{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)}
تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({تلك الرّسل فضّلنا بعضهم على بعضٍ مّنهم مّن كلّم اللّه ورفع بعضهم درجاتٍ وآتينا عيسى ابن مريم البيّنات وأيّدناه بروح القدس ولو شاء اللّه ما اقتتل الّذين من بعدهم مّن بعد ما جاءتهم البيّنات ولكن اختلفوا فمنهم مّن آمن ومنهم مّن كفر ولو شاء اللّه ما اقتتلوا ولكنّ اللّه يفعل ما يريد}
قال: {مّنهم مّن كلّم اللّه} أي: كلمه الله [فلفظ الجلالة] في ذا الموضع رفعٌ.
وقال: {ورفع بعضهم درجاتٍ} أي: رفع الله بعضهم درجات). [معاني القرآن: 1/148]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {تلك الرّسل فضّلنا بعضهم على بعض منهم من كلّم اللّه ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البيّنات وأيّدناه بروح القدس ولو شاء اللّه ما اقتتل الّذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البيّنات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء اللّه ما اقتتلوا ولكنّ اللّه يفعل ما يريد}
{الرّسل} صفة لتلك كقولك أولئك الرسل فضلنا بعضهم على بعض إلا أنه قيل تلك للجماعة، وخبر الابتداء (فضلنا بعضهم على بعض).
ومعنى: {منهم من كلّم اللّه} أي: من كلّمه اللّه.
{تلك الرّسل فضّلنا بعضهم على بعض منهم من كلّم اللّه ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البيّنات وأيّدناه بروح القدس ولو شاء اللّه ما اقتتل الّذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البيّنات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء اللّه ما اقتتلوا ولكنّ اللّه يفعل ما يريد}
والهاء حذقت من الصلة لطول الاسم، وهو موسى - صلى الله عليه وسلم - أسمعه الله كلامه من غير وحي أتاه به عن اللّه ملك.
وقوله عزّ وجلّ: {وآتينا عيسى ابن مريم البيّنات}أي: أعطيناه والبينات الحجج التي تدل على إثبات نبوته - صلى الله عليه وسلم - من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى والإنباء بما غاب عنه.
وقوله عزّ وجلّ: {ورفع بعضهم درجات}.
جاء في التفسير: أنه يعنى به محمد - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى الناس كافة، وليس شيء من الآيات التي أعطيها الأنبياء إلا والذي أعطى محمد - صلى الله عليه وسلم - أكثر منه، لأنه - صلى الله عليه وسلم -
كلمته الشجرة،
وأطعم " من كفّ التمر خلقا كثيرا،
وأمرّ يده على شاة أم معبد فدرت، وحلبت بعد جفاف،
ومنها انشقاق القمر، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى الآيات في الأرض ورآها في السماء، والذي جاء في آيات النبي كثير.
فأما انشقاق القمر وصحته فقد روينا فيه أحاديث:
حدثني إسماعيل بن إسحاق قال: حدثنا محمد بن المنهال، قال حدثنا يزيد ابن زريع عن سعيد عن قتادة عن أنس قال: سأل أهل مكة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - آية فأراهم انشقاق القمر فرقتين.
وحدثني مسدّد يرفعه إلى أنس أيضا مثل ذلك.
ونحن نذكر جميع ما روى في هذا الباب في مكانه إن شاء الله، ولكنا ذكرنا ههنا جملة من الآيات لنبين بها فضل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيما أتى به من الآيات.
ومن أعظم الآيات القرآن الذي أتى به العرب وهم أعلم قوم بالكلام.
لهم الأشعار ولهم السجع والخطابة، وكل ذلك معروف في كلامها، فقيل لهم ائتوا بعشر سور فعجزوا عن ذلك، وقيل لهم ائتوا بسورة ولم يشترط عليهم فيها أن تكون كالبقرة وآل عمران وإنما قيل لهم ائتوا بسورة فعجزوا عن ذلك.
فهذا معنى {ورفع بعضهم درجات}.
وقوله عزّ وجلّ: {ولو شاء اللّه ما اقتتل الّذين من بعدهم} يعني: من بعد الرسل: {من بعد ما جاءتهم البيّنات} أي: من بعد ما وضحت لهم البراهين، فلو شاء الله ما أمر بالقتال بعد وضوح الحجة،
ويجوز أن يكون {ولو شاء اللّه ما اقتتلوا} أي: لو شاء اللّه أن يضطرهم أن يكونوا مؤمنين غير مختلفين لفعل ذلك كما قال: {ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى}). [معاني القرآن: 1/333-335]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله}
قال مجاهد: يقول كلم موسى.
ثم قال جل وعز: {ورفع بعضهم درجات}
قال مجاهد: أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة.
ثم قال تعالى: {وآتينا عيسى ابن مريم البينات}أي: الحجج الواضحة {وأيدناه} أي: قويناه بروح القدس.
قال الضحاك: جبريل صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 1/256-258]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات}
فيه قولان:
أحدهما: أن المعنى لو شاء الله ما أمرنا بالقتال بعد وضوح الحجة وإظهار البراهين
2- وقيل لو شاء الله أن يضطرهم إلى الإيمان لفعل كما قال ولو شاء الله لجمعهم على الهدى). [معاني القرآن: 1/258-259]
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {خلّةٌ}: مصدر الخليل، وتقول: فلان خلّتى: أي خليلي، قال أوفى بن مطر المازنيّ:
ألا أبلغا خلني جابراً... بأن خليلك لم يقتل
يقال: فلان خلّتي: أي خليلي). [مجاز القرآن: 1/78]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة} والخلة: المودة والمحبة والخليل مشتق من ذلك). [غريب القرآن وتفسيره: 96]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا خلّةٌ} أي: ولا صداقة تنفع يومئذ. ومنه الخليل). [تفسير غريب القرآن: 93]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلّة ولا شفاعة والكافرون هم الظّالمون}
أي: أنفقوا في الجهاد وليعن بعضكم بعضا عليه.
وقوله عزّ وجلّ: {من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلّة} يعني: يوم القيامة " والخلّة " الصداقة،
ويجوز {لا بيع فيه ولا خلّة ولا شفاعة}، {لا بيع فيه ولا خلّة ولا شفاعة}، على الرفع بتنوين والنصب (بغير تنوين)،
ويجوز {لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة} بنصب الأول بغير تنوين وعطف الثاني على موضع الأول، لأن موضعه نصب، إلا أن التنوين حذف لعلة قد ذكرناها، ويكون دخول " لا " مع حروف العطف مؤكدا، لأنك إذا عطفت على موضع ما بعد " لا " عطفته بتنوين.
تقول: لا رجل وغلاما لك.
قال الشاعر:
فلا أب وابنا مثل مروان وابنه... إذا هو بالمجد ارتدى أو تأزّرا.
ومعنى {والكافرون هم الظّالمون} أي: هم الذين وضعوا الأمر غير موضعه وهذا أصل الظلم في اللغة). [معاني القرآن: 1/335-336]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة}
قوله: {أنفقوا} تصدقوا والخلة الصداقة). [معاني القرآن: 1/259]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ولا خلة} أي: لا صداقة تنفع يومئذ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 42]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الخُلَّـــةٌ}: المــــودة). [العمدة في غريب القرآن: 92]
تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {القيّوم}: القائم وهو الدائم الذي لا يزول، وهو فيعول.
{سنةٌ} السّنة: النّعاس، والوسنة: النّعاس أيضاً. قال عدي بن الرّقاع:
وسنان أقصده النّعاس فرنّقت... في عينه سنةٌ وليس بنائم
{ولا يئوده}: ولا يثقله، تقول: لقد آداني هذا الأمر، وما أداك فهو لي آئدٌ، قال الكميت:
علينا كالنّهاء مضاعفات... من الماذيّ لم تؤد المتونا
تقول: ما أثقلك فهو لي مثقل). [مجاز القرآن: 1/78-79]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({اللّه لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ لّه ما في السّماوات وما في الأرض من ذا الّذي يشفع عنده إلاّ بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيءٍ مّن علمه إلاّ بما شاء وسع كرسيّه السّماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العليّ العظيم}
قال: {لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ} تقول "وسن" يوسن" "سنّة" و"وسناً"
وقال: {ولا يؤوده حفظهما} لأنه من "آده" "يؤوده" "أوداً" وتفسيره: لا يثقله). [معاني القرآن: 1/148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({القيوم}: القائم وهو الدائم.
{سنة}:السنة النعاس والوسنان من ذلك.
{يؤده}: يثقله، أدني الشيء يؤودني أودا). [غريب القرآن وتفسيره: 96]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (و(السّنة): النّعاس من غير نوم.
قال ابن الرّقاع:
وسنان أقصده النّعاس فرنقت في عينه سنة وليس بنائم
فأعلمك أنه وسنان، أي: ناعس، وهو غير نائم. وفرق اللّه سبحانه بين السّنة والنوم، يدلّك على ذلك.
{ولا يؤده حفظهما} أي لا يثقله. يقال: آده الشيء يؤوده وآده يئيده، والوأد: الثّقل). [تفسير غريب القرآن: 93]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {اللّه لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السّماوات وما في الأرض من ذا الّذي يشفع عنده إلّا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلّا بما شاء وسع كرسيّه السّماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العليّ العظيم}
يروى عن ابن عباس رحمة الله عليه أنّه قال: أشرف آية في القرآن آية الكرسي.
وإعراب {لا إله إلا هو} النصب بغير تنوين في {إله} المعنى: لا إله لكل مخلوق إلا هو، وهو محمول على موضع الابتداء المعنى ما إله للخلق إلا هو، وإن قلت في الكلام لا إله إلا الله جاز،
أما القرآن فلا يقرأ فيه إلا بما قد قرأت القراء به، وثبتت به الرواية الصحيحة، ولو قيل في الكلام لا رجل عندك إلا زيدا جاز، ولا إله إلا اللّه جاز ولكن الأجود ما في القرآن، وهو أجود أيضا في الكلام.
قال اللّه عزّ وجلّ: {إنّهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلّا اللّه يستكبرون} فإذا نصبت بعد إلا فإنما نصبت على الاستثناء.
وقوله عزّ وجلّ: {الحيّ القيّوم}
معنى {الحيّ}: الدائم البقاء،
ومعنى {القيّوم}: القائم بتدبير سائر أمر خلقه ويجوز القائم، ومعناهما واحد.
فهو الله عزّ وجلّ قائم بتدبير أمر الخلق في إنشائهم ورزقهم وعلمه بأمكنتهم وهو قوله عزّ وجلّ: {وما من دابّة في الأرض إلّا على اللّه رزقها ويعلم مستقرّها ومستودعها}.
ومعنى: {لا تأخذه سنة} أي: لا يأخذه نعاس.
{ولا نوم} وتأويله أنه لا يغفل عن تدبير أمر الخلق.
ومعنى {من ذا الّذي يشفع عنده إلّا بإذنه} أي: لا يشفع عنده إلا بما أمر به من دعاء بعض المسلمين لبعض ومن تعظيم المسلمين أمر الأنبياء والدعاء لهم، وما علمنا من شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما كان المشركون يزعمون أنّ الأصنام تشفع لهم، والدليل على ذلك قولهم: {ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى} وذلك قولهم: {ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه}، فأنبأ اللّه عزّ وجلّ أن الشفاعة ليست إلا ما أعلم من شفاعة بعض المؤمنين لبعض في الدعاء وشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ومعنى {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}أي: يعلم الغيب الذي تقدمهم والغيب الذي يأتي من بعدهم.
ومعنى {ولا يحيطون بشيء من علمه إلّا بما شاء} أي: لا يعلمون الغيب لا مما تقدمهم ولا مما يكون من بعدهم.
ومعنى {إلّا بما شاء}: إلا بما أنبأ به ليكون دليلا على تثبيت نبوتهم.
وقوله عزّ وجلّ: {وسع كرسيّه السّماوات والأرض} قيل فيه غير قول:
1-قال ابن عباس: كرسيه علمه
ويروى عن عطاء أنه قال: ما السّماوات والأرض في الكرسي إلا حلقة في فلاة، وهذا القول بين لأن الذي نعرفه من الكرسي في اللغة: الشيء الذي يعتمد عليه ويجلس عليه.
فهذا يدل أن الكرسي عظيم، عليه السّماوات والأرضون، والكرسيّ في اللغة والكراسة إنما هو الشيء الذي ثبت ولزم بعضه بعضا، والكرسي ما تلبّد بعضه على بعض في آذان الغنم ومعاطن الإبل.
2- وقال قوم: {كرسيّه} قدرته التي بها يمسك السّماوات والأرض.
قالوا: وهذا قولك اجعل لهذا الحائط كرسيا، أي اجعل له ما يعمده ويمسكه، وهذا قريب من قول ابن عباس رحمه اللّه لأن علمه الذي وسع السموات والأرض لا يخرج من هذا.
واللّه أعلم بحقيقة الكرسي، إلا أن جملته أنه أمر عظيم من أمره - جلّ وعزّ.
ومعنى {ولا يئوده حفظهما}أي: لا يثقله، فجائز أن تكون الهاء للّه عزّ وجلّ، وجائز أن تكون للكرسي، وإذا كانت للكرسي فهو من أمر اللّه). [معاني القرآن: 1/336-338]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {الله لا إله إلا هو}أي: لا إله للخلق إلا هو.
{الحي القيوم} أي: القائم بخلقه المدبر لهم.
وروي عن ابن عباس القيوم الذي لا يزول.
وقرأ عمر بن الخطاب رحمة الله عليه (القيام).
وقرأ علقمة (الحي القيم).
قال ابن كيسان: القيوم فيعول من القيام وليس بفعول لأنه ليس في الكلام فعول من ذوات الواو ولو كان ذلك لقيل قووم، والقيام فيعال أصله القيوام، وأصل القيوم القيووم وأصل القيم في قول البصرين القيوم.
وقال الكوفيون الأصل القويم.
قال ابن كيسان: ولو كان كذا في الأصل لم يجز فيه التغير كما لا يجوز في طويل وسويق.
وقوله جل وعز: {لا تأخذه سنة ولا نوم}
قال الحسن وقتادة: نعسة.
وأنشد أهل اللغة:
وسنان اقصده النعاس فرنقت = في عينه سنة وليس بنائم
والمعنى: لا يفصل عن تدبير أمر الخلق.
قال تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} لما قالوا الأصنام شفعاؤنا عند الله فأعلم الله أن المؤمنين إنما يصلون على الأنبياء ويدعون للمؤمنين كما أمروا وأذن لهم
ثم قال تعالى: {يعلم ما بين أيديهم} أي: ما تقدمهم من الغيب {وما خلفهم} ما يكون بعدهم
{ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} لا يعلمون من ذلك شيئا إلا ما أراد أن يطلعهم عليه أو يبلغه أنبياؤه تثبيتا لنبوتهم
ثم قال تعالى: {وسع كرسيه السموات والأرض}
وحكى يعقوب الحضرمي وسع كرسيه السموات والأرض ابتداء وخبر
وروى سفيان وهشيم عن مطرف عن جعفر عن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {وسع كرسيه السموات والأرض} قال: علمه ألا ترى إلى قوله: {ولا يؤوده حفظهما}
وقد استشهد لهذا القول ببيت لا يعرف وهو ولا يكرسيء علم الله مخلوق
أي: لا يعلم علم الله مخلوق وهو أيضا لحن لأن الكرسي غير مهموز
وقيل كرسيه قدرته التي يمسك بها السموات والأرض كما تقول اجعل لهذا الحائط كرسيا أي ما يعمده وهذا قريب من قول ابن عباس.
وقال أبو هريرة: الكرسي بين يدي العرش.
وفي الحديث ((ما السموات والأرض في جوف الكرسي إلا كحلقة في أرض فلاة))
والله جل وعز أعلم بما أراد غير أن الكرسي في اللغة: الشيء الذي يعتمد عليه وقد ثبت ولزم بعضه بعضا ومنه الكراسة والكرسي ما تلبد بعضه على بعض
وقال الحسن: الكرسي هو العرش.
ومال محمد ابن جرير إلى قول ابن عباس وزعم أنه يدل على صحته ظاهر القرآن وذلك قوله عز وجل: {ولا يؤوده حفظهما}
وقال جل وعز إخبارا: {ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما} فأخبر أن علمه وسع كل شيء وكذا وسع كرسيه السموات والأرض والضمير الذي في حفظهما للسموات والأرض
ثم قال تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}
قال الحسن وقتادة: لا يثقل عليه.
قال أبو إسحاق:
فجائز أن تكون: الهاء لله عز وجل
وجائز أن تكون: للكرسي وإذا كانت للكرسي هو من أمر الله). [معاني القرآن: 1/259-266]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ((السنة) النعاس من غير نوم، (وسنة) أصله (وسنة)، والوسنة من الوسن، يريد الغفوة التي تلبس المرء قبل النوم، نقلت حركة الواو على السين، تقول، ضربني الوسن، تريد الغفوة.
{يؤوده} يثقله. والأود: الثقل). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 42]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْقَيُّومُ}: الدائم.
{سِنَةٌ}: نعاس.
{لاَ يَؤُودُهُ}: لا يثقله). [العمدة في غريب القرآن: 92]
تفسير قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا انفصام لها} أي: لا تكسر، وقال الكميت:
فهم الآخذون من ثقة الامر... بتقواهم وعرىً لا إنفصام لها)
{بالطّاغوت}: الطّاغوت: الأصنام، والطواغيت من الجن والإنس شياطينهم. {العروة الوثقى} شبّه بالعرى التي يتمسك بها). [مجاز القرآن: 1/79]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({لا إكراه في الدّين قد تّبيّن الرّشد من الغيّ فمن يكفر بالطّاغوت ويؤمن باللّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها واللّه سميعٌ عليمٌ}
قال: {قد تّبيّن الرّشد من الغيّ} وإن شئت {الرّشد من الغيّ} مضمومة ومفتوحة). [معاني القرآن: 1/149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({الطاغوت}: الأصنام والطواغيت من الجن والإنس شياطينهم
{العروة الوثقى}: شبهت بالعروة التي يتمسك بها). [غريب القرآن وتفسيره: 96-97]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): {لا انفصام لها} أي: لا انكسار. يقال: فصمت القدح، إذا كسرته وقصمته). [تفسير غريب القرآن: 93]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرّشد من الغيّ فمن يكفر بالطّاغوت ويؤمن باللّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها واللّه سميع عليم}
(إكراه) نصب بغير تنوين، ويجوز الرفع " لا إكراه " ولا يقرا به إلا أن تثبت رواية صحيحة وقالوا في (لا إكراه في الدّين) ثلاثة أقوال:
1- قال بعضهم إن هذه نسخها أمر الحرب في قوله جلّ وعزّ: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم}
2- وقيل إن هذه الآية نزلت بسبب أهل الكتاب في أنّ لا يكرهوا بعد أن يؤدوا الجزية، فأما مشركو العرب فلا يقبل منهم جزية وليس في أمرهم إلا القتل أو الإسلام.
3- وقيل معنى {لا إكراه في الدّين} أي: لا تقولوا فيه لمن دخل بعد حرب أنه دخل مكرها، لأنه إذا رضي بعد الحرب وصح إسلامه فليس بمكره.
ومعنى {فمن يكفر بالطّاغوت}: قيل الطاغوت مردة أهل الكتاب، وقيل إن الطاغوت الشيطان، وجملته أن من يكفر به، وصدق باللّه وما أمر به فقد استمسك بالعروة الوثقى، أي: فقد عقد لنفسه عقدا وثيقا لا تحله حجة.
وقوله عزّ وجلّ: {لا انفصام لها}: لا انقطاع لها.
يقال فصمت الشيء أفصمه فصما أي قطعته.
ومعنى {واللّه سميع عليم} أي: يسمع ما يعقد على نفسه الإنسان من أمر الإيمان، ويعلم نيته في ذلك). [معاني القرآن: 1/338-339]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {لا إكراه في الدين}
حدثنا أحمد بن محمد بن سلمة يعنى الطحاوي قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا وهب بن جرير عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {لا إكراه في الدين} قال: كانت المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد فتحلف لئن عاش ولد لتهودنه فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم ناس من أبناء الأنصا،ر فقالت: الأنصار يا رسول الله أبناؤنا، فأنزل الله: {لا إكراه في الدين}.
قال سعيد ابن جبير: فمن شاء لحق بهم ومن شاء دخل الإسلام.
قال أبو جعفر: أي وأقام.
وقال الشعبي: هي في أهل الكتاب خاصة لا يكرهون إذا أدوا الجزية.
وقال سليمان بن موسى: نسخها جاهد الكفار والمنافقين وتأولها عمر على أنه لا يكره المملوك على الإسلام.
وقيل لا يقال لمن أسلم من أهل الحرب أسلمت مكرها لأنه إذا ثبت على الإسلام فليس بمكره). [معاني القرآن: 1/266-268]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {فمن يكفر بالطاغوت}
روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: الطاغوت الشيطان والجبت السحر.
وقال الشعبي وعكرمة والضحاك: الطاغوت الشيطان.
وقال الحسن: الطاغوت الشياطين.
وحدثنا سعيد بن موسى بقرقيسيا قال حدثنا محمد بن مالك عن يزيد عن يزيد عن محمد بن سلمة عن خصيف قال: الجبت الكاهن والطاغوت الشيطان.
وقال الشعبي وعكرمة والضحاك: الطاغوت الشيطان.
وقال مجاهد في قوله تعالى: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت}هو كعب بن الأشرف.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال متقاربة وأصل الطاغوت في اللغة مأخوذ من الطغيان يؤدي عن معناه من غير اشتقاق كما قيل اللآل من اللؤلؤ.
قال سيبويه وأما الطاغوت فهو اسم واحد مؤنث يقع على الجمع
فعلى قول سيبويه: إذا جمع فعله ذهب به إلى الشياطين وإذا وحده ذهب به إلى الشيطان.
قال أبو جعفر: ومن حسن ما قيل في الطاغوت أنه من طغى على الله وأصله طغووت مثل جبروت من طغى إذا تجاوز حده ثم تقلب اللام فتجعل عينا وتقلب العين فتجعل لاما كجبذ وجذب ثم تقلب الواو ألفا لتحركها وتحرك ما قبلها فتقول طاغوت.
والمعنى: فمن يجد ربوبية كل معبود من دون الله ويصدق بالله.
وأصل الجبت في اللغة: الذي لا خير فيه.
وقال قطرب: أصله الجبس وهو الثقيل الذي لا خير فيه.
وقال أبو عبيدة: الجبت والطاغوت كل ما عبد من دون الله.
قال أبو جعفر: وهذا غير خارج مما قلنا وخالف محمد بن يزيد سيبويه في قوله هو اسم واحد فقال الصواب عندي أنه جماعة.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد {فقد استمسك بالعروة الوثقى} أي: الإيمان.
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس بالعروة الوثقى لا إله إلا الله.
ثم قال تعالى: {لا انفصام لها}
قال مجاهد: أي لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم أي لا يزيل عنهم اسم الإيمان حتى يكفروا
يقال فصمت الشيء أي قطعته). [معاني القرآن: 1/268-272]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لا انفصام لها} أي: لا انكسار لها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 43]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الطَّاغُـــوتِ}: الشيطـــان). [العمدة في غريب القرآن: 92]
تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أولياؤهم الطّاغوت} في موضع جميعٍ لقوله: {يخرجونهم}، والعرب تفعل هذا، قال:
في حلقكم عظمٌ وقد شجينا
وقال العباس بن مرداس:
فقلنا أسلموا إنا أخوكم... فقد برئت من الإحن الصّدور). [مجاز القرآن: 1/79]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم مّن الظّلمات إلى النّور والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يخرجونهم مّن النّور إلى الظّلمات أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}
[قال] {والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت} جماعة في المعنى وهو في اللفظ واحد وقد جمع فقالوا "الطواغيت". وأما قوله:
{يخرجهم مّن الظّلمات إلى النّور} فيقول: "يحكم بأنّهم كذاك" كما تقول: "قد أخرجك الله من ذا الأمر" ولم تكن فيه قط.
وتقول: "أخرجني فلان من الكتبة" ولم تكن فيها قط. أي: لم يجعلني من أهلها ولا فيها). [معاني القرآن: 1/149]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}
يقال قد توليت فلانا، ووليت فلانا ولاية، والولاية بالكسر اسم لكل ما يتولى، ومعنى ولى على ضروب، فاللّه - ولي المؤمنين في حجاجهم وهدايتهم، وإقامة البرهان لهم لأنه يزيدهم بإيمانهم هداية، كما قال عزّ وجلّ: {والّذين اهتدوا زادهم هدى}.
ووليهم أيضا في نصرهم وإظهار دينهم على دين مخالفيهم،
ووليهم أيضا بتولي قولهم ومجازاتهم بحسن أعمالهم.
وقوله عزّ وجلّ: {يخرجهم من الظّلمات إلى النّور} أي: يخرجهم من ظلمات الجهالة إلى نور الهدى لأن أمر الضلالة مظلم غير بين، وأمر الهدى واضح كبيان النور.
وقد قال قوم {يخرجهم من الظّلمات إلى النّور} يحكم لهم بأنهم خارجون من الظلمات إلى النور، وهذا ليس قول أهل التفسير، ولا قول أكثر أهل اللغة.
إنما قاله الأخفش وحده.
والدليل على أنه يزيدهم هدى ما ذكرناه من الآية.
وقوله عزّ وجلّ: {فأمّا الّذين آمنوا فزادتهم إيمانا}.
ومعنى {والّذين كفروا أولياؤهم الطاغوت}أي: الذين يتولون أمرهم هم الطاغوت.
وقد فسرنا الطاغوت.
و {الطاغوت} ههنا واحد في معنى جماعة، وهذا جائز في اللغة إذا كان في الكلام دليل على الجماعة.
قال الشاعر:
بها جيف الحسرى فأمّا عظامها... فبيض وأمّا جلدها فصليب
جلدها في معنى جلودها). [معاني القرآن: 1/339-340]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور}
قال الضحاك: الظلمات الكفر والنور الإيمان ومثل الكفر بالظلمات والإيمان بالنور.
قرئ على أحمد بن شعيب عن محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا المعتمر قال سمعت منصورا يحدث رجل عن عبدة بن أبي لبابة في هذه الآية {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} إلى قوله: {هم فيها خالدون} قال: هم أناس كانوا آمنوا بعيسى فلما جاء محمد كفروا به قال وكان ناس قد كفروا بعيسى فلما جاء محمد آمنوا به فنزلت هذه الآية فيهم.
قال أبو عبد الرحمن رواه جرير عن منصور عن مجاهد.
فإن قيل: ما معنى {يخرجونهم من النور إلى الظلمات} ولم يكونوا في نور قط؟
فالجواب: أنه يقال رأيت فلانا خارج الدار وإن لم يكن خرج منها وأخرجته من الدار جعلته في خارجها وكذا أخرجه من النور جعله خارجا منه وإن لم يكن كان فيه
وقيل هذا تمثيل لما صرفوا عنه كانوا بمنزلة من أخرج منه كما يقال لم أخرجتني من ملتك.
وقيل لما ولدوا على الفطرة وهي أخذ الميثاق وما فطروا عليه من معرفة الله جل وعز: {ثم كفروا} كانوا قد أخرجوا من النور.
قال الأخفش: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} يحكم بأنهم كذلك تقول قد أخرجكم الله من هذا الأمر ولم تكونوا فيه قط
قال أبو إسحاق: ليس هذا بشيء إنما هو يزيدهم بإيمانهم هدى وهو وليهم في حجاجهم وهدايتهم وفي نصرهم على عدوهم ويتولى ثوابهم). [معاني القرآن: 1/273-275]