ما ورد في نزول قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) )
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (قوله تعالى: {وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ ...} الآية.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المطوعي قال: أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري قال: أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا أبو عبد الله بن عمر بن أبان قال: حدثنا ابن المبارك قال: حدثنا شريك عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال: فقدت قطيفة حمراء يوم بدر مما أصيب من المشركين فقال أناس: لعل النبي صلى الله عليه وسلم أخذها فأنزل الله تعالى: {وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ}
[أسباب النزول: 121]
قال حصيف: قلت لسعيد بن جبير: ما كان لنبي أن يغل فقال: بل يغل ويقتل.
أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم النجار قال: حدثنا أبو القاسم سليمان بن أيوب الطبراني قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يزيد النرسي قال: حدثنا أبو عمر حفص بن عمر الدوري عن أبي محمد اليزيدي عن أبي عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان ينكر على من يقرأ (وما كان لنبي أن يُغَلَّ) ويقول: كيف لا يكون له أن يغل وقد كان يقتل قال الله تعالى: {وَيَقتُلونَ الأَنبِياءَ} ولكن المنافقين اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الغنيمة فأنزل الله عز وجل: {وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ}.
أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الأصفهاني قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأصفهاني قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا وكيع عن سلمة عن الضحاك قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلائع فغنم النبي صلى الله عليه وسلم غنيمة وقسمها بين الناس ولم يقسم للطلائع شيئًا فلما قدمت الطلائع قالوا: قسم الفيء ولم يقسم لنا فنزلت: {وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ} قال سلمة: قرأها الضحاك يغَلَّ.
وقال ابن عباس في رواية الضحاك: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وقع في يده غنائم هوازن يوم حنين غله رجل بمخيط فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال قتادة: نزلت وقد غل طوائف من أصحابه.
[أسباب النزول: 122]
وقال الكلبي ومقاتل: نزلت حين تركت الرماة المركز يوم أحد طلبًا للغنيمة وقالوا: نخشى أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أخذ شيئًا فهو له وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ظننتم أنا نغل ولا نقسم لكم)) فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى عن ابن عباس أن أشراف الناس استدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخصصهم بشيء من الغنائم فنزلت هذه الآية). [أسباب النزول: 123]
قال أحمدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تعالى {وما كان لنبي أن يغل} [الآية: 161]
1 - أخرج عبد بن حميد والترمذي والطبري وأبو يعلى وابن أبي حاتم من طريق خصيف عن مقسم حدثني ابن عباس إن هذه الآية نزلت وما كان لنبي أن يغل في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر فقال بعض الناس أخذها محمد وأكثروا في ذلك فأنزل الله تبارك وتعالى ما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة
لفظ الطبري وفي رواية أبي يعلى فقدت قطيفة حمراء يوم بدر مما أصيب من المشركين فقال ناس لعل رسول الله أخذها فأنزل الله وما كان لنبي أن يغل قال خصيف فقلت لسعيد بن جبير وما كان لنبي أن
[العجاب في بيان الأسباب: 2/775]
يغل يعني بفتح الغين فقال بل يغل ويقتل
وفي رواية الطبري قلت لسعيد بن جبير كيف تقرأ أن يغل أو يغل قال أن يغل يعني بضم الغين قد كان والله يغل ويقتل
قال الترمذي حسن غريب وقد رواه عبد السلام بن حرب عن خصيف
قلت هي رواية الطبري من طريقه
قال ورواه بعضهم عن خصيف عن مقسم فأرسله
قلت هي رواية شريك عنه عند عبد بن حميد
وأخرج الطبراني من طريق أبي عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان ينكر على من يقرأ أن يغل يعني بفتح الغين ويقول كيف لا
[العجاب في بيان الأسباب: 2/776]
يكون له أن يغل وقد كان يقتل قال الله عز وجل ويقتلون الأنبياء لكن المنافقين اتهموا رسول الله في شيء من الغنيمة فأنزل الله عز وجل وما كان لنبي أن يغل
وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن خصيف فقال عن عكرمة بدل مقسم
وفي رواية عن عكرمة وسعيد بن جبير والرواية المفصلة أثبت
وأخرجه من طريق حميد الأعرج عن سعيد بن جبير قال نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر لم يذكر ابن عباس
قال الطبري في ذكر وعيد أهل الغلول في بقية الآية دليل واضح على صحة قراءة الجمهور
قلت أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وما كان لنبي أن يغل قال يغله أصحابه
وأخرجه الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال وما كان لنبي أن يغل بضم أوله
[العجاب في بيان الأسباب: 2/777]
أن يغله أصحابه الذين معه ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت يوم بدر وقد غل طوائف من المسلمين
وكذا أخرجه الطبري من طريق الربيع بن أنس ثم شرع الطبري في رد هذه القراءة واستشهد للمشهورة بحديث أبي هريرة المخرج في الصحيح ألا هل عسى رجل منكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة الحديث
2 - قول آخر أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس وما كان لنبي أن يغل أي يقسم لطائفة من المسلمين ويترك طائفة فيجور في القسمة ولكن يقسم بالعدل ويأخذ فيه بأمر الله فإذا فعل ذلك استنوا به
3 - قول آخر أخرج الطبري من طريق سلمة بن نبيط عن
[العجاب في بيان الأسباب: 2/778]
الضحاك بن مزاحم قال بعث رسول الله طليعة وغنم النبي فقسمها بين الناس ولم يقسم للطلائع شيئا وقدمت الطلائع فقالوا لم يقسم لنا فنزلت وما كان لنبي أن يغل قرأها بضم الغين أي يعطي غير من قاتل
4 - قول آخر ذكر جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أن النبي لما وقعت في يده غنائم هوازن يوم حنين غله رجل في مخيط فنزلت
قلت وهذا من تخليط جويبر فإن هذه الآية نزلت في يوم أحد اتفاقا
5 - قول آخر قال مقاتل بن سليمان نزلت في الذين طلبوا الغنيمة يوم أحد يعني الرماة فتركوا المركز وقالوا نخشى أن يقول النبي من أخذ شيئا فهو له ونحن ها هنا وقوف فلما رآهم النبي قال ألم أعهد إليكم أن لا تبرحوا من المركز حتى يأتيكم أمري قالوا تركنا بقية إخواننا وقوفا قال أو ظننتم أنا نغل فنزلت وما كان لنبي أن يغل
وكذا ذكره الكلبي في تفسيره بنحوه لكن قال فقالوا نخشى أن لا يقسم الغنائم كما لم يقسمها يوم بدر وزاد بعد قوله إنا نغل ولا نقسم لكم). [العجاب في بيان الأسباب: 2/779]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161)}
أخرج أبو داود والترمذي وحسنة عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في قطيفة حمراء، افتقدت يوم بدر فقال بعض الناس: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها فأنزل الله {وما كان لنبي أن يغل} إلى آخر الآية.
وأخرج الطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات عن ابن عباس قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشا فردت رايته، ثم بعث فردت، ثم بعث فردت بغلول رأس غزال من ذهب فنزلت {وما كان لنبي أن يغل}). [لباب النقول: 65]
قَالَ مُقْبِلُ بنِ هَادِي الوَادِعِيُّ (ت: 1423هـ): (قوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} [الآية: 161].
قال الإمام الطبراني رحمه الله [12 /134] حدثنا عبدان بن أحمد ثنا عبد الرحمن بن خالد الرقي ثنا معاوية بن هشام ثنا سفيان عن حبيب بن أبي ابت عن ابن عباس قال: بعث نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جيشا فردت رايته ثم بعث فردت بغلول رأس غزال من ذهب فنزلت {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}.
قال الهيثمي في المجمع والسيوطي في لباب النقول إن رجاله ثقات.
قال أبو عبد الرحمن: الأمر كما قالا من حيث الرجال ولكن حبيب بن أبي ثابت مدلس ولم يصرح بالتحديث وهو وإن كان قد سمع من ابن عباس وقد أثبت له علي بن المديني لقي ابن عباس كما في جامع التحصيل وأثبت له العجلي السماع من ابن عباس كما في تهذيب التهذيب لكنه مدلس وقد روى عن ابن عباس بواسطتين وهما محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وأبوه كما في تحقيق الإلزامات والتتبع [483] فعلم بهذا أن الحديث ضعيف بهذا السند.
[الصحيح المسند في أسباب النزول: 58]
سبب آخر للآية لم يصح أيضا:
قال الإمام الطبراني رحمه الله [11/101] حدثنا محمد بن أحمد بن يزيد النرسي البغدادي ثنا أبو عمر حفص بن عمر المقري الدوري ثنا أبو محمد اليزيدي حدثني أبو عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان يقرأ {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} وكيف لا يكون له أن يغل وله أن يقتل قال الله: {وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ} ولكن المنافقين اتهموا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في شيء فأنزل الله عز وجل {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} الحديث أخرجه الطبراني في [الصغير: 2 /15].
والواحدي في [أسباب النزول: 84] والخطيب في [تاريخ بغداد: 1/372].
الحديث رجاله ثقات إلا شيخ الطبراني فلم أجد له ترجمة إلا في [تاريخ بغداد: 1 /372] قال الخطيب: روى عنه أبو القاسم الطبراني ثم لم يذكر الخطيب فيه جرحا ولا تعديلا.
وقد أخرج أبو داود والترمذي نحوه ولكنه من طريق خصيف بن عبد الرحمن قال الحافظ في تخريج الكشاف: أعله ابن عدي بن خصيف. ا.هـ.
قال أبو عبد الرحمن خصيف ضعفه الأكثرون وقد اضطرب في هذا الحديث فتارة يرسله وتارة يوصله وتارة يقول عن مقسم وتارة يقول عن عكرمة أو غيره. راجع تفسير ابن جرير [4 /155].
ثم وجدت له طريقا صالحا للحجية قال الإمام البزار رحمه الله كما في [كشف الأستار: 3 /43]: حدثنا محمد بن عبد الرحيم ثنا عبد الوهاب بن عطاء ثنا هارون القارئ عن الزبير بن الخريت عن عكرمة عن ابن عباس {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} ما كان لنبي أن يتهمه أصحابه. ا.هـ. هارون هو ابن موسى الأزدي العتكي مولاهم أبو عبد الله ويقال أبو إسحاق النحوي البصري الأعور صاحب القراءات وثقه ابن معين وغيره كما في تهذيب التهذيب.
[الصحيح المسند في أسباب النزول: 59]
وهذا الأثر وإن لم يكن فيه سبب نزول فإنه يؤيد ما تقدم من سبب النزول عن ابن عباس والله أعلم). [الصحيح المسند في أسباب النزول: 60]
روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين