حكم النفث مع الرقية، وحكم التفل والنفخ
ثبوت النفث مع الرقية عن النبي صلى الله عليه وسلم
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ ابنُ أبِي شَيْبَةَ العَبْسِيُّ (ت:235هـ): (حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْفُثُ فِي الرُّقْيَةِ.
-حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: حدَّثَنَا عُثْمَان بْنُ حَكِيمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَفَعَتِ امْرَأَةٌ إِلَيْهِ صَبِيًّا، فَجَعَلَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاسِطَةِ الرَّحْلِ، ثُمَّ فَغَرَ فَاهُ، فَنَفَثَ فِيهِ.
- حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثِ، قَالَ: ذُهِبَ بِي إِلَى عَائِشَةَ وَفِي عَيْنَيَّ سُوءٌ، فَرَقَتْنِي وَنَفَثَتْ.
- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنِ الرُّقْيَةِ يُنْفَثُ فِيهَا؟ فَقَالَ: لا أَعْلَمُ بِهَا بَأْسًا). [مصنف ابن أبي شيبة:7/401]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ ابنُ أبِي شَيْبَةَ العَبْسِيُّ (ت:235هـ): (حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ، قَالَ: دَبَبْتُ إِلَى قِدْرٍ لَنَا فَاحْتَرَقَتْ يَدِي، فَأَتَتْ بِي أُمِّي إِلَى شَيْخٍ بِالبَطْحَاءِ، فَقَالَتْ: هَذَا مُحَمَّدٌ، قَدِ احْتَرَقَتْ يَدُهُ، فَجَعَلَ يَنْفُثُ عَلَيْهَا وَيَتَكَلَّمُ بِكَلامٍ لا أَحْفَظُهُ، فَلَمَّا كَانَ فِي إِمْرَةِ عُثْمَانَ، قُلْتُ: مَنِ الشَّيْخُ الَّذِي ذَهَبْتِ بِي إِلَيْهِ؟ قَالَتْ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم). [مصنف ابن أبي شيبة:7/401]
قالَ مُحمَّدُ بنُ إسْمَاعِيلَ البُخَاريُّ (ت: 256هـ): (حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ فِي المَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِالمُعَوِّذَاتِ فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ وَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا فَسَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ كَيْفَ يَنْفِثُ قَالَ كَانَ يَنْفِثُ عَلَى يَدَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ). [صحيح البخاري: كتاب الطب/باب الرقى بالقرآن والمعوذات]
ذكر من كره النفث من السلف
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ ابنُ أبِي شَيْبَةَ العَبْسِيُّ (ت:235هـ): (حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانُوا يَرْقُونَ، وَيَكْرَهُونَ النَّفْثَ فِي الرُّقَى). [مصنف ابن أبي شيبة:7/399]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ ابنُ أبِي شَيْبَةَ العَبْسِيُّ (ت:235هـ): (حَدَّثَنَا عَرْعَرَةُ بْنُ البِرِنْدِ، عَنْ أَبِي الهَزْهَازِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الضَّحَّاكِ وَهُوَ وَجِعٌ، فَقُلْتُ: أَلا أُعَوِّذُك يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: بَلَى، وَلا تَنْفُثْ، قَالَ: فَعَوَّذْته بِالمُعَوِّذَتَيْنِ). [مصنف ابن أبي شيبة:7/400]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ ابنُ أبِي شَيْبَةَ العَبْسِيُّ (ت:235هـ): (حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: قَالَ عِكْرِمَةُ: أَكْرَهُ أَنْ أَقُولَ فِي الرُّقْيَةِ، بِاسْمِ اللهِ، أُفْ). [مصنف ابن أبي شيبة:7/400]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ ابنُ أبِي شَيْبَةَ العَبْسِيُّ (ت:235هـ): (حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الحَكَمِ، وَحَمَّادٍ؛ أَنَّهُمَا كَرِهَا التَّفْلَ فِي الرَّقَى). [مصنف ابن أبي شيبة:7/401]
قَالَ يوسفُ بنُ عبدِ اللهِ ابنُ عبدِ البَرِّ النَّمَرِيُّ (ت: 463هـ): (قَدْ كَرِهَ التَّفْلَ وَالنَّفْثَ فِي الرُّقْيَةِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالضَّحَّاكُ، وَعِكْرِمَةُ، وَالحَكَمُ، وَحَمَّادٌ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَكْرَهُونَ النَّفْثَ فِي الرُّقَى.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ لأَبِي الهَزْهَازِ: ارْقِ، وَلا تَنْفُثْ.
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، وَحَمَّادٍ أَنَّهُمَا كَرِهَا التَّفْلَ فِي الرُّقَى.
وَلا حُجَّةَ مَعَ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ، إِذْ قَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَفَثَ فِي الرُّقَى.
وَقَدْ رَقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ وَهُوَ صَبِيٌّ، وَكَانَ قَدِ احْتَرَقَتْ يَدُهُ فَجَعَلَ يَنْفُثُ عَلَيْهَا، وَتَفَلَ فِي عَيْنَيْ حَبِيبِ بْنِ فُدَيْكٍ، وَهُمَا مُبْيَضَّتَانِ لا يُبْصِرُ بِهِمَا شَيْئًا، فَنَفَثَ فِي عَيْنَيْهِ، فَبَرَأَ.
وَفِي حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ: نَفَثَ عَلَى صَبِيٍّ رَفَعَتْهُ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ.
وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَرْقِي وَتَنْفُثُ.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: مَا أَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا.
وَكَانَ الأَسْوَدُ يَكْرَهُ النَّفْثَ فِي الرُّقْيَةِ وَلا يَرَى بِالنَّفْخِ بَأْسًا.
وَرَوَى المُقْرِي عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ النَّوْمَ جَمَعَ يَدَيْهِ وَنَفَثَ فِيهِمَا وَقَرَأَ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}[الإخلاص: 1] وَ{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ}[الفلق: 1] وَ{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [النَّاسُ: 1] ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَسَائِرَ جَسَدِهِ.
قَالَ سَعِيدٌ وَقَالَ عُقَيْلٌ: رَأَيْتُ ابْنَ شِهَابٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ). [الاسْتِذْكَارُ:27/28-29]
أقوال العلماء
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بنِ الحُسَيْنِ الرَّازِيُّ (ت: 604هـ): (واخْتَلَفُوا في النَّفْثِ أيضًا، فرُوِيَ عن عَائِشَةَ أَنَّها قَالَتْ: كان رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَنْفُثُ علَى نَفْسِه إذا اشْتَكَى بالمُعَوِّذَاتِ ويَمْسَحُ بيَدِهِ، فلَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وجَعَهُ الذي تُوُفِّيَ فيه طَفِقْتُ أَنْفُثُ عليه بالمُعَوِّذَاتِ التي كان يَنْفُثُ بِهَا علَى نَفْسِهِ، وعنه عَلَيْهِ السَّلامُ: ((أَنَّه كَانَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ نَفَثَ في يَدَيْهِ وقَرَأَ فِيهِمَا بالمُعَوِّذَاتِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا جَسَدَهُ)).
ومنهم مَن أَنْكَرَ النَّفْثَ، قالَ عِكْرِمَةُ: لا يَنْبَغِي للرَّاقِي أَنْ يَنْفُثَ ولا يَمْسَحَ ولا يَعْقِدَ. وعن إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ النَّفْثَ فِي الرُّقَى، وقالَ بَعْضُهم: دَخَلْتُ علَى الضَّحَّاكِ وهو وَجِيعٌ، فَقُلْتُ: أَلا أُعَوِّذُكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟ قالَ: بَلَى ولَكِنْ لا تَنْفُثْ، فعَوَّذْتُهُ بالمُعَوِّذَتَيْنِ. قَالَ الحَلِيمِيُّ: الذي رُوِيَ عَن عِكْرِمَةَ أَنَّه يَنْبَغِي للرَّاقِي أَنْ لا يَنْفُثَ ولا يَمْسَحَ ولا يَعْقِدَ فكأَنَّه ذَهَب فيه إلى أنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ النَّفْثَ في العُقَدِ مِمَّا يُسْتَعاذُ منه، فوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَنْهِيًّا عنه إِلا أَنَّ هذا ضَعِيفٌ؛ لأنَّ النَّفْثَ في العُقَدِ إِنَّما يَكونُ مَذْمُومًا إذا كان سِحْرًا مُضِرًّا بالأَرْواحِ والأَبْدَانِ، فأمَّا إذا كان هذا النَّفْثُ لإصْلاحِ الأَرْواحِ والأَبْدَانِ وَجَبَ أَنْ لا يَكُونَ حَرَامًا).[التفسير الكبير: 32/174]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُرْطُبِيُّ (ت: 671هـ): (واخْتُلِفَ في النَّفْثِ عندَ الرُّقَى؛ فمَنَعَه قَوْمٌ، وأَجَازَه آخَرُون.
قالَ عِكْرِمَةُ: لا يَنْبَغِي للرَّاقِي أنْ يَنْفُثَ، ولا يَمْسَحَ ولا يَعْقِدَ.
قالَ إبراهيمُ: كانُوا يَكْرَهُونَ النَّفْثَ في الرُّقَى.
وقالَ بعضُهم: دَخَلْتُ على الضحَّاكِ وهو وَجِعٌ، فقُلْتُ: أَلا أُعَوِّذُكَ يَا أبَا مُحَمَّدٍ؟ قالَ: بَلَى, ولَكِنْ لا تَنْفُثْ. فعَوَّذْتُه بالمُعَوِّذَتَيْنِ.
وقالَ ابنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: القُرْآنُ يُنْفَخُ بِهِ أو يُنْفَثُ؟ قالَ: لا شَيْءَ مِن ذلك ولَكِنْ تَقْرَؤُهُ هَكَذا. ثم قالَ بعدُ: انْفُثْ إِنْ شِئْتَ.
وسُئِلَ مُحَمَّدُ بنُ سِيرِينَ عنِ الرُّقْيَةِ يُنْفَثُ فِيها، فقالَ: لا أعلَمُ بها بَأْسًا، وإِذَا اخْتَلَفُوا فالحاكِمُ بينَهُمُ السُّنَّةُ.
رَوَتْ عائشةُ أن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يَنْفُثُ في الرُّقْيَةِ. روَاه الأئمَّةُ، وقد ذكَرْنَاه أوَّلَ السورةِ وفي (سُبْحَانَ).
وعن مُحَمَّدِ بنِ حَاطِبٍ أنَّ يَدَهُ احْتَرَقَتْ فَأَتَتْ بِهِ أُمُّهُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجَعَلَ يَنْفُثُ عليها ويَتَكَلَّمُ بكلامٍ, زَعَمَ أنَّه لَم يَحْفَظْه.
وقالَ محمدُ بنُ الأَشْعَثِ: ذُهِبَ بي إلى عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وفي عَيْنِي سُوءٌ، فَرَقَتْنِي ونَفَثَتْ.
وأمَّا مَا رُوِيَ عن عِكْرِمَةَ مِنْ قَوْلِهِ: لا يَنْبَغِي للرَّاقِي أنْ يَنْفُثَ، فكأنَّه ذَهَبَ فيه إلى أنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ النَّفْثَ في العُقَدِ مما يُسْتَعَاذُ بِهِ، فلا يَكُونُ بنَفْسِهِ عُوذَةً.
وليس هذا هكذا؛ لأنَّ النَّفْثَ في العُقَدِ إذا كانَ مذمومًا لم يَجِبْ أَنْ يَكونَ النَّفْثُ بِلا عُقَدٍ مَذمومًا. ولأنَّ النَّفْثَ في العُقَدِ إنما أُرِيدَ به السِّحْرُ المُضِرُّ بالأرواحِ، وهذا النفْثُ لاسْتِصْلاحِ الأبدانِ، فلا يُقَاسُ ما يَنْفَعُ بِمَا يَضُرُّ.
وأمَّا كرَاهَةُ عِكْرِمَةَ المَسْحَ فخِلافُ السنَّةِ). [الجامع لأحكام القرآن: 20/258]
قالَ يَحْيَى بنُ شَرَفٍ النَّوَوِيُّ(ت:676هـ): (قَوْلُها ( كانَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليهِ وسَلَّم إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ من أهلهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بالمعوِّذَات) هي بكسر الواو، النَّفْثُ نَفْخٌ لَطِيفٌ بلارِيقٍ فيهِ اسْتِحْبَابُ النفث في الرُّقيةِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ واسْتَحَبَّه الجمهورُ مِنَ الصَّحَابةِ والتَّابعينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ.
قال القاضي: وَأَنْكَرَ جَمَاعَةٌ النَّفْثَ والتَّفْلَ فِي الرُّقَى وَأَجَازُوا فِيهَا النَّفْخَ بلا رِيقٍ، وهَذَا المَذْهَبُ.
والفَرْقُ إِنَّمَا يَجِيءُ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ.
قيل: إِنَّ النَّفْثَ مَعَهُ رِيقٌ.
قالَ: وَقَدِ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي النَّفْثِ وَالتَّفْلِ فَقِيلَ: هُمَا بمعْنًى وَلا يَكُونَانِ إِلا برِيقٍ، قالَ أبو عُبَيْدٍ: يُشْتَرَطُ فِي التَّفْلِ رِيقٌ يَسِيرٌ، وَلايَكُونُ فِي النَّفْثِ، وَقِيلَ عَكْسُهُ.
قَالَ: وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ عَن نَفْثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّقْيَةِ؛ فَقَالَتْ: كَمَا يَنْفُثُ آكِلُ الزَّبيبِ لا رِيقَ مَعَهُ.
قال: وَلا اعْتِبَارَ بِمَا يَخْرُجُ عَلَيْهِ مِن بلَّةٍ وَلا يَقْصِدُ ذَلِكَ.
وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ الَّذِي رَقَى بفَاتِحَةِ الكِتَابِ فَجَعَلَ يَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفُلُ، وَاللهُ أعلمُ.
قالَ القَاضِي: وَفَائِدَةُ التَّفْلِ التَّبَرُّكُ بتِلْكَ الرُّطُوبَةِ وَالهَوَاءِ وَالنَّفَسِ المبَاشِرَةِ للرُّقْيَةِ وَالذِّكْرِ الحَسَنِ، لَكِن قَالَ: كَمَا يُتَبَرَّكُ بِغُسَالَةِ مَا يُكْتَبُ مِنَ الذِّكْرِ وَالأَسْمَاءِ الحُسْنَى، وَكَانَ مَالِكٌ يَنْفُثُ إِذَا رَقَى نَفْسَهُ، وَكَانَ يَكْرَهُ الرُّقْيَةَ بالحَدِيدَةِ وَالمِلْحِ وَالَّذِي يَعْقِدِ، وَالَّذِي يَكْتُبُ خَاتَمَ سُلَيْمَانَ، وَالعَقْدُ عِنْدَهُ أَشَدُّ كَرَاهَةً لِمَا فِي ذَلِكَ مِن مُشَابَهَةِ السِّحْرِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَفِي هَذَا الحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الرُّقْيَةِ بالقُرْآنِ وَبالأَذْكَارِ، وَإِنَّمَا رَقَى بالمعَوِّذَاتِ لأَنَّهُنَّ جَامِعَاتٌ للاستعَاذَةِ مِنْ كُلِّ المكْرُوهَاتِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلاً؛ فَفِيهَا الاسْتِعَاذَةُ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ، وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ وَمِنَ السَّوَاحِرِ وَمِن شَرِّ الحَاسِدِينَ، وَمن شَرِّ الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ، وَاللهُ أَعْلَمُ). [المنهاج:14/179-182]
قالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الخَازِنُ (ت: 725هـ):(واختلفُوا في جوازِ النفثِ في الرُّقَى والتعاويذِ الشرعِيَّةِ المُسْتَحَبَّةِ، فجَوَّزَهُ الجمهورُ مِن الصحابةِ والتابعينَ ومَنْ بَعْدَهم، ويدُلُّ عليهِ حديثُ عَائِشَةَ قالتْ: كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إذا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عليهِ بالمُعَوِّذَاتِ، الحديثَ.
وَأَنْكَرَ جَمَاعَةٌ التَّفْلَ والنَّفْثَ في الرُّقَى، وَأَجَازُوا النَّفْخَ بِلا رِيقٍ.
قالَ عِكْرِمَةُ: لا يَنْبَغِي للرَّاقِي أنْ يَنْفُثَ ولا يَمْسَحَ وَلا يَعْقِدَ.
وقيلَ: النَّفْثُ فِي العُقَدِ إنَّما يكونُ مَذْمُومًا إذا كانَ سِحْرًا مُضِرًّا بِالأَرْوَاحِ والأَبْدَانِ، وَإِذَا كانَ النَّفْثُ لإِصْلاحِ الأَرْوَاحِ وَالأَبْدَانِ وَجَبَ أَنْ لا يَكُونَ مَذْمُومًا وَلا مَكْرُوهًا، بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ). [لباب التأويل: 4/502]
قالَ نِظَامُ الدِّينِ الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ (ت: 728هـ):(واخْتَلَفُوا في النَّفْثِ أيضًا؛ فرُوِيَ عن عائشةَ أنَّها قالَتْ: كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يَنْفُثُ على نَفْسِه إذا اشْتَكَى بالمُعَوِّذَاتِ ويَمْسَحُ بيَدِه، فلمَّا اشْتَكَى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ وَجَعَه الذي تُوُفِّيَ فيهِ طَفِقْتُ أنْفُثُ عليهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بالمُعَوِّذَاتِ التي كانَ يَنْفُثُ بها على نَفْسِه.
وعنه صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أنه كانَ إذا أخَذَ مَضْجَعَه نَفَثَ في يَدَيْهِ وقَرَأَ فيهما بالمُعَوِّذَاتِ ثُمَّ مَسَحَ بهما جَسَدَه.
ومنهم مَن أَنْكَرَ النَّفْثَ.
عن عِكْرِمَةَ: لا يَنْبَغِي للراقي أنْ يَنْفُثَ ولا يَمْسَحَ ولا يَعْقِدَ.
وعن إبراهيمَ: كانوا يَكْرَهونَ النَّفْثَ في الرُّقَى.
وقالَ بعضُهم: دَخَلْتُ على الضحَّاكِ وهو وَجِعٌ فقُلْتُ: ألا أُعَوِّذُكَ يا أبا محمدٍ؟ قالَ: بَلَى, ولكنْ لا تَنْفُثْ. فعَوَّذْتُه بالمُعَوِّذَتَيْنِ.
قالَ بعضُ العُلَماءِ: لعلَّهم كَرِهوا النَّفْثَ؛ لأنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ النفْثَ مِمَّا يُستعاذُ منه, فوَجَبَ أنْ يكونَ مَنْهِيًّا عنه.
وقالَ بعضُهم: النَّفْثُ في العُقَدِ المنهيُّ عنه هو الذي يكونُ سِحْرًا مُضِرًّا بالأرواحِ والأبْدَانِ، وأمَّا الذي يكونُ لإصلاحِ الأرواحِ والأبدانِ فيَجِبُ ألاَّ يكونَ حَرَامًا). [غرائب القرآن: 30/226]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ مُفْلِحِ بنِ مُحَمَّدٍ الحَنْبَلِيُّ (ت:763هـ): (وَيُكْرَهُ التَّفْل بِالرِّيقِ وَالنَّفْخُ بِلا رِيقٍ، وَقِيلَ فِي كَرَاهَةِ النَّفْثِ فِي الرُّقْيَةِ وَإِبَاحَتِهِ مَعَ الرِّيقِ وَعَدَمِهِ رِوَايَتَانِ.
وَذَكَرَ السَّامرِّيُّ أَنَّ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ كَرِهَ التَّفْلَ فِي الرُّقَى، وَإِنَّهُ لا بَأْسَ بِالنَّفْخِ.
قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: يُكْرَهُ التَّفْلُ فِي الرُّقْيَةِ؟
قَالَ: أَلَيْسَ يُقَال إذَا رَقَى نَفَخَ وَلَمْ يَتْفُلْ؟
قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيَهْ كَمَا قَالَ.
وَجَزَمَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الأَصْحَابِ بِاسْتِحْبَابِ النَّفْخِ وَالتَّفْلِ؛ لأَنَّهُ إذَا قَوِيَتْ كَيْفِيَّةُ نَفْسِ الرَّاقِي كَانَتِ الرُّقْيَةُ أَتَمَّ تَأْثِيرًا وَأَقْوَى فِعْلاً، وَلِهَذَا تَسْتَعِينُ بِهِ الرُّوحُ الطَّيِّبَةُ وَالخَبِيثَةُ فَيَفْعَلُهُ المُؤْمِنُ وَالسَّاحِرُ.
وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الجُمْهُورَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمُ اسْتَحَبُّوا النَّفْثَ.
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: وَكَانَ مَالِكٌ يَنْفُثُ إذَا رَقَى نَفْسَهُ، وَكَانَ يَكْرَهُ الرُّقْيَةَ بِالحَدِيدِ وَالمِلْحِ وَالَّذِي يَكْتُبُ خَاتَمَ سُلَيْمَانَ.
وَالعَقْدُ عِنْدنَا أَشَدُّ كَرَاهَةً لِمَا فِيهِ مِنْ مُشَابَهَةِ السِّحْرِ انْتَهَى كَلامُهُ). [الآداب الشرعية:3/]
قالَ أَحْمَدُ بنُ علِيٍّ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانِيُّ (ت:852هـ): ( قَوْلُهُ: (بَابُ النَّفْثِ) بفَتْحِ النُّونِ وَسُكونِ الفَاءِ بعدَها مُثَلَّثَةٌ (فِي الرُّقْيَةِ) فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَن كَرِهَ النَّفْثَ مُطْلَقًا كَالأَسْوَدِ بنِ يَزِيدَ أَحَدِ التَّابعِينَ تَمَسُّكًا بقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ (4) } [الفلق: 4]، وَعَلَى مَن كَرِهَ النَّفْثَ عِندَ قِرَاءَةِ القُرْآنِ خَاصَّةً كَإِبرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، أَخْرَجَ ذَلِكَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ فَأَمَّا الأَسْوَدُ فَلا حُجَّةَ لَهُ فِي ذَلِكَ لأَنَّ المذْمُومَ مَا كَانَ مِن نَفْثِ السَّحَرَةِ وَأَهْلِ البَاطِلِ، وَلا يَلْزَمُ مِنْهُ ذَمُّ النَّفْثِ مُطْلَقًا وَلا سِيَّمَا بَعْدَ ثُبُوتِهِ فِي الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَأَمَّا النَّخَعِيُّ فَالحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ثَالِثِ أَحَادِيثِ البَابِ؛ فَقَدْ قَصُّوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القِصَّةَ وَفِيهَا: أَنَّهُ قَرَأَ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَتَفَلَ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ ذَلِكَ حُجَّةً، وَكَذَا الحَدِيثُ الثَّانِي فَهُوَ وَاضِحٌ مِن قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ النَّفْثِ مِرَارًا أَوْ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لا رِيقَ فِيهِ وَتَصْوِيبُ أَنَّ فِيهِ رِيقًا خَفِيفًا وَذَكَرَ فِيهِ ثَلاثَةَ أَحَادِيث). [فتح الباري: ]
قالَ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بْنِ عَادِلٍ الدِّمَشْقِيُّ الحَنْبَلِيُّ (ت: 880هـ): (واخْتُلِفَ في النَّفْثِ عِنْدَ الرُّقَى: فَمَنَعَهُ قَوْمٌ، وأَجَازَهُ آخَرُونَ.
قَالَ عِكْرِمَةُ: لا يَنْبَغِي لِلرَّاقِي أَنْ يَنْفُثَ، ولا يَمْسَحَ، ولا يعْقِدَ.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَكْرَهُونَ النَّفْثَ مِنَ الرَّاقِي، والصَّحِيحُ الجَوَازُ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْفُثُ في الرُّقْيَةِ.
ورَوَى مُحَمَّدُ بْنُ حَاطِبٍ أَنَّ يَدَهُ احْتَرَقَتْ، فأَثْبَتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجَعَلَ يَنْفُثُ عَلَيْهَا، وَيَتَكَّلَمُ بِكَلامٍ، وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْهُ.
ورُوِيَ أَنَّ قَوْمًا لُدِغَ فِيهِمْ رَجُلٌ، فَأَتَوْا أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقَالُوا: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ؟ فقَالُوا: لا حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا شَيْئًا، فجَعَلُوا لَهُمْ قَطِيعًا مِنَ الغَنَمِ، فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يقْرَأُ فَاتِحَةَ الكِتَابِ وَيَرْقِي وَيَتْفُلُ حَتَّى بَرِئَ، فَأَخَذُوهَا، فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرُوا ذَلِكَ له، فَقَالَ: ((ومَا يُدْرِيكُمْ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ خُذُوا واضْرِبَوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا)).
وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ فكَأَنَّهُ ذَهَبَ فيه إِلَى أَنَّ النَّفْثَ في العُقَدِ مِمَّا يُسْتَعَاذُ بِهِ بِخِلافِ النَّفْثِ بلا عُقَدٍ). [اللباب: 20/574]
قالَ الخَطِيبُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشِّرْبِينِيُّ (ت: 977هـ): ( (تنبيهٌ) اختُلِفَ في النَّفثِ في الرُّقَى فجوَّزَهُ الجمهورُ منَ الصَّحابةِ والتَّابعين ومنْ بعدَهُمْ ويدلُّ عليهِ حديثُ عائشةَ قالتْ: كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا مَرِضَ أحدٌ منْ أهلِهِ نفثَ عليهِ بالمُعوِّذَتَيْنِ، ورَوى محمدُ بنُ حاطبٍ أنَّ يدَهُ احترَقَتْ فأَتَى النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعلَ ينفُثُ عليها ويتكلَّمُ بكلامٍ زَعمَ أنَّهُ لمْ يَحْفَظْهُ، ورُويَ أنَّ قومًا لُدِغَ رجلٌ منهمْ فأتوا أصحابَ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: هلْ فيكمْ مِن راقٍ؟ قالوا: لا حتى تجعلوا لنا شَيْئًا فجعلوا لهمْ قطيعًا منَ الغَنمِ فجعلَ رَجلٌ منهمْ يقرأُ فاتحةَ الكتابِ ويَرقِي ويتْفُلُ حتى بَرِئَ فأخذوهُ فلمَّا رجعوا ذكروا ذلكَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ((وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ، خُذُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ)). وأنكرَ جماعةٌ النَّفْثَ والتَّفْلَ في الرُّقَى وأجازوا النَّفْخَ بلا رِيقٍ، وقَالَ عكرمةُ: لا ينبغي للرَّاقِي أنْ يَنفُثَ ولا يَمسحَ ولا يعِقدَ، وَقِيلَ إنَّ النَّفْثَ في العُقَدِ إنما يكونُ مذمومًا إذا كانَ سِحْرًا مُضِرًّا بالأرواحِ والأبدانِ، وإذا كانَ النَّفْثُ لإصلاحِ الأرواحِ والأبدانِ فلا يضُرُّ وليسَ بمذمومٍ ولا مكروهٍ بلْ هوَ مندوبٌ إليهِ). [تفسير القرآن الكريم: 4/ 613-614]
قالَ مُحَمَّد صِدِّيق حَسَن خَان القِنَّوْجِيُّ (ت: 1307هـ): (واخْتَلَفُوا في جَوَازِ النفخِ في الرُّقَى وَالتَّعَاوِيذِ الشَّرْعِيَّةِ، فَجَوَّزَهُ الجمهورُ مِنَ الصحابةِ وَالتابعينَ وَمَن بَعْدَهُمْ، يَدُلُّ عَلَيْهِ حديثُ عائشةَ قَالَتْ: (كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بالمُعَوِّذَاتِ). الحديثَ.
وأَنْكَرَ جماعةٌ التَّفْلَ وَالنَّفْثَ في الرُّقَى وَأَجَازُوا النَّفْخَ بلا رِيقٍ، قَالَ عِكْرِمَةُ: لا يَنْبَغِي للرَّاقِي أَنْ يَنْفُثَ وَلا يَمْسَحَ وَلا يَعْقِدَ.
قالَ النسفيُّ: جُوِّزَ الاسْتِرْقَاءُ بما كَانَ مِنْ كتابِ اللهِ وَكلامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، لا بِمَا كانَ بالسُّرْيَانِيَّةِ وَالعبرانيَّةِ وَالهنديَّةِ، فإِنَّهُ لا يَحِلُّ اعْتِقَادُهُ وَلا اعْتِمَادٌ عَلَيْهِ). [فتح البيان: 15/461]