده قوله:
فطار كل مطير
فهذا على أنه كأنه قال: فطَيَّرَ كُلَّ مُطَيَّر، ولما في الفعل من معنى المصدر الدال على الجنس ما لم يجز تثنيته ولا جمعه؛ لاستحالة كل واحد من التثنية والجمع في الجنس.
فأما التثنية والجمع في نحو قولك: قمت قيامين، وانطلقت انطلاقين، وعند القوم أفهام، وعليهم أشغال. فلم يُثَن شيء من ذلك، ولا يُجمع ولم يرد وهو مُرادٌ به الجنس؛ ولكن المراد به النوع. وقد شرحنا ذلك في غير موضع من كتبنا، وما خرج من التعليق عنا). [المحتسب: 1/82]

قوله تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الزهري أيضًا: [وَإِذْ فَرَّقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ] مشددة.
قال أبو الفتح: معنى [فرَّقنا] أي: جعلناه فِرَقًا، ومعنى {فرَقنا}: شققنا بكم البحر، وفرَّقنا أشد تبعيضًا من فرَقنا، وقوله تعالى: {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} يحتمل أن يكون فرقين، ويحتمل أن يكون أفراقًا؛ ألا ترى أنك تقول: قسمت الثوب قسمين، فكان كل قسم واحد منهما عشرين ذراعًا، كما تقول ذلك وهو جماعة أقسام.
ومن ذلك فرَقتُ شعره أي: جعلته فرقين، وفرَّقت شعره أي: جعلته فِرَقًا، وجاز هنا لفظ الجمع؛ لأن كل رجل منهم قد خرق من البحر وفَرَق خَرْقًا وفِرْقًا.
وقد يكون أيضًا في فرَقنا مخففة معنى فرَّقنا مشددة على ما مضى آنفًا في: [يَذْبَحُونَ أَبْنَاءَكُمْ] ). [المحتسب: 1/82]

قوله تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلةً)
[معاني القراءات وعللها: 1/149]
قال أبو عمرو ويعقوب: (وإذ وعدنا)، وكذلك قوله: (ووعدنا موسى ثلاثين ليلة) و(وعدناكم) بغير ألف.
وقرأ سائر القراء: (وواعدناكم) بألف.
قال أبو منصور: من قرأ (وعدنا) بغير ألف فإنما اختار وعدنا لأن المواعدة إنما تكون بين الآدميين، واستدل بقوله تعالى: (إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ)، وهذا يشبه بعضه بعضا.
ومن قرأ (واعدنا) و(واعدناكم) فحجته أن الطاعة في القبول بمنزلة المواعدة، فهو من الله وعدٌ، ومن موسى قبول واتباع، فجرى مجرى المواعدة). [معاني القراءات وعللها: 1/150]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إلحاق الألف وإخراجها من قوله تعالى: وإذ وعدنا [البقرة/ 51] ووعدناكم [طه/ 80] فقرأ أبو عمرو وحده ذلك كلّه بغير ألف، وقرأ الباقون ذلك كلّه بالألف.
قال أبو علي: قالوا: وعدته، أعده، وعدا، وعدة، وموعدا وموعدة. قال: إلّا عن موعدةٍ وعدها إيّاه [التوبة/ 114] وجاء وعد في الخير والشر. قال: وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات [المائدة/ 9] وقال: ألم يعدكم ربّكم وعداً حسناً [طه/ 86] فتقول على هذا: وعدته خيرا.
وقال: النّار وعدها اللّه الّذين كفروا [الحج/ 72] فتقول على هذا: وعدته شرّا. وقال: وجعلنا لمهلكهم موعداً [الكهف/ 59]
[الحجة للقراء السبعة: 2/56]
فالموعد: مصدر وعد، وهو في الإهلاك.
فأما الإيعاد فإنه يكون في التهديد، قال:
أوعدني بالسّجن والأداهم وقال:
وموعدنا بالقتل يحسب أنّه... سيخرج منّا القتل ما القتل مانع
والوعيد: نحو من الإيعاد في أنه تهديد بشرّ، قال:
ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيدي [إبراهيم/ 14] وقال فذكر بالقرآن من يخاف وعيدي [ق/ 45] وقال أحمد بن يحيى: أوعدته، وتسكت. أو تجيء بالباء: أوعدته بشرّ، ولا تقول: أوعدته الشرّ.
قال أبو علي: ولا يمتنع في نحو هذا في القياس أن يحذف الحرف فيصل الفعل، ويدلّ على ذلك ما قدمناه. من قوله: أوعدني بالسجن، فأما الميعاد في قوله: إنّ اللّه لا يخلف الميعاد [آل عمران/ 9] فإن هذا البناء قد جاء في
[الحجة للقراء السبعة: 2/57]
الأسماء والصفات، فالاسم نحو: المصباح والمفتاح. والصفة نحو: المطعان، والمطعام. والميعاد: اسم، كما أن الميقات كذلك، وليس يخلو من أن يكون من أوعد، أو وعد. فإن كان من أوعد، فإن أوعد تختصّ بالتهديد. وإن كان من وعد في التهديد وخلافه كما تقدم ذكره، فلا إخلاف للميعاد، وقد أوقع على الإخلاف الكذب. أنشد أبو عبيدة:
أتوعدني وراء بني رياح... كذبت لتقصرنّ يداك دوني
فإن قلت: إن التكذيب واقع في الاستفهام، والاستفهام لا يحتمل الصدق ولا الكذب. فإن هذا الاستفهام تقرير والتّقرير عندهم مثل الخبر، ألا ترى أنهم لم يجيبوه بالفاء كما لم يجيبوا الخبر، وقد قال: لا تختصموا لديّ وقد قدّمت إليكم بالوعيد. ما يبدّل القول لديّ وما أنا بظلّامٍ للعبيد [ق/ 28، 29] وأما الموعود فصفة قال:
لعلّك والموعود حق لقاؤه... بدا لك في تلك القلوص بداء
التقدير: الأمر الموعود حق لقاؤه.
[الحجة للقراء السبعة: 2/58]
ومن جوّز مجيء المصدر على مفعول، جاز عنده أن يكون الموعود مثل الوعد. وقولهم: وعدت: فعل يتعدى إلى مفعولين يجوز فيه الاقتصار على أحدهما كأعطيت، وليس كظننت، قال: وواعدناكم جانب الطّور الأيمن [طه/ 80] فجانب مفعول ثان، ولا يكون ظرفا لاختصاصه، والتقدير:
وعدناكم إتيانه، أو مكثا فيه، وكذلك قول الشاعر:
فواعديه سرحتي مالك إنما هو: واعديه إتيانهما أو مكثا عندهما، أو نحو ذلك من الأحداث التي يقع الوعد عليها دون الأعيان، فأما قوله:
وعدكم اللّه مغانم كثيرةً تأخذونها [الفتح/ 20] فإن المغنم يكون الغنم كما أنّ المغرم يكون الغرم في قوله: فهم من مغرمٍ مثقلون [ن/ 46] فإن قلت فقد قال: تأخذونها والغنم الذي هو حدث لا يؤخذ، إنما يقع الأخذ على الأعيان دون المعاني. فالقول: إنه قد يجوز أن يكون المغنوم الذي هو العين، سمي باسم المصدر مثل الخلق والمخلوق، ونحو ذلك. وأنشد أحمد بن يحيى:
[الحجة للقراء السبعة: 2/59]
ضوامن ما جار الدّليل ضحى غد... من البعد ما يضمن فهو أداء
أي: مؤدّى أو ذو أداء. وجمعك للمغانم، وهو مصدر، إنما هو كالمذاهب والمجاري، ونحو ذلك من المصادر المجموعة، فإذا كان كذلك وجب أن تقدّر مضافا محذوفا، كأنه: وعدكم الله تمليك مغانم أو إيراثها، وكذلك لو جعلت المغنم اسما للأعيان المغنومة كالأموال والأرضين. فأما قوله: وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ [المائدة/ 9] وقوله: وعد اللّه الّذين آمنوا ثم قال: ليستخلفنّهم [النور/ 55] فإن الفعل لم يعدّ فيه إلى مفعول ثان وقوله: لهم مغفرةٌ وليستخلفنّهم تفسير للوعد وتبيين له، كما أنّ قوله للذّكر مثل حظّ الأنثيين [النساء/ 11] تفسير للوصية في قوله:
يوصيكم اللّه في أولادكم [النساء/ 11].
وأما قوله: ألم يعدكم ربّكم وعداً حسناً [طه/ 86] وقوله: إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ [إبراهيم/ 22] فإنّ هذا ونحوه يحتمل أمرين: يجوز أن يكون انتصاب الوعد بالمصدر.
ويجوز أن يكون انتصابه بأنّه المفعول الثاني. وسمّي الموعود به الوعد، كما سمّي المخلوق بالخلق، فإذا حملته على هذا فينبغي أن تقدر حذف المضاف، ويؤكّد الوجه الأول قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/60]
ألم يعدكم ربّكم وعداً حسناً [طه/ 86].
وأما قوله: وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم [الأنفال/ 7] فإن إحدى الطائفتين في موضع نصب بأنه المفعول الثاني، وأنها لكم: بدل منه، والتقدير: وإذ يعدكم الله ثبات إحدى الطّائفتين أو ملك إحدى الطائفتين. ونحو هذا مما يدل عليه (لكم) ألا ترى أنّ (أنّ) وما بعدها في تأويل المصدر، والطائفتان: العير والنفير.
وأما قوله: أيعدكم أنّكم إذا متّم وكنتم تراباً الآية [المؤمنون 35] فمن قدر في أن الثانية البدل. فإنه ينبغي أن يقدر محذوفا ليتم بذلك الكلام، فيصح البدل، فيكون التقدير عنده: أيعدكم أن إخراجكم إذا متم، ليكون اسم الزمان خبرا عن الحدث المراد، إذ لا يصح أن يكون خبرا عن المخاطبين من حيث كانوا أعيانا، فيكون أنّكم الثانية بدلا من الأولى.
ومن قدّر في الثانية التكرير لم يحتج إلى تقدير محذوف، ومن رفع أنّكم الثانية بالظّرف- كأنه قال: أيعدكم أنكم يوم الجمعة إخراجكم- لم يحتج إلى ذلك أيضا وقد قلنا فيها في مواضع من مسائلنا.
وأما قوله: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلّا عن موعدةٍ وعدها إيّاه [التوبة/ 114] فالجملة في موضع جرّ لأنها صفة للنكرة وقد عاد الذكر منها إلى الموصوف، والفعل متعدّ إلى مفعول واحد ألا ترى أن الذكر يعود إلى المصدر، وقد قال
[الحجة للقراء السبعة: 2/61]
إبراهيم لأبيه: سأستغفر لك ربّي [مريم/ 47]، وقال واغفر لأبي إنّه كان من الضّالّين [الشعراء/ 86] وقال: ربّنا اغفر لي ولوالديّ [إبراهيم/ 41] وقال: قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والّذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا برآؤا منكم وممّا تعبدون من دون اللّه إلى قوله إلّا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرنّ لك [الممتحنة/ 4].
والمعنى: لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة في تبرّئهم من كفار قومهم، وإن كانوا ذوي أنساب منهم وأرحام، فتأسّوا بهم في ذلك، ألا تراه قال: لا تجد قوماً يؤمنون باللّه واليوم الآخر يوادّون من حادّ اللّه ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم [المجادلة/ 22] وقال: لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين [آل عمران/ 28] وقال: ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم [المائدة/ 51] فالمعنى: تأسّوا بإبراهيم وبقومه في معاداتهم لأنسبائهم وذوي قرابتهم، وترك موالاتهم لهم لمخالفتهم إياهم في دينهم وكفرهم.
فأما استغفار إبراهيم لأبيه مع أنه كان مخالفا له في التوحيد، فلا ينبغي لكم أن تستغفروا لمن كفر من آبائكم كما استغفر، لأن الاستغفار كان منه بشرط وعلى تقييد، فلا تطلقوا أنتم ذلك لمن خالفكم في توحيد الله، فإنّ استغفاره لأبيه كان مقيّدا، وإن كان قد جاء مطلقا في بعض المواضع،
[الحجة للقراء السبعة: 2/62]
فإنه إنما كان من إبراهيم على التقييد الذي جاء في مواضعه.
وقال: وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أنّ وعد اللّه حقٌّ وأنّ السّاعة لا ريب فيها [الكهف/ 21] فالمعنى فيه، وفي قوله: وإذا قيل إنّ وعد اللّه حقٌّ والسّاعة لا ريب فيها [الجاثية/ 32]: أنّ وعد الله بالبعث حق في نحو قوله: قل بلى وربّي لتبعثنّ [التغابن/ 7] فإذا عاينوا ذلك وشاهدوه وجب أن يعلموا: أن الذي وعدوا به من البعث والنشور بعد الموت، مثل الذي عاينوه، فيلزمهم الاعتراف به لمشاهدتهم له وعلمهم إياه من الوجه الذي لا يدخله ارتياب ولا تشكّك، والساعة لا ريب فيها، لأنها إنما هي يوم البعث، وقد علموا البعث والإحياء بعد الموت على ما ذكرناه. ومثل هذه قوله:
فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي اللّه الموتى [البقرة/ 73] المعنى: فقلنا: اضربوا المقتول ببعض البقرة، فضربوه به فحيي، كذلك يحيي الله الموتى، أي: يحييهم للبعث مثل هذا الإحياء الذي عوين وشوهد، ومثل ذلك، إلّا أنه في النبات قوله: فأخرجنا به من كلّ الثّمرات كذلك نخرج الموتى [الأعراف/ 57] وقوله: بل زعمتم ألّن نجعل لكم موعداً [الكهف/ 48] أي: موعدا للبعث، فجحدتم ذلك فقال: إنّ ما توعدون لآتٍ [الأنعام/ 134] وقال: بل لهم موعدٌ لن يجدوا من دونه موئلًا [الكهف/ 58] وقال: واليوم الموعود [البروج/ 2] وقال: كما بدأنا أوّل خلقٍ نعيده وعداً
علينا [الأنبياء/ 104]
[الحجة للقراء السبعة: 2/63]
دل قوله: نعيده على وعد فانتصب الوعد لدلالة الإعادة عليه في قياس قول سيبويه.
فأما قوله: ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا [البقرة/ 235] فالمعنى: لا تصرّحوا للمعتدة بلفظ النكاح والتزويج، ولكن عرّضوا به، ولا تصرحوا، وذلك نحو ما حدّثنا أحمد بن محمد البصري: قال: حدثنا المؤمّل بن هشام، قال: حدثنا إسماعيل بن عليّة عن ليث عن مجاهد في قوله: ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء [البقرة/ 235] قال: يقول: إنك لجميلة، وإنّك لنافقة، وإنك إلى خير. وقوله: إلّا أن تقولوا قولًا معروفاً [البقرة/ 235] أي: معروفا منه الفحوى، والمعنى دون التصريح ويكون: إلّا أن تقولوا قولًا معروفاً فتعرّضوا بذلك، لأن التصريح به مزجور عنه، فهو منكر غير معروف.
فأما قوله: وإذ وعدنا موسى أربعين ليلة [البقرة/ 51] فليس يخلو تعلّق الأربعين بالوعد من أن يكون على أنه ظرف أو مفعول ثان، فلا يجوز أن يكون ظرفا، لأن الوعد ليس فيها كلها، فيكون جواب كم، ولا في بعضها، فيكون كما يكون جوابا لمتى، وإنما الموعد تقضّي الأربعين، فإذا لم يكن ظرفا، كان انتصابه بوقوعه موقع المفعول الثاني.
والتقدير: وعدنا موسى انقضاء أربعين ليلة، أو: تتمة
[الحجة للقراء السبعة: 2/64]
أربعين ليلة، فحذفت المضاف، كما تقول: اليوم خمسة عشر من الشهر، أي: تمامه، وفسّر أن الأربعين: ذو القعدة، وعشر من ذي الحجّة.
ومثل ذلك في المعنى قوله: وواعدنا موسى ثلاثين ليلةً [الأعراف/ 142] أي: انقضاء ثلاثين وأتممناها بعشرٍ فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلةً [الأعراف/ 142] فالميقات هو الأربعون، وإنما هو ميقات وموعد، لما روي من أن القديم سبحانه وعده أن يكلّمه على الطور. فأما انتصاب الأربعين في قوله: فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلةً [الأعراف/ 142] فكقولك: تم القوم عشرين رجلا، والمعنى: تم القوم معدودين هذا العدد، وتم الميقات معدودا هذا العدد وقد جاء الميقات في موضع الميعاد، كما جاء الوقت في موضع الوعد في قوله: إلى يوم الوقت المعلوم [الحجر/ 38] ومما يبين تقاربهما قوله: فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلةً [الأعراف/ 142] ولمّا جاء موسى لميقاتنا [الأعراف/ 143] وفي الأخرى وإذ وعدنا موسى أربعين ليلة [البقرة/ 51] وقال: واليوم الموعود [البروج/ 2] وقال: إلى يوم الوقت المعلوم [الحجر/ 38] وقال: إلى ميقات يومٍ معلومٍ [الواقعة/ 50].
فإن قلت: لم لا يكون الوقت في قوله: إلى يوم الوقت الوقت الذي يراد به الزمان، كقولك: هذا وقت قدوم الحاج، تريد به: الأوان الذي يقدمون فيه؟
[الحجة للقراء السبعة: 2/65]
فإنّ ذلك يبعد. ألا ترى أن اليوم لا يخلو من أن تريد به وضح النهار، أو البرهة من الزمان، ولو قلت: برهة الزمان أو يوم الزمان، لم يكن ذلك بالسهل. وليس هذا كقوله:
ولولا يوم يوم..
ولا كقوله:
حين لا حين محنّ وأنت تريد به حين حين، لأن إضافة الاسمين هنا كإضافة البعض إلى الكل.
الحجة لمن قرأ: واعدنا [البقرة/ 51] أن يقول:
قد ثبت أن الله تعالى قد كان منه وعد لموسى، ولا يخلو موسى من أن يكون قد كان منه وعد، أو لم يكن. فإن كان منه وعد، فلا إشكال في وجوب القراءة بواعدنا. وإن لم يكن منه وعد، فإنّ ما كان منه من قبول الوعد والتّحرّي لإنجازه، والوفاء به، يقوم مقام الوعد، ويجري مجراه، فإذا كان كذلك كان بمنزلة الوعد، وإذا كان مثله، وفي حكمه، حسن القراءة بواعدنا، لثبات التواعد من الفاعلين، كما قال:
ولكن لا تواعدوهنّ [البقرة/ 235] لمّا كان الوعد من
[الحجة للقراء السبعة: 2/66]
الخاطب والمخطوبة. ومما يؤكد حسن القراءة بواعدنا، أنّ «فاعل» قد يجيء من فعل الواحد نحو: عافاه الله، وطارقت النعل، وعاقبت اللصّ. فإن كان الوعد من الله سبحانه، ولم يكن من موسى كان من هذا الباب. وإن كان من موسى موعد، كان الفعل من فاعلين، فإذا كان منهما لم يكن نظر في حسن واعدنا.
وحجة من قرأ وعدنا بلا ألف قوله: وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ [المائدة/ 9] وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم [النور/ 55] وقال: ألم يعدكم ربّكم وعداً حسناً [طه/ 86] وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين [الأنفال/ 7] إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ [إبراهيم/ 22] وعدكم اللّه مغانم كثيرةً تأخذونها [الفتح/ 20].
فكلّ هذا وعد من الله عباده، وهو على «فعل» دون «فاعل». فكذلك الموضع المختلف فيه، ينبغي أن يحمل على المتفق عليه، وعلى ما كثر في التنزيل من لفظ وعد دون واعد في هذا الموضع.
واختلفوا في قوله تعالى: اتّخذتم [البقرة/ 51] وأخذتم [آل عمران/ 81] ولاتّخذت [الكهف/ 77].
[الحجة للقراء السبعة: 2/67]
فأظهر الذّال في ذلك كلّه ابن كثير وعاصم في رواية حفص، وأدغمها الباقون وأبو بكر بن عياش عن عاصم أيضا معهم.
قال أبو زيد: تقول: اتخذنا مالا، فنحن نتّخذه اتّخاذا، وتخذت اتخذ تخذا.
قال أبو علي: اتّخذ: افتعل، وفعلت منه: تخذت، قال:
لو شئت لاتّخذت عليه أجراً [الكهف/ 77] وقال:
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها... نسيفا كأفحوص القطاة المطرّق
ولم أعلم تخذت تعدّى إلا إلى مفعول واحد، فأما اتّخذت فإنه في التعدي على ضربين: أحدهما: أن يتعدى إلى مفعول واحد. والآخر: أن يتعدى إلى مفعولين.
فأمّا تعدّيه إلى مفعول واحد فنحو قوله: يا ليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلًا [الفرقان/ 27] وأم اتّخذ ممّا يخلق بناتٍ [الزخرف/ 16] واتّخذوا من دون اللّه آلهةً [طه/ 82] لو أردنا أن نتّخذ لهواً لاتّخذناه من لدنّا [الأنبياء/ 17].
[الحجة للقراء السبعة: 2/68]
وأمّا ما تعدّى إلى مفعولين، فإن الثاني منهما الأول في المعنى قال: اتّخذوا أيمانهم جنّةً [المجادلة/ 16].
وقال: لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء [الممتحنة/ 1] فاتّخذتموهم سخريًّا [المؤمنون/ 110].
فأمّا قوله: واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى [البقرة/ 125] فإن من أجاز زيادة (من) في الإيجاب، جاز على قوله أن يكون قد تعدى إلى مفعولين، ومن لم يجز ذلك، كان عنده متعديا إلى مفعول واحد.
ونظير اتّخذ فيما ذكرناه من تعديه إلى مفعول واحد مرة، وأخرى إلى مفعولين الثاني منهما الأول في المعنى: «جعلت» قال: وجعل الظّلمات والنّور [الأنعام/ 1] أي: خلقهما.
فإذا تعدى إلى مفعولين كان الثاني الأول في المعنى، كقوله: واجعلوا بيوتكم قبلةً [يونس/ 87] وجعلناهم أئمّةً يدعون إلى النّار [القصص/ 41] وجعلنا منهم أئمّةً يهدون بأمرنا [السجدة/ 24].
فعلى الخلاف الذي تقدم ذكره: وجعلوا الملائكة الّذين هم عباد الرّحمن إناثاً [الزخرف/ 19].
فأمّا قوله: ثمّ اتّخذتم العجل من بعده [البقرة/ 51].
وقوله: باتّخاذكم العجل [البقرة/ 54]، اتّخذوه وكانوا ظالمين [الأعراف/ 148] واتّخذ قوم موسى من بعده من حليّهم عجلًا [الأعراف/ 148]. فالتقدير في ذلك كله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/69]
اتخذوه إلها، فحذف المفعول الثاني، الدليل على ذلك: أن الكلام لا يخلو من أن يكون على ظاهره كقوله: كمثل العنكبوت اتّخذت بيتاً [العنكبوت/ 41] وقوله:
متّخذا من عضوات تولجا أو يكون على إرادة المفعول، فلا يجوز أن يكون على ظاهره دون إرادة المفعول الثاني لقوله: إنّ الّذين اتّخذوا العجل سينالهم غضبٌ من ربّهم وذلّةٌ في الحياة الدّنيا [الأعراف/ 152]، ومن صاغ عجلا، أو نجره، أو عمله بضرب من الأعمال، لم يستحقّ الغضب من الله، والوعيد عند المسلمين. فإذا كان كذلك علم أنه على ما وصفنا من إرادة المفعول الثاني المحذوف في هذه الآي.
فإن قال قائل:
فقد جاء في الحديث: «يعذّب المصوّرون يوم القيامة»
وفي بعض الحديث: «فيقال لهم: أحيوا ما خلقتم».
[الحجة للقراء السبعة: 2/70]
قيل: «يعذّب المصورون» يكون على من صوّر الله تصوير الأجسام. وأما الزيادة فمن أخبار الآحاد التي لا توجب العلم، فلا يقدح لذلك في الإجماع على ما ذكرنا.
ومن زعم أنّ «تخذت» أصله من: أخذت، لم يكن هذا القول بمستقيم ولا قريب منه، ولو قلب ذلك عليه لم يجد فصلا، ألا ترى أنّ الهمزة لم تبدل من التاء، ولا التاء أبدلت منها.
فإن قلت: فلم لا يكون اتّخذت: افتعلت، من اخذت، كأنّ الهمزة لمّا أبدلت منها التاء لالتقائها مع همزة الوصل، أدغمت في التاء الزائدة كما أبدلوا في قولهم اتّسروا الجزور وإنما هو من اليسر ؟
فالقول: إنّ ما ذكرته من الإبدال لا يجوز في قياس قول أصحابنا، والذين أجازوا من ذلك شيئا لا ينبغي أن يجوز ذلك على قولهم، لاختلاف معنى الحرفين وقد قدمنا ذكر ذلك في ذكر قوله: الّذين يؤمنون بالغيب [البقرة/ 3].
[الحجة للقراء السبعة: 2/71]
فأما «أخذتم» فإن الأخذ قد استعمل منه فعل وفاعل وفعّل واستفعل:
فأما فعل منه فيتصرّف على ضروب:
منها: أنه يوجب الضّمان على المعترف به، كما يوجبه غصبت، يدلّ على ذلك ما أنشده أبو زيد:
أخذن اغتصابا خطبة عجرفيّة... وأمهرن أرماحا من الخطّ ذبّلا
فالقول في أخذن اغتصابا على ضربين: أحدهما: أن أخذن بمنزلة غصبن، فانتصب اغتصابا بعده، كما ينتصب باغتصبن، والآخر: أنه ينتصب بما يدل عليه أخذن من الاغتصاب، وما يدل على الغصب بمنزلته، وفي حكمه.
ومنها: أن يدل على العقاب، كقوله: وكذلك أخذ ربّك إذا أخذ القرى وهي ظالمةٌ، إنّ أخذه أليمٌ شديدٌ [هود/ 103] فأخذناهم بالبأساء والضّرّاء [الأنعام/ 42] وأخذ الّذين ظلموا الصّيحة [هود/ 67] وأخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ [الأعراف/ 165] فأخذناهم أخذ عزيزٍ مقتدرٍ [القمر/ 42].
[الحجة للقراء السبعة: 2/72]
ومنها: أن يستعمل للمقاربة، قالوا: أخذ يقول، كما قالوا: جعل يقول، وكرب يقول، [وطفق يفعل].
ومنها: أن يتلقّى بما يتلقّى به القسم، نحو قوله: وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للنّاس [آل عمران/ 187]، وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم [البقرة/ 84].
ومن ذلك قوله: خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ [البقرة/ 93] فليس معنى هذا: تناولوه، كما تقول: خذ هذا الثوب، ولكن معناه:
اعملوا بما أمرتم فيه، وانتهوا عمّا نهيتم عنه فيه بجدّ واجتهاد.
ومثل أخذ في ما ذكرنا من معنى العقاب: «آخذ». قال:
لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجّل لهم العذاب، [الكهف/ 58] ولو يؤاخذ اللّه النّاس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابّةٍ [فاطر/ 45] لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [البقرة/ 286] لا يؤاخذكم اللّه باللّغو [البقرة/ 225].
وقال أبو زيد: إنّ الحمّى لتخاوذ فلانا. إذا كانت تأخذه في الأيام، وفلان يخاوذ فلانا بالزيارة: إذا كان يتعهّده بالزيارة في الأيام. والقول في ذلك: إنه ليس من الأخذ على القلب، ولو كان منه لكان يخائذ إذا حقّقت، فإذا خفّفت قلت يخايذ، فتجعلها بين بين، فإذا كانت من الواو، لم يكن منه.
إلا أن أخذ قد جاء فيه لغتان في الفاء: الواو والهمزة، كما
[الحجة للقراء السبعة: 2/73]
جاء أكدت ووكّدت، وأوصدت وآصدت. وحكى أبو زيد في هذا الكتاب أيضا: وهو نابه ونبيه، أوسد فلان كلبه على الصيد يوسده إيسادا، وقد آسده إذا أغراه. فكذلك يكون يخاوذ، كأنه قلبه عن وخذ، فثبتت الواو التي هي فاء في القلب، فصار يخاوذ: يعافل في القلب.
وقال أبو زيد: في المصادر ائتخذنا في القتال، نأتخذ ائتخاذا.
قال أبو علي: فهذا افتعل من الأخذ، ولا يجوز الإدغام في هذا، كما جاز في قولنا: اتخذنا مالا.
وأما فعّل فقالوا: رجل مؤخّذ عن امرأته.
وقال أبو حنيفة في الرجل المؤخّذ عن امرأته: يؤجّل كما يؤجّل العنّين. وللنساء كلام فيما زعموا يسمّينه الأخذ.
وأما استفعل، فقال الأصمعي فيما روى عنه الزّياديّ الاستئخاذ: أشد الرّمد.
وقال الهذليّ:
[الحجة للقراء السبعة: 2/74]
يرمي الغيوب بعينيه ومطرفه... مغض كما كسف المستأخذ الرّمد
كما كسف المستأخذ، أي: عين المستأخذ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. والرمد: الفاعل.
ويجوز: كما كسف المستأخذ الرّمد، أي: كسف عينه، فحذف المفعول كما يحذف في غير هذا.
وأما حجّة من لم يدغم أخذتم، واتخذتم، فلأن الذّال ليس من مخرج التاء والطاء، والذّال إنما هي من مخرج الظاء والثاء، فتفاوت ما بينهما، إذ كان لكل واحد من هذين القبيلين حيز ومخرج غير مخرج الآخر. وأيضا فإن الذال مجهورة، والتاء مهموسة، والمجهور يقرّب منه المهموس بأن يبدل مجهورا، ألا ترى أنّهم قالوا: في افتعل من الزين والذّكر:
ازدان وادّكر، ومزدان ومدّكر. فلمّا قرّبوا المهموس من المجهور بأن قلبوه إليه، لم يدغم المجهور في المهموس، لأنه تقريب منه، وهذا عكس ما فعل في مزدان، لأنهم في مزدان، إنّما قرّبوا المهموس من المجهور، وأنت إذا أدغمت الذّال في التاء، قرّبت المجهور من المهموس، قال سيبويه: حدثنا من لا نتّهم أنه سمع من يقول: أخذت، فيبيّن.
وحجّة من أدغم: أنّ هذه الحروف لمّا تقاربت، فاجتمعت في أنها من طرف اللسان وأصول الثنايا، قرب كلّ
[الحجة للقراء السبعة: 2/75]
حيّز منها من الحيّز الآخر. ألا ترى أنهم أدغموا الظاء والثاء والذال في الطاء والتاء والدال، وكذلك أدغموهنّ في الظاء، وأختيها في الانفصال، نحو: ابعث داود وأنفذ ثابتا، فإذا أدغمت في الانفصال، كان إدغامها فيما يجري مجرى المتّصل أولى). [الحجة للقراء السبعة: 2/76]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة} 51
قرأ ابو عمرو وإذ وعدنا موسى بغير ألف وكذلك في الأعراف وطه
وحجته أن المواعدة إنّما تكون بين الآدميّين وأما الله جلّ وعز فإنّه المنفرد بالوعد والوعيد ويقوّي هذا قوله {إن الله وعدكم وعد الحق}
وقرأ الباقون وإذ واعدنا بالألف وحجتهم أن المواعدة كانت من الله ومن موسى فكانت من الله أنه واعد موسى لقاءه على الطّور ليكلمه ويكرمه بمناجاته وواعد موسى ربه المصير إلى الطّور لما أمره به ويجوز أن يكون المعنى على إسناد الوعد إلى الله نظير ما تقول طارقت نعلي وسافرت والفعل من واحد على ما تكلّمت به العرب). [حجة القراءات: 96]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (25- قوله: {وإذ واعدنا} قرأ أبو عمرو بغير ألف، ومثله في الأعراف وطه، وقرأه الباقون بألف بعد الواو.
26- وعلة من قرأ بغير ألف إجماعهم على قوله: {ألم يعدكم} «طه 86» ولم يقل «يواعدكم» فالوعد من الله جل وعز وعده لموسى، وأيضًا فإن المفاعلة أكثر ما تكون من اثنين بين البشر، والوعد من الله وحده كان لموسى فهو منفرد بالوعد والوعيد، وعلى ذلك جاء القرآن، قال تعالى ذكره: {وعدكم} «إبراهيم 22»، و{إذ يعدكم} «الأنفال 7»، و{النار وعدها} «الحج 72» و{ألم يعدكم} «طه 86» وأيضًا فإن ظاهر اللفظ فيه وعد من الله لموسى، وليس فيه وعد من موسى فوجب حمله على الواحد بظاهر النص، لأن الفعل مضاف إلى الله وحده، وهو اختيار أبي عبيد، وهي قراءة الحسن وأبي رجاء وأبي جعفر وشيبة وعيسى بن عمر، وبه قرأ قتادة وابن أبي إسحاق، قال أبو حاتم: قراءة العامة عندنا «وعدنا» بغير ألف، وقال: إن المواعدة أكثر ما تكون بين المخلوقين والمتكافئين، كل واحد يعد صاحبه.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/239]
27- وعلة من قرأ بألف أنه جعل المواعدة من الله ومن موسى، وعد الله موسى لقاءه على الطور ليكلمه ويناجيه، ووعد موسى الله المسير لما أمره به، والمواعدة أصلها من اثنين، وكذلك هي في المعنى، ويجوز أن تكون المواعدة من الله جل ذكره وحده، فقد تأتي المفاعلة من واحد في كلام العرب، قالوا: طارقت النعل، وداويت العليل، وعاقبت اللص، والفعل من واحد، فيكون لفظ المواعدة من الله خاصة لموسى كمعنى «وعدنا» فتكون القراءاتان بمعنى واحد، وليس يبعد أن تكون المواعدة في هذا من اثنين، فيصح «واعدنا»، لأن موسى لابد أن يكون منه وعد لإتيانه ما أمر به، فيكون من باب «واعدنا» أو يكون موسى كان منه قبول الوعد التحري لإنجازه، والوفاء به، فيقوم ذلك منه مقام الوعد، ويجري منه قبول إلى معنى المفاعلة، فتلزم القراءة بالألف في الوجهين جميعًا، وقد قال الله: {ولكن لا تواعدوهن سرًا} «البقرة 235» فأتى بالمواعدة لأن التواعد كان من الخاطب ومن المخطوبة والاختيار «واعدنا» بالألف لأنه بمعنى «وعدنا» في أحد معنييه، ولأنه لابد لموسى من وعد أو قبول، يقوم مقام الوعد، فتصح المفاعلة على الوجهين جميعًا، ولأنه عليه أكثر القراء، وهو اختيار أبي طاهر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/240]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (19- {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى} [آية/ 51]:-
بالألف، قرأها ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي.
وهو من المواعدة التي تكون من اثنين، إذ كان من الله تعالى لموسى وعد، وكان من موسى عليه السلام قبول له، فجرى ذلك مجرى المواعدة، ويجوز أن يكون من موسى أيضًا وعد بالحضور في الطور أو بالصوم أو بشيءٍ من ذلك، فتصح المواعدة.
ويجوز أن يكون الوعد في {واعدنا} من الله تعالى فحسب، فيكون فاعل من واحدٍ كعاقبت اللص وطارقت النعل.
وقرأ أبو عمرو ويعقوب {وَعَدْنا} بغير ألف.
لأن أكثر ما في القرآن من هذا اللفظ قد جاء على وعد دون واعد نحو: {وَعَدَ الله الَّذِينَ آَمَنُوا} و{أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ} {وَعَدَكُمُ
[الموضح: 274]
الله مَغَانِمَ}، وكل هذا على أن الواعد هو الله تعالى، فإلحاق ذلك أيضًا بما كثر مثله في التنزيل أحرى.
ثم إذا حمل {وَاعَدْنَا} في بعض وجوهِهِ على {وَعَدْنا} فلأن يختار {وَعَدْنَا} الذي هو الأصل المحمول عليه أولى). [الموضح: 275]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (20- {اتَّخَذْتُمُ} [آية/ 51]:-
بإظهار الذال، وكذلك {أَخَذْتُمْ} و{لتّخَذْتَ}، قرأها ابن كثير و- ص- عن عاصم.
ووجه ذلك أن الذال ليس من مخرج التاء، ثم إنها مجهورة، والتاء مهموسة، وهما متباينان، ثم إن المهموس قد يقرب من المجهور بأن يقلب إياه في نحو: ادكر وازدان حيث قلب التاء وهو مهموس دالاً وهو مجهور، فلو كنت تدغم الذال في التاء لكنت قربت المجهور من المهموس، وهذا عكس ما ذكرناه، وإدغام الأقوى صوتًا في الأضعف صوتًا ليس بقياس عندهم.
وقرأ الباقون بالإدغام في ذلك كله في جميع القرآن.
ووجهه أن الحرفين اجتمعا في أنهما جميعًا من طرف اللسان وأصول الثنايا، وحيز أحدهما قريب من حيز الآخر وإن تباينا في المخرج وتخالفا
[الموضح: 275]
في الهمس والجهر، وقد فعلوا مثل هذا الإدغام في: أنقذ ثابتًا، والحرفان منفصلان، فلأن يفعل فيما هو كالمتصل أولى). [الموضح: 276]

قوله تعالى: {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52)}

قوله تعالى: {وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:43 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (54) إلى الآية (57) ]

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) }

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فتوبوا إلى بارئكم)
روى اليزيدي عن أبي عمرو (بارئكم) بجزم الهمزة.
وروى عباس عن أبي عمرو أنه قال: قراءتي (بارئكم) مهموزة لا يثقّلها. وقال سيبويه: كان أبو عمرو يختلس الحركة من (بارئكم)، وهو صحيح، وسيبويه أضبط لما
[معاني القراءات وعللها: 1/150]
روى عن أبي عمرو من غيره، لأن حذف الكسر في مثل هذا إنما يأتي في اضطرار الشعر، ولا يجوز ذلك في القرآن، وسائر القراء قرأوا بالإشباع، وكسر الهمزة، وهي القراءة المختارة، وليس كل لسان يطوع ما كان يطوع له لسان أبي عمرو، لأن صيغة لسانه صارت كصيغة ألسنة العرب الذين شاهدهم وألف عادتهم). [معاني القراءات وعللها: 1/151]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في بارئكم [البقرة/ 54] في كسر الهمز واختلاس حركتها.
فكان عبد الله بن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ يكسرون العين من غير اختلاس ولا تخفيف.
واختلف عن أبي عمرو، فقال العباس بن الفضل الأنصاريّ: سألت أبا عمرو كيف تقرأ: إلى بارئكم مهموزة مثقّلة، أو إلى بارئكم مخففة؟ فقال: قراءتي مهموزة غير مثقّلة بارئكم.
وروى اليزيديّ وعبد الوارث عنه: إلى بارئكم ولا يجزم الهمزة.
[الحجة للقراء السبعة: 2/76]
قال أحمد: وقال سيبويه: كان أبو عمرو يختلس الحركة من: بارئكم ويأمركم [البقرة/ 67] وما أشبه ذلك، مما تتوالى فيه الحركات، فيري من يسمعه أنه قد أسكن ولم يكن يسكن، وهذا مثل رواية عباس بن الفضل عنه التي ذكرتها أنه لا يثقّلها. وهذا القول أشبه بمذهب أبي عمرو، لأنه كان يستعمل التخفيف في قراءته كثيرا. من ذلك ما حدثني عبيد الله بن عليّ الهاشميّ عن نصر بن علي عن أبيه عنه أنه كان يقرأ ويعلّمهم الكتاب [البقرة/ 129] ويلعنهم [البقرة/ 159] يشمّ الميم والنون التي قبل الهاء الضمّ من غير إشباع. وكذلك: عن أسلحتكم وأمتعتكم [النساء/ 102] يشمّ التاء فيها شيئا من الخفض. أخبرني بذلك أبو طالب عبد الله بن أحمد بن سوادة قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد الزّهراني، قال: حدثنا عبيد بن عقيل عن أبي عمرو بذلك.
قال: وكذلك: ويزكّيكم ويعلّمكم [البقرة/ 151] يشمّها شيئا من الضم، وكذلك: يوم يجمعكم [التغابن/ 9] يشمّ العين شيئا من الضم، وكذلك قوله: وأرنا مناسكنا [البقرة/ 128] لا يسكن الراء ولا يكسرها.
روى ذلك عنه علي بن نصر وعبد الوارث واليزيديّ وعباس بن الفضل وغيرهم، أعني: وأرنا وكذلك قراءته
[الحجة للقراء السبعة: 2/77]
في: يأمركم [البقرة/ 67] ويأمرهم [الأعراف/ 157] وينصركم [آل عمران/ 160] وما أشبه ذلك من الحركات المتواليات.
وروى عبد الوهاب بن عطاء وهارون الأعور عن أبي عمرو: وأرنا ساكنة الراء. وقال اليزيدي في ذلك كله:
إنه كان يسكّن اللام من الفعل في جميعه. والقول: ما خبرتك من إيثاره التخفيف في قراءته كلها، والدليل على إيثاره التخفيف أنه كان يدغم من الحروف ما لا يكاد يدغمه غيره، ويليّن الساكن من الهمز، ولا يهمز همزتين وغير ذلك.
وقال عليّ بن نصر: عن أبي عمرو: ولا يأمركم [آل عمران/ 80] برفع الراء مشبعة.
قال أبو علي: حروف المعجم على ضربين: ساكن ومتحرك. والساكن على ضربين:
أحدهما: ما أصله في الاستعمال السّكون مثل راء برد، وكاف بكر.
والآخر: ما أصله الحركة في الاستعمال فيسكن عنها.
وما كان أصله الحركة يسكن على ضربين، أحدهما: أن تكون حركته حركة بناء، والآخر: أن تكون حركة الإعراب.
[الحجة للقراء السبعة: 2/78]
وحركة البناء التي تسكن على ضربين:
أحدهما: أن يكون الحرف المسكن من كلمة مفردة، نحو: فخذ وسبع وإبل، وضرب وعلم. يقول من يخفف:
سبع، وفخذ، وعلم وضرب.
والآخر: أن يكون هذا المثال من كلمتين، فيسكن على تشبيه المنفصل بالمتصل، كما جاء ذلك في مواضع من كلامهم نحو الإمالة والإدغام، وذلك قولهم: «أراك منتفخا» ويخش اللّه ويتّقه [النور/ 52] ومن ذلك قول العجاج:
فبات منتصبا وما تكردسا ألا ترى أنّ نفخا من منتفخ، مثل كتف، وكذلك تقه من يتّقه، وكذلك ما أنشده أبو زيد من قوله:
قالت سليمى اشتر لنا سويقا فنزّل مثل كتف. فأما حركة البناء فلا خلاف في تجويز إسكانها في نحو ما ذكرنا من قول العرب والنحويين. وأما حركة الإعراب فمختلف في تجويز إسكانها، فمن الناس من ينكره فيقول إن إسكانها لا يجوز من حيث كان علما للإعراب.
وسيبويه يجوّز ذلك، ولا يفصل بين القبيلين في الشعر، وقد روى ذلك عن العرب، وإذا جاءت الرواية لم تردّ بالقياس، فمن ما أنشده في ذلك قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/79]
وقد بدا هنك من المئزر وقوله:
فاليوم أشرب غير مستحقب وقال: إذا اعوججن قلت صاحب قوّم ومما جاء في هذا النحو قول جرير:
سيروا بني العمّ فالأهواز منزلكم... ونهر تيرا ولا تعرفكم العرب
ومن ذلك قول وضاح اليمن:
[الحجة للقراء السبعة: 2/80]
إنما شعري شهد... قد خلط بالجلجلان
فأسكن الفتحة في مثال الماضي، وهذه الفتحة تشبه النصبة. كما أن الضمة في: صاحب قوّم، تشبه الرفعة. وجاز إسكان حركة الإعراب، كما جاز تحريك إسكان البناء، فشبّه ما يدخل على المعرب من المتحركات من الحركة بما يدخل على المبني، كما شبهوا حركات البناء بحركات الإعراب، فمن ثمّ أدغم نحو: ردّ، وفرّ، وعضّ ونحو ذلك، كما أدغموا نحو:
يردّ، ويشدّ. وذلك أن حركة غير الإعراب لما كانت تعاقب على المبني، كما تعاقب حركة الإعراب على المعرب أدغموه، كما أدغموا المعرب، والحركات المتعاقبة على
ذلك، نحو:
حركة الهمزة إذا سكن ما قبلها، نحو: اضرب أخاك، ونحو:
حركة التقاء الساكنين، وحركة النونين الخفيفة والشديدة فكما شبهوا تعاقب هذه الحركات التي للبناء على أواخر الكلم بتعاقب حركات الإعراب، حتى أدغم من أدغم نحو: ردّ، واستعدّ، كما يدغم نحو: يردّ، ويستعدّ، كذلك شبهوا حركة الإعراب بالبناء في نحو ما ذكرنا فأسكنوا.
فأما من زعم أن حذف هذه الحركة لا يجوز من حيث كانت علما للإعراب، فليس قوله بمستقيم، وذلك أن حركات
[الحجة للقراء السبعة: 2/81]
الإعراب قد تحذف لأشياء، ألا ترى أنها تحذف في الوقف، وتحذف من الأسماء والأفعال المعتلّة. فلو كانت حركة الإعراب لا يجوز حذفها من حيث كانت دلالة الإعراب، لم يجز حذفها في هذه المواضع، فإذا جاز حذفها في هذه المواضع لعوارض تعرض، جاز حذفها أيضا في ما ذهب إليه سيبويه وهو التشبيه بحركة البناء، والجامع بينهما: أنهما جميعا زائدان. وأنها قد تسقط في الوقف والاعتلال، كما تسقط التي للبناء للتخفيف.
فإن قلت: إن سقوطها في الوقف إنما جاز لأنه إذا وصلت الكلمة ظهرت الحركة ويستدل عليه بالموضع.
قيل: وكذلك إذا أسكن نحو: هنك، استدلّ عليه بالموضع، وإذا فارقت هذه الصّيغة التي شبّهت لها بسبع، ظهرت كما تظهر التي للإعراب في الوصل.
ومما يدل على أن هذه الحركة إذا أسكنت كانت مرادة، كما أن حركة الإعراب مرادة، قولهم: رضي، ولقضو الرجل، فأسكنوا، ولم يرجعوا الياء والواو إلى الأصل، حيث كانت مرادة. كذلك تكون حركة الإعراب لمّا كانت مرادة، وإن حذفت لم يمتنع حذفها، وكان حذفها بمنزلة إثباتها في الجواز كما كانت الحركة فيما ذكرنا كذلك.
فإن قلت: إنّ حركات الإعراب تدل على المعنى، فإذا
[الحجة للقراء السبعة: 2/82]
حذفت اختلّت الدّلالة عليه، قيل: وحركات البناء أيضا قد تدل على المعنى وقد حذفت، ألا ترى أن تحريك العين بالكسر في نحو: ضرب يدل على معنى، وقد جاز إسكانها، فكذلك يجوز إسكان حركة الإعراب. وكذلك الكسر في مثل حذر، والضمة في نحو: حذر.
واعلم أن الحركات التي تكون للبناء والإعراب يستعملون في الضمة والكسرة منهما ضربين، أحدهما: الإشباع والتمطيط، والآخر: الاختلاس والتخفيف، وهذا الاختلاس والتخفيف إنما يكون في الضمة والكسرة، فأما الفتحة فليس فيها إلا الإشباع ولم تخفّف الفتحة بالاختلاس، كما لم تخفّف بالحذف، في نحو: جمل، وجبل، كما خفّف نحو: سبع وكتف، وكما لم يحذفوا الألف في الفواصل والقوافي من حيث حذفت الياء والواو فيهما، نحو: واللّيل إذا يسر [الفجر/ 4] وقوله:
... ثم لا يفر وكما لم يبدل الأكثر من التنوين الياء ولا الواو في الجر والرفع كما أبدلوا الألف في النصب، وهذا الاختلاس، وإن كان الصوت فيه أضعف من التمطيط، وأخفى، فإن الحرف المختلس حركته بزنة المتحرك، وعلى هذا المذهب حمل
[الحجة للقراء السبعة: 2/83]
سيبويه قول أبي عمرو: إلى بارئكم [البقرة/ 54] فذهب إلى أنه اختلس الحركة ولم يشبعها فهو بزنة حرف متحرك.
فمن روى عن أبي عمرو الإسكان في هذا النحو، فلعلّه سمعه يختلس فحسبه لضعف الصوت به والخفاء إسكانا، وعلى هذا يكون قوله: ويعلّمهم الكتاب [البقرة/ 129] ويلعنهم اللّه [البقرة/ 159] وكذلك عن أسلحتكم [النساء/ 102] وكذلك يزكّيكم ويعلّمكم [البقرة/ 151] ويوم يجمعكم [التغابن/ 9] ولا يأمركم [آل عمران/ 80] هذا كله على الاختلاس مستقيم حسن، ومن روى عنه الإسكان فيها، وقد جاء ذلك في الشعر، فلعله ظن الاختلاس إسكانا.
فأمّا قوله: وأرنا مناسكنا [البقرة/ 128] فالإسكان فيه حسن على تشبيه المنفصل بالمتصل، والاختلاس حسن، وليس إسكان هذا مثل إسكان: يأمركم، وأسلحتكم لأن الكسرة في: أرنا ليست بدلالة إعراب، ومثل ذلك قول من قال: ويتّقه ومن روى الإسكان في حروف الإعراب فقال:
تسكن لام الفعل، فعلى تجويز ما جاء في الشعر وفي الكلام، وقد تقدم ذكر ذلك.
فإن قال قائل: فهلا لم تسكن أرنا لأنّ الراء متحركة بحركة الهمزة فإذا حذفها لم تدلّ على الهمزة كما تدلّ إذا
[الحجة للقراء السبعة: 2/84]
أثبتها عليها، قيل: ليس هذا بشيء، ألا ترى أن الناس أدغموا: لكنّا هو اللّه ربّي [الكهف/ 28] فذهاب الحركة في أرنا في التخفيف ليس بدون ذهابها في الإدغام). [الحجة للقراء السبعة: 2/85]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قال ابن مجاهد: حدثني عبد الله بن محمد قال: حدثنا خالد بن مرداس قال: حدثنا الحكم بن عمر الرُّعَيْني قال: أرسلني خالد بن عبد الله القسري إلى قتادة أسأله
[المحتسب: 1/82]
عن حروف من القرآن؛ منها قوله: {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}، فقال قتادة: [فاقتالوا أنفسكم] من الاستقالة.
قال أبو الفتح: اقتال هذه افتعل، ويصلح أن يكون عينها واوًا كاقتاد، وأن يكون ياء كاقتاس.
وقول قتادة: إنها من الاستقالة، يقتضي أن يكون عينها ياء؛ لما حكاه أصحابنا عمومًا: من قِلت الرجل في البيع بمعنى أقلته، وليس في قِلت دليل على أنه من الياء؛ لقولهم: خِفت ونِمت، وهما من الخوف والنوم؛ لكنه في قولهم في مضارعه: أقيله.
وليس يحسن أن يحمله على مذهب الخليل في طِحت أطيح وتهت أتيه، أنهما فَعِلت أَفْعِل من الواو؛ لقلة ذلك.
وعلى أن أبا زيد قد حكى: ما هت الركِيَّةُ تميهُ، ودامت السماء تديم؛ لقلة ما هت تميه، ولأن أبا زيد قد حكى في دامت تديم المصدر وهو دَيْمًا، فقد يكون هذا على أن أصل عينه ياء.
وحدثني أبو علي بحلب سنة ست وأربعين قال: قال بعضهم: إن قِلت الرجل في البيع ونحوه إنما هو من: قُلْتُ له افسخ هذا العقد، وقال لي: قد فعلتُ، فهي عند من ذهب إلى ذلك من الواو.
قال أبو علي: ويفسد هذا ما حكوه في مضارعه من قولهم: أقيله، فهذا دليل الياء.
قال: ولا ينبغي أن يحمل على أنه فَعِلَ يَفْعِلُ من الواو -يريد مذهب الخليل- لقلة ذلك.
قال: لكنه من قولهم: تَقَيَّلَ فلان أباه، إذا رَجَعَتْ إليه أشباه منه. فمعنى أقلته على هذا: أني رجعت له عما كنت عقدته معه، ورجع هو أيضًا؛ فقد ثبت بذلك أن عين استقال من الياء، ولا يعرف في اللغة افتعلت من هذا اللفظ في هذا المعنى ولا غيره؛ وإنما هو استفعلت استقلت.
وقد يجوز أن يكون قتادة عرف هذا الحرف على هذا المثال، وعلى أنه لو كان بمعنى استقلت لوجب أن يُستعمل باللام، فيقال: استقلت لنفسي أو على نفسي، كما يقال: استعطفت فلانًا
[المحتسب: 1/83]
لنفسي وعلى نفسي، وليس معناه أن يسأل نفسه أن يُقِيلَه؛ وإنما يريد: أن يسأل ربه -عز وجل- أن يعفو عن نفسه. وكان له حرى -لو كان على ذلك- أن يقال: فاقتالوا لأنفسكم؛ أي: استقيلوا لها، واستصفحوا عنها.
فأما اقتال متعديًا، فإنما هو في معنى ما يجتره الإنسان لنفسه من خير أو شر ويقترحه، وهو من القول. قال:
بما اقتال من حُكْم عَلَيَّ طبيبُ
أي: بما أراده واقترحه واستامه، وليس معنى هذا معنى الآية، بل هو بضده؛ لأنه بمعنى استَلِينُوا واستعطفوا. هذا ما يُحْضِرُه طريق اللغة، ومذهب التصريف والصنعة، إلا أن قتادة ينبغي أن يحسن الظن به، فيقال: إنه لم يورد ذلك إلا بحجة عنده فيه من رواية أو دراية). [المحتسب: 1/84]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فتوبوا إلى بارئكم} {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}
[حجة القراءات: 96]
قرأ أبو عمرو إلى بارئكم ويأمركم وينصركم بالاختلاس وحجته في ذلك أنه كره كثرة الحركات في الكلمة الواحدة وروي عنه إسكان الهمزة قال الشّاعر:
إذا اعوججن قلت صاحب قوم
والكلام الصّحيح يا صاحب أقبل أو يا صاحب اقبل
وقرأ الباقون بارئكم ويأمركم بالإشباع على أصل الكلمة وهو الصّواب ليوفى كل حرف حقه من الإعراب). [حجة القراءات: 97] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (28 قوله: «ينصركم، وبارئكم» وشبهه، قرأه أبو عمرو في رواية الرقيين عنه بإسكان الراء والهمزة في «بارئكم» و«يأمرهم» و«يشعركم» و«ينصركم» و«بارئكم» على ما ذكرنا في الكتاب الأول، وقرأ في رواية العراقيين عنه باختلاس حركة الراء والهمزة في ذل، واختيار اليزيدي
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/240]
الإشباع كالباقين، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو في رواية الرقيين عنه «أرني، وأرنا» بإسكان الراء، وقرأ أبو عمرو في رواية العراقيين عنه بالاختلاس، وقرأ ابن عامر وأبو بكر بإسكان الراء في السجدة في قوله: {أرنا اللذين} «29»، خاصة، وقرأ الباقون بحركة تامة في ذلك كله.
29- وعلة من أسكن أنه شبه حركة الإعراب بحركة البناء، فأسكن حركة الإعراب استخفافًا، لتوالي الحركات، تقول العرب: «أراك منتفخًا» بسكون الفاء، استخفافًا لتوالي الحركات، وأنشدوا:
وبات منتصبًا وما تكردسا
فأسكن الصاد لتوالي الحركات فشبه حركات الإعراب بحركات البناء، فأسكنها وهو ضعيف مكروه.
30- وعلة من اختلس الحركة أنها لغة للعرب في الضمات والكسرات تخفيفًا لا ينقص ذلك الوزن، ولا يتغير المعرب، ولما كان تمام الحركة مستثقلًا، لتوالي الحركات وكثرتها، والإسكان بعيدًا؛ لأنه يغير الإعراب عن جهته فتوسط الأمرين، فاختلس الحركة، فلم يخل بالكلمة من جهة الإعراب، ولا ثقلها من جهة توالي الحركات، فتوسط الأمرين.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/241]
31- وعلة من أتم الحركة، لم يسكن، ولا اختلس أنه أتى بالكلمة على أصلها، وأعطاها حقها من الحركات، كما يفعل بسائر الكلام، ولم يستثقل توالي الحركات؛ لأنها في تقدير كلمتين، المضمر كلمة، وما قبله كلمة، ولأن حذف الإعراب إنما يجوز في الشعر، ولا يحمل القرآن على ما يجوز في الشعر، وأيضًا فإنه فرق بين حركة الإعراب، التي تدل على معنى، وبين حركة البناء، التي لا تدل على معنى في أكثر الكلام، وأنه فرق أيضًا بين حركة البناء، التي لا تتغير عن حالها، وبين حركة الإعراب، التي تتغير، وتنتقل عن حالها، فألزم حركة الإعراب ترك التغييرين، إذ هي تتغير، فلم يجز أن يلحقها تغيير آخر، وجوز ذلك في حركة البناء إذ لا تتغير، وأجاز أن تغير بالإسكان استخفافًا، وأيضًا فإن عليه الجماعة، والإسكان في «أرنا» و«أرني» أخف من الإسكان في «يأمركم، وبارئكم» وشبهه لأن تلك حركة بناء، لا تتغير، وهذه حركة إعراب تتغير، وتنتقل، وإسكان حرف الإعراب بعيد ضعيف، وإسكان حركة البناء، إذا استثقلت، مستعمل كثير؛ لأن قولك: «أرني» بمنزلة «كتفي»، و«أرنا» بمنزلة «كتفا» والعرب تسكن الثاني من هذا استخفافًا، فحمل «أرني، وأرنا» على ذلك، لأن الكسرة في كل ذلك بناء، والاختيار تمام الحركات لأنه الأصل، وعليه جماعة القراء، وهو اختيار اليزيدي، ولأن الإسكان إخلال بالكلام، وتغيير للإعراب، والاختلاس فيه تكلف وتعمد ومؤونة، وهو خارج عن الأصول، قليل العمل به، قليل الرواية له، وقد اختار أبو أيوب إشباع الحركة في «أرنا»، وهو الأصل والاختيار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/242]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (21- {بَارِئِكُمْ} [آية/ 54]:-
مختلسة الهمز، قرأها أبو عمرو، وكذلك {يَنْصُرُكُمْ} و{يَأْمُرُكُمْ} بالاختلاس في هذه الأحرف الثلاثة.
وذلك لأن العرب تستعمل في الضمة والكسرة الإشباع مرة للتحقيق، والاختلاس أخرى للتخفيف، ولا تختلس الفتحة لما فيها من الخفة، إذ الخفيف لا يخفف، فيقولون: سبع وكتف، ولا يقولون: جمل وجبل، والاختلاس وإن كان قريبًا من الإسكان لضعف الصوت فيه، فإنه بمنزلة التحريك؛ لأن المختلس على وزن المتحرك، فلا يبلغ أن يكون ساكنًا.
ومن روى عن أبي عمرو الإسكان في ذلك، فإنه ظن الاختلاس إسكانًا لقربه منه؛ فإن الإسكان في مثل هذا إنما بابه الشعر.
[الموضح: 276]
وقرأ الباقون {بَارِئِكُمْ} بحركةٍ بينةٍ، وكذلك في أمثاله في جميع القرآن.
وذلك أنه هو الأصل، ولا اعتراض على من تمسك بالأصل، ولم يعدل عنه إلى غيره). [الموضح: 277]

قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة سهل بن شعيب النهمي: [جَهَرةً] "وزَهَرةً"، كل شيء في القرآن محرَّكًا.
قال أبو الفتح: مذهب أصحابنا في كل شيء من هذا النحو مما فيه حرف حلقي ساكن بعد حرف مفتوح: أنه لا يحرك إلا على أنه لغة فيه؛ كالزَّهْرة والزَّهَرة، والنَّهْر والنهَر، والشَّعْر والشَّعَر، فهذه لغات عندهم كالنشْز والنشَز، والحلْب والحلَب، والطرْد والطرَد.
ومذهب الكوفيين فيه أنه يحرك الثاني لكونه حرفًا حلقيًّا، فيجيزون فيه الفتح وإن لم يسمعوه؛ كالبحْر والبحَر والصخْر والصخَر.
وما أرى القول من بعد إلا معهم، والحق فيه إلا في أيديهم؛ وذلك أنني سمعت عامة عُقَيل تقول ذاك ولا تقف فيه سائغًا غير مستكره، حتى لسمعت الشجري يقول: أنا محَموم بفتح الحاء، وليس أحد يدعي أن في الكلام مفَعول بفتح الفاء.
[المحتسب: 1/84]
وسمعته مرة أخرى يقول -وقد قال له الطبيب: مَصَّ التفاح وارم بثُفله: والله لقد كنت أبغي مصه وعِلْيَتُهُ تَغَذُو بفتح الغين، ولا أحد يدعى أن في الكلام يفَعَل بفتح الفاء.
وسمعت جماعة منهم -وقد قيل لهم: قد أقيمت لكم أَنزالكم من الخبز- قالوا: فاللحَم -يريدون: اللحْم- بفتح الحاء.
وسمعت بعضهم وهو يقول في كلامه: ساروا نَحَوه بفتح الحاء، ولو كانت الحاء مبنية على الفتح أصلًا لما صحت اللام لتحركها وانفتاح ما قبلها؛ ألا تراك لا تقول: هذه عصَوٌ ولا فتَوٌ؟ ولعمري إنه هو الأصل؛ لكن أصل مرفوض للعلة التي ذكرنا، فعلى هذا يكون جَهَرة وزَهَرة -إن شئت- مبنيًّا في الأصل على فَعَلة، وإن شئت كان إتباعًا على ما شرحنا الآن). [المحتسب: 1/85]

قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)}

قوله تعالى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:44 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (58) إلى الآية (59) ]

{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59) }

قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (نغفر لكم خطاياكم)
قرأ نافع: (يغفر لكم خطاياكم) - بالياء -.
وقرأ ابن عامر (تغفر لكم) بالتاء مضمومة -.
وقرأ الباقون (نغفر لكم خطاياكم) بالنون -.
قال أبو منصور: من قرأ (يغفر لكم خطاياكم) - بالياء - فلتقدم فعل الجماعة، ومن قرأ (تغفر) - بالتاء - فلتأنيث الخطايا، وهي جمع خطيئة وخطايا، ومن قرأ (نغفر لكم خطاياكم) فالفعل لله جلّ وعزّ، نغفر نحن، وخطاياكم على هذه القراءة في موضع النصب؛ لوقوع الفعل عليها.
ومن قرأ بالتاء والياء فخطاياكم في موضع الرفع، لأنه لم يسم فاعلها، والإعراب لا يتميز فيها؛ لأنها مقصورة.
والخطايا هي: الآثام التي تعمدها كاسبها). [معاني القراءات وعللها: 1/152]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في نغفر لكم خطاياكم [البقرة/ 58] في النون والتاء والياء.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: نغفر لكم بالنون. وقرأ نافع: يغفر لكم بالياء مضمومة على ما لم يسمّ فاعله. وقرأ ابن عامر تغفر لكم مضمومة التاء.
ولم يختلفوا في: خطاياكم في هذه السورة، غير أن الكسائي كان يميلها وحده، والباقون لا يميلون.
قال أبو علي: حجة من قال: نغفر لكم بالنون أنه أشكل بما قبله. ألا ترى أنّ قبله: وإذ قلنا ادخلوا هذه [البقرة/ 58] فكأنه قال: قلنا ادخلوا، نغفر.
وحجة من قال: يغفر أنه يؤول إلى هذا المعنى، فيعلم من الفحوى أن ذنوب المكلفين وخطاياهم لا يغفرها إلا الله، وكذلك القول في من قرأ: تغفر. إلا أنّ من قال: يغفر لم يثبت علامة التأنيث في الفعل لتقدّمه، كما لم يثبت لذلك في نحو قوله: وقال نسوةٌ في المدينة [يوسف/ 30].
ومن قال: تغفر فلأن علامة التأنيث قد ثبتت في هذا النحو نحو قوله: قالت الأعراب [الحجرات/ 14] وكلا
[الحجة للقراء السبعة: 2/85]
الأمرين قد جاء به التنزيل قال: وأخذ الّذين ظلموا الصّيحة [هود/ 67] وفي موضع فأخذتهم الصّيحة [الحجر/ 83] والأمران جميعا كثيران.
فأما إمالة الكسائي الألف في: خطاياكم فجوازها حسن، وحسنها: أن الألف إذا كانت رابعة فصاعدا اطّردت فيها الإمالة، والألف في خطايا خامسة، ومما يبين جواز الإمالة في ذلك، أنك لو سمّيت بخطايا ثم ثنّيته، لأبدلت الياء من الألف، كما تبدل من ألف قرقرى وجحجبى، وألف مرامى، ونحو ذلك. ويقوي ذلك أن غزا ونحوها قد جازت إمالة ألفها، وإن كانت الواو تثبت فيها وهي على هذه العدّة، فإذا جاز في باب غزا مع ما ذكرناه، فجوازها في خطايا أولى، لأنها بمنزلة ما أصله الياء، ألا ترى أن الهمزة لا تستعمل هنا في قول الجمهور والأمر الكثير الشائع.
ومما يبين ذلك أن الألف قد أبدلت من الهمزة في العدّة التي يجوز معها تحقيق الهمزة. وذلك إذا كانت ردفا في نحو:
ولم أورا بها
[الحجة للقراء السبعة: 2/86]
ونحو:
... على رال فلو لم تنزّل منزلة الألف التي لا تناسب الهمزة، لم يجز وقوعها في هذا الموضع، فإذا جاز ذلك فيها، مع أن الهمزة قد يجوز أن تخفف في نحو: أورا، إذا لم يكن ردفا، فأن تجوز الإمالة في خطايا أولى). [الحجة للقراء السبعة: 2/87]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين}
قرأ نافع يغفر لكم بالياء وفتح الفاء على ما لم يسم فاعله خطاياكم في موضع رفع لأنّه مفعول ما لم يسم فاعله وحجته في الياء أن الفعل متقدم وقد حيل بينه وبين الخطايا ب لكم فصار الحائل كالعوض من التّأنيث وحجّة أخرى وهي أن الخطايا جمع وجمع ما لا يعقل يشبه بجمع ما يعقل من النّساء كما قال وقال
[حجة القراءات: 97]
نسوة في المدينة فلمّا ذكر فعل جميع النّساء ذكر فعل الخطايا ونحوه أم هل يستوي الظّلمات
وقرأ ابن عامر تغفر بالتّاء وقد ذكرنا إعرابها وحجته في التّاء أنه فعل متقدم نحو قوله قالت الأعراب
وقرأ الباقون نغفر بالنّون وحجتهم في ذلك أن نغفر بين خبرين من أخبار الله عن نفسه قد أخرجا بالنّون وذلك قوله {وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية} فخرج ذلك بالنّون ولم يقل وإذ قيل فيقال تغفر ويغفر والآخر قوله {وسنزيد المحسنين} ولم يقل وسيزاد المحسنون
واعلم أن من قرأ يغفر فهو يؤول أيضا إلى هذا المعنى فيعلم من الفحوى أن ذنب الخلائق وخطاياهم لا يغفره إلّا الله ويقوّي هذا قوله {قل للّذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} ). [حجة القراءات: 98]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (32- قوله: {يغفر لكم} قرأه نافع بالياء، وقرأه ابن عامر بالتاء، وقرأه الباقون بالنون، وأدغم أبو عمرو في رواية الرقيين عنه، الراء في اللام، وأظهرها الباقون.
33- ووجه القراءة بالنون أنه مردود على ما قبله، وهو قوله: {وإذ قلنا}، فجرى «نغفر» على الإخبار عن الله جل ذكره، كما أتى «قلنا» على الإخبار، فالتقدير: وقلنا ادخلوا الباب سجدًا نغر لكم.
34- ووجه القراءة بالتاء أنه أنث، لتأنيث لفظ «الخطايا» لأنها جمع «خطية» على التكسير.
35- ووجه القراءة بالياء أنه ذَكَّرَ لما حال بين المؤنث وفعله، والعلل المذكورة في ولا «يقبل» تحسن في هذا على قراءة من قرأ بالياء، وحسن فيه الياء والتاء، وإن كان قبله إخبار عن الله، جل ذكره، في قوله: {وإذ قلنا} لأنه قد علم أن ذنوب الخاطئين لا يغفرها إلا الله، فاستغنى عن النون، ورد الفعل إلى الخطايا المغفورة، فأما من أدغم الراء في اللام فقد ذكرنا أنه قبيح لزوال تكرير الراء، ولأن الحرف ينتقل في الإدغام إلى أضعف من حاله قبل الإدغام، وذلك مرفوض قبيح والإظهار هو الأصل، وعليه الجماعة، فهو أبقى لقوة الحذف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/243]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (22- {نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} [آية/ 58]:-
بالياء مضمومةً، قرأها نافع وحده.
وهذا على إسناد الفعل إلى المفعول به؛ لأنه معلوم أن خطايا العباد لا يغفرها إلا الله سبحانه، وتذكير الفعل إنما هو على حد تذكيره في قوله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ} إذ كان جمعًا وقد تقدم فعله، وزاده الفصل ههنا جوازًا وحسنًا.
وقرأ ابن عامر {تُغْفَرْ لَكُمْ} بالتاء مضمومة، فأثبت علامة التأنيث؛ لأن العلامة قد ثبتت في نحو ذلك وهو {قَالَت الأعْرَابُ} وهذا لأنه إذا جاز ترك
[الموضح: 277]
العلامة في ذلك فإثبات العلامة أجوز؛ لأن معنى التأنيث حاصل فيه بكونه جماعة.
وقرأ الباقون {نَغْفِرْ لَكُمْ} بالنون مفتوحةً.
لأنه أليق بما تقدمه، وهو قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} كأنه قال: قلنا ادخلوا نغفر.
وأمال الكسائي {خَطَايَاكُمْ} و{خَطَايَاهُمْ} و{خَطَايَانَا} في جميع القرآن، وقد تقدمت علة هذا النحو؛ وذلك أن الألف إذا وقعت رابعةً فصاعدًا حسنت فيها الإمالة، وهذه الألف وقعت خامسة فلا نظر في حسن الإمالة فيها). [الموضح: 278]

قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:45 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة البقرة
[من الآية (60) إلى الآية (61) ]

{وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61) }

قوله تعالى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا)
اتفق القراء على تسكين الشين من "عشرة" ها هنا، وهي لغة العالية
الفصيحة، وفيها لغة أخرى "عشرة) بكسر الشين، وقد قرأ بها
[معاني القراءات وعللها: 1/152]
بعض القراء،: هي قليلة.
وأما (عشرة) في مثل هذا الموضع فإن أهل اللغة لا يعرفونها، وقد قرأ بها الأعمش، والعرب لا تعرفها. والقراءة المختارة (عشرة) بسكون الشين.
وانتصب قوله: (عيناً) على التمييز، وجاء في التفسير: أن الله تبارك وتعالى فجّر لهم من حجر واحد اثنتا عشرة عينا لاثني عشر فريقا، لكل فريق عين يشربون منها، تنفجر إذا نزلوا، وتغور إذا ارتحنوا). [معاني القراءات وعللها: 1/153]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعمش: [اثْنَتَا عَشَرَةَ] بفتح الشين.
قال أبو الفتح: القراءة في ذلك: {عَشْرة} و[عَشِرة]، فأما [عَشَرة] فشاذ، وهي قراءة الأعمش.
وعلى الجملة فينبغي أن يعلم أن ألفاظ العدد قد كثر فيها الانحرافات والتخليطات، ونُقضت في كثير منها العادات؛ وذلك أن لغة أهل الحجاز في غير العدد نظير عشْرة: عشِرة، وأهل الحجاز يكسرون الثاني، وبنو تميم يسكنونه، فيقول الحجازيون: نَبِقة وفَخِذ، وبنو تميم تقول: نبْقة وفخذ، فلما ركب الاسمان استحال الوضع فقال بنو تميم: إحدى عشِرة وثنتا عشِرة إلى تسع عشِرة بكسر الشين، وقال أهل الحجاز: عشْرة بسكونها، ومنه قولهم في الواحد: واحد وأَحد، فلما صاروا إلى العدد قالوا: إحدى عشرة، فبنوه على فِعْلَى، ومنه قولهم: عشْر وعَشرة، فلما صاغوا منه اسمًا للعدد بمنزلة ثلاثون وأربعون قالوا: عشرون، فكسروا أوله، ومنه قولهم: ثلاثون وأربعون إلى التسعون، فجمعوا فيه بين لفظين ضدين؛ أحدهما يختص بالتذكير والآخر بالتأنيث.
أما المختص بالتذكير فهو الواو والنون، وأما المختص بالتأنيث فهو قولهم: ثلاث وأربع وتسع في صدر ثلاثون وأربعون وتسعون. وكل واحد من ثلاث وأربع وخمس وست إلى تسع هكذا بغير هاء مختص بالتأنيث. ولما جمعوا في هذه الأعداد -من عشرين إلى تسعين- بين لفظي التذكير والتأنيث صلحت لهما جميعًا، فقيل: ثلاثون رجلًا، وثلاثون امرأة، وخمسون جارية وخمسون غلامًا، وكذلك إلى التسعين.
ومنه أيضًا اختصارهم من ثلثمائة إلى تسعمائة على أن أضافوه إلى الواحد، ولم يقولوا: ثلاث مئين،
[المحتسب: 1/85]
ولا أربع مئات إلا مستكرهًا وشاذًّا، فكما ساغ هذا وغيره في أسماء العدد قالوا أيضًا: [اثنتا عَشَرَة] في قراءة الأعمش هذه، وينبغي أن يكون قد روى ذلك رواية، ولم يره رأيًا لنفسه.
وعلى ذلك ما يُروى: من أن أبا عمرو حضر عند الأعمش فروى الأعمش: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتخولنا بالموعظة، فقال أبو عمرو: إنما هو يتخوننا بالنون، فأقام الأعمش على اللام، فقال له أبو عمرو: إن شئت أعلمتك أن الله لم يعلمك من هذا الشأن حرفًا فعلت، فسأل عنه الأعمش، فلما عرف أبا عمرو وكبر عنده وأصغى إليه، وعلى أن هذا الذي أنكره أبو عمرو صحيح عندنا؛ وذلك أن معنى يتخولنا: يتعهدنا، فهو من قوله:
يساقِطُ عنه ورقُه ضارياتِها ... سِقاط حديد القَين أَخول أَخولا
أي: شيئًا بعد شيء، ومنه قولهم: فلان يَخُولُ على أهله: أي يتفقدهم، ويتعهد أحوالهم، ومنه قولهم: خالُ مالٍ، وخائل مال: إذا كان حسن الرِّعْيَة والتفقد للمال. والتركيب مما تُغير فيه أوضاع الكلم عن حالها في موضع الإفراد؛ من ذلك حكاية أبي عمرو الشيباني من قول بعضهم في حضَرَمَوْت: حضْرَمُوت بضم الميم؛ ليصير على وزن المفردات نحو عَضْر فُوط ويَسْتَعُور.
ومن تحريف ألفاظ العدد ما أنشده أبو زيد في نوادره:
علام قتل مسلم تعمُّدا ... مذ سنة وخَمِسُون عددا
بكسر الميم من خمسون، وعذره وعلته عندي أنه احتاج إلى حركة الميم لإقامة الوزن، فلم ير أن يفتحها فيقول: خَمَسون؛ لأنه كان يكون بين أمرين: إما أن يُظن أنه كان الأصل فتحها ثم أُسكنت، وهذا غير مألوف؛ لأن المفتوح لا يسكن لخفة الفتحة، وإما أن يقال: إن الأصل السكون فاضظر ففتحها، وهذا ضرورة إنما جاء في الشعر، نحو قوله:
مُشْتَبِهِ الأَعلَامِ لَمَّاعِ الْخَفَق
[المحتسب: 1/86]
أي: الْخَفْق. ومنه قول زهير:
ثم استمروا وقالوا إن مشرَبكم ... ماء بشرقي سلمى فَيْدُ أو رَكَكُ
قال أبو عثمان: قال الأصمعي: سألت أعرابيًّا -ونحن في الموضع الذي ذكره زهير- يعني هذا البيت؛ فقلت له: هل تعرف رككًا؟ فقال: قد كان هاهنا ماء يسمى رَكًّا.
قال الأصمعي: فعلمت أن زهيرًا احتاج إليه فحركه، فعدل عن الفتح؛ لئلا يُعرف بأثر الضرورة، فعدله إلى موضع آخر فكسر الميم، فكأنه راجَع بذلك أصلًا حتى كأنه كان خمِسون ثم أسكن تخفيفًا، فلما اضطر إلى الحركة كسر، فكان بذلك كمراجع أصلًا لا مستَكرَهًا على أن يُرى مضطرًّا.
وأنَّسه أيضًا بذلك: ما جاء عنهم من قولهم: إحدى عشْرة وعشِرة، فصار خَمِس من خَمِسون بمنزلة عَشِرة، وصار خَمْسون بمنزلة عَشْر). [المحتسب: 1/87]

قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (النّبيّين)، و(الأنبياء)
قرأ نافع وحده: (النّبيّئين) و(الأنبئاء)، و: (النبيئون)، و(النبيء) بالهمز في كل القرآن إلا في موضعين في سورة الأحزاب: (إن وهبت نفسها للنّبيّ إن أراد النّبيّ)، وقوله: (لا تدخلوا بيوت النّبيّ إلّا أن يؤذن لكم).
وسائر القراء لم يهمزوا (النبي).
[معاني القراءات وعللها: 1/153]
قال أبو منصور: من همز (النبيء) و(الأنبئاء) و(النبيئين) فهو من النبأ، ومن أنبأ عن الله، أي: أخبر، وكأنه على هذا (فعيل) بمعنى (مفعل)، مثل (نذير) بمعنى (منذر)، ولها نظائر في القرآن.
ومن لم يهمز (النبي) ذهب به إلى: نبا الشيء ينبو إذا ارتفع، ويقال للمكان المرتفع: نبى.
وكذلك النبوة والنباوة، وأكثر العرب على ترك الهمز في (النبي)، وهو اختيار أهل اللغة؛ لأنه لو كان مهموزا لجمع على النبئاء، وقد جمعه الله على (الأنبياء). مثل (تقي) و(أتقياء) و(غني) و(أغنياء).
وحجة من همز وإن كان مجموعا على الأنبياء، أنه مثل: نصيب وأنصباء، وجمع ربيع: النهر على أربعاء.
والقراءة المختارة ترك الهمز). [معاني القراءات وعللها: 1/154]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في قوله: النّبيّين [البقرة/ 61] والنّبيّون [البقرة/ 136] والنّبوّة [آل عمران/ 79] والأنبياء [آل عمران/ 112] والنّبيّ [آل عمران/ 68] في الهمز، وتركه.
فكان نافع يهمز ذلك كلّه في كلّ القرآن إلا في موضعين في سورة الأحزاب: قوله: وامرأةً مؤمنةً إن وهبت نفسها للنّبيّ إن أراد [الآية/ 50] بلا مدّ ولا همز. وقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/87]
لا تدخلوا بيوت النّبيّ إلّا [الآية/ 53] وإنما ترك همز هذين لاجتماع همزتين مكسورتين من جنس واحد، هذا قول المسيبي وقالون، وقال ورش عن نافع: إنه كان يهمزها جميعا، إلا أنه كان يروي عن نافع: أنه كان يترك الهمزة الثانية في المتّفقتين والمختلفتين، وتخلف الأولى الثانية، فيقول فيه للنبيء ان اراد، مثل: النّبيعن راد و: بيوت النبيء يلا، وكان الباقون لا يهمزون من ذلك شيئا.
قال أبو زيد: نبأت من أرض إلى أخرى، فأنا أنبأ نبأ ونبوءا: إذا خرجت منها إلى أخرى، وليس اشتقاق النبيء من هذا وإن كان من لفظه، ولكن من النبأ الذي هو الخبر، كأنه المخبر عن الله سبحانه. فإن قلت: لم لا يكون من النباوة، ومما أنشده أبو عثمان قال: أنشدني كيسان:
محض الضّريبة في البيت الذي وضعت... فيه النّباوة حلوا غير ممذوق
أو يجوّز فيه الأمرين، فتقول: إنه يجوز أن يكون من النباوة، ومن النبأ، كما أجزت في عضة أن تكون من الواو، لقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/88]
وعضوات تقطع اللهازما ومن الهاء لقوله:
.. لها بعضاه الأرض تهزيز فالقول: إن ذلك ليس كالعضة، لأن سيبويه زعم: أنهم يقولون في تحقير النّبوّة: كان مسيلمة نبوّته نبيّئة سوء، وكلّهم يقول: تنبّأ مسيلمة، فلو كان يحتمل الأمرين جميعا ما أجمعوا على تنبّأ، ولا على النّبيّئة، بل جاء فيه الأمران: الهمز وحرف اللين، فأن اتفقوا على تنبّأ والنّبيّئة دلالة على أن اللام همزة.
[الحجة للقراء السبعة: 2/89]
ومما يقوّي أنه من النبأ الذي هو الخبر أن النباوة الرفعة، فكأنه قال: في البيت الذي وضعت فيه الرّفعة. وليس كلّ رفعة نبوءة، وقد تكون في البيت رفعة ليست بنبوءة. والمخبر عن الله بوحي إليه المبلّغ عنه نبيء ورسول، فهذا الاسم أخصّ به وأشدّ مطابقة للمعنى المقصود إذا أخذ من النّبأ. فإن قلت: فلم لا تستدلّ بقولهم: أنبياء، على جواز الأمرين في اللام من النبي، لأنهم قالوا: أنبياء ونباء، قال:
يا خاتم النّباء إنّك مرسل بالحقّ......
قيل: ما ذكرته لا يدلّ على تجويز الأمرين فيه، لأن أنبياء إنما جاء لأن البدل لما لزم في نبيّ صار في لزوم البدل له، كقولهم: عيد وأعياد، فكما أن أعيادا لا تدل على أن عيدا من الياء، لكونه من عود الشيء، كذلك لا يدل أنبياء على أنه من النباوة، ولكن لمّا لزم البدل جعل بمنزلة تقيّ وأتقياء، وصفيّ وأصفياء ونحو ذلك، فلما لزم صار كالبريّة والخابية، ونحو ذلك مما لزم الهمز فيه حرف اللين بدلا من الهمزة. فما دل على أنه من الهمز قائم لم يعترض فيه شيء، فصار قول من حقّق الهمزة في النبيّ، كردّ الشيء إلى الأصل المرفوض استعماله
[الحجة للقراء السبعة: 2/90]
نحو: وذر، وودع، فمن ثمّ كان الأكثر فيه التخفيف. فإن قلت فقد قال سيبويه: بلغنا أن قوما من أهل الحجاز من أهل التحقيق يحققون: نبيئا وبريئة. قال: وذلك رديء، وإنما استردأه لأن الغالب في استعماله التخفيف على وجه البدل من الهمز، وذلك الأصل كالمرفوض، فردؤ عنده ذلك لاستعمالهم فيه الأصل الذي قد تركه سائرهم، لا لأن النبيء الهمز فيه غير الأصل، ولا لأنه يحتمل وجهين كما احتمل عضة وسنة.
ومن زعم أن البريّة من البرا الذي هو التراب كان غالطا، ألا ترى أنه لو كان كذلك لم يحقّق همزه من حقق من أهل الحجاز، فتحقيقهم لها يدل على أنها من برأ الله الخلق، كما أن تحقيق النبيء يدل على أنه من النبأ، وكما كان اتفاقهم على تنبأ يدل على أن اللام في الأصل همزة.
فالحجة لمن همز النبيء [حيث همز] أن يقول: هو أصل الكلمة، وليس مثل عيد، الذي قد ألزم البدل، ألا ترى أن ناسا من أهل الحجاز قد حققوا الهمزة في الكلام، ولم يبدلوها. كما فعل أكثرهم، فإذا كان الهمز أصل الكلمة وأتى به قوم في كلامهم على أصله لم يكن كماضي يدع، ونحوه مما رفض استعماله واطّرح.
فأما ما
روي في الحديث: «من أن بعضهم. قال: يا
[الحجة للقراء السبعة: 2/91]
نبيء الله! فقال: «لست بنبيء الله، ولكني نبيّ الله»
فأظنّ أن من أهل النقل من ضعّف إسناد الحديث. ومما يقوي تضعيفه أنّ من مدح النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال:
يا خاتم النبآء لم يؤثر فيه إنكار عليه فيما علمنا، ولو كان في واحده نكير لكان الجمع كالواحد، وأيضا فلم نعلم أنه عليه السّلام أنكر على الناس أن يتكلموا بلغاتهم.
ولمن أبدل ولم يحقّق أن يقول: مجيء الجمع في التنزيل على أنبياء يدل على أن الواحد قد ألزم فيه البدل، وإذا ألزم فيه البدل ضعف التحقيق. وقال الفرّاء في قراءة عبد الله النبية إلى (ال ن ب ي ي). قال الفراء: لا يخلو من أن يكون النبيّة مصدرا للنبإ، أو يكون النبيّة مصدرا نسبه إلى النبي عليه السلام.
[قال أبو علي]: والقول في ذلك أنه لا يخلو من أن يكون من النباوة التي في قول ابن همام، أو يكون من النّبأ وقلبت الهمزة. أو يكون نسبا، فلا يكون من النباوة، فيكون
[الحجة للقراء السبعة: 2/92]
مثل مطيّة، لأنّ فيما حكاه سيبويه من أنهم كلّهم يقولون: تنبّأ مسيلمة، دلالة على أنه من الهمزة [فإذا لم يجز ذلك ثبت أنه من الهمز] وجاز أن يكون ياء ألزمت البدل من الهمزة، وعلى ذلك قالوا: أنبياء، وجاز أن يكون من قول من حقّق، إلا أنه خفف فوافق لفظ التخفيف عن التحقيق لفظ من يرى القلب. وقد حكى سيبويه كما رأيت أن بعضهم يحقق النبيء، فإذا كان نسبا أمكن أن يكون إلى قول من حقق، وإلى قول من خفّف، وأمكن أن يكون إلى قول من أبدل. فلا يجوز أن يكون على قول من حقّق ثم خفّف لأنه لو كان كذلك لكان:
النبئيّة، لأنه نسب إلى فعيلة، فرددت الهمزة لمّا حذفت الياء التي كنت قلبت الهمزة في التخفيف من أجلها، فلما لم يردّ، وقال النبيّة، علمت أن النسب إليه على قول من قلب الهمزة ياء، وهم الذين قالوا: أنبياء، فحذفت الياءين لياءي النسب، فبقيت الكلمة على فعيّة. هذا على قياس قولهم: عبد بيّن العبديّة، وقد حكاه الفرّاء.
وأما تخفيف نافع: النبيّ في الموضعين اللذين خفف فيهما في رواية المسيّبي وقالون، فالقول في ذلك أنه لا يخلو من أن يكون ممن يحقّق الهمزتين أو يخفّف إحداهما، فإن حقّق الهمزتين جاز أن يجعل الثانية بين بين، لأن الهمزة إذا
[الحجة للقراء السبعة: 2/93]
كانت بين بين كانت في حكم التحقيق، فتقول: (للنّبيء إن)، وإن لم يحقّق الهمزتين قلب الثانية منهما ياء قلبا فقال: (للنّبيء ين) كما قلبوا في: (أيمّة)، وكما قلبوا في: جاء وشاء ويجعل المنفصل بمنزلة المتصل في أيمّة وجاء.
ووجه رواية قالون، والمسيّبيّ: أنه إذا خفّف الهمزة من النبيء لم يجتمع همزتان، فإن شاء حقق الهمزة المكسورة من (إلّا) ومن (إن) وإن آثر التخفيف جعلهما بين
الياء والهمزة). [الحجة للقراء السبعة: 2/94]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يحيى بن وثاب والأشهب: [وَقُثَّائِهَا].
قال أبو الفتح: بالضم في القُثاء حسن الطريقة؛ وذلك أنه من النوابت، وقد كثر عنهم في هذه النوابت الفُعَّال كالزُّبَّاد والقُلَّام والعُلَّام والثُّقاء، ومن هاهنا كان أبو الحسن يقول في رمان: أنه فُعَّال؛ لأنه من النبات، وقد كثر فيه الفعال على ما مضى، وأما قياس مذهب سيبيويه: فأن يكون فُعلان بزيادة النون؛ لغلبة زيادة النون في هذه المواضع بعد الألف.
وله أيضًا وجه من القياس: أنه من معنى رَمَتْتُ الشيء: غذا جمعت أجزاءَه، وهذه حال الرمان، وقد جاء بهذا الموضع نفسه بعض المولدين فقال:
ما يُحسِن الرُّمان يجمع نفسه ... في قِشِره إلا كما نحن
[المحتسب: 1/87]
ويدل على أنه من معنى الاجتماع والتضام تسميتهم لرمان البر: الْمَظَّ؛ وذلك لقوة اجتماعه، واتصال أجزائه، فهو من معنى المماظَّة المعازَّة، وهو إلى الشدة، ويدل على صحة مذهب سيبويه في أن الألف والنون إذا جاءتا بعد المضاعف كانتا بحالهما وهما بعد غير المضاعف، ما ورد في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن قومًا وردوا عليه فقال لهم: "مَن أنتم؟ " فقالوا: بنو غيَّان، فقال عليه السلام: "بل أنتم بنو رَشْدان"، أفلا تراه كيف اشتق الاسم من الغي والغَوَاية حتى حكم بزيادة النون؛ لأنه قابله بضده وهو قوله: "رشدان"، وترك أن يشتقه من الغَيْن، وهو إلباس الغيم؟ ألا ترى إلى قوله:
كأني بَيْنَ خافِيتى عُقاب ... أصاب حَمامة في يوم غَيْن
فصار "غَيَّان" عنده مع التضعيف الذي فيه بمنزلة ما لا تضعيف فيه من نحو: مَرْجان وسَعْدان، فكما يحكم بزيادة النون في مثل هذا من غير التضعيف، كذلك حكم بزيادتها مع التضعيف). [المحتسب: 1/88]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن مسعود وابن عباس: [وثُومِها] بالثاء.
قال أبو الفتح: يقال: الثُّوم والفُوم بمعنى واحد؛ كقولهم: جدث وجدف، وقام زيد ثم عمرو، ويقال أيضًا: فم عمرو؛ فالفاء بدل فيهما جميعًا؛ ألا ترى إلى سَعَة تصرف الثاء في جدث، لقولهم: أجداث، ولم يقولوا: أجداف، وإلى كثرة ثُمَّ وقلة فُمَّ؟ ويقال: الفوم: الحنطة، قال:
قد كنت أحسبني كأغنى واجد ... وَرَد المدينة عن زراعة فُوم
أي: حنطة). [المحتسب: 1/88]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة زهير الفُرقُبي: [الذي هو أَدْنَأ] بالهمز.
قال أبو الفتح: أخبرنا أبو علي عن أبي الحسن علي بن سليمان عن أبي العباس محمد بن يزيد
[المحتسب: 1/88]
عن الرياشي عن أبي زيد قال: تقول: دَنُؤ الرجل يَدْنُؤ دناءَة، وقد دَنأ يدنأ إذا كان دنيئًا لا خير فيه، غير أن القراءة بترك الهمز: {أدنى}، وينبغي أن يكون من دنا يدنو؛ أي: قريب.
ومنه قولهم في المعنى: هذا شيء مقارب للشيء ليس بفاخر ولا موصوف في معناه، ومن هذه المادة قولهم: هذا شيء دونٌ؛ أي: ليس بذاك، وقولهم: هذا دونك، فينتصب هذا على الظرف؛ أي: هو في المحل الأقرب، وينبغي أن يكون "دون" من قولك: هذا رجل دون، وصفًا على فُعْل كحُلْو ومُر، ورجل جُدٍّ؛ أي: ذي جَدٍّ.
وقد يجوز أن يكون في الأصل ظرفًا ثم وصف به، ويُؤنِّسُ هذا المذهب الثاني أنَّا لا نعرف فعلًا تصرف من هذا اللفظ كدان يدون ولا نحوه، ولو كان في الأصل وصفًا لكان حرى أن يستعملوا منه فِعلا؛ كقولهم: قد حلا يحلو، ومن يَمَرُّ وأَمَرَّ يُمِرُّ، وقد جَدِدْتَ يا رجل. قال الكميت:
وجدت الناس غير ابني نزار ... ولم أذمهم شرطًا ودُونَا). [المحتسب: 1/89]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يحيى وإبراهيم: [ما سِأَلْتم] بكسر السين.
قال أبو الفتح: فيه نظر؛ وذلك أن هذه الكسرة إنما تكون في أول ما عينه معتلة كبِعت وخِفت، أو في أول فُعِل إذا كانت عينه معتلة أيضًا كقِيل وبِيع وحِلَّ وبِلَّ؛ أي: حُلَّ وبُلَّ، وصِعْق الرجل نحوه، إلا أنه لا تكسر الفاء في هذا الباب إلا والعين ساكنة أو مكسورة كنعم وبئس وصِعْق، فأما أن تكسر الفاء والعين مفتوحة في الفعل فلا.
فإذا كان كذلك فقراءتهما [سِأَلْتم] مكسورة السين مهموزة غريب، والصنعة في ذلك: أن في سأل لغتين: سِلْتَ تَسَال كخِفْتَ تَخَاف، وسأَلْتَ تَسْأَل كسَبَحَتَ تَسْبَح، فإذا أَسندت الفعل إلى نفسك قلت على لغة الواو: سِلْتُ كخِفْتُ، وهي من الواو؛ لما حكاه أصحابنا من قولهم: هما يتساولان.
ومن همز قال: سألت، فأما قراءته: [سِأَلْتم]، فعلى أنه كسر الفاء على قول مَن قال: [سِلْتُم] كخِفْتُم، ثم تنبه بعد ذلك للهمزة، فهمز العين بعدما سبق الكسر في الفاء فقال: [سِأَلْتم]؛ فصار ذلك من تركيب اللغة.
[المحتسب: 1/89]
ومثله ما رويناه عن أبي بكر محمد بن الحسن عن أبي العباس أحمد بن يحيى من قول بلال بن جرير:
إذا جِئْتَهم أو سآيلْتَهُم ... وجدتَ بِهِمْ علَّة حاضِرَه
وذلك أنه أراد فاعلتهم ساءلتهم.
ومن العادة أيضًا أن تُقلب الهمزة في هذا الثاني، فيقال: سايلت زيدًا، ثم إنه أراد الجمع بين العوض والمعوض منه، فلم يمكنه أن يجمع بينهما في موضع واحد كالعرف في ذلك؛ لأنه لا يكون حرفان واقعين في موضع واحد عينين كان أو غيرهما، فأجاءه الوزن إلى تقديم الهمزة التي هي العين قبل ألف فاعلت، ثم جاء بالياء التي هي بدل منها بعدها؛ فصار سآيلتهم.
فإن قيل ما مثال: سآيلتهم؟
قلت: هو فعاعلتهم؛ وذلك لأن الياء بدل من الهمزة التي هي عين، والبدل من الشيء يوزن بميزانه، ألا ترى أن من اعتقد في ياء أَيْنُق أنها عين أبدلت قال هي أَعْفُل؛ لأن الياء بدل من الواو التي هي عين نُوق، فالياء إذن عين في موضع العين، كما كانت الواو لو ظهرت في موضع العين، كما أن ياء ريح وعيد في المثال عين فِعْل، كما كانت الواو التي الياء بدل منها عين فعل في رِوْح وعِوْد، وهذا واضح.
وكذلك قوله أيضًا: [سِأَلْتم] بكسر الفاء على حد كسرها في سِلتم، ثم استذكر الهمزة في اللغة الأخرى فقال: سِأَلْتم، ويجوز أيضًا أن يكون أراد سَأَلْتم، فأبدل العين ياء كما أبدلها الآخر في قوله:
سالَتْ هذيلٌ رسول الله فاحشةً ... ضلَّتْ هذيلٌ بما قالت ولم تُصِبِ
فصار تقديره على هذا إلى سِلْتُم من الوجه؛ أي: من طريق البدل، لا على لغة مَن قال: هما يتساولان، فلما كسر السين استذكر الهمزة فراجعه هنا، كما راجعه في القول الأول.
[المحتسب: 1/90]
وقد أفردنا في كتاب الخصائص بابًا في أن صاحب اللغة قد يعتبر لغة غيره ويراعيها؛ فأغنى عن إعادته هنا). [المحتسب: 1/91]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويقتلون النّبيين بغير الحق}
قرأ نافع (ويقتلون النبيئين) بالهمز من أنبأ أي أخبر عن الله كما قال جلّ وعز من أنبأك هذا فالنبي صلى الله عليه وسلم ينبئ أي يخبر عن الله وهو فعيل من أنبأ وإنّما كان الاسم منه منئ ولكنه صرف عن مفعل إلى فعيل
[حجة القراءات: 98]
وحجته في أن النبئ مهموز قول عبّاس بن مرداس في مدحه نبي الله صلى الله عليه وسلم:
يا خاتم النباء إنّك مرسل ... بالحقّ خير هدى السّبيل هداكا
فقال يا خاتم النباء فجمعه على فعلاء لأن الواحد مهموز فقد صحّ على أن أصله الهمز وأنه من باب الصّحيح لا من باب المعتل لأن الصّحيح كذا يجمع كما تجمع النعوت الّتي على فعيل من غير ذوات الياء والواو مثل الشّريك والشركاء والحكيم والحكماء والعليم والعلماء ولو كان النّبي غير مهموز لم يجمع على فعلاء لأن النعوت الّتي تكون على فعيل من ذوات الياء والواو إنّما تجمع على أفعلاء كفعلهم ذلك في ولي ووصي ودعي إذا جمع يجمع أولياء وأوصياء وأدعياء ولا يجمع على فعلاء
وقرأ الباقون النّبيين بغير همز من نبانبو إذا ارتفع فيكون فعيلا من الرّفعة والنبوة الارتفاع وإنّما قيل للنّبي نبي لارتفاع منزلته وشرفه تشبيها له بالمكان المرتفع على ما حوله وحجتهم في ذلك أن كل ما في القرآن من جميع ذلك على أفعلاء نحو أنبياء الله وفي ذلك الحجّة الواضحة على أن الواحد منه بغير همز كما جمع ولي وأولياء ووصي وأوصياء ولو كان في التّوحيد مهموزا لكان الجمع منه فعلاء وحجّة أخرى روي أن رجلا قال للنّبي صلى الله عليه وسلم يا نبيء الله قال
لست بنيء الله ولكنّي
[حجة القراءات: 99]
نبي الله قال أبو عبيد كأنّه كره الهمز). [حجة القراءات: 100]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (36- قوله: «النبي، والنبوة، والأنبياء، والنبيين» قرأه نافع وحده
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/243]
بالهمز، وقرأ الباقون بغير همز إلا في موضعين في سورة الأحزاب، فإن قالون لا يهمزهما ويشدد الياء على أصله في الهمزتين المكسورتين، وتسهيله للأولى منها، فهذه همزة قبلها ياء زائدة، زيدت للم، فحكمها أن تبدل منها ياء، وتدغم فيها الياء الزائدة التي قبلها، على الأصول المتقدمة في تخفيف الهمزة.
37- وحجة من همز أنه أتى به على الأصل، لأنه من النبأ الذي هو الخبر؛ لأن النبي مخير عن الله جل ذكره، فهي تبنى على «فعيل» بمعنى «فاعل» أي: منبئ عن الله، أي مخبر عنه بالوحي الذي يأتيه من الله، فأصله بالهمز، فأتى به على أصله، ومعناه من الله، قال سيبويه: وكلٌ يقول تنبأ مسيلمة فيهمزون، وأجمعوا على الهمزة في «النبآء» جمع «نبيء»، فدل ذلك على أنه من «النباء»، وليس من النباوة، التي هي الرفعة، وأيضًا فإن وقوع اسم الأخبار عن الرسول أولى من وقوع اسم الرفعة؛ لأنه للإخبار عن الله أرسل، فأما من ترك همزة فإنه أجراه على التخفيف، لكثرة دوره واستعماله، فأبدل من الهمزة حرفًا من جنس ما قبلها، وأدغم ما قبلها في البدل، فقال: «النبي، والنبوة» ولما أتى الجمع المكسر، ولم يكن قبل الهمزة حرف زائد، وجب أن يجري على الأصول في التخفيف، فأبدل منها ياء مفتوحة؛ لانكسار ما قبلها، وذلك «الأنبياء» فهو مثل قوله: «من الشهادايِن تضل» في قراءة الحرميين
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/244]
وأبي عمرو، فأما الهمزة الثانية التي بعد الألف فهي همزة ثابتة، بدل من ياء «فعيل» كـ «صديق وأصدقاء» فلا اختلاف في همزة إلا لحمزة وهشام فإنها إذا وقفا يبدلان من الهمزة ألفًا، لأنهما يقفان بالسكون، ثم يحذفان إحدى الألفين لاجتماعهما، على ما قدمنا من الاختلاف في ذلك، وتمد إن قدرت الألف الثانية هي المحذوفة، ولا تمد إن قدرت الأولى هي المحذوفة، وكان الأصل أن يجعلاها في التخفيف بين الهمزة والواو، في حال روم الحركة، إذا كانت الهمزة مضمومة، وبين الهمزة والياء إذا كانت الهمزة مكسورة، لكن يؤدي ذلك إلى مخالفة الخط، فيرجع إلى السكون والبدل، وقد بينا هذا فيما تقدم، وزدناه بيانًا في هذا الموضع، فأما إذا كانت الهمزة مفتوحة فبالإسكان تقفن ثم تبدل من الهمزة ألفًا، على ما ذكرنا، لأن الفتح خفيف، فترك الروم فيه القراء. ترك الهمز، في هذا الباب كله، أحب إلي لأنه أخف، ولإجماع القراء عليه، ولما روي عن النبي عليه السلام من كراهة همز «النبي»، وهو اختيار أبي عبيد، ويجوز أن يكون من لم يهمز جعله من «النباوة» وهي الارتفاع فيون لا أصل له في الهمز). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/246]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (23- {النَّبِيِّينَ} [آية/ 61]:-
بالمد والهمز، قرأها نافع وحده، وكذلك همز: الأنبياء، والنبوة، والنبي، إلا في موضعين من الأحزاب: {للنَبِيِّ إِنْ} و{بُيُوتَ النَبِيِّ إِلاّ} في رواية ن- و- يل-.
[الموضح: 278]
ووجه الهمز هو أن {النبيء} فعيل من النبأ وهو الخبر، ومعناه: المخبر عن الله تعالى، فهو فعيل بمعنى مفعل، كأليم بمعنى مؤلم، فالهمز إذن أصل الكلمة، وليست هذه الكلمة مما ألزم فيه البدل كعيد وأعياد، إلا أن بعض العرب قد خفف فيها الهمزة، والمخفف في حكم المحقق.
وقد جاء جمع نبي على نبئاء على وزن فعلاء، قال:-
9- يا خاتم النبئاء إنك مرسل = بالخير كل هدى السبيل هداكا
فمجيء جمعه على فعلاء يدل على أن الكلمة مهموزة؛ لأن ما كان من الصحيح على فعيل فجمعه في الأغلب على فعلاء، وهمز النبئاء ظاهر.
وقد جاء فعيل في الصحيح على أفعلاء وإن كان قليلاً نحو نصيب وأنصباء.
وقرأ الباقون {النبِيِّينَ} ونحوه بغير همز.
لأن جمع النبي قد جاء في القرآن على أنبياء، كصفي وأصفياء وتقي وأتقياء، فمجيء جمعه على هذا المثال يدل على أنه قد ألزم فيه البدل، حتى صار كأن آخره ياء؛ لأن هذا المثال إنما يأتي غالبًا في جمع المعتل.
وقد قيل في النبي بغير همز أنه مشتق من النباوة وهي المرتفع من الأرض.
وأما رواية ن- و- يل- عن نافع في الأحزاب من ترك همز {للنّبِيِّ إِنْ}
[الموضح: 279]
و {بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا} فلأنهما ذهبا في الهمزتين المكسورتين إذا التقيا إلى تخفيف الأولى منهما وتحقيق الثانية. وتخفيف الهمزة ههنا هو أن تقلب حرفًا من جنس الذي قبلها وهو الياء، ثم يدغم الياء في الياء، ولا تجعل الهمزة بين بين؛ لأن في ذلك تقريبًا لها من الساكن ولا يجوز ذلك؛ لأن ما قبلها ساكن، ولا يجوز أيضًا حذفها بعد نقل حركتها إلى ما قبلها؛ لأن ما قبلها مدة زائدة، ولا يجوز نقل حركة الهمزة إلى حرف زائدٍ). [الموضح: 280]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 02:28 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (62) إلى الآية (64) ]

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) }

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (الصّابئين)
قرأ نافع وحده (الصابين " و(الصابون) - بغير همز - في كل القرآن.
وهمز الباقون (الصّابئين).
والهمز فيها هي اللغة الجيدة، ومن قولك: صبأ فلان يصبأ: إذا خرج من دين إلى دين.
وصبأ نابه، أي: خرجت، وصبأت النجوم: إذا طلعت كل ذلك مهموز.
ومن قرأ بغير الهمز ففيه قولان:
أحدهما: أنه من صبا يصبو؟ إذا مال إلى هواه.
والقول الآخر: أنه على تخفيف الهمز على لغة من يخففها.
والقراءة المختارة أن يهمز الباب لاتفاق أكثر القراء). [معاني القراءات وعللها: 1/155]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الصّابئين [البقرة/ 62]، والصّابئون [المائدة/ 69]. في الهمز وتركه فقرأ نافع: الصابين والصابون في كلّ القرآن بغير همز، ولا خلف للهمز، وهمز ذلك كلّه الباقون.
[قال أبو علي]: قال أبو زيد: صبأ الرجل في دينه، يصبأ صبوءا: إذا كان صابئا. وصبأ ناب الصبي يصبأ صبأ: إذا طلع.
وقال أبو زيد: صبأت عليهم، تصبأ، صبأ، وصبوءا: إذا طلعت عليهم، وطرأت على القوم أطرأ طرءا وطروءا مثله.
فكأنّ معنى الصابئ: التارك دينه الذي شرع له إلى دين غيره، كما أن الصابئ على القوم تارك لأرضه، ومنتقل إلى سواها والدّين الذي فارقوه، هو تركهم التوحيد إلى عبادة النجوم أو تعظيمها، ومن ثمّ خوطب المسلمون بقوله:... ولا تكونوا من المشركين من الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعا
[الحجة للقراء السبعة: 2/94]
[الروم/ 31 - 32] فالدّين الذي فارقه المشركون هو: التوحيد الذي نصب لهم عليه أدلّته، لأنّ المشركين لم يكونوا أهل كتاب، ولا متمسكين بشريعة، فهم في تركهم ما نصب لهم الدليل عليه، كالصابئين في صبوئهم إلى ما صبئوا إليه. ومثل قوله: فارقوا دينهم قوله كذلك زيّنّا لكلّ أمّةٍ عملهم [الأنعام/ 108] أي: عملهم الذي فرض عليهم ودعوا إليه، وكذلك قوله: وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم [الأنعام/ 137] أي:
دينهم الذي دعوا إليه، وشرع لهم، ألا ترى أنهم لا يلبسون عليهم التّديّن بالإشراك، وإنما سمّي شريعة الإسلام دينهم، وإن لم يجيبوا إليه ولم يأخذوا به، لأنهم قد شرع لهم ذلك ودعوا إليه، فلهذا الالتباس الذي لهم به جاز أن يضاف إليهم، كما أضاف الشاعر الإناء إلى الشارب لشربه منه وإن لم يكن ملكا له في قوله:
إذا قال قدني قلت بالله حلفة... لتغني عنّي ذا إنائك أجمعا
وهذا النحو من الإضافة كثير، فالمعنى: على أن لام الكلمة همزة، فالقراءة بالهمز هو الوجه الذي عليه المعنى.
فأما من قال: الصابون فلم يهمز، فلا يخلو من أحد أمرين: إمّا أن يجعله من صبا، يصبو، وقول الشاعر:
[الحجة للقراء السبعة: 2/95]
صبوت أبا ذيب وأنت كبير أو تجعله على قلب الهمزة فلا يسهل أن تأخذ، من صبا إلى كذا، لأنه قد يصبو الإنسان إلى الدين فلا يكون منه تديّن به مع صبوّه إليه، فإذا بعد هذا، وكان الصابئون منتقلين من دينهم الذي أخذ عليهم إلى سواه، ومتدينين به، لم يستقم أن يكون إلّا من صبأ الذي معناه: انتقال من دينهم الذي شرع لهم إلى آخر لم يشرع لهم، فيكون الصابون إذا: على قلب الهمزة، وقلب الهمز على هذا الحدّ لا يجيزه سيبويه إلا في الشعر، ويجيزه غيره، فهو على قول من أجاز ذلك، وممن أجازه أبو زيد، وحكي عن أبي زيد قال: قلت لسيبويه:
سمعت: قريت، وأخطيت قال: فكيف تقول في المضارع؟
قلت: أقرأ، قال: فقال: حسبك. أو نحو هذا، يريد سيبويه: أنّ قريت مع أقرأ، لا ينبغي، لأن أقرأ على الهمز وقريت على القلب. فلا يجوز أن يغيّر بعض الأمثلة دون بعض، فدلّ ذلك على أن القائل لذلك غير فصيح، وأنه مخلّط في لغته.
الإعراب:
من حقق الهمزة فقال: الصابئون، مثل: الصابعون، ومن خفّفها جعلها في قول سيبويه، والخليل: بين بين، وزعم
[الحجة للقراء السبعة: 2/96]
سيبويه أنه قول العرب، والخليل. وفي قول أبي الحسن:
يقلبها ياء قلبا، وقد تقدم ذكر ذلك في هذا الكتاب. ومن قلب الهمزة التي هي لام ياء، فقال: الصابون. نقل الضمة التي كانت تلزم أن تكون على اللام إلى العين فسكنت الياء فحذفها لالتقاء الساكنين هي وواو الجمع، وحذف كسرة عين فاعل، فحرّكها بالضمة المنقولة إليها، كما أن من قال: خفت، وحبّ بها، وحسن ذا أدبا، فنقل الحركة من العين إلى الفاء حذف الحركة التي كانت للفاء في الأصل، وحرّكها بالحركة المنقولة كما حرّك العين من فاعل بالحركة المنقولة، وقياس نقل الحركة التي هي ضمة إلى العين أن تحذف كسرة عين فاعل، وتنقل إليها الكسرة التي كانت تكون للّام، ألا ترى أن الضمة منقولة إليها بلا إشكال، وإن شئت قلت لا أنقل حركة اللام التي هي الكسرة كما نقلت حركتها التي هي الضمة، لأني لو لم أنقل الحركة التي هي الضمة، وقررت الكسرة، لم يصحّ واو الجميع، فليس الكسرة مع الياء كالكسرة مع الواو، فإذا كان كذلك أبقيت الحركة التي كانت تستحقّها اللام فلم أنقلها، كما أبقيت حركة المدغم، ولم أنقلها في قول من قال: يهدي فحرّك الهاء بالكسر لالتقاء الساكنين، ولم ينقلها كما نقل من قال: يهدي، [يونس/ 35].
ومثل ذلك في أنّك تنقل الحركة مرة ولا تنقل أخرى قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/97]
وحبّ بها مقتولة وحبّ بها مقتولة! وحسن ذا أدبا، وحسن ذا أدبا، ونحو ذلك.
فإن قلت: فلم لا تنقل الحركة التي تستحقّها اللام إذا انقلبت ألفا نحو: المصطفى والمعلّى إلى ما قبلها، كما نقلت حركة الياء في نحو قولك: فأولئك هم العادون [المعارج/ 31] فجاء: وأنتم الأعلون [آل عمران/ 139] وهم المصطفون، مفتوحا ما قبل الواو منه، وهلّا نقلت الحركة كما نقلت في نحو: هم العادون [المعارج/ 31]، فالقول في ذلك أنّ المحذوف لالتقاء الساكنين في حكم الثابت في اللفظ، كما كان المحرّك لالتقائهما في حكم السكون، يدلك على ذلك نحو: رمت المرأة، واردد ابنك، فإذا كان كذلك، كان الألف في الأعلون، في حكم الثبات، وإذا كان في حكمه لم يصحّ تقدير نقل الحركة منها، لأنّ ثبات الألف
[الحجة للقراء السبعة: 2/98]
ألفا في تقدير الحركة فيها. وإذا كان في تقديرها، لم يجز نقلها، لأنه يلزم منه تقدير ثبات حركة واحدة في موضعين، وليس كذلك الياء لأنها قد تنفصل عن الحركة، وتحرّك بالضمة والكسرة في نحو:
ألم يأتيك والأنباء..
و: غير ماضي فإن قال: فهلّا إذا كان الأمر على ما وصفت لم يجز أن يجمع ما كان آخره ألف التأنيث، نحو: حبلى، إذا سمّيت به رجلا أن تقول في جمعه: حبلون، لأنه
يلزم من ذلك اجتماع علامة التذكير والتأنيث في اسم، فيلزم أن يمتنع كما امتنع أن يجمع طلحة بالواو والنون- اسم رجل- في قول العرب والنحويين، إذا أثبتّ التاء فيه لاجتماع علامة تأنيث وتذكير في اسم واحد.
فالقول في ذلك أن الألف في حبلى اسم رجل، إذا قلت: حبلون، إنما جاز لأنك إذا سميت به لا تريد به معنى التأنيث، كما أردت به ذلك قبل التسمية، فجاز لأنك تخلع منها علامة التأنيث، فتجعل الألف لغيره، ألا ترى أن في كلامهم ألفا ليست للتأنيث، ولا للإلحاق ولا هي منقلبة نحو: قبعثرى،
[الحجة للقراء السبعة: 2/99]
ونحو: ما حكاه سيبويه: من أن بعضهم يقول: بهماه، فإذا قدّرت خلع علامة التأنيث منها جاء جمع الكلمة بالواو والنون، كما أنك لما قلبتها ياء جاز جمعها بالألف والتاء نحو: حبليات وحباريات، فخلع علامة التأنيث منها في التسمية بما هي فيه كقلبها إلى ما قلبت إليه في حبليات، وصحراوات، وخضراوات). [الحجة للقراء السبعة: 2/100]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي السَّمَّال، رواها أبو زيد فيما رواه ابن مجاهد: [وَالَّذِينَ هَادَوْا] بفتح الدال.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون فاعَلوا من الهداية؛ أي: رامُوا أن يكون أهدى من غيرهم، كقولك: رامَوْا من رميت، وقاضَوْا من قضيت، وساعَوْا من سعيت، فيقول في مصدر هادَوا: مهاداة؛ كقاضوا مقاضاة، وساعوا مساعاة، وقد هودِي الرجل يُهَادى مهاداة، إذا كان حوله من يمسكه ويهديه الطريق، ومنه قولهم في الحديث: "مر بنا يهادى بين اثنين"، ومنه قوله:
من أن يرى تهديه فتـ ... يان المقامة بالعشيه). [المحتسب: 1/91]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}
قرأ نافع والصابين والصابون بغير همز من صبا يصبو أي مال إلى دينه وحجته قوله تعالى وإلّا تصرف عني كيدهن أصب إليهنّ أي أمل إليهنّ ومنه سمي الصّبي صبيا لأن قلبه يصبو إلى كل لعب لفراغ قلبه
وقرأ الباقون الصابئين بالهمز أي الخارجين من دين إلى دين يقال صبأ فلان إذا خرج من دينه يصبأ ويقال صبأت النّجوم إذا ظهرت وصبأ نابه إذا خرج). [حجة القراءات: 100]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (38- قوله: «والصابئين، والصابئون» قرأه نافع بغير همز، وهمزه الباقون.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/245]
39- فمن همز جعله من «صبا الرجل في دينه» إذا خرج منه وتركه، ومنه قولهم: صبأ ناب الصبي، إذا طلع، وصبأت النجوم إذا ظهرت، والصابئ التارك لدينه الخارج منه، فلام الفعل همزة، فكذلك يجب أن تكون في الصابئين.
40- فأما من لم يهمز فهو على أحد وجهين، إما أن يكون خفف الهمزة على البدل، فأبدل منه ياء مضمومة، أو واوًا مضمومة، في الرفع، فلما انضمت الياء إلى الواو ألقى الحركة على الياء استثقالًا للضم على حرف علة، فاجتمع حرفان ساكنان، فحذف الأول لالتقاء الساكنين، وهذا الحذف والاعتلال كالحذف والاعتلال في «العاصين والعاصون» فقسه عليه، وكذلك أبدل منه ياء في النصب مكسورة، ثم حذف الكسرة لاجتماع ياءين الأولى مكسورة، فاجتمع له ياءان ساكنتان، فحذف احداهما لالتقاء الساكنين، فقال: «الصابين» والبدل في مثل هذا للهمزة في التخفيف، مذهب الأخفش وابي زيد، فأما سيبويه فلا يجيز البدل في المتحركة ألبتة، إلا إذا كانت مفتوحة وقبلها ضمة أو كسرة، وقد ذكرنا ذلك وبيناه، فإن وقع في شعر أجازه سيبويه.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/246]
والوجه الثاني أن يكون من «صبا، يصبو» إذا فعل ما لا يجب له فعله، كما يفعل الصبي، فيكون في الاعتلال، قد حذف لامه في الجمع، وهي واو مضمومة في الرفع، وواو مكسورة في الخفض والنصب، فجرى الاعتلال على إلقاء حركة الواو على الياء، وحذف الواو الأولى لسكونها وسكون واو الجمع أو يائه بعدها، فهي في الاعتلال مثل اعتلال قولك: رأيت الغازين، وهؤلاء الغازون، فقسه عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/247]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (24- {الصَّابِئِينَ} [آية/ 62] و{الصَابِئُون} بالهمز فيهما حيثما وقعا:-
اتفق عليه القراء كلهم إلا نافعًا وحده فإنه قرأ: {الصَابِينَ} و{الصَابُونَ} بلا همز.
ووجه قراءة الجماعة أن الكلمة من صبأ الرجل في دينه إذا ترك دينه وانتقل إلى دين آخر، وأصل ذلك من قولهم: صبأ ناب البعير إذا طلع، وصبأت على القوم إذا طلعت عليهم؛ لأن الصابئ ينتقل من عبادة الله إلى عبادة النجوم، كما أن الصابئ على القوم ينتقل من أرض إلى أرضٍ أخرى، فالوجه على هذا هو القراءة بالهمز؛ لما أريتك من كون الهمزة لام الكلمة.
ووجه قراءة نافع هو أن الكلمة وإن كانت من الهمزة على ما سبق فإنه قلب منها الهمزة قلبًا، وقلب الهمزة وإن كان لا يجيزه سيبويه إلا في الشعر، فإن أبا زيدٍ يجيزه، على أنه أيضًا لا يجعله لغة جيدة.
[الموضح: 280]
فإذا قلب الهمزة على مذهب أبي زيد قال في صبأت: صبيت، كما قال في قرأت: قريت، وفاعله على هذا صاب كقاضٍ، والجمع الصابون مثل القاضون، وفي الجر والنصب الصابين مثل القاضين سواء.
وإن جعل نافع الكلمة مأخوذةً من صبا إلى الشيء يصبو إذا مال إليه لم يستقم المعنى؛ لأنه ليس كل من يصبو إلى دين كان متدينًا به). [الموضح: 281]

قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)}

قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 02:29 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (65) إلى الآية (66) ]

{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)}

قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)}



روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 02:31 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (67) إلى الآية (74) ]

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)}


قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (أتتّخذنا هزوًا)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي (هزؤًا)، و(كفؤًا) بالهمز والتخفيف، واختلف عن نافع وعاصم، وأما
[معاني القراءات وعللها: 1/155]
حمزة فإنه قرأ (كفؤا) " و(هزؤا)، وهما لغتان جيدتان، فاقرأ كيف شئت). [معاني القراءات وعللها: 1/156]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: أتتخذنا هزؤا [البقرة/ 67] في الهمز وتركه، والتخفيف والتثقيل، وكذلك جزا وكفواً [الإخلاص/ 4].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والكسائيّ: هزواً، وكفواً بضمّ الفاء والزّاي والهمز، وجزا بإسكان الزاي والهمز.
وروى القصبيّ عن عبد الوارث عن أبي عمرو، واليزيديّ أيضا عن أبي عمرو: أنه خفّف «جزا» وثقل «هزواً، وكفواً».
وروى عليّ بن نصر وعباس بن الفضل عنه أنه خفّف «جزءا وكف ءا».
[الحجة للقراء السبعة: 2/100]
وروى محبوب عنه «كف ءا» خفيفا.
وروى أبو زيد وعبد الوارث في رواية أبي معمر أنه خيّر بين التّثقيل والتّخفيف.
وروى الأصمعيّ أنّه خفّف «هزءا وجزءا». وقرأهنّ حمزة ثلاثهنّ بالهمز أيضا. غير أنه كان يسكّن الزّاي من قوله «هزءا»، والفاء من قوله: «كف ءا» والزّاي من «جزء»، وإذا وقف قال: «هزوا» بلا همز، ويسكّن الزاي والفاء، ويثبت الواو بعد الزّاي وبعد الفاء، ولا يهمز، ووقف على قوله: «جزّا» بفتح الزّاي من غير همز، حكى ذلك أبو هشام عن سليم عن حمزة يرجع في الوقف إلى الكتاب.
واختلف عن عاصم، فروى يحيى عن أبي بكر عنه:
«جزؤا وهزؤا وكفؤا» مثقّلات مهموزات. وروى حفص:
أنه لم يهمز «هزوا ولا كفوا» ويثقّلهما، وأثبت الواو وهمز «جزءا» وخفّفها.
[الحجة للقراء السبعة: 2/101]
[حدثنا أبو بكر بن مجاهد قال]: حدثني وهيب بن عبد الله، عن الحسن بن المبارك، عن عمرو بن الصّباح، عن حفص، عن عاصم: «هزوا وكفوا» يثقّل ولا يهمز. ويقرأ «جزءا» مقطوعا بلا واو، يهمز ويخفّف. وكذلك قال هبيرة عن حفص عن عاصم «جزءا» خفيف مهموز. وحدّثني وهيب بن عبد الله المروذيّ قال: حدّثنا الحسن بن المبارك قال: قال أبو حفص: وحدّثني سهل أبو عمرو عن أبي عمر عن عاصم أنه كان يقرأ: «هزؤا وكفوا» يثقّل، فربما همز، وربّما لم يهمز. قال: وكان أكثر قراءته ترك الهمز.
حدّثني محمد بن سعد العوفيّ عن أبيه، عن حفص عن عاصم أنه لا ينقص، نحو «هزؤا وكفؤا» ويقول: أكره أن تذهب عني عشر حسنات بحرف أدعه إذا همزته. وذكر عاصم أن أبا عبد الرحمن السلميّ كان يقول ذلك، وروى حسين الجعفيّ عن أبي بكر عن عاصم «هزوا وكفوا» بواو ولم يذكر الهمز.
[الحجة للقراء السبعة: 2/102]
وروى المفضّل عن عاصم «هزءا» مهموزا ساكنة الزاي في كل القرآن.
واختلفوا عن نافع في ذلك، فروى ابن جمّاز وورش وخلف بن هشام عن المسيّبي وأحمد بن صالح المصري عن قالون: أنه ثقّل «هزؤا وكفؤا» وهمزهما [وخفف جزءا وهمزها] وكذلك قال يعقوب بن حفص عنه.
وقال إسماعيل بن جعفر عن نافع وأبو بكر بن أبي أويس عن نافع «هزءا وجزءا وكف ءا» مخففات مهموزات.
وأخبرني محمد بن الفرج، عن محمد بن إسحاق، عن أبيه، عن نافع، وحدثنا القاضي عن قالون، عن نافع: أنه ثقّل (هزؤا) وهمزها، وخفّف (جزءا وكفؤا) وهمزهما.
وقال الحلوانيّ عن قالون: أنّه ثقّل (كفؤا) أيضا.
حدثني أبو سعيد البصريّ الحارثيّ عن الأصمعيّ عن
[الحجة للقراء السبعة: 2/103]
نافع أنه قرأ: «هزؤا» مثقّلة مهموزة.
وروى أبو قرّة عن نافع: هزءا خفيفة مهموزة. ولم يذكر غير هذا الحرف.
قال أبو زيد: هزئت هزءا ومهزأة. وقال: [أبو علي:
قوله تعالى] أتتّخذنا هزواً فلا يخلو من أحد أمرين:
أحدهما: أن يكون المضاف محذوفا، لأن (الهزء) حدث، والمفعول الثاني في هذا الفعل يكون الأول، قال: لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء [الممتحنة/ 1] أو يكون: جعل الهزء المهزوء به مثل: الخلق، والصيد في قوله: أحلّ لكم صيد البحر [المائدة/ 96] ونحوه.
فأما قوله: لا تتّخذوا الّذين اتّخذوا دينكم هزواً ولعباً [المائدة/ 57]. فلا تحتاج فيه إلى تقدير محذوف مضاف كما احتجت في الآية الأخرى، لأن الدّين ليس بعين.
وقول موسى عليه السلام: أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين [البقرة/ 67]
[الحجة للقراء السبعة: 2/104]
في جواب: أتتخذنا هزؤا يدلّ على أن الهازئ جاهل.
قال أبو الحسن: زعم عيسى أنّ كلّ اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم، فمن العرب من يثقّله ومنهم من يخفّفه، نحو: العسر واليسر والحكم والرّحم، فممّا يقوي هذه الحكاية أن ما كان على فعل من الجموع، مثل: كتاب، وكتب، ورسول ورسل، قد استمرّ فيه الوجهان، فقالوا: رسل، ورسل، حتى جاء ذلك في العين إذا كانت واوا نحو:
...... سوك الإسحل ونحو قوله:
وفي الأكفّ اللامعات سور
[الحجة للقراء السبعة: 2/105]
وحكى أبو زيد: قوم قول. فأما فعل في جمع أفعل نحو: أحمر وحمر: فكأنهم ألزموه الإسكان للفصل بين الجمعين. وقد جاء فيه التحريك في الشعر، وإذا كان الأمر على هذا يجب أن يكون ذلك مستمرا في نحو: الجزء، والكفء، والهزء. إلّا أنّ من ثقّل فقال: رأيت جزؤا، وكفؤا، فجاء به مثقّل العين محقّق الهمزة، فله أن يخفّف الهمزة، فإذا خفّفها وقد ضمّ العين لزم أن يقلبها واوا فيقول: رأيت جزوا، ولم يكن له كفواً أحدٌ [الإخلاص/ 4]. فإن خفّف كما يخفف الرحم فأسكن العين، قال: هزواً وجزوا فأبقى الواو التي انقلبت عن الهمزة لانضمام ما قبلها، وإن لم تكن ضمة العين في اللفظ لأنها مرادة في المعنى، كما قالوا: لقضو الرجل، فأبقوا الواو ولم يردّوا اللام التي هي ياء من قضيت، لأن الضمة وإن كانت محذوفة من اللفظ مرادة في المعنى.
وكذلك قالوا: رضي زيد، فيمن قال: علم ذاك، فلم يردّوا الواو التي هي لام لزوال الكسرة، لأنها مقدّرة مرادة، وإن كانت محذوفة من اللفظ. ومما يقوي أنّ هذه الحركة، وإن كانت محذوفة في اللفظ، مرادة في التقدير- رفضهم جمع كساء، وغطاء، ونحوه من المعتل اللام على فعل. ألا ترى أنّهم رفضوا جمعه على فعل لمّا كان في تقدير فعل، واقتصروا على أدنى العدد، نحو: أغطية وأكسية، وخباء وأخبية، فكذلك تقول: رأيت كفوا، فتثبت الواو وإن كنت قد حذفت الضمة الموجبة لاجتلابها.
[الحجة للقراء السبعة: 2/106]
فأما من أسكن فقال: (الجزء والكفء)، كما تقول:
اليسر، فتكلّم به مسكّن العين، وخفّف الهمزة على هذا، فإنّ تخفيف الهمزة في قوله: أن يحذفها ويلقي حركتها على الساكن الذي قبلها. فيقول: رأيت جزا، كما يقول: يخرج الخب في السماوات [النمل/ 25] فإذا وقف على هذا في القول الشائع، أبدل من التنوين الألف كما تقول: رأيت زيدا، فإذا وقف في الرفع والجرّ، حذف الألف كما يحذف من يد، وغد، فيهما. وعلى ما وصفنا تقول: لبؤة، فإذا خففت الهمزة قلت: لبوة، فإن أسكنت العين في من قال: عضد، وسبع، قلت: لبوة فلم تردّ الهمزة لتقدير الحركة،
وزعموا أنّ بعضهم قال: لباة، فهذا كأنّه كان: لبأة، ساكن العين ولم يقدّر فيها الحركة التي في لبؤة فخفّفها على قول من قال: «المراة والكماة» وليس هذا مما يقدح فيما حكاه عيسى. ألا ترى أنّهم قد قالوا: رضيوا، فجعلوا السكون الذي في تقدير الحركة بمنزلة السكون الذي لا تقدّر فيه الحركة، ولولا ذلك للزم حذف الياء التي هي لام كما لزم حذفها في قول من حرّك العين ولم يسكن.
فإذا كان الأمر في هذه الحروف على ما ذكرنا، فقراءة من قرأ بالضم وتحقيق الهمز في الجواز والحسن، كقراءة من
[الحجة للقراء السبعة: 2/107]
قرأ بالإسكان وقلب الهمزة واوا، لأنه تخفيف قياسيّ. ويجوز أن يأخذ الآخذ باللغتين جميعا كما روى أبو زيد عن أبي عمرو، أنه خيّر بين التخفيف والتثقيل. فأمّا قراءة حمزة للحروف الثلاثة بالإسكان والهمز فعلى قول من قال: اليسر والرّحم.
فأما اختياره في الوقف: هزواً بإسكان الزاي، وإثبات الواو بعدها، وبعد الفاء من كفو ورفضه الهمز في الوقف، فإنه ترك الهمز في الوقف هنا كما تركه في غير هذا الموضع ووجه تركه الهمز في الوقف أن الهمزة حرف قد غيّر في الوقف كثيرا. ألا ترى أنها لا تخلو من أن تكون ساكنة أو متحركة، فإذا كانت ساكنة، لزمها بدل الألف إذا انفتح ما قبلها. وبدل الياء إذا انكسر ما قبلها، وبدل الواو إذا انضمّ ما قبلها في لغة أهل الحجاز، وذلك قولك: لم أقرأ، تبدلها ألفا، ولم أهني تبدلها ياء، وهذه أكمو، تبدلها واوا.
فإذا كانت متحركة لزمها القلب في نحو: هذا الكلو، وبالكلي، ورأيت الكلا. فلما رأى هذه التغييرات تعتقب عليها في الوقف، غيّرها فيه. ألا ترى أن الهمزة الموقوف عليها لا تخلو من أن تكون في الوصل ساكنة أو متحركة، وقد تعاورها ما ذكرنا من التغيير في حال حركتها وسكونها، ألزمها التغيير في الوقف ولم يحقّقها فيه، لأن الوقف موضع يغيّر فيه الحروف التي لم تتغيّر تغيّر الهمزة فألزمها في الوقف التغيير، ولم يستعمل فيه التحقيق، لما رأى من حال الهمز في الوقف.
[الحجة للقراء السبعة: 2/108]
فإن قلت: فإنه قد غيّر ذلك في الوقف وإن لم يكن الهمز آخر الحرف الموقوف عليه: نحو يستهزؤن [النحل/ 34].
قيل: إن الوقف قد يغيّر فيه الحرف الذي قبل الحرف الموقوف عليه نحو: النقر والرّحل، فصار لذلك بمنزلة الموقوف عليه في التغيير.
فإن قلت: إن الهمزة في يستهزؤن ليس على حدّ النّقر.
قيل: يجوز أن تكون النون لما كانت تسقط للجزم والنصب عنده لم يعتدّ بها كما لا يعتدّ بأشياء كثيرة لا تلزم.
ويؤكد ذلك، أن النون إعراب وأنها بمنزلة الحركة من حيث كان إعرابا مثلها، فلم يعتدّ بها كما لا يعتدّ بالحركة.
فاختياره في الدّرج التحقيق، وفي الوقف التخفيف، مذهب حسن متجه في القياس. فأمّا وقفه على قوله: جزا بفتح الزاي من غير همز، فعلى قياس قوله: كفوا وهزوا.
ألا ترى أن (الجزء)، من أسكن العين منه فقياسه في الوقف في النصب جزا إذا وقف على قوله: وجعلوا له من عباده جزا [الزخرف/ 15] فإن وقف في الجرّ والرّفع، أسكن الزّاي في اللغة الشائعة فقال: هذا جز، ومررت بجز، وإن كان ممّن يقول: هذا فرجّ، فثقّل، لزمه أن يثقّل الحرف
[الحجة للقراء السبعة: 2/109]
الذي ألقى عليه حركة الهمزة. فإذا عضد هذا القياس أن يكون الكتاب عليه، جمع إليه موافقة الكتاب، وإنما جاء الكتاب فيما نرى على هذا القياس. وكذلك قراءة عاصم، وما روي عنه في ذلك، ليس يخرج من حكم التحقيق والتخفيف، والتخيير فيهما. وكذلك قول نافع ليس يخرج عما ذكرنا من حكم التحقيق والتخفيف). [الحجة للقراء السبعة: 2/110]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فتوبوا إلى بارئكم} {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}
[حجة القراءات: 96]
قرأ أبو عمرو إلى بارئكم ويأمركم وينصركم بالاختلاس وحجته في ذلك أنه كره كثرة الحركات في الكلمة الواحدة وروي عنه إسكان الهمزة قال الشّاعر:
إذا اعوججن قلت صاحب قوم
والكلام الصّحيح يا صاحب أقبل أو يا صاحب اقبل
وقرأ الباقون بارئكم ويأمركم بالإشباع على أصل الكلمة وهو الصّواب ليوفى كل حرف حقه من الإعراب). [حجة القراءات: 97] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا أتتخذنا هزوا}
قرأ حمزة وإسماعيل عن نافع هزءا ساكنة الزّاي وقرأ
[حجة القراءات: 100]
الباقون هزؤا بضم الزّاي وهما لغتان التّخفيف لغة تميم والتثقيل لغة أهل الحجاز
قال الأخفش وزعم عيسى بن عمر أن كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم فمن العرب من يثقله ومنهم من يخففه نحو اليسر واليسر والعسر والعسر فمن خفف طلب التّخفيف لأنّه استثقل ضمتين في كلمة واحدة
وقرأ حفص هزوا بغير همز لأنّه كره الهمز بعد ضمتين في كلمة واحدة فلينها). [حجة القراءات: 101]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (41- قوله: «هزوا، وكفوا، وجزءا» قرأه حمزة بإسكان الزاي والفاء، وضمها الباقون، وكلهم همز إلا حفصًا، فإنه أبدل من الهمزة واوًا مفتوحة، على أصل التخفيف؛ لأنها همزة مفتوحة قبلها ضمة، فهي تجري على البدل كقوله: «السفهاء لا» في قراءة الحرميين وأبي عمرو، كذلك يفعل حمزة إذا وقف كأنه يعمل الضمة التي كانت على الزاي والفاء في الأصل، وكان يجب عليه على أصل التخفيف لو تابع لفظه، أن يُلقي حركة الهمزة على الساكن الذي قبلها، كما يفعل في «جزءا» فقال في الوقف «جُزا» فكان يجب أن يقول: «كفا، وهزا» لكنه رفض ذلك لئلا يخالف الخط، فأعمل الضمة الأصلية التي كانت على الزاي والفاء في الهمزة، فأبدل منها واوًا مفتوحة، ليوافق الخط، ثم يأتي بالألف التي هي عوض من التنوين، بعد ذلك. وكل القراء أسكن الزاي من «جزءا» إلا أبا بكر فإنه ضمها، فأما «جزء» المرفوع فأبو بكر يضم الزاي وحده، وكلهم همزه إلا حمزة وهشامًا إذا وقفا،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/247]
فإنهما يُلقيان حركة الهمزة على الزاي، ويقفان بالروم لتلك الحركة، أو بالإشمام، فمن ضم الزاي والفاء أتى بهما على الأصل، ومن أسكنهما فعلى الاستخفاف، وهي لغة للعرب، حكى الأخفش عن عيسى بن عمر أن كل اسم على ثلاثة أحرف، أوله مضموم، ففيه لغتان: التثقيل والتخفيف نحو: «اليسر، والعسر، والهزؤ» ومثله ما كان من المجموع على «فعل» لك فيه التخفيف والتثقيل أيضًا، وقد تقدم ذكر علل تخفيف الهمزة وأحكامه، لكن لتخفيف الهمزة في: «هزوا وكفوا» مزية على ما تقدم، وذلك لما فيه من الثقل، لهمزة وضمتان في الأصل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/248]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (25- {هُزُوًا} [آية/ 67] و{جُزْؤًا} و{كُفْؤًا}:-
قرأها حمزة و- يل- عن نافع مخففات مهموزات.
وقرأ ياش- عن عاصم بالهمز والتثقيل في الأحرف الثلاثة.
و- ص- عن عاصم بالواو والتثقيل في {هُزُوًا} و{كُفُوًا} فقط، وهَمَزَ {جُزْءًا} وخففها.
وقرأ يعقوب {هُزُؤًا} بالتثقيل والهمز، وخفف {جُزْءًا} و{كُفْؤًا} وهمزهما.
و- ش- و- ن- عن نافع {كُفُؤًا} و{هُزُؤًا} بالتثقيل والهمز، و{جزْءًا} بالتخفيف والهمز.
وكذلك قراءة الباقين.
وكان حمزة يترك الهمز في الوقف، فيقف في {هزوًا} و{كفوًا} على التثقيل والواو، وفي {جُزَا} على فتح الزاي من غير همز.
[الموضح: 281]
الباقون يقفون كما يصلون إلا في المنون يبدلون من التنوين ألفًا كسائر الأسماء.
اعلم أن كل ما كان على فعل مضموم الفاء، فإن للعرب فيه وجهين:
أحدهما: تسكين عينه، والآخر: تحريكها بالضم، وذلك كاليسر واليسر ونحوه.
وقد استمرت هذه الطريقة في الجمع أيضًا فقالوا: كتب وكتب ونحوه، فإذا صح ذلك فإن تسكين العين في هزو وجزو وكفو وتحريكها معًا جائزان، ثم إن آخر الكلمة همزة، وتحقيق الهمزة وتخفيفها معًا فيها جائزان، وقد تمسك بكل واحد من هذه الأوجه الجائزة قوم، ومن ذلك حصل الاختلاف، فاذا حركت العين بالضم وأريد تخفيف الهمزة وجب قلبها واوًا لضمة ما قبلها، فيقال: رأيت كفوًا، فإن سكنت العين بعد تخفيف الهمزة أبقيت الواو المنقلبة عن الهمزة بحالها فيقال: كفوًا؛ لأن الضمة وإن زالت في اللفظ فهي في حكم الثبات؛ لأنها مرادة في المعنى، فأما إذا سكنت العين من أول الأمر على لغة من قال: اليسر بالإسكان، فأريد تخفيف الهمزة من الهزء، فإن تخفيفها إنما هو بحذفها وإلقاء حركتها على الساكن قبلها، وذلك أن تقول: رأيت جزًا وكفًا بغير همز، وهذا جز وكف، ومررت بجز وكفٍ كيد ودم.
وأما ترك حمزة الهمزة في حال الوقف؛ فلأن الهمزة كثيرًا ما تغير في الوقف، ألا ترى أنك تبدل منها في حال الوقف حروف العلة على حسب حركات ما قبلها إن كانت ساكنةً، وعلى حسب حركات أنفسها إن كانت متحركةً.
فالساكنة نحو: لم أقرا ولم أهني وهذه أكمو، والمتحركة: هذا الكلو
[الموضح: 282]
ومررت بالكلي ورأيت الكلا، فإنما ذلك لأن الوقف موضع تغييرٍ، والهمزة قد تغير في غير حال الوقف فلأن تغير في حال الوقف أولى.
فلما كان كذلك اختار حمزة ترك الهمزة في حال الوقف). [الموضح: 283]

قوله تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68)}

قوله تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)}

قوله تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)}


قوله تعالى: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)}

قوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)}

قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)}

قوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من خشية اللّه وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون (74)
قرأ ابن كثير ها هنا: (عمّا يعملون) - بالياء -.
وقوله: (إلى أشدّ العذاب وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون (85) ) - بالياء - وقوله: (الحقّ من ربّهم وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون (144)) - بالياء - في هذه الثلاثة المواضع، وقرأ الباقي - بالتاء - وقرأ أبو عمرو في موضعين بالياء، قوله: (الحقّ من ربّهم وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون (144)، وقوله: (للحقّ من ربّك وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون (149). والباقي بالتاء.
وقرأ نافع وعاصم في رواية
[معاني القراءات وعللها: 1/156]
أبي بكر ويعقوب في موضعين بالياء، وهو قوله: (إلى أشدّ العذاب وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون (85)، و: (الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون).
وروى حفص عن عاصم موضعا بالياء، قوله: (الحقّ من ربّهم وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون (144).
هذه وحدها بالياء.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: (وما الله بغافل عما تعملون) بالتاء وهي ستة مواضع: خمسة في البقرة، وواحدة في آل عمران، رأس تسع وتسعين منها.
قال أبو منصور: من قرأ (يعملون) فعلى الإخبار عنهم، ومن قرأ بالتاء فهو مخاطبة لهم). [معاني القراءات وعللها: 1/157]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التاء والياء في قوله: وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون [البقرة/ 74]. فقرأ ابن كثير كلّ ما في القرآن من قوله: وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون بالتاء، إلا ثلاثة أحرف: قوله: لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما يعملون [البقرة/ 74] بالياء وقوله: يردون إلى أشد العذاب، وما الله بغافل عما يعملون [البقرة/ 85] بالياء.
وقوله: ليعلمون أنّه الحقّ من ربّهم وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون [البقرة/ 144]، بالياء. وقرأ ما كان من قوله: وما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون بالياء [الأنعام/ 132 والنمل/ 93].
وقرأ نافع من هذه الثلاثة الأحرف حرفين بالياء: قوله:
إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما يعملون بالياء، وكذلك:
ليعلمون أنّه الحقّ من ربّهم وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون بالياء، وسائر القرآن بالتاء.
[الحجة للقراء السبعة: 2/110]
وكذلك قرأ ما كان من قوله: وما ربّك بغافلٍ عمّا تعملون. بالتاء، وهما حرفان في آخر سورة هود، [الآية/ 123]، وآخر سورة النّمل [الآية/ 93] فهما عنده بالتاء.
وقرأ في سورة الأنعام: وما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون بالياء [الآية/ 132].
وقرأ ابن عامر كلّ ما جاء في القرآن من قوله: وما الله بغافل عما تعملون بالتاء. وقرأ في سورة الأنعام وآخر سورة هود وما ربّك بغافلٍ عمّا تعملون بالتاء، وقرأ في آخر سورة النّمل، وما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون بالياء فهذه حروف كذلك في كتابي عن أحمد بن يوسف عن ابن ذكوان. ورأيت في كتاب موسى بن موسى الختّلي عن ابن ذكوان: بالتاء.
وفي آخر النمل: بالتاء أيضا.
وقال الحلوانيّ عن هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر ذلك كلّه بالتاء وما ربّك بغافلٍ، وما اللّه بغافلٍ.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون بالياء في موضعين، قوله: يردّون إلى أشدّ العذاب، وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون بالياء. وقوله: ليعلمون أنّه الحقّ من ربّهم وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون بالياء، وسائر القرآن بالتاء.
[الحجة للقراء السبعة: 2/111]
وكلّ ما في القرآن من قوله: وما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون فهو بالياء، وهذا قول أبي بكر بن عيّاش عن عاصم. وقال حفص عن عاصم في رأس الأربع والأربعين والمائة: ليعلمون أنّه الحقّ من ربّهم وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون [البقرة] بالياء، هذه وحدها، وسائر القرآن بالتاء.
وقال حفص: قرأ عاصم في سورة الأنعام: ولكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا وما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون [الآية/ 132] بالياء، وقرأ في آخر هود وآخر النّمل: وما ربّك بغافلٍ عمّا تعملون بالتاء مثل قراءة نافع.
وقرأ أبو عمرو رأس الأربع والأربعين والمائة، والتسع والأربعين والمائة: وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون بالياء، وسائر القرآن من قوله: وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون بالتاء.
وما كان من قوله: وما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون فهو بالياء.
وقرأ حمزة والكسائيّ كلّ ما كان من قوله: وما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون بالياء، وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون بالتاء.
وكلّ ما في القرآن من قوله: وما اللّه بغافلٍ فهو ستّة مواضع. خمسة منها في سورة البقرة، وحرف في آل عمران عند المائة. وما ربّك بغافلٍ ثلاثة مواضع: في الأنعام وآخر هود وآخر النّمل.
[الحجة للقراء السبعة: 2/112]
قال أبو عليّ: القول في جملة ذلك أنّ ما كان قبله خطاب جعل بالتاء، ليكون الخطاب معطوفا على خطاب مثله- كقوله: ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة [البقرة/ 74] وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون، فالتاء هنا حسن، لأنّ المتقدّم خطاب. ولو كان: وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون على لفظ الغيبة. أي: وما الله بغافل عما يفعل هؤلاء الذين اقتصصنا عليكم قصصهم أيها المسلمون، لكان حسنا.
وإن كان الذي قبله غيبة، حسن أن يجعل على لفظ الغيبة، ليعطف ما للغيبة على مثله، كما عطفت ما للخطاب على مثله.
ويجوز فيما كان قبله لفظ غيبة الخطاب. ووجه ذلك أن تجمع بين الغيبة والخطاب، فتغلّب الخطاب على الغيبة، لأنّ الغيبة يغلب عليها الخطاب فيصير كتغليب المذكّر على المؤنّث، ألا ترى أنّهم قد بدءوا بالخطاب على الغيبة في باب الضمير، وهو موضع يردّ فيه كثير من الأشياء إلى أصولها؟
نحو: لك، ونحو قوله:
فلا بك ما أسال ولا أغاما فلمّا قدّموا المخاطب على الغائب فقالوا: أعطاكه ولم
[الحجة للقراء السبعة: 2/113]
يقولوا: أعطاهوك. علمت أنه أقدم في الرّتبة. كما أن المذكّر مع المؤنث كذلك. فإذا كان الأمر على هذا، أمكن في الخطاب في هذا النحو أن يعنى به الغيب والمخاطبون، فيغلّب الخطاب على الغيبة ويكون المعنى: ما الله بغافل عمّا تعملون.
أي فيجازي المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته.
ويجوز في الخطاب بعد الغيبة وجه آخر، وهو أن يراد به: قل لهم أيها النبيّ: ما الله بغافل عمّا تعملون، فعلى هذا النحو تحمل هذه الفصول). [الحجة للقراء السبعة: 2/114]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة قتادة: [وَإِنْ مِنَ الْحِجَارَةِ]، وكذلك قراءته: [وَإِنْ مِنْهَا] مخففة.
قال ابن مجاهد: أحسبه أراد بقوله مخففة الميم؛ لأني لا أعرف لتخفيف النون معنى.
قال أبو الفتح: هذا الذي أنكره ابن مجاهد صحيح؛ وذلك أن التخفيف في إِنَّ المكسورة شائع عنهم؛ ألا ترى إلى قول الله تعالى: {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا}، {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} أي: إنهم على هذه الحال. وهذه اللام لازمة مع تخفيف النون
[المحتسب: 1/91]
فرقًا بين إِنْ مخففة من الثقيلة، وبين إِنْ التي للنفي بمنزلة "ما" في قوله سبحانه: {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ}، وقوله:
فما إنْ طبنا جُبْنٌ ولكن ... منايانا ودولة آخرينا
وهذا واضح). [المحتسب: 1/92]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعمش: [لما يَهْبُطُ] بضم الباء.
قال أبو الفتح: قد بينا في كتابنا "المنصف" -وهو تفسير تصريف أبي عثمان- أن باب فَعَل المتعدي أن يجيء على يفعِل مكسور العين؛ كضرب يضرب وحبس يحبس، وباب فَعَل غير المتعدي أن يكون على يفعُل مضموم العين؛ كعقد يقعد وخرج يخرج، وأنهما قد يتداخلان فيجيء هذا في هذا، وهذا في هذا؛ كقتل يقتُل، وجليس يجلِس، إلا أن الباب ومجرى القياس على ما قدمناه، فهبط يهبُط على هذا بضم العين أقوى قياسًا من يهبِط، فهو كسقط يسقط؛ لأن هبط غير متعدٍّ في غالب الأمر كسقط.
وقد ذُهب في هذا الموضع إلى أن هبط هنا متعد، قالوا ومعناه: لما يهبُطُ غيره في طاعة الله عز وجل؛ أي: إذا رآه الإنسان خشع لطاعة خالقه، إلا أنه حُذف هنا المفعول تخفيفًا، ولدلالة المكان عليه، ونسب الفعل إلى الحجر؛ لأن طاعة رائيه لخالقه إنما كانت مسببة عن النظر إليه؛ أي: منها ما يهبُط الناظر إليه؛ أي: يُخْضِعه ويُخْشِعه، وقد جاء هبطته متعديًا كما ترى، قال:
ما راعني إلا جناح هابطا ... على البيوت قَوطَهُ العلابِطَا
وأعمله في القوط، فعلى هذا تقول: هبط الشيء وهبطته، وهلك الشيء وهلكته، قالوا في قول العجاج:
ومهمهٍ هالِك من تَعرَّجا
[المحتسب: 1/92]
قولين؛ أحدهما: أنه كأنه قال: هالكِ المتعرجين، والآخر: هالكِ مَن تعرجا؛ أي: مهلك من تعرج، فتقول على هذا: أصبحت ذا مال مهلوك، وهلكه الله يهلِكه هُلكًا. وإذا كانت كذلك، وكانت هبط هنا قد تكون متعدية، فقراءة الجماعة: {لما يَهْبِطُ} بكسر الباء أقوى قياسًا من يهبُط؛ لأن معناه لما يهبِط مبصرَه ويحطه من خشية الله.
ومن ذهب فيه إلى أن يهبط هنا غير متعد فكأنه قال: وإن منها لما لو هبط شيء غير ناطق من خشية الله لهبط هو، لا أن غير الناطق تصح منه الخشية؛ ألا ترى أن قوله:
لها حافِرٌ مثل قُعب الوليـ ... ـد تتخذُ الفار فيه مَغَارا
أي: لو اتخذت فيه مغارًا لغوره وتقعبه لوسعها وصلح لها، لا أنها هي تتخذ ألبتة.
ومثله مسألة الكتاب: أَخَذَتْنَا بالْجَودِ وفوقَه؛ أي: لو كان فوق الجود شيء من المطر لكانت قد أخذتْنا به.
وكلام العرب لمن عرفه، ومَن الذي يعرفه؟ ألطف من السحر، وأنقى ساحة من مشوف الفكر، وأشد تساقطًا بعضًا على بعض، وأمس تساندًا نفلًا إلى فرض). [المحتسب: 1/93]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما الله بغافل عمّا تعملون * أفتطمعون أن يؤمنوا لكم}
قرأ ابن كثير {وما الله بغافل عمّا يعملون} بالياء أي وما الله بغافل عمّا يعمل هؤلاء الّذين اقتصصنا عليكم قصصهم أيها المسلمون
وقرأ الباقون بالتّاء على الخطاب وحجتهم قوله قبلها {ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة} {وما الله بغافل عمّا تعملون} ). [حجة القراءات: 101] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (42- قوله: {وما الله بغافل عما تعملون} قرأه ابن كثير بالياء رده على قوله تعالى: {وما كادوا يفعلون} «71» ورده أيضًا على ما بعده من قوله: {وقد كان فريقٌ منهم}، وقوله: {يحرفون}، وقوله: {وهم يعملون} «75» فلما أتى ما قبله وما بعده على لفظ الغيبة، أجراه على ذلك، ولم يجره على قوله: {أفتطمعون}؛ لأنه خطاب للمؤمنين، و«يعلمون» يُراد به اليهود، وقرأه الباقون بالتاء، ردوه على الخطاب الذي قبله في قوله: {ويريكم آياته} «73» وقوله: {ثم قست قلوبكم} «74» فجرى آخر الكلام على أوله بالخطاب كله لليهود، وهو الاختيار؛ لأن عليه الجماعة، وهو اختيار أبي عبيد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/248]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (26- {وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [آية/ 74]:-
بالياء، قرأ ابن كثير في ثلاثة مواضع بالياء ههنا وهو بعد قوله: {مِنْ خَشْيَةِ الله}، وقوله {إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ}، وقوله {الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ}، والباقي بالتاء. وقرأ أبو عمرو في موضعين بالياء بعد {الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ}، والباقي بالتاء. وقرأ أبو عمرو في موضعين بالياء بعد {الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} و{لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}، والباقي بالتاء. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي {وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} بالتاء في جميع القرآن.
[الموضح: 283]
أما القراءة بالياء فمحمولة على لفظ الغيبة، كأنه قال: وما الله بغافل عما يعمل هؤلاء الذين أخبرناكم عن حالهم وقصصنا عليكم قصتهم أيها المؤمنون.
وأما القراءة بالتاء فإنها على الخطاب؛ لأن ما قبله خطاب، فيكون معطوفًا على مثله، وهو قوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}). [الموضح: 284]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 30 ( الأعضاء 0 والزوار 30)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:50 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة