الحمد لله الذي شرّف العلم وأهله، وأظهر بين العالمين فضله، نحمده على فضله وإحسانه ونشكره، ونستعينه على ذكره وشكره ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، منّ به علينا؛ فعلَّمنا الكتاب والحكمة، وزكانا وهدانا، وبيّن لنا ما أنزل الله إليه، حتى أكمل الله به الدين، وأتمّ به النعمة، وأقام به الحجّة.
أما بعد:
فإنّ الله تعالى قد جعل العلماء ورثة الأنبياء، وأقامهم على معالم دينه أدلاء، يقتبسون من مشكاة النبوّة، وينهلون من معين الوحي، ويأتسون بسلفهم الصالح؛ فَيَعْمَلون ويُعَلّمون، ويَنصحون ويُصلحون، حتى أقام الله بهم عمود الدين، ورفع بهم لواءَه، وشرّفهم بالرفعة والتمكين، فجعلهم أئمة يُهتدى بهم، ومناراً يعرف بهم الطريق، يهدون السائر، ويرشدون الحائر، ويفتون المستفتي، ويعلّمون الناس الخير، ويحذّرونهم من الشرّ، ويبشّرونهم وينذرونهم؛ فكم هدى الله بهم من ضالّ، وأصلح بهم من حال، وأحيا بهم من سنّة، ونجّى بهم من فتنة، وردّ بهم من ضلالة.
والحمد الله الذي جعل العلم حبلاً ممدوداً، وميراثاً مشهوداً، لا يُحجب عنه طالبه، ولا يخيب راغبه، يحمله من كلّ قرن خيرة أهله، فيتحمّلون أمانته، ويرعونه حقّ رعايته، ليقوموا فيه مقام سلفهم، فيعلّمونه كما تعلّموه، ويؤدّونه كما تحمّلوه، ولا يزال أهل العلم والإيمان في كلّ قرن ظاهرين منصورين، وهادين مهديين حتى يأتي الله بأمره.
وقد جرت عادة أهل العلم على التذكير بفضله، والترغيب في طلبه، وبيان محاسنه وفضائله، وما ورد في شأنه من الأحاديث والآثار، والوصايا والأخبار، ليستنهضوا همم طلاب العلم، حتى يعرفوا قَدْرَه ويجدّوا في طلبه، بصدق وإخلاص، وعزيمة وثبات.
وقد اطّلعت على جملة مما كتبه أهل العلم في هذا الباب؛ مما تفرّق في كتبهم، ومما أفردوه فيه فضلَ العلم بالتأليف والتصنيف، فأحببت أن ألخّص لنفسي وإخواني من طلاب العلم في ذلك مختصراً يجمع كثيراً مما تفرّق في تلك الكتب، ويقرّب مباحثها، ويعين على فِقْهِ مقاصدِها، وتحصيلِ فوائدِها، والله المسؤول أن يتقبّل هذا العمل بقبوله الحسن، وينفع به كاتبه وقارئه وناشره، وأن يبارك فيه بركة من عنده إنه هو الحميد المجيد.