هل استخرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم السِّحرَ؟
قالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ السُّهَيْلِيُّ (ت: 581هـ): (فِقْهُ حَدِيثِ السِّحْرِ: وَأَمَّا مَا فِيهِ مِنَالفِقْهِ فَإِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَهُ: (هَلاَّ تَنَشَّرْتَ؟) فَقَالَ: (( أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا )). وَهُوَ حَدِيثٌ مُشْكِلٌ فِي ظَاهِرِهِ، وَإِنَّمَا جَاءَ الإِشْكَالُ فِيهِ مِنْ قِبَلِ الرُّوَاةِ؛ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا جَوَابَيْنِ لِكَلامَيْنِ كَلامًا وَاحِدًا، وَذَلِكَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَهُ أَيْضًا: هَلَّا اسْتَخْرَجْتَه. أَيْ هَلاَّ اسْتَخْرَجْتَ السِّحْرَ مِنَالجُفِّ وَالمُشَاطَةِ حَتَّى يُنْظَرَ إلَيْهِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: (( وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا ))
قَالَ ابْنُ بَطّالٍ: كَرِهَ أَنْ يُخْرِجَهُ فَيَتَعَلَّمَ مِنْهُ بَعْضُ النَّاسِ؛ فَذَلِكَ هُوَ الشَّرُّ الّذِي كَرِهَهُ.
قَالَ المُؤَلِّفُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّرُّ غَيْرَ هَذَا، وَذَلِكَ أَنَّ السَّاحِرَ كَانَ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ، فَلَوْ أَظْهَرَ سِحْرَهُ لِلنَّاسِ وَأَرَاهُمْ إيَّاهُ لَأَوْشَكَ أَنْ يُرِيدَ طَائِفَةٌ مِنَالمُسْلِمِينَ قَتْلَهُ وَيَتَعَصَّبَ لَهُ آخَرُونَ مِنْ عَشِيرَتِهِ، فَيَثُورَ شَرٌّ كَمَا ثَارَ فِي حَدِيثِ الإِفْكِ مِنَ الشَّرِّ مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
وَقَوْلُ عَائِشَةَ: (هَلاَّ اسْتَخْرَجْتَه؟) هُوَ فِي حَدِيثَيْنِ رَوَاهُمَا البُخَارِيُّ جَمِيعًا.
وَأَمَّا جَوَابُهُ لَهَا فِي حَدِيثِ (هَلاَّ تَنَشَّرْتَ؟) بقَوْلِهِ: (( أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللّهُ ))
وَجَوَابُهُ لَهَا حِينَ قَالَتْ: (هَلاَّ اسْتَخْرَجْتَه؟) بأَنْ قَالَ: (( أَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا))
فَلَمَّا جَمَعَ الرَّاوِي بَيْنَ الجَوَابَيْنِ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ اسْتَغْلَقَ الكَلامُ، وَإِذَا نَظَرْتَ الأحَادِيثَ مُتَفَرِّقَةً تَبَيَّنْتَ.
وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ شَرَحَ هَذَا الحَدِيثَ ابْنُ بَطَّالٍ). [الروض الأنف:2/372]
قالَ مُحْيِي الدِّينِ يَحْيَى بنُ شَرَفٍ النَّوَوِيُّ (ت:676هـ): (قَوْلُهَا: (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا أَحْرَقْتَه؟)
وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَخْرِجْهُ) كِلاهُمَا صَحِيحٌ، فَطَلَبَتْ أَنَّهُ يُخْرِجُهُ، ثُمَّ يُحْرِقُهُ، وَالمُرَادُ إِخْرَاجُ السِّحْرِ، فَدَفَنَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَافَاهُ، وَأَنَّهُ يَخَافُ مِنْ إِخْرَاجِه وَإِحْرَاقِه وَإِشَاعَةِ هَذَا ضَرَرًا وَشَرًّا عَلَى المُسْلِمِينَ مِنْ تَذَكُّر السِّحْرِ، أَوْ تَعَلُّمِه، وَشُيُوعِه، وَالحَدِيثِ فِيهِ، أَوْ إِيذَاءِ فَاعِلِه، فَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ أَوْ يَحْمِلُ بَعْضَ أَهْلِه وَمُحِبِّيهِ وَالمُتَعَصِّبِينَ لَهُ مِنَالمُنَافِقِينَ وَغَيْرِهمْ عَلَى سِحْرِ النَّاسِ وَأَذَاهُمْ وَانْتِصَابِهِمْ لِمُنَاكَدَةِ المُسْلِمِينَ بِذَلِكَ.
هَذَا مِنْ بَابِ تَرْكِ مَصْلَحَةٍ لِخَوْفِ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْهَا، وَهُوَ مِنْ أَهَمِّ قَوَاعِدِالإِسْلامِ، وَقَدْ سَبَقَتِ المَسْأَلَةُ مَرَّاتٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ). [شرح صحيح مسلم: 14/398]
قالَ ابْنُ القَيِّمِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّرَعِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (ت: 751 هـ): (في الصحيحِ، عن هشامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أبيه، عن عائشةَ: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُبَّ حتى إنه ليُخَيَّلُ إليه أنه صَنَعَ شيئًا وما صَنَعَه، وأنه دَعَا رَبَّه ثم قالَ: ((أَشَعَرْتِ أَنَّ اللهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُه فِيه؟)). فقالَتْ عائشةُ: وما ذاك يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: ((جاءَني رَجلانِ فجَلَسَ أحدُهما عندَ رأسِي والآخَرُ عندَ رِجْلَيَّ، فقالَ أحدُهما لصاحبِه: ما وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قالَ الآخَرُ: مَطبوبٌ. قالَ: مَن طَبَّه؟ قالَ: لَبيدُ بنُ الأعصَمِ. قالَ: في ماذا؟ قالَ: في مُشْطٍ ومُشَاطَةٍ وجُفِّ طَلْعٍ ذَكَرٍ. قالَ: فأينَ هو؟ قالَ: في ذَرْوَانَ؛ بئرٍ في بَنِي زُرَيْقٍ)). قالَتْ عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها: فأتاها رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم رَجَعَ إلى عائشةَ فقالَ: ((وَاللهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ)). قالَ: فقُلْتُ له: يا رسولَ اللهِ، هلا أَخْرَجْتَه؟ قالَ: ((أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللهُ وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا)). فأَمَرَ بها فدُفِنَتْ.
قالَ البخاريُّ: وقالَ الليثُ وابنُ عُيَيْنَةَ، عن هِشامٍ: في مُشْطٍ ومُشاقَةٍ، ويُقالُ: إنَّ المُشاطَةَ ما يَخرُجُ من الشعْرِ إذا مُشِطَ، والمُشاقَةُ من مُشاقَةِ الكَتَّانِ. قلتُ: هكذا في هذه الروايةِ أنه لم يُخْرِجْه اكتفاءً بِمُعافاةِ اللهِ له وشِفائِه إيَّاه.
وقد رَوَى البُخاريُّ من حديثِ ابنِ عُيَيْنَةَ قالَ: أَوَّلُ مَن حَدَّثنا به ابنُ جُرَيْجٍ، يَقولُ: حَدَّثَني آلُ عُروةَ، عن عُروةَ، فسَأَلْتُ هِشامًا عنه فحَدَّثَنا عن أبيهِ، عن عائشةَ: كان رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُحِرَ حتى كان يُرَى أنه يأتي النِّساءَ ولا يَأتيهنَّ. قالَ سفيانُ: وهذا أَشَدُّ ما يكونُ من السِّحْرِ إذا كان كذا، فقالَ: ((يَا عَائِشَةُ، أَعَلِمْتِ أَنَّ اللهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ أَتَانِي رَجُلانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي والآَخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي للآخَرِ: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: مَن طَبَّهُ؟ قالَ لَبِيدُ بْنُ الأعْصَمِ؛ رَجُلٌ من بني زُرَيْقٍ حَلِيفُ اليَهُودِ، وَكَانَ مُنَافِقًا. قالَ: وَفِيمَ؟ قالَ: في مُشْطٍ ومُشَاقَةٍ. قَالَ: وَأَيْنَ؟ قالَ: في جُفِّ طَلْعٍ ذَكَرٍ، تَحْتَ رَعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ)). قَالَ: فَأَتَى البِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ فَقَالَ:((هَذِه البِئْرُ الَّتي أُرِيتُهَا، وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، وَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُؤُوسُ الشياطينِ)). قَالَ: فَاسْتُخْرِجَ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: أَفَلا، أي: تَنَشَّرْتَ؟ قالَ: ((أَمَّا اللهُ فَقَدْ شَفَانِي، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ شَرًّا)). ففي هذا الحديثِ أنه اسْتَخْرَجَه وتَرْجَمَ البخاريُّ عليه: بابٌ: هل يَسْتَخْرِجُ السِّحْرَ.
وقالَ قَتادةُ: قلتُ لسعيدِ بنِ المُسَيَّبِ: رجُلٌ به طِبٌّ، ويُؤَخَّذُ عن امرأتِه، أَيُحَلُّ عنه وَيُنَشَّرُ؟ قالَ: لا بأسَ به إنما يُريدون به الإصلاحَ، فأمَّا ما يَنْفَعُ الناسَ فلم يُنْهَ عنه.
فهذان الحديثانِ قد يُظَنُّ في الظاهِرِ تَعارُضُهما، فإنَّ حديثَ عيسى عن هِشامٍ عن أبيه الأوَّلَ فيه: أنه لم يَسْتَخْرِجْه، وحديثَ ابنِ جُرَيْجٍ عن هِشامٍ فيه أنه اسْتَخْرَجَه، ولا تَنافِيَ بينَهما؛ فإنه اسْتَخْرَجَه من البئرِ حتى رآهُ وعَلِمَه، ثم دَفَنَه بعدَ أن شُفِيَ، وقولُ عائشةَ: هَلا اسْتَخْرَجْتَه. أي هَلا أَخْرَجْتَه للناسِ حتى يَرَوْهُ ويُعايِنُوه، فأَخْبَرَها بالمانِعِ له من ذلك، وهو أنَّ المسلمينَ لم يَكونوا لِيَسْكُتُوا عن ذلك، فيَقَعُ الإنكارُ ويَغْضَبُ للساحِرِ قومُه فيَحْدُثُ الشرُّ، وقد حَصَلَ المقصودُ بالشفاءِ والمُعافاةِ، فأَمَرَ بها فَدُفِنَتْ، ولم يَسْتَخْرِجْها للناسِ، فالاستخراجُ الواقِعُ غيرُ الذي سَأَلَتْ عنه عائشةُ، والذي يَدُلُّ عليه أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما جاءَ إلى البئْرِ ليَسْتَخْرِجَها منه ولم يَجِئْ إليه ليَنْظُرَ إليها ثم يَنْصَرِفَ، إذ لا غَرَضَ له في ذلك، واللهُ أَعْلَمُ. وهذا الحديثُ ثابِتٌ عندَ أَهْلِ العِلْمِ بالحديثِ، مُتَلَقًّى بالقَبولِ بينَهم، لا يَختلفون في صِحَّتِه). [بدائع الفوائد: 2/222-223]
قَالَ ابْنُ المُلَقِّنِ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ (ت: 804هـ): (وفي الحديثِ: ((إِنَّ اللهَ أَطْلَعَ نَبِيَّهُ عَلَى العُقَدِ الَّتِي سَحَرَهُ بِهَا لَبِيدٌ, فأَمَرَ بِهَا فأُخْرِجَتْ مِنْ بِئْرٍ فإِذَا مُشْطٌ ومُشَاطَةٌ))). [تفسير غريب القرآن: 604]
قال أحمدُ بنُ عليٍّ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانِيُّ (ت:852هـ): ( قَوْلُه: (فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ. إِلَى أَنْ قَالَ: فَاسْتُخْرِجَ)
كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِابْنِ عُيَيْنَةَ، وَفِي رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا اسْتَخْرَجْتَه؟ ". وَفِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَخْرِجْهُ لِلنَّاسِ ". وَفِي رِوَايَةِابْنِ نُمَيْرٍ: " أَفَلا أَخْرَجْتَه؟ قَالَ: لا ". وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَة الَّتِي بَعْدَ هَذَا البَابِ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: ذَكَرَ المُهَلَّبُ أَنَّ الرُّوَاةَاخْتَلَفُوا عَلَى هِشَامٍ فِي إِخْرَاجِ السِّحْرِالمَذْكُورِ، فَانْتَبَهَ سُفْيَانُ وَجَعَلَ سُؤَالَ عَائِشَةَ عَنِ النُّشْرَةِ، وَنَفَاهُ عِيسَى بْن يُونُس وَجَعَلَ سُؤَالَهَا عَنْ الاسْتِخْرَاجِ، وَلَمْ يَذْكُرِالجَوَابَ، وَصَرَّحَ بِهِ أُسَامَةُ، قَالَ: وَالنَّظَرُ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ رِوَايَةِ سُفْيَانَ لِتَقَدُّمِهِ فِي الضَّبْطِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ النُّشْرَةَ لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ، وَالزِّيَادَةُ مِنْ سُفْيَانَ مَقْبُولَةٌ؛لأنَّهُ أَثْبَتُهُمْ، وَلا سِيَّمَا أَنَّهُ كَرَّرَ اسْتِخْرَاجَ السِّحْرِ فِي رِوَايَتِه مَرَّتَيْنِ، فَيَبْعُدُ مِنَالوَهْمِ، وَزَادَ ذِكْرَ النُّشْرَةِ وَجَعَلَ جَوَابَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا بِلا بَدَلاً عَنْ الاسْتِخْرَاجِ.
قَالَ: وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ، فَذَكَرَ مَا مُحَصَّلُه: أَنَّ الاسْتِخْرَاجَالمَنْفِيَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ غَيْرُ الاسْتِخْرَاجِالمُثْبَتِ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ، فَالمُثْبَتُ هُوَ اسْتِخْرَاجُالجُفِّ، وَالمَنْفِيُّاسْتِخْرَاجُ مَا حَوَاهُ.
قَالَ: وَكَأَنَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ أَنْ لا يَرَاهُ النَّاسُ فَيَتَعَلَّمَهُ مَنْ أَرَادَ اسْتِعْمَالَ السِّحْرِ.
قُلْتُ: وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ: " فَاسْتَخْرَجَ جُفَّ طَلْعَةٍ مِنْ تَحْتِ رَاعُوفَةٍ "، وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: " فَأَخْرَجُوهُ فَرَمَوْا بِهِ "، وَفِي مُرْسَلِ عُمَرَ بْنِالحَكَمِ أَنَّ الَّذِي اسْتَخْرَجَ السِّحْرَ قَيْسُ بْنُمِحْصَنٍ، كُلُّ هَذَا لا يُخَالِفُالحَمْلَالمَذْكُورَ، لَكِنْ فِي آخِرِ رِوَايَةِ عَمْرَةَ وَفِي حَدِيثِابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ وَجَدُوا وَتَرًا فِيهِ عُقَدٌ، وَأَنَّهَا انْحَلَّتْ عِنْدَ قِرَاءَةِالمُعَوِّذَتَيْنِ، فَفِيهِ إِشْعَارٌ بِاسْتِكْشَافِ مَا كَانَ دَاخِلَالجُفِّ، فَلَوْ كَانَ ثَابِتًا لَقُدِحَ فِي الجَمْعِالمَذْكُورِ، لَكِنْ لا يَخْلُو إِسْنَادُكُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ الضَّعْفِ.
(تَنْبِيهٌ):
وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ مُخَالَفَةٌ فِي لَفْظَةٍ أُخْرَى: فَرِوَايَةُالبُخَارِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْهُ: "أَفَلا أَخْرَجْتَه؟". وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ: " أَفَلا أَحْرَقْتَه؟ " بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَقَافٍ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: كِلا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحٌ، كَأَنَّهَا طَلَبَتْ أَنَّهُ يُخْرِجُهُ ثُمَّ يُحَرِّقُهُ.
قُلْتُ: لَكِنْ لَمْ يَقَعَا مَعًا فِي رِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّمَا وَقَعَتِ اللَّفْظَةُ مَكَانَ اللَّفْظَةِ، وَانْفَرَدَ أَبُو كُرَيْبٍ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي بِالمُهْمَلَةِ وَالقَافِ، فَالجَارِي عَلَى القَوَاعِدِ أَنَّ رِوَايَتَه شَاذَّةٌ.
وَأَغْرَبَ القُرْطُبِيُّ فَجَعَلَ الضَّمِيرَ فِي أَحْرَقْتَه لِلَبِيدِ بْنِ أَعْصَمَ. قَالَ: وَاسْتَفْهَمَتْهُ عَائِشَةُ عَنْ ذَلِكَ عُقُوبَةً لَهُ عَلَى مَا صَنَعَ مِنَ السِّحْرِ، فَأَجَابَهَا بِالامْتِنَاعِ. وَنَبَّهَ عَلَى سَبَبِه وَهُوَ خَوْفُ وُقُوعِ شَرٍّ بَيْنَهمْ وَبَيْنَاليَهُودِلأجْلِ العَهْدِ، فَلَوْ قَتَلَهُ لَثَارَتْ فِتْنَةٌ. كَذَا قَالَ. وَلا أَدْرِي مَا وَجْهُ تَعَيُّنِ قَتْلِه بِالإِحْرَاقِ، وَإِنْ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ الرِّوَايَةَ ثَابِتَةٌ وَأَنَّ الضَّمِيرَ لَهُ.
قَوْلُه: (قَالَتْ: فَقُلْتُ: أَفَلا، أَيْ تَنَشَّرْتَ)
وَقَعَ فِي رِوَايَةِالحُمَيْدِيِّ: " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَهَلا؟ قَالَ سُفْيَانُ: بِمَعْنَى تَنَشَّرْتَ. فَبَيَّنَ الَّذِي فَسَّرَ المُرَادَ بِقَوْلِهَا: " أَفَلا "، كَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْضِرِ اللَّفْظَةَ فَذَكَرَهُ بِالمَعْنَى، وَظَاهِرُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ أَنَّهُ مِنَ النُّشْرَةِ. وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ أَحْمَدَ: " فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ أَنَّكَ " تَعْنِي تُنَشَّرُ. وَهُوَ مُقْتَضَى صَنِيعِالمُصَنِّفِ حَيْثُ ذَكَرَ النُّشْرَةَ فِي التَّرْجَمَةِ، وَيَحْتَمِلُأَنْ يَكُونَ مِنَ النَّشْرِ بِمَعْنَى الإِخْرَاجِ فَيُوَافِقُ رِوَايَةَ مَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ " فَهَلا أَخْرَجَتْهُ "، وَلِكَوْنِ لَفْظِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: " هَلا اسْتَخْرَجْتَ؟ "، وَحُذِفَ المَفْعُولُ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَيَكُونُالمُرَادُ بِالمَخْرَجِ مَا حَوَاهُ الجُفُّلا الجُفُّ نَفْسُه، فَيَتَأَيَّدُالجَمْعُالمُقَدَّمُ ذِكْرُه.
(تَكْمِيلٌ): قَالَ ابْنُالقَيِّمِ: مِنْ أَنْفَعِ الأَدْوِيَةِ وَأَقْوَى مَا يُوجَدُ مِنَ النُّشْرَةِ مُقَاوَمَةُ السِّحْرِ الَّذِي هُوَ مِنْ تَأْثِيرَاتِ الأرْوَاحِالخَبِيثَةِ بِالأَدْوِيَةِ الإِلَهِيَّةِ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالقِرَاءَةِ، فَالقَلْبُ إِذَا كَانَ مُمْتَلِئًا مِنَ اللَّهِ مَعْمُورًا بِذِكْرِهِ وَلَهُ وِرْدٌ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّوَجُّهِلا يُخِلُّ بِهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الأسْبَابِالمَانِعَةِ مِنْ إِصَابَةِ السِّحْرِ لَهُ. قَالَ: وَسُلْطَانُ تَأْثِيرِ السِّحْرِ هُوَ فِي القُلُوبِ الضَّعِيفَةِ، وَلِهَذَا غَالِبَ مَا يُؤَثِّرُ فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالجُهَّالِ؛لأنَّ الأرْوَاحَالخَبِيثَةَ إِنَّمَا تَنْشَطُ عَلَى أَرْوَاحٍ تَلْقَاهَا مُسْتَعِدَّةً لِمَا يُنَاسِبُهَا. انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ حَدِيثُالبَابِ، وَجَوَازُ السِّحْرِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَظِيمِ مَقَامِه وَصِدْقِ تَوَجُّهِه وَمُلازَمَةِ وِرْدِه، وَلَكِنْ يُمْكِنُالانْفِصَالُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الغَالِبِ، وَأَنَّ مَا وَقَعَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَيَانِ تَجْوِيزِ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ). [فتح الباري:10/245-247]
قالَ أحمدُ بنُ عليٍّ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانِيُّ (ت:852هـ): (قَوْلُه: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا اسْتَخْرَجْتَهُ؟).
فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ: " فَقَالَ: لا ". وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ اسْتَخْرَجَهُ، وَأَنَّ سُؤَالَ عَائِشَةَ إِنَّمَا وَقَعَ عَنِ النُّشْرَةِ فَأَجَابَهَا بِلا، وَسَيَأْتِي بَسْطُالقَوْلِ فِيهِ بَعْدَ بَابٍ.
قَوْلُه: (فَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ شَرًّا)
فِي رِوَايَة الكُشْمِيهَنِيِّ: " سُوءًا " وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ: " أَنْ أُثَوِّرَ " بِفَتْحِ المُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيدِالوَاوِ، وَهُمَا بِمَعْنًى. وَالمُرَادُ بِالنَّاسِ التَّعْمِيمُ فِي المَوْجُودِينَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: خَشِيَ مِنْ إِخْرَاجِه وَإِشَاعَتِه ضَرَرًا عَلَى المُسْلِمِينَ مِنْ تَذَكُّرِ السِّحْرِ وَتَعَلُّمِه وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ وَهُوَ مِنْ بَابِ تَرْكِالمَصْلَحَةِ خَوْفَالمَفْسَدَةِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِابْنِ نُمَيْرٍ: "عَلَى أُمَّتِي"، وَهُوَ قَابِلٌ أَيْضًا لِلتَّعْمِيمِ؛لأنَّ الأمَّةَ تُطْلَقُ عَلَى أُمَّةِالإِجَابَةِ وَأُمَّةِ الدَّعْوَةِ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ، وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ المُرَادَ بِالنَّاسِ هُنَا لَبِيدُ بْنُ الأعْصَمِ؛ لأنَّهُ كَانَ مُنَافِقًا فَأَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لا يُثِيرَ عَلَيْهِ شَرًّا؛ لأنَّهُ كَانَ يُؤْثِرُالإِغْضَاءَ عَمَّنْ يُظْهِرُالإِسْلامَ وَلَوْ صَدَرَ مِنْهُ مَا صَدَرَ، وَقَدْ وَقَعَ أَيْضًا فِي رِوَايَةِابْنِ عُيَيْنَةَ: " وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ شَرًّا ".
نَعَمْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ: "فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ قَتَلْتَه؟ قَالَ: مَا وَرَاءَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَشَدُّ". وَفِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ: "فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاعْتَرَفَ، فَعَفَا عَنْهُ". وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: "فَمَا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ اليَهُودِيِّ شَيْئًا مِمَّا صَنَعَ بِهِ، وَلا رَآهُ فِي وَجْهِه". وَفِي مُرْسَلِ عُمَرَابْنِالحَكَمِ: " فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: حُبُّ الدَّنَانِيرِ ". وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِالجِزْيَةِ قَوْلُابْنِ شِهَابٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْتُلْهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ مُرْسَلِ عِكْرِمَةَ أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ، وَنُقِلَ عَنِالوَاقِدِيِّ أَنَّ ذَلِكَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ قَتَلَهُ، وَمِنْ ثَمَّ حَكَى عِيَاضٌ فِي " الشِّفَاءِ " قَوْلَيْنِ: هَلْ قُتِلَ، أَمْ لَمْ يُقْتَلْ؟ وَقَالَ القُرْطُبِيُّ: لا حُجَّةَ عَلَى مَالِكٍ مِنْ هَذِهِ القِصَّةِ؛لأنَّ تَرْكَ قَتْلِ لَبِيدِ بْنِ الأعْصَمِ كَانَ لِخَشْيَةِ أَنْ يُثِيرَ بِسَبَبِ قَتْلِه فِتْنَةً، أَوْ لِئَلا يُنَفِّرَ النَّاسَ عَنِ الدُّخُولِ فِي الإِسْلامِ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ مَا رَاعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَنْعِ قَتْلِالمُنَافِقِينَ حَيْثُ قَالَ: " لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ ".
قَوْلُه: (فَأَمَرَ بِهَا) أَيْ بِالبِئْرِ (فَدُفِنَتْ)
وَهَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِابْنِ نُمَيْرٍ وَغَيْرِه عَنْ هِشَامٍ، وَأَوْرَدَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَقِبَ رِوَايَةِابْنِ نُمَيْرٍ، وَقَالَ: " لَمْ يَقُلْ أَبُو أُسَامَةَ فِي رِوَايَتِه: فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ ". قُلْتُ: وَكَأَنَّ شَيْخَه لَمْ يَذْكُرْهَا حِينَ حَدَّثَهُ، وَإِلا فَقَدْ أَوْرَدَهَا البُخَارِيُّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، كَمَا فِي البَابِ بَعْدَه، وَقَالَ فِي آخِرِه: " فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ "، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي مُرْسَلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ " أَنَّ الحَارِثَ بْنَ قَيْسٍ هَوَّرَهَا ".
قَوْلُه: (تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ) هُوَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، وَتَأْتِي رِوَايَتُه مَوْصُولَةً بَعْدَ بَابَيْنِ.
قَوْلُه: (وَأَبُو ضَمْرَةَ) هُوَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، وَسَتَأْتِي رِوَايَتُه مَوْصُولَةً فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ.
قَوْلُه: (وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ) هُوَ عَبُدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ، وَلَمْ أَعْرِفْ مَنْ وَصَلَهَا بَعْدُ.
قَوْلُه: (وَقَالَ اللَّيْثُ وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامٍ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ)
كَذَا لأبِي ذَرٍّ، وَلِغَيْرِهِ: " وَمُشَاقَةٍ "، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَإِلا لاتَّحَدَتِ الرِّوَايَاتُ، وَرِوَايَةُ اللَّيْثِ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي بَدْءِالخَلْقِ، وَرِوَايَةُابْنِ عُيَيْنَةَ تَأْتِي مَوْصُولَةً بَعْدَ بَابٍ. وَذَكَرَ المِزِّيُّ فِي " الأطْرَافِ " تَبَعًا لِخَلَفٍ أَنَّ البُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ فِي الطِّبِّ عَنِالحُمَيْدِيِّ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِابْنِ عُيَيْنَةَ، وَطَرِيقُالحُمَيْدِيِّ مَا هِيَ فِي الطِّبِّ فِي شَيْءٍ مِنَ النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي " المُسْتَخْرَجِ " مِنْ طَرِيقِالحُمَيْدِيِّ وَقَالَ بَعْدَه: " أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ "، لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ أَبُو مَسْعُودٍ فِي أَطْرَافِه الحُمَيْدِيَّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُه: (وَيُقَال المُشَاطَة مَا يَخْرُج مِنَ الشَّعْر إِذَا مُشِطَ) هَذَا لا اخْتِلاف فِيهِ بَيْن أَهْل اللُّغَة، قَالَ ابْن قُتَيْبَة: المُشَاطَة مَا يَخْرُج مِنَ الشَّعْر الَّذِي سَقَطَ مِنَ الرَّأْس إِذَا سُرِّحَ بِالمُشْطِ، وَكَذَا مِنَ اللِّحْيَة.
قَوْلُه: (وَالمُشَاطَةُ مِنْ مُشَاطَةِالكَتَّانِ) كَذَا لأبِي ذَرٍّ كَأَنَّ المُرَادَ أَنَّ اللَّفْظَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الشَّعْرِ إِذَا مُشِطَ وَبَيْنَالكَتَّانِ إِذَا سُرِّحَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ: " وَالمُشَاقَةُ "، وَهُوَ أَشْبَهُ، وَقِيلَ: المُشَاقَةُ هِيَ المُشَاطَةُ بِعَيْنِهَا، وَالقَافُ تُبْدَلُ مِنَ الطَّاءِ لِقُرْبِ المَخْرَجِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ). [فتح الباري:241-242]