العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 محرم 1432هـ/23-12-2010م, 05:47 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

قالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ): ( القول في تأويل أسماء القرآن وسوره وآيه
قال أبو جعفر: إن الله عز وجل سمى تنزيله الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أسماء أربعة:
منهن: "القرآن"، فقال في تسميته إياه بذلك في تنزيله: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين}، وقال: {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون}.
ومنهن: "الفرقان"، قال جل ثناؤه في وحيه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم مسميه بذلك: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} [الفرقان:1].
ومنهن: "الكتاب": قال تبارك اسمه في تسميته إياه به: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيما}.
ومنهن: "الذكر"، فقال تعالى ذكره في تسميته إياه به: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.
ولكل اسم من أسمائه الأربعة في كلام العرب، معنى ووجه غير معنى الآخر ووجهه.
فأما "القرآن"، فإن المفسرين اختلفوا في تأويله. والواجب أن يكون تأويله على قول ابن عباس: من التلاوة والقراءة، وأن يكون مصدرا من قول القائل: قرأت القرآن، كقولك: "الخسران" من "خسرت"، و "الغفران" من "غفر الله لك"، و "الكفران" من "كفرتك"، "والفرقان" من "فرق الله بين الحق والباطل".
- وذلك أن يحيى بن عثمان بن صالح السهمي حدثني، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: {فإذا قرأناه} يقول: بيناه، {فاتبع قرآنه} [القيامة: 18] يقول: اعمل به.
ومعنى قول ابن عباس هذا: فإذا بيناه بالقراءة، فاعمل بما بيناه لك بالقراءة. ومما يوضح صحة ما قلنا في تأويل حديث ابن عباس هذا، ما حدثني به محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: {إن علينا جمعه وقرآنه} [القيامة: 17] قال: أن نقرئك فلا تنسى {فإذا قرأناه} عليك {فاتبع قرآنه} يقول: إذا تلي عليك فاتبع ما فيه.
قال أبو جعفر: فقد صرح هذا الخبر عن ابن عباس: أن معنى "القرآن" عنده القراءة، وإنه مصدر من قول القائل: قرأت، على ما بيناه.
وأما على قول قتادة، فإن الواجب أن يكون مصدرا، من قول القائل: قرأت الشيء، إذا جمعته وضممت بعضه إلى بعض، كقولك: "ما قرأت هذه الناقة سلى قط" تريد بذلك أنها لم تضمم رحما على ولد، كما قال عمرو بن كلثوم التغلبي:

تريك إذا دخلت على خلاء = وقد أمنت عيون الكاشحينا
ذراعى عيطل أدماء بكر = هجان اللون لم تقرأ جنينا
يعني بقوله: "لم تقرأ جنينا"، لم تضمم رحما على ولد.
- وذلك أن بشر بن معاذ العقدي حدثنا قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه} يقول: حفظه وتأليفه، {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} يقول: اتبع حلاله، واجتنب حرامه.
- حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال: حدثنا محمد بن ثور، قال: حدثنا معمر، عن قتادة بمثله.
فرأى قتادة أن تأويل "القرآن": التأليف.
قال أبو جعفر: ولكلا القولين -أعني قول ابن عباس وقول قتادة- اللذين حكيناهما، وجه صحيح في كلام العرب. غير أن أولى قوليهما بتأويل قول الله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} قول ابن عباس.
لأن الله جل ثناؤه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم في غير آية من تنزيله باتباع ما أوحى إليه، ولم يرخص له في ترك اتباع شيء من أمره إلى وقت تأليفه القرآن. فكذلك قوله: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} نظير سائر ما في آي القرآن التي أمره الله فيها باتباع ما أوحى إليه في تنزيله.
ولو وجب أن يكون معنى قوله: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} فإذا ألفناه فاتبع ما ألفنا لك فيه - لوجب ألا يكون كان لزمه فرض {اقرأ باسم ربك الذي خلق}ولا فرض {يا أيها المدثر * قم فأنذر} قبل أن يؤلف إلى ذلك غيره من القرآن. وذلك، إن قاله قائل، خروج من قول أهل الملة.
وإذ صح أن حكم كل آية من آي القرآن كان لازما النبي صلى الله عليه وسلم اتباعه والعمل به، مؤلفة كانت إلى غيرها أو غير مؤلفة -صح ما قال ابن عباس في تأويل قوله: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} أنه معني به: فإذا بيناه لك بقراءتنا، فاتبع ما بيناه لك بقراءتنا- دون قول من قال: معناه، فإذا ألفناه فاتبع ما ألفناه.
وقد قيل إن قول الشاعر:

ضحوا بأشمط عنوان السجود= به يقطع الليل تسبيحا وقرآنا
يعني به قائله: تسبيحا وقراءة.
فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يسمى "قرآنا" بمعنى القراءة، وإنما هو مقروء؟
قيل: كما جاز أن يسمى المكتوب "كتابا"، بمعنى: كتاب الكاتب، كما قال الشاعر في صفة طلاق كتابه كتبه لامرأته:

تؤمل رجعة منى وفيها =كتاب مثل ما لصق الغراء
يريد: طلاقا مكتوبا، فجعل "المكتوب" كتابا.
وأما تأويل اسمه الذي هو "فرقان"، فإن تفسير أهل التفسير جاء في ذلك بألفاظ مختلفة، هي في المعاني مؤتلفة.
- فقال عكرمة، فيما حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا حكام بن سلم، عن عنبسة، عن جابر، عن عكرمة: أنه كان يقول: هو النجاة.
وكذلك كان السدي يتأوله.
- حدثنا بذلك محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السدي - وهو قول جماعة غيرهما.
وكان ابن عباس يقول: "الفرقان": المخرج.
- حدثني بذلك يحيى بن عثمان بن صالح، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس.
وكذلك كان مجاهد يقول في تأويله حدثنا بذلك ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن جابر، عن مجاهد.
وكان مجاهد يقول في قول الله جل ثناؤه: {يوم الفرقان} [الأنفال: 41] يوم فرق الله فيه بين الحق والباطل.
- حدثني بذلك محمد بن عمرو الباهلي، قال: حدثني أبو عاصم، عن عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد.
وكل هذه التأويلات في معنى "الفرقان" -على اختلاف ألفاظها- متقاربات المعاني. وذلك أن من جعل له مخرج من أمر كان فيه، فقد جعل له ذلك المخرج منه نجاة. وكذلك إذا نجي منه، فقد نصر على من بغاه فيه سوءا، وفرق بينه به وبين باغيه السوء.
فجميع ما روينا -عمن روينا عنه- في معنى "الفرقان"، قول صحيح المعنى، لاتفاق معاني ألفاظهم في ذلك.
وأصل "الفرقان" عندنا: الفرق بين الشيئين والفصل بينهما. وقد يكون ذلك بقضاء، واستنقاذ، وإظهار حجة، ونصر وغير ذلك من المعاني المفرقة بين المحق والمبطل. فقد تبين بذلك أن القرآن سمي "فرقانا"، لفصله -بحججه وأدلته وحدود فرائضه وسائر معاني حكمه- بين المحق والمبطل. وفرقانه بينهما: بنصره المحق، وتخذيله المبطل، حكما وقضاء.
وأما تأويل اسمه الذي هو "كتاب": فهو مصدر من قولك: "كتبت كتابا" كما تقول: قمت قياما، وحسبت الشيء حسابا. والكتاب: هو خط الكاتب حروف الكتاب المعجم مجموعة ومفترقة. وسمي "كتابا"، وإنما هو مكتوب، كما قال الشاعر في البيت الذي استشهدنا به:
.............................. = وفيها كتاب مثل ما لصق الغراء
يعني به مكتوبا.
وأما تأويل اسمه الذي هو "ذكر"، فإنه محتمل معنيين:
أحدهما: أنه ذكر من الله جل ذكره، ذكر به عباده، فعرفهم فيه حدوده وفرائضه، وسائر ما أودعه من حكمه.
والآخر: أنه ذكر وشرف وفخر لمن آمن به وصدق بما فيه،
كما قال جل ثناؤه: {وإنه لذكر لك ولقومك}، يعني به أنه شرف له ولقومه). [جامع البيان: 1/89-96]


قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت: 643هـ): ( القرآن اسم من أسماء هذا الكتاب العزيز، وهو منقول من المصدر، ودخول اللام فيه كدخولها في (الفضل)، ودخولها في الفضل كدخولها في (العباس).
وإنما تدخل في العباس ونحوه لأنها بمنزلة الصفات الغالبة، نحو الصعق، كذا قال سيبويه والخليل، وكأنه أراد الذي يعبس، فلهذا المعنى دخلت اللام، ومن لم يرد هذا المعنى قال عباس وحارث.
ويدل على صحة مذهبهما أنه لم يدخلوا اللام في: ثور وحجر ونحو ذلك مما نقل إلى العلمية وليس بصفة ولا مصدر، وإنما دخلت اللام فيما نقل عن المصدر، لأن المصدر يوصف به، فهو كالحارث، وأيضا فإنهم إذا قالوا الفضل؛ لحظوا فيها معنى الزيادة كما لحظوا المعنى المقدم ذكره في الصفة.
والقرآن: معناه الجمع، من قولهم: قرأت الشيء أي جمعته، يدل على ذلك قوله عز وجل: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} أي فإذا جمعناه فاتبع جمعه.
فإن قيل: فكيف يصح على ما ذكرت من أن معناه الجمع أن يقال: إن علينا جمعه وجمعه، وقد قال الله عز وجل: {إن علينا جمعه وقرآنه}؟.
قلت: قال أبو علي: الجمع أعم والقرآن أخص، فحسن التكرير لذلك، كما يجوز: أعلمت زيدا وأنذرته، لأن الإنذار أخص، لأن كل منذر معلم وليس كل معلم منذرا. كذلك قرأت وجمعت، قرأت أخص من جمعت. وإذا جاز استعمال المعنى الواحد بلفظين مختلفين نحو: أقوى وأقفر، فأن يجوز فيما تختص فيه إحدى الكلمتين بمعنى ليس للأخرى أولى.
وعن ابن عباس قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ألقى إليه جبريل عليهما السلام القرآن يعجل، لحرصه وخوفه أن ينساه، فيساوقه في قراءته، ويحرك شفتيه- وحرك ابن عباس شفتيه- فقيل له: {لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه}".
ووزن قرآن (فعلان)، وحقه أن لا ينصرف للعلمية والزيادة. فأما قوله عز وجل: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون* قرآنا عربيا غير ذي عوج} فقال أبو علي: {قرآنا} حال من {القرآن} في أول الآية. قال ولا يمتنع أن يتنكر ما جرى في كلامهم معرفة من نحو هذا. قال: من ثم أجاز الخليل في قولهم:
يا هند، هند بين خلب وكبد
أن يكون المعنى: يا هند، أنت هند بين خلب وكبد، فجعله نكرة لوصفه له بالظرف.
قال: ومثل ذلك قوله:
علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم ..................................
وأما قوله عز وجل: {وقرآنا فرقناه} فقال أبو علي: يجوز أن يكون مفعولا، والتقدير {وبالحق أنزلناه وبالحق نزل} وأنزلنا قرآنا. قال: ولا يجوز أن ينتصب على الحال، من أجل حرف العطف. قال: ألا ترى أنك لا تقول: جاءني زيد وراكبا. قال: ويجوز أن يعطف على ما يتصل به على حذف المضاف. أي: وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا وذا قرآن.
وكان ابن كثير لا يهمز {القرآن} ويقول: القرآن إنما هو اسم مثل التوراة والإنجيل، وجوز أن يكون من: قرنت الشيء بالشيء. قال أبو علي: وهذا سهو ممن ظنه، لأن لام الفعل من (قرأت) همزة، ومن (قرنت) نون، والنون في (قرآن) زائدة، وفي (قرنت) أصل، وهي لام الفعل، قال ونرى إن الإشكال وقع له من أجل تخفيف الهمزة من (قرآن) لما حذفت وألقيت حركتها، فصار لفظه كلفظه فعال من قرآن، وليس مثله.
قال: ولو سميت رجلا بقران مخفف الهمزة لم تصرفه في المعرفة كما لا تصرف (عثمان) اسم رجل، ولو سميته بقرآن من قرنت لانصرف. وهذا سهو من أبي علي، وما كان مثل هذا يذهب على ابن كثير، وإنما ذهب ابن كثير إلى أنه اسم من أسماء الكتاب العزيز، فيكون على قوله له اسمان: قرآن من قرأت، وقران من قرنت، وهذا واضح لا إشكال فيه.
ومن أسمائه الفرقان:
قال الله عز وجل: {تبارك الذي نزل الفرقان}. وهو منقول من المصدر، وهو من المصادر التي جاءت على فعلان، نحو: الغفران والكفران.
وقال أبو عبيدة تقديره تقدير قولهم: رجل قنعان أي يرضى به الخصمان ويقنعان. فهو على هذا منقول من الصفة. وإلى هذا القول ذهب أبو علي، وإنما ذهب أبو علي في (القران) إلى أنه مصدر في الأصل، وفي (الفرقان) إلى ما ذكرناه، قال: لأن الدلالة قد قامت على أن القرآن لا يجوز أن يكون صفة، كما قامت على جواز كون الفرقان صفة، قال وذلك أن الله عز وجل قال: {إن علينا جمعه وقرآنه} فلو كان صفة لم تجز هذه الإضافة، لأن الصفة لا تضاف إلى الفاعل، لأن اسم الفاعل هو الفاعل في المعنى، والشيء لا يضاف إلى نفسه.
قال: فلو كان القرآن صفة كما أن الفرقان صفة في قول أبي عبيدة؛ لم تجز فيه هذه الإضافة، فدل جوازها على أنه مصدر في الأصل، ولا يمتنع أن يضاف المصدر إلى الفاعل كما لا تمتنع إضافته إلى المفعول لأنه غير الفاعل، كما أنه غير المفعول.
وأجاب عن أنه لو كان صفة لجرى على موصوف، كما قيل: رجل قنعان، وأجرى صفة على موصوف فقال: لا يمتنع أن يكون صفة وإن لم يجر على الموصوف، لأن كثيرا من الصفات استعمل استعمال الأسماء. من ذلك: هذا عبد، ورأيت عبدا، وهو في الأصل صفة، ولا يكادون يقولون: رجل عبد، وكذلك صاحب، ولذلك لم تعمل أسماء الفاعلين نحو: ضارب وآكل، وحسن لهذا ترخيمه في نحو:
أصاح ترى بريقا هب وهنا
وإن لم يرخموا من هذا الضرب من الأسماء غيره
قال: وكذلك: الأجرع والأبطح والأدهم، ولذلك كسروه: أجارع وأباطح وأبارق، ولو لم تستعمل استعمال الأسماء لما تعدوا فيه: فعلا وفعلانا، كأحمر وحمر وحمران، فإذا كثر في كلامهم هذا النحو من الصفات التي جرت مجرى الأسماء: في أنها لم تجر على الموصوف، وفي أنها كسرت تكسير الأسماء؛ لم يدل امتناعهم من إجراء {الفرقان} صفة على موصوفه على أنه ليس بصفة. قال: ويقوي كونه صفة مجيئه على وزن جاءت عليه الصفات، كعريان وخمصان.
وقال أبو عبيدة في قوله عز وجل: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان} وفي قوله تعالى: {وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان}:
الفرقان: ما فرق بين الحق والباطل، لأن المسلمين علت كلمتهم يوم بدر بالقهر والغلبة، كما نصروا في الفرقان بالحجة.
وقيل: المعنى في قوله عز وجل: {وإذا آتينا موسى الكتاب والفرقان}: وآتيناكم الفرقان، كقوله:
متقلدا سيفا ورمحا
وقوله تعالى: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان} يبطل هذا التأويل، ولكن يجوز في الآيتين جمعيا أن يريد بالفرقان: البرهان الذي فرق بين الحق والباطل، نحو: انقلاب العصا، وخروج اليد بيضاء من غير سوء، وغير ذلك من الآيات.
أو الشرع الفارق بين الحلال والحرام.
وقيل: الفرقان انفراق البحر. ورد أبو علي هذا القول، لأن الفرقان قد استعمل في هذه الآيات في معان لا في أعيان، ولأن مصدر (فرقت) قد جاء في القرآن {فرقا} ولم يجئ فرقانا. قال: وإن كان بعض أمثلة المصادر قد جاء على مثال (فعلان).
قال أبو عبيدة: سمي فرقانا لأنه فرق بين الحق والباطل، والمؤمن والكافر. وعن ابن عباس: "الفرقان المخرج". قال الله تعالى: {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا} أي بيانا ومخرجا من الشبهة والضلال. وأنشدوا لمزرد:

بادر الليل أن يبيت فلما = أظلم الليل لم يجد فرقانا
ومن أسمائه: الكتاب:
سمي بذلك لأن الكتب الجمع، يقال: كتب إذا جمع الحروف بعضها إلى بعض، وتكتب بنو فلان أي اجتمعوا. فسمي بذلك لما اجتمع فيه من المعاني كالأمر والنهي، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ. والحلال والحرام، ونبأ ما كان وما يكون، وما يحتاج إليه من أمر الدين، وتفصيل ما اختلف فيه من الأحكام. قال الله عز وجل: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} وقال عز وجل: {ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} ولذلك سمي قرآنا لأنه قد جمع فيه كل شيء.
وقال أبو عبيدة: سمي قرآنا لأنه جمع السور وضمها، وكذلك تسميته بالكتاب أيضا. وقال أبو علي: الكتاب مصدر كتب، قال: ودليل ذلك انتصابه عما قبله في قوله عز وجل: {كتاب الله عليكم} وقوله: {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا}.
قال: فمذهب سيبويه في هذا النحو أنه لما قال: {حرمت عليكم أمهاتكم} دل هذا الكلام على: كتب عليكم. وكذلك قوله عز وجل: {وما كان لنفس أن تموت} دل على: كتب الله موته ومدة حياته، فانتصب بكتب الذي دل عليه الفعل المظهر.
قال: ومذهب غيره من أصحابه، أنه انتصب بالفعل الظاهر. وكيف كان الأمر فقد ثبت من ذلك أن الكتاب مصدر، كالوعد والصنع من قوله عز وجل: {وعد الله} و{صنع الله} في انتصابهما بما ذكر قبلهما من قوله عز وجل :
{وهي تمر مر السحاب} وقوله عز وجل: {وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين} ثم قال بعد ذلك {وعد الله}.
قال: وسمي به التنزيل بدلالة قوله عز وجل: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب} ثم قال: والمراد بالمصدر الذي هو الكتاب: المكتوب، كما يقال: الخلق ويراد به المخلوق لا الحدث، تقول جاءني الخلق، وكلمت الخلق، والدرهم ضرب الأمير، والثوب نسج اليمن، أي مضروبه ومنسوج اليمن. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( الراجع في هبته )) أي موهوبه.
قال: فما تأولناه في قولنا في (الكتاب) المسمى به التنزيل أنه يراد به المكتوب؛ أرجح عندي من قول من قال: إنه سمي بذلك، لما فرض فيه وأوجب العمل به، قال: ألا ترى أن جميع التنزيل مكتوب، وليس كله مفروضا. قال: وإذا كان كذلك؛ كان العامل الشامل لجميع المسمى أولى مما كان بخلاف هذا الوصف.
وهذا الذي رجحه أبو علي ليس براجح، لأن قولهم: هذا الدرهم ضرب الأمير، قد علم المراد منه، وأن الضرب الذي هو العرض الذي قد انقضى وذهب – لا يصح أن يكون موجودا ومشارا إليه، فتعين أن المراد بالضرب المضروب، وليس كذلك (الكتاب)، لأنه اسم منقول من المصدر كفضل. وإنما سمي القرآن به، لأن معنى: كتب الشيء: جمعه، وضم بعضه إلى بعض، وكذلك القرآن.
وقول من قال: إنما سمي كتابا لأنه يقال: كتب الله كذا بمعنى أوجبه وفرضه، كقوله عز وجل: {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم} فسمي القرآن كتابا لما فيه من الواجبات التي كتبها- أرجح من قول أبي علي، لأن الشيء يسمى ببعض ما فيه، ثم إن قول أبي علي يوهم أن ليس إلا هذا القول وقوله.
وأوضح من القولين وأصح قول من قال: هو منقول من المصدر الذي هو بمعنى الجمع والضم.
ومن أسمائه الذكر:
قال الله عز وجل: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} وهو منقول من المصدر، والذكر الموعظة، والذكر الشرف.
ومن أسمائه الوحي:
قال المؤمنون كلهم: القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله، وقال الله عز وجل: {قل إنما أنذركم بالوحي} وهو من قولهم: وحي يحي وحيا.
قال الشاعر:

وحى لها القرار فاستقرت
ويقال: أوحى يوحي إيحاء، ومعناه الإفهام بإيماء أو إشارة. وقال بعض العلماء: الوحي قذف في القلوب، فكأنه سمي وحيا لأن الملك كان يفهمه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يفهم عنه سواه، كما سموا ضرب الأمثال وحيا من جهة اللفظ، وذلك أن يضرب الرجل لصاحبه مثلا، فيعرف به أمرا بينهما ولا يفهمه سواه، وكل من أشار إلى معنى من غير إفصاح فبلغ بذلك المراد فقد أوحى.
ومن أسمائه التنزيل:
يقال: جاء في التنزيل كذا، كما يقال جاء في القرآن، وهو منقول من المصدر. يقال: نزل تنزيلا، قال الله عز وجل: {الله أنزل أحسن الحديث}.
ومن أسمائه القصص:
قال الله تعالى: {إن هذا لهو القصص الحق} والقصص في العربية اتباع الأثر. قال الله عز وجل {فارتدا على آثارهما قصصا} قال الله عز وجل: {قل إنما اتبع ما يوحى إلي من ربي} والقرآن قصصه الذي قصه، أي اتبعه وألقاه إلى غيره، كما قفاه واتبع فيه أثر الملك.
ومن أسمائه الروح:
قال الله عز وجل: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} سمي روحا لأنه يحيي به القلوب والدين، قال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}.
ومن أسمائه المثاني:
قال الله عز وجل: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني}. سمي مثاني لأن القصص والأنباء ثنيت فيه أي كررت، يقال ثنيت الشيء إذا كررته.
وسماه الله عز وجل: الهدى، والبيان، والتبيان، والموعظة، والرحمة، والبشير، والنذير.
والعزيز: الذي لا يرام، فلا يؤتى بمثله ولا يستطاع إبطاله.
والحكيم: وهو إما بمعنى المحكم بفتح الكاف، أو المحكم بكسرها، من قولهم حكمة الدابة لأنها تردها عن الجور، لأنه يرد العباد إلى القصد.
والمهيمن، وهو الشاهد،
والبلاغ: قيل لأنه يكفي من غيره.
والشفاء،
والمجيد: لشرفه على كل كلام.
والنور، قال الله عز وجل: {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين}
) [جمال القراء :1/23-33]



قالَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ بَهَادرَ الزَّرْكَشِيُّ (ت: 794هـ): (النوع الخامس عشر: معرفة أسمائه واشتقاقاتها أسماء القرآن
وقد صنف في ذلك الحرالي جزءا وأنهى أساميه إلى نيف وتسعين
وقال القاضي أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك رحمه الله اعلم أن الله تعالى سمى القرآن بخمسة وخمسين اسما:
سماه كتابا فقال: {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ}
وسماه قرآنا فقال: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} الآية
وسماه كلاما فقال: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ}
وسماه نورا فقال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً}
وسماه هدى فقال: {هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ}
وسماه رحمة فقال: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}
وسماه فرقانا فقال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} الآية
وسماه شفاء فقال: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ}
وسماه موعظة فقال: {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ}
وسماه ذكرا فقال: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ}
وسماه كريما فقال: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ}
وسماه عليا فقال: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}
وسماه حكمة فقال: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ}
وسماه حكيما فقال: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ}
وسماه مهيمنا فقال: {مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ}
وسماه مباركا فقال: {كتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ} الآية
وسماه حبلا فقال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً}
وسماه الصراط المستقيم فقال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً}
وسماه القيم فقال: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّماً}
وسماه فصلا فقال: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ}
وسماه نبأ عظيما فقال: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ}
وسماه أحسن الحديث فقال: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} الآية
وسماه تنزيلا فقال: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
وسماه روحا فقال: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا}
وسماه وحيا فقال: {إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ}
وسماه المثاني فقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي}
وسماه عربيا فقال: {قُرْآناً عَرَبِيّاً}، قال ابن عباس: غير مخلوق
وسماه قولا فقال: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ}
وسماه بصائر فقال: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ}
وسماه بيانا فقال: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ}
وسماه علما فقال: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ}
وسماه حقا فقال: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ}
وسماه الهادي فقال: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي}
وسماه عجبا فقال: {قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي}
وسماه تذكرة فقال: {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ}
وسماه بالعروة الوثقى فقال: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}
وسماه متشابها فقال: {كِتَاباً مُتَشَابِهاً}
وسماه صدقا فقال: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} أي بالقرآن
وسماه عدلا فقال: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً}
وسماه إيمانا فقال: {سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ}
وسماه أمرا فقال: {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ}
وسماه بشرى فقال: {هُدىً وَبُشْرَى}
وسماه مجيدا فقال: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ}
وسماه زبورا فقال: {لَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ} الآية
وسماه مبينا فقال: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ}
وسماه بشيرا ونذيرا فقال: {بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ}
وسماه عزيزا فقال: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ}
وسماه بلاغا فقال: { هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ}
وسماه قصصا فقال : {أَحْسَنَ الْقَصَصِ}
وسماه أربعة أسامي في آية واحدة فقال: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} ، انتهى
تفسير هذه الأسامي :
فأما الكتاب فهو مصدر كتب يكتب كتابة وأصلها الجمع وسميت الكتابة لجمعها الحروف فاشتق الكتاب لذلك لأنه يجمع أنواعا من القصص والآيات والأحكام والأخبار على أوجه مخصوصة ويسمى المكتوب كتابا مجازا قال الله تعالى: {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} أي اللوح المحفوظ والكتابة حركات تقوم بمحل قدرة الكاتب خطوط موضوعة مجتمعة تدل على المعنى المقصود وقد يغلط الكاتب فلا تدل على شيء
وأما القرآن فقد اختلفوا فيه..
- فقيل هو اسم غير مشتق من شيء، بل هو اسم خاص بكلام الله.
- وقيل مشتق من "القرى" وهو الجمع ومنه قريت الماء في الحوض أي جمعته، قاله الجوهري وغيره.
- وقال الراغب: لا يقال لكل جمع قرآن ولا لجمع كل كلام قرآن ولعل مراده بذلك في العرف والاستعمال، لا أصل اللغة.
- وقال الهروي: كل شيء جمعته فقد قرأته.
- وقال أبو عبيد: سمي القرآن قرآنا لأنه جمع السور بعضها إلى بعض.
- وقال الراغب: سمي قرآنا لكونه جمع ثمرات الكتب المنزلة السابقة.
- وقيل: لأنه جمع أنواع العلوم كلها بمعان كما قال تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء
- وقال بعض المتأخرين: لا يكون القرآن وقرأ مادته بمعنى جمع لقوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} فغاير بينهما، وإنما مادته قرأ بمعنى أظهر وبين، والقارئ يظهر القرآن ويخرجه، و"القرء" الدم لظهوره وخروجه، و"القرء" الوقت فإن التوقيت لا يكون إلا بما يظهر.
- وقيل: سمي قرآنا لأن القراءة عنه والتلاوة منه وقد قرئت بعضها عن بعض.
وفي تاريخ بغداد للخطيب في ترجمة الشافعي قال: وقرأت القرآن على إسماعيل بن قسطنطين، وكان يقول القرآن اسم وليس مهموزا، ولم يؤخذ من قرأت ولو أخذ من قرأت لكان كل ما قرئ قرآنا ولكنه اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل يهمز قرأت ولا يهمز القرآن.
وقال الواحدي: كان ابن كثير يقرأ بغير همز وهي قراءة الشافعي أيضا.
قال البيهقي: كان الشافعي يهمز قرأت ولا يهمز القرآن، ويقول: هو اسم لكتاب الله غير مهموز.
قال الواحدي: قول الشافعي "هو اسم لكتاب الله" يعنى أنه اسم علم غير مشتق، كما قاله جماعة من الأئمة.
وقال: وذهب آخرون إلى أنه مشتق من قرنت الشيء بالشيء إذا ضممته إليه؛ فسمي بذلك لقرآن السور والآيات والحروف فيه، ومنه قيل للجمع بين الحج والعمرة قران. قال: وإلى هذا المعنى ذهب الأشعري.
وقال القرطبي: "القران" بغير همز مأخوذ من القرائن؛ لأن الآيات منه يصدق بعضها بعضا ويشابه بعضها بعضا فهي حينئذ قرائن.
قال الزجاج: وهذا القول سهو والصحيح أن ترك الهمز فيه من باب التخفيف ونقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، وهذا ما أشار إليه الفارسي في الحلبيات. وقوله: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} أي جمعه في قلبك حفظا، وعلى لسانك تلاوة وفي سمعك فهما وعلما، ولهذا قال بعض أصحابنا: إن عند قراءة القارئ تسمع قراءته المخلوقة ويفهم منها كلام الله القديم، وهذا معنى قوله: {لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ} أي لا تفهموا ولا تعقلوا لأن السمع الطبيعي يحصل للسامع شاء أو أبى.
وأما الكلام فمشتق من التأثير يقال كلمه إذا أثر فيه بالجرح فسمي الكلام كلاما لأنه يؤثر في ذهن السامع فائدة لم تكن عنده.
وأما النور فلأنه يدرك به غوامض الحلال والحرام.
وأما تسميته هدى فلأن فيه دلالة بينة إلى الحق وتفريقا بينه وبين الباطل.
وأما تسميته ذكرا فلما فيه من المواعظ والتحذير وأخبار الأمم الماضية وهو مصدر ذكرت ذكرا والذكر الشرف قال تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ} أي شرفكم.
وأما تسميته تبيانا فلأنه بين فيه أنواع الحق وكشف أدلته.
أما تسميته بلاغا فلأنه لم يصل إليهم حال أخبار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإبلاغه إليهم إلا به.
وأما تسميته مبينا فلأنه أبان وفرق بين الحق والباطل.
وأما تسميته بشيرا ونذيرا فلأنه بشر بالجنة وأنذر من النار.
وأما تسميته عزيزا أي يعجز ويعز على من يروم أن يأتي بمثله فيتعذر ذلك عليه لقوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الأِنْسُ وَالْجِنُّ} الآية.
والقديم لا يكون له مثل إنما المراد أن يأتوا بمثل هذا الإخبار والقراءة بالوضع البديع.
- وقيل المراد بالعزيز نفي المهانة عن قارئه إذا عمل به.
وأما تسميته فرقانا فلأنه فرق بين الحق والباطل والمسلم والكافر والمؤمن والمنافق وبه سمي عمر بن الخطاب الفارق.
وأما تسميته مثاني فلأن فيه بيان قصص الكتب الماضية فيكون البيان ثانيا للأول الذي تقدمه فيبين الأول الثاني.
- وقيل سمي مثاني لتكرار الحكم والقصص والمواعظ فيه وقيل إنه اسم الفاتحة وحدها.
وأما تسميته وحيا ومعناه تعريف الشيء خفية سواء كان بالكلام كالأنبياء والملائكة أو بإلهام كالنحل وإشارة النمل- فهو مشتق من الوحي والعجلة لأن فيه إلهاما بسرعة وخفية.
وأما تسميته حكيما فلأن آياته أحكمت بذكر الحلال والحرام فأحكمت عن الإتيان بمثلها ومن حكمته أن علامته من علمه وعمل به ارتدع عن الفواحش.
وأما تسميته مصدقا فإنه صدق الأنبياء الماضين أو كتبهم قبل أن تغير وتبدل.
وأما تسميته مهيمنا فلأنه الشاهد للكتب المتقدمة بأنها من عند الله.
وأما تسميته بلاغا فلأنه كان في الإعلام والإبلاغ وأداء الرسالة.
وأما تسميته شفاء فلأنه من آمن به كان له شفاء من سقم الكفر ومن علمه وعمل به كان له شفاء من سقم الجهل.
وأما تسميته رحمة فإن من فهمه وعقله كان رحمة له.
وأما تسميته قصصا فلأن فيه قصص الأمم الماضين وأخبارهم.
وأما تسميته مجيدا والمجيد الشريف فمن شرفه أنه حفظ عن التغيير والتبديل والزيادة والنقصان وجعله معجزا في نفسه عن أن يؤتى بمثله.
وأما تسميته تنزيلا فلأنه مصدر نزلته لأنه منزل من عند الله على لسان جبريل لأن الله تعالى أسمع جبريل كلامه وفهمه إياه كما شاء من غير وصف ولا كيفية نزل به على نبيه فأداه هو كما فهمه وعلمه.
وأما تسميته بصائر فلأنه مشتق من البصر والبصيرة وهو جامع لمعاني أغراض المؤمنين كما قال تعالى:{وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ}.
وأما تسميته ذكرى فلأنه ذكر للمؤمنين ما فطرهم الله عليه من التوحيد وأما قوله تعالى:: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} فالمراد بالزبور هنا جميع الكتب المنزلة من السماء لا يختص بزبور داود والذكر أم الكتاب الذي من عند الله تعالى.
وذكر الشيخ شهيب الدين أبو شامة في المرشد الوجيز في قوله تعالى: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}.
قال: يعني القرآن وقال السخاوي يعني ما رزقك الله من القرآن خير مما رزقهم من الدنيا.
فائدة
ذكر المظفري في تاريخه: لما جمع أبو بكر القرآن قال: سموه. فقال بعضهم: سموه إنجيلا.. فكرهوه، وقال بعضهم: سموه السفر.. فكرهوه من يهود، فقال ابن مسعود: "رأيت للحبشة كتابا يدعونه المصحف فسموه به"
فائدة
قال الحافظ أبو طاهر السلفي: سمعت أبا الكرم النحوي ببغداد، وسئل كل كتاب له ترجمة فما ترجمة كتاب الله فقال : {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} ). [البرهان في علوم القرآن: 1/273-282]

قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (النوع السابع عشر: في معرفة أسمائه وأسماء سوره
قال الجاحظ: سمى الله كتابه اسما مخالفا لما سمى العرب كلامهم على الجملة والتفصيل؛
سمى جملته قرآنا كما سموا ديوانا وبعضه سورة كقصيدة وبعضها آية كالبيت وآخرها فاصلة كقافية.
وقال أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك "المعروف شيذلة" في كتاب البرهان: اعلم أن الله سمى القرآن بخمسة وخمسين اسما:
سماه كتابا ومبينا في قوله: {حم والكتاب المبين}.
وقرآنا وكريما: {إنه لقرآن كريم}.
وكلاما: {حتى يسمع كلام الله}.
ونورا: {وأنزلنا إليكم نورا مبينا}.
وهدى ورحمة: {هدى ورحمة للمؤمنين}.
وفرقانا: {نزل الفرقان على عبده}.
وشفاء: {وننزل من القرآن ما هو شفاء}.
وموعظة: {قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور}.
وذكرا ومباركا: {وهذا ذكر مبارك أنزلناه}.
وعليا: {وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي}.
وحكمة: {حكمة بالغة}.
وحكيما: {تلك آيات الكتاب الحكيم}.
ومهيمناً: {مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه}.
وحبلاً: {واعتصموا بحبل الله}.
وصراطاً مستقيماً: {وأن هذا صراطي مستقيما}.
وقيماً: {قيما لينذر بأسا شديدا}.
وقولاً وفصلاً: {إنه لقول فصل}.
ونبأ عظيماً: {عم يتساءلون عن النبأ العظيم}.
وأحسن الحديث، ومتشابهاً، ومثاني: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني}.
وتنزيلاً: {وإنه لتنزيل رب العالمين}.
وروحاً: {أوحينا إليك روحا من أمرنا}.
ووحياً: {إنما أنذركم بالوحي}.
وعربياً: {قرآنا عربيا}.
وبصائر: {هذا بصائر}.
وبياناً: {هذا بيان للناس}.
وعلماً: {من بعد ما جاءك من العلم}.
وحقاً: {إن هذا لهو القصص الحق}.
وهدياً: {إن هذا القرآن يهدي}.
وعجباً: {قرآنا عجبا}.
وتذكرةً: {وإنه لتذكرة}.
والعروة الوثقى: {استمسك بالعروة الوثقى}.
وصدقا: {والذي جاء بالصدق}.
وعدلا: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا}.
وأمرا: {ذلك أمر الله أنزله إليكم}.
ومناديا: {سمعنا مناديا ينادي للإيمان}.
وبشرى: {هدى وبشرى}.
ومجيدا: {بل هو قرآن مجيد}.
وزبور: {ولقد كتبنا في الزبور}.
وبشيرا ونذيرا: {كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا}.
وعزيزا: {وإنه لكتاب عزيز}.
وبلاغا: {هذا بلاغ للناس}.
وقصصا: {أحسن القصص}.
وسماه أربعة أسماء في آية واحدة: {في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة}. انتهى.
فأما تسميته كتابا فلجمعه أنواع العلوم والقصص والأخبار على أبلغ وجه والكتاب لغة الجمع.
والمبين لأنه أبان أي أظهر الحق من الباطل.
وأما القرآن فاختلف فيه:
- فقال جماعة هو اسم علم غير مشتق خاص بكلام الله فهو غير مهموز، وبه قرأ ابن كثير وهو مروي عن الشافعي؛ أخرج البيهقي والخطيب وغيرهما عنه أنه كان يهمز "قرأت" ولا يهمز "القرآن" ويقول "القرآن" اسم وليس بمهموز ولم يؤخذ من قرأت ولكنه اسم لكتاب الله مثل التوراة والإنجيل.
- وقال قوم منهم الأشعري: هو مشتق من قرنت الشيء بالشيء إذا ضممت أحدهما إلى الآخر، وسمي به لقران السور والآيات والحروف فيه.
- وقال الفراء: هو مشتق من القرائن لأن الآيات منه يصدق بعضها بعضا ويشابه بعضها بعضا وهي قرائن وعلى القولين هو بلا همز أيضا ونونه أصلية.
- وقال الزجاج: هذا القول سهو والصحيح أن ترك الهمزة فيه من باب التخفيف ونقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها.
واختلف القائلون بأنه مهموز:
* فقال قوم، منهم اللحياني: هو مصدر لقرأت كالرجحان والغفران سمي به الكتاب المقروء من باب تسمية المفعول بالمصدر.

* وقال آخرون منهم الزجاج: هو وصف على فعلان مشتق من القرء بمعنى الجمع ومنه قرات الماء في الحوض أي جمعته.
* قال أبو عبيدة: وسمي بذلك لأنه جمع السور بعضها إلى بعض.
* وقال الراغب: لا يقال لكل جمع قرآن ولا لجمع كل كلام قرآن قال وإنما سمي قرآنا لكونه جمع ثمرات الكتب السالفة المنزلة وقيل لأنه جمع أنواع العلوم كلها.
* وحكى قطرب قولا: إنه إنما سمي قرآنا لأن القارئ يظهره ويبينه من فيه أخذا من قول العرب "ما قرأت الناقة سلا قط" أي: ما رمت بولد، أي: ما أسقطت ولدا، أي: ما حملت قط، والقرآن يلفظه القارئ من فيه ويلقيه فسمي قرآنا.
قلت: والمختار عندي في هذه المسألة ما نص عليه الشافعي.
وأما الكلام فمشتق من الكلم بمعنى التأثير لأنه يؤثر في ذهن السامع فائدة لم تكن عنده.
وأما النور فلأنه يدرك به غوامض الحلال والحرام.
وأما الهدى فلأن فيه الدلالة على الحق وهو من باب إطلاق المصدر على الفاعل مبالغة.
وأما الفرقان فلأنه فرق بين الحق والباطل وجهه بذلك مجاهد كما أخرجه ابن أبي حاتم.
وأما الشفاء فلأنه يشفي من الأمراض القلبية كالكفر والجهل والغل والبدنية أيضا.
وأما الذكر فلما فيه من المواعظ وأخبار الأمم الماضية والذكر أيضا الشرف قال تعالى: {وإنه لذكر لك ولقومك} أي شرف لأنه بلغتهم.
وأما الحكمة فلأنه نزل على القانون المعتبر من وضع كل شيء في محله أو لأنه مشتمل على الحكمة.
وأما الحكيم فلأنه أحكمت آياته بعجيب النظم وبديع المعاني وأحكمت عن تطرق التبديل والتحريف والاختلاف والتباين.
وأما المهيمن فلأنه شاهد على جميع الكتب والأمم السالفة.
وأما الحبل فلأنه من تمسك به وصل إلى الجنة أو الهدى والحبل السبب.
وأما الصراط المستقيم فلأنه طريق إلى الجنة قويم لا عوج فيه.
وأما المثاني فلأن فيه بيان قصص الأمم الماضية فهو ثان لما تقدمه وقيل لتكرر القصص والمواعظ فيه.
- وقيل لأنه نزل مرة بالمعنى ومرة باللفظ والمعنى كقوله: {إن هذا لفي الصحف الأولى}، حكاه الكرماني في عجائبه.
وأما المتشابه فلأنه يشبه بعضه بعضا في الحسن والصدق.
وأما الروح فلأنه تحيى به القلوب والأنفس.
وأما المجيد فلشرفه.
وأما العزيز فلأنه يعز على من يروم معارضته.
وأما البلاغ فلأنه أبلغ به الناس ما أمروا به ونهوا عنه أو لأن فيه بلاغة وكفاية عن غيره.
قال السلفي في بعض أجزائه: سمعت أبا الكرم النحوي يقول: سمعت أبا القاسم التنوخي يقول: سمعت أبا الحسن الرماني وسئل كل كتاب له ترجمة فما ترجمة كتاب الله فقال: {هذا بلاغ للناس ولينذروا به}.
وذكر أبو شامة وغيره في قوله تعالى: {ورزق ربك خير وأبقى} أنه القرآن.
فائدة:
حكى المظفري في تاريخه قال لما جمع أبو بكر القرآن قال "سموه" فقال بعضهم سموه إنجيلا فكرهوه وقال بعضهم سموه سفرا فكرهوه من يهود فقال ابن مسعود "رأيت بالحبشة كتابا يدعونه المصحف" فسموه به.
قلت: أخرج ابن أشته في كتاب المصاحف من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: لما جمعوا القرآن فكتبوه في الورق قال أبو بكر: "التمسوا له اسما" فقال بعضهم السفر وقال بعضهم "المصحف فإن الحبشة يسمونه المصحف" وكان أبو بكر أول من جمع كتاب الله وسماه المصحف. ثم أورده من طريق آخر عن ابن بريدة وسيأتي في النوع الذي يلي هذا.
فائدة ثانية:
أخرج ابن الضريس وغيره عن كعب قال" في التوراة : يا محمد إني منزل عليك توراة حديثة تفتح أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا "
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال " لما أخذ موسى الألواح قال : يا رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في قلوبهم فاجعلهم أمتي ،قال: تلك أمة أحمد ".
ففي هذين الأثرين تسمية القرآن توراة وإنجيلا ومع هذا لا يجوز الآن أن يطلق عليه ذلك وهذا كما سميت التوراة فرقانا في قوله: {وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان} وسمى صلى الله عليه وسلم الزبور قرآنا في قوله: ((خفف على داود القرآن))
). [الإتقان في علوم القرآن: 2/336-345]


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:52 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة