العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #26  
قديم 10 صفر 1440هـ/20-10-2018م, 02:28 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة هود
[ من الآية (109) إلى الآية (111) ]

{ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آَبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111) }

قوله تعالى: {فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آَبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110)}

قوله تعالى: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (16- وقوله تعالى: {وإن كلا لما ليوفينهم} [111]. قرأ أبو عمرو والكسائي {وإن} مشددًا {لما} خفيفًا.
وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم {وإن كلا لما} شددوا {إن} و{لما} كليهما.
وقرا ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر {وإن} خفيفًا و{لما} خفيفًا إلا عاصمًا فإنه شدد {لما}. فمن خفف {إن} جعله مخففًا من مشدد فلذلك نصب {كلا} به. كما تقول العرب: إن زيدًا قائم، يريدون: إن زيدًا، قال الشاعر:
وصدر مشرق اللون = كأن ثدييه حقان
أراد: «كأن» فخفف، هذا مذهب البصريين، والكوفيون إذا خففوا «إن» لم يعملوا، فعلى هذا نصب {كلا} بــ {ليوفينهم}.
وقال آخر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/294]
فلو أنك في يوم الرخاء سألتني = فراقك لم أبخل وأنت صديق
أراد: أنك فخفف.
فإن قال قائل: إنما نصبته بـ «أن» تشبيهًا بالفعل فإذا خففت زال شبه الفعل فلم نصبت بها؟
فالجواب: أن من الأفعال ما يحذف منه فيعمل عمل التام كقولك: خذ المال، وقل الحق، ومر زيدًا، وسل عمرًا وع كلامي، وش ثوبك، وق زيدًا فكذلك «إن» جاز حذفها وإعمالها.
وأما من شدد «لما» ففيه وجهان:
قال البصريون: «لما» بمعنى «إلا»، ومثله: {إن كل نفس لما عليها حافظ} أي جمالاً عليها حافظ.
وحدثني ابن مجاهد قال: حدثنا الصغاني عن عبد الوهاب عن هارون قال في حرف عبد الله {وإن كل} بالرفع {إلا ليوفينهم}، وقال الفراء: الأصل: وإن كلا لمن ما، فقلبوا من النون ميمًا فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفوا إحداهن اختصارًا.
ومن خفف فيه وجهان أيضًا:
قال البصريون: «ما» صلة و[التقدير]: وإن كلاً ليوفينهم، وإن كل
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/295]
نفس لعليها حافظ. وقال الفراء: «ما» صفة عن ذات الآدميين كما تقول: عندي لما غيره خير منه.
وقرأ الزهري: {وإن كلا لما ليوفينهم} [«لما»] منونًا بمعنى جميعًا وكله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/296]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد الميم والنون من قوله: وإن كلا لما [هود/ 111].
فقرأ ابن كثير ونافع: وإن* خفيفة، كلا لما* مخفّفتان.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ونافع: وإن كلا خفيفة، لما مشدّدة.
[الحجة للقراء السبعة: 4/380]
وقرأ حمزة والكسائيّ: وإن مشدّدة النون، واختلفا في الميم من لما، فشدّدها حمزة، وخفّفها الكسائيّ.
وقرأ أبو عمرو مثل قراءة الكسائيّ، حفص عن عاصم وإن مشدّدة النون. لما مشدّدة أيضا.
وقرأ ابن عامر مثل قراءة حمزة.
قال أبو علي: قال سيبويه: هذه كلمة تكلّم بها العرب في حال اليمين، وليس كلّ العرب يتكلّم بها، تقول: لهنّك لرجل صدق، يريدون: إنّ، ولكنّهم أبدلوا الهاء مكان الألف لقولهم: هرقت، ولحقت هذه اللام إنّ كما لحقت ما حين قلت: إن زيدا لما لينطلقنّ.
قال أبو علي: اعلم أن أبا زيد قوله في ذلك خلاف ما ذهب إليه سيبويه، وذلك أنه قال: قال أبو أدهم الكلابي: «له ربّي لا أقول» فتح اللام وكسر الهاء في الإدراج، قال أبو زيد:
ومعناه: والله ربي لا أقول. وأنشد أبو زيد:
لهنّي لأشقى الناس إن كنت غارما... لدومة بكرا ضيّعته الأراقم
[الحجة للقراء السبعة: 4/381]
وأنشد أبو زيد أيضا:
أبائنة حبّي نعم وتماضر... لهنّا لمقضيّ علينا التهاجر
قال: يقول لله أنا، وأنشد:
وأمّا لهنّك من تذكّر عهدها* لعلى شفا يأس وإن لم تيأس انتهى كلام أبي زيد. فاللام في له على قول أبي زيد، هي اللام التي هي عين الفعل، من إله. وكان الأصل لله فحذفت الجارة التي للتعريف فبقيت: له يا هذا.
فأما ألف فعال، فحذفت كما حذفت في الممدود إذا قصر، وقد قالوا: الحصد والحصاد وقد حذفت من هذا الاسم في غير هذا الموضع، قال:
ألا لا بارك الله في سهيل* إذا ما الله بارك في الرجال
[الحجة للقراء السبعة: 4/382]
وقد وافق سيبويه أبا زيد في حذف هاتين اللامين، فذهب في قولهم: «لاه أبوك» إلى أن الألف واللام التي للتعريف حذفتا، وممّا يرجّح قول أبي زيد في المسألة أنه لو كانت الهاء في لهنّك بدلا من همزة إنّ لكان اللفظ: لإنك، فجمع بين إنّ واللام، ولم يجمع بينهما، ألا ترى أنهما إذا اجتمعتا فصل بينهما بأن تؤخر اللام في الخبر في نحو: إن الإنسان ليطغى [العلق/ 6]، أو إلى الاسم في نحو: إن في ذلك لآية [الحجر/ 77 والنحل/ 11 - 13 - 65 - 67 - 69] فإن قلت: يكون قلبها هاء بمنزلة الفصل بينهما فيما ذكرت، فإذا قلبت لم يمتنع الجمع بينهما، كما أنه إذا فصل لم يمتنع؛ قيل:
هذا لا يسوغ تقديره، ألا ترى أن سيبويه جعل الهاء إذا كانت بدلا من الهمزة في حكم الهمزة، فذهب إلى أنك لو سمّيت رجلا بهرق، كان بمنزلة أن تسمّيه: بأرق، فجعل الهاء إذا أبدلت من الهمزة في حكم الهمزة، فكذلك يكون في لهنّك لو كانت بدلا من الهمزة، لم يجز دخول اللام عليها، كما لم يجز دخول اللام قبل أن تبدل، وكذلك فعلت العرب في هذا النحو فلم يصرفوا صحراء وطرفاء لما أبدلوا الهمزة من ألف التأنيث، كما لم يصرفوا نحو: رضوى وتترى، وكذلك قال أبو الحسن: لو أبدلت اللام من النون في أصيلان، فقلت: أصيلال ثم سمّيت به لم تصرف كما لم تصرف أصيلان في التسمية، فكذلك
[الحجة للقراء السبعة: 4/383]
تمتنع اللام من أن تدخل على الراء إذا أبدلت همزتها هاء، كما تمتنع من الدخول قبل أن تبدل، وشيء آخر يرجح له قول أبي زيد: وهو أن اللام في لهنك إذا حمل على أنه لإنك، كما قال سيبويه، لم يخل من أن تكون متلقّية قسما أو غير متلقّية له، فلا يجوز أن تكون متلقّية لقسم، وإنّ تغني عنها، كما تغني هي عن إنّ فلا يجوز إذا أن تكون لتلقّي قسم، ولا يجوز أن تكون غير متلقّية له لأنها حينئذ تكون زائدة ولم تجىء اللام زائدة في هذا الموضع، وإنما جاءت زائدة في غير هذا، وهو فيما أنشده أحمد بن يحيى:
مرّوا سراعا فقالوا كيف صاحبكم* قال الذي سألوا أمسى لمجهودا وهي قليلة وليس يدخل هذا على قول أبي زيد، فأما قول سيبويه: ولحقت هذه اللام إنّ كما لحقت ما حين قلت: إنّ زيدا لما لينطلقنّ؛ فالقول فيه أن اللام التي في: لما لينطلقن، ليست كاللام في: لهنّك، على قول سيبويه، ألا ترى أن اللام التي في: لما لينطلقنّ، هي اللام التي تقتضيه إنّ، واللام الأخرى هي التي لتلقي القسم، ودخلت ما لتفصل بين
[الحجة للقراء السبعة: 4/384]
اللامين، لأنه إذا كره أن تجتمع اللام وإنّ، مع اختلاف لفظيهما لاتفاقهما في بعض المعنى، ففصل بينهما، فأن يفصل بين اللامين مع اتفاق اللفظين وبعض المعنيين أجدر، فليس اللام في لما لينطلقنّ وفق اللام في لهنّك، لأنها في: لما لينطلقنّ لام إنّ والثانية لام القسم، ولا تكون في قوله: لهنّك، لام يمين لأن إنّ يستغنى بها عن اللام، كما يستغنى باللام عن إنّ فتحصل اللام زائدة، والحكم بزيادتها ليس بالمتّجه، وليست كذلك التي في: لما لينطلقنّ، والتي في قوله: وإن كلا لما ليوفينهم.
ومن قرأ: وإن كلا لما بتشديد إن، وتخفيف لما*، وهي قراءة أبي عمرو والكسائي، فوجهه بيّن، وهو أنّه نصب كلّا بإنّ، وإنّ تقتضي أن يدخل على خبرها أو اسمها لام كما مثلتها قبلها في ذلك هذه اللام وهي لام الابتداء على الخبر في قوله: وإن كلا لما وقد دخلت في الخبر لام أخرى وهي التي يتلقّى بها القسم، وتختصّ بالدخول على الفعل، ويلزمها في أكثر الأمر إحدى النونين، فلما اجتمعت اللامان، واتفقا في تلقّي القسم، واتفقا في اللفظ، فصل بينهما بما، كما فصل بين إنّ واللام، فدخلت ما لهذا المعنى، وإن كانت زائدة لتفصل، وكما جلبت النون، وإن كانت زائدة في نحو: فإما ترين من البشر [مريم/ 26]، وكما صارت عوضا من الفعل في قولهم: إمّا لي، وفي قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 4/385]
أبا خراشة إمّا أنت ذا نفر فهذا بيّن. ويلي هذا الوجه في البيان قول من خفف إن ونصب كلا وخفّف لما*، وهي قراءة ابن كثير ونافع، قال سيبويه: حدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول:
إن عمرا لمنطلق، قال: وأهل المدينة يقرءون: وإن كلا لما ليوفينهم ربك يخففون وينصبون، كما قالوا:
كأن ثدييه حقان ووجه النصب بها مع التخفيف من القياس أنّ إنّ مشبهة في نصبها بالفعل، والفعل يعمل محذوفا، كما يعمل غير محذوف، وذلك في نحو: لم يك زيد منطلقا و: فلا تك في مرية [هود/ 109] وكذلك: لا أدر.
فأما من خفف إن* ونصب كلا* وثقّل لما* فقراءته
[الحجة للقراء السبعة: 4/386]
مشكلة، وذلك أنّ إن* إذا نصب بها وإن كانت مخفّفة، كانت بمنزلتها مثقّلة، ولما* إذا شدّدت كانت بمنزلة إلّا.
وكذلك قراءة من شدّد لما وثقّل إن مشكلة، وهي قراءة حمزة وابن عامر وحفص عن عاصم، وذلك أنّ إن إذا ثقّلت وإذا خففت ونصبت، فهي في معنى الثقيلة، فكما لا يحسن: إنّ زيدا إلا منطلق، فكذلك لا يحسن تثقيل إن وتثقيل لما، فأمّا مجيء لما في قولهم: نشدتك الله لما فعلت، وإلّا فعلت، فقال الخليل: الوجه: لتفعلنّ، كما تقول:
أقسمت عليك، لتفعلنّ، وأما دخول إلا، ولما، فلأن المعنى الطلب، فكأنه أراد: ما أسألك إلا فعل كذا، فلم يذكر حرف النفي في اللفظ، وإن كان مرادا، كما كان مرادا في:
قولهم: «أهرّ ذا ناب » أي ما أهرّه إلا شرّ، وليس في الآية معنى نفي ولا طلب.
فإن قال قائل: يكون المعنى: لمن ما، فأدغم النون في الميم بعد ما قلبها ميما؛ فإن ذلك لا يسوغ، ألا ترى أن الحرف المدغم إذا كان قبله ساكن نحو: قرم مالك، لم يقو الإدغام فيه على أن يحرّك الساكن الذي قبل الحرف المدغم، فإذا لم يجز ذلك فيه، وكان تغييرا أسهل الحذف؛ فأن لا يجوز الحذف الذي هو أذهب في باب التغيير من تحريك الساكن أجدر. على أنّ في هذه السورة ميمات اجتمعت في الإدغام،
[الحجة للقراء السبعة: 4/387]
أكثر ممّا كان يجتمع في: لمن ما، ولم يحذف منها شيء، وذلك قوله: على أمم ممن معك [هود/ 48]، فإذا لم يحذف شيء من هذا، فأن لا يحذف ثمّ أجدر.
وقد روي أنّه قد قرئ: وإن كلا لما منوّنا، كما قال:
وتأكلون التراث أكلا لما [الفجر/ 19]، فوصف بالمصدر، فإن قال: إنّ لما فيمن ثقّل إنّما هي لمّا هذه وقف عليها بالألف ثم أجرى الوصل مجرى الوقف، فذلك ممّا يجوز في الشعر، ووجه الإشكال فيه أبين من هذا الوجه.
وحكي عن الكسائيّ. أنه قال: لا أعرف وجه التثقيل في لمّا. ولم يبعد في ما قال، ولو خفّف مخفّف إن* ورفع كلّا بعدها، لجاز تثقيل لما* مع ذلك، على أن يكون المعنى: ما كلّ: إلّا ليوفّينّهم، فيكون ذلك كقوله: وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا [الزخرف/ 35]، لكان ذلك أبين من النصب في كلّ والتثقيل للمّا، وينبغي أن يقدّر المضاف إليه كلّ نكرة، ليحسن وصفه بالنكرة، ولا يقدّر إضافته إلى معرفة فيمتنع أن يكون لمّا وصفا له، ولا يجوز أن يكون حالا لأنه لا شيء في الكلام عاملا في الحال). [الحجة للقراء السبعة: 4/388]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الزهري وسليمان بين أرقم: [لَمًّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ] بالتنوين. ابن مسعود والأعمش: [إِنْ كُلٌّ إِلَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ].
قال أبو الفتح: أما [لَمًّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ] بالتنوين، فإنه مصدر كالذي في قوله سبحانه: {وَيأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا} أي: أكلًا جامعًا لأجزاء المأكول، فكذلك تقدير هذا: وإنَّ كلا ليوفينهم ربك أعمالهم لَمًّا؛ أي: توفية جامعة لأعمالهم جميعًا، ومحصلة لأعمالهم تحصيلًا، فهو كقولك: قيامًا لأقومن، وقعودًا لأقعدن.
وأما [إِنْ كُلٌّ إِلَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ] فمعناه: ما كُلٌّ إلا والله ليوفينهم، كقولك: ما زيد إلا لأضربنه؛ أي: ما زيد إلا مستحق لأن يقال فيه هذا، ويجوز فيه وجه ثانٍ؛ وهو أن تكون "إن" مخففة من الثقيلة، وتجعل "إلا" زائدة، وقد جاء عنهم ذلك، قال:
أرى الدهر إلا منجنونا بأهله ... وما طلب الحاجات إلا مُعَلَّلا
[المحتسب: 1/328]
أي: أرى الدهر منجنونًا بأهله يتقلب بهم، فتارة يرفعهم، وتارة يخفضهم. وعلى ذلك أيضًا تأولوا قول ذي الرمة:
حَراجيجُ ما تنفك إلا مُنَاخَةً ... على الْخَسف أو تَرْمي بها بلدًا فقرا
أي: ما تنفك مناخة، وإلا زائدة). [المحتسب: 1/329]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم}
وقرأ أبو عمرو والكسائيّ {وإن كلا لما} بتشديد {إن} وتخفيف {لما} وجهه بين وهو أنه نصب {كلا} ب {إن} و{إن} تقتضي أن تدخل على خبرها اللّام أو على اسمه إذا حل محل الخبر فدخلت هذه اللّام وهي لام الابتداء على الخبر في قوله {وإن كلا لما} وقد دخلت في الخبر لام أخرى وهي لام القسم وتختص بالدّخول على الفعل ويلزمها في أكثر الأمر إحدى النونين فلمّا اجتمعت اللامان فصل بينهما ب ما فلام لما لام إن وما دخلت للتوكيد ولم تغير المعنى ولا العمل واللّام الّتي في {ليوفينهم} لام القسم
وقال أهل الكوفة في ما الّتي في {لما} وجهان أحدهما أن يكون بمعنى من أي {وإن كلا لما ليوفينهم ربك} كما قال سبحانه {فانكحوا ما طاب لكم من النّساء} وإن أكثر استعمال العرب لها في غير بني آدم والوجه الآخر أن يجعل ما الّتي في لما بمعنى ما الّتي تدخل صلة في الكلام ويلي هذا الوجه في البيان قراءة نافع وابن كثير
فأما تخفيف {إن} وترك النصب على حاله فلأن إن مشبهة بالفعل فإذا حذف التّشديد بقي العمل على حاله وهي مخفّفة من
[حجة القراءات: 350]
إن قال سيبويهٍ حدثني من أثق به أنه سمع من العرب من يقول إن عمرا لمنطلق
فإن سأل سائل فقال إنّما نصبت ب إن تشبيها بالفعل فإذا خففت زال شبه الفعل فلم نصبت بها
فالجواب أن من الأفعال ما يحذف منه فيعمل عمل التّام كقولك لم يك زيد منطلقًا فكذلك إن جاز حذفها وإعمالها
وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص {كلا لما} بالتّشديد فيها قال الكسائي من شدد {إن} و{لما} فالله أعلم بذلك وليس لي به علم وقال الفراء أما الّذين شدّدوا فإنّه والله أعلم لمما ثعلب يروي بكسر الميم لمن أراد لمن ما ليوفينهم فلمّا اجتمعت الميمات حذفت واحدة فبقيت ثنتان أدغمت واحدة في الأخرى كما قال الشّاعر:
وإنّي لمما أصدر الأمر وجهه ... إذا هو أعيا بالسبيل مصادره
وقال آخرون معنى ذلك وإن كلا لما بالتّشديد أراد لما بالتّنوين ولكن حذف منه التّنوين كما حذف من قوله {أرسلنا رسلنا تترا}
قال الفراء وحدثت أن الزّهريّ قرأ {وإن كلا لما} بالتّنوين يجعل اللم شديدا كقوله {أكلا لما} أي شديدا فيكون
[حجة القراءات: 351]
المعنى وإن كلا شديدا وحقا ليوفينهم أعمالهم بمنزلة قولك في الكلام وإن كلا حقًا ليوفينهم
وقال آخرون منهم المازني إن أصلها لمما ثمّ شددت الميمين زيادة للتوكيد وكيلا يحذفها الإنسان ويشبهها بقوله {فبما رحمة من الله} فيقول وإن كلا ليوفينهم فيجتمع لامان فلهذا شددت
قال الفراء وأما من جعل لما بمنزلة إلّا فإنّه وجه لا نعرفه كما لا يحسن إن زيدا إلّا منطلق فكذلك لا يحسن وإن كلا إلّا ليوفينهم شرح هذا أن إن إثبات للشّيء وتحقيق له وإلّا تحقيق أيضا وإيجاب وإنّما تدخل نقضا لجحد قد تقدمها كقولك ما زيد إلّا منطلق وكقوله {إن كل نفس لما عليها حافظ} أي ما كل نفس إلّا عليها حافظ وفي قوله تعالى {وإن كلا لما} لم يتقدمه حرف جحد فيقول إن لما بمعنى إلّا كما ذكرنا وإنّما تقدم ها هنا إن الّتي للتحقيق فقد بطل قول من قال إن لما بمعنى إلّا ووجهها ما قد ذكرنا عن أهل النّحو
وقرأ أبو بكر {وإن كلا} خفيفة {لما} مشدّدة و{إن} مخفّفة من إن وقد ذكرنا أن العرب تقول إن عمرا لمنطلق ولا يجوز أن يجعل إن بمعنى الّتي تكون بمعنى الجحد لأنّها قد نصبت وإن إذا كانت بمعنى الجحد لا تنصب
قال الكسائي من خفف إن وشدد لما لست أدري
[حجة القراءات: 352]
والله أعلم بوجهه إنّما نقرأ كما أقرئنا قال وذلك أن إن إذا نصبت بها وإن كانت مخفّفة كانت بمنزلتها مثقلة ولما إذا شددت كانت بمنزلة إلّا قلت وجه هذه القراءة ما قد ذكرنا في قراءة حمزة وابن عامر والله أعلم). [حجة القراءات: 353]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (27- قوله: {وإن كلاً} قرأه الحرميان وأبو بكر: وإن كلا بتخفيف {إن} وشدد الباقون، وقرأ عاصم وحمزة وابن عامر {لما} بالتشديد،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/536]
وخفف الباقون.
وحجة من شدد {إن} أنه أتى بها على أصلها، وأعملها في «كل ولما» وما بعد الخبر.
28- وحجة من خفف أنه استثقل التضعيف، فخفف وحذف النون الثانية وأعمل {إن} مخففة عملها مثقلة كما أعمل «يك» محذوفًا عمله غير محذوف.
29- وحجة من خفف {لما} أنه جعل اللام لام توكيد، دخلت على «ما» التي هي خبر «إن» ولام {ليوفينهم} جواب القسم، والتقدير: وإن كلا لخلق أو لبشر ليوفينهم ربك أعمالهم والمضاف إليه كل محذوف، والتقدير: وإن كل مخلوق، ولا يحسن أن تكون «ما» زائدة، كما يحسن ذلك في قوله: {إن كل نفسٍ لما عليها} «الطارق 4» لأنك إذا قدّرت حذف «ما» في سورة الطارق صارت اللام داخلة على «كل» وذلك حسن، ولو قدّرت زيادة «ما» في هذه السورة صارت اللام داخلة على اللام في {ليوفينهم} وذلك لا يحسن، وقد قيل: إن «ما» زائدة، دخلت لتفصل بين اللامين الداخلتين على الخبر، وهو «يوفينهم» فكلا اللامين تكون جوابًا للقسم، فلما اتفقا في اللفظ فصل بينهما بـ «ما» والقول الأول أحسن.
30- وحجة من شدد {لما} أنه على تقدير حذف ميم، والأصل «لمن ما» فلما أدغمت النون في الميم اجتمع ثلاث ميمات فحذفت إحداهن، وهي الأولى المكسورة، لاجتماع الأمثال، والتقدير: وإن كلا لمن خلق ليوفينهم ربك، ويجوز أن يكون الأصل «لمن ما» بفتح الميم، على أن «ما» زائدة، ثم يقع الإدغام والحذف على ما ذكرنا، والتقدير: وإن كلا لخلق ليوفينهم ربك فيرجع إلى معنى القراءة الأولى التي بالتخفيف، وقد قيل: إن «لما» بالتشديد مصدر «لم» أجري في الوصل مجرى الوقف، وهو قول ضعيف في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/537]
الإعراب، لا يجوز إلا في الشعر، وضعيف في المعنى، وحكي عن الكسائي أنه قال: لا أعرف وجه التثقيل في {لما}، ولو خففت {إن} ورفعت {كلا} لحسن معنى {لما} بالتشديد على معنى {إلا} كالذي في سورة الطارق وسورة يس). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/538]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (18- {وَإِنْ كُلًّا لَمَا} [آية/ 111] مخففة في الحرفين {إنْ} و{لَمَا}:
قرأها ابن كثير ونافع.
والوجه أن {أنْ} مخففة من الثقيلة، وأصله: إنَّ، أُعملت مخففة كعملها مشددة؛ لأنها تعمل لشبهها بالفعل، والفعل يعمل وإن حُذف منه للجزم وغيره.
واللام في {لَمَا} هي لام التأكيد التي تدخل على خبر إنّ، واللام التي في {لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} لام القسم، والقسم مضمر، والتقدير: والله ليوفينهم، و{ما} زائدة، زيدت بين اللامين ليُفصل بينهما كراهة اجتماعهما.
[الموضح: 658]
وقرأ أبو عمر والكسائي ويعقوب {وَإِنَّ} مشددة {لَمَا} مخففة.
والوجه أنها كالقراءة الأولى، وتشديد {إنَّ} أصل للتخفيف، والمشددة أولى بأن تعمل؛ لأنها إذا خُفّفت ضعف عملها؛ لأن الفتحة التي بها أشبهت الفعل قد زالت، فالقياس أن لا تعمل، إلا أنها قد أُعملت مخففة في مواضع كثيرة، والحجة فيها ما تقدم، فمن تلك المواضع قول الشاعر:
56- ووجهٌ زانه النحر = كأن ثدييه حقّان
وقول الآخر:
57- فيومًا توافينا بوجهٍ مقسمٍ = كأن ظبيةٌ تعطو إلى وراق السلم
[الموضح: 659]
وإعمالها مخففة في الظاهر والمضمر جائز عند سيبويه.
وقال الفراء: هي لا تعمل مخففة إلا في المضمر؛ لأنه لا يتبين فيه الإعراب، كما قال:
58- فلو أنك في يوم اللقاء سألتني = فراقك لم أبخل وأنت صديق
وقرأ ابن عامر وحمزة و-ص- عن عاصم {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا} مشددةً في الحرفين.
والوجه أن الأصل فيه: وإن كلّا لمن ما ليوفينهم، فوصل من الجارة بما، فانقلبت النون أيضًا ميمًا للإدغام، فاجتمعت ثلاث ميماتٍ، فحُذفت إحداهن فبقي لما بالتشديد، وما ههنا بمعنى مَنْ، وهو اسم لجماعة الناس، كما قال تعالى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} أي من طاب.
والمعنى: وإن كلّا من الذين يوفيهم ربك أعمالهم، وأو من جماعةٍ ليوفينهم ربك أعمالهم.
وروى ياش- عن عاصم {وَإِنْ} بالتخفيف و{لَمَّا} بالتشديد.
[الموضح: 660]
والوجه أن {إِنْ} بالتخفيف على ما سبق من أنها مخففة من الشديدة، و{لما} على ما ذكرنا من أن أصله مِنْ ما، واللام هي التي تدخل في خبر إن، واللام في {ليوفينهم} هي لام القسم على ما سبق في الجميع، والتقدير: وإن كلّا لمن ما والله ليوفينهم ربك أعمالهم). [الموضح: 661]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:46 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة