العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة إبراهيم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 12:45 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 12:51 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال}
هذه الآية بجملتها فيها وعيد للظالمين، وتسلية للمظلومين، والخطاب بقوله: "تحسبن" لمحمد صلى الله عليه وسلم، والمراد بالنهي غيره ممن يليق به أن يحسب مثل هذا، وقرأ طلحة بن مصرف: "ولا تحسب الله غافلا" بإسقاط النون، وكذلك: "فلا تحسب الله مخلف وعده"، وقرأ أبو حيوة، وعبد الرحمن، والحسن، والأعرج: "نؤخرهم" بنون العظمة، وقرأ الجمهور: "يؤخرهم" بالياء، أي الله تعالى. وتشخص معناه: تحد النظر لفزع، ولفرط ذلك بشخص المحتضر). [المحرر الوجيز: 5/258]

تفسير قوله تعالى: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "المهطع": المسرع في مشيه، قاله ابن جبير، وقتادة، وذلك بذلة واستكانة، كإسراع الأسير الخائف ونحوه، وهذا هو أرجح الأقوال، وقد توصف الإبل بالإهطاع على معنى الإسراع، وقلما يكون إسراعها إلا خوف السوط ونحوه، فمن ذلك قول الشاعر:
وبمهطع سرح كأن عنانه ... في رأس جذع من أوال مشذب
[المحرر الوجيز: 5/258]
ومن ذلك قول عمران بن حطان:
إذا دعانا فأهطعنا لدعوته ... داع سميع فلفونا وساقونا
ومنه قول ابن مفرغ:
بدجلة دارهم ولقد أراهم ... بدجلة مهطعين إلى السماع
ومن ذلك قول الآخر:
بمستهطع رسل كأن جديله ... بقيدوم رعن من صوام ممنع
وقال ابن عباس، وأبو الضحى: الإهطاع: شدة النظر من غير أن يطرف، وقال ابن زيد: الذي لا يرفع رأسه، قال أبو عبيدة: وقد يكون الإهطاع للوجهين جميعا: الإسراع وإدامة النظر.
و "المقنع" هو الذي يرفع رأسه قدما بوجهه نحو الشيء، ومن ذلك قول الشاعر:
يباكرن العضاه بمقنعات ... نواجذهن كالحدأ الوقيع
[المحرر الوجيز: 5/259]
يصف الإبل بالإقناع عند رعيها أعالي الشجر. وقال الحسن في تفسير هذه الآية: وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء، لا ينظر أحد إلى أحد، وذكر المبرد فيما حكي عن أن الإقناع يوجد في كلام العرب بمعنى خفض الرأس من الذلة، والأول أشهر.
وقوله: {لا يرتد إليهم طرفهم} أي: لا يطرفون من الحذر والجزع وشدة الحال.
وقوله: {وأفئدتهم هواء} تشبيه محض، لأنها ليست بهواء حقيقة، وجهة التشبيه يحتمل أن تكون في فراغ الأفئدة من الخير والرجاء والطمع في الرحمة، فهي منخرقة مشبهة الهواء في تفرغه من الأشياء وانخراقه، ويحتمل أن يكون في اضطراب أفئدتهم وجيشانها في صدورهم، وأنها تجيء وتذهب وتبلغ -على ما روي- حناجرهم، فهي في ذلك كالهواء الذي هو أبدا في اضطراب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وعلى هاتين الجهتين يشبه قلب الجبان وقلب الرجل المضطرب في أموره بالهواء، فمن ذلك قول الشاعر:
ولا تك من أخدان كل يراعة ... هواء كسقب الناب جوفا مكاسره
ومن ذلك قول حسان:
ألا أبلغ أبا سفيان عني ... فأنت مجوف نخب هواء
[المحرر الوجيز: 5/260]
ومن ذلك قول زهير:
كأن الرحل منه فوق صعل ... من الظلمان جؤجؤه هواء
فالمعنى أنه في غاية الخفة في إجفاله). [المحرر الوجيز: 5/261]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وأنذر الناس} الآية. المراد باليوم يوم القيامة، ونصبه على أنه مفعول بـ "أنذر"، ولا يجوز أن يكون ظرفا لأن القيامة ليست بموطن إنذار. وقوله: "فيقول" رفع عطفا على قوله: "يأتيهم". وقوله: {أولم تكونوا} إلى آخر الآية معناه: يقال لهم، فحذف ذلك إيجازا إذ المعنى يدل عليه، وقوله: {ما لكم من زوال} هو المقسم عليه نقل المعنى، ومن زوال معناه: من الأرض بعد الموت، أي: لا بعث من القبور، وهذه الآية ناظرة إلى ما حكى عنهم في قوله: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت}). [المحرر الوجيز: 5/261]

تفسير قوله تعالى: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار}
يقول عز وجل: أيها المعرضون عن آيات الله من جميع العالم سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم بالكفر من الأمم السالفة فنزلت بهم المثلات، فكان قولكم الاعتبار والاتعاظ، وقرأ الجمهور: "وتبين" بتاء، وقرأ السلمي -فيما حكى المهدوي -:
[المحرر الوجيز: 5/261]
"ونبين" بنون عظمة مضمومة وجزم على معنى: أو لم نبين، عطف على أولم تكونوا، قال أبو عمرو: وقرأ أبو عبد الرحمن بضم النون ورفع النون الأخرة). [المحرر الوجيز: 5/262]

تفسير قوله تعالى: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {وعند الله مكرهم} هو على حذف مضاف تقديره: وعند الله عقاب مكرهم، أو جزاء مكرهم، ويحتمل قوله تعالى: {وقد مكروا مكرهم} أن يكون خطابا لمحمد عليه الصلاة والسلام والضمير لمعاصريه، ويحتمل أن يكون مما يقال للظلمة يوم القيامة، والضمير للذين سكن في منازلهم.
وقرأ السبعة سوى الكسائي: وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال بكسر اللام من لتزول وفتح الثانية، وهي قراءة علي بن أبي طالب وجماعة، وهذا على أن تكون "إن" نافية بمعنى "ما"، ومعنى الآية تحقير مكرهم، وأنه ما كان لتزول منه الشرائع والنبوات وأقدار الله بها التي هي كالجبال في ثبوتها وقوتها، وهذا تأويل الحسن وجماعة من المفسرين. وتحتمل عندي هذه القراءة أن تكون بمعنى تعظيم مكرهم، أي: وإن كان شديدا إنما يفعل لتذهب به عظام الأمور، وقرأ الكسائي: "لتزول" بفتح اللام الأولى ورفع الثانية، وهي قراءة ابن عباس، ومجاهد، وابن وثاب، وهذا على أن تكون "إن" مخففة من الثقيلة، ومعنى الآية تعظيم مكرهم وشدته، أي أنه مما يشقى به، ويزيل الجبال من مستقراتها بقوته، ولكن الله تعالى أبطله ونصر أولياءه، وهذا أشد في العبرة.
وقرأ علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وعمر بن الخطاب، وأبي بن كعب: "وإن كاد مكرهم"، ويترتب مع هذه القراءة في "لتزول" ما تقدم، وذكر أبو حاتم أن في قراءة أبي بن كعب: "ولولا كلمة الله لزال من مكرهم الجبال"، وحكى الطبري عن بعض المفسرين أنهم جعلوا هذه الآية إشارة إلى ما فعل نمروذ، إذ علق التابوت بين الأنسر ورفع لها اللحم في أطراف الرماح بعد أن أجاعها، ودخل هو وحاجبه في
[المحرر الوجيز: 5/262]
التابوت فعلت بهما الأنسر حتى قال له النمرود: ماذا ترى؟ قال: أرى بحرا وجزيرة، يريد الدنيا المعمورة، ثم قال: ماذا ترى؟ قال: أرى غماما ولا أرى جبلا، فكأن الجبال زالت عن نظر العين بهذا المكر، وذكر ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذلك عندي لا يصح عن علي، وفي هذه القصة كلها ضعف من طريق المعنى، وذلك أنه غير ممكن أن تصعد الأنسر كما وصف، وبعيد أن يغرر أحد بنفسه في مثل هذا). [المحرر الوجيز: 5/263]

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27 ذو القعدة 1439هـ/8-08-2018م, 09:07 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27 ذو القعدة 1439هـ/8-08-2018م, 09:10 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولا تحسبنّ اللّه غافلا عمّا يعمل الظّالمون إنّما يؤخّرهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار (42) مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتدّ إليهم طرفهم وأفئدتهم هواءٌ (43) وأنذر النّاس يوم يأتيهم العذاب}
يقول [تعالى شأنه] {ولا تحسبنّ اللّه} يا محمّد {غافلا عمّا يعمل الظّالمون} أي: لا تحسبه إذ أنظرهم وأجّلهم أنّه غافلٌ عنهم مهملٌ لهم، لا يعاقبهم على صنعهم بل هو يحصي ذلك عليهم ويعدّه عدًّا، أي: {إنّما يؤخّرهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار} أي: من شدّة الأهوال يوم القيامة). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 515]

تفسير قوله تعالى: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ ذكر تعالى كيفيّة قيامهم من قبورهم ومجيئهم إلى قيام المحشر فقال: {مهطعين} أي: مسرعين، كما قال تعالى: {مهطعين إلى الدّاع [يقول الكافرون هذا يومٌ عسرٌ]} [القمر: 8]، وقال تعالى: {يومئذٍ يتّبعون الدّاعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرّحمن فلا تسمع إلا همسًا} إلى قوله: {وعنت الوجوه للحيّ القيّوم وقد خاب من حمل ظلمًا} [طه: 198 -111]، وقال تعالى: {يوم يخرجون من الأجداث سراعًا كأنّهم إلى نصبٍ يوفضون} [المعارج: 43].
وقوله: {مقنعي رءوسهم} قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ وغير واحدٍ: رافعي رءوسهم.
{لا يرتدّ إليهم طرفهم} أي: [بل] أبصارهم طائرةٌ شاخصةٌ، يديمون النّظر لا يطرفون لحظةً لكثرة ما هم فيه من الهول والفكرة والمخافة لما يحلّ بهم، عياذًا باللّه العظيم من ذلك؛ ولهذا قال: {وأفئدتهم هواءٌ} أي: وقلوبهم خاويةٌ خاليةٌ ليس فيها شيءٌ لكثرة [الفزع و] الوجل والخوف. ولهذا قال قتادة وجماعةٌ: إنّ أمكنة أفئدتهم خاليةٌ لأنّ القلوب لدى الحناجر قد خرجت من أماكنها من شدّة الخوف. وقال بعضهم: {هواءٌ} خرابٌ لا تعي شيئًا.
ولشدّة ما أخبر اللّه تعالى [به] عنهم، قال لرسوله: {وأنذر النّاس يوم يأتيهم العذاب}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 515]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ولشدّة ما أخبر اللّه تعالى [به] عنهم، قال لرسوله: {وأنذر النّاس يوم يأتيهم العذاب فيقول الّذين ظلموا ربّنا أخّرنا إلى أجلٍ قريبٍ نجب دعوتك ونتّبع الرّسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوالٍ (44) وسكنتم في مساكن الّذين ظلموا أنفسهم وتبيّن لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال (45) وقد مكروا مكرهم وعند اللّه مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال (46)}
يقول تعالى مخبرًا عن قيل الّذين ظلموا أنفسهم، عند معاينة العذاب: {ربّنا أخّرنا إلى أجلٍ قريبٍ نجب دعوتك ونتّبع الرّسل} كما قال تعالى: {حتّى إذا جاء أحدهم الموت قال ربّ ارجعون لعلّي أعمل صالحًا فيما تركت كلا إنّها كلمةٌ هو قائلها ومن ورائهم برزخٌ إلى يوم يبعثون} [المؤمنون: 99، 100]، وقال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر اللّه ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربّ لولا أخّرتني إلى أجلٍ قريبٍ فأصّدّق وأكن من الصّالحين} [المنافقون: 9، 10]، وقال تعالى مخبرًا عنهم في حال محشرهم: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربّهم ربّنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحًا إنّا موقنون} [السّجدة: 12]، وقال تعالى: {ولو ترى إذ وقفوا على النّار فقالوا يا ليتنا نردّ ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون} [الأنعام: 27، 28]، وقال تعالى: {وهم يصطرخون فيها ربّنا أخرجنا نعمل صالحًا غير الّذي كنّا نعمل أولم نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكّر وجاءكم النّذير فذوقوا فما للظّالمين من نصيرٍ} [فاطرٍ: 37].
وقال تعالى رادًّا عليهم في قولهم هذا: {أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوالٍ} أي: أو لم تكونوا تحلفون من قبل هذه الحال: أنّه لا زوال لكم عمّا أنتم فيه، وأنّه لا معاد ولا جزاء، فذوقوا هذا بذاك.
قال مجاهدٌ وغيره: {ما لكم من زوالٍ} أي: ما لكم من انتقالٍ من الدّنيا إلى الآخرة، كما أخبر عنهم تعالى: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت بلى وعدًا عليه حقًّا} [النّحل: 38]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 515-516]

تفسير قوله تعالى: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وسكنتم في مساكن الّذين ظلموا أنفسهم وتبيّن لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال} أي: قد رأيتم وبلغكم ما أحللنا بالأمم المكذّبة قبلكم، ومع هذا لم يكن لكم فيهم معتبرٌ، ولم يكن فيما أوقعنا بهم مزدجرٌ لكم {حكمةٌ بالغةٌ فما تغن النّذر} [القمر: 5]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 516]

تفسير قوله تعالى: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقد روى شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الرّحمن [بن دابيل] أنّ عليًّا، رضي اللّه عنه، قال في هذه الآية: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} قال: أخذ ذاك الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه نسرين صغيرين، فربّاهما حتّى استغلظا واستعلجا وشبّا.
قال: فأوثق رجل كلّ واحدٍ منهما بوتدٍ إلى تابوتٍ، وجوّعهما، وقعد هو ورجلٌ آخر في التّابوت قال:-ورفع في التّابوت عصًا على رأسه اللّحم -قال: فطارا [قال] وجعل يقول لصاحبه: انظر، ما ترى؟ قال: أرى كذا وكذا، حتّى قال: أرى الدّنيا كلّها كأنّها ذباب. قال: فقال: صوب العصا، فصوّبها، فهبطا. قال: فهو قول اللّه، عزّ وجلّ: "وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال". قال أبو إسحاق: وكذلك هي في قراءة عبد اللّه: "وإن كاد مكرهم".
قلت: وكذا روي عن أبيّ بن كعبٍ، وعمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنهما، أنّهما قرآ: "وإن كاد"، كما قرأ عليٌّ. وكذا رواه سفيان الثّوريّ، وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرّحمن بن أذنان عن عليٍّ، فذكر نحوه.
وكذا روي عن عكرمة أنّ سياق هذه القصّة لنمرود ملك كنعان: أنّه رام أسباب السّماء بهذه الحيلة والمكر، كما رام ذلك بعده فرعون ملك القبط في بناء الصّرح، فعجزا وضعفا. وهما أقلّ وأحقر، وأصغر وأدحر.
وذكر مجاهدٌ هذه القصّة عن بختنصّر، وأنّه لمّا انقطع بصره عن الأرض وأهلها، نودي أيّها الطّاغية: أين تريد؟ ففرق، ثمّ سمع الصّوت فوقه فصوّب الرّماح، فصوبت النّسور، ففزعت الجبال من هدّتها، وكادت الجبال أن تزول من حسّ ذلك، فذلك قوله: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}
ونقل ابن جريج عن مجاهدٍ أنّه قرأها: "لتزول منه الجبال"، بفتح اللّام الأولى، وضمّ الثّانية.
وروى العوفيّ عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} يقول: ما كان مكرهم لتزول منه الجبال. وكذا قال الحسن البصريّ، ووجّهه ابن جريرٍ بأنّ هذا الّذي فعلوه بأنفسهم من كفرهم باللّه وشركهم به، ما ضرّ ذلك شيئًا من الجبال ولا غيرها، وإنّما عاد وبال ذلك على أنفسهم.
قلت: ويشبه هذا إذًا قوله تعالى: {ولا تمش في الأرض مرحًا إنّك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا} [الإسراء: 37].
والقول الثّاني في تفسيرها: ما رواه عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} يقول شركهم، كقوله: {تكاد السّماوات يتفطّرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّاً أن دعوا للرّحمن ولدًا} [مريم: 90 -91]، وهكذا قال الضحاك وقتادة). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 516-517]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:51 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة