تفسير قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ (1) }
تفسير قوله تعالى: {عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) }
تفسير قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) }
تفسير قوله تعالى: {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) }
تفسير قوله تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) }
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (ويقال أحسبه إذا أكثر له قال الشاعر
(ونقفي وليد الحي إن كان جائعا = ونحسبه إن كان ليس بجائع)
أي نكثر له ونعطيه حتى يقول حسب ومنه قوله (عطاء حسابا) أي كثيرا وقد حسبت الشيء أحسبه حسابا وحسبانا وحسبة قال الله عز وجل: {الشمس والقمر بحسبان} أي بحساب وقال الأسدي أنشدنيه ابن الأعرابي:
(يا جمل أسقاك بلا حسابه = سقيا مليك حسن الربابه)
وقال النابغة:
(وأسرعت حسبة في ذلك العدد) ). [إصلاح المنطق: 236]
تفسير قوله تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله:
عدد النجم والحصى والترابِ
فيه قولان: أحدهما أنه أراد بالنجم النجوم، ووضع الواحد في موضع الجمع، لأنه للجنس؛ كما تقول: أهلك الناس الدرهم والدينارُ، وقد كثرتِ الشاةَ والبعيرُ، وكما قال الله جل وعزَّ: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}.
وقال الشاعر:
فبات يعدُّ النجمَ في مستجيرةٍ = سريعٍ بأيدي الآكلين جمودها
يريد النجمَ، ويعني بالمستحيرة إهالة. والوجهُ الآخرُ أن يكون النجمُ ما نجمَ من النبتِ، وهو ما لم يقم على ساقٍ، والشجرُ ما يقوم على ساقٍ.
واليقطين: ما انتشر على وجه الأرض. قال الله عز وجل: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ}، وقال الحارث بن ظالمٍ، للأسودِ بن المنذر بن ماء السماء:
أخصيي حمارٍ بات يكدم نجمةً = أيؤكل جيراني وجارُكَ سالمُ!).
[الكامل: 2/795-796]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( والساجد: المنحني عند بعض العرب، وهو في لغة طيء المنتصب، قال الشاعر:
إنك لن تلقى لهن ذائدا = أنجح من وهم يثل الفائدا
لولا الزمام اقتحم الأجالد = بالغرب أو دق النعام الساجدا
ورواه أبو عبيدة:
لولا الحزام جاوز الأجالدا
وقال: الأجالد جمع الجلد، وهو آخر منقطع المنحاة، والمنحاة مختلف السانية. والنعام الساجد: خشبات منصوبة على البئر في قول أبي عمرو. وقال غيره: أراد بالساجد خشبات محنية لشدة ما تجذب، والإسجاد في عير هذا الموضع
فتور النظر وغض الطرف؛ يقال: قد أسجدت المرأة إذا غضت طرفها، ويقال: قد سجدت عينها إذا فتر نظرها، قال كثير:
أغرك منا أن دلك عندنا = وإسجاد عينيك الصيودين رابح
والسجود في غير هذا: الخشوع والخضوع والتذلل؛ كقوله جل اسمه: {ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر}، فسجود الشمس والقمر على جهة الخشوع والتذلل.
ومن هذا قوله: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده}، معناه أن أثر صنعة الله عز وجل موجودة في الأشياء كلها حيوانها ومواتها؛ فما لم تكن له آلة النطق والتسبيح وصف بذلك على جهة التشبيه بمن ينطق ويسبح لدلالته على خالقه وبارئه، قال الشاعر:
ساجد المنخر ما يرفعه = خاشع الطرف أصم المستمع
وقال الآخر:
بجمع تضل البلق في حجراته = ترى الأكم منها سجدا للحوافر
وقال الآخر:
قد كان ذو القرنين جدي مسلما = ملكا تدين له الملوك وتسجد
وقال جرير:
لما أتى خير الزبير تضعضعت = سور المدينة والجبال الخشع
فوصفها بالخشوع على ما وصفنا. وقال الطرماح:
وأخو الهموم إذا الهموم تحضرت = جنح الظلام وساده لا يرقد
وقال الطرماح أيضا:
وخرق به البوم يرثي الصدا = كما رثت الفاجع النائحه
فخبر عن الصدى بالمرثية على جهة التشبيه. وقال الطرماح أيضا:
ولكني أنص العيس يدمى = أظلاها وتركع في الحزون
وقال عمرو بن أحمر:
خلد الحبيب وباد حاضره = إلا منازل كلها قفر
ولهت عليها كل معصرة = هوجاء ليس للبها زبر
خرقاء تلتهم الجبال وأجـ = ـواز الفلاة وبطنها صفر
وقال بعده:
وعرفت من شرفات مسجدها = حجرين طال عليهما الدهر
بكيا الخلاء فقلت إذ بكيا = ما بعد مثل بكاكما صبر
فوصف بهذه الأفاعيل من لا يفعلها فعل حقيقة؛ إنما
جوازها على المجاز والاتساع، وقد قال الله عز وجل: {والنجم والشجر يسجدان}، فخبر عن النجم والشجر بالسجود على معنى الميل، أي يستقبلان الشمس ثم يميلان معها حتى ينكسر الفيء، والسجود في الصلاة سمي سجودا لعلتين: إحدهما أنه خضوع وتذلل لله جل وعز؛ إذ كانت العرب تجعل الخاضع ساجدا. والعلة الأخرى أنه سمي سجودا لأنه بالميل يقع، والانحناء والتطاطؤ على ما تقدم في التفسير، كما سمي الركوع في الصلاة ركوعا، لأنه انحناء). [كتاب الأضداد: 294-297] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( أخصي حمار بات يكدم نجمة = أتأكل جيراني وجارك سالم
ويروى أتؤكل جاراتي قال الضبي: النجمة ما كانت نبتته على وجه الأرض على غير ساق: والشجر ما كان على ساق طال أو قصر: والحمير تعبث بالنجم وواحد النجم نجمة وقوله أخصي أراد يا خصي حمار: يدنيه بذلك قال يعقوب: أراد يا خصي حمار يصغره بذلك والنجمة هذا النبت الذي يرتفع فيبسط عليه القصارون الثياب ويقال له نجمة: قال يعقوب: ولا أعرف للواحد منه اسما غير هذا ولكن هذا اسم هذا النبت وقال غيره: إنما شبهه بخصي حمار: أي إنك مشنج الوجه متغضنه كخصي الحمار إذا كدم هذه النجمة: وذلك لصلابتها ومنه قول الله عز وجل: {والنجم والشجر يسجدان}: فالنجم: ما لم يكن على ساق وكان منبسطا على وجه الأرض والشجر: ما كان على ساق). [شرح المفضليات: 617]
تفسير قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) }
تفسير قوله تعالى: {أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) }
تفسير قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) }
تفسير قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) }
تفسير قوله تعالى: {فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والبراعيم، واحدها برعومة، وهي أكمة الروض قبل أن تتفتق، يقال لواحدها: كم، وكمام، فمن قال: كمام، فمن قال: كمام، فجمعه أكمة، مثل صمام وأصمة، وزمام وأزمة، ومن قال: كم، فالجماع أكمام، قال الله عز وجل {وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ} ). [الكامل: 2/929]
تفسير قوله تعالى: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت: 206هـ): (ويقال: انشقّ الصّبح عن ريحانه، أي عن تباشيره. والرّيحان أيضاً الرّزق. ويقال: سبحانه وريحانه، كأنّه قال: واسترزاقاً له. وقال الله عزّ وجلّ: {والحبّ ذو العصف والرّيحان}. وقال النّمر بن تولب:
عطاء الإله وريحانه = ورحمته وسماءٌ درر).
[الأزمنة: 53]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (قال الرستمي: قوله تسقي يعني هذه السانية التي وصف. والمذانب الدبار ههنا وأصل المذانب مجاري الماء إلى الرياض الواحد مذنب والمذانب أيضًا المغارف وهي المقادح. قال: وزالت عصيفتها تفرقت وتفتحت من ريها، ويقال زل ذا من ذا ومز ذا من ذا يقال زلته فلم يزل ومزته فلم يمز. قال: ويروى: قد طالت عصيفتها ويروى: قد مالت. فيقول من ريه وكثرة مائه وطوله قد تمايل. وقال أبو عبيدة: العصيفة والعصافة ورق الزرع ومنه قول الله عز وجل: {والحب ذو العصف والريحان} ). [شرح المفضليات: 796]
تفسير قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) }
تفسير قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) }
تفسير قوله تعالى: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15) }
تفسير قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16) }
تفسير قوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) }
تفسير قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18) }
تفسير قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) }
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (تفسير قوله تعالى: {فهم في أمرٍ مريجٍ} [ق: 5]
قال: وحدّثنا أبو بكر بن الأنباري، في قوله عز وجل: {فهم في أمرٍ مريجٍ} [ق: 5] قال: معناه في أمر مختلط، يقال: مرج أمر الناس أي اختلط، وأنشد:
مرج الدّين فأعددت له = مشرف الحارك محبوك الكتد
وكذا فسر ابن عباس، واستشهد بقول أبي ذؤيب: كأنه خوطٌ مريح يعني: سهما قد اختلط به الدم، ويقال: أمرجت الدابة أي رعيتها، ومرجتها: خليتها، قال الله جل عز: {مرج البحرين يلتقيان} [الرحمن: 19] يعني: أرسلهما وخلاّهما). [الأمالي: 2/310] (م)
تفسير قوله تعالى: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) }
تفسير قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21) }
تفسير قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22) }
تفسير قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (23) }
تفسير قوله تعالى: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآَتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ثم جعلته علماً والعلم: الجبل، فلم تقتصر على ذلك حتى جعلت في رأسه ناراً، شهرةً في الكرم، وناراً على علم في الهداية.
وقول الله عز وجل: {وله الجواري المنشآت في البحر كالأعلام} إنما هي الجبال. وقال جرير: الرجز
إذا قطعن علماً بدا علم). [التعازي والمراثي: 62]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): ( وإنّ صخراً لتأتمّ الهداة به = كأنّه علمٌ في رأسه نار
العلم هاهنا: الجبل، وكذلك قال المفسرون في قول الله جل وعز: {وله الجواري المنشآت في البحر كالأعلام}. ومنه قول جرير: الرجز
إذا قطعن علماً بدا علم). [التعازي والمراثي: 123-124]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ومن التشبيه المتجاوز المفرط، قول الخنساء:
وإن صخرًا لتأتم الهداة به = كأنه علم في رأسه نار
فجعلت المهتدي يأتم به، وجعلته كنار في رأس علم، والعلم: الجبل، قال جرير:
إذا قطعن علمًا بدا علم
وقال الله جل ثناؤه: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ}.
ومن هذا الضرب من التشبيه قول العجاج:
تقضي البازي إذا البازي كسر
والتقضي: الإنقاض، وإنما أراد سرعتها، والعرب تبدل كثيرًا الياء من أحد التضعيفين، فيقولون: تظنيت والأصل: تظننت، لأنه تفعلت من الظن، وكذلك: تقضيت؛ من الإنقضاض، أي تقضضت، وكذلك تسريت، ومثل هذا كثير). [الكامل: 2/941-942]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقولها: بأنه علم في رأسه نار فالعلم الجبل، قال الله جل وعز: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ}، وقال جرير:
إذا قطعن علمًا بدا علم
يعني الإبل). [الكامل: 3/1413]
تفسير قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (25) }
تفسير قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) }
تفسير قوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) }
تفسير قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28) }
تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن جواب الأمر والنهي ينجزم بالأمر والنهي؛ كما ينجزم جواب الجزاء بالجزاء؛ وذلك لأن جواب الأمر والنهي يرجع إلى أن يكون جزاءً صحيحاً. وذلك قولك: ائتني أكرمك، لأن المعنى: فإنك إن تأتني أكرمك؛ ألا ترى أن الإكرام إنما يستحق بالإتيانو كذلك: لا تأت زيداً يكن خيراً لك؛ لأن المعنى: فإنك إلا تأته يكن خيراً لك.
ولو قال على هذا: لا تدن من الأسد يأكلك كان محالاً؛ لأنه إذا قال: لا تدن فإنما هو: تباعد، فتباعده منه لا يكون سبباً لأكله إياه. ولكن إن رفع جاز، فيكون المعنى: لا تدن من الأسد ثم قال: إنه مما يأكلك.
وإنما انجزم جواب الاستفهام؛ لأنه يرجع من الجزاء إلى ما يرجع إليه جواب الأمر والنهي وذلك قولك: أين بيتك أزرك? لأن المعنى: بإن أعرفه أزرك وكذلك هل تأتيني أعطك، وأحسن إليك؛لأن المعنى: فإنك إن تفعل أفعل.
فأما قول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذابٍ أليمٍ} ثم قال: {تؤمنون بالله ورسوله} فإن هذا ليس بجواب، ولكنه شرح ما دعوا إليه، والجواب: {يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم}.
فإن قال قائل: فهلا كان الشرح أن تؤمنوا، لأنه بدل من تجارة? فالجواب في ذلك أن الفعل يكون دليلاً على مصدره، فإذا ذكرت ما يدل على الشيء فهو كذكرك إياه؛ ألا ترى أنهم يقولون: من كذب كان شراً، يريدون: كان الكذب وقال الله عز وجل: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم} لأن المعنى: البخل هو خيراً لهم، فدل عليه بقوله يبخلون. وقال الشاعر:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغـى = وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
فالمعنى: عن أن أحضر الوغى، كقولك: عن حضور الوغى. فلما ذكر أحضر الوغى دل على الحضور. وقد نصبه قوم على إضمار أن وقدموا الرفع.
وسنذكر ذلك باستقصاء العلة فيه إن شاء الله.
فأما الرفع فلأن الأفعال لا تضمر عواملها، فإذا حذفت رفع الفعل وكان دالاً على مصدره بمنزلة الآية وهي {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} ثم قال: تؤمنون.
وكذلك لو قال قائل: ماذا يصنع زيد? فقلت:يأكل أو يصلي لأغناك عن أن تقول:الأكل أو الصلاة. ألا ترى أن الفعل إنما مفعوله اللازم له إنما هو المصدر، لأن قولك: قد قام زيد بمنزلة قولك: قد كان منه قيام، والقيام هو النوع الذي تعرفه وتفهمه ولو قلت: ضرب زيد لعلمت أنه قد فعل ضرباً واصلاً إلى مضروب، إلا أنك لا تعرف المضروب بقوله: ضرب وتعرف المصدر.
وأما الذين نصبوا فلم يأبوا الرفع، ولكنهم أجازوا معه النصب؛ لأن المعنى إنما حقه بأن، وقد أبان ذلك فيما بعده بقوله: وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي?. فجعله بمنزلة الأسماء التي يجيء بعضها محذوفاً للدلالة عليه.
وفي كتاب الله عز وجل: {يسأله من في السماوات والأرض} فالقول عندنا أن من مشتملة على الجميع؛ لأنها تقع للجميع على لفظ الواحد.
وقد ذهب هؤلاء القوم إلى أن المعنى: ومن في الأرض. وليس المعنى عندي كما قالوا وقالوا في بيت حسان:
فمن يهجوا رسول الله منكم = ويمدحه وينصره سـواء
إنما المعنى: ومن يمدحه وينصره. وليس الأمر عند أهل النظر كذلك؛ ولكنه جعل من نكرةً، وجعل الفعل وصفاً لها، ثم أقام في الثانية الوصف مقام الموصوف. فكأنه قال: وواحد يمدحه وينصره، لأن الوصف يقع في موضع الموصوف، إذ كان دالاً عليه.
وعلى هذا قول الله عز وجل: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به} ). [المقتضب: 2/133-135] (م)
تفسير قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30) }