العودة   جمهرة العلوم > المنتديات > منتدى جمهرة التفاسير

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 1 جمادى الأولى 1441هـ/27-12-2019م, 01:37 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي دلالة معنى الجمع في قول الله تعالى: {شاكراً لأنعمه} وقوله تعالى: {فكفرت بأنعم الله}

دلالة معنى الجمع في قول الله تعالى: {شاكراً لأنعمه} وقوله تعالى: {فكفرت بأنعم الله}


قال الله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121)}
وقال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)}


في مفرد (أنْعُم) ثلاثة أقوال لأهل العلم:
القول الأول: "نِعْمَة" وهو قول سيبويه وعدّه خلاف الأصل، وقال به الأخفش، وأبو إسحاق الزجاج، وابن خالويه، وابن عاشور.
- قال سيبويه: (وقد كُسّرت "فِعْلَةٌ" على "أفعُلٍ"، وذلك قليل عزيز، ليس بالأصل، قالوا: نِعْمَةٌ وأَنْعُمٌ، وشِدَّةٌ وأشُدُّ).
- قال أبو الفتح ابن جني: (جاء ذلك على حذف التاء كقولهم: ذئبٌ وأَذْؤب، وقِطْعٌ وأقْطُع، وضِرْس وأَضْرُس).
ولشيخه أبي علي الفارسي نحو هذا التوجيه، ونقل أبو منصور الأزهري في تهذيب اللغة عن أبي الفضل الرازي عن أبي الهيثم الرازي نحوه.
- وقال ابن عاشور: (والأنعم جمع نِعمة على غير قياس).
وهذا القول خطَّأه بعض أهل اللغة، حتى قال ابن قتيبة: (ليس قول من قال: هو جمع "نِعْمَة" بشيء؛ لأن "فِعْلَةَ" لا تُجْمَع على "أفْعُلٍ").

ومن المفسرين من ذهب لتوجيه هذا القول باعتبار معنى القلة في الجمع.
- فقال الرازي: (هاهنا سؤال: وهو أن الأنعم جمع قلة، فكان المعنى: أن أهل تلك القرية كفرت بأنواع قليلة من النعم فعذبها الله، وكان اللائق أن يقال: إنهم كفروا بنعم عظيمة لله فاستوجبوا العذاب، فما السبب في ذكر جمع القلة؟
والجواب: المقصود التنبيه بالأدنى على الأعلى يعني أن كفران النعم القليلة لما أوجب العذاب فكفران النعم الكثيرة أولى بإيجاب العذاب).

- وقال السمين الحلبي: ({بأنعم الله} أتى بجمع القلَّة، ولم يقل «بنعم الله» جمع كثرة تنبيهاً بالأدنى على الأعلى؛ لأن العذاب إذا كان على كفران الشيء القليل؛ فكونه على النعم الكثيرة أولى).

وهذا القول فيه نظر آخر، وهو أنّ جمع القلة المنكَّر إذا أضيف دلّ على العموم، وإذا حُلّي بأل دلّ على الاستغراق؛ فيخرج بالحالين عن وصف القلة.

القول الثاني: "أنعم" جمع "نِعَم"، ونِعَم جمع كثرة لنِعْمَة فعلى هذا يكون "أنعم" جمع الجمع، ولا يخفى ما يدل عليه جمع الجمع من معنى الكثرة الكثيرة.
وهذا قول الفراء، قال في تفسير سورة لقمان: ({شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ}؛ فهذا جَمع النِّعَم، وهو دليلٌ عَلَى أنّ (نِعَمَهُ) جَائِز).
وذلك لما حكى قراءتي الجمع والإفراد في قول الله تعالى: {وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة}

القول الثالث: أنه جمع (نُعْم) ، وهو اسم مصدر لوصف حال المتنعّم، وهو قول أبي عبيدة معمر بن المثنى، وقطرب، وابن قتيبة، والمبرّد.
- قال ابن قتيبة: ({شاكراً لأنعمه} جمع نُعْم، يقال: يوم نُعْم ويوم بُؤْس، ويجمع أنعم وأبؤس).
- وقال المبرّد فيما نقله أبو سعيد السيرافي: (أنعم عندنا جمع المصدر وهو "نُعْم" على القياس).
- وقال ابن يعيش: (والذي عليه المحقِّقون أنّ "أنْعُمًا" جمعُ "نُعْم" على القياس، و"النُّعْمُ" المصدرُ).
واستشهد له ابن جرير بقول أوس بن حجر:
وعندي قروض الخير والشر كله ... فبؤسى لذي بؤسَى ونُعْمَى بأَنْعُم

وشواهد هذا القول كثيرة منها:
- قول حسان بن ثابت من شعره في الجاهلية:
فكلُّ معدٍّ قد جزينا بصنعهِ ... فبؤسى ببؤساها وبالنُّعْمِ أنعما

- وقول حسين بن مطير الأسدي:
له يوم بؤس فيه للناس أبؤس ... ويوم نعيم فيه للناس أنْعُم

- وقول جرير بن عطية:
ألا ربّ يوم قد أثابت رماحنا ... ببؤسَى وقوم آخرين بأنْعُم

والمقابلة بين "بؤسى" و"أنعم" كثيرة في أشعار العرب، وفيها احتباك لطيف.

وقريب من القول الثالث ما حكاه ابن جرير عن بعض أهل الكوفة أنّ "أنعماً" جمعُ نَعَمَاء، مثل: بأساء وأبؤس، وضراء وأضرّ.
ولعله يريد الفراء، فقد نقله عنه ابن عقيل في شرح التسهيل.
وكذلك "نُعمَى" تُجمع على أَنْعُم، وهي في وصف الحال، كبؤسى تُجمع على أبؤس،
كما قال امرؤ القيس بعد أن عدد ما كان ينعم به ثم ما أصابه من تحول العافية وزوال النِّعَم وتوالي النقم:
وبُدِّلتُ قرحاً داميا بعد صحة ... فيا لك من نُعْمَى تحولن أبؤسا

فلو أنها نفس تموت جميعة ... ولكنها نفس تساقط أنفسا
وهذا يدلك على أن (نُعْمَى) فيها معنى الجمع، فلكثرة ما كان ينعم به كان في نُعْمَى، ولذلك قال: (تحولن) وكان يمكنه أن يقول: (تحولْتِ) فلا يحتاج إلى الالتفات؛ فعلمنا أنه عدل إلى الالتفات مبالغة في النص على الكثرة، وهذا يدل بالمقابلة على دلالة جمع (أبؤس) على الكثرة.
ولا يخفى ما يدل عليه سياق كلامه من إرادة الكثرة، فإن إرادة القلة منافية للبلاغة.

والخلاصة أنّ كلمة "أنعم" جمع الجمع أو جمع أسماء المصادر الدالة على التنعّم الكثير السابغ ، وكلاهما دالٌّ على الكثرة الكثيرة جداً.
وإضافة "أنعم" إلى الاسم الظاهر أو الضمير دالة على العموم؛ فتعمّ كلّ نعمة أنعم الله بها عليهم، ولا يخفى على متأمّل ما يدل عليه السياق في قوله تعالى: {شاكراً لأنعمه} وقوله: {فكفرت بأنعم الله} من إرادة الكثرة.


التوقيع :

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:32 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة