بسم الله الرحمن الرحيم
قال الأستاذ محمد عبد الخالق عضيمة:
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين، وخاتم النبيين، أُنزل عليه القرآن بلسان عربي مبين، هدى للناس، وبينات من الهدى والفرقان.
وبعد:
فهذا بحث رسمت خطوطه، ونسجت خيوطه بقراءتي. استهدفت أن أصنع للقرآن الكريم معجمًا نحويًا صرفيًا، يكون مرجعًا لدارس النحو، فيستطيع أن يعرف متى أراد: أوقع مثل هذا الأسلوب في القرآن أم لا؟ وإذا كان في القرآن فهل ورد كثيرًا أو قليلاً، وفي قراءات متواترة أو شاذة؟ كما أنه يستطيع أن يحتكم إليه في الموازنة بين الأقوال المختلفة؛ كما كان يفعل الصدر الأول في الاحتكام إلى كلام الفصحاء ومشافهتهم قبل أن يدب اللحن إلى الألسنة.
وَجَّه الفقهاء عنايتهم إلى مصدر الشريعة الأول، وهو القرآن، فأحصوا آيات الأحكام، وأشبعوا القول فيها، والحديث عنها.
فالدارس للفقه يستطيع بسهولة ويسر أن يهتدي إلى الأحكام التي مصدرها القرآن، والأحكام التي مصدرها غيره.
والقرآن الكريم حجة في العربية بقراءته المتواترة، وغير المتواترة؛ كما هو حجة في الشريعة. فالقراءة الشاذة التي فقدت شرط التواتر لا تقل شأنًا عن أوثق ما نقل إلينا من ألفاظ اللغة وأساليبها. وقد أجمع العلماء على أن نقل اللغة يكتفي فيه برواية الآحاد.
ولو أراد دارس النحو أن يحتكم إلى أسلوب القرآن وقراءاته في كل ما يعرض له من قوانين النحو والصرف – ما استطاع إلى ذلك سبيلاً؛ ذلك لأن الشعر قد استبد بجهد النحاة، فركنوا إليه، وعولوا عليه، بل جاوز كثيرٌ منهم حدّه، فنسب اللحن إلى القرّاء الأئمة، ورماهم بأنهم لا يدرون ما العربية!
وكان تعويل النحويين على الشعر ثغرة نفذ منها الطاعنون عليهم؛ لأن الشعر روى بروايات مختلفة؛ كما أنه موضع ضرورة.
لهذا مست الحاجة إلى إنشاء دراسة شاملة لأسلوب القرآن الكريم في جميع رواياته؛ إذ في هذه القراءات ثروة لغوية ونحوية جديرة بالدرس وفيها دفاع عن النحو؛ تعضد قواعده، وتدعم شواهده.