العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > الناسخ والمنسوخ

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 رجب 1434هـ/15-05-2013م, 11:33 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى:{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ۚ فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِ‌ضْ عَنْهُمْ ۖ وَإِن تُعْرِ‌ضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّ‌وكَ شَيْئًا ۖ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(42)}

قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) عن همّام بن يحيى البصري قال:(وعن قوله عز وجل: {سماعون للكذب آكلون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} يعني اليهود فأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم أو يعرض عنهم إن شاء ثم أنزل الله عز وجل الآية التي بعدها {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله} فأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم يحكم بينهم بما أنزل الله بعد أن كان رخص له إن شاء أن يعرض عنهم ) . [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/40-42]
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية الرابعة: قوله تعالى: {فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم...} الآية [42 المائدة / 5] نسخت وناسخها قوله تعالى: {وأن احكم بينهم بماأنزل الله ولا تتبع أهواءهم} [49 المائدة / 5].).[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 35-37]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية السّادسة قال جلّ وعزّ: {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} من العلماء من قال هذه الآية محكمةٌ والإمام مخيّرٌ إذا تحاكم إليه أهل الكتاب إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم وردّهم إلى حكّامهم هذا قول الشّعبيّ، وإبراهيم النّخعيّ
كما قرئ على أحمد بن محمّد بن الحجّاج، عن يحيى بن سليمان، قال: حدّثنا وكيعٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، وعامرٍ الشّعبيّ، في قول اللّه تعالى {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} قال: «إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم» وقال بهذا من الفقهاء عطاء بن أبي رباحٍ
ومالك بن أنسٍ
ومن العلماء من قال إذا تحاكم أهل الكتاب إلى الإمام فعليه أن يحكم بينهم بكتاب اللّه جلّ وعزّ وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم ولا يحلّ له أن يردّهم إلى حكّامهم، وقائلوا هذا القول يقولون إنّ الآية منسوخةٌ لأنّها إنّما نزلت أوّل ما قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة واليهود فيها يومئذٍ كثيرٌ فكان الأدعى لهم والأصلح أن يردّوا إلى حكّامهم فلمّا قوي الإسلام أنزل اللّه تعالى {وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه} [المائدة: 49] فممّن قال بهذا القول من الصّحابة ابن عبّاسٍ وجماعةٌ من التّابعين والفقهاء
قال أبو جعفرٍ كما حدّثنا عليّ بن الحسين، قال: حدّثنا الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا سعيد بن سليمان، قال: حدّثنا عبّادٌ، عن سفيان، عن الحكم، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " نسخت من هذه السّورة يعني المائدة آيتان آية القلائد وقوله تعالى: {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} فكان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم مخيّرًا إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم فردّهم إلى حكّامهم فنزلت {وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه} [المائدة: 49] فأمر رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بأن يحكم بينهم بما في كتابنا " وهذا إسنادٌ مستقيمٌ وأهل الحديث يدخلونه في
المسند وهو مع هذا قول جماعةٍ من العلماء
كما قرئ على عبد اللّه بن الصّقر، عن زياد بن أيّوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا أصحابنا، منصورٌ، وغيره عن الحكم، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى {وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه} [المائدة: 49] قال: " نسخت هذه الآية الّتي قبلها {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} وهذا أيضًا إسنادٌ صحيحٌ
والقول بأنّها منسوخةٌ قول عكرمة، والزّهريّ، وعمر بن عبد العزيز
والسّدّيّ وهو الصّحيح من قول الشّافعيّ قال في كتاب الجزية ولا خيار له إذا تحاكموا إليه لقول اللّه جلّ وعزّ {حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون} [التوبة: 29] وهذا من أصحّ الاحتجاجات لأنّه إذا كان معنى {وهم صاغرون} [التوبة: 29] أن تجري عليهم أحكام المسلمين وجب ألّا يردّوا إلى حكّامهم فإذا وجب هذا فالآية منسوخةٌ
وهو أيضًا قول الكوفيّين أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف ومحمّدٍ لا اختلاف بينهم إذا تحاكم أهل الكتاب إلى الإمام، أنّه ليس له أن يعرض عنهم غير أنّ أبا حنيفة قال إذا جاءت المرأة والزّوج فعليه أن يحكم بينهما بالعدل فإن جاءت المرأة وحدها ولم يرض الزّوج لم يحكم وقال الباقون: بل يحكم
فثبت أنّ قول أكثر العلماء أنّ الآية منسوخةٌ مع ما صحّ فيها من توقيف ابن عبّاسٍ، ولو لم يأت الحديث عن ابن عبّاسٍ لكان النّظر يوجب أنّها منسوخةٌ لأنّهم قد أجمعوا جميعًا أنّ أهل الكتاب إذا تحاكموا إلى الإمام فله أن ينظر بينهم وأنّه إذا نظر بينهم مصيبٌ ثمّ اختلفوا في الإعراض عنهم على
ما ذكرنا فالواجب أن ينظر بينهم لأنّه مصيبٌ عند الجماعة وألّا يعرض عنهم فيكون عند بعض العلماء تاركًا فرضًا فاعلًا ما لا يحلّ له ولا يسعه
ولمن قال بأنّها منسوخةٌ من الكوفيّين قولٌ آخر منهم من يقول على الإمام إذا علم من أهل الكتاب حدًّا من حدود اللّه جلّ وعزّ أن يقيمه وإن لم يتحاكموا إليه، ويحتجّ بأنّ قول اللّه تعالى {وأن احكم بينهم} [المائدة: 49] يحتمل أمرين: أحدهما وأن احكم بينهم إذا تحاكموا إليك، والآخر وأن احكم بينهم وإن لم يتحاكموا إليك إذا علمت ذلك منهم، قالوا: فوجدنا في كتاب اللّه تعالى وسنّة رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ما يوجب إقامة الحدّ عليهم وإن لم يتحاكموا إلينا
فأمّا ما في كتاب اللّه جلّ وعزّ فقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه} [النساء: 135]
وأمّا ما في السّنّة فحديث البراء
قال أبو جعفرٍ حدّثنا عليّ بن الحسين، قال: حدّثنا الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، قال، حدّثنا الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن البراء،
قال: " مرّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيهوديٍّ قد جلد وحمّم قال: «أهكذا حدّ الزّاني عندكم؟» فقالوا: نعم فدعا رجلًا من علمائهم فقال: «سألتك باللّه أهذا حدّ الزّاني فيكم؟» فقال: لولا أنّك سألتني بهذا ما أخبرتك كان الحدّ عندنا الرّجم فكان الشّريف إذا زنى تركناه وكان الوضيع إذا زنى رجمناه فقلنا تعالوا نجتمع على شيءٍ يكون للشّريف والوضيع فاجتمعنا على الجلد والتّحميم، فأنزل اللّه جلّ وعزّ: {يا أيّها الرّسول لا يحزنك الّذين يسارعون في الكفر} [المائدة: 41] إلى: {يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه} [المائدة: 41] أي ائتوا محمّدًا فإن أفتاكم بالجلد والتّحميم فاقبلوه وإن لم تؤتوه فاحذروا أي فإن أفتاكم بالرّجم فلا تقبلوا إلى {ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44]، قال في اليهود {ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الفاسقون} [المائدة: 47]
قال في اليهود {ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الظّالمون} [المائدة: 45] قال في الكفّار خاصّةً فأمر رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم باليهوديّ فرجم، وقال: «أنا أوّل من أحيا أمرك»
فاحتجّوا بأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حكم بينهم ولم يتحاكموا إليه في هذا الحديث فإن قال قائلٌ
ففي حديث مالكٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر،: أنّ اليهود، أتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
قيل له ليس في حديث مالكٍ أيضًا أنّ اللّذين زنيا رضيًّا بالحكم وقد رجمهما النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
فأمّا ما في الحديث من أنّ معنى {ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44] أنّه في اليهود ففي ذلك اختلافٌ قد ذكرناه وهذا أولى ما قيل فيه لأنّه عن صحابيٍّ مشاهدٍ للتّنزيل يخبر أنّ بذلك السّبب نزلت هذه الآية على أنّ غير الحسن بن محمّدٍ يقول فيه:
عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، في قوله جلّ وعزّ: {ومن لم يحكم
بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون} قال اليهود غير أنّ حكم غيرهم كحكمهم فكلّ من حكم بغير ما أنزل اللّه جلّ وعزّ جاحدًا له كما جحدت اليهود فهو كافرٌ ظالمٌ فاسقٌ
واختلفوا في الآية السّابعة فمنهم من قال: هي منسوخةٌ ومنهم من قال: هي محكمةٌ وهي من أشكل ما في النّاسخ والمنسوخ
).[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/232-315]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الرّابعة قوله تعالى {فإنّ جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} اختلف المفسّرون على وجهين فقال الحسن البصريّ والنّخعيّ وهي محكمة خير بين الحكم والإعراض وقال مجاهد وسعيد تنسخها الآية الّتي بعدها وهي قوله تعالى {وأن احكم بينهم بما أنزل الله}). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 79-84]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) :(قوله تعالى: {فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم}:
خيّر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم في ظاهر هذه الآية في الحكم بين أهل الكتاب إذا أتوا لذلك، أو تركه.
قال ابن عباس: هذا منسوخ بقوله: {فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتّبع أهواءهم} [المائدة: 48] الآية، وبقوله: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله، ولا تتّبع أهواءهم واحذرهم} [المائدة: 49]، فليس للإمام ردّهم إلى حكامهم، إذا
جاؤوا ليحكم بينهم إنما كان هذا في أول الإسلام، ليكون ذلك أدعى لهم إلى الدخول في الإسلام، والألفة، وأقرب إلى قلوبهم - وهو قول مجاهد وقتادة وعطاء الخراساني وعكرمة والزهري، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وبه قال الكوفيون، وهو أحد قولي الشافعي -.
وقال جماعة من العلماء: الآية محكمةٌ غير منسوخة، والإمام مخيّرٌ في الحكم وتركه إذا جاؤوه ليحكم بينهم - وهو قول عطاء بن أبي رباح والحسن ومالك، وهو أحد قولي الشافعي وهو قول الشعبي والنخعي وأبي ثور -.
ومعنى: {وأن أحكم بينهم بما أنزل الله} على هذا القول: إن شئت؛ لأنه قد تقدم لفظ التخيير له، فآخر الكلام حذف منه التخيير لدلالة الأول عليه، لأنه معطوفٌ عليه، فحكمه في التخيير كحكم المعطوف عليه، فهما شريكان، وليس الآخر بمنقطع مما قبله؛ إذ لا معنى لذلك ولا يصح، فلا بدّ من أن يكون قوله: {وأن أحكم بينهم بما أنزل الله} [المائدة: 49] معطوفًا على ما قبله من قوله: {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} [المائدة: 42] ومن قوله: {فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} [المائدة: 42].
ومعنى: وأن احكم بينهم بما أنزل الله، أي: احكم بينهم بذلك إن حكمت واخترت الحكم، فهو كلّه محكمٌ غير منسوخ، لأن الناسخ لا يكون مرتبطًا بالمنسوخ ومعطوفًا عليه، فالتخيير للنبي عليه السلام في ذلك محكمٌ غير منسوخ.
). [الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 255-279]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية السّادسة: قوله تعالى: {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم}.
اختلفوا في هذه الآية على قولين:
أحدهما: أنّها منسوخةٌ وذلك أنّ أهل الكتاب كانوا إذا ترافعوا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان مخيّرًا (إن شاء حكم) بينهم وإن شاء أعرض عنهم ثم نسخ ذلك، بقوله: {وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه} فلزمه الحكم (وزال) التّخيير، روى هذا المعنى أبو سليمان الدّمشقيّ بأسانيده عن ابن عبّاسٍ، وعطاءٍ ومجاهدٍ، وعكرمة، والسّدّيّ، وقد روى أيضًا عن الزّهريّ (وعمر بن عبد العزيز).
وقد أخبرنا ابن الحصين، قال: أبنا أبو طالب بن غيلان، قال: أبنا أبو بكرٍ الشّافعيّ، قال: بنا يحيى بن آدم عن الأشجعيّ، عن سفيان عن السّدّيّ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} قال: نسختها {وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه}.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال بنا عمر بنا عبيد اللّه البقّال، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد الله ابن أحمد بن حنبلٍ، قال: حدّثني أبي قال: بنا حجّاجٌ عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ الخراسانيّ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما في قوله: {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} قال: نسختها {وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه}.
قال أحمد: وبنا هشيم قال: بنا أصحابنا منهم: منصورٌ وغيره عن الحكم عن مجاهدٍ في قوله: {وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه} قال: نسخت ما قبلها، قوله: {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم}.
قال أحمد: وبنا وكيع، قال: بنا سفيان عن السّدّيّ، عن عكرمة، قال: نسخ قوله: {وأن احكم بينهم} قوله: {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم}.
قال أحمد: وبنا حسينٌ عن شيبان عن قتادة {وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه} قال: أمر اللّه نبيّه أن يحكم بينهم بعدما كان رخّص له أن يعرض عنهم إن شاء، فنسخت
هذه الآية ما كان قبلها.
وحكى أبو جعفرٍ النّحّاس عن أبي حنيفة وأصحابه قالوا: إذا تحاكم أهل الكتاب إلى الإمام فليس له أن يعرض عنهم، غير أنّ أبا حنيفة قال: إذا جاءت المرأة والزّوج فعليه أن يحكم بينهما بالعدل، وإن جاءت المرأة وحدها ولم يرض الزّوج لم يحكم. وقال أصحابه: بل يحكم. قال: وقال الشّافعيّ: لا خيار للإمام إذا تحاكموا إليه قال النّحّاس: وقد ثبت أنّ قول أكثر العلماء أن الآية منسوخة.
والقول الثّاني: أنّها محكمةٌ وأنّ الإمام ونوّابه في الحكم مخيّرون وإذا ترافعوا إليهم إن شاؤوا حكموا بينهم وإن شاؤوا أعرضوا عنهم.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا هشيمٌ، قال: أبنا مغيرة عن إبراهيم، والشّعبيّ في قوله: {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم}، قالا: إذا ارتفع أهل الكتاب إلى حاكم المسلمين فإن شاء أن يحكم بينهم، وإن شاء أن يعرض عنهم، وإن حكم، حكم بما في كتاب اللّه.
قال أحمد: وبنا وكيعٌ عن سفيان عن ابن جريجٍ
عن عطاءٍ، قال: إن شاء حكم، وإن شاء لم يحكم.
أخبرنا المبارك بن عليٍّ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريشٍ، قال: أبنا إبراهيم بن عمر البرمكيّ، قال: أبنا محمّد بن إسماعيل بن العبّاس، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنى المثنى بن أحمد، قال: بنا عمرو بن خالدٍ، عن ابن لهيعة عن عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} جعله اللّه في ذلك على (الخيرة) إما أن يحكم (و) إما أن يتركهم فلا يحكم بينهم.
قال أبو بكر: وبنا عبد اللّه بن محمّد بن خلاد، قال: بنا يزيد قال: بنا مباركٌ عن الحسن، قال: إذا ارتفع أهل الذّمّة إلى حاكمٍ من حكّام المسلمين، فإن شاء حكم بينهم، وإن شاء رفعهم إلى حكّامهم، فإن حكم بينهم حكم بالعدل، وبما أنزل اللّه. وهذا مرويٌّ عن الزّهريّ. وبه قال: أحمد بن حنبلٍ وهو الصّحيح. لأنّه لا (تنافي) بين الآيتين من جهة أنّ أحدهما خيّرت بين الحكم وتركه، والأخرى ثبتت كيفيّة الحكم إذا كان.
). [نواسخ القرآن: 297-322]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الرابعة: {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} 0 اقتضت تخيره بين الحكم وتركه ثم قيل وهل هذا التخيير ثابت أم نسخ فيه قولان أحدهما في الحكم أنه نسخ بقوله {وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه} وهذا مذهب ابن عباس وعطاء وعكرمة.
والسدى. والثاني أنه ثابت لم ينسخ وأن الإمام ونوابه مخيرون إذا ترافعوا اليهم إن شاءوا حكموا وإن شاءوا أعرضوا فإن حكموا حكموا بالصواب.
). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 26-30]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (السابع: قوله عز وجل: {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم}الآية [المائدة: 42].
قالوا: نسخ هذا التخيير بقوله: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} الآية [المائدة: 49]، فأوجب عليهم الحكم بينهم، ونسخ التخيير.

وقيل: هي محكمة وهو الصحيح.
أما المعنى: إن أردت الحكم فاحكم بينهم بما أنزل الله، وهو معطوف على قوله: {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط}الآية [المائدة: 42]، وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وعطاء الخراساني وعمر بن عبد العزيز وعكرمة والزهري: (ليس للإمام أن يردهم إلى أحكامهم إذا جاءوه)، وهو أحد قولي الشافعي، وقال عطاء بن أبي رباح والحسن البصري ومالك والشعبي والنخعي وأبو ثور: الإمام مخير، وهو أحد قولي الشافعي.). [جمال القراء: 1/295-302]
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وأخرج أبو داود في ناسخه، وَابن أبي حاتم والنحاس والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: (نسخ من هذه السورة آيتان آية، القلائد وقوله {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} الآية [المائدة: 42])). [الدر المنثور: 5/159]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيُّ (ت: 1250هـ): (وأخرج أبو داود في "ناسخه"، وابن أبي حاتمٍ، والحاكم وصحّحه عن ابن عبّاسٍ قال: (نسخ من هذه السّورة آيتان، آية القلائد، وقوله: {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} الآية [المائدة: 42])). [فتح القدير: 2/6]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 رجب 1434هـ/15-05-2013م, 02:05 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى:{ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّـهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَ‌تُهُ إِطْعَامُ عَشَرَ‌ةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِ‌يرُ‌ رَ‌قَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَ‌ةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُ‌ونَ(89)}

قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) :(قوله تعالى: {فكفّارته إطعام عشرة مساكين}:هذا ناسخٌ لقوله تعالى: {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} [النحل: 91].
أمر الله تعالى بترك نقض اليمين، ثم خفّف ذلك بالكفارة، ونقض اليمين والحنث في هذه السورة، وهو مثل قوله: {ولا تجعلوا الله عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا} [البقرة: 224] أي: لا تمنعكم اليمين من فعل البرّ، فهو مثل قوله تعالى في أبي بكر إذ منع مسطحًا من النفقة وخلف عليه، فنزل: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسّعة} [النور: 22] الآية فرجع أبو بكر إلى الإنفاق على مسطح، وكفّر عن يمينه.
فهو كله ناسخٌ لقوله: {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها}، فعمّ كل يمين ألاّ تنقض، ثم أجاز نقضها بالكفارة تخفيفًا ورحمةً.
وقيل: إن قوله: {ولا تنقضوا الأيمان} محكم غير منسوخ، يراد به العهود التي كانت بينهم، أمر الله بالوفاء بها، كما قال: أوفوا بالعقود.
). [الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 255-279]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 رجب 1434هـ/15-05-2013م, 02:21 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُ‌مٌ ۚ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَ‌ةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِ‌هِ ۗ عَفَا اللَّـهُ عَمَّا سَلَفَ ۚ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّـهُ مِنْهُ ۗ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ(95)}

قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) :(قوله تعالى: {لا تقتلوا الصّيد وأنتم حرمٌ}.
عمّ الله بظاهر هذه الآية النهي عن قتل كل صيدٍ من برٍّ وبحر، ثم قال تعالى بعد ذلك: {أحلّ لكم صيد البحر} [المائدة: 96]، فظنّ ظانٌّ أنه ناسخ للأول، وليس كذلك، إنما هو تبيين وتخصيص، بيّن الله بقوله: {أحلّ لكم صيد البحر} أن النهي عن قتل الصيد للمحرم يراد به صيد البرّ، وأن الآية خاصةٌ في ذلك غير عامة في كل صيد.
). [الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 255-279]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 رجب 1434هـ/15-05-2013م, 02:37 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى:{مَّا عَلَى الرَّ‌سُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ(99)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية الخامسة: قوله تعالى: {ما على الرسول إلا البلاغ...} الآية [99 / المائدة / 5] نسخها آية السيف.).[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 35-37]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الخامسة قوله تعالى {ما على الرسول إلّا البلاغ} نسخ ذلك بآية السّيف وباقيها محكم). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 79-84]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية السّابعة: قوله تعالى: {ما على الرّسول إلا البلاغ}.
اختلف المفسّرون فيها على قولين:
أحدهما: أنّها محكمةٌ وأنّها تدلّ على أنّ الواجب على الرّسول التّبليغ وليس عليه الهدي.
والثّاني: أنّها تتضمّن الاقتصار على التّبليغ دون الأمر بالقتال ثمّ نسخت بآية السّيف والأوّل أصّح.
). [نواسخ القرآن: 297-322]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الخامسة: {ما على الرّسول إلّا البلاغ} قيل هي محكمة والمراد ما عليه إلا البلاغ لاالهدى وقيل أنّها تتضمّن الاقتصار على التّبليغ دون الأمر بالقتال ثمّ نسخت بآية السّيف والأوّل أصّح.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 26-30]

قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (الثامن: قوله عز وجل: {ما على الرسول إلا البلاغ}الآية [المائدة: 99]، قيل: نسخ بالجهاد، وقد سبق القول على مثله.). [جمال القراء: 1/295-302]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 6 رجب 1434هـ/15-05-2013م, 03:04 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّ‌كُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّـهِ مَرْ‌جِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(105)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ):
(
الآية السادسة: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم...} الآية [105 / المائدة / 5] نسخ آخرها أولها والناسخ منهما قوله تعالى: {إذا اهتديتم} [105 / المائدة] والهدى ههنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس في كتاب الله آية جمعت الناسخ والمنسوخ إلا هذه الآية.).[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 35-37]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية السّادسة قوله تعالى {يا أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ} إلى ههنا منسوخ وباقيها محكم
قال أبو عبيد القاسم بن سلام ليس في كتاب الله آية جمعت النّاسخ
والمنسوخ غير هذه الآية قال الشّيخ هبة الله ليس كما قال بل في كتاب الله هذه الآية وغيرها
وقد روي عن النّبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قرأ هذه الآية وقال يا أيها النّاس إنّكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها فو الّذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليعمكم الله بعقابه أو لتدعن فلا يجاب لكم والناسخ منها قوله تعالى {إذا اهتديتم} والهدي ها هنا الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر
). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 79-84]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) :(قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم}. الآية:
قال أبو محمد: كثر الاختلاف في معنى هذه الآية، حتى قيل إنها منسوخةٌ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المفروضين المحكمين.
وأكثر أقوال الناس أنها محكمةٌ على معانٍ:
قيل: المعنى: عليكم أنفسكم إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر فلم يقبل منكم، قيل هو قول ابن مسعود.
وقيل: لم يأت زمان هذه الآية بعد.
وقيل المعنى: ليس على الإنسان ضلال غيره من يهودي ونصراني، إذا اهتدى هو. وقد شرحناها في غير هذا الكتاب بأبين من هذا، وقيل: إن الآية رخصت العزيمة في فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
). [الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 255-279]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الثّامنة: قوله تعالى: {عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم}.
للعلماء فيها قولان:
أحدهما: أنّها منسوخةٌ: قال أرباب هذا القول هي تتضمّن كفّ الأيدي عن قتال (الضّالّين) فنسخت. ولهم في ناسخها قولان:
أحدهما: آية السّيف.
والثّاني: أنّ آخرها نسخ أوّلها. قال أبو عبيدٍ القاسم بن سلامٍ ليس في القرآن آيةٌ جمعت النّاسخ والمنسوخ غير هذه وموضع المنسوخ منها إلى قوله:
{لا يضرّكم من ضلّ} والناسخ قوله: {إذا اهتديتم} والهدى ها هنا الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
قلت: وهذا الكلام إذا حقّق لم يثبت.
والقول الثّاني: أنّها محكمةٌ.
قال الزّجّاج: معناها: إنّما ألزمكم اللّه أمر أنفسكم لا يؤاخذكم بذنوب غيركم. قال: وهذه الآية لا توجب ترك الأمر بالمعروف. لأنّ المؤمن إذا تركه وهو مستطيعٌ له، فهو ضالٌّ وليس بمهتدٍ.
قلت: وهذا القول هو الصّحيح وأنّها محكمةٌ. ويدلّ على إحكامها أربعة أشياء:
أحدها: أن قوله: {عليكم أنفسكم} يقتضي (إغراء) الإنسان بمصالح نفسه، ويتضمّن الإخبار بأنّه لا يعاقب بضلال غيره وليس مقتضى ذلك أن لا ينكر على غيره وإنّما غاية الأمر أن يكون ذلك مسكوتًا عنه فيقف على الدّليل.
والثّاني: أنّ الآية تدلّ على وجوب الأمر بالمعروف. لأنّ قوله: {عليكم أنفسكم} أمرٌ بإصلاحها وأداء ما عليها، وقد ثبت وجوب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فصار من جملة ما على الإنسان في نفسه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وقد دلّ على ما قلنا قوله: {إذا اهتديتم} وإنّما يكون الإنسان مهتديًا إذا امتثل أمر الشّرع، وممّا أمر الشّرع به الأمر بالمعروف.
وقد روي عن ابن مسعودٍ والحسن وأبي العالية: أنّهم قالوا في هذه الآية: قولوا ما قبل منكم فإذا ردّ عليكم فعليكم أنفسكم.
أخبرنا ابن الحصين، قال: أبنا ابن المذهّب، قال: أبنا أحمد بن جعفر، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد، قال حدثني أبي، قال: بنا هاشم بن القاسم، قال: بنا زهيرٌ يعني: ابن معاوية، قال: بنا إسماعيل بن أبي خالدٍ، قال: بنا قيسٌ قال: قام (أبو بكرٍ) رضي اللّه عنه فحمد اللّه وأثنى عليه، وقال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم} إلى آخر الآية وأنّكم تضعونها على غير موضعها، وإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "إنّ النّاس إذا رأوا المنكر، ولا يغيرونه أو شك الله عز وجل أن يعمّهم بعقابه".
والثّالث: أنّ الآية قد حملها قومٌ على أهل الكتاب إذا أدّوا الجزية فحينئذٍ لا يلزمون بغيرها. فروى أبو صالحٍ عن ابن عبّاسٍ أنّ النّبيّ
صلّى اللّه عليه وسلم كتب إلى حجرٍ، وعليهم منذر بن (ساويٍّ) يدعوهم إلى الإسلام، فإن أبوا فليؤدّوا الجزية فلمّا أتاه الكتاب عرضه على من عنده من العرب، واليهود والنّصارى والمجوس فأقرّوا بالجزية وكرهوا الإسلام فكتب إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((أمّا العرب فلا تقبل منهم إلا الإسلام أو السّيف، وأمّا أهل الكتاب والمجوس فاقبل منهم الجزية)) فلمّا قرؤوا الكتاب أسلمت العرب (وأعطى) أهل الكتاب والمجوس الجزية. فقال المنافقون: عجبًا لمحمّدٍ يزعم أنّ اللّه بعثه ليقاتل النّاس كافّةً حتّى يسلموا، وقد قبل من مجوس هجرٍ، وأهل الكتاب، الجزية، فهلا أكرههم على الإسلام وقد ردّها على إخواننا من العرب. فشقّ ذلك على المسلمين فنزلت هذه الآية.
والرّابع: أنّه (لمّا عابهم) في تقليد آبائهم بالآية المتقدّمة أعلمهم بهذه الآية أنّ المكلّف إنّما يلزمه حكم نفسه وأنّه لا يضره ضلال من (ضلّ) إذا كان مهتديًا حتّى يعلموا أنّه لا يلزمهم من ضلال آبائهم شيءٌ من
الذّمّ والعقاب وإذا تلمّحت هذه المناسبة بين الآيتين لم يكن الأمر للأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ها هنا مدخلٌ وهذا أحسن الوجوه في الآية.
). [نواسخ القرآن: 297-322]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (السادسة: {عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم} .فيها قولان أحدهما أنها تضمنت الأمر بكف الأيدي عن قتال الضالين فنسخت بآية السيف والثاني أنها محكمة لأنها لا تمنع من قتال المشركين فهو الصحيح.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 26-30]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (التاسع: قوله عز وجل: {عليكم أنفسكم}الآية [المائدة: 105]، قيل: هي منسوخة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأكثر على أنها محكمة، والمعنى: عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر فلم يقبل منكم.

وقال ابن عمر رحمه الله: (هذه الآية لأقوام يأتون بعدنا، إن قالوا فلم بقبل منهم، وأما نحن فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليبلغ الشاهد الغائب)) وكنا نحن الشهود وأنتم الغيب).
وقال جبير بن نفيل: قال لي جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية: (عساك أن تدرك ذلك الزمان، فإذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك لا يضرك من ضل إذا اهتديت).
وقال ابن مسعود: (لم يجئ تأويل هذا بعد، إن القرآن أنزل حيث أنزل، فمنه، ومنه، ومنه، ومنه، أي: فمنه آيات قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن، ومنه آيات قد وقع تأويلهن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه آيات قد وقع تأويلهن بعد النبي صلى الله عليه وسلم بيسير، ومنه آيات يقع تأويلهن يوم الحساب، فما دامت قلوبكم واحدة، وأهواؤكم واحدة، ولم تلبسوا شيعا، ولم يذق بعضكم بأس بعض، فأمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، فإذا اختلفت الأقوال والأهواء، ولبستم شيعا، وذاق بعضكم بأس بعض فامرؤ ونفسه، عند ذلك جاء تأويل هذه الآية). فهي على هذا كله محكمة.). [جمال القراء: 1/295-302]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:01 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة