قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقول جلّ وعزّ: (لقد تقطّع بينكم... (94).
قرأ نافع وحفص والكسائي (بينكم) نصبًا، وقرأ الباقون (بينكم) رفعًا.
قال أبو منصور: وروى أبو حاتم لأبي عمرو بن العلاء قال: من قرأ (بينكم) لم يجز إلا بموصول كقولك: لقد تقطع ما بينكم.
ولا يجوز حذف الموصول وبقاء الصلة، لا تجيز العرب (إن قام زيد) بمعنى: أن الذي قام زيد.
وروى أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي أنه قال: من قرأ (بينكم) فمعناه: لقد تقطع الذي كان بينكم.
قال أبو إسحاق: المعنى لقد تقطع ما كنتم فيه من الشركة بينكم.
[معاني القراءات وعللها: 1/371]
ومن قرأ (لقد تقطّع بينكم) بالرفع فمعناه: لقد تقطع وصلكم، والبين في كلام العرب يكون وصلاً، ويكون فراقًا.
وأجود القراءتين الرفع.
وقال الفراء: في قراءة عبد الله (لقد تقطّع ما بينكم) قال: وهو وجه الكلام إذا جعل الفعل لـ (بين) ترك نصبا، كما قالوا: أتاني دونك من الرجال. فترك نصبًا، وهو في موضع رفع؛ لأنه صفة، فإذا قالوا: هذا دونٌ من الرجال، رفعوه، وهو في موضع الرفع، وكذلك يقول: بين الرجلين بين بعيد، وبون بعيد، إذا أفردته أجريته بالعربية). [معاني القراءات وعللها: 1/372]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (30- وقوله تعالى: {لقد تقطع بينكم} [94].
قرأ نافع والكسائي وحفص عن عاصم {بينكم} بالنصب جعلوه ظرفًا. وفي حرف عبد الله تصديقه {لقد تقطع ما بينكم} وقرأ الباقون: {بينكم}
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/164]
بالضم أي: وصلكم، جعلوه اسمًا كما يقال: جاءني رجل دونك، وهذا رجل دون أي: خسيس.
قال الشاعر:
كأن رماحهم أشطان بئر = بعيد بين جاليها جرور
يقال: بينهما بون بعيد، وبين بعيد، والبين: مصدر بان يبين بينًا، والبين – بالكسر – قدر مد البصر من الأرض وأنشد:
بسرو حمير أبوال البغال به = أني تسديت وهنًا ذلك البينا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/165]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في رفع النّون ونصبها من قوله: عزّ وجل:
[الحجة للقراء السبعة: 3/356]
لقد تقطع بينكم [الأنعام/ 94].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم. في رواية أبي بكر، وابن عامر وحمزة: لقد تقطع بينكم رفعا.
وقرأ نافع والكسائيّ بينكم نصبا. وكذلك روى حفص عن عاصم بالنّصب أيضا.
[قال أبو علي]: البين مصدر بان يبين إذا فارق، قال:
بان الخليط برامتين فودّعوا... أو كلّما ظعنوا لبين تجزع
وقال أبو زيد: بان الحيّ بينونة وبينا: إذا ظعنوا، وتباينوا تباينا: إذا كانوا جمعا، فتفرقوا. قال: والبين: ما ينتهي إليه بصرك من حائط وغيره.
واستعمل هذا الاسم على ضربين: أحدهما أن يكون اسما متصرفا كالافتراق. والآخر: أن يكون ظرفا. فالمرفوع في
[الحجة للقراء السبعة: 3/357]
قراءة من قرأ لقد تقطع بينكم هو الذي كان ظرفا ثم استعمل اسما.
والدليل على جواز كونه اسما قوله: ومن بيننا وبينك حجاب [فصلت/ 5]، و: هذا فراق بيني وبينك [الكهف/ 78]، فلما استعمل اسما في هذه المواضع. جاز أن يسند إليه الفعل الذي هو تقطع* في قول من رفع. ويدلّ على أن هذا المرفوع هو الذي استعمل ظرفا أنّه لا يخلو من أن يكون الذي هو ظرف اتسع فيه، أو يكون الذي هو مصدر، فلا يجوز أن يكون هذا القسم، لأن التقدير يصير: لقد تقطّع افتراقكم. وهذا، مع بعده عن القصد، خلاف المعنى المراد، ألا ترى أنّ المراد: لقد تقطّع وصلكم وما كنتم تتألفون عليه.
فإن قلت: كيف جاز أن يكون بمعنى الوصل، وأصله الافتراق والتباين، وعلى هذا قالوا:
بان الخليط....
إذا فارق،
وفي الحديث «ما بان من الحيّ فهو ميتة».
قيل: إنه لما استعمل مع الشيئين المتلابسين في نحو:
[الحجة للقراء السبعة: 3/358]
بيني وبينه شركة، وبيني وبينه رحم وصداقة، صارت لاستعمالها في هذه المواضع بمنزلة الوصلة على خلاف الفرقة، فلهذا جاء: لقد تقطع بينكم بمعنى: لقد تقطّع وصلكم.
ومثل بين في أنه يجري في الكلام ظرفا، ثم يستعمل اسما: «وسط» الساكن العين، ألا ترى أنّك تقول: جلست وسط القوم، فتجعله ظرفا، لا يكون إلّا كذلك، ثم استعملوه اسما في نحو قول القتّال:
من وسط جمع بني قريط بعد ما... هتفت ربيعة يا بني جوّاب
وقال آخر:
أتته بمجلوم كأنّ جبينه... صلاءة ورس وسطها قد تفلّقا
فجعله مبتدأ وأخبر عنه، كما جرّه الآخر بالحرف الجارّ.
وحكى سيبويه: هو أحمر بين العينين.
فأمّا من قال: لقد تقطع بينكم بالنصب ففيه مذهبان:
[الحجة للقراء السبعة: 3/359]
أحدهما: أنه أضمر الفاعل في الفعل ودلّ عليه مما تقدّم في قوله: وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء [الأنعام/ 94]، ألا ترى أن هذا الكلام فيه دلالة على التقاطع والتهاجر؟ وذلك أن المضمر هو الوصل كأنّه قال: لقد تقطّع وصلكم بينكم.
وقد حكى سيبويه: أنّهم قالوا: إذا كان غدا فائتني، فأضمر ما كانوا فيه من بلاء أو رخاء، لدلالة الحال عليه، فصار دلالة الحال عليه بمنزلة جري الذكر وتقدّمه.
والمذهب الآخر: انتصاب البين في قوله: لقد تقطع بينكم على شيء يقوله أبو الحسن، وهو أنه يذهب إلى أن قوله: لقد تقطع بينكم إذا نصب يكون معناه معنى المرفوع، فلمّا جرى في كلامهم منصوبا ظرفا، تركوه على ما يكون عليه في أكثر الكلام وكذلك يقول في قوله: يوم القيامة يفصل بينكم [الممتحنة/ 3]، وكذلك يقول في قوله: وإنا منا الصالحون ومنا دون ذلك [الجن/ 11]، فدون في موضع
[الحجة للقراء السبعة: 3/360]
رفع عنده، وإن كان منصوب اللفظ، ألا ترى أنك تقول: منا الصّالح ومنّا الطّالح فترفع). [الحجة للقراء السبعة: 3/361]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لقد تقطع بينكم}
قرأ نافع والكسائيّ وحفص {لقد تقطع بينكم} بالفتح أي لقد تقطع ما بينكم كذا قال أهل الكوفة واستدلّوا عليه بقراءة عبد الله لأن في قراءته (لقد تقطع ما بينكم) ف ما عندهم موصولة وبين صلة وحذفوا الموصول وهو ما وبقيت الصّلة وهي بينكم
[حجة القراءات: 261]
وعند أهل البصرة غير جائز هذا لأن الصّلة والموصول اسم واحد ومحال أن يحذف صدر الاسم ويبقى آخر الاسم ولكن التّقدير لقد تقطع الأمر بينكم والسّبب بينكم لأن الأمر والسّبب ليسا ممّا يحتاج إلى صلة ف بين إذا نصب على الظّرف عند أهل البصرة والكوفة وإنّما اختلفوا في تقدير الكلام). [حجة القراءات: 262]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (45- قوله: {لقد تقطع بينكم} قرأه نافع والكسائي وحفص بالنصب، وقرأ الباقون بالرفع.
وحجة من رفع أنه جعل «البين» اسمًا غير ظرف، فأسند الفعل إليه، فرفعه به، ويقوي جعل «بين» اسما دخول حرف الجر عليه، في قوله: {ومن بيننا وبينك حجابٌ} «فصلت 5»، و{هذا فراق بيني وبينك} «الكهف 78» ولا يحسن أن يكون مصدرًا، وترفعه بالفعل، لأنه يصير المعنى، لقد تقطع افتراقكم، وإذا انقطع افتراقهم لم يفترقوا، فيحول المعنى، وينقلب المراد، وإنما تم على أنهم تفرقوا، وأصل «بين» أن تبين عن الافتراق، وقد
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/440]
استعملت في هذا الموضع وغيره، إذا ارتفعت، بمعنى الوصل، والمعنى: لقد تقطع وصلكم، وإذا تقطع وصلهم افترقوا، وهو المعنى المقصود إليه، وإنما استعملت بضد ما بنيت عليه، بمعنى الوصل؛ لأنها تستعمل كثيرًا مع السببين المتلابسين، بمعنى الوصل، تقول: بيني وبينه شركة، وبيني وبينه رحم وصداقة، فلما استعملت في هذه المواضع بمعنى الوصل جاز استعمالها في الآية كذلك.
46- وحجة من نصب أنه جعله ظرفًا، والتقدير: لقد تقطع وصلكم بينكم. ودل على حذف الوصل قوله: {وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء}، فدل هذا على التقاطع والتهاجر بينهم وبين شركائهم، إذ تبرؤوا منهم، ولم يكونوا معهم، وتقاطعهم لهم هو ترك وصلهم لهم، فحسن إضمار الوصل بعد «تقطع» لدلالة الكلام عليه، وفي حرف ابن مسعود ما يدل على النصب فيه قرأ: «لقد تقطع ما بينكم» وهذا لا يجوز فيه إلا النصب، لأنك ذكرت التقطع، وهو ما كأنه قال: لقد تقطع الوصل بينكم، ويجوز أن تكون القراءة بالنصب كالقراءة بالرفع، على أن «بينا» اسم، لكنه لما كثر استعماله ظرفًا منصوبًا جرى في إعرابه، في حال كونه غير ظرف على ذلك، ففتحن وهو في موضع رفع، هو مذهب الأخفش، فالقراءتان على هذا بمعنى واحد، فاقرأ بأيهما شئت). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/441]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (33- {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [آية/ 94] نصب:-
قرأها نافع والكسائي و-ص- عن عاصم.
والوجه أن {بَيْنَكُمْ} ظرف، والفاعل ضمير، والتقدير: لقد تقطع وصلكم بينكم، فأضمر الوصل لدلالة ما قبله من الكلام عليه.
ويجوز أن يكون على مذهب أبي الحسن، وذلك أن يكون {بَيْنَكُمْ} وإن كان منصوب اللفظ فإنه مرفوع الموضع؛ لأنه لما جرى في كلامهم ظرفًا تركوه على نصبه، وإن كان في موضع رفع، كما قال {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} فقوله {دُونَ ذَلِكَ} في موضع رفع، وإن كان منصوب اللفظ، وقرأ الباقون {بَيْنَكُمْ} رفع.
والوجه أنه وإن كان في الأصل ظرفًا، فإنه استعمل ههنا اسمًا، وأخرج عن كونه ظرفًا، ولهذا جاز أن يسند إليه الفعل الذي هو {تُقَطَّعَ}، والمعنى: لقد تقطع وصلكم، وإنما جاز أن يعني به الوصل؛ لأن الوصل مما يكون بين الاثنين فجعل بينا لما كان يقع في البين). [الموضح: 487]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين